The free and independent media is a fundamental pillar of democracy

عماد مبارك
محامي وناشط حقوقي

عادة‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬ذكر‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬مقترنًا‭ ‬بمصطلح‭ ‬الإعلام،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬المؤثر‭ ‬لوسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬تصنيفاتها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬تقليدية‭ ‬أو‭ ‬رقمية‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬اتجاهات‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬مع‭ ‬اﻷخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬علاقة‭ ‬السُلطة‭ ‬بوسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالرأي‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الباحثون‭ ‬قد‭ ‬أقروا‭ ‬بأهمية‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ودوره‭ ‬فقد‭ ‬اختلفوا‭ ‬في‭ ‬تعريفه‭. ‬هذا‭ ‬التباين‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ينبُع‭ ‬من‭ ‬اختلاف‭ ‬طبيعة‭ ‬تخصص‭ ‬كل‭ ‬منهم‭.‬

وثمَّة‭ ‬تعريفات‭ ‬كثيرة‭ ‬جدًا‭ ‬للرأي‭ ‬العام،‭ ‬وتكاد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التعريفات‭ ‬تجمع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ومحاولة‭ ‬تغييره‭ ‬وتوجيهه‭ ‬والتأثير‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تكوين‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإقناع‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬التواصل‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يستلزمه‭ ‬من‭ ‬مناقشة‭ ‬مختلف‭ ‬اﻵراء‭ ‬وفحصها،‭ ‬ونقد‭ ‬اﻷفكار‭ ‬المعارضة،‭ ‬مع‭ ‬الاستعداد‭ ‬لقبولها‭ ‬إن‭ ‬ثبتت‭ ‬صحتها‭. ‬ففرض‭ ‬الرأي‭ ‬أو‭ ‬الفكر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القهر‭ ‬واﻹملاء‭ ‬ومطالبة‭ ‬اﻵخرين‭ ‬باعتناقه‭ ‬واﻷخذ‭ ‬به‭ ‬بغير‭ ‬اقتناع‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أبدًا‭ ‬تكوين‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬بالمعنى‭ ‬الدقيق‭ ‬للكلمة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬حرية‭ ‬الفكر‭ ‬والتعبير‭ ‬وإبداء‭ ‬الرأي‭ ‬هو‭ ‬اﻷساس‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ ‬الاتجاه‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬الحد‭ ‬اﻷدنى‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬معين،‭ ‬أو‭ ‬قضية‭ ‬معينة‭.‬

عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬اتجاهات‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬عدة‭ ‬أمور‭ ‬لفهم‭ ‬تأثير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬إيجابيًا‭ ‬أو‭ ‬سلبيًا‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وأحد‭ ‬أهم‭ ‬تلك‭ ‬اﻷمور‭ ‬هو‭ ‬سياق‭ ‬علاقة‭ ‬السلطة‭ ‬بوسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وهو‭ ‬التخوف‭ ‬الذي‭ ‬أثاره‭ ‬المقررين‭ ‬الخواص‭ ‬لحُرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬المشترك‭ ‬بمناسبة‭ ‬الذكرى‭ ‬السنوية‭ ‬العاشرة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬التحديات‭ ‬العشرة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لحُرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬المقبل‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬مُقدمة‭ ‬تلك‭ ‬التحديات‭ ‬تأتي‭ ‬آليات‭ ‬سيطرة‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام،‭ ‬فحسب‭ ‬الإعلان‭ ‬تعد‭ ‬السيطرة‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬فَتِئْتُ‭ ‬تحد،‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬تُشكل‭ ‬مُشكلة‭ ‬خطيرة‭. ‬وتتخذ‭ ‬تلك‭ ‬السيطرة‭ ‬أشكالًا‭ ‬عديدة،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نشعر‭ ‬بالقل‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬إزاء‭ ‬ممارسة‭ ‬النفوذ‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬السيطرة‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬العامة‭ ‬بحيث‭ ‬تستخدم‭ ‬كأدوات‭ ‬تنطق‭ ‬باسم‭ ‬الحكومة‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هيئات‭ ‬مستقلة‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭.‬

لذا‭ ‬تتناول‭ ‬هنا‭ ‬حُرية‭ ‬الفكر‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬كمدخل‭ ‬أو‭ ‬مظلة‭ ‬لحماية‭ ‬حُرية‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وأهمية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حُر‭ ‬وغير‭ ‬مُقيد‭ ‬للقيام‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬اﻷخبار‭ ‬واﻵراء‭ ‬واﻷفكار‭ ‬للمواطن،‭ ‬كذلك‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬وتداولها‭ ‬باعتباره‭ ‬حقًا‭ ‬ضروريًا‭ ‬لخدمة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ومساعدته‭ ‬في‭ ‬الاختيار‭ ‬والمشاركة،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬نحاول‭ ‬اﻹجابة‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬دور‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المصرية‭ ‬تضليل‭ ‬أم‭ ‬تأثير‭ ‬الرأي‭ ‬العام؟

