أوراقإصداراتالدولتونسمنتدى دعم

تعديل استخدامات فيسبوك وتأثيراته على الديمقراطية:

ماذا سنقول للـ "الجيل الخطأ" لو أخطأنا التقدير؟

منتدى دعم

بقلم

هناء الطرابلسي

تختلف الفرضيات والنتائج البحثية في الأوساط العلمية التابعة لعلوم الاعلام والاتصال، بين باحثين يتبنون أساسًا مقاربات منتصرة بشكل قد يُعتبر شوفينيًاأو طوبويًالتكنولوجيا الاعلام والاتصال، وبين تيارات أخرى تصل فرضياتها ومنطلقاتها البحثية إلى حد التعبير عن عداء صريح للتقنية وللتكنولوجيا عامة وإلى تطوير نوع من الفوبيا من التكنولوجيا خاصة إذا ما تعلق الأمر بتأثيراتها السوسيوثقافية والسياسية والتربوية.

وعادة ما يتم ربط التيارات المنتصرة بشكل كبير للتكنولوجيا والمبالِغة في تعديد ميزاتها وقدرتها على تغيير المجتمعات والأشخاص، عادة ما يتم ربطها بتيارات أيديولوجية وبأنظمة وقوى سياسية ورأسمالية واستهلاكية أطرت وباركت ودفعت إلى تلميع صورة التكنلوجيا، أو لنقل بالغت في تضخيمها من خلال تظاهرات وبرامج دولية وإقليمية كبرى، على غرار قمة مجتمع المعلومات. تلك القمة التي نظمتها تونس سنة 2005 وتمت الإشادة خلالها بالدور الكبير لتكنولوجيا الاتصال والانترنت تحديدًا، في الوقت الذي كانت هذه الوسائل تخضع لرقابة الكترونية وحجب طال حتى المدونات التي تهتم بمواضيع المطبخ وفي نفس العام الذي توفى فيه الناشط زهير اليحياوي. زهير أو كما اشتهر على الشبكة التونسيأحد أول الناشطين التونسيين على الانترنت وأول ضحايا الشرطة الالكترونية لنظام بن علي، والذي تم إيقافه وسجنه قُبيل أشهر من وفاته على خلفية استعماله للأنترنت من أجل نقد نظام بن علي من خلال مدونته Tunezine. وقد تعكرت صحة زهير كثيرًا في سجون بن علي حيث لاقى شتى أنواع التعذيب وسوء المعاملة وهو ما عًجٌل بوفاته سنة 2005، وهو لم يتجاوز سن الثامنة والثلاثين وفي سياق يحتفي فيه نظام بن علي وضيوفه في قمة المعلومات بأهمية الانترنت وانفتاح تونس والمنطقة عليها ودعم الدولة لها وللشباب الراغبين في تبنيها وتطوير استخداماتها، وهو ما يؤكد ان الانتصار للتكنولوجيا وتمجيدها يمكن أن يكون وسيلة بروباغندا سياسية ومغازلة ديبلوماسية فحسب، في حين أن الاستخدامات والسياقات المحلية من حجب واعتقالات وتعذيب وغيرهمموضوع آخر تمامًا.

قولة للشهيد زهير اليحياوي في أحد شوارع العاصمة التونسية

هذا ونجد طبعًا وسط أنصار التكنلوجيا وأعدائها الشرسين، تيارات أخرى تعتبر الأحدث نسبيًا مقارنة ببقية التيارات المذكورة التي تعود إلى ما يزيد عن 50 سنة وهي أساسًا تيارات تراوح بين الايمان بالدور الهام الذي تلعبه تكنلوجيات الاعلام والاتصال وبتأثيرها السوسيوثقافي، والسياسي، والاقتصادي على المجتمعات الحديثة من ناحية، دون أن تلغي من ناحية أخرى الوجود الفاعل للمستخدم والدور الكبير الذي يلعبه السياق والاختلافات أحيانًا الجذرية بين المستخدمين في علاقة بخصوصياتهم النفسية والتعليمية والاجتماعية والثقافية، وكيفيات استخدامهم للتكنلوجية والحدود التي يرسمونها لأنفسهم أو التي تفرضها عليهم الأنظمة القمعية أو التي يتفقون حولها بشكل ما مع مجتمعاتهم ومع المشرع والسياسات المحلية والدولية وما إلى ذلكوخاصة أيضًا في علاقة بإمكانياتهم الاقتصادية وبالظروف التنموية المحيطة بهم.

حيث تختلف البُنى التحتية من مكان إلى آخر وتختلف المقدرة الشرائية من شخص إلى آخر خاصة وأن الاتصال بشبكة الانترنت في تونس ليس مجانيًا، وبعتبر حسب الاحصائيات الدولية باهظًا نسبيًا مقارنة بالمقدرة الشرائية وبمعدل الأجر الأدنى، لكن الغريب إلى حد ما في هذا المجال، أن هذه التكنولوجيا كمحور للأبحاث، تشهد تغيرات سريعة بشكل مفزع أحيانا، وبتغيرها وتطورها سواء نحو الافضل أو الأسوء، نلاحظ أن استعمالات مستخدميها وطرق تبنيهم وتطويعهم لها تشهد هي الاخرى تغيرات فجائية وسريعة سرعة تطور هذه التكنولوجيات.

وكثيراً ما نجد الاستخدامات توجه مخترعي ومُطوري وسائل التواصل الاجتماعي مثلًا إلى تفعيل خدمات ومنصات وتعديلات استبقها المستخدمون قبل أن يفكر فيها أو يخترعها صاحب هذه الشبكات. وهنا يمكن أن نأخذ فيسبوك كمثال على ذلك، حيث تحول منذ نشأته في 2004 من منصة خاصة بطلبة هارفرد إلى شبكة تواصل اجتماعي تجمع بين الإخبار والترفيه والصورة والفيديو والتجارة ونشر البلاغات والدعوات الرسمية والخاصة وتقديم التهاني والتعازي وسبر الآراء وتقديم نبذة عن حالة الطقس والاعلانات والاشعار بالتظاهرات والابلاغ بحالات انتحار ممكنة وطمأنة الأصدقاء والعائلة في حال حدوث كارثة طبيعية وتوفير عروض شغل وغيرهم من الخدمات والاستخدامات

في تونس، ومنذ ثورة 17 – 14 يناير\جانفي 2011، ركز الباحثون والخبراء سواء على المستوى المحلي أو الدولي على دراسة الدور الذي لعبه فيسبوك في الثورة التونسية. وقد تم خلق تسميات عديدة في هذا الصدد لعل أبرزها: “الثورة الرقمية، ثورة الفيسبوك، la révolution 2.0وما نجم عنها من تسميات وصفات ومهن جديدة أو مستحدثة على غرار: “ناشط رقمي، مدون حقوقي، cyberdissidence cyberactivist، صحافة المواطنة، الاعلام البديلوصولًا إلى صانع محتوى، ومؤثر، وانفلونسر، ويوتيوبر، وانستغراموروغيرهم

وتم تناول المسألة من خلال مقاربات تتبنى في معظمها الحتمية التكنلوجية le déterminisme technologique فتم الاجماع شبه التام لفترة ما على القدرة الخارقة لشبكات التواصل الاجتماعي في تأجيج الثورات وإنجاحها وفي دعم الانتقال الديمقراطي وتغيير الأنظمة السياسة“. وكان دور هذه الوسائط وعلى رأسها فيسبوك باعتباره الشبكة الأكثر استعمالًا في تونس، محور عديد الملتقيات والتظاهرات العلمية والأكاديمية في العالم وفي تونس والتي تتبنى في أغلب الأحيان ذاك الطرح الذي يصفه بعض الباحثين وعلى راسهم دويمينك فولتون Dominique Woltonبالطوبوي utopique الذي يتبنى مقاربات حتمية طوال النصف الأول من العشرية المنقضية وقد مكن هذا عديد المؤسسات والمنظمات الوطنية والدولية من عديد التمويلات التي صُرفت خصيصًا لدراسة الظاهرة وتفكيكها والبناء عليها مما جعل عديد المتدخلين يتسابقون لتقديم مشاريعهم البحثية والتدريبية للممولين في هذا المجال ناسين أو متناسين الكثير من النقاط التي تعتبر مُظلمة بخصوص استعمالات وتأثيرات فيسبوك في تونس ما بعد الثورة والدور الكبير الذي لعبته الهياكل المهنية والنقابية والطلابية والسياسية وعموم المواطنين والمواطنات في المناطق الشعبية والمهمشة في قيادة هذه الثورة وتأجيجها.

حيث تشير تقارير بعض منظمات الرصد والمتابعة والدعم للانتقال الديمقراطي وحرية التعبير إلى عديد الاخلالات والسلبيات المتأتية من استخدامات فيسبوك في تونس في السياق السياسي خاصة والأمثلة المتصلة بشكل مباشر بتأثيرات فيسبوك على الديمقراطية فهي عديدة، يمكن أن ننطلق بكمية العنف اللامتناهي على فيسبوك تحديدًا. عنف ضد كل من يخالف الرأي. افتقار كبير لتحليل ونقاش المضامين والأفكار وتفشي ملفت للعنف الرقمي خاصة أثناء فترات الانتخابات والأزمات السياسية، حيث تتبادل صفحات سياسية داعمة بشكل غير رسمي للمرشحين خطابات عنيفة لثلب الخصوم أكثر بكثير من نشرها للمحتوبات الهادفة لتقديم برامج المرشح وتصوراته والاقناع بها، هذا بالإضافة إلى حملات التكفير والتهديدات بالتصفية التي ما فتئت تطال الشخصيات العامة خاصة النساء على غرار الفة يوسف أو نادية الفاني أو بشرى بالحاج حميدة أو سعيدة قراش وعبير موسي ومحرزية العبيدي ومايا القصوري أو مؤخرًا جميلة دبش كسيكسي وشيماء بوهلال.

كل هذه الاستخدامات تمثل بلا شك تهديدًا واضحًا للديمقراطية التي ترتكز فيما ترتكز على ضمان حرية التعبير وحرية الضمير وعلى نظام قيمي كامل يُرجح الاحترام والمسؤولية وتغليب كفة المعرفة والمحاججة الصلبة على العنف والقوة، يمكن أيضًا أن نطرح هنا ظاهرة اكتسحت فيسبوك بشكل ملفت وهي بث الاشاعات وتحريف الاخبار والمعطيات وبث الفوضى والهلع. حيث أصبح المستخدم يستقي الأخبار من فيسبوك المليء بالإشاعات والتحريفات والتي يتم نشرها سواء عن جهل حقيقي أو لغاية تجميع أكثر عدد ممكن من المتابعين وتكبير قاعدة جماهير الصفحة لأهداف ربحية تجارية بحتة أو لغايات سياسية مبنية أساسًا على تشويه الخصوم واطاحتهم واستقطاب موالين جدد. وهو ما يؤثر على ركيزة كبرى للديمقراطية في بعدها الشامل الذي يفترض الشفافية والاحترام ويؤثر من جهة اخرى على أداء وسائل الاعلام التي يقوم عملها على المهنية واحترام اخلاقيات المهنة الصحفية.

حيث وإن كان المستخدم من خارج ميدان الاعلام غير مؤهل أو غير راغب بالضرورة في التثبت من المصادر ومقارعتها وتنويعها للوصول الى الخبر الدقيق والتثبت منه بطريقة مهنية، فإنه من الغريب اليوم أن يقع بعض الصحفيين والصحفيات أو النشطاء والناشطات أيضًا في فخ اشاعات فيسبوك فيتبنونها على أنها الحقيقة بعينها أحيانًا، وهو ما يسلب حق المواطن في الخبر الدقيق والمثبت ويلقي بالمتلقين والمتلقيات في دوامة الخوف والهلع وانعدام الثقة ويؤجج السلوكات العنيفة والراديكالية ويعزز في كثير من الأحيان من حالة الإحباط التي ألقت بالشباب وأيضا الأطفال في عرض البحر وتحت التراب واضعين وواضعات حدا لحياة لم تعد تلائمهم وسط سياق عام مشحون بالاخبار والمعطيات المفزعة والمحبطة والقاتمة.

من الظواهر الملفتة الأخرى، انخراط بعض السياسيين والسياسيات في استخدامات تؤثر بشكل مباشر ويكاد يكون فوريًا على مسار الديمقراطية التونسية. مثالنا في ذلك استخدام خدمة فيسبوك مباشر لايفالذي اتخذه بعض السياسيين مطية ومنبرًا لإفشاء معلومات ووثائق سرية وللعبث بالمعطيات الشخصية والحرمات الجسدية ولتشويه الخصوم وتصفية الحسابات السياسية وخلق حالة احتقان عامة ونوع من الشعور بالعجز وبعدم الأمان أو بالاستياء الكبير في صفوف بعض المواطنين والمواطنات ممن أنهكهم تأزم الوضع السياسي والاقتصادي والصحي والأمني. ناهيك عن تفشي التسريبات الصوتية والملفات الشخصية التي تهدد حياة الأفراد وحميمتهم والتي على إثرها تخربت البيوت وتفككت العائلات مع اقتراب كل موعد سياسي مهم.

وان اعتبر البعض قدرة السياسي اليوم بفضل فيسبوك على التعبير بشكل حر عبر حسابه الخاص بفيسبوك دونما حاجة إلى الوسيط الكلاسيكي، أي وسائل الاعلام وأن يكون في علاقة مباشرة افتراضية بمتابعيه، مظهرًا من مظاهر الديمقراطية، إلا أن البعض الآخر يعتبره تهديدًا صارخًا للديمقراطية باعتبارها ترتكز على نظام اجتماعي مميز يتبناه ويسير عليه المجتمع ويقوم على ثقافة سياسية واخلاقية معينة. كما أن الخطاب والاتصال السياسي هو علم قائم الذات يقوم على تقنيات وادبيات واخلاقيات ووسائط لا يمكن انكارها واستبدالها بخدمات فيسبوك بشكل خام وغير مدروس

نتساءل هنا عن دور الاعلام اليوم في إخبار الرأي العام حول الشأن السياسي بطريقته المهنية العلمية: هل سيتم الوصول إلى نفيه أو تغييبه ووأده تدرجيًا واعتماد منابر مباشرة كفيسبوك لنقل معلومات ومغالطات وادعاءات دون حسيب أو وسيط؟! وإن كان دور الحسيب تقوم به الهياكل المهنية والنقابية والتعديلية للإعلام اليوم، وإن كان دور الوسيط يقوم به تاريخيًا الصحفي الذي يأخذ المعلومات الخام فيدققها ويبحث في مصادرها ويحولها بأسلوب وتقنيات علمية إلى أخبار، فمن سيقوم بدور الحسيب والوسيط لهؤلاء السياسيين والمواطنين والمواطنات في منابر خارجة عن السطلة المعنوية لهذه الهياكل وخارجة عن التشريعات المحلية والضوابط المهنية وفي محامل تكنولوجية معقدة من حيث إجراءات السلامة والخصوصية؟! وهل الحديث عن وسيط وحسيب اليوم، ليس من شأنه أن يعود بنا إلى سنوات الرقابة والقمع والتتبع والايقافات العشوائية خاصة وأن الفترة الأخيرة شهدت ايقافات تعسفية عنيفة طالت ناشطين وناشطات رقميين!!، نتساءل أيضًا، إن كانت الديمقراطية تفترض نظامًا مميزًا يتبنى ثقافة سياسية واخلاقية معينة، فهل هذه هي الثقافة السياسية والأخلاقية التي تبناها مجتمعنا أو فرضت عليه بشكل ما، إبان الثورة؟!

الباحث الكندي سارج برو Serge Proulxأحد أشهر الباحثين في سوسيولوجيا واستخدامات تكنلوجيات الاعلام والاتصال أصدر في 2015، دراسة1شرح فيها ما أسماه المحو التدريجي لوعد الانترنت الديمقراطيالذي حلم به الكثيرون. حيث اعتبر فيسبوك تحديدًا تهديدًا لهذا الوعد بالديمقراطية وأكد على ضرورة بناء ديمقراطية معرفية نوعيةمن خلال الانترنت وأن الديمقراطية الحقيقية لا تقاس بمدى القدرة على الحصول على انترنت واستعمالها بحرية دون رقابة بل أن الديمقراطية تكون مبنية على المعرفة ونظام قيمي مشترك وتأتي التكنلوجيا لدعمها، وأنه ليست التكنولوجيا من تدعم الديمقراطية بل أن الديمقراطية هي من تدعم التكنولوجيا برفض كل أشكال الرقابة والتحسيس بأهمية التعديل الذاتي وبضرورة احتواء فيسبوك لخدمات رصد الانتهاكات ولبنك معلومات يدون بشكل واضح وغير رجعي الاشهارات السياسية والتجاوزات الانتخابية خاصة.

ولعل أكبر التهديدات على الديمقراطية اليوم في علاقة بفيسبوك هو استخداماته أثناء الانتخابات باعتبارها أكبر حدث متصل بشكل مباشر بالديمقراطية في أعرق تعريفاتها، حيث تكشف احصائيات الثلاثي الأول لسنة 2019 استخدام أكثر من 7.5 مليون تونسي وتونسية لفيسبوك قُبيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية وأن فيسبوك كان مصدر المعلومات رقم 1 للتونسيين والتونسيات خلال هذه الانتخابات. أي أنه بكل ما فيه مما ذكرنا سلفًا من مغالطات واشاعات وعنف وتصفية حسابات، كان مع كل ذلك وغيره مصدرًا أساسيًا للمعلومات لدى الناخبين والناخبات ويأتي قبل الإذاعات والصحف والتلفزات وقبل مطويات واجتماعات المترشحين وقبل حصص التعبير المباشر التي وفرتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وقبل المناظرات ا لتلفزية

وفي ظل كل التجاوزات والتهديدات المسجلة في هذا الموقع ومع غياب شبه تام لآليات رصد أكثر تطورًا خاصة به وأطر تنظيمية تتبناها النصوص التشريعية والقوانين المنظمة للاتصال وللانتخابات، يصبح من الصعب جدًا الجزم بعدم حصول تأثيرات مباشرة وتحريفات ومغالطات للناخبين والناخبات ويصبح من شبه المستحيل على الأطراف المعنية رصد التجاوزات غير الرسمية أثناء الانتخابات. والمقصود هنا بغير الرسمية، هو كل التجاوزات التي قامت بها صفحات ومجموعات غير رسمية للمترشحين والمترشحات على فيسبوك، حيث يسمح القانون بمراقبة الصفحات الرسمية في محتوياتها الدعائية وكلفتها ولا ينص على مراقبة أو رصد صفحات غير منسوبة للمرشحين رغم انها تقوم بحملة واضحة المعالم لهم وتدفع مبالغ طائلة لتمويلها على فيسبوك، تتجاوز بكثير المبالغ المسموح بها للغرض وتدفع بطرق مشبوهة وغير قانونية باستعمال عملات اجنبية وانطلاقًا من بلدان اجنبية في مخالفة صارخة للقانون المنظم للحملات الانتخابية التونسية.

هناك من لا يجزم اليوم في هذا الصدد بتأثير مباشر لفيسبوك في الاختبار النهائي للناخبين، خاصة وان المرشح الفائز برئاسة الجمهورية لم تكن له حسب تقارير أهمها تقرير منظمة عتيد، لم تكن له صفحات رسمية أو تمويلات اشهارية تذكر ورغم ذلك فإنه فاز بعدد كبير من الأصوات امام خصوم بنوا استراتيجياتهم التسويقية والدعائية على المحمل الرقمي أساسًا وخصصوا الكثير من الوقت والامكانيات له، لكن فيسبوك وإن لم يؤثر لنقل رسميًا وبشكل جازم في تغيير مجرى الأصوات والنتائج، فإنه أثر حتمًا إلى حد ما في خلق أجواء مشحونة عنوانها العنف اللفظي والثلب والتنمر وساهم في نشر الكثير من الاشاعات والافتراءات حول مرشحين واستعمله عديد المستخدمين والسياسيين كأداة لمحاولة فرض وتعميم فكرة ما أسموه بـالتصويت المفيد le vote utileمرة أخرى في 2019، بعد النجاح الذي حققته هذه المقاربة في الانتخابات الرئاسية السابقة بين المنصف المرزوقي والباجي قايد السبسي.

يبقى الجزم في هذه المسألة صعبًا ومجهول التبعات، حيث لو تم تفعيل أكثر خدمات رصد ومراقبة لفيسبوك أثناء الانتخابات بهدف حماية الديمقراطية، فإننا بذلك يمكن أن نقدم هدية ثمينة للنظام تسمح له أن يفتح الباب مجددًا للرقابة الالكترونية والحجب والايقافات والهرسلة والسجون التي عجت زنزاناتها بشباب وشابات لم يستعملوا آلات حادة أو قنابل يدوية بل كتبوا تدوينات الكترونية حانقة أو منتقدة للنظام، هل يمكن أن نغامر اليوم باسم حماية الديمقاطية بحرية التعبير مجددًا، أول وآخر مكاسب ثورة 1417 يناير\جانفي 2011 التي ناضل من أجلها جيل الثورة ومن قبله وهل أننا قادرين وقادرات على تحمل هذه المسؤولية التاريخية أمام تونس وأمام من أسموه الجيل الخطأ الذي يحاول جاهدا تصويب المسار اليوم وتدارك ثغراتنا والذي نشأ في سياق تكنولوجي بامتياز مقارنة بسابقيه؟.

الباحث دويمينك فولتون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *