ليبيا
تقدم الفوضى الليبية مؤشرات عن تفكك الدولة والمجتمع بشكل حاد، لعب فيها التدخل الخارجي دورًا محوريًا في تجاوز أسئلة الانتقال الديمقراطي المستند إلى ثورة 17 فيفري/فبراير 2011. حيث يطرح الليبيون أسئلة استعادة الدولة ووحدة المجتمع بعد أن أدت الحرب الأهلية إلى أن تضع موضع الشك، أمام انسداد أفق الأزمة، وحدة الدولة الحديثة في ليبيا والوحدة الوطنية التي تجل من الليبيين "قبيلة واحدة". لم يعد من خيار لليبيين اليوم إلا تأطير الحوار السياسي بمساراته المختلفة من أجل ضمان حد لصالح الليبيين يفكَ ارتباطهم بمصالح الهيمنة الخارجية. وهو ما دعا شرائح عديدة إلى أن تنقلب على الممثلين الموجودين اليوم في الصدارة مطالبين بإعادة تمثيل الليبيين بجميع فئاتهم بعيدا عن التيارات السياسية التي تسعى للسيطرة على السلطة فقط. وهو الوضع الذي جعل ليبيا اليوم بلد الإفلات من العقاب والملفات الحقوقية غير المنتهية إلا على هدر حق الضحايا.
لا إنتقال في مصر إلا نحو الدكتاتورية العسكرية، في شكل من أشكال القمع مكشوف الوجه. وهو قمع عابر للمؤسسات والنصوص القانونية حيث خلق منظومة تحكُم ترجع خيوطها إلى رأس السلطة التنفيذية عبد الفتاح السيسي. لا يمكن الحديث فعليًا عن توازن بين السلطات الثلاث فالقضاء يحكم بإرادة النظام في حبس الناشطين وإستبعاد المعارضين في الانتخابات، فيما السلطة التشريعية وضعت جملة القوانين التي أطرت بقاء السيسي ونظامه إلى ما أبعد من سنة 2030. أحتفل الرئيس السيسي يوم 19 نوفمبر2020 بعيد ميلاده الـ66، ليبقى على رأس هرم السلطة إلى حدود الثمانين من عمره، وهو العسكري الذي يحرص فقط على بناء اقتصاد العسكر وثروته في مأسسة محمومة لهيمنة السلطة العسكرية على مدنية الدولة.
تونس
في ظل صعوبة الإنتقال الثاني في تونس، باعتباره مرحلة تكريس السلطة السياسية القادرة على إنهاءه، تعيش الشرعية الانتخابية أزمة تمثيل حيث تتحرك الخيارات السياسية للمنتخبين خلافًا لتوقعات من صوت لهم. وهي أزمة ثقة تتوسع مع الأيام بالنظر إلى عجز منظومة الحكم على تحقيق ما وعدت بتحقيقه على المستوى السياسي والإقتصادي والإجتماعي. أصبح الإنتقال الديمقراطي في تونس أقل ديمقراطية مما يجب حيث يخضع لتوازنات مصالح الأحزاب ورهانات التموقع والحفاظ على الوجود، بعد أن اتضح أن تجربة الحكم محرقة سياسية بامتياز، فقد أعلن محمد عبو على سبيل المثال في وقت سابق عن اعتزاله ما يضره، على حدَ تعبيره. كما أن الأحزاب الممثلة للتيارات الأيديولوجية والفكرية الأهم غير موجودة في الصورة، وغيابها يفرض تساؤلا عن طبيعة إنتقال يتحكم في مفاصله ظواهر سياسية هي في الأصل ربيبة النظام السابق أو ربيبة التشكيك فيه. أدت هذه الوضعية إلى هيمنة الصراع بين السلطات ومن يترأسها، حيث أصبحت عناوينه شخصية وتنسب إلى رئيس مجلس النواب أو رئيس الحكومة أو رئاسة الجمهورية، وفي الخلفية يتموقع حزب حركة النهضة كعنصر أساسي في المعادلة يجمع حوله أحزاب ظهرت بناء على ظرفية معينة (قلب تونس) أو إئتلاف الكرامة اذي استفاد من تراجع التنظيمات الحزبية وتصاعد زخم شعبوي في الانتخابات التشريعية والرئاسية. عمليا أزمة الإنتقال الديمقراطي فيتونس هي أزمة انتقال وأزمة ديمقراطية، وهو مستويان متصلان من جهة المؤسسات والأطر القانونية الإنتقالية التي لم تُستوفى بعد ومن جهة غياب الديمقراطية في الفاعلين السياسيين ووضعف تأصيلها كقيمة وممارسة في الفضاء الإجتماعي. لعل الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان ليست ممنهجة لكنها ممكنة دائمة بسبب ضعف المتدخلين الرسميين في مجالها، بالإضافة إلى وجود تيارات معادية للمقاربة الشاملة المدافعة عنها كما أقرها الدستور. وهو ما يلاحظ بخصوص مختلف الهيئات الدستورية والمستقلة، حيث يتم تجاهل هذه المؤسسات من قبل الدولة نفسها والحكومة. الأمر الذي يطرح سؤال جدواها وضرورتها وأفق تحسين أدائها في ظل كل هذه العوائق.
أزمة االنتقال الديمقراطي:
أزمة انتقال و أزمة ديمقراطية
يعتبر هذا التقرير ربع السنوي الأول لمركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان (دعم). ويغطي الفترة الممتدة من 01 أكتوبر إلى 31 ديسمبر 2020. تتواصل السياسات والتشريعات المتعلقة بالإنتقال الديمقراطي وحقوق الإنسان كمحور رئيسي للتقرير كما كانت عليه في التقارير السابقة. وقد أشار التقرير نصف السنوي السابق إلى معطيات هي بصدد التأكَد في البلدان الثلاث المشمولة بالرصد: تونس، مصر وليبيا. حقق النظام في مصر نقلته نحو الدكتاتورية ورسخ سياسته القمعية الممنهجة بقوة. كانت الانتخابات التشريعية فرصة للنظام للسخرية من أبسط شروط ومعايير الديمقراطية عبر استغلال كل المؤسسات في الدولة لضمان وصول الأصوات الموالية للنظام، والمال السياسي والحملات الإعلامية الموجهة... واصل النظام في الأثناء انتهاك حقوق الإنسان ضد الجميع. يعيش "الإنسان" المصري دون أبسط حقوقه، فيما تسعى الأبواق الإعلامية لتبرير كل شيء، رغم أن التقارير والحملات الدولية تُدين الممارسات وتطالب بإطلاق سراح الناشطين دائمًا.