في الوقت الذي يواجه العالم جائحة كورونا (كوفيد 19) بكل الوسائل المتاحة، يواجه الشعب الليبي هذه الأزمة في ظل ظروف صعبة تمر بها البلاد نتيجة الصراع القائم مند 4 أفريل/أبريل 2019 وانقسام مؤسسات الدولة وانهيار منظومة الصحة في البلاد المثقلة اصلًا بتاريخ فساد ضخم، لم يغب حتى خلال مقاومة هذا الوباء.
سبق أن أعلنت حكومة الوفاق الوطني عددا من الإجراءات لمحاولة مواجهة هذه الجائحة ومنها اعلان حالة الطوارئ اضافة إلى اعلان حظر التجول مند الساعة 2 ظهرًا حتى 7 صباحًا واغلاق المدارس بالإضافة إلى ايقاف العمل في العديد من الإدارات بينما تم الإبقاء على عدد محدود من الموظفين في المؤسسات التي تقدم الخدمات الضرورية مع غلق منافذ البلاد الحدودية.
تزامنت هذه الإجراءات مع حملات توعية للمواطنين مع فرض التباعد الاجتماعي. وهو ما أعطى نتائج إيجابية حيث التزم اغلب المواطنين بهذه التعليمات انطلاقًا من معرفتهم بالوضع العام الذي تمر به البلاد وعدم قدرتها على مواجهة الوباء في حال تفشيه بصورة واسعة.
رغم ما سبق، سجلت البلاد حالات اصابة بالفايروس كان المركز الوطني لمكافحة الأمراض قد أعلن عنها. لكن تبقى هذه المعطيات غير دقيقة بسبب تواتر المعلومات عن وجود حالات أكثر في ليبيا. وهو ما يطرح السؤال عن دقة البيانات ونجاعة استراتيجية متابعة انتشار الوباء.
تواترت الأخبار خلال هذه الفترة عن حالات وفاة نتيجة هذا الفايروس لا يتم اكتشافها الاّ لاحقًا في تقارير الأطباء الشرعيين عند اعداد شهادات الوفاة التي بالرجوع إليها ثبت أن الفيروس هو سبب الموت الرئيسي.
لم ترد بيانات أو تصريحات على تلك المعلومات في بلاغات وزارة الصحة التي تعيش في ظل وجود شبهات فساد كبيرة داخلها حسب ما يؤكده جميع المطلعين على الوضع الليبي. فقد انطلقت في شهر مارس2020 مطالبة شعبية بإقالة وزير الصحة ووكيل الوزارة المتهم باستلام القيمة المخصصة من قبل المجلس الرئاسي لمواجهة الجائحة، بينما لم يتم توفير الملابس والأدوات الطبية الواقية للعناصر الطبية بالشكل المطلوب الآن حتى. وهو ما أدى الى ترك عدد كبير منهم لمواقع عملهم نتيجة انعدام الإمكانيات واجراءات الوقاية المتبعة للأطقم الطبية والطبية المساعدة.
هذه الوضعية الشائكة كانت قد دفعت ب24 بلدية في المنطقة الغربية إلى مطالبة رئيس المجلس الرئاسي بتبني اجراء عاجل يقضي بإقالة وزير الصحة ووكيل الوزارة المسؤولين عن هذا الوضع المتردي ولتأخرهم في التجهيز لمواجهة هذا الوباء العالمي. وأمهلت البلديات المجلس الرئاسي 48 ساعة للتعامل مع هذا الملف واحالته الى البلديات حتى يتسنى لها تقديم الرعاية الصحية واتخاذ اجراءات عاجلة قبل فوات الأوان.
أما في شرق البلاد، فقد أعلن الجنرال خليفة حفتر عن تشكيل لجنة عليا برئاسة رئيس الأركان العام للقوات العسكرية الفريق عبد الرزاق الناظوري، وعضوية كل من وزير الداخلية ووزير الصحة. وتتكفل هذه اللجنة بالتعامل مع كل المسائل المتعلقة بهذه الجائحة، وقد بدأت عملها بإرسال رئيس اللجنة المكلفة لأوامر الى جميع البلديات في المنطقة الشرقية بعدم تشكيل أية لجنة او اتخاذ أي اجراء الا عن طريق اوامر صادرة عن اللجنة العليا لجائحة كورونا. يعتبر هذا الإجراء المركزي متوقعًا في ظل الوضعية التي تعرفها المنطقة الشرقية تحت سيطرة الجيش الليبي بقيادة حفتر.
لم يتم الإعلان حتى الآن عن تسجيل أي اصابة بفايروس كورونا المستجد في مدن شرق البلاد او تلك الخاضعة لقوات الجنرال خليفة حفتر أما بقية الإصابات فتتركز فقط في المنطقة الغربية. وهو ما يزيد قلق الشعب الليبي على اعتبار ارتفاع نسبة الاصابات في مصر وحجم الترابط والتواصل بينها وبين المنطقة الشرقية، خاصة ان العديد من المواطنين الليبيين قد رجعوا فعلًا من مصر قبل اقفال الحدود البرية والجوية لليبيا في بداية شهر مارس الفارط.
تتسم الإجراءات المتبعة في مواجهة الأزمة بانعدام الدقة والشفافية وغياب الجهد الكافي من أجل تعبئة الموارد اللازمة، بالإضافة إلى انقسام سلطة الادارة خلال مواجهة الأزمة وهو ما يزيد من قلق وخوف المواطنين الليبيين.
وفي ظل هذه الظروف، يعبّر مركز دعم عن قلقه العميق ورفضه التام لاستمرار العمليات العسكرية بين طرفي الصراع في ليبيا رغم المناشدات المستمرة من بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، والسفارة الأمريكية وعدد من الدول الأوربية، للطرفين بإطلاق هدنة انسانية لتكثيف الجهود في شرق البلاد وغربها لمواجهة هذه الجائحة.
كما يرفض المركز انتهاك ساعات حظر التجول المفروضة في العاصمة الليبية من قبل الطرفين حيث تواصلت العمليات العسكرية وتبادل القصف المكثّف الذي لم يتوقف طيلة شهر مارس وصولًا إلى اليوم.
إنّ تواصل الصراع العسكري يعني آليًا التأثير على قدرة القطاع الصحي المنهار اصلًا للتعامل مع الوباء، بما يعرض حياة المواطنين إلى خطر مضاعف بين العنف العسكري وخطر الوباء.
ويدعو مركز دعم الحكومة الليبية (الوفاق \ المؤقتة) إلى تحمّل مسؤوليتها في حماية المواطنين وتقديم مصلحة الشعب الليبي على كل المصالح المرحلية واتخاد الإجراءات المتبعة في العالم والموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية.
ويُحمّل مركز دعم في نفس الوقت المسؤولية القانونية والتاريخية لأطراف الصراع في ليبيا ويطالبهم بالاستجابة السريعة للهدنة الإنسانية المعلنة من الجهات الدولية والمحلية حتى يتسنى تسخير كل الإمكانيات الموجودة لمواجهة هذه الجائحة العالمية ولتجنب سيناريو وضع انساني كارثي في ليبيا.