The media’s identity in the presence of hate speech

تحليل صحفي:
غدي كفالة

عقب‭ ‬موجة‭ ‬ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬والتي‭ ‬نادت‭ ‬في‭ ‬مطالبها‭ ‬الأساسية‭ ‬الأولى‭ ‬صارخةً‭ ‬بحق‭ ‬التعبير‭ ‬للمواطنين‭ ‬في‭ ‬مسائل‭ ‬وشؤون‭ ‬دولهم‭ ‬دون‭ ‬سلطة‭ ‬رادعة‭ ‬أو‭ ‬قوة‭ ‬قاهرة‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬حُريتهم‭ – ‬ظهر‭ ‬مفهوم‭ ‬الخطاب‭ ‬الكريه‭ ‬أو‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬والذي‭ ‬حمل‭ ‬معه‭ ‬تغيرات‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬التحريضية‭ ‬speech‭ ‬Hate‭ ‬المستخدمة‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬له‭ ‬تعريف‭ ‬محدد‭ ‬ومادي‭ ‬تتفق‭ ‬عليه‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭, ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬التعريفات‭ ‬له‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬ضبابية‭ ‬المعرفة‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬ماهية‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬توضيحه‭. ‬فحسب‭ ‬معجم‭ ‬كامبريدج‭ ‬والذي‭ ‬يُعرِّف‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬أنه‭ ‬خطاب‭ ‬عام‭ ‬يوجه‭ ‬تعبيرات‭ ‬كره‭ ‬أو‭ ‬تحريض‭ ‬للعنف‭ ‬تُجاه‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬العرق،‭ ‬اللون،‭ ‬الدين،‭ ‬الهوية‭ ‬الجنسية‭… ‬إلخ‭. ‬يذهب‭ ‬وينشتاين‭ ‬إلى‭ ‬وصف‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬بـ‭(‬الشيطاني‭) ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬يصف‭ ‬أن‭ ‬إقرار‭ ‬قوانين‭ ‬خاصة‭ ‬لمنع‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬يحُول‭ ‬دون‭ ‬تعبير‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬آرائهم‭ ‬تُجاه‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬حدث‭ ‬معين‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬وإلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬يُصبح‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬مُصطلحًا‭ ‬قيد‭ ‬المناظرات‭ ‬والجدالات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬خصيصًا‭ ‬بعد‭ ‬التعديل‭ ‬الأول‭ ‬والذي‭ ‬يحظر‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬أو‭ ‬تُعيق‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬مكّن‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬تلك‭ ‬التعبيرات‭ ‬أو‭ ‬المصطلحات‭ ‬إلى‭ ‬أفعال‭ ‬أو‭ ‬سلوكيات‭ ‬إجرامية‭. ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ودول‭ ‬المنطقة‭ ‬الأمر‭ ‬يختلف‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الأول‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬حيث‭ ‬يُعتبر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬هو‭ ‬الوسيلة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المحلية‭ ‬والإقليمية‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الترويج‭ ‬العلني‭ ‬لبعض‭ ‬الفئات‭ ‬المدنية‭ ‬أو‭ ‬العسكرية،‭ ‬محاولة‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬شخصيات‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬مجتمعية‭ ‬معينة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬جهات‭ ‬أخرى،‭ ‬كذلك‭ ‬استخدام‭ ‬مصطلحات‭ ‬هجومية‭ ‬تنعت‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬أو‭ ‬المجموعات‭ ‬والكيانات‭. ‬حيث‭ ‬تتعدد‭ ‬أساليب‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬واللغة‭ ‬التحريضية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبية‭ ‬فمنها‭:‬

الخطاب‭ ‬الإذاعي‭ ‬أو‭ ‬المسموع‭ ‬المباشر‭:‬ وهو‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬فيه‭ ‬المذيع‭ ‬أو‭ ‬مقدم‭ ‬البرنامج‭ ‬لدى‭ ‬جهة‭ ‬إذاعية‭ ‬معينة‭ ‬خطابًا‭ ‬هجوميًا‭ ‬لفئة‭ ‬محددة‭ ‬لأسباب‭ ‬قومجية‭ ‬أو‭ ‬أيديولوجية‭ ‬أو‭ ‬جهوية‭ ‬مثل‭ ‬قيام‭ ‬مذيع‭ ‬قناة‭ ‬ليبيا‭ ‬الحدث‭ ‬زكريا‭ ‬البوهالي‭ ‬بتهديد‭ ‬متصل‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭ ‬بأنه‭ ‬مستهدف‭ ‬بمجرد‭ ‬دخول‭ ‬قوات‭ ‬المارشال‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭ ‬إلى‭ ‬طرابلس‭, ‬وهذا‭ ‬يعتبر‭ ‬تجاوزًا‭ ‬إعلاميًا‭ ‬جسيمًا‭.‬

الخطاب‭ ‬الإذاعي‭ ‬أو‭ ‬المسموع‭ ‬الشامل‭: ‬وهو‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬فيه‭ ‬المتحدث‭ ‬كلمات‭ ‬أو‭ ‬جمل‭ ‬تعميمية‭ ‬لشعوب‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬بأسرها‭ ‬مثل‭ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬تجاه‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬والسعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬وتركيا‭ ‬ومصر‭ ‬وأمريكا‭.‬

الخطاب‭ ‬الإذاعي‭ ‬أو‭ ‬المسموع‭ ‬الفردي‭: ‬وهو‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬ضد‭ ‬شخصية‭ ‬معينة‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬عامة‭ ‬أو‭ ‬رياضية‭ ‬إلخ‭. ‬مثل‭: ‬الخطاب‭ ‬التحريضي‭ ‬ضد‭ ‬المفتي‭ ‬الشيخ‭ ‬الصادق‭ ‬الغرياني،‭ ‬رئيس‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬السابق‭ ‬محمد‭ ‬المقريف‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الحالي‭ ‬فائز‭ ‬السراج‭, ‬والمارشال‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭… ‬إلخ‭.‬

تعد‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬منصات‭ ‬جهورة‭ ‬تقدم‭ ‬محتوى‭ ‬غير‭ ‬دقيق‭ ‬نسبيًا‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬فهناك‭ ‬ما‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬مصادره‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬فيسبوكية‭ ‬مؤدلجة‭ ‬وحسابات‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬غير‭ ‬مؤهلة‭ ‬للخدمة‭ ‬الصحفية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لبعض‭ ‬قنوات‭ ‬التليفزيون‭ ‬الليبي‭ ‬سطوة‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬العرض‭ ‬والبث‭ ‬لبعض‭ ‬المواد‭ ‬المعدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أفراد‭ ‬أو‭ ‬جهات‭ ‬كسرقة‭ ‬بعض‭ ‬الفيديوهات‭ ‬واستخدامها‭ ‬ضمن‭ ‬المادة‭ ‬المعروضة‭ ‬للقناة،‭ ‬فتكون‭ ‬بالتالي‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬الإذاعية‭ ‬مصادر‭ ‬غير‭ ‬موثوقة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬دقة‭ ‬ومهنية‭ ‬الإعلام‭ ‬الحُر‭ ‬والنزيه‭.‬

وما‭ ‬بين‭ ‬الأساليب‭ ‬المتعددة‭ ‬للغة‭ ‬التحريضية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يوجد‭ ‬صيغات‭ ‬متنوعة‭ ‬مثل‭ ‬Defamatory‭ ‬Campiagns‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬وإثراء‭ ‬هذا‭ ‬المحتوى‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الصيغات‭ ‬أو‭ ‬النماذج‭: ‬حملات‭ ‬التشهير‭ ‬نشر‭ ‬صور‭ ‬أو‭ ‬فيديوهات‭ ‬أو‭ ‬تسجيلات‭ ‬خاصة‭ ‬كحادثة‭ ‬نشر‭ ‬صور‭ ‬لرئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬السابق‭ ‬علي‭ ‬زيدان،‭ ‬والتشهير‭ ‬برئيس‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬السابق‭ ‬نوري‭ ‬أبوسهمين،‭ ‬حيث‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬ضمن‭ ‬الإخلال‭ ‬بأساسيات‭ ‬المهنة‭ ‬والأخلاق‭ ‬الصحفية‭. ‬كذلك‭ ‬الهجوم‭ ‬الإلكتروني‭ ‬أو‭ ‬الإعلامي‭ ‬المنظم‭ ‬مثل‭ ‬التغطيات‭ ‬المباشرة‭ ‬أو‭ ‬الأوسام‭ ‬مثل‭ ‬البرنامج‭ ‬الأسبوعي‭ ‬الذي‭ ‬يبث‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬ليبيا‭ ‬الأحرار‭ ‬والذي‭ ‬يستضيف‭ ‬السيد‭\ ‬نعمان‭ ‬بن‭ ‬عثمان،‭ ‬رئيس‭ ‬مؤسسة‭ ‬كويليام‭ ‬الدولية‭ ‬والذي‭ ‬يستمر‭ ‬بثه‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬شبه‭ ‬أسبوعي‭ ‬لمدة‭ ‬تتجاوز‭ ‬الأربع‭ ‬ساعات‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة،‭ ‬حيث‭ ‬يطلق‭ ‬فيها‭ ‬الضيف‭ ‬عبارات‭ ‬السب‭ ‬والشتم‭ ‬والسخرية‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬والشخصيات‭ ‬الليبية‭ ‬والدولية‭ ‬لعبت‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تداول‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬كالتهديد‭ ‬الخاص‭ ‬أو‭ ‬الموجه‭ ‬العامة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المساومة‭ ‬أو‭ ‬المقايضة‭ ‬بنشر‭ ‬معلومات‭ ‬سرية‭ ‬أو‭ ‬شخصية‭ ‬متعلقة‭ ‬بفرد‭ ‬أو‭ ‬فئة‭ ‬ما‭ ‬Compromisation‭.‬

153 اخلال يومي على القنوات التلفزية الليبية سنة 2017

(مغالطات مهنية في تغطية الأحداث المباشرة، عبارات عنف وتحريض مباشرة)

إخلالات مهنية بنسبة

41%

من المحتوى المقدم

إخلالات مهنية بنسبة

17%

من المحتوى المقدم

وبيد‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبي‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المرات‭ ‬أصبح‭ ‬شريكًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬في‭ ‬التحريض‭ ‬وتأجيج‭ ‬النزاع‭ ‬القائم‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬وخلق‭ ‬نزاعات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسلطيه‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أحداث‭ ‬غائبة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬صحيحة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المبالغة‭ ‬بعدد‭ ‬ضحايا‭ ‬أحداث‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬تبريرات‭ ‬العنف‭ ‬المستمرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إظهار‭ ‬بطولية‭ ‬أطراف‭ ‬معينة‭ ‬وشيطنة‭ ‬أطراف‭ ‬أخرى‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬أساسيات‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدي‭ ‬أو‭ ‬الرقمي‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬يؤمن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬بأن‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُقيد‭ ‬بمصطلحات‭ ‬كخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬أو‭ ‬لُغة‭ ‬التحريض‭ ‬والعنف‭ ‬فهذا‭ ‬يُعيق‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬أو‭ ‬مشاكل‭ ‬معينة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬عرفه‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬انتقاد‭ ‬موضوعي‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الحوادث‭ ‬وقضايا‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وبالتالي‭ ‬ساهمت‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬وكشف‭ ‬جوانب‭ ‬الفساد‭ ‬فيها‭.‬

كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬غض‭ ‬النظر‭ ‬على‭ ‬محاولات‭ ‬التهديد‭ ‬الصريحة‭ ‬والتي‭ ‬يوجه‭ ‬فيها‭ ‬مقدمو‭ ‬البرامج‭ ‬عبارات‭ ‬تهاجم‭ ‬الشخص‭ ‬بعينه‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬إبداء‭ ‬رأيه‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭ ‬سواء‭ ‬بقفل‭ ‬الاتصال‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬مقاطعته‭ ‬عمدًا،‭ ‬وهذا‭ ‬ينافي‭ ‬حق‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الصحافة‭ ‬والإذاعة‭ ‬المرئية‭ ‬والمسموعة،‭ ‬ويعكس‭ ‬مدى‭ ‬دوغمائية‭ ‬الإعلام‭ ‬الموجه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جهات‭ ‬غير‭ ‬حيادية‭ ‬أو‭ ‬أموال‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬الحدود‭ ‬والبحار‭. ‬فوفقًا‭ ‬لآخر‭ ‬تقرير‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬المركز‭ ‬الليبي‭ ‬لحُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬على‭ ‬153‭ ‬إخلالًا‭ ‬يوميًا‭ ‬على‭ ‬القنوات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬الليبية‭ ‬والتي‭ ‬تنوعت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مغالطات‭ ‬مهنية‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬الأحداث‭ ‬المباشرة،‭ ‬عبارات‭ ‬عنف‭ ‬وتحريض‭ ‬مباشرة،‭ ‬حيث‭ ‬تصدر‭ ‬قناة‭ ‬التناصح‭ ‬قائمة‭ ‬القنوات‭ ‬ذات‭ ‬الإخلالات‭ ‬المهنية‭ ‬بنسبة‭ ‬41‭% ‬من‭ ‬المحتوى‭ ‬المقدم‭ ‬والذي‭ ‬يعج‭ ‬بمصطلحات‭ ‬الوصم‭ ‬والتنميط‭ ‬ونشر‭ ‬صور‭ ‬للقتلى‭ ‬وعائلاتهم‭ ‬وهذا‭ ‬يُعتبر‭ ‬انتهاكًا‭ ‬صارخًا‭ ‬لحق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬موافقته‭ ‬لنشر‭ ‬الصور‭ ‬من‭ ‬عدمها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬السلبي‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬المفتي‭ ‬الصادق‭ ‬الغرياني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برنامجه‭ ‬الذي‭ ‬يبث‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬التناصح‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أثر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بحجة‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬فتوى‭ ‬فردية‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬انضمام‭ ‬أفواج‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬المجموعات‭ ‬المسلحة‭ ‬وساحات‭ ‬الحرب‭.‬

أما‭ ‬قناة‭ ‬الحدث‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬التانية‭ ‬والتي‭ ‬رصدت‭ ‬إخلالاتها‭ ‬بنسبة‭ ‬تجاوزت‭ ‬17‭% ‬حيث‭ ‬بثت‭ ‬تصريحات‭ ‬لبعض‭ ‬الأسرى‭ ‬والمقاتلين‭ ‬عبر‭ ‬شاشتها،‭ ‬كذلك‭ ‬صورًا‭ ‬لبعض‭ ‬القتلى‭ ‬ووصفها‭ ‬بأشد‭ ‬العبارات‭ ‬اللإنسانية‭ ‬كالتحقير‭ ‬والوصم‭ ‬والاستهزاء،‭ ‬وفي‭ ‬المرتبة‭ ‬الثالتة‭ ‬تأتي‭ ‬قناة‭ ‬ليبيا‭ ‬الإخبارية‭ ‬والتي‭ ‬أطلقت‭ ‬وابلًا‭ ‬من‭ ‬عبارات‭ ‬التهديد‭ ‬بالاعتقال‭ ‬التعسفي‭ ‬والقتل‭ ‬العمد‭ ‬وهذا‭ ‬يُعتبر‭ ‬جريمة‭ ‬جنائية‭ ‬وضد‭ ‬الإنسانية‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬والذي‭ ‬يكشف‭ ‬لنا‭ ‬مدى‭ ‬تعصب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬تجاه‭ ‬مموليها‭ ‬والأيديولوجيات‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬تُعتبر‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬المساهم‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬حروب‭ ‬أو‭ ‬نزاعات‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬كانت‭ ‬لن‭ ‬تقوم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬ذُكرت‭ ‬أعلاه‭ ‬هي‭ ‬حالات‭ ‬تنافي‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬مضمونًا‭ ‬واصطلاحًا‭, ‬فهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬يُرخّص‭ ‬للمقاتلين‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ارتكاب‭ ‬الجرائم‭ ‬والانتهاكات‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬القبيلة‭ ‬أو‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬يتبعها،‭ ‬هنا‭ ‬تقف‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬عند‭ ‬مفترق‭ ‬طرق‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الكثيرين‭ ‬وصفه‭ ‬أو‭ ‬تفسيره،‭ ‬فما‭ ‬تعتقده‭ ‬يندرج‭ ‬تحت‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬شخص‭ ‬آخر‭ ‬قد‭ ‬يعتبره‭ ‬منافٍ‭ ‬لذلك‭ ‬والعكس‭ ‬أيضًا‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬منعرج‭ ‬آخر‭ ‬والذي‭ ‬بادر‭ ‬فيه‭ ‬أحد‭ ‬المذيعين‭ ‬بذكر‭ ‬أسماء‭ ‬وألقاب‭ ‬أفراد‭ ‬يعتبرهم‭ ‬أعداء‭ ‬للقيادة‭ ‬العامة‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الشرقية‭ ‬ويُحرض‭ ‬على‭ ‬قتلهم‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭ ‬واستهداف‭ ‬عائلاتهم‭ ‬وأطفالهم‭ ‬والأشخاص‭ ‬الموالين‭ ‬لهم‭ ‬اعتبر‭ ‬أيضًا‭ ‬لغة‭ ‬تحريضية‭ ‬موجهة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬ومُعلنة‭ ‬على‭ ‬تحشيد‭ ‬شعبي‭ ‬ضدهم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأوصاف‭ ‬المتبوعة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬هي‭ ‬أوصاف‭ ‬تجرد‭ ‬من‭ ‬إنسانيتهم‭ ‬ككلمة‭ ‬عبيد‭ ‬ومُرتزقة‭ ‬وأيضًا‭ ‬أوصاف‭ ‬الحيوانات‭ ‬كالجرذان‭ ‬والفئران‭ ‬إلخ‭. ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬التناول‭ ‬البخس‭ ‬لقضايا‭ ‬حساسة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إعلاميين‭ ‬ليبيين‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬ذكر‭ ‬أسماء‭ ‬بعض‭ ‬القبائل‭ ‬والأسر‭ ‬بعينها‭ ‬يُشكل‭ ‬تهديدًا‭ ‬صارخًا‭ ‬للنسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المهترئ‭ ‬بسبب‭ ‬الحروب‭ ‬الإعلامية‭ ‬الفائتة‭ ‬والقائمة‭ ‬حاليًا،‭ ‬حيث‭ ‬تورط‭ ‬إعلامييون‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬معمعة‭ ‬الأدلجة‭ ‬والتسيس‭ ‬المدفوع‭ ‬مسبقًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جهات‭ ‬ودويلات‭ ‬تتدخل‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬وصريح‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الليبي‭ ‬الداخلي‭.‬

كاريكاتور يوصف حالة التجاذب الايديولوجي والسياسي المسيطرة على الاعلام الليبي - موقع ايوان ليبيا

حيث‭ ‬إن‭ ‬التجاوزات‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬عليها‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبي‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬تراكمات‭ ‬ثقافية‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬أفكار‭ ‬هشة‭ ‬وغير‭ ‬موضوعية،‭ ‬فهذه‭ ‬الأفكار‭ ‬الهشة‭ ‬خلقت‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬النمطيات‭ ‬تُجاه‭ ‬الاختلافات‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬أو‭ ‬الفكرية،‭ ‬فبمجرد‭ ‬التيقن‭ ‬بمجابهة‭ ‬هذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الميديا‭ ‬الحرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬يتم‭ ‬فورية‭ ‬استخدام‭ ‬الأدوات‭ ‬الهجومية‭ ‬القاصية‭ ‬علنًا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التراكم‭ ‬التجريبي‭ ‬له‭ ‬مخلفات‭ ‬معرفية‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬التناول‭ ‬السلبي‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الجيوبولتيكية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

حيث‭ ‬إن‭ ‬التراكم‭ ‬التجريبي‭ ‬السلبي‭ ‬لمجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬الليبيين‭ ‬المعاصرين‭ ‬والمشحون‭ ‬بالإخلالات‭ ‬المعلوماتية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬أثر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭, ‬والذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬مرحلة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الإصلاح‭ ‬السياسي‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات‭ ‬المتغيرة‭ ‬أو‭ ‬الانتقالية،‭ ‬هذه‭ ‬الإخلالات‭ ‬هي‭ ‬جُملة‭ ‬من‭ ‬العراقيل‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬التعاطي‭ ‬الإيجابي‭ ‬للمرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وبالتالي‭ ‬تتوقف‭ ‬تمامًا‭ ‬نحو‭ ‬العبور‭ ‬إلى‭ ‬التحوُّل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الحر‭. ‬فإحدى‭ ‬أهم‭ ‬الوظائف‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬عليها‭ ‬الإعلام‭ ‬هو‭ ‬تسهيل‭ ‬صنع‭ ‬القرارات،‭ ‬فوسيلة‭ ‬الإعلام‭ ‬قادرة‭ ‬قدرة‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صنعه‭ ‬أو‭ ‬فرضه‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬حجبه‭ ‬عن‭ ‬الجمهور‭ ‬المتابع،‭ ‬فيتم‭ ‬ذلك‭ ‬إما‭ ‬بالتعاطي‭ ‬الإيجابي‭ ‬لصنع‭ ‬القرار‭ ‬والذي‭ ‬يخدم‭ ‬المجتمع‭ ‬والجمهور‭ ‬كفتح‭ ‬ملفات‭ ‬الفساد‭ ‬وقضايا‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والتي‭ ‬بالتالي‭ ‬تعود‭ ‬نفعًا‭ ‬وإيجابًا‭ ‬على‭ ‬الجمهور،‭ ‬أو‭ ‬يتناولها‭ ‬سلبًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدفع‭ ‬بأطراف‭ ‬عن‭ ‬أطراف‭ ‬آخرى‭ ‬أو‭ ‬التستر‭ ‬على‭ ‬شخصيات‭ ‬وجهات‭ ‬معينة،‭ ‬وهذا‭ ‬بالتالي‭ ‬ينافي‭ ‬الرسالة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬الإعلام‭ ‬النزيه‭ ‬أن‭ ‬يضمن‭ ‬تقديمها‭.‬

جملة‭ ‬التراكمات‭ ‬التجريبية‭ ‬التي‭ ‬خاضها‭ ‬ولايزال‭ ‬يخضوها‭ ‬الإعلامي‭ ‬الليبي‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬طبيعي‭ ‬للدوغمائية‭ ‬القائمة‭ ‬والتي‭ ‬تستميت‭ ‬عليها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬نظرتها‭ ‬العامة‭ ‬نحو‭ ‬التحوُّل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬المنشود،‭ ‬فالتغيرات‭ ‬الحادثة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وفي‭ ‬الموازاة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ – ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬تصف‭ ‬أنها‭ ‬صديقة‭ ‬وحليفة‭ ‬لليبيا‭- ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬تحول‭ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي‭ ‬من‭ ‬صلب‭ ‬غير‭ ‬معالج‭ ‬إلى‭ ‬لين‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬الحالية،‭ ‬كذلك‭ ‬المادة‭ ‬المُقدمة‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تُعتبر‭ ‬إحدى‭ ‬المعطيات‭ ‬المتغيرة‭ ‬وفقاً‭ ‬للتغيرات‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والأولويات‭ ‬السياسية‭.‬

وليس‭ ‬خفيًا‭ ‬أن‭ ‬الاختلافات‭ ‬الايديولوجية‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبي‭ ‬هي‭ ‬قيمة‭ ‬مُضافة‭ ‬إعلاميًا‭ ‬وجمهوريًا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تم‭ ‬توظيفها‭ ‬بالشكل‭ ‬الصحيح‭, ‬ولكن‭ ‬تم‭ ‬توظيف‭ ‬معاكس‭ ‬لمفهوم‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬الإعلامية‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬كمنصات‭ ‬لإبطاء‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬السياسية‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬وخوض‭ ‬تجربة‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬والبرلمانية‭. ‬فالأيديولوجيا‭ ‬الإعلامية‭ ‬لم‭ ‬تتوان‭ ‬عن‭ ‬استيضاح‭ ‬كمية‭ ‬الدعم‭ ‬المبالغ‭ ‬فيه‭ ‬لأطرافها‭ ‬وغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬محاسبتها‭ ‬إعلاميًا‭ ‬أو‭ ‬جماهيريًا‭ ‬عبر‭ ‬منصاتها‭ ‬وقنواتها،‭ ‬بل‭ ‬العكس‭ ‬فهي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬إخفاء‭ ‬حقائق‭ ‬وملفات‭ ‬عن‭ ‬الجمهور‭ ‬المتتبع‭ ‬ومخالفة‭ ‬كل‭ ‬أخلاقيات‭ ‬مهنة‭ ‬الصحافة‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬لإصلاح‭ ‬الشؤون‭ ‬العامة‭ ‬وديمقراطية‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭. ‬كما‭ ‬امتد‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬المدفوع‭ ‬بأسباب‭ ‬غالبها‭ ‬سياسية‭ ‬وفكرية‭ ‬أو‭ ‬تاريخية‭ ‬إلى‭ ‬الإعلام‭ ‬البديل‭ ‬أو‭ ‬الميديا‭ ‬الرقمية‭ – ‬فعبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تم‭ ‬بث‭ ‬العديد‭ ‬من‭ (‬السموم‭ ‬الرقمية‭) ‬عبر‭ ‬صفحات‭ ‬تابعة‭ ‬لوسائل‭ ‬إعلام‭ ‬ليبية‭ ‬منها‭ ‬صور‭ ‬لتنكيل‭ ‬بالجثث‭ ‬واستخدام‭ ‬مصطلحات‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬الممارسة‭ ‬الفعلية‭ ‬للعنف‭ ‬والاضطهاد‭ ‬والتحريض‭ ‬ضد‭ ‬الأقليات‭ ‬والفئات‭ ‬المستضعفة‭.‬

الإعلام‭ ‬الليبي‭ ‬وقياسًا‭ ‬على‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الجمود‭ ‬المعرفي‭ ‬والقيود‭ ‬السياسية‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬القذافي‭ ‬وأبواق‭ ‬الحكومة‭ ‬الكاذبة‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬رخوة‭ ‬مليئة‭ ‬برسائل‭ ‬الكراهية‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أشار‭ ‬حتى‭ ‬المدافعون‭ ‬عن‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الموجه‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬يستوجب‭ ‬المعالجة‭ ‬الخاصة‭ ‬والسريعة‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُقاس‭ ‬ضمن‭ ‬سوق‭ ‬الأفكار‭.‬

منشور مناهض لخطاب الكراهية نشرته وزارة الداخلية الليبية

جدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬الطعن‭ ‬في‭ ‬الصلاحيات‭ ‬الدينية‭ ‬لبعض‭ ‬رجالات‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬العقائد‭ ‬الراسخة‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬واستغلالها‭ ‬لإحداث‭ ‬بلبلة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬حروب‭ ‬مدفوعة‭ ‬بفكر‭ ‬ديني‭ ‬مُتطرف‭ ‬هي‭ ‬حُرية‭ ‬تعبير‭ ‬مضمونة‭ ‬ولا‭ ‬تخضع‭ ‬للمراقبة‭ ‬القانونية،‭ ‬فمثلًا‭ ‬الانتقادات‭ ‬اللاذعة‭ ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬دينية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ (‬دار‭ ‬الإفتاء‭ ‬الليبية‭) ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإعلاميين‭ ‬أو‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬هي‭ ‬وسيلة‭ ‬متاحة‭ ‬للجميع‭ ‬فالانتقاد‭ ‬هنا‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الاستغلال‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ (‬العصْمَة‭ ‬الدينية‭) ‬والقاعدة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬التي‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬المُفتي‭ ‬ورجالاته،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬انتقاد‭ ‬السياسيين‭ ‬وتعريتهم‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬اعتبروه‭ ‬خطاب‭ ‬كراهية‭ ‬موجهًا‭ ‬لهم‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬حُرية‭ ‬تعبير‭ ‬بناءة‭ ‬مكفولة‭ ‬للجميع،‭ ‬وأن‭ ‬المسؤولين‭ ‬ورجال‭ ‬الدولة‭ ‬يعتبرون‭ ‬هذه‭ ‬الانتقادات‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬هو‭ ‬ذريعة‭ ‬لإسكات‭ ‬الإعلاميين‭ ‬والإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬الذي‭ ‬سيطالهم‭. ‬كذلك‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬حدود‭ ‬قانونية‭ ‬معينة‭ ‬لحماية‭ ‬السرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصحفيين،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬ضمانات‭ ‬حقيقية‭ ‬لتوقف‭ ‬الإعلام‭ ‬عن‭ ‬فضح‭ ‬الشخصيات‭ ‬العامة‭ ‬والسياسيين‭ ‬وأن‭ ‬أي‭ ‬التزام‭ ‬بحفظ‭ ‬سرية‭ ‬شخصية‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬سلوك‭ ‬يسلكه‭ ‬الإعلام‭ ‬كمسألة‭ ‬أخلاقية‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭.‬

تُعتبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أقل‭ ‬وعيًا‭ ‬وأكثر‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مواكبتها‭ ‬للأحداث‭ ‬اليومية‭ ‬فهي‭ ‬تُقاد‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أفراد‭ ‬تحكمهم‭ ‬خلفيات‭ ‬معينة‭ ‬وصلات‭ ‬مترابطة‭ ‬وغير‭ ‬مترابطة‭ ‬بالسياسة‭ ‬المحلية‭ ‬دونًا‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬الإخبارية‭ ‬والنظم‭ ‬السياسية‭ ‬الدولية،‭ ‬فرؤية‭ ‬بعض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬إلى‭ ‬عنصر‭ ‬القبيلة‭ ‬كأداة‭ ‬سياسية‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬مساندة‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬الحدث‭ ‬الانتخابي،‭ ‬فتحاول‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬وتقوية‭ ‬هذه‭ ‬الجهات‭ ‬القبلية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭. ‬فمثلًا‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬المدفوع‭ ‬بتعصب‭ ‬قبلي‭ ‬يُعرف‭ ‬بأنه‭ ‬نتيجة‭ ‬منطقية‭ ‬لجملة‭ ‬التراكمات‭ ‬التجريبية‭ ‬للإعلامي‭ ‬أو‭ ‬وسيلة‭ ‬الإعلام‭ ‬لأنها‭ ‬بالتالي‭ ‬لها‭ ‬وصلة‭ ‬مترابطة‭ ‬بالسياسة‭ ‬المحلية‭ ‬وعنصر‭ ‬النفوذ‭ ‬القبلي‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬وهذا‭ ‬سيؤثر‭ ‬ضمنيًا‭ ‬على‭ ‬تحول‭ ‬ليبيا‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬العصرية‭ ‬والمدنية‭ ‬المنشودة‭. ‬فرغم‭ ‬القوة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للقبيلة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬ساهمت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المحلية‭ ‬مما‭ ‬سبب‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬الصراع‭ ‬الفئوي‭ ‬والمناطقي‭ ‬شرقًا‭ ‬وغربًا‭ ‬وجنوبًا‭ ‬وخير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الميلشيات‭ ‬القبلية‭ ‬المُنبثقة‭ ‬عن‭ ‬قبائل‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬كميلشيات‭ ‬مصراتة‭ ‬وترهونة‭ ‬والزنتان‭ ‬والمقارحة‭… ‬إلخ‭.‬

ناهيك‭ ‬عن‭ ‬المحاولات‭ ‬غير‭ ‬الجادة‭ ‬للاستقطاب‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬فهي‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬الوصول‭ ‬المباشر‭ ‬إلى‭ ‬حدث‭ ‬الانتخابات‭ ‬المنتظر‭ ‬شعبيًا‭ ‬ودوليًا‭ ‬حيث‭ ‬تحاول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبية‭ ‬إقناع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬هي‭ ‬حدث‭ ‬تكاملي‭ ‬يصعب‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تواجد‭ ‬فوضى‭ ‬أمنية‭ ‬وأسلحة‭ ‬منتشرة‭ ‬ونقص‭ ‬نخبوي‭ ‬قد‭ ‬يقود‭ ‬الانتخابات‭ ‬إلى‭ ‬بر‭ ‬الآمان‭ – ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يصح‭ ‬في‭ ‬جوفه‭ ‬وفحواه‭ ‬ولكن‭ ‬يُخطئ‭ ‬في‭ ‬نتائجه‭, ‬فالمماطلة‭ ‬السياسية‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الانتخابات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تسويق‭ ‬فكرة‭ ‬التوقيت‭ ‬الخطأ‭ ‬هي‭ ‬مساهمة‭ ‬فعلية‭ ‬في‭ ‬إطالة‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬وتفشي‭ ‬مرض‭ ‬غياب‭ ‬الدولة‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬وبالتالي‭ ‬مضاعفات‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬تزداد‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الإعلامية‭ ‬الموجودة‭ ‬حاليًا‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تُشكل‭ ‬التوازن‭ ‬المتماثل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدد‭ ‬القنوات‭ ‬المضادة‭ ‬وأساليب‭ ‬العرض‭ ‬والاستدلال‭ ‬المُستخدمة‭ ‬وكذلك‭ ‬مصادر‭ ‬التمويل‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬وهذا‭ ‬يجعل‭ ‬ديمومة‭ ‬الوضع‭ ‬الإعلامي‭ ‬السلبي‭ ‬مرهونًا‭ ‬بديمومة‭ ‬التمويلات‭ ‬المقدمة‭ ‬لهذه‭ ‬القنوات‭ ‬والإذاعات‭ ‬وهذه‭ ‬الحالة‭ ‬توصف‭ ‬بـ‭(‬الاستثمار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭) ‬والتي‭ ‬تُصاحب‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬إقليمي‭ ‬أو‭ ‬عالمي‭ – ‬فمثلا‭ ‬قناة‭ ‬218‭ ‬والتي‭ ‬تدَّعي‭ ‬حياديتها‭ ‬أو‭ ‬دعمها‭ ‬للقيم‭ ‬الليبرالية‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬القانون‭ ‬والدستور‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬لها‭ ‬دعم‭ ‬خارجي‭ ‬وأيديولوجية‭ ‬مُعينة‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬الحياد‭ ‬عنها‭ ‬طالما‭ (‬الصفقة‭ ‬الإعلامية‭ ‬قيد‭ ‬العقد‭ ‬المبرم‭) ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬القناة‭ ‬الإعلامية‭ ‬مُذنبة‭ ‬وإنما‭ ‬يجعلها‭ ‬قيد‭ ‬التحقيق‭ ‬والإلزام‭ ‬المهني‭ ‬المشروط‭. ‬وفي‭ ‬الجانب‭ ‬التاني‭ ‬تبرز‭ ‬قناة‭ ‬ليبيا‭ ‬الأحرار‭ ‬والتي‭ ‬تنسب‭ ‬نفسها‭ ‬إلى‭ ‬الحاضنة‭ ‬الصغرى‭ ‬والداعمة‭ ‬الكبرى‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬والتي‭ ‬يذكرها‭ ‬إعلاميو‭ ‬ليبيا‭ ‬الأحرار‭ ‬بأنها‭ ‬الراعية‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬النزاع‭ ‬الليبي‭ ‬ولم‭ ‬شمل‭ ‬الفرقاء‭ ‬الليبيون‭.‬

مفترق‭ ‬الطرق‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬تقف‭ ‬عنده‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبية‭ ‬الحالية‭ ‬هو‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات‭ ‬المفاهيمية‭ ‬لثقافة‭ ‬السلم‭ ‬والاعتدال‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬بين‭ ‬كافة‭ ‬المكونات‭ ‬الليبية‭ – ‬فالإعلام‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬المرآة‭ ‬لما‭ ‬يحدُث‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وهو‭ ‬وسيلة‭ ‬التعبير‭ ‬اللفظية‭ ‬والمرئية‭ ‬المتاحة‭ ‬لهم‭ ‬لتفريغ‭ ‬كل‭ ‬المفاهيم‭ ‬المضطربة‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬البعض‭ (‬وليس‭ ‬الكل‭) ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬المنصات،‭ ‬فالنتائج‭ ‬المُستخرجة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬اليوم‭ ‬باتت‭ ‬واضحة‭ ‬ويمكن‭ ‬قياسها‭ ‬ومنها‭:‬

صراع‭ ‬قبلي‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬محاصصة‭ ‬عسكرية‭ ‬وبرلمانية‭ ‬سياسية‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الإعلام‭ ‬المُرسخ‭ ‬لفكرة‭ ‬أن‭ ‬الإقصاء‭ ‬غير‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬توافر‭ ‬مؤهلات‭ ‬وخصائص‭ ‬للمشاركة‭ ‬السياسية‭ ‬وإنما‭ ‬الإقصاء‭ ‬كان‭ ‬مبنيًا‭ ‬على‭ ‬مخلفات‭ ‬قبلية‭ ‬سابقة‭.‬

تراشق‭ ‬بالمصطلحات‭ ‬الخارجة‭ ‬كعبارات‭ ‬الوصم‭ ‬والشتم‭ ‬وتبادل‭ ‬التهم‭ ‬دون‭ ‬أدلة‭ ‬واضحة‭ ‬وتدني‭ ‬واضح‭ ‬للقيم‭ ‬الإعلامية‭ ‬ونقل‭ ‬فوري‭ ‬للمعارك‭ ‬الفيزيائية‭ ‬إلى‭ ‬معارك‭ ‬إعلامية‭ ‬هجومية‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬التلفاز‭ ‬يقودها‭ ‬فيما‭ ‬يسمو‭ ‬بالنخبة‭ ‬الإعلامية‭ ‬والقيادات‭ ‬البرلمانية‭.‬

جذب‭ ‬وتمطيط‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬الانتقالية‭ ‬وترحيلها‭ ‬إلى‭ ‬عمليات‭ ‬تصارع‭ ‬متقدمة‭ – ‬كانت‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تسريع‭ ‬الوصول‭ ‬الانتخابي‭ ‬كالانقسام‭ ‬السياسي‭ ‬للحكومات‭ ‬التنفيذية‭ ‬والبرلمانية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬إلخ‭.‬

التصعيد‭ ‬الخارجي‭ ‬والاحتقان‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتنازعة‭ ‬حاليًا‭ ‬وتصعيب‭ ‬مُهمة‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬مُرضية‭ ‬لكافة‭ ‬الأطراف‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬تبرز‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬لغة‭ ‬الإعلام‭ ‬المستخدمة‭ ‬هي‭ ‬الفيصل‭ ‬في‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬المثالي،‭ ‬فمن‭ ‬بين‭ ‬السمات‭ ‬والخصائص‭ ‬للأطر‭ ‬الإعلامية‭ ‬النموذجية‭ ‬جميعها‭ ‬تكون‭ ‬اللغة‭ ‬هي‭ ‬السبيل‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬رسائل‭ ‬إنهاء‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭ ‬والفوارق‭ ‬السياسية‭. ‬وبالتالي‭ ‬يمكننا‭ ‬تلخيص‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬مهما‭ ‬ظل‭ ‬تشاركه‭ ‬وتقاطعه‭ ‬مباشرًا‭ ‬مع‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ساهم‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬تفاقم‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬إعلاميًا‭ ‬وعلى‭ ‬الأرض‭ ‬وأن‭ ‬وصف‭ ‬العلاجات‭ ‬السريعة‭ ‬لهذا‭ ‬الخطاب‭ ‬هو‭ ‬التشخيص‭ ‬الدقيق‭ ‬لدوافع‭ ‬كل‭ ‬فئة‭ ‬على‭ ‬استخدامها‭ ‬لهذا‭ ‬الخطاب،‭ ‬فبالتشخيص‭ ‬يمكننا‭ ‬معرفة‭ ‬العلاج‭ ‬واتخاذ‭ ‬الإجراء‭ ‬الوقائي‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬بسن‭ ‬قوانين‭ ‬تضبط‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬وسياسة‭ ‬العقاب‭ ‬الصارمة‭ ‬للمتخلفين‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برامج‭ ‬تدريبية‭ ‬مُكثفة‭ ‬لهم‭ ‬ومساهمتهم‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬القوانين‭ ‬الآنف‭ ‬ذكرها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬مرصد‭ ‬يُقيم‭ ‬ويرصد‭ ‬الإخلالات‭ ‬المهنية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭.‬

أخيرًا‭ – ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬ينص‭ ‬عليه‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬والذي‭ ‬يحظر‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬دعوى‭ ‬للكراهية‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬القومية‭ ‬أو‭ ‬العنصرية‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تُحرض‭ ‬على‭ ‬اللامساواة‭ ‬والعنف‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين‭- ‬تبقى‭ ‬دائرة‭ ‬الصراع‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬مستمرة‭ ‬مُحركها‭ ‬الرئيسي‭ ‬الإعلام‭ ‬والحوارات‭ ‬النقدية‭ ‬الناتجة‭ ‬عنه‭.‬

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *