جدلية القانون والأزمة:

عندما يتمّ توظيف الأزمات من أجل ضرب القانون وتطويعه

تعتبر الأزمة تغيرًا في المسار العادي للأمور، سواء كانت مشكلة أو اضطرابًا خرجا عن السيطرة، أو طارئًا غير متوقع يفرض وضعية من الشك وعدم الوضوح. يمكن على هذا الأساس القول ان للأزمة قوانينها الخاصة حسب المجال الذي تقع فيه. مثلت الأزمة الاقتصادية لسنة 2007-2008 دليلًا على البنية الاقتصادية المعولمة المترابطة فانتقلت من الولايات المتحدة الأمريكية الى بقية العالم، إلى أن وُضعت على أجندة أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2008.

منذ موفّى العام المنقضي ومع  ظهور  الأزمة الوبائية (كوفيد-19) التي تهدّد أوْكَدَ الحقوق الأساسية ألا وهو الحق في الحياة، ظهر الوجه الحقيقي لما أفرزته التغيرات السياسية في الحقبة الأخيرة نتيجة سياسات نيو ليبرالية وتنامي التيارات الشعوبية القائمة على النزعة الوطنية والقومية الانغلاقية، والتي ترعرعت في حظيرة الرأس المال العالمي الذي بدوره وجد ضالته في تحقيق أرباح طائلة نتيجة عمله داخل أسواق الدول الأكثر ديكتاتورية وشمولية مستغلًا حقول الفساد المزدهرة والتي تتم رعايتها وتخصيبها بحقوق وتأمينات موظفين وعمال ومزارعين لصالح كبار رجال المال والأعمال مقابل نسب معتبرة لمراكز الحكم الرئيسية في تلك الدول وقد تكون الصين هي النموذج الأبرز لانحراف النظام الرأسمالي العالمي.

في السياق ذاته، ظهر سياسيون وبرلمانيون ايطاليون يهوّنون من خطر الفيروس ويصفونه بالمؤامرة، كذلك الرئيس الأمريكي الذي صرح بأنه لا توجد مشكلة ان نخسر قليلًا من الأرواح من أجل ضمان استمرار قوة الولايات المتحدة الاقتصادية، انحراف بعض الحكومات الأوروبية إلى سياسة مناعة القطيع والتراجع عنها بعد فوات الأوان.

 

هكذا تم التلاعب بمشاعر المواطنين في مصر وتونس وليبيا من خلال الاعلام او وسائل التواصل الاجتماعي, فقبل ظهور الوباء في ليبيا ظهرت بعض الوجوه السياسية الليبية والمرتبطة بالنظام البائد لتقول ان الفضل في ذلك هو التطعيمات الاجبارية التي كان يفرضها النظام الصحي على الشعب الليبي في عصر القذافي. كذلك قبل انتشار الوباء في تونس كانت هناك أصوات في أول الأزمة تعود بالفضل الى رؤية الحبيب بورقيبة الثاقبة تجاه النظام الصحي التونسي. من جانبه واصل الاعلام المصري دوره في تعظيم دور القيادة السياسية المصرية في التعامل مع الازمة بحكمة ومسئولية وشفافية في نفس الوقت الذي تحجب فيه بيانات وزارة الصحة والسكان المصرية عدد العينات التي تم أخذها ومناطق ظهور الإصابات الجديدة.

 

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
الرئيس التونسي الاسبق الحبيب بورقيبة
الرئيس الليبي السابق معمر القذافي

فلم تكن تلك الأزمة كاشفة فقط عن ضعف النظم الصحية في الدول الثلاثة لكنها أيضاء جاءت كاشفة عن ضعف طبقة رجال المال والأعمال في تلك الدول نتيجة طبيعية لانغماسهم في الفساد المسيطر على مناخ المحيط العام في كافة المجالات وتحويل كافة المجالات إلى سلعة قابلة للبيع والسمسرة في الوقت الذي قامت فيه الحكومات باتخاذ حزمة من الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية في محاولة منها لاستيعاب جزء من مشكلات الفئات الهشة وعمال اليومية.

وبالتوازي مع انتشار المبادرات المدنية في محاولة للمساهمة الجادة في مواجهة الوباء سجّل القطاع الخاص انسحابا رهيبا منذ بداية الأزمة حتى الآن بل هناك من قام بالفعل بإنهاء خدمة او تخفيض مرتبات العاملين والموظفين، فضلا عن دعوة رجال اعمال علانية لإنهاء الحجر الصحي الاجباري والمطالبة بعودة الحياة إلى طبيعتها وكأنّهم يقولون بذلك انّه لا مانع من موت البعض من اجل الاّ تتوقف عجلة الإنتاج وينهار الاقتصاد القومي.

جاءت تلك الأزمة أيضًا لتعلن عن حتمية الاجابة عن تساؤلات جديدة يفرضها الواقع حول نوع ونمط الإنتاج والاستهلاك في مستقبل البشرية، بل انّها جاءت لتكشف عن حتمية تطوير بروتكولات واتفاقيات ومعاهدات جديدة تضمن مزيدا من الحقوق للبشر في ظل انهيار قيم الإنسانية أمام متطلبات بقاء النظام الرأسمالي العالمي حيث  أصبح حق الفرد في الحياة محدّدا بقيمته الإنتاجية المستقبلية في المجتمع، غير مبالية لما قدمه الفرد في ماضيه لصالح المجتمع نفسه الذي قرر ان يحكم عليه بإنهاء حياته من اجل مستقبل افضل!.

تعريف ماكرو-أزمة وميكرو-أزمة: يختلف تعريف مفهوم الأزمة حسب وجهة نظر التحليل بين التحليل الكلي Macro-Analysis أو التحليل الجزئي Micro-Analysis. ويتأثر التحليل بالمقاربة والخلفية والرؤية الخاصة بالمحلل وسياقه. وعلى هذا الأساس، يتم التعامل مع الماكرو-أزمة التي تفترض تشابكا بين مستويات عدة على جميع المستويات، أما الميكرو-أزمة فهي تقتضي تعاملا موضعيا مع وحدات مستقلة.

تمثل أزمة الوباء العالمي اليوم دليلًا آخر على أزمة “بيولوجية/طبية” بمعايير معولمة، حيث ساهم ترابط العالم في انتشاره الى أغلب الدول. يعطي حجم هذه الأزمات طابع الـماكرو-أزمة للوضعية التي تمر بها الدول والمجتمعات. اتخذت عدة دول قرارات وقوانين عدة للتحكم فيها وتجنب الأسوأ، وفي نفس الوقت مثل النقص القانوني في المجال المالي في الولايات المتحدة سببًا فيها من حيث الأساس، حيث استغلته البنوك والشركات المالية لزيادة ارباحها. في المقابل، وفي مواجهة أزمة الوباء العالمي تتمتع الدول الأقوى بأفضلية الحصول على الأدوية والمواد الطبية على حساب دول أخرى، فيما يغيب في القانون الدولي قواعد قادرة على فرض التضامن والتكافل والمساواة في وباء يتحدى الإنسانية في وجودها.

ومحل القانون من ذلك محل بقية العناصر حيث يمكن أن يكون عنصر حل أو عنصر تضخيم للأزمة. إذ ينبني في منطقه على فكرة ضمان النظام والإستقرار، فهو في أدنى مستوياته، يتعامل مع الميكرو-أزمة، التي يمكن أن تطرأ على الحياة اليومية الفردية والجماعية. فلا يغيب عن القوانين الوطنية المختلفة مفاهيم كالقوة القاهرة والخطر الداهم والإستثناء…وهي مفاهيم يمكن أن تلامس العلاقات البينية الفردية وصولًا إلى المستوى الوطني، وهدفها عودة الأشياء إلى ما كانت عليه. كما يتعامل أيضًا مع الماكرو-أزمة على المستوى الدولي. الأمر الذي يفترض بالضرورة مقاربة تعددية شاملة حتى يمكن ضمان نجاعة القانون.

على هذا الأساس، يمكن ملاحظة الجدلية بين القانون والأزمة، وتغير دلالاتها حسب السياق سواء حسب المجالات أو الفضاءات. وهو ما يدعو للتفكير فيها بأكثر جدية لما تطرحه من تحديات على المنظومات القانونية. لا تسعى هذه الورقة الى رفع السقف عاليًا في صفحاتها المحدودة، لكن هذا المفهوم، أي الأزمة، يفرض نفسه، في السياق التونسي والليبي والمصري، بسبب استغلالها عبر القانون لضرب فكرة القانون نفسها التي تقوم على دلالة النظام والإستقرار لصالح المواطن والإنسان. وبسبب ذلك، أصبحت هذه الدول أكثر عجزًا على مواجهة عالم تتوالد فيه الأزمات من رحم منظومة رأسمالية معولمة، تؤثر على الداخل والخارج. كما أن مقارباتها في مواجهتها محدودة ولم تتطور منذ نشأتها. وهو ما يتم ملاحظته عبر التعرض للجوانب المختلفة في إدارة الأزمات.

 

إذا كانت العلاقة بين القانون والأزمة تفاعلية، بمعنى وجود ممكن لاستيعاب الأخيرة والتحكم فيها، فما الذي يفضي إلى فشل القانون في اداء مهامه. يمكن تفسير ذلك بالرجوع الى مقاربات الدول في تكريس فكرة القانون. في الواقع، تتسبب الممارسة السلطوية في إفراغ الجدلية المذكورة من معناها، حيث تسلب القانون قدرته على التفاعل مع الواقع، بسبب هيمنة منطق القوة التي تستغل طرفي العلاقة.

 

وإذا ما ارتكزنا على المثال التونسي والليبي والمصري (رغم الاختلافات البينيّة) لفهم إدارة الأزمة الصحية فإننا، حتما، سنتوصّل الى أنّ الأنظمة السياسية التي سادت تلك الدّول على مدى عقود من الزمن كانت سببا رئيسا في ضرب القانون واستغلال الأزمات وتوظيفها سياسيا وتأجيل حلّها بما جعلها تتراكم لتُثقل كاهل الشعوب إلى اليوم. وما التشبّث المتواصل وغير المبرّر، في أحيان كثيرة، بحالة الطوارئ والقوانين العرفية والاستثنائية الاّ دليلًا على ما سبق.

اشار خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان إلى هذا الجانب عندما تمت الإشارة في المؤتمر الصحفي المنعقد بتاريخ 17 مارس 2020، إلى أن الطوارئ أو أيّ اجراء استثنائي يجب ألاّ يتجاوز حقوق الإنسان بل يجب اعتباره خطًا ناظمًا للتدابير ككل، بالإضافة إلى أن وجوب أن يكون شاملا للمستوى الاقتصادي والاجتماعي لضمان العدالة والمساواة بين المواطنين.

لكن تجدر الإشارة في نفس السياق، الى أنّ مثل هذه المقاربة ترتبط بتطور كامل للدولة والمجتمع في إطار أنظمة ديمقراطية تسمح بتعزيز مقاربات شاملة في مثل هذا المجال الحساس. من الجلي أن أنظمة مماثلة قادرة بالحد الأدنى على توفير شروط مواجهة الأزمات بطريقة سليمة وإنسانية.

حالة الطوارئ:

تعيش مصر حالة طوارئ مستمرة يبرر فيها الإستثناء في الأزمة صلاحيات موسعة للسلطة التنفيذية وفروعها. فيما يختلف السياق التونسي عن المصري، حيث لم يتم اللجوء إلى قانون الطوارئ في السابق. لقد بلغت عدد أيام الطوارئ في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة 56 يومًا، وصفر يوم في عهد بن علي بينما أصبحت الطوارئ حالة “دائمة” في فترة ما بعد ثورة بسبب الاضطرابات الأمنية وتنامي خطر الارهاب. أما في ليبيا، فلم يكن نظام القذافي مضطرا لإعلانها، إلا في مرات معدودة.

تُعرّف حالة الطوارئ على أنها حالة استثنائية تُمنح بسببها صلاحيات اضافية للسلطة التنفيذية من أجل مواجهة ظروف غير اعتيادية تتعرض لها الدولة، وتكون حالة الطوارئ من خلال نص قانوني، تختلف طبيعته القانونية من دولة الى أخرى، يتضمن شروط وحيثيات إعلان حالة الطوارئ، ويشمل كذلك الجهات التي لها صلاحيات إعلان هذه الحالة ومبرراتها. فأغلب دول العالم تحتوي دساتيرها على قانون الطوارئ والمواد التي تؤدي إلى الحاجة لإعلان حالة الطوارئ، كما يرى بعض فقهاء القانون أنّ حالة الطوارئ هي نظام استثنائي له أسبابه المرتبطة بفكرة الخطر المحدق بالدولة يسمح باستخدام إجراءات معينة لمواجهة الأخطار.

وفي سنة 1966 صدر العهد الدولي للحريات المدنية والسياسية والذي ألقى الضوء على حالة الطوارئ وبيّن الشرط الأساسي المُسبّب لفرضها ألا وهو وجود خطر استثنائي وعام يُهدّد وجود الدولة، على أن يتم إعلان حالة الطوارئ بشكل رسمي من أجل منع أيّ ممارسات تؤثّر على الحُريات في ظروف غير استثنائية. وقد صادقت كل من مصر وتونس وليبيا على هذا العهد. ومن الجدير بالذكر أنّ حالة الطوارئ تُثير العديد من المخاوف من الاستبداد والضغط على الحريات وذلك راجع للصلاحيات الواسعة التي تُمنح للأجهزة الأمنية للدولة والتي قد تُسوّغ للقبضة الأمنية ارتكاب تجاوزات على الحرية والديمقراطية، وبناء على ذلك فإنّه يجب أن تكون حالة الطوارئ خاضعة للتقييم الدائم والتشاور ولمواد تتصدّى لتجاوزاتها.

 

تتطلب مقاربة ما سبق تحليل الإطار القانوني والدستوري ومن ثمة الوقوف على أزمة الممارسة والتطبيق. وبينهما تتضح المقاربة التي تعتمدها الدول الثلاث، سواء مصر او تونس او ليبيا.

تقوم فكرة الدستور على إدارة العلاقة بين الحاكم والمحكوم صلب معنى النظام والاستقرار والثبات، إلا أنها لا تتجاهل مفهوم الأزمة باعتبارها كل ما هو استثناء يمس من التوازن المطلوب دستوريًا في العلاقة المذكورة. والهدف من ذلك هو تفعيل الأدوات والإجراءات السلطوية لمواجهة الأزمة وإعادة الاستقرار في النظام. يفترض ذلك معالجات استثنائية عبر منح السلطة صلاحيات خارقة للعادة تسمح بضمان النجاة والفعالية. يمكن أن يبدو لأول وهلة، أن الإجراء الاستثنائي يتحرك بمنطق السلطة، لكن واقعًا يهدف إلى الحفاظ على الكيان السوسيو-سياسي، أي ذلك الكيان الذي تهدده الأزمة وبالتالي السلطة والدولة. يفترض في المعالجة الاستثنائية لذلك أن تكون شاملة، وألا تركز على الجانب القانوني والسياسي (في دلالتهما السلطوية)، بل عليها الاستعداد لظرف معيشي يومي واقتصادي واجتماعي وحتى ثقافي ومعنوي عبر كل الإجراءات الممكنة. إن قانونًا خاصًا بالحالات الاستثنائية، بقدر ما هو يتطلب النجاعة والفعالية، لا يجب ان يتجاوز ضوابط فكرة دولة القانون، بما هي كيان سوسيو-سياسي.

 

في المجمل، تتميز مقاربة الأزمات في تونس وليبيا ومصر بهيمنة المقاربة السلطوية التي ترتكز على الأدوات القانونية والسياسية. وحتى في هذا المستوى، فالخلط وعدم الوضوح قائم وموجود، بما يؤدي إلى إشكاليات قانونية ودستورية، بالإضافة إلى إهمال المقاربات السوسيولوجية والاقتصادية ليهمين الارتجال والعفوية في إدارة الأزمات.

 

في ظل الأزمات المتواترة التي تمر بها تونس ومصر وليبيا، بين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني، تبينت ضرورة مراجعة الإطار القانوني لكل ما يمكن أن يطرأ على السير العادي للحياة في المجتمع والدولة، أي الوضعيات التي يمكن أن يكون حلها إضافة تدابير وصلاحيات استثنائية للسلطة التنفيذية كأحد الحلول الناجعة والسريعة لمواجهتها. لكن تبين أيضًا بمراجعة الممارسة، إمكانية الانحراف الكبير بالسلطة والتعدي على الحقوق والحريات الفردية والعامة، خاصة أن المؤسسات التنفيذية، لا سيما الأمنية منها، لا تزال بعيدة عن تحقيق النقلة الإصلاحية المطلوبة لضمان التزامها بالقانون. بالإضافة إلى البيروقراطية وعدم تناسق العمل في إطار اللامركزية بين المركز والداخل، وحضور البعد السياسوي والتسلطي في الأثناء.

تونس

I - أزمة الإطار القانوني والدستوري

في تونس، يعتبر الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي -يناير 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ، الإطار القانوني المبدئي المنظم لهذا المجال. وقد تواصل العمل به إلى غاية اليوم رغم دخول الدستور التونسي الجديد حيز النفاذ منذ أكثر من 6 سنوات. لكن يمكن ملاحظة عدم وضوح في الإطار القانوني لتنظيم حالة الطوارئ، حيث ثمة خلط بينها وبين الحالة الاستثنائية الواردة بالفصل 80، التي يحيل عليها الفصل 77 المتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية.

وهنا جرد بحالات الطوارئ التي تم إعلانها خلال مُدد مختلفة:

من 26 جانفي 1978 إلى 6 نوفمبر 1987

مدة الطوارئ

0
يوم طوارئ

من 7 نوفمبر 1987 إلى 14 جانفي 2011

مدة الطوارئ

0
يوم طوارئ

من 15 جانفي 2011 إلى 27 جانفي 2014

مدة الطوارئ

0
يوم طوارئ

من 26 جانفي 1978 إلى 6 نوفمبر 1987

مدة الطوارئ

الى اليوم

يُذكر أن التمديد في حالة الطوارئ بقي متواصلًا منذ 24 نوفمبر 2015 بكامل تراب الجمهورية وهو ما يتنافى أساسًا مع مفهوم حالة الطوارئ باعتبارها حالة استثنائية محدودة في الزمن ومرتبطة بحدث معين تزول وتنتهي بزواله.

للإشارة، لا يأتي الدستور التونسي على ذكر مصطلح “حالة الطوارئ”، لكنه جاء على ذكر الحالة الإستثنائية في الفصل 80 منه وخصّها بشروط وإجراءات خاصة، كما جاء على إعلان الحرب وإبرام السلم في الفصل 77 منه. مما يسمح بالقول، بأن ثمة تمييزًا لدى المشرع بين هذه المفاهيم. تجدر الإشارة إلى أن بعض الفقهاء يؤكدون على أن دلالة الحالة الإستثنائية واسعة وتشمل عدة حالات أخرى كحالة الحرب أو حالة الحصار أو حالة الطوارئ. وما يجمع بينها هو درجة الخطر وما يناسبها من صلاحيات استثنائية سواء بالنسبة للسلطة المدنية او للقوات العسكرية ودورها.

دعا الرئيس الحالي قيس سعيد في مرحلة سابقة إلى اعتبار إعلان حالة الطوارئ في عهد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي غير مطابق للدستور لجهة عدم وجود داعي لها، حيث لا تزال دواليب الدولة قائمة على حالتها العادية.  قياسًا على ذلك، يمكن القول أن نفس هذه الملاحظة تستقيم في حالات الإعلان التي تمت منذ توليه الرئاسة. واعتبر قيس سعيد ان النص القانوني المنظم لحالة الطوارئ هو الأمر عدد 50 لسنة 1978 رغم عدم دستوريته. وبالرجوع إلى عدة أوامر رئاسية متعلقة بحالة الطوارئ، نجد منها ما يذكر الفصل 77 الذي يحيل على الفصل 80، كما هو الحال في الأمر رئاسي عدد 3 لسنة 2020 مؤرخ في 30 جانفي 2020 المتعلق بتمديد حالة الطوارئ. وهو آخر الأوامر التي أصدرتها رئاسة الجمهورية. والملاحظ فيها أن ديباجة الأمر تذكر الفصل 77 بالإضافة إلى الأمر المتعلق بحالة الطوارئ.

يطرح هذا الأمر إشكالًا قانونيًا لجهة الجمع بين حالة الطوارئ والحالة الإستثنائية، بالإضافة إلى غياب المحكمة الدستورية من جهة أولى دون أي أثر لإجراءات الحالة الإستثنائية وآثارها حسب منطوق الفصل 80، فلم يصدر بيان من رئاسة الجمهورية يبين التدابير الإستثنائية ولا بيانًا بشأن نهايتها، كما لم يتم الإعلان عن أن مجلس النواب في حالة انعقاد دائم. الأمر الذي يطرح التساؤل عن جدوى الجمع بين الأمر المتعلق بإعلان حالة الطوارئ والفصل 80 من الدستور، في ظل واقع اللبس القانوني، الذي لم يملأه التأويل القانوني والدستوري للأستاذ قيس سعيد قبل وبعد الرئاسة.

بالإضافة إلى ما سبق، جاءت ديباجة الأمر الرئاسي عدد 24 لسنة 2020 مؤرخ في 18 مارس 2020 المتعلق بمنع الجولان بكامل تراب الجمهورية، على ذكر الفصل 80، أي أنها تدخل حسب منطق ومنطوق الأمر ضمن التدابير الإستثنائية، إلا أنها أيضًا لم تترافق مع بقية إجراءات الفصل وآثاره القانونية، مع الإشارة مجددًا إلى غياب المحكمة الدستورية.

يمكن لذلك ملاحظة، ان تمييزًا موجودًا لدى السلطات بين الطوارئ وبين التدابير الإستثنائية، إلا أن الإطار القانوني غير دقيق، وزاد من عدم الدقة الجمع بينهما أحيانًا.

من هنا وجبت الإشارة إلى ضرورة مراجعة مشروع قانون الطوارئ الذي تقدمت به رئاسة الحكومة في سنة 2018 تحت عدد 2018/91 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ.

إذ وجهت لمشروع القانون العديد من الإنتقادات تتمثل أبرزها في:

II - أزمة الممارسة والتطبيق :

1. ملاحظات حول العمل القضائي:

رصدت الجمعية التونسية للقضاة التتبعات العدلية من أجل خرق الحجر الصحي العام وخرق حظر الجولان. وهي أرقام تؤكد مساهمة السلطة القضائية في السياسة العامة للدولة في مواجهة الأزمة ضمن الأطر القانونية الموجودة.

التتبعات العدلية من أجل خرق الحجر الصحي العام

0
23 - 25 مارس
0
25 - 27 مارس
0
28 - 30 مارس

كما صدرت عدة أحكام قضائية ضد من خرق حظر الجولان، واستندت في أحكامها إلى الأمر المتعلق بتنظيم الطوارئ لسنة 1978، رغم أن الأمر المتعلق بحظر الجولان لسنة 2020، قد استند إلى الفصل 80 من الدستور وليس إلى الأمر الأول. وبالعودة إلى ما تمت الإشارة إليه سابقًا عن واقع الإطار القانوني والدستوري، يمكن القول إن العقوبات تتم على أساس أمرين مختلفين ومتعلقين بحالتين مختلفتين. الأمر الذي يطرح سؤال شرعيتها. وذهب فقهاء آخرون، إلى أن عدم الشرعية ينبني أيضًا على مخالفة أحكام الفصل 68 من الدستور الذي جعل ضبط الجنح والجنايات والعقوبات المنطبقة عليها مجالًا حصريًا للقوانين العادية وليس الأوامر.

إذن، ينتقل عدم الوضوح في الإطار الدستوري والقانوني والتركيز على المقاربات السلطوية، والتسلطية أحيانًا بفعل الممارسة، إلى المستويات الأدنى سواء القضائية أو غيرها.

يمكن ملاحظة تراجع الأرقام تدريجيًا مع تواصل العمل الرقابي والزجري، حسب ما تؤكده المنصات الإعلامية للمؤسسات الأمنية. لكن ذلك لا يمنع من إبداء ملاحظات حول ذلك، حيث أن فئات واسعة من المجتمع التونسي هشة إقتصاديًا ويبادر أفرادها إلى الخروج مخالفين بذلك الإجراءات طلبًا للقوت اليومي. يطرح السؤال في هذا المستوى، عن دلالة معنى الحق في الحياة والحرص على الحفاظ عليه عبر إجراءات صحية مشددة ومتابعة قضائية أشد، لكن الحق في الحياة في مستوى آخر، يتعرض للمس لأسباب اقتصادية واجتماعية. بغياب الأخيرة أو الحد منها على الأقل مرحليًا عبر إجراءات تناسب الأزمة، تصبح السياسة الأمنية والقضائية في تتبع من يخرق الحجر والحظر ذات معنى ودلالة أقوى. وفي خلاف ذلك، تصبح هذه السياسة محدودة الأثر وعبثية إلى حد ما.

2. الإرتجال والإضطراب

يُذكر ما سبق مع الإشارة إلى:

حالة الإضطراب في عملية منح رخص التنقل:

تعرض عدة مواطنين، بسب عدم الإعتراف بالتراخيص التي معهم، للعنف والإهانة من قبل أعوان الأمن في مرحلة أولى. كما أن غياب المعلومة الدقيقة عن الجهات المخولة بمنح التراخيص تسبب في ارتباك كبير لدى المواطنين، كما أن جزء من المجتمع المدني قد تعرض لصعوبات مماثلة، وهو ما عرقل الجهد التضامني المجتمعي الذي تحتاجه فترات مشابهة. ويمكن الإشارة إلى أن آخر بلاغ توضيحي يؤكد على أن مركز الأمن والحرس هو المخول بالإمضاء والتأشير على التراخيص هو بتاريخ 31 مارس 2020.

السياسة الاجتماعية التقليدية:

تعتمد هذه السياسة على قائمات العائلات المعوزة الحاملة لأصناف محددة من البطاقات. هذا ويشار إلى أن قائمات هذه الفئات غير محينة بالمرة. وهي سياسة من الواجب مراجعتها من الأساس. وهو ما أشار له وزير الشؤون الاجتماعية نفسه بصورة محدودة، تُثبت ما ورد سابقا عن ضرورة تطوير مقاربات الدولة واستراتيجياتها.

شهدت مسألة المنح المادية اضطرابًا في تحديد تواريخ توزيعها والتأخر فيها وعدم الوضوح في إجراءاتها، كما أنها منح غير كافية لتغطية المصاريف في ظل ارتفاع الأسعار منذ مدة في تونس. كما احتجت المنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على معايير توزيع المنح. وأشارت المنظمة في بيان لها أن المعايير المعتمدة غير عادلة كما لا تدرج في حساباتها ذوي الإعاقة العاطلين عن العمل وليس لهم تغطية اجتماعية او دخل قار.

وحتى بالحد الأدنى الذي عليه هذه السياسات، فقد تعطلت في تفعيلها على أرض الواقع بسبب غياب الأطر القانونية المناسبة. وهو مرجع حرص الحكومة التونسية على الحصول على تفويض مجلس النواب لإصدار المراسيم طبقًا للفصل 70 من الدستور التونسي، غير أن حسابات سياسية ضيقة قد أخرت هذا التفويض. وهنا يظهر ارتباط الفشل في تطوير المقاربات الاجتماعية مع عجز الأطر القانونية والمؤسساتية على الرد كما يجب على ما تفرضه الأزمات.

وبعد التأخر الشديد في صرف تلك الإعانات تم توفير قيمة جمليّة للإعانات الموجّهة الى الفئات المعوزة تقدّر ب 150 مليون دينار الى جانب 300 مليون دينار اعانات موجّهة الى أصحاب المهن الصغرى والتي تعاني البطالة الفنية. وتمت مطالبة تلك الفئات والتي ليست مسجّلة بمختلف برامج بوزارة الشؤون الاجتماعية بالتوجه الى السلطات المحلية بجهاتهم (العمدة خاصة) وتعمير استمارة متوفّرة على عين المكان. وقد تم لنفس الغرض، وضع رزنامة لصرف تلك الإعانات بدأت منذ 31 مارس 2020.

هذا التأخير أدى إلى نتيجة عكسية تمامًا حيث تسبب في ازدحام وتدافع أمام تلك المعتمديات وهو ما دفع برئاسة الحكومة التونسية للتدخلّ وإعادة تنظيم جدول توزيع الإعانات بناء على تحديد موعد سابق من خلال تطبيق تليفوني.

في نفس الإتجاه، ركزت الحلول المعتمدة على دعم المؤسسات الاقتصادية والشركات، في مواصلة للسياسة الاقتصادية السابقة. الأمر الذي يجعل دور الدولة الاجتماعي محدودًا في الأصل، لأن التوجه الرسمي منذ التسعينات في تونس هو الإنخراط في سياسة السوق. أما قدرتها على مواجهة أزماته، عبر القطاع العام، فهي في تراجع تدريجي منذ سنوات.

يمكن القول أن الدولة مجردة من شروط قدرتها التدخل في الأزمات بسبب سياساتها السابقة ومقارباتها الاقتصادية والإجتماعية.

الأمر الذي يفسر بداية الإحتجاجات الاجتماعية مع نهاية الأسبوع الثاني من الحجر الصحي العام في تونس. بل وتحولت بعضها إلى مواجهات مع قوات الأمن. فقد وجّه العديد من متساكني أرياف ولاية جندوبة اليوم نداء استغاثة لتزويدهم بالمواد الغذائية الأساسية، كما عرفت معتمدية المنيهلة من ولاية أريانة تحركات احتجاجية إذ أنّ عدم المرافقة الاجتماعية لقرار الحجر الصحي الشامل يؤدي إلى بروز أخطار تنذر بالتحركات الاجتماعية وذلك قياسًا بصعوبة حصول المواطنين على الحاجيات الأساسية، وقياسًا بفقدان العديد من التونسيين لموارد رزقهم. بالإضافة إلى ما سبق ذكره عن سياسة المنح غير المنظمة والكافية.

طرحت الأزمة الحالية بقوة إشكالية دور الدولة ونموذجها التنموي وطبيعة دورها الاجتماعي. اثارت القرارات المتخذة لصالح المؤسسات الاقتصادية حفيظة الكثيرين، خاصة مع تراجع دور هذه المؤسسات الاجتماعي. وهو ما طرح بدوره عن دور المصحات الخاصة. يتمسك الخطاب السائد حول القطاع الخاص بالمقاربة الرأسمالية “السوقية” المندمجة في بنية السلطة والدولة منذ نشأتها. الامر الذي يجعلها أحد عراقيل الإصلاح فعليًا، فيما كل دور لها في الأزمات يصبح عنوانًا للتفضُّل والمنّ، أو هو تدخل من أجل تعزيز موقعها في السلطة.

مثل أيضًا تراجع دور القطاع العمومي، باعتباره قطب دور الدولة على كل المستويات، العنصر الذي شد الإنتباه، حيث انفصل القطاع الخاص ليدافع عن مصالحه الضيقة فيما بقي القطاع العام محتاجا للمساعدات والتبرعات. عندما تم الإستناد إلى ما يعتبر سمة القطاع العام الإستثنائية، أي منطق المصلحة العامة وأدواتها، وجد نفسه مفرغًا من القدرات والأدوات.

السلطة المركزية والسلطة المحلية :

أثبت الخطاب الرسمي خلال هذه الفترة غياب الرؤية الواضحة لتأصيل اللامركزية كسياسة واستراتيجية سواء في التنمية أو الأزمة. إذ رجع في الأثناء خطاب التجاذب بين المركز والفرع، وتشتت السياسات بين المحلي والمركزي وغياب التنسيق الذي يعتبر استراتيجيًا في توجيه الطاقة والجهد في فترات الأزمات. بينما يكرر رئيس الجمهورية التونسي على اسماع المواطنين مفهوم الدولة، تعلن بعض البلديات عن رفضها للخطابات الرسمية، ورفضها لمنشور رئيس الحكومة عدد 9 بتاريخ 25 مارس 2020 حول وجوب التنسيق مع سلطة الإشراف قبل اتخاذ التدابير والإجراءات في إطار محاربة فيروس الكورونا، حيث أكدت بعض البلديات عن أنها لن تتخلى عن صلاحياتها المكفولة قانونًا ودستوريًا. ضمن الأزمة، تتغير شروط سياسة الدولة، إلا أن الملاحظ أن منشورًا يتحرك عكس المنظومة القانونية ككل.

لكن لا بد من الإشارة أيضًا إلى أن الأزمة قد حملت فعليًا دليلًا على قدرة السلطات المحلية على التفاعل الإيجابي والسريع والمباشر تجاه الطوارئ والحالات الإستثنائية. الامر الذي يدعو إلى الدفع بمقاربة شاملة سواء في استراتيجيات التنمية أو في مواجهة الأزمات الطارئة.

يجدر فعليًا التفكير في إطار قانوني جديد للطوارئ والحالات الإستثنائية يتناسب مع الإطار القانوني الخاص بالسلطة المحلية.

تحضر المقاربة السلطوية في التجربة التونسية، عبر التركيز على السلطة التنفيذية ومركزية القرار وإخضاع كل شيء لها، ورغم تركيز الأسس القانونية للامركزية قانونيًا ودستوريًا، إلا أن تفعيل عملية اتخاذ قرار لا مركزي تظل محدودة. وتصبح أكثر محدودية بفعل خطاب الأزمة السياسي الذي يعود للتركيز على الدولة، في مقابل الفروع والجهات، وكأنها عنصر أزمة وليس أحد الحلول. وتتقدم المقاربة السلطوية على حساب المقاربة السوسيولوجية والإقتصادية والحقوقية، بل وتعد جميعها أدنى منها. مما ينجر عنه محدودية أثرها في عملية القرار وعمل المؤسسات.

ليبيا

I - أزمة الإطار القانوني والدستوري

أعلنت حكومة الوفاق الوطني بتاريخ 21 مارس 2020 عن حالة الطوارئ. واستند قرارها إلى قانونين قديمين يعودان إلى الفترة الملكية في ليبيا. وهما المرسوم الملكي – رقم 5 لسنــة 1956 – نشر بتاريخ 31 / 01 / 1956 والمرسوم الملكي الموافق لـ 5 اكتوبر سنة 1955 بشأن حالة الطوارئ. كما استند قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني رقم 215 لسنة 2020 المتعلق بإعلان حظر التجول على المرسوم الأخير.

يذكر أن حكومة خليفة محمد الغويل قد سبق لها أن أعلنت عن حالة الطوارئ القصوى في ليبيا سنة 2016 دون أن تستند إلى النصوص المذكورة آنفًا. وكان الإعلان من قبل رئيس الحكومة الغويل برفع مستوى التأهب الأمني عقب اعلان رئاسة حكومة الوفاق الوطني نيتها الانتقال الى طرابلس، بعد رفض حكومته تسليمها السلطة.

وهو ما يشير إلى حالة غياب الضوابط القانونية الكافية بالحالات الإستثنائية والطوارئ في البلاد، وتأثير السياق السياسي والعسكري والإنقسام المؤسساتي.

من الجلي أن الوضع في ليبيا أكثر تعقيدًا، ويتسبب في اضطراب كلي للإطار القانوني والدستوري لإدارة الأزمات بجميع أنواعها. كما تتوزع القواعد القانونية بين نصوص قانونية مختلفة حيث استند قرار فرض حالة الطوارئ على سبيل المثال الى المادة 136 من قانون رقم 106 لسنة 1974 الموسوم بالقانون الصحي وإلى المادة 467 من قانون العقوبات الليبي حيث نصت على أن: “كل من خالف أمرا أصدرته السلطة حفظ للعدالة او السلامة العامة أو النظام او الصحة، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهرا أو بغرامة لا تزيد على خمس جنيها”. وهي نصوص موسعة وغير دقيقة، ولا تتعلق مباشرة بحالة الطوارئ.

II - أزمة الممارسة والتطبيق :

1 - عن عملية تطبيق التدابير الإستثنائية :

العنف وانتهاكات حقوق الإنسان :

توالت الأخبار في ليبيا عن سوء عملية فرض احترام حظر التجول، حيث تعمد قوات الأمن إلى:

في ظل الوضع الأمني في ليبيا، وتفكك المنظومة القضائية والسجنية، تعتبر هذه الممارسات متوقعة. كما أن حظر التجول أصبح فرصة لتوسيع العمليات العسكرية في طرابلس وضواحيها، بل توسعت ساحة القتال في الأثناء وصولًا إلى الحدود التونسية غربًا، وإلى مصراتة وسرت شرقًا.

في الأثناء، يواجه المهاجرون واللاجئون في ليبيا خطرًا مزدوجًا بين الأمني والوبائي في ظل وضعية متدهورة مسبقًا. وهو ما حذرت منه المنظمات الدولية الناشطة في ليبيا، حيث يمكن أن تؤدي مراكز الإحتجاز إلى زيادة خطر انتشار المرض بينهم وبين السكان المحليين.

العلاقة بين المركز والداخل

رغم سعي السلطات في شرق ليبيا وغربها على توفير المواد الأساسية والسعي إلى توفير البنية التحتية الملائمة لمواجهة الوباء والعمل على توسيع عمليات التعقيم، إلا أن الأنباء تتوارد عن حالات وفاة لأشخاص في منازلهم دون متابعة حالات الوفاة وأسبابها، إذ يشتبه في كثير منها أن تكون راجعة لوباء الكورونا، خاصة أن المدن والمناطق البعيدة تفتقر للشروط الدنيا لمقاومة المرض.

كما أدت حالة الإنقسام المؤسساتي والجغرافي للبلد إلى وضع المؤسسات البلدية (المستوى اللامركزي) في الخط لمواجهة الأزمة، خاصة أن المحافظات في ليبيا غير موجودة. كان المجلس الرئاسي عن تخصيص مبلغ 75 مليون دينار للبلديات في إطار التصدي لتفشي المرض. إلا أن القرار أثار جدلًا واسعًا في المنطقة الغربية لجهة أن نصف البلديات يخضع للجيش الليبي بقيادة حفتر. الأمر الذي دعا البعض لمطالبة حكومة بتوفير مساعدات عينية بدل المالية. وهو ما يدخل تحت عنوان الصراع السياسي والعسكري الموجود حاليًا.

سبق أن كانت البلديات والمجالس المحلية حلًا عمليًا ومباشرًا لجمع أوصال الدولة بعد ثورة 2011. اكتسبت هذه الكيانات غير المنتخبة شرعيتها من توافق السكان على المصلحة المحلية. وجاء قرار المجلس الإنتقالي لاحقًا بوضع قواعد وأحكام النظام الداخلي لها. وتدريجيا تم انتخاب هذه الكيانات، والبدء في تخصيص ميزانيات لها، ونقل صلاحيات المحافظات (الولايات) لها. غير أن هذا المسار التوحيدي تعطل بسبب مطالبات قرى أخرى بتصنيفها كبلديات للحصول على ميزانيات خاصة بها، رغم أنها لا تتوفر على الشرط الديمغرافي.

وبسبب الإنقسام السياسي، أصبحت البلديات تخضع لوزارتين، مع تواصل إنشاء البلديات على أسس غير موضوعية مؤطرة قانونيًا، بل أصبح المعيار الأساسي هو التوازنات القبلية والجهوية.

للإشارة، سبق لوزارة الحكم المحلي سنة 2016 الإعلان عن نقل صلاحيات عدة إلى البلديات. لكن بعد 4 سنوات من هذا الإعلان، لم يتم فعليًا نقل صلاحيات بما يناسبها من موارد مالية حيث تجد البلديات نفسها في واجهة المطالبة والمحاسبة المواطنية دون إمكانيات فعلية لتنفيذ الزاماتها. وفي الأثناء، تم عسكرة العمل البلدي في المنطقة الشرقية مع انخراط كل البلديات في الصراع السياسي. آل الوضع لذلك إلى بلديات ضعيفة ماليًا ولوجستيًا وبشريًا سواء في المنطقة الشرقية أو الغربية.

إن الحكم المحلي في ليبيا يشد مفاصل الدولة، لكن السلطة فيها والصراع عليها يستغله في كل اتجاه. واليوم أصبح التحدي الذي يواجه الليبيين وجوديًا أمام عدو لا يميز بينهم، فيما الأدوات المناسبة لمحاربته ضعيفة او غير موجودة.

2 - تعقيد الحالة الليبية عمليًا وضرورة تطوير النصوص والمقاربات :

أشار فقهاء القانون الليبيون إلى الوضعية المعقدة في ليبيا، بالتأكيد على عدة نقاط، تشير إلى عملية البناء في ليبيا ستبدأ فعليًا من الصفر. ذكر الأستاذ الدكتور الهادي ابو حمرة عضو هيئة التدريس في جامعة طرابلس تدوينه على حسابه على الفيس بوك ساق فيها مجموعة من الأفكار حيث ذكر (من خلال النظر في كيفية مواجهة مختلف الدول للأزمة الحالية

نعتقد أن من نتائجها إعادة البحث في عدة مسائل منها (على سبيل المثال):

مصر

I - أزمة الإطار القانوني والدستوري

تعيش مصر على وقع حالة الطوارئ منذ الفترة الإستعمارية، وتلازمت مع سياسات الدولة وخيارات الرؤساء المتعاقبين على حكم مصر سواء لأسباب داخلية أو خارجية.

وهنا مسار زمني لإعلان حالة الطوارئ في مصر:

يعتبر الإعلان عن حالة الطارئ القائم حاليًا مخالفا للمادة 154 من الدستور والتي نصت علي أن إعلانها يكون: “…لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس” لكن حالة الطوارئ في مصر تقترب من 3 سنوات بموافقة السلطتان التشريعية والتنفيذية وذلك بعد أن غُلت يد السلطة القضائية في مجال الرقابة على فرض إعلان حالة الطوارئ حيث قضت المحكمة الدستورية منذ سنة 1977 بعدم اختصاص القضاء بالرقابة علي فرض حالة الطوارئ بصفته من أعمال السيادة.

عدم اختصاص المحكمة العليا بالرقابة الدستورية على إعلان حالة الطوارئ لكونه من أعمال السيادة

ينظم القانون عدد 162 لسنة 1958 حالة الطوارئ في مصر. توسع أحكامه صلاحيات السلطة التنفيذية على حساب الحقوق والحريات الفردية والعامة، بالإضافة إلى الحد من اختصاصات السلطتين التشريعية والقضائية. مما يطرح سيناريوهات استغلال عدة للسلطة ولانتهاكات حقوق الإنسان. وهو فعليا ما يحصل في مصر

إذا جاء بهذا القانون على سبيل المثال:

يمكن للبعض تبرير هذه الإجراءات الإستثنائية بوضعية الأزمة التي تتطلب صلاحيات استثنائية بقدرها، غير أن الإشكالية هي غياب الضوابط التي تسمح بتقدير التناسب بين الأزمة والصلاحية المخلولة للسلطة لمواجهتها. في ظل غياب هذه الضوابط تُفتح فرضيات الإنحراف بالسلطة واستغلالها وممكن الإعتداء على الحقوق والحريات. ويتكرر ذلك في الحالة التونسية والمصرية والليبية، خاصة في ظل غياب الدور الرقابي للسلطات الأخرى على عمل السلطة التنفيذية، سواء لضعف الأطر القانونية المرتبطة بها أو لانغلاق النظام السياسي وضرب الديمقراطية.

فعليا يمنح قانون الطوارئ المصري سلطات استثنائية للسلطة التنفيذية ويرفع عنها إحتياجها لمراجعة السلطتين القضائية والتشريعية ويغل يدي الأخيرتين من رقابتها. وضعت القوانين المصرية المتعددة أحكاما تتيح اتخاذ أغلب الإجراءات الهامة التي يتيحها قانون الطوارئ إلا أنها ربطتها بصدور حكم قضائي بها أو أوامر من النيابة العامة أو موافقة مجلس الشعب عليها، وهي الضوابط التي من الممكن بقليل من التطوير القانوني والعملي أن تعمل آلياتها بالسرعة الكافية التي تجعل قانون الطوارئ مخصصًا فقط للحالات الإستثنائية وليس هو أسلوب حياة للمصريين منذ صدوره بمسماه القديم والحديث حيث أصبحت الأيام القليلة التي تمر على القطر المصري دون تفعيل حالة الطوارئ هي الإستثناء وليس الأصل العام والوضع الطبيعي.

II - أزمة الممارسة والتطبيق :

1. تاريخ أوامر الإعتقال بناء على قانون الطوارئ

لسنوات طويلة كانت أكبر الإنتهاكات التي تحدث في حق المواطنين هي أوامر الإعتقال التي كان يخولها قانون الطوارئ لرئيس الجمهورية ومن ينوب عنه، وهو كان مثابة تدبير أمني بحت وليس إجراءً قضائيًا وليس له أي صفة قضائية أو جزائية، وذلك أهم ما يميز الاعتقال عن الحبس الاحتياطي والحبس تنفيذًا لعقوبة أو حكم فالأول إجراء أمني والثاني والثالث إجراء قضائي.

وعلى ذلك فإنَّ الاعتقال إنما ينظر إليه على أنه إجراء استثنائي وعارض، وذلك لما ينطوي عليه من اعتداء على الحرية الفردية والتي هي مضمونة بموجب مواد وأحكام الدستور. والاختصاص لرئيس الجمهورية بوصفه الحاكم العسكري العام بإصدار قرار الاعتقال، وذلك استنادًا لنص المادة الثالثة من قانون الطوارئ إلا أنَّ رئيس الجمهورية فوَّض وزير الداخلية بإصدار هذه القرارات وعيَّن رئيس مجلس الوزراء نائبًا للحاكم العسكري وفوَّضه في كافة اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في قانون الطوارئ، وعلى ذلك تكون الجهة المختصة بإصدار قرارات الاعتقال في مصر لأي من هؤلاء (رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية).

وكان للمعتقل ولغيره من ذوي الشأن أن يتظلم من القبض أو الاعتقال، فالتظلم يكون من نفسه أو بمحامٍ عنه أو من له مصلحة وشأن في إطلاق سراحه سواء كان وليًا عليه أو وصيًا أو والده أو زوجته، يكون بعد مرور ثلاثين يومًا على واقعة الاعتقال ولا يجوز تقديمه قبل مرور ثلاثين يومًا.

وعلي جانب عملي فكان المعتقل بعد مرور 30 يوم على إعتقاله يتقدم بتظلم للمحكمة والتي غالباً ما كانت تأمر بالإفراج عنه إلا إنه كان يُصدر له قرار اعتقال جديد قبل خروجه وتستمر سلسلة القرارات حتى أن بعد المعتقلين قد أمضوا سنوات بالسجون.

واستمر قانون الطوارئ مرتبطًا في أذهان المصريين بأوامر الاعتقال حتى قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية ما تضمنه البند (1) من المادة رقم (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958. والذي تخويل رئيس الجمهورية في الترخيص بالقبض والاعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية.

وأوضحت المحكمة، في أسباب حكمها، أن قضاء المحكمة قد جرى على أن قانون الطوارئ هو محض نظام استثنائي، قصد به دعم السلطة التنفيذية وتزويدها بإجراءات معينة، تحد بها من الحقوق والحريات العامة، بهدف مواجهة ظروف طارئة تهدد السلامة العامة أو الأمن القومي للبلاد، وبالتالي لا يجوز التوسع في تطبيقه، ويتعين التزام التفسير الضيق لأحكامه، ويجب على السلطة التي حددها قانون الطوارئ، وتتمثل في رئيس الجمهورية أو من ينيبه، أن تتقيد بالغاية المحددة من قانون الطوارئ، عند اتخاذ أي من التدابير المنصوص عليها في المادة (3) من القرار بقانون رقم (162 لسنة 1958)، وإلا وقع ما اتخذته في حكم مخالفة الدستور.

وأضافت: وإذ كان الدستور قد نص في ديباجته على خضوع الدولة للقانون، دالًا بذلك على أن الدولة القانونية هي التي تتقيد في كل مظاهر نشاطها وأيًا كانت طبيعة سلطاتها بقواعد قانونية تعلوها، وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة، ومن ثم أضحى مبدأ خضوع الدولة للقانون مقترناً بمبدأ مشروعية السلطة هو الأساس الذي تقوم عليه الدولة القانونية، متى كان ذلك، وكان الدستور ينص في المادة (74) منه على أن «سيادة القانون أساس الحكم في الدولة»، وينص في المادة (148) على أن : «يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي الحكومة، حالة الطوارئ على النحو الذي ينظمه القانون…»، ومن ثم فإن القانون المنظم لحالة الطوارئ، يتعين أن يتقيد بالضوابط المقررة للعمل التشريعي، وأهمها عدم مخالفة نصوص الدستور الأخرى، إذ إن صدور قانون الطوارئ بناءً على نص في الدستور لا يعني ترخيص هذا القانون في تجاوز باقي نصوصه.

وأكملت: وإذ كانت المادة (34) من الدستور تنص على أن: «فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه في التنقل ولا تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق»، كما تنص المادة (39) منه على أن: «للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر والاستغاثة، لا يجوز دخولها ولا تفتيشها ولا مراقبتها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبأمر قضائي مسبب يحدد المكان والتوقيت والغرض …..»، وبالتالي فإن النص في البند (1) من المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (162 لسنة 1958) على الترخيص في القبض على الأشخاص، والاعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون إذن قضائي مسبب يكون قد أهدر حريات المواطنين الشخصية واعتدى على حرمة مساكنهم، مما يشكل خرقًا لمبدأ سيادة القانون الذي يعد أساس الحكم في الدولة بالمخالفة لأحكام المواد (34 ، و35 ، و39 ، و81) من الدستور.

2. الطوارئ وإدارة أزمة الفيروس

والحال كما تقدم وصفه ضمن الإطار القانوني والدستوري، إلى جانب تاريخ ممارسة الإعتقال على ضوء قانون الطوارئ، يمكن توقع وضعية إدارة الأزمة خلال هذه الفترة في مصر.

- تواصل أزمة انتهاك حقوق الإنسان في مصر:

من ذلك تواصل اعتقال سجناء الرأي وناشطي المجتمع المدني في مصر، رغم المطالبات الدولية والمحلية بإطلاق سراحهم إلى جانب المساجين أصحاب الجرائم غير الخفيفة، من أجل تجنب كارثة إنسانية محتملة. يحصل ذلك رغم التحذيرات الدولية باستغلال الأزمة الصحية لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان. فعليًا ما يحصل في مصر، هو وجود غطاء إضافي لعمليات الانتهاك لا غير لأنها فعليًا موجودة مسبقًا بشكل مكثف.

المرصد العربي لحرية الإعلام: انتهاكات ضد الحريات الصحفية والإعلامية بمصر خلال شهر آذار/ مارس الماضي

تتعارض وضعية السجون المصرية مع قواعد القانون الدولي حيث تغيب عنها أدنى ظروف احترام كرامة السجين وحماية حياته. تعتبر القواعد الدولية في هذا المجال إحدى الشروط الممكنة لمواجهة انتشار الفيروس، إذا ما  تم احترامها كما يجب، إلا أنها تغيب عن السجون في مصر.

يسمح الدستور والقانون الدولي باستعمال حالة الطوارئ لمواجهة الحالات الإستثنائية، لكن الخبراء الدوليين قد أكدوا على أن هذه الإجراءات يجب أن تكون “متناسبة وضرورية وغير تمييزية”. وهو ما يغيب تمامًا عن الحالة المصرية لأن حالة الطوارئ فعليًا دائمة، ويتم توظيفها في إدارة السلطة قبل إدارة الأزمات، خاص من أجل مواجهة المعارضين والناشطين.

في نفس الإتجاه، وثّق المرصد العربي لحرية الإعلام 39 انتهاكًا ضد الحريات الصحفية والإعلامية بمصر خلال شهر آذار/ مارس الماضي، مؤكدًا أن وباء فيروس كورونا طال حرية الصحافة في ظل ما وصفه بالتعتيم الإعلامي وملاحقة صحفيين مصريين وأجانب، فضلًا عن حجب مواقع وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.

أشار المرصد أيضًا إلى أن: “النظام حرص على التحكم بالمعلومات المنشورة عن الوباء والإصابات، ونفى أي روايات تنقلها وسائل إعلام معارضة أو خارجية أو عبر صفحات التواصل الاجتماعي، كما تمت ملاحقة العديد من المواقع والصفحات التي نشرت أخبارًا لا تروق للسلطات المصرية، وتم إيقاف وحجب بعضها، وتحذير أخرى بالحجب، وتم القبض على بعض الصحفيين بسبب متابعاتهم لتداعيات الوباء في بعض المناطق”.

- تواصل الأزمة الإقتصادية والإجتماعية ومحدودية الحلول المقترحة

قدمت الحكومة المصرية حلولًا مشابهة لما تم اعتماده في تونس. اتجهت المبادرة الرسمية الى مساعدة المؤسسات والشركات لمجابهة الركود الذي سببه الفيروس. باستثناء قرار البنك المركزي بتأجيل كافة الاستحقاقات الائتمانية للعملاء من المؤسسات والأفراد والتي تشمل القروض لأغراض استهلاكية والقروض العقارية للإسكان الشخصي مدة 6 شهور، ركزت بقية الإجراءات على المؤسسات والشركات. وبهدف دعم المصانع والشركات، قررت الحكومة خفض سعر الغاز الطبيعي للصناعة عند 4,5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وخفض أسعار الكهرباء بقيمة 10 قروش، وتوفير مليار جنيه للمصدرين خلال آذار/ مارس ونيسان/ أبريل 2020 لسداد جزء من مستحقاتهم، مع سداد دفعة إضافية بقيمة 10% نقدًا للمصدرين في جوان/يونيو المقبل. وهو ما يُثبت ما ذهبنا له في البداية عن فشل المقاربات الاقتصادية الرأسمالية وتواصلها في ظل الأزمة، بما يكرس الشعور بغياب العدالة والمساواة.

خاتمة:

يعكس ما سبق تكريس المقاربة السلطوية في الحالة المصرية في ظل الأنظمة غير الديمقراطية المتعاقبة، وتواصل نفس المقاربة في ظل التجربة التونسية حضورها نسبيا، فيما التجربة الليبية تعيش واقعًا مفككًا ومعقدا جرّاء الحرب الدائرة على وجه الخصوص.

 

ولئن تم التركيز على المركز في الحالة التونسية والمصرية واستعادة خطاب الدولة، كانت البلديات هي الحل في السياق الليبي، خاصة أنها تتمتع بأفضلية القرب، الأمر الذي يعتبر مفصليًا في إدارة الأزمات. إلا أن كل ذلك يبقى مقترنًا بالتغيرات الناجمة عن تلك الأزمة وكيف سيتأثر النظام العالمي بتلك الأزمة وتداعيات ذلك على الدول الثلاث خلال الأسابيع والاشهر القادمة.