حُرية الرأي والتعبير كمِظَلَّمة لحماية حُرية اﻹعلام والحصول على المعلومات وتداولها

إن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر‭ ‬مُختلفة‭ ‬حسبما‭ ‬تنص‭ ‬المادة‭ ‬19‭ ‬من‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ (‬أ‭) ‬الحق‭ ‬في‭ ‬اعتناق‭ ‬آراء‭ ‬دون‭ ‬مضايقة،‭ (‬ب‭) ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التماس‭ ‬المعلومات‭ ‬وتلقيها‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬تيسير‭ ‬الحصول‭ ‬عليها،‭ (‬ج‭) ‬الحق‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬المعلومات‭ ‬واﻷفكار‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬للحدود،‭ ‬شفاهًة‭ ‬أو‭ ‬كتابًة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مطبوع‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬فني‭ ‬أو‭ ‬بأي‭ ‬وسيلة‭ ‬أخرى‭ ‬يختارها‭ ‬المرء‭.‬

وتؤكد‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬السوابق‭ ‬القضائية،‭ ‬وتقارير‭ ‬المكلفين‭ ‬بإجراءات‭ ‬خاصة،‭ ‬وقرارات‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬اﻷمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والنظم‭ ‬اﻹقليمية‭ ‬لحقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬أن‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬‮«‬جوهرية‭ ‬للتمتع‭ ‬بسائر‭ ‬حقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬والحريات،‭ ‬ودعامة‭ ‬أساسية‭ ‬ﻹقامة‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي‭ ‬ولتعزيز‭ ‬الديمقراطية‮»‬‭.‬

فالحق‭ ‬في‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حق‭ ‬آخر‭ ‬رمز‭ ‬لترابط‭ ‬جميع‭ ‬حقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬وعدم‭ ‬قابليتها‭ ‬للتجزئة‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬اﻷساس،‭ ‬يُعتبر‭ ‬التمتع‭ ‬الفعال‭ ‬بهذا‭ ‬الحق‭ ‬مؤشرًا‭ ‬مهمًا‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬والحُريات‭ ‬اﻷساسية‭ ‬اﻷخرى‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬حقًا‭ ‬فرديًا‭ ‬بأوسع‭ ‬معنى‭ ‬التمتع‭ ‬به،‭ ‬فهو‭ ‬يُعتبر‭ ‬أيضًا‭ ‬حقًا‭ ‬جماعيًا‭ ‬إذ‭ ‬يمنح‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تلتمس‭ ‬وتتلقى‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬وتعبر‭ ‬عن‭ ‬آرائها‭ ‬الجماعية‭.‬

باﻹضافة‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬على‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬وحُرية‭ ‬تداول‭ ‬المعلومات،‭ ‬نصت‭ ‬النظم‭ ‬القانونية‭ ‬والدولية‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬الحُرة‭ ‬غير‭ ‬المُقيدة‭ ‬هي‭ ‬شرط‭ ‬ضروري‭ ‬لضمان‭ ‬تلك‭ ‬الحُريات،‭ ‬فقد‭ ‬قررت‭ ‬المحكمة‭ ‬اﻷوروبية‭ ‬لحقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أن‭ ‬اﻹعلام‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬حيويًا‭ ‬كمرصد‭ ‬عام‭ ‬وعليه‭ ‬مسئولية‭ ‬نقل‭ ‬المعلومات‭ ‬واﻷفكار‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والتي‭ ‬يحق‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬الحصول‭ ‬عليها،‭ ‬كذلك‭ ‬تمد‭ ‬الصحافة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬بأفضل‭ ‬السبل‭ ‬لاكتشاف‭ ‬وتشكيل‭ ‬الرأي‭ ‬بشأن‭ ‬أفكار‭ ‬ومواقف‭ ‬القيادات‭ ‬السياسية،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬جدال‭ ‬سياسي‭ ‬مفتوح‭ ‬وحُر،‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬جوهر‭ ‬مفهوم‭ ‬الديمقراطية‭.‬

فإذا‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬الناس‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬مجتمعهم،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬أعمال‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يحكمونهم‭ ‬مَخفِيَّة،‭ ‬لا‭ ‬يمكنهم‭ ‬المشاركة‭ ‬فعليًا‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬ذلك‭ ‬المجتمع‭. ‬وليس‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬حاجةً‭ ‬للناس‭ ‬فقط،‭ ‬إنّه‭ ‬شرط‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬الحكومة‭ ‬الصالحة‭. ‬تحتاج‭ ‬الحكومات‭ ‬السيئة‭ ‬إلى‭ ‬السريّة‭ ‬في‭ ‬أعمالها‭ ‬للبقاء،‭ ‬فهي‭ ‬تسمح‭ ‬بتعميق‭ ‬عدم‭ ‬الكفاءة‭ ‬والإسراف‭ ‬وازدهار‭ ‬الفساد‭.‬

وفي‭ ‬مُقدمة‭ ‬تقريره‭ ‬لعام‭ ‬2015‭ ‬يُشير‭ ‬المُقرر‭ ‬الخاص‭ ‬المعني‭ ‬بحماية‭ ‬وتعزيز‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حديثة‭ ‬عن‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اﻹفصاح‭ ‬أو‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬اﻷسرار‭ ‬يتطلب‭ ‬عادة‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر،‭ ‬وهي‭: ‬شخص‭ ‬لديه‭ ‬الاستعداد‭ ‬والقدرة‭ ‬لكشف‭ ‬المستور،‭ ‬وموصل‭ ‬للمعلومات‭ ‬أو‭ ‬منبر‭ ‬اتصال‭ ‬لنشر‭ ‬تلك‭ ‬المعلومات،‭ ‬ونظام‭ ‬قانوني‭ ‬وثقافة‭ ‬سياسية‭ ‬تحميها‭ ‬حماية‭ ‬فعالة‭. ‬ودون‭ ‬هذه‭ ‬التوليفة‭ – ‬المصدر،‭ ‬والنشر،‭ ‬والحماية‭ – ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سري‭ ‬يظل‭ ‬على‭ ‬اﻷغلب‭ ‬كذلك‭.‬

إعلام مُستقِل حُر وغير مُقيد

يُمكن‭ ‬تصور‭ ‬حُرية‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬حُرية‭ ‬النشر‭ ‬والتوزيع‭ ‬للمضامين‭ ‬على‭ ‬المنابر‭ ‬اﻹعلامية‭. ‬وهذا‭ ‬شرط‭ ‬مُسبق‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬وكذلك‭ ‬أي‭ ‬فرد‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور،‭ ‬وهذا‭ ‬أيضًا‭ ‬أمر‭ ‬جوهري‭ ‬لمؤسسات‭ ‬اﻹعلام‭ ‬اﻹخباري‭ ‬والمؤسسات‭ ‬اﻷخرى‭ ‬التي‭ ‬تُمارس‭ ‬الصحافة،‭ ‬ﻷن‭ ‬ما‭ ‬ينشرونه‭ ‬يُؤثر‭ ‬على‭ ‬السُلطة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬حُرية‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُؤثر‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬العام‭ ‬للحق‭ ‬في‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬حماية‭ ‬حُرية‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وتعزيزها‭ ‬أمر‭ ‬أساسي‭ ‬لتحقيق‭ ‬مجتمع‭ ‬أكثر‭ ‬ديمقراطية‭.‬

ودور‭ ‬الإعلام‭ ‬هو‭ ‬نشر‭ ‬الحقائق‭ ‬واﻵراء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭. ‬لكن‭ ‬هدف‭ ‬هذا‭ ‬النشر‭ ‬تزويد‭ ‬الناس‭ ‬بالمعلومات‭ ‬الصحيحة‭ ‬الصادقة‭. ‬وذلك‭ ‬بغرض‭ ‬معاونتهم‭ ‬ودفعهم‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬الرأي‭ ‬السليم‭ ‬إزاء‭ ‬مشكلة‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬مسألة‭ ‬عامة،‭ ‬إن‭ ‬هدف‭ ‬اﻹعلام‭ ‬هو‭ ‬نقل‭ ‬الصورة‭ ‬بأمانة‭ ‬وليس‭ ‬إنشاء‭ ‬هذه‭ ‬الصورة،‭ ‬لأن‭ ‬عملية‭ ‬إنشاء‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬المواطن‭.‬

قد‭ ‬يختلف‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬أولًا‭: ‬هل‭ ‬الانتقال‭ ‬لنظام‭ ‬ديمقراطي‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬نشأة‭ ‬إعلام‭ ‬مُستقل‭ ‬وحُر؟‭ ‬أم‭ ‬نشأة‭ ‬إعلام‭ ‬مُستقل‭ ‬وحُر‭ ‬سيساعد‭ ‬على‭ ‬حدوث‭ ‬التحول‭ ‬الديمقراطي؟‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬يختلف‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬استقلالية‭ ‬اﻹعلام‭ ‬ترتبط‭ ‬ارتباطًا‭ ‬وثيقًا‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬ومبادئها،‭ ‬وبقدرة‭ ‬اﻹعلام‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬وظيفته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬اﻷولى‭ ‬وهي‭ ‬الرقابة‭ ‬الذاتية‭ ‬للمجتمع‭.‬

وكلما‭ ‬كان‭ ‬اﻹعلام‭ ‬أكثر‭ ‬استقلالًا،‭ ‬كلما‭ ‬كانت‭ ‬تغطيته‭ ‬أكثر‭ ‬انضباطًا،‭ ‬وأشمل،‭ ‬وأكثر‭ ‬تمثيلًا‭ ‬للمجتمع‭ ‬بكافة‭ ‬أطيافه‭ ‬وغير‭ ‬مُنحازة‭ ‬لطرف‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬اﻵخر،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يساعد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أداءً‭ ‬مهنيًا‭ ‬أفضل‭ ‬ويضمن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬اﻷساسية‭ ‬مثل‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬والتنظيم‭ ‬والمعرفة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬المُشاركة‭ ‬الفعَّالة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭.‬

سعت‭ ‬سوديشا‭ ‬بال‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬بحثية‭ ‬لها‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬حُرية‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‮»‬‭ ‬لفحص‭ ‬تأثير‭ ‬انعدام‭ ‬استقلالية‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وعدم‭ ‬توافر‭ ‬مناخ‭ ‬حُر‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬وقد‭ ‬قامت‭ ‬بقياس‭ ‬تأثير‭ ‬اﻹعلام‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬بسبعة‭ ‬مؤشرات‭ ‬منها،‭ ‬الاحتقان‭ ‬اﻹثني،‭ ‬التوتر‭ ‬الداخلي‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬حروب‭ ‬أهلية‭ ‬أو‭ ‬احتمالية‭ ‬حدوث‭ ‬انقلابات‭ ‬عسكرية‭ ‬أو‭ ‬حوادث‭ ‬إرهابية‭ ‬أو‭ ‬فوضى‭ ‬أهلية،‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬الجريمة‭ ‬والفوضى‭ ‬وعدم‭ ‬توافر‭ ‬نظام‭ ‬قضائي‭ ‬عادل‭ ‬يضبط‭ ‬النظام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ويُلزم‭ ‬المواطنين‭ ‬بالقانون،‭ ‬تدخل‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والحكم،‭ ‬واستقرار‭ ‬الحكومة‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬ومدى‭ ‬كفاءتها‭ ‬وفاعليتها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭.‬

حيث‭ ‬أكدت‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إليها‭ ‬بال‭ – ‬إحصائيًا‭ – ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬عكسية‭ ‬بين‭ ‬حُرية‭ ‬واستقلالية‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وبين‭ ‬أربعة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المؤشرات‭ ‬السابق‭ ‬ذكرها‭. ‬فلو‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مناخ‭ ‬حُر‭ ‬للإعلام‭ ‬ﻷثَّر‭ ‬ذلك‭ ‬إيجابيًا‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬اللذين‭ ‬يؤثران‭ ‬بدورهما‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭. ‬واستنتجت‭ ‬أن‭ ‬اﻹعلام‭ ‬المستقل‭ – ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تسيطر‭ ‬عليه‭ ‬الدولة‭ ‬وجماعات‭ ‬المصالح‭ ‬والذي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إتاحة‭ ‬المعلومات‭ ‬بشكل‭ ‬مهني‭ ‬وتعزيز‭ ‬حق‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬آراءهم‭ – ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬وضع‭ ‬المسئولية‭ ‬والمحاسبة‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الحكومة‭ ‬ﻷنه‭ ‬عليها‭ ‬ضغطًا‭ ‬داخليًا‭ ‬وخارجيًا‭ ‬للتحسين‭ ‬من‭ ‬أدائها‭ ‬ومواجهة‭ ‬قصورها‭.‬

فلا‭ ‬غني‭ ‬لأي‭ ‬مُجتمع‭ ‬عن‭ ‬الصحافة‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬وسائط‭ ‬اﻹعلام‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬حُرة‭ ‬وغير‭ ‬خاضعة‭ ‬للرقابة‭ ‬وتعمل‭ ‬دون‭ ‬عراقيل‭ ‬وذلك‭ ‬لضمان‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬والتمتع‭ ‬بالحقوق‭ ‬اﻷخرى،‭ ‬وتُشكل‭ ‬الصحافة‭ ‬ووسائط‭ ‬اﻹعلام‭ ‬اﻷخرى‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬لمجتمع‭ ‬تسوده‭ ‬الديمقراطية‭.‬

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *