الدولليبيابيانات

مهاجرون تحت رحمة شبكات الإتجار بالبشر وعقم التعاطي الأوروبي الأمني

يعكس ملف الهجرة في ليبيا واقع العلاقات بين دول الشمال والجنوب وذلك في ظل اتساع هوة الفجوة الاقتصادية خاصة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. والملاحظ في مسار التعامل مع هذا الملف، هو هيمنة المقاربة الأمنية وعبرها الاقتصادية رغم كل الأطر والضوابط القانونية والحقوقية المرتبطة به، وهو نتاج طبيعي مع ازدياد الصراعات المسلحة في إفريقيا والشرق الأوسط، خاصة بعد أحداث الانتفاضات العربية التي انطلقت في عام 2010 وما أُطلق عليه «الربيع العربي» ومن ثم تطور الحرب الأهلية في ليبيا ابتداء من 2013 وما انتجه من تطور ملامح المُهاجرين والتي لم تعد تقتصر على العاطلين والطبقات الفقيرة فحسب، بل تواجد أصحاب الشهادات العُليا من أبناء الطبقة المتوسطة، كذلك ظهر التواجد النسائي والذي لم يكن موجودًا من قبل، كما ظهرت العائلات ‏كذلك، كما أنتج الفراغ الأمني الناتج عن تلك الصراعات رواج واستفحال ظاهرة تجارة تهريب المهاجرين خاصة في ليبيا.

رغم عمل المنظمات الدولية والدول الأوروبية على تعزيز المقاربة الحقوقية والإنسانية، إلا أن مصالح الإقتصادات الوطنية والإقليمية في الضفة الشمالية هي التي تُوجه سياسات إدارة ملف الهجرة، فأدى صعود التيارات اليمينية المُحافظة في دول شمال المتوسط في أوروبا، والتي هي بطبيعتها مُعادية للمُهاجرين كذلك وانتشار العمليات الإرهابية للجماعات الإسلامية المُتشددة (داعش) في أوروبا، كذلك الأزمات الاقتصادية المُتلاحقة، تجمعت كل تلك المعطيات لتجعل من الخيار الأوروبي الحالي خيارًا أمنيًا،  حقيقة الامر انه لم يتغير هذا الطابع بين ما قبل الثورة الليبية أو بعدها، بل زاد تعقيد الساحة الليبية وانجرارها إلى العنف من هيمنة الهاجس الأمني. كما أدت استراتيجية الفوضى التي يحرص عليها الأطراف المتدخلون في الشأن الليبي أملًا في فرصة ربح الحرب، إلى تركيز الجانب الأوروبي على حلول علاجية موضعية للحد من آثار تدفقات اللاجئين إلى الدول الأوروبية، خاصة أن جنوب شرق المتوسط بدوره يعتبر منفذًا إضافيًا نحوها.

شكل موضوع الهجرة غير النظامية نقطة تجاذب مستمر بين ليبيا والأوروبيين، وعقدت اتفاقيات وتفاهمات بين الطرفين، لكن الخلافات ظلت مستمرة بسبب تباين الرؤى حول كيفية معالجة هذه الظاهرة المتفاقمة والتي باتت مصدر قلق للقارة العجوز على وجه الخصوص.

1- وضع المهاجرين في ليبيا

- غياب البيانات والمعطيات الدقيقة

بالأساس تغيب المعطيات الموضوعية والشاملة حول المهاجرين في ليبيا منذ بداية الأزمة الليبية، وقد تضاعف ذلك مع اشتعال الحرب الأهلية وانقسام المؤسسات الليبية بين الشرق والغرب. فتتضاربت البيانات المتأتية من قبل السلطات الليبية فيما يتعلق بمواقع وأعداد الأشخاص الذين اعتقلتهم كل من الوكالات الرسمية والجهات الفاعلة غير الحكومية.

0 مليون
مهاجر ممن عبروا ليبيا او استقروا بها إلى حدود سنة 2013

إلى حدود آواخر سنة 2017: حسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومنظمات اخرى

إلى حدود سنة 2019: عدد المهاجرين حسب منظمة أطباء بلا حدود

حسب الوكالة الأوروبية للهجرة فقد وصل حوالي مليون مهاجر من دول مختلفة وممرات عبور عدة الى اوروبا سنة 2015، فيما أكدت الوكالة فيما بعد عن تراجع هذا الأرقام، والتي كان أحد أهم اسبابها هو السياسة الإيطالية الصارمة في البحر الأبيض المتوسط. وهو ما يطرح تساؤلًا ملحًا بين زيادة الوافدين على ليبيا منذ 2015 فيما تتراجع الأرقام في شمال البحر. الأمر الذي يعني بالضرورة عودة جزء منهم الى بلدانهم واستقرار آخرين في ليبيا في ظل الأوضاع الأمنية المتردية. فيما لا تعكس الأرقام الموجودة في مراكز المهاجرين حجم اهتمام كافي من قبل السلطات المحلية والمنظمات الدولية. يوجد في المنطقة الرمادية للأرقام هامش معاناة إنسانية حقيقية لا يمكن تقديرها أو التعامل معها.

تختلف الأرقام حول مراكز المهاجرين بين المنظمات الدولية وتختلف معاييرها في تصنيف المراكز بين الرسمي وغير الرسمي. يعتبر المعيار الأخير غير دقيق نتيجة الإنقسام المؤسساتي في الدولة الليبية ومثل هذا التصنيف الذي سيحد من مجالات تدخل المنظمات فيما يعتبر رسميًا من السلطات على الأرض.

0 مليون
مهاجر في اوروبا من دول مختلفة وممرات عبور عدة

 تختلف الأرقام حول مراكز المهاجرين بين ما توفره المفوضية السامية للأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة لسنة 2018 :

0 مركز إيواء
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
0 مركز ايواء دون احتساب المرافق غير الرسمية
المنظمة الدولية للهجرة

حسب الأرقام التي سعى مركز دعم إلى الحصول عليها في المناطق الغربية والشرقية والجنوبية في ليبيا إلى حدود 22 مارس 2020، كان هناك 21 مركزًا وتم إغلاق المركزين الوحيدين في الجنوب الليبي في كل من سبها وبراك الشاطئ. بينما اغلقت مراكز اخرى في المنطقة الغربية في صلاح الدين وجنزور وطريق المطار وغريان. أما في المنطقة الشرقية، فلا تزال المراكز المحصاة مفتوحة. فيما لا تتوفر اية معلومات عن مركز طريق السكة.

وهنا جداول تفصيلية عن المراكز الموجودة حاليا وأعداد الموجودين فيها من أطفال ونساء ورجال. للإشارة، تمثل هذه الأرقام ما هو مدون فيما الارقام تتغير بفعل حركة تدفق الوافدين.
جدول احصائيات المراكز في (المنطقة الغربية) وتوزيعها الجغرافي الى يوم 22/03/2020
التعليقات المجموع اطفال النساء رجال اسماء المراكز

مغلق

صلاح الدين

مغلق

جنزور

معلومات غير متوفرة

صبراته
148
1
3
144
سوق الخميس
22
22
ابو سليم

مغلق

طريق المطار

لا توجد معلومات

0

0

0

0

 طريق السكة

73
9
64
زليتن
504
114
4
386
الزنتان
133
7
13
113
زوارة
345
الزاوية الناصرية
69
13
13
43
الزاوية ابو عيسى

مغلق

غريان
جدول احصائيات المراكز في (المنطقة الشرقية) وتوزيعها الجغرافي الى يوم 22/03/2020
المجموع اطفال النساء رجال اسماء المراكز
34
34
طبرق
4
4
البيضاء
51
51
اجدابيا
128
3
7
118
بنغازي
31
1
30
شحات
191
5
10
176
الكفرة

حسب معلومات مستقاة من المنظمة الدولية للهجرة ومنظمات دولية غير حكومية تم توثيق وجود مرافق غير رسمية للإحتجاز في طرابلس وتاجوراء وطويشة وزنتان وطبرق وأجدابيا وصبراتة ومصراته عين زارة والكفرة،. وهو ما يطرح أيضًا أسئلة، تبقى معلقة ودون إجابة عن حالة هذه المراكز وواقعها.

- شهادات حول وضع المهاجرين في ليبيا

 المرحلة الأولى :

أصبحت حركة المهربين أكثر سهولة نتيجة لانفلات الأمني الحاصل في البلاد في الفترة الاخيرة، ويعتبر وضع المهاجرين في ليبيا صعبًا للغاية وخاصة في مرحلة حركتهم من مكان انطلاقهم وحتى وصولهم الى مكان الاحتجار المقام من قبل المهربين. ففي هذه المرحلة يتم تكديسهم في سيارات دفع رباعي او تحت سلع تموينية احيانًا وأحيانًا اخرى تحت مواد البناء وتنقل شهادات عدة عن سقوط المهاجرين أثناء نقلهم وموتهم على قارعة الطريق.

وتعمل خطوط التهريب بقاعدة “سلّم وتسلّم” ضمن شبكة مترابطة على طول الطريق الرابط بين الحدود الليبية مع التشاد والسودان والنيجر وصولًا الى مدينتي زوارة وصبراتة غربي البلاد الأكثر حيوية وظل الوضع هكذا لعدة سنوات رغم محاولات التشديد والمراقبة. كما انها منطقة لتجميع بقية المهاجرين القادمين من مصر من جنسيات آسيوية، وتتقاسم تلك الشبكات أموال المهاجرين الذين يموت الكثير منهم على الطريق. ومن أشهر المنافذ الحدودية منفذ العوينات مع السودان، الذي يدخل عبره حوالي 1000 مهاجر يوميًا حسب ارقام سنة 2017. وتعمل عصابات التهريب على جمع المهاجرين ونقلهم على طول طريق يمتد على مسافة 1200 كم على طريق النهر الصناعي إلى مدينة مرادة وصولًا إلى بني وليد ثم صبراتة بالنظر الى عدم وجود اية أجهزة رسمية في هذه المساحات الشاسعة بالإضافة الى غياب المجتمع المدني فيها، فلا يمكن تغطية البشاعات التي يتعرض لها المهاجرون في رحلة الموت.

المرحلة الثانية : عند وصول المهاجرين الى المناطق الساحلية يتم تجميعهم بالمئات في “كمبوهات”، وهي عبارة عن غرف مسقوفة بالخشب والمعدن، طيلة فترات طويلة. كما يذهب العديد منهم ضحايا القتال بين العصابات المسلحة المسيطرة على شبكات التهريب. أما من يتم إلقاء القبض عليهم ويتم وضعهم في مراكز الإيواء فحالهم لا يختلف كثيرًا عن غيرهم. فقد نقلت شهادات ناشطين من المجتمع المدني الليبي، سواء عن المراكز في المنطقة الشرقية أو الغربية، استغلال المهاجرين في أعمال سخرة، نادرًا ما يتلقون مقابلًا عنها. عمل بعض المهاجرين اليمنيين في أحد مراكز المنطقة الشرقية مقابل بطاقات شحن للهاتف الجوال لصالح مدير مركز الإيواء. بل إن بعض المراكز “الرسمية” تدار أصلًا من قبل العصابات المسلحة، وهو ما يعني اتساع شبكة الإتجار بالبشر الى مسؤولين ورجال أمن من الجهات المحسوبة على السلط القائمة. أما فيما يتعلق بالوجبات الغذائية، فهي تتكون من بقايا الخبز والطعام، بل تؤكد الأخبار من داخل المراكز ان اغلب الطعام قد يكون غير صالح للأكل.

رغم أن بعض الشهادات قد ذكرت تعرض الرجال والأطفال لاعتداءات جنسية إلا انه مازالت تمثل النساء أكثر ضحايا حالات الإعتداء بالعنف والإغتصاب، وقد وثقت عدة حالات اغتصاب في بعض مراكز احتجاز المهربين والتي جاء ذكرها في شهادات لبعض المهاجرات كذلك، كما تعرضت المهاجرات من ذوات البشرة السوداء من جنسيات نيجيرية على سبيل المثال إلى الإغتصاب وأجبرن على العودة إلى بلدانهن مع أطفالهن المولودين نتيجة الإغتصاب. والمعتدون هم عادة مارون او زبائن بيوت دعارة في ليبيا حيث تحتجز المهاجرات لأشهر أحيانًا. ويلقب المواليد في نيجيريا بـ”الأطفال العرب”. وترفض العائلات النيجيرية هؤلاء الأطفال فيما تصدر عن الأمهات أنفسهن بوادر رفض وعنف نتيجة حالة القهر والاكتئاب التي تعيشها النسوة بعد العودة الى بلد حلمن بمغادرته نحو الأفضل.

2 - إدارة ملف الهجرة داخل ليبيا

لا توجد أحكام قانونية تنظم الأشكال الإدارية لاحتجاز المهاجرين، فبالرغم من وجود القانون رقم (19) لسنة 2010 بشأن مكافحة الهجرة غير المشروعة وتجدر الإشارة إلى أن القانون رقم (6) لسنة 1987 بشأن تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا وخروجهم منها يُعتبر مكملًا للقانون رقم (19) لسنة 2010 بشأن مكافحة الهجرة غير المشروعة في حالة عدم وجود تعارض بينهما. وبالرغم مما اورده المشرع الليبي من نصوص عدة لتجريم الهجرة غير النظامية والأفعال المتصلة وهي جريمة الدخول إلى الأراضي الليبية بدون تأشيرة، وجريمة ادخال المهاجرين غير الشرعين إلى البلاد أو الانتماء إلى عصابة او منظمة تهريب أو تشغيل او تسخير المهاجرين او عدم الابلاغ عن وجود ماهجرين غير شرعيين، وكذا العقوبات المقررة في حالات ارتكاب هذه الجرائم، التي كانت ما بين الحبس مع الشغل والغرامة، لمدد او مبالغ مختلفة حسب الفعل او الجريمة إلا انه تغافل عن وجود احكام قانونية تنظم الأشكال الادارية لاحتجاز المهاجرين، لذا تشير المنظمات الدولية إلى وجود حاجة ماسة في ليبيا لوضع إطار قانوني سليم لسياسات الهجرة الخاصة بها بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وبالرغم من الضمانات القانونية للمُهاجر غير الشرعي حيث ينص القانون على معاملة المُهاجرين معاملة إنسانية تحفظ كرامتهم وحقوقهم وعدم الاعتداء على أموالهم ومنقولاتهم وذلك عند القبض عليهم، فإن تقارير المنظمات الحقوقية تشير إلى وجود العديد من الانتهاكات لحقوق المُهاجرين بمراكز الاعتقال في ليبيا، كالاحتجاز التعسفي وظروف الاحتجاز اللاإنسانية، والتعذيب، والعمل الجبري، والعنف الجنسي، وسوء المعاملة، كما انه يوضع كل من يتم اعتراضهم في البحر في مراكز الاحتجاز بشكل تلقائي بما يعرضهم لخطر انتهاكات حقوق الإنسان، والتي يمكن تخفيفها عن طريق توسيع نطاق استخدام الملاجئ وغيرها من التدابير غير الاحتجازية التي اقترحها خبراء دوليون.

كما أنه في ظل غياب إدارة مركزية موحدة، يتم تجنيد العديد من الموجودين في مراكز الإيواء في العمليات العسكرية لصالح الجهتين، وإغراء الموجودين خارجها بالمال. ويتم عادة وضع هؤلاء في الخطوط الأمامية لنقل العتاد وتزويد المقاتلين ومن يرفض أو يتراجع يتعرض للتعذيب أو القتل.

كما انه بجانب تعرض مراكز ايواء واحتجاز المهاجرين للقصف خلال المعارك الدائرة وفي سابقة خطيرة جدا تم ارتكاب جريمة قتل في حق مهاجرين غير نظامين في ليبيا ‏داخل مدينة مزدة (احدى مدن جبل نفوسة بليبيا ) حيث أصدرت وزارة الداخلية ‏بحكومة الوفاق الوطني تعليماتها لمديرية أمن مزدة بضبط الجناة في جريمة قتل ‏جماعي راح ضحيته (26) مهاجر بنغلاديشي و (4) أفارقة وأصيب (11) مهاجر ‏أخرين إصاباتهم متفاوتة وتم نقلهم إلى مستشفى الزنتان لتلقي العلاج هذه التعليمات ‏تأتي على خلفية رد فعل انتقامي ضد مهاجرين قام به أهل مواطن ليبي قتل ويشتبه ‏في ضلوعه بعمليات إتجار بالبشر

 

كانت مسألة الهجرة من اختصاص وزارة الداخلية الليبية الى أن تم إحداث جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية سنة 2014، ومنذ سنة 2015 تعددت الأجهزة بين الشرق والغرب في ظل الإنقسام المؤسساتي في الدولة الليبية. وأدى ذلك بالتبعية إلى خضوع مراكز الإيواء إما للمليشيات المسلحة أو تواطئ من يشرفون عليها مع العصابات المسلحة.

الامر الذي يلقي الضوء على إدارة المراكز، حيث يشرف عليها أشخاص غير مؤهلين دون تجهيزات كافية، فيما يتم تحويل الأصول المالية الشحيحة من الدولة الليبية أو من الجهات الدولية.

على مستوى القانون الدولي، لم تصادق ليبيا على اتفاقية اللجوء لسنة 1951، كما أن الإعلان الدستوري المؤقت لم يأت على هذا الحق، فيما تحتفظ القوانين الليبية بالبعد الزجري فيما يتعلق بجرائم اجتياز الحدود خلسة كما هو الحال في القانون رقم (19) لسنة 2010 بشأن مكافحة الهجرة غير المشروعة والذي جاءت المواد المتعلقة بالمسؤولية الجنائية على المهاجرين وابعادهم مجحفة للغاية. كذلك تسبب الإنقسام السياسي الحاصل في ليبيا في غياب رؤيا واضحة لكيفية التعامل مع هذا الملف وخاصة في ظل تغول التشكيلات المسلحة التي تسيطر على مساحة شاسعة من الدولة.

الامر الذي جعل جهاز (ادارة الهجرة الغير شرعية) التابع لوزارة داخلية الوفاق في أضعف حالاته حيث أصبح يعتمد في الآونة الأخيرة اعتمادا كليًا على معونات المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال. وهو ما جعل حالة مراكز الإيواء تسوء أكثر فأكثر خاصة أن الهاجس العسكري وأولية التمويل تتقدم على غيرها من الملفات.

ونتيجة الصراع الحاصل على تخوم العاصمة قررت حكومة الوفاق الليبية إغلاق عدد من مراكز المهاجرين غير النظاميين في المناطق الخاضعة لسيطرتها من البلاد وإطلاق سراح من فيها، لعدم قدرتها على ضمان الأمن بعد الهجوم الذي تعرض له أحد هذه المراكز في مدينة تاجوراء الواقعة شرق العاصمة طرابلس. ويتكرر هذا السيناريو مع تقدم العمليات العسكرية بين قوات حكومة الوفاق وقوات القيادة العامة بقيادة خليفة حفتر.

ومن الجدير بالذكر ان المجلس الأعلى للهيئات القضائية كان قد أصدر القرار رقم (62) لسنة 2010 بإنشاء محكمة ونيابتين جزئيتين متخصصتين. وقد نصت المادة الثالثة من هذا القرار على «تنشأ بدائرة محكمة شمال طرابلس الابتدائية محكمة جزئية تسمى (محكمة مكافحة الهجرة غير الشرعيَّة) تختص بالنظر والفصل في الدعاوى المرفوعة عن الجنح المنصوص عليها في القانون رقم (19) لسنة 2010 مُكافحة الهجرة غير الشرعيَّة وتتحدد دائرة اختصاصها بنطاق محاكم السواني وشمال وجنوب وشرق طرابلس الابتدائية»، في حين نصت المادة الرابعة من ذات القرار على إنشاء نيابة جزئية لمكافحة الهجرة غير الشرعيَّة بدائرة اختصاص محكمة مكافحة الهجرة غير الشرعيَّة المُشار إليها تختص بالتحقيق ورفع ومباشرة الدعوى في الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم (19) لسنة 2010 المُشار إليه، إلا أن تلك المحاكم المتخصصة لم تُفعَّل على أرض الواقع ولا ندري ما الأسباب الكامنة وراء عدم تفعيلها.

3 - ملف الهجرة في دول الشمال

مسار زمني حول هيمنة المقاربة الأمنية والعسكرية في تعامل الدول الأوروبية مع ملف الهجرة في ليبيا قبل وبعد الثورة :

- تحولات ملف الهجرة بين سياسات الإتحاد وتحولات السياسة داخل دوله

رغم ان سياسة الجوار الأوروبية تحاول صناعة سياسة متعددة الابعاد، إلا أنها تؤول في النهاية الى التركيز على المقاربة الأمنية فيما يتعلق بملف الهجرة. يتحرك الفضاء الاوروبي على أساس وطني-إقليمي، حيث تترابط السياسات الوطنية مع خيارات الفضاء الأوروبي الإقتصادي. في المقابل، تتبنى دول الجنوب سياسات وطنية تنافسية فيما بينها دون أي تقدير للقيمة المضافة للتنسيق والعمل المشترك إقليميًا. كان هذا المعطى حاضرًا قبل تحول المنطقة منذ 2011، حيث انبنت العلاقات بين الإتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط على اساس اتفاقيات شراكة مع كل دولة على حدة بشروط مختلفة. كما أن غياب الديمقراطية وسيطرة الأنظمة الأمنية القمعية جعل من ملف الهجرة ملفًا أمنيًا بامتياز يتم التداول فيه على اساس حسابات سياسية صرفة من قبل الأنظمة، وهو ما تمت الإشارة له آنفًا حول تعامل نظام القذافي مع قضية المهاجرين. ضمن هذا السياق، تختار الدول الأوروبية عزل الهجرة في البعد الأمني باعتباره الأقدر على توفير مصالح أكثر استقرارا من الرهان على أنظمة ودول فاشلة لجهة غياب الحكم الرشيد والنمو الإقتصادي العادل.

لم يتغير هذا المعطى كثيرا بعد سنة 2011. أشار التقرير المشترك الموجه للبرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية ولجنة المناطق الذي جاء تحت عنوان “مراجعة السياسة الأوروبية للجوار”، إلى ذلك. أكد التقرير على غياب الإرادة السياسية في اتجاه الإلتزام بقيم الديمقراطية وضوابط الحكم الرشيد، رغم أن هناك تحولات مساعدة نحو هذا الإتجاه. من هنا كانت التوصيات على العمل ضمن اتفاقات تركز على عدد أقل من الأولويات. وهو ما يمكن اعتباره سياسة ضبط تسعى الى الحد من الخسائر في ظل عدم الإستقرار الذي تعيشه جل دول جنوب المتوسط.

عمليًا تتكرس الحلول الأمنية والعسكرية في التعامل مع ملف الهجرة في ليبيا من جهة الإتحاد الأوروبي موضوعيًا، دون تغييب العوامل الذاتية، المرتبط بطبيعة الإتحاد الأوروبي كفضاء جغرافي اقتصادي أساسًا، ويتأثر بشدة بالبعد السياسي الداخلي للدول الأعضاء. وهو ما يمكن ملاحظته في ملف الهجرة منذ 2018.

قُبيل قمة بروكسل، قال رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، دونالد تاسك، ان المجلس سيُقدم مقترحًا نمساويًا دنماركيًا، يدعو إلى منصات إنزال خارج دول الاتحاد، سيتم فيها فرز المُهاجرين بين مستحقي اللجوء الذين يحتاجون إلى حماية دولية والمُهاجرين لأسباب اقتصادية، وتُدير هذه المنصات وكالات أوروبية، تقبل بالنظر في المطالب الأولى بينما يقع استبعاد الصنف الثاني بالسرعة اللازمة والكُلفة الأقل، وحسب مسودة الوثيقة التي قدمها تاسك للمجلس فإن “مثل هذه المنصات ستوفر إجراءات سريعة للتمييز بين الصِنفين وتقليص الحافز للشروع في الرحلات المحفوفة بالمخاطر “أي ركوب البحر إلى أوروبا” .

في شهر يونيو/جوان 2018 عقدت قمة الاتحاد الأوروبي ببروكسل بشأن الهجرة في أجواء توتر سياسي حيث واجهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ضغوطًا شديدة في الداخل لاتخاذ موقف أشد بشأن الهجرة، إذ هدد حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي شريك ميركل في الائتلاف الحكومي بإغلاق حدود ولاية بافاريا أمام المهاجرين، وهي مسألة قد تؤدي إلى انهيار الحكومة الجديدة التي لا يتجاوز عمرها ثلاثة شهور، وإلى تقويض منطقة شينغن للحدود المفتوحة في الاتحاد الأوروبي.

بعد تداول موضوع المنصات إثر اجتماع القمة الأوروبية في بروكسل في يونيو 2018، أجمعت المواقف الرسمية لبلدان جنوب المتوسط تونس والجزائر والمغرب وليبيا ومصر على رفض تركيزها، وهي من المرات القلائل التي تلتقي فيها هذه البلدان حول موقف تجاه السياسات الأوروبية.

قدم نحو 33 ألف شخص إلى أوروبا حتى يونيو/جوان من عام 2018 وهو أقل من نصف العدد المسجل في 2017، كما أن العدد انخفض مقابل 2015 بنسبة 95 في المائة، كما ورد في وثيقة القمة، لكن التحرك الأوروبي يأتي في إطار تحريض الشعبويين اليمينيين الذين يريدون رفع مستوى شعبيتهم من خلال بث مشاعر الخوف تجاه كل ما هو أجنبي. كالعادة رفض قادة دول مجموعة فيسغراد (بولندا والمجر وتشيكيا وسلوفاكيا) المشاركة في سياسة الاستقبال، وشددوا على التخلي عن التضامن المفروض من خلال حصص المهاجرين.

وقال دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي إنه سيتم تنفيذ ذلك “في إطار القوة المتعددة الأطراف لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وكذلك تعزيز دعم الاتحاد الأوروبي لخفر السواحل الليبي، علاوة على ذلك، أرسلنا رسالة واضحة إلى جميع السفن، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، العاملة في البحر الأبيض المتوسط، والتي يجب أن تحترم القانون ويجب ألا تعرقل عمل خفر السواحل الليبي”. وتسعى أوروبا لتشييد معسكرات للمهاجرين في شمال أفريقيا ومنها ليبيا والمغرب، وقالت ميركل للصحفيين “أثمّن للغاية قولنا بأننا نريد العمل على إقامة شراكة مع أفريقيا”.

فيما جاء الاقتراح الفرنسي الإيطالي بالنسبة للمراكز على أراضي الاتحاد الأوروبي، في البلدان التي ترغب في بنائها، بأن يوضع فيها المهاجرون بعد وصولهم، على أن تجري “بصورة سريعة” عملية فرز الذين ينبغي ترحيلهم عن أولئك الذين يحق لهم طلب اللجوء ويمكن توزيعهم ونقلهم إلى دول أوروبية أخرى. وذلك يتم على أساس “تطوعي”.

 وكان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، الذي تضم حكومته حركة 5-نجوم المناهضة للهجرة وحزب الرابطة المنتمي لليمين المتطرف، قد رفض قبلها الموافقة على نص للقمة بشأن الأمن والتجارة إلا بتعهد بقية الزعماء بمساعدة إيطاليا في التعامل مع المهاجرين الوافدين عبر البحر، وبقية البلدان التي تتحمل عبء الخط الأمامي للهجرة، خاصة اليونان، واسبانيا. وقالت المستشارة أنجيلا ميركل للصحفيين بعد الاتفاق: “إجمالًا وبعد نقاش مكثف حول الموضوع الأكثر تحديًا للاتحاد الأوروبي وهو الهجرة فقد توصلنا إلى اتفاق مشترك وهذه دلالة طيبة”. وأضافت “ما زال أمامنا الكثير من العمل لتقريب وجهات النظر المختلفة”. لكن للإشارة، لا يزال الخلاف قائمًا بين دول الإتحاد الأوروبي حول تعديل قوانين الهجرة واللجوء الوطنية الى اليوم.

اثبتت مخرجات قمة بروكسل سنة 2018 على هيمنة الحل الأمني على مسألة الهجرة في ليبيا. تعتبر الأخيرة المقترح الاول في ان تكون ارضًا لاستيعاب وتوطين المهاجرين داخلها لاعتبارات كثيرة منها المساحة الشاسعة اضافة الى الامكانيات المادية لليبيا وقدرتها على استيعاب المهاجرين. وخاصة مع الوضع المؤسساتي الهش. الامر الذي يجعل دول المهجر تعمل على فكرة التوطين دون وجود قرار ليبي بالموافقة من عدمه وهذا ما يتوقع ان يغير التوازن الديمغرافي للشعب الليبي.

فيمثل تمديد اتفاقية الهجرة بين ليبيا وايطاليا تأكيدًا جديدًا على المقاربة الأمنية التي اصبحت اليوم تفرض نفسها أمرًا واقعًا. وقد رفضت منظمات المجتمع المدني الليبي والمنظمات الدولية هذا الإتفاق واعتبرته تجاهلًا للثغرات فيها والانتهاكات التي رافقتها.

تمول إيطاليا والاتحاد الأوروبي قوات الحدود البحرية الليبية التي عرف عنها تعاملها غير الإنساني مع المهاجرين وطالبي اللجوء. أشار تقرير مسرب عن الاتحاد الأوروبي، في سبتمبر 2019، أن احتجاز المهاجرين عمل مربح للحكومة الليبية في الغرب، حيث جاء في ملخص التقرير نقاط عديدة مهمة، ومنها:

وصفت السياسة الأوروبية بسياسة “قلعة أوروبا”، واشبه بجدار الولايات المتحدة الأمريكية. واعتبرته صوفي آن فيلد، عضو البرلمان الأوروبي الهولندي في اللجنة أنه “أكثر فتكا”. لذلك فهو يمثل فقط حاجزا للتغطية على المآسي الإنسانية وتجاهلها مادامت على الجانب الآخر من الجدار.

- محاولات تحويل ليبيا من أرض عبور الى أرض مهجر

رغم المحاولات المستمرة من قبل الاتحاد الاوروبي في أكثر من مناسبة لفتح ملف تحويل ليبيا الى أرض تستوعب اعداد المهاجرين التي تحاول ان تصل ال أوروبا الا ان الجانب الليبي على المستوى الرسمي والشعبي يرفض هذه الفكرة، خاصة ان اغلب المهاجرين لا يرون في ليبيا انها الغاية النهائية بل في الواقع هم يتعاملون مع ليبيا على انها المحطة التي من خلالها يريدون الوصول الى اوروبا.

لكن الوضع الامني السيء والانقسام السياسي الحاصل اليوم هو ما جعل الاوربيين يفكرون بشكل جدي في محاولة توطين المهاجرين عمليا وعلى ارض الواقع. وهو ما يتضح في أكثر من مناسبة. مثال ذلك ما جاء على لسان صحفية ايطالية عبر تقرير اعدته وذكرت في عام 2016 والتي ذكرت فيه ان وزارة الداخلية الايطالية تقوم بدعم بعض التشكيلات المسلحة في مدينة صبراتة مقابل ابقاء المهاجرين في ليبيا ومنعهم من الوصول الى ايطاليا عن طريق البحر وهذا الاتفاق يأتي خارج سياق المعاهدات المبرمة بين البلدين ليبيا وايطاليا، كما أن الايطاليين توصلوا أيضًا إلى تفاهم مع الميليشيات لوقف عمليات التهريب في صبراتة (40 كلم) غرب طرابلس التي تعتبر ميناء المغادرة الرئيسي للمهربين ، كما وردت تقارير متكررة عن صفقة سرية قام بها وزير الداخلية خلال نفس السنة مع عصابة تهريب قوية قوامها 500 شخص في صبراتة، بقيادة أبو الدبشي، المعروف أيضًا باسم العم.

وتسببت هذه السياسة في احتداد الصراع بين عصابات التهريب التي أصبحت تسعى للسيطرة على المناطق الجغرافية ومراكز الإيواء فيها، لفرض موقع لها يسمح أن تكون طرفا لتلقي الأموال الأوروبية. على سبيل المثال، قتل خلال احدى المعارك أواخر سنة 2017 26 شخصا وجرح 170 آخرون وشرد الآلاف من وسط مدينة صبراتة بسبب الصراع بين مليشيات التهريب. للإشارة فإن هيمنة هذه الجماعات تتغير حسب توازنات الصراع العسكري بين الوفاق وحفتر، فبينما خرجت من المدينة تحت ضغط الأخير فبعضها عاد بعودة قوات الحكومة الليبية.

وبعد مؤتمر بروكسل المشار له آنفًا، تم التوصل إلى ما اعتبر “مقاربة جديدة” من خلال مزيد دعم الاتحاد الأوروبي لخفر السواحل الليبي لصد المهاجرين داخل البحر قبل وصولهم إلى أوروبا، وكذلك معسكرات للمهاجرين خارج أوروبا خاصة في شمال أفريقيا بهدف ردع المهاجرين عن اجتياز المتوسط، لكن هذه النقطة هي محل تساؤلات إن كانت تتوافق مع القانون الدولي أم لا، كما اتفق الزعماء الأوروبيون على تشديد مراقبة الحدود وزيادة التمويل المقدم لتركيا والمغرب وبلدان أخرى في شمال أفريقيا لمنع الهجرة إلى أوروبا.

وفقا لتقرير هيومن رايتس واتش، واصلت سياسة دول الإتحاد في عرقلة جهود إنقاذ المهاجرين من قبل المنظمات غير الحكومية مع الاعتماد المتزايد على قوات حرس السواحل الليبية مع ارتفاع في معدل الوفيات. فقد بلغ عدد الوفيات بحلول منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2,043، وهو انخفاض مقارنة مع عام 2017. لكن معدل الوفيات لكل عبور ارتفع من 1 لكل 42 في الأشهر الثمانية الأولى من 2017 إلى 1 لكل 18 في الفترة نفسها من عام 2018. وتهدف هذه السياسة الى اعادة المهاجرين الذين يتم اعتراضهم في البحر الى ليبيا، رغم الخطر المحدق بهم.

وبدل التفكير في حل اشكالية الهجرة عبر اتفاقيات هجرة اقليمية، واصل الاتحاد بحثه عن شركاء يقبلون توطين المهاجرين فيها، بدءا ببناء مراكز الإيواء فيها. وتم اقتراح مصر وتونس وغيرها من دول شمال افريقيا والبانيا كشركاء محتملين، على الرغم من المخاوف بشأن الظروف والمعاملة وإمكانية الحصول على اللجوء. فشل هذا التوجه خاصة بعد رفض دول الجوار الليبي لهذه السياسات، ومنها تونس.

يمكن لذلك ملاحظة المحاولات المتكررة لفرض واقع جديد على الليبيين والمهاجرين في آن واحد وهو البقاء في ليبيا وعدم الوصول الى أوروبا وهذا ما يعرض المهاجرين لوضع انساني كارثي نظرا للظروف الامنية التي تمر بها ليبيا اليوم. لا تضيع القوى الاوروبية أية فرصة من أجل فرض التوازنات التي تسمح لها بالتحكم في تدفق الهجرة وتأثيره على الفضاء الأوروبي.

 

4 - ازمة المهاجرين في ظل وباء الكورونا

بخصوص الأوضاع الكارثية التي يعيشها المهاجرون في ليبيا، ناشدت المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني الليبي أطراف النزاع من أجل القبول بالهدنة الإنسانية، والتفرغ لمواجهة الوباء المستجد. لكن واقع الحال أفاد بعكس ذلك.

أشار تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بداية شهر أفريل إلى أن الجميع: من مدنيين ولاجئين وطالبي لجوءـ يواجهون تحديات صعبة خاصة في الوصول للمواد الأساسية والخدمات أو إيجاد عمل، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود وإيجارات البيوت بشكل قياسي. وهو ما يزيد من أعداد المشردين والنازحين داخليا.

وكانت منظمات المجتمع المدني الليبي بالإضافة الى المنظمات الدولية قد أشارت منذ انطلاق الأزمة إلى ضرورة احترام الهدنة الإنسانية، إلا أن الصراع الليبي تواصل، ليتسبب الإنهيار الأمني في تعطيل العمل الإنساني والتطوعي، ويعرقل إيصال المساعدات لمحتاجيها. الأمر الذي ترك عديد المهاجرين لمصير مجهول أمام خطر المرض وخطر العنف.

تسببت الأزمة الأمنية في مزيد ضرب القطاع الصحي في ليبيا. دمر الصراع عديد المستشفيات والمراكز الصحية فيما اجبر العديد منها على الإغلاق. تعاني مستشفيات القطاع العام من ضعف التشخيص والعلاج المقدم للمرضى، ونقص الأجهزة والمعدات والقدرات الطبية التي تمكن من رفع الأداء، لذلك يُخير الليبيون اللجوء لدول الجوار. كما تفتقر جلها للكوادر الطبية وشبه الطبية. وأشار رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الليبية، أحمد حمزة إلى أن العاملين الأجانب في القطاع الصحي، وكانوا يمثلون 20 % منه، قد أجبروا على المغادرة.

كما لا يخفى على المتابعين للشأن الليبي أن الفساد الذي تعرفه ليبيا وخاصة في قطاع الصحة يُضاعف الأزمة، ويضرب كل محاولات مواجهة الجائحة بالنسبة للليبيين والمهاجرين الذي يجدون أنفسهم في وضعية أصعب من غيرهم. تسبب الفساد في ضياع موارد القطاع الصحي واستنزفت الجهود الرسمية لإصلاحه.

يتحرك واقع القطاع الصحي في ليبيا عكس كل التوصيات الدولية بخصوص مواجهة الوباء. رغم الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها السلطات في غرب البلاد وشرقها، إلا أن الممارسة تشوبها عدة نقائص. يتم تطبيق قواعد حظر التجول والحجر الصحي بطريقة تعسفية وعنيفة على الليبيين والمهاجرين على السواء. كما أن الإمكانيات اللازمة لإجراء التحاليل غير كافية لتغطية أسوأ السيناريوهات.

يقتضي ما سبق تدارك الوضع القائم بوقف العمليات العسكرية والتركيز على مواجهة الوباء الذي يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه بالنسبة للليبيين والمهاجرين على السواء. إن جزءا من الحل يبدأ داخليا من أجل فرض معادلة مغايرة للتعامل المصلحي الضيق الذي تمارسه الدول الأجنبية في ليبيا، في قضية اللاجئين والمهجرين وسواها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *