أوراقإصداراتالدولتونس

العملات المشفرة في تونس: سكوت اختياري للمشرع

أعداد
سيرين القاسمي

ملخص

منذ صدورها في 2009, كان للعملات المشفرة نصيب الأسد في أن تكون محور نقاش الخبراء بعديد الميادين نظرًا لتشعباتها. لكن, مؤخرًا, تضخم النقاش على أثر إيقاف ومحاكمة شباب يمارسون نشاط التعدين إلى جانب حجز معداتهم وتطبيق نصوص مكافحة تبييض الأموال عليهم في تونس.

مؤخرًا أيضًا, غدت الحقوق والحريات الاقتصادية المقننة صلب عديد الاتفاقيات الدولية، الدستور التونسي والقوانين الخاصة محورًا للنقاش (بصفة غير رسمية). مبادئ هي من حيث الأصل جوهرية لا تخضع عادة لتشكيك على غرار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يتم اليوم تحديها من خلال خرق مبدأ أساسي ومحوري آخر وهو مبدأ التأويل الضيق للقانون الجزائي.

هذا المقال هو تلخيص لوضعية البلاد التونسية في علاقة بتكييف العملات المشفرة من الجانب القانوني والاصطلاحي ومقارنة بناءة مع دولتين أخريين من قارتين مختلفتين فيما يخص النهج القانوني المعتمد في التعامل مع العملات المشفرة كتكنولوجيا تقطع مع النظام المالي المركزي.

العملة المشفرة ليست عملة

تحليل قانوني وأسئلة كثيرة تم طرحها: هل يجب أن يصاحب التجريم بمبدأ التأويل الضيق لضمان حقوق الفرد والمجتمع؟ لعله من الأجدر أن نضع المشكل الأساسي نصب أعيننا وطرح سؤال بديهي: هل توجد قوانين خاصة تنظم وتؤطر الأنشطة المتعلقة بالعملات المشفرة في تونس؟ الإجابة هي لا.
إذًا كيف لنشاطي التعدين والتجارة أن يمارسون نشاطاتهم في تونس؟ وكيف يمكن للسلطات توجيه تهم لممارسي هذه النشاطات ولماذا يتم توجيه تهم لهم من الأساس؟
ما تقوم به النيابة العمومية في تونس لا يختلف كثيرًا ,من حيث المنهجية, عما تقوم به مختلف المحاكم حول العالم. بالفعل، ففي محاولة منها أن تحمي المجتمع والاقتصاد التونسي التقليدي تقوم بتطبيق نصوص قانونية عامة وجزائية خاصة لتوسع من نطاق نص خلافًا لنية المشرع وقت صياغته.
المشكل في التعامل مع العملات المشفرة في تونس هو الابقاء على حالة من الفراغ القانوني الكلي. بالفعل, ان الفراغ التشريعي الذي يعكسه غياب القوانين وايضًا غياب التراتيب من قرارات ومناشير يؤدي إن أجتمع وقلة الإستئناس بالخبراء في المحاكم، إلى هضم حقوق المواطنين لا فقط الاقتصادية بل أيضا تسليط عقوبات سالبة للحرية عليهم. 

المقاربة التونسية

في محاولة لحماية البلاد من مخاطر تبييض الأموال وفي 20 أفريل/أبريل 2021 قام النائب المجمد ياسين العياري بنشر مقترح قانون على صفحته بالفايسبوك الذي يهدف كما فسر إلى تكميل واتمام القانون عدد 18 – 76 المؤرخ في 21 جانفي/يناير 1976 من خلال اضافة جزء أخير تحت عنوان العملات الرقمية، وهذا المقترح تضمن 17 فصلًا .

وتجدر الاشارة ان ياسين العياري النائب المجمد عن حركة أمل وعمل يقضي عقوبة بالسجن لمدة شهرين بعد محاكمته عسكريا عقب اجراءات تجميد البرلمان و رفع الحصانة عن النواب التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 جويلية 2021.

وتعد هذه أول مرة ينتبه فيها نائب شعب إلى موضوع العملة الرقمية رغم أهميتها بعد أن كان النائب,المجمد أيضا, هشام العجبوني قد وجه سؤال كتابي لوزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار بتاريخ 15 فيفري/فبراير 2021 حول وحدة التعديد المرتكزة في ولاية جندوبة والتابعة لشركة سويسرية “ميلتيماينر” .

جواب الوزير المذكور لم يتم نشره للعموم رغم الاهتمام الكبير من الشباب والمختصين خاصة في ظل المظالم والمضايقات التي يتعرض إليها الناشطون بالمجال على غرار الشاب حسام بوقرة. تعرض النائب لنقاط محورية في سؤاله الكتابي وهي :

من أهم الأسس التي تعتمد خلال تحديد مدى شرعية العملة الرقمية هي ما إذا كان النظام القانوني يسمح باعتمادها كعملة. قانونيًا: في تونس، هذه النقطة بالذات ليست محل جدال. فأن تكون عملة يعني أن يكون لها رواج قانوني، وهو أمر لا يسند إلا بحكم القانون عن طريق نص صريح، ذلك أن الفصل 14 من القانون عدد 35 المؤرخ في 25 أفريل/أبريل 2016 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي نص على أنه للأوراق والقطع النقدية الصادرة عن البنك المركزي، دون غيرها، رواج قانوني، وعليه فان الدينار التونسي هو العملة الوحيدة للبلاد التونسية. ولا يمكن للعملات المشفرة أن تعوضه.

موقف المشرع التونسي مثله مثل موقف القضاء التونسي ليس بجديد على الساحة القانونية العالمية. بالفعل بغض النظر عن مدى تطرف مختلف المواقف بين الدول فان البلاد التونسية تتشابه في هذا الإطار مع الولايات المتحدة وكندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية والصين والهند واستونيا ولوكسمبورغ الخ..

وهنا وجب علينا الاشارة أنه في البلدان سابقة الذكر لم تنتهج السياسة الجزائية إلا عند ثبوت أركان الجرائم المالية المتصلة بالوقائع. ومن هذه الجرائم نذكر غسيل الأموال كما أنه في العادة تحترم إجراءات الاحتفاظ وتراعي عند اتخاذها حالة الأشخاص وأن الأصل هو الحرية أما سلبها فهو استثناء، لا يتوسع في تطبيقه إلا عند ثبوت خطر حقيقي على المجتمع. وذلك يعود أساسا لاعتبارها تنال من حرية الفرد وتتنافى ومبادئ حقوق الانسان.

جاءت ادانة النائب المجمد ياسين العياري على خلفية تدوينة اتهمته على اثرها النيابة العامة العسكرية بـ” المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش بقصد الإضرار بالدفاع والمس من كرامة الجيش الوطني و معنوياته”, وقد اصدرت على اثر ذلك العديد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية الوطنية والاحزاب السياسية التونسية بيانات تنديد بمحاكمة مدنيين امام القضاء العسكري.

القانون المقارن

منذ 2019 قام المشرع الفرنسي بختم القانون عدد منذ 2019, قام المشرع الفرنسي بختم القانون عدد 486 لسنة 2019 المؤرخ في 22 ماي/مايو 2019 و المتعلق بنمو الشركات وتحولها. وضع هذا القانون حدًا لفض اللبس الذي يشوب تكييف ال” العملة” الرقمية. كما تضمن نظامًا مفصلًا يؤطرها وينظم مبادلاتها والهيئات الرقابية، والملاحظ هنا هو جمع هذا القانون بين مصلحة مصدر العملة وبين حماية المستثمر. على سبيل المثال نجد الفصل 54 فقرة 10 الذي أسس من خلاله المشرع الفرنسي الأصول الرقمية التي تتمثل في الTokens أو أي تمظهر رقمي لقيمة لم تنشئها مؤسسة مركزية على غرار البنك المركزي أو أي مؤسسة عمومية. كما نظم هذا القانون بمقتضى الفصل 54 فقرة 10/2 الخدمات التي يمكن أن تقدم عن طريق هذه الأصول الرقمية واقتضى الأمر هنا أن يتم تسجيل الشركات التي ستقدم هذه الخدمات بهيئة السوق المالية الفرنسية، وعن طريق عملية التسجيل يتم حماية المستثمر ويخلق له فضاء غير جذري يسمح له باستثمار أمواله أو ايداعها أو غيره من النشاطات المالية، بل وتضمن له الدولة حمايته من ما يمكن أن يتعرض له من تحيل.

في نفس الاطار, أصدرت الغرفة التجارية بمحكمة نونتار في 26 فيفري/فبراير 2020، قرارًا مفصليًا قدم تصنيفًا للعملة الرقمية من خلال تصنيف البيتكوين. أطراف تلك القضية هم منصة تداول وشركة انجليزية للاستشارات المالية تختص في الاستشارات المتعلقة بالبيتكوين، تمارس الشركة الانجليزية التحكيم – ليس بالمعنى القانوني للكلمة – بين مختلف منصات التداول لتبيع العملة الرقمية بأحسن سعر لحرفائها مقابل عمولة يتفقق عليها. في هذه القضية, اعتبرت المحكمة أن البتكوين هي سلعة تستهلك وتستبدل، ولكن ليست بالعملة، وبالتالي تكون المحكمة اقتربت جزئيًا ومن حيث المبدأ مما يكرسه النظام التونسي ولو ضمنيًا.
من أهم الوجهات والجنات فيما يخص عمليات تبادل العملة الرقمية وتعدينها هي سنغافورة. لا يعتبر القانون السنغافوري البيتكوين أو غيرها عملة لأن ليس لها رواج قانوني، كالعملات المركزية التقليدية ولكن فقه القضاء كما هو الحال بالنسبة للمثال الفرنسي قام بإعطاء تصنيف منذ 2019، إذ اعتبرت المحكمة أن العملة الرقمية هي أموال – بالمعنى القانوني للكلمة – فضلًا عن كونها ملكًا خاصًا.
تتمثل حيثيات هذه القضية في قيام المدعى عليها Quoine Pte Ltd التي تنشط في مجال تبادل العملات الرقمية والتي تخول للأطراف تبديل عملاتهم الرقمية بعملات رقمية أخرى أو مقابل عملات تقليدية كاليورو والدولار. أما المدعي B2C2 Ltd فهي أحد حرفاء الشركة المدعى عليها. جاءت الدعوي تبعًا لاعتراض المدعي على الإلغاء احادي الجانب من طرف المدعى عليه لعمليات التبادل. في حالة سنغافورة كانت هذه القضية من انظار المحكمة التجارية. وقد قامت الهيئة المالية بسنغافورة لاحقًا بدعم هذا التصنيف.

خاتمة

لا يحتاج المشرع التونسي إلى الاعتراف ب ال”عملة الرقمية” كعملة حقيقية وأن يسند لها صفة الرواج القانوني كما هم الحال بالنسبة للدينار ، وأن ينضم بالتالي إلى أقلية مثل دولة السلفادور. كما لا يحتاج أن يخاطر بالنظام المالي أو العملة الوطنية حتى نستفيد من الفوائد الاقتصادية والتكنولوجية ونوقف المظالم التي يتعرض لها الشباب يوميًا.
بكل بساطة, على الدولة التونسية أن تراقب فرص النمو والاستثمار باهتمام وانتباه. كذلك ان يتم احداث نظام قانوني يخول للشركات ان تنشط وتحدث اسواقًا للعملات الرقمية، فتخول بذلك للأفراد والشركات على حد السواء خلق الثروة. كما يمكن الدولة من أن تحدث نظام جبائي خاص بهذه الخدمات شريطة ان تأخذ بعين الاعتبار خصوصية نشاط العملة الرقمية وحجم السوق والشركات الناشطة فيه حتى لا تصبح الجباية معرقلة للنشاط الاقتصادي.
أخيرًا، إن غياب اطار قانوني ينظم ويفصل إلى جانب غياب مواقف رسمية من طرف السُلط المعنية التي يمكن أن تتخذ حتى شكل مناشير، يتسبب في ايقاف مستعملي البيتكوين لتدخلهم سجونًا هم غير مؤهلين لتحملها، فسكوت سلطات مثل البنك المركزي التونسي، وهيئة السوق المالية، ولجنة التحاليل المالية رغم ما حدث مؤخرًا ورغم الاجراءات القضائية المعروفة بطولها يكلف البلاد التونسية فاتورتين باهظتي الثمن على الأقل ، الأولى, شبابها الذي يزج بالسجون دون وجه حق، والثانية, فرص الاستثمار التي تحتاج اليها البلاد التونسية اليوم خاصة في ظل المأزق الاقتصادي الحالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *