أوراقإصداراتالدولتونسمنتدى دعم

خطاب الكراهية في الإعلام التونسي: عن قولبة الأجساد والأفكار

ريم بن رجب

مقدمة

يُمكن‭ ‬اختزال‭ ‬تصاعد‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬نزعة‭ ‬سوسيو‭-‬ثقافيّة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬نفي‭ ‬الآخر‭. ‬حيث‭ ‬تسعى‭ ‬المجموعات‭ ‬المُهيمنة‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬المُسيطر‭ ‬إلى‭ ‬نفي‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خلق‭ ‬نماذج‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬هشّة‭ ‬يسهُل‭ ‬ضبطها‭ ‬وإخضاعها‭. ‬ولعلّ‭ ‬النموذج‭ ‬الأبرز‭ ‬الذي‭ ‬تدور‭ ‬حوله‭ ‬فكرة‭ ‬النفي‭ ‬هو‭ ‬‮«‬المنبوذ‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬القابل‭ ‬للوصم‭ ‬والتحقير‭ ‬والإقصاء‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬هيمنة‭ ‬بطريركيّة‭ ‬تُعتبر‭ ‬بدورها‭ ‬نتاجا‭ ‬إجتماعيّا‭ ‬مُعقّدا‭ ‬ومُتشعّبا‭. ‬يصنع‭ ‬الكارهون‭ ‬شخصيّاتهم‭ ‬الخطابيّة‭ ‬المُرشّحة‭ ‬للنبذ‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬أدبيّات‭ ‬تُلغي‭ ‬الآخر‭ ‬المُختلف‭ ‬ويسيرون‭ ‬في‭ ‬اتّجاه‭ ‬تيّار‭ ‬مُهيمن‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬قولبة‭ ‬الأجساد‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيلها‭ ‬بتهديم‭ ‬فكرة‭ ‬كونها‭ ‬أداة‭ ‬للفعل‭ ‬والاحتجاج‭ ‬السياسيّ‭. ‬لذلك‭ ‬نجد‭ ‬أنّ‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬التي‭ ‬غزت‭ ‬الشاشات‭ ‬وصفحات‭ ‬الجرائد‭ ‬والمواقع‭ ‬الإلكترونيّة‭ ‬تُركّز‭ ‬اهتمامها‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬والأقليّات‭ ‬الجنسيّة‭ ‬والجندريّة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوصم‭ ‬والتطبيع‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬والتحريض‭ ‬عليه‭. ‬

تشمل‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬المسّ‭ ‬من‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬القتل‭ ‬والانتقام‭ ‬المعنويّ،‭ ‬والتمييز،‭ ‬والتحقير،‭ ‬والثلب،‭ ‬والشتم،‭ ‬والتكفير،‭ ‬والوصم‭. ‬وحسب‭ ‬مرصد‭ ‬أخلاقيّات‭ ‬المهنة‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬والإلكترونيّة‭ ‬المُحدث‭ ‬داخل‭ ‬النقابة‭ ‬الوطنيّة‭ ‬للصحافيّين‭ ‬التونسيّين،‭ ‬يُعتبر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬‮«‬كلّ‭ ‬نصّ‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬حجمه،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬أي‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإبلاغ‭ ‬المباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المباشر،‭ ‬يتضمّن‭ ‬إساءة‭ ‬أو‭ ‬إهانة‭ ‬أو‭ ‬اتّهاما‭ ‬بالنقص‭ ‬والدونيّة‭ ‬أو‭ ‬تحقير‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬جماعة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬العرق‭ ‬أو‭ ‬الدّين‭ ‬أو‭ ‬الانتماء‭ ‬السياسيّ‭ ‬أو‭ ‬الجغرافيّ‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬الجنس‭ ‬أو‭ ‬طبيعة‭ ‬المهنة‭ ‬أو‭ ‬المظهر‭. ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬كلّ‭ ‬نصّ‭ ‬يُحرّض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬الماديّ‭ ‬أو‭ ‬المعنويّ‭ ‬ضدّ‭ ‬الأشخاص‭ ‬أو‭ ‬الجماعات‭ ‬أيّا‭ ‬كانت‭ ‬الحجّة‭ ‬أو‭ ‬الذريعة،‭ ‬أو‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التمييز‭ ‬والتفوّق‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬لأسباب‭ ‬عرقيّة‭ ‬أو‭ ‬طائفيّة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬شابهها،‭ ‬وكلّ‭ ‬دعوة‭ ‬لمعاداة‭ ‬المهاجرين‭ ‬والأقليّات‭ ‬أو‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬الانتقاص‭ ‬من‭ ‬حقوقهم،‭ ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬كلّ‭ ‬استعارة‭ ‬أو‭ ‬تعبير‭ ‬مُهين‭ ‬ضدّ‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‮»‬‭. ‬ويُشير‭ ‬الفصل‭ ‬52‭ ‬من‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬115‭ ‬المُتعلّق‭ ‬بحريّة‭ ‬الصحافة‭ ‬والطباعة‭ ‬والنشر‭ ‬إلى‭ ‬أنّه‭: ‬‮«‬يُعاقب‭ ‬بالسّجن‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬وبخطيّة‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬إلى‭ ‬ألفي‭ ‬دينار‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يدعو‭ ‬مباشرة‭ ‬بواسطة‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬المبيّنة‭ ‬بالفصل‭ ‬50‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬إلى‭ ‬الكراهية‭ ‬بين‭ ‬الأجناس‭ ‬أو‭ ‬الأديان‭ ‬أو‭ ‬السكّان‭ ‬وذلك‭ ‬بالتحريض‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬واستعمال‭ ‬الوسائل‭ ‬العدائيّة‭ ‬أو‭ ‬العنف‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬أفكار‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‮»‬‭.‬

الفقرة 2 من المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

تتفّق‭ ‬المعاهدات‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولّية‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يتمتّع‭ ‬كلّ‭ ‬شخص‭ ‬بحقوقه‭ ‬المدنيّة‭ ‬والسياسيّة‭ ‬وبحريّاته‭ ‬العامّة‭ ‬والفردية‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬أو‭ ‬تفرقة‭. ‬وقد‭ ‬تطرّقت‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬المعاهدات‭ ‬إلى‭ ‬مُعضلة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬حيث‭ ‬تذكر‭ ‬الفقرة‭ ‬2‭ ‬من‭ ‬المادة‭ ‬20‭ ‬من‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬‮«‬تُحظر‭ ‬بالقانون‭ ‬أية‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬الكراهية‭ ‬القومية‭ ‬أو‭ ‬العنصرية‭ ‬أو‭ ‬الدينية‭ ‬وتُشكل‭ ‬تحريضا‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬أو‭ ‬العداوة‭ ‬أو‭ ‬العنف‮»‬‭. ‬ووفقا‭ ‬للاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬فيُعتبر‭ ‬‮«‬كل‭ ‬نشر‭ ‬للأفكار‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التفوق‭ ‬العنصري‭ ‬أو‭ ‬الكراهية‭ ‬العنصرية،‭ ‬وكل‭ ‬تحريض‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬وكل‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬أو‭ ‬تحريض‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬يُرتكب‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬عرق‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬لون‭ ‬أو‭ ‬أصل‭ ‬إثني‭ ‬آخر،‭ ‬وكذلك‭ ‬كل‭ ‬مساعدة‭ ‬للنشاطات‭ ‬العنصرية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تمويلها،‭ ‬جريمة‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‮»‬‭. ‬ويقصد‭ ‬بتعبير‭ ‬‮«‬التمييز‭ ‬العنصري‮»‬‭ ‬أي‭ ‬تمييز‭ ‬أو‭ ‬استثناء‭ ‬أو‭ ‬تقييد‭ ‬أو‭ ‬تفضيل‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬العرق‭ ‬أو‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬النسب‭ ‬أو‭ ‬الأصل‭ ‬القومي‭ ‬أو‭ ‬الإثني‭ ‬ويستهدف‭ ‬أو‭ ‬يستتبع‭ ‬تعطيل‭ ‬أو‭ ‬عرقلة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحريات‭ ‬الأساسية‭ ‬أو‭ ‬التمتع‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬ممارستها،‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة،‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬السياسي‭ ‬أوالاقتصاديّ‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬أو‭ ‬الثقافيّ‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬ميدان‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬ميادين‭ ‬الحياة‭ ‬العامّة‭. ‬كما‭ ‬اهتمّت‭ ‬منظمّة‭ ‬المادّة‭ ‬19‭ ‬بخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬المُتنامي‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ»مبادئ‭ ‬كامدن‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬عرّفت‭ ‬الكراهية‭ ‬كما‭ ‬يلي‭: ‬‮«‬حالة‭ ‬ذهنية‭ ‬تتسم‭ ‬بانفعالات‭ ‬حادة‭ ‬وغير‭ ‬عقلانية‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬والمقت‭ ‬والاحتقار‭ ‬تجاه‭ ‬المجموعة‭ ‬أو‭ ‬الشخص‭ ‬المُحرض‭ ‬ضده‮»‬،‭ ‬داعية‭ ‬كلّ‭ ‬الدوّل‭ ‬إلى‭ ‬تبنّي‭ ‬تشريعات‭ ‬تُجرّم‭ ‬الخطابات‭ ‬التحريضيّة‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬الموجز‭ ‬لمفهوم‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬محليّا‭ ‬ودوليّا،‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تعريف‭ ‬موحّد‭ ‬وثابت‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الذي‭ ‬يظلّ‭ ‬إشكاليّا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للبعض‭ ‬خاصّة‭ ‬وأنّ‭ ‬هذه‭ ‬التعريفات‭ ‬لم‭ ‬تُشر‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬حريّة‭ ‬التعبير‭ ‬وخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الذي‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬يُوظّف‭ ‬كغطاء‭ ‬للقمع‭ ‬والتضييق‭. ‬وعليه،‭ ‬تريد‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬البحثيّة‭ ‬تفكيك‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فهم‭ ‬ميكانيزماتها‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬وتحليل‭ ‬تلك‭ ‬الموجّهة‭ ‬خاصّة‭ ‬ضدّ‭ ‬النساء‭ ‬والأقليّات‭ ‬الجنسيّة‭ ‬والجندريّة‭ ‬في‭ ‬تونس‭. ‬

وسائل الإعلام تعمل لصالح الفرد وليس الجماعة، للإحساس وليس للعقل، للفردانيّة وليس للكونيّة. هذه الميزات الثلاث متلازمة في الدعامات الجديدة التي ستُحدّد طبيعة الخطاب المُهيمن، ومنفعة حاملها. إنّها توفّر في الوقت ذاته إستراتيجيّة فرديّة واختلال النظام الجماعيّ. لم تعد في حاجة إلى قواعد ولا قضايا ولا إلى حمولة مفاهيميّة.
ريجي دوباري
فيلسوف فرنسي

الإعلام والتلاعب بالعقول

لا‭ ‬يُمكننا‭ ‬فهم‭ ‬بنية‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬وتمظهراته‭ ‬إلاّ‭ ‬بفهم‭ ‬بنية‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬تبثّ‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬عنف‭ ‬رمزيّ‭. ‬يملك‭ ‬الإعلام‭ ‬سُلطة‭ ‬التوجيه‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الآراء‭ ‬والمواقف‭ ‬ضمن‭ ‬توجّهاته‭ ‬وخطّه‭ ‬السياسيّ،‭ ‬فيُنتج‭ ‬خطابات‭ ‬هيمنة‭ ‬يُمكن‭ ‬للمُتلقي‭ ‬أن‭ ‬يتبناها‭ ‬بسهولة‭ ‬ويُعيد‭ ‬إنتاجها‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬خلفيّاته‭ ‬ودون‭ ‬وعي‭ ‬بخطورتها‭. ‬تؤثّر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬الفرد‭ ‬لنفسه‭ ‬وللآخر‭ ‬وللمجتمع،‭ ‬فهي‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تنميطه‭ ‬وقولبته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آليّات‭ ‬خطابيّة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التكرار‭ ‬والتكثيف‭ ‬وصناعة‭ ‬مفاهيم‭ ‬مُزيّفة‭. ‬يعتبر‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬ريجي‭ ‬دوباري‭ ‬أنّ‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬‮«‬تعمل‭ ‬لصالح‭ ‬الفرد‭ ‬وليس‭ ‬الجماعة،‭ ‬للإحساس‭ ‬وليس‭ ‬للعقل،‭ ‬للفردانيّة‭ ‬وليس‭ ‬للكونيّة‭. ‬هذه‭ ‬الميزات‭ ‬الثلاث‭ ‬متلازمة‭ ‬في‭ ‬الدعامات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬ستُحدّد‭ ‬طبيعة‭ ‬الخطاب‭ ‬المُهيمن،‭ ‬ومنفعة‭ ‬حاملها‭. ‬إنّها‭ ‬توفّر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬إستراتيجيّة‭ ‬فرديّة‭ ‬واختلال‭ ‬النظام‭ ‬الجماعيّ‭. ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬قواعد‭ ‬ولا‭ ‬قضايا‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬حمولة‭ ‬مفاهيميّة‮»‬‭. ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬نذهب‭ ‬بعيدا‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬دوباري‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬بطرح‭ ‬سؤال‭ ‬جوهريّ‭: ‬‮«‬هل‭ ‬يُفكّر‭ ‬الإعلام؟‮»‬‭. ‬الحقيقة‭ ‬أنّ‭ ‬الإعلام‭ ‬وتحديدا‭ ‬التلفزيون‭ ‬مُنحاز‭ ‬إلى‭ ‬الفُرجة‭ ‬بدل‭ ‬محاولة‭ ‬هدم‭ ‬البُنى‭ ‬الفكريّة‭ ‬التقليديّة‭ ‬والقيام‭ ‬بحفريّات‭ ‬لإنتاج‭ ‬المعنى‭. ‬الإعلام‭ ‬‮«‬مدفوع‭ ‬بمنطق‭ ‬اللهاث‭ ‬وراء‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الإقبال‭ ‬الجماهريّ‭ (…) ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬كثيرا‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الفكر‮»‬‭ ‬لأنّه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الطارئ،‭ ‬الآنيّ،‭ ‬العاجل‭ ‬والمثير‭ ‬تحت‭ ‬مُسمّى‭ ‬‮«‬الأوديمات‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬يُمثّل‭ ‬سلطة‭ ‬هيمنة‭. ‬يُعلّق‭ ‬عالم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬بيار‭ ‬بورديو‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬أحد‭ ‬المشاكل‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬التلفزيون‭ ‬هو‭ ‬مشكلة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬التفكير‭ ‬والسرعة‭. ‬هل‭ ‬يُمكن‭ ‬التفكير‭ ‬أثناء‭ ‬اللهاث‭ ‬بسرعة؟‭ ‬ألا‭ ‬يُدان‭ ‬التلفزيون‭ ‬بأنّه‭ ‬لن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬إلاّ‭ ‬على‭ ‬‮«‬مُفكّرين‭ ‬على‭ ‬السريع‮»‬،‭ ‬عندما‭ ‬يُعطي‭ ‬الحديث‭ ‬لمُفكّرين‭ ‬أجبروا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفكّروا‭ ‬بسرعة‭ ‬متزايدة؟‭ ‬على‭ ‬مُفكّرين‭ ‬يفكّرون‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬ظلّهم‭ ‬يُفكّرون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬الأفكار‭ ‬الشائعة‮»‬‭. ‬‮«‬الأفكار‭ ‬السائدة‭ ‬والشائعة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تحدّث‭ ‬عنها‭ ‬فلوبير،‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬يتقبّلها‭ ‬الجميع،‭ ‬تافهة،‭ ‬مُبتذلة،‭ ‬تقليديّة،‭ ‬وسطيّة،‭ ‬مُشتركة،‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬عندما‭ ‬تتلقّاها‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬تمّ‭ ‬قبولها‭ ‬بالفعل‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬محلّ‭ ‬لطرح‭ ‬مُشكلة‭ ‬التلقّي‭ ‬والإدراك‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‮»‬‭. ‬يُلغي‭ ‬التلفزيون‭ ‬إذن‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬والنقد‭ ‬والمُساءلة،‭ ‬فهو‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬الحقيقة‭ ‬المُطلقة،‭ ‬وبهذا‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬ضمن‭ ‬‮«‬تربّعه‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬اليقين‮»‬‭. ‬تُعوّل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المُهيمنة‭ ‬على‭ ‬‮«‬خبراء‮»‬‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الوهم‭ ‬وبثّ‭ ‬المغالطات‭ ‬وإنتاج‭ ‬الخطابات‭ ‬التحريضيّة،‭ ‬مُعتمدين‭ ‬على‭ ‬عجز‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬المُتلقي‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬رأي‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬بخصوص‭ ‬قضيّة‭ ‬ما‭. ‬يبحث‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬التموقع‭ ‬السهل‭ ‬إما‭ ‬مع‭ ‬أو‭ ‬ضدّ‭ ‬دون‭ ‬إجهاد‭ ‬وتفكير‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تقدّمه‭ ‬لهم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭: ‬أفكار‭ ‬جاهزة،‭ ‬مواقف‭ ‬جاهزة،‭ ‬تحليلات‭ ‬جاهزة،‭ ‬أطروحات‭ ‬جاهزة،‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬جاهزة‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تتشكّل‭ ‬الأفكار‭ ‬السائدة‭ ‬ويتشكّل‭ ‬التيار‭ ‬المُهيمن‭ ‬الذي‭ ‬يُسيطر‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬المعرفيّة‭ ‬والقيميّة‭. ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التوجيه‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬رأي‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬حاسم‭ ‬فقط‭ ‬وإنّما‭ ‬تعتمد‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬الجاهزة‭ ‬مُسبقا‭ ‬والتي‭ ‬تُمثّل‭ ‬الأرض‭ ‬الثابتة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬عليها‭ ‬الأغلبيّة‭. ‬فلنطرح‭ ‬السؤال‭ ‬التالي‭: ‬لماذا‭ ‬يقرأ‭ ‬الناس‭ ‬هذه‭ ‬الصحيفة‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬أو‭ ‬يُشاهدون‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬أو‭ ‬يسمعون‭ ‬هذا‭ ‬الراديو‭ ‬دون‭ ‬غيره؟،‭ ‬لأنّهم‭ ‬يجدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬ضمن‭ ‬الخطابات‭ ‬التي‭ ‬تُنتجها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬آرائهم‭ ‬المبنيّة‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الأخلاق‭ ‬العملية‭ ‬أو‭ ‬أخلاق‭ ‬الطبقة‭ ‬كما‭ ‬يُسميها‭ ‬بيار‭ ‬بورديو‭ ‬أي‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬على‭ ‬منظومتهم‭ ‬القيميّة‭ ‬والعقائديّة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بمحيطهم‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬والاقتصاديّ‭ ‬والثقافيّ‭. ‬

من‭ ‬بين‭ ‬قرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬المستقلّة‭ ‬للاتّصال‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التصدّي‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬قرار‭ ‬إيقاف‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬حديث‭ ‬رجال‮»‬‭ ‬على‭ ‬القناة‭ ‬الإذاعيّة‭ ‬الخاصّة‭ ‬‮«‬نجمة‭ ‬اف‭ ‬ام‮»‬‭ ‬لمدّة‭ ‬أسبوعين‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬تضمّنته‭ ‬إحدى‭ ‬حلقات‭ ‬البرنامج‭ ‬والتي‭ ‬بُثّت‭ ‬بتاريخ‭ ‬18‭ ‬نوفمبر‭ ‬2018،‭ ‬من‭ ‬تحريض‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬وخطاب‭ ‬تمييزيّ‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬جهويّ،‭ ‬حيث‭ ‬تعمّد‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬البرنامج‭ ‬بثّ‭ ‬آراء‭ ‬مواطنين‭ ‬بخصوص‭ ‬الجدل‭ ‬الحاصل‭ ‬حول‭ ‬لافتة‭ ‬إشهاريّة‭ ‬لأحد‭ ‬مشغّلي‭ ‬الاتصالات‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬بفوز‭ ‬فريق‭ ‬الترجي‭ ‬الرياضي‭ ‬التونسي‭ ‬برابطة‭ ‬الأبطال‭ ‬الإفريقيّة،‭ ‬احتوت‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬يحثّ‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬والتمييز‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬‮«‬النجم‭ ‬الساحلي‭ ‬فوق‭ ‬الجميع‭ ‬وسوسة‭ ‬فوق‭ ‬الجميع‮»‬‭. ‬يمثّل‭ ‬بث‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬التمييزيّة‭ ‬والتحريضيّة‭ ‬خرقا‭ ‬لأحكام‭ ‬الفصل‭ ‬15‭ ‬من‭ ‬كرّاس‭ ‬الشروط‭ ‬المتعلق‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬إجازة‭ ‬إحداث‭ ‬واستغلال‭ ‬قناة‭ ‬إذاعيّة‭ ‬خاصّة‭ ‬والذي‭ ‬ينصّ‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يلتزم‭ ‬صاحب‭ ‬الإجازة‭ ‬بعدم‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية،‭ ‬كما‭ ‬أنّها‭ ‬مخالفة‭ ‬لمقتضيات‭ ‬الفصل‭ ‬24‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬كرّاس‭ ‬الشروط‭ ‬والذي‭ ‬ينصّ‭: ‬‮«‬يلتزم‭ ‬صاحب‭ ‬الإجازة‭ ‬بعدم‭ ‬بثّ‭ ‬كلّ‭ ‬خطاب‭ ‬يحرّض‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬خاصّة‭ ‬لأسباب‭ ‬عنصريّة‭ ‬أو‭ ‬عرقيّة‭ ‬أو‭ ‬خلقيّة‭ ‬أو‭ ‬دينيّة‭ ‬أو‭ ‬جنسيّة‭ ‬أو‭ ‬جهويّة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الرأي‮»‬‭.‬

لنكن‭ ‬عمليّين‭ ‬أكثر‭ ‬ونتحدّث‭ ‬عن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المُهيمنة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬والتي‭ ‬عملت‭ ‬منذ‭ ‬2011‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬قناعات‭ ‬زائفة‭ ‬لدى‭ ‬المتلقّي،‭ ‬فربطت‭ ‬اليسار‭ ‬بالكفر‭ ‬والإلحاد،‭ ‬والحريّة‭ ‬الجنسيّة‭ ‬بالشذوذ‭ ‬والانحلال‭ ‬الأخلاقيّ،‭ ‬وتحرّر‭ ‬المرأة‭ ‬وقضيّة‭ ‬المساواة‭ ‬بمؤامرة‭ ‬ماسونية‭ ‬لاستهداف‭ ‬الهويّة‭ ‬الإسلاميّة‭. ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬المغالطات‭ ‬تنضوي‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬أساليب‭ ‬المراوغة‭ ‬والتجييش‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬تغييب‭ ‬مقصود‭ ‬لمُثقّفين‭ ‬ومُفكّرين‭ ‬حقيقيّين‭ ‬مُهمّتهم‭ ‬‮«‬تحطيم‭ ‬قوالب‭ ‬الأنماط‭ ‬الثابتة‭ ‬والتعميمات‭ ‬الاختزاليّة‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬قيودا‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬الإنسانيّ‭ ‬وعلى‭ ‬التواصل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬البشر‮»‬‭. ‬فلنأخذ‭ ‬مثال‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬الصدى‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يُعدّ‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونيّة‭ ‬التي‭ ‬تحثّ‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬وذلك‭ ‬حسب‭ ‬تقرير‭ ‬مرصد‭ ‬أخلاقيّات‭ ‬المهنة‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬والإلكترونية‭ ‬لسنة‭ ‬2016‭. ‬حيث‭ ‬نشر‭ ‬بتاريخ‭ ‬2‭ ‬فيفري‭ ‬2016‭ ‬مقالا‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬جهلوت‭ ‬غير‭ ‬أنّهم‭ ‬جامعيّون‭ ‬لا‭ ‬يحملون‭ ‬إلاّ‭ ‬الفكر‭ ‬الاستئصاليّ‮»‬،‭ ‬تهجّم‭ ‬فيه‭ ‬كاتبه‭ ‬على‭ ‬النخبة‭ ‬المُثقّفة‭ ‬من‭ ‬الحداثيّين،‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬‮«‬جهلوت‭ ‬غير‭ ‬أنّهم‭ ‬جامعيّون‭ ‬لا‭ ‬يحملون‭ ‬إلاّ‭ ‬الفكر‭ ‬الاستئصاليّ‭ ‬اليساريّ‭ ‬ولا‭ ‬يدينون‭ ‬أبدا‭ ‬إلاّ‭ ‬بالتطرّف‭ ‬الإيديولوجيّ‭ ‬ولا‭ ‬يؤمنون‭ ‬أبدا‭ ‬بالتقارب‭ ‬ولا‭ ‬بالتحاور‭ ‬أيضا‭ ‬وإن‭ ‬زيّنوا‭ ‬به‭ (‬نفاقا‭) ‬بعض‭ ‬خطاباتهم‭. ‬ولكم‭ ‬في‭ ‬صيتهم‭ ‬الذي‭ ‬جاوز‭ ‬الحدود‭ ‬وسبقهم‭ ‬خارج‭ ‬الوطن‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المعدن‭ ‬الرخيص‭ ‬جهلوت‭ ‬لم‭ ‬ير‭ ‬منهم‭ ‬مواطنوهم‭ ‬غير‭ ‬الأذيّة‭ ‬وفحش‭ ‬السلوكات‭ ‬ونشاز‭ ‬الفكر‭ ‬والقول‭. ‬يعربدون‭ ‬صباحا‭ ‬مساء‭ ‬ويوم‭ ‬الأحد‭ ‬في‭ ‬دكاكين‭ ‬إعلام‭ ‬العار‭ ‬والمذلّة،‭ ‬تذكّي‭ ‬جهلوتهم‭ ‬فرق‭ ‬إفساد‭ ‬إعلاميّة‭ ‬لا‭ ‬تفقه‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يقولون‭ (‬‭)‬‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬الفقرة‭ ‬تختزل‭ ‬كلّ‭ ‬الكليشيهات‭ ‬والتعميمات‭ ‬والمغالطات‭ ‬الممكنة‭ ‬لشيطنة‭ ‬اليسار‭ ‬وكلّ‭ ‬شخص‭ ‬حامل‭ ‬لفكر‭ ‬مُختلف‭ ‬عمّا‭ ‬هو‭ ‬نمطيّ‭ ‬ومألوف‭. ‬انخرطت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬سياق‭ ‬الشيطنة‭ ‬والتحقير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيّة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬الإنسان‮»‬‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬المستقلّة‭ ‬للاتصال‭ ‬السمعيّ‭ ‬والبصريّ‭ (‬الهايكا‭) ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬لوقف‭ ‬دعوات‭ ‬الكراهية‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬إلغاء‭ ‬الآخر،‭ ‬حيث‭ ‬قرّر‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة،‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬فيفري‭ ‬2019،‭ ‬تسليط‭ ‬خطيّة‭ ‬ماليّة‭ ‬على‭ ‬القناة‭ ‬قدرها‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬وإيقاف‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬خلّيك‭ ‬معانا‮»‬‭ ‬لمدّة‭ ‬3‭ ‬أشهر‭ ‬لعدم‭ ‬احترام‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬وبث‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الإقصاء‭ ‬ضدّ‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬التونسيّين‭. ‬فقد‭ ‬سجّلت‭ ‬وحدة‭ ‬الرصد‭ ‬التابعة‭ ‬للهيئة‭ ‬مداخلة‭ ‬لضيف‭ ‬الحصّة‭ ‬محمّد‭ ‬أمين‭ ‬القربي‭ ‬الملقّب‭ ‬بـ»ريكوبا‮»‬‭ ‬اتّهم‭ ‬فيها‭ ‬اليساريّين‭ ‬بـ»العمالة‭ ‬والتطبيع‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬السابق‮»‬،‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬اليساريّون‭ ‬كانوا‭ ‬مجرّد‭ ‬أذيال‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬استغلّهم‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬ضدّ‭ ‬الإسلاميّين‭. ‬محمد‭ ‬الشرفي‭ ‬هو‭ ‬رأس‭ ‬الأفعى‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬طالب‭ ‬باجتثاث‭ ‬الإسلاميّين‮»‬‭. ‬كما‭ ‬قام‭ ‬الضيف‭ ‬القار‭ ‬بالبرنامج‭ ‬محمد‭ ‬العفّاس‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬فقرة‭ ‬‮«‬اش‭ ‬جبت‭ ‬معاك‮»‬‭ ‬بشيطنة‭ ‬النخب‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬سمّاهم‭ ‬‮«‬شيطان‭ ‬النمط‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬قاله‭: ‬‮«‬شيطان‭ ‬النخب‭ ‬يرى‭ ‬أنّ‭ ‬أموال‭ ‬الحج‭ ‬إهدار‭ ‬للمال‭ ‬الوطني،‭ ‬وأنّ‭ ‬أموال‭ ‬الأضاحي‭ ‬التي‭ ‬نتقرّب‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬إهدار‭ ‬للثروة‭ ‬الحيوانيّة‭. ‬شيطان‭ ‬النخب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬جلب‭ ‬فنّانين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬لاعقو‭ ‬أحذية‭ ‬الطغاة‭ ‬وصرف‭ ‬الليالي‭ ‬الحمراء‭ ‬وأنواع‭ ‬المسكرات‭ ‬هو‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬السخافة‭ ‬عفوا‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭…‬‮»‬‭. ‬ولم‭ ‬يتدخّل‭ ‬مقدّم‭ ‬البرنامج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الالتزام‭ ‬المحمول‭ ‬عليه‭ ‬بالتصدّي‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬أحكام‭ ‬الفصل‭ ‬24‭ ‬من‭ ‬كراس‭ ‬الشروط‭ ‬المتعلّق‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬إجازة‭ ‬إحداث‭ ‬واستغلال‭ ‬قناة‭ ‬تلفزيّة‭ ‬خاصّة‭ ‬والذي‭ ‬ينصّ‭ ‬في‭ ‬النقطة‭ ‬الثانية‭ ‬والثالثة‭ ‬على‭ ‬أنّه‭: ‬‮«‬يلتزم‭ ‬صاحب‭ ‬الإجازة‭ ‬بالسهر‭ ‬خاصّة‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬بث‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الإقصاء‭ ‬والتهميش‭ ‬والثلب‭ ‬ومنع‭ ‬الثلب‭ ‬والشتم‭ ‬تجاه‭ ‬الأشخاص‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصحفيّين‭ ‬العاملين‭ ‬بالمؤسّسة‭ ‬الإعلاميّة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ضيوف‭ ‬البرامج‭ ‬التي‭ ‬تبثّها‭ ‬المؤسّسة‭ ‬سواء‭ ‬المسجّلة‭ ‬أو‭ ‬المباشرة،‭ ‬مع‭ ‬تأهيل‭ ‬الصحفيّين‭ ‬لتحمّل‭ ‬مسؤوليّتهم‭ ‬في‭ ‬التصدّي‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬التجاوزات‮»‬‭. ‬

اخلالات خطاب الكراهية بعد رصد 19 وسيلة اعلامية

11.59%

التمييز

18.48%

الوصم

24.28%

السب والشتم

3.26%

الصور

15.94%

العناوين

28.25%

الخبر والتقرير الاخباري

46.01%

مقالات الرأي

لنعد‭ ‬قليلا‭ ‬إلى‭ ‬تقرير‭ ‬مرصد‭ ‬أخلاقيّات‭ ‬المهنة‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬والإلكترونيّة‭ ‬والذي‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬التعاطي‭ ‬الإعلامي‭ ‬مع‭ ‬الإرهاب،‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والنزاعات‭ ‬المسلّحة‭: ‬ديسمبر‭ ‬2015‭- ‬ماي‭ ‬2016‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬الإخلالات‭ ‬الواردة‭ ‬بالصحف‭ ‬والمواقع‭ ‬الإلكترونية‭. ‬تكمن‭ ‬أهميّة‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬والذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬آخر‭ ‬تقرير‭ ‬لمرصد‭ ‬أخلاقيات‭ ‬المهنة،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬ينشر‭ ‬بعده‭ ‬تقارير‭ ‬توليفية‭ ‬أخرى،‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬19‭ ‬وسيلة‭ ‬إعلامية‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬المكتوب‭ ‬والإلكترونيّ‭. ‬ما‭ ‬يُهمّنا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬هو‭ ‬طبيعة‭ ‬الإخلالات،‭ ‬فقد‭ ‬إحتلّ‭ ‬السب‭ ‬والشتم،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬التقرير،‭ ‬أعلى‭ ‬نسبة‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ (‬24.28‭ ‬بالمائة‭) ‬ثمّ‭ ‬الوصم‭ (‬18.48‭ ‬بالمائة‭) ‬يليه‭ ‬التمييز‭ (‬11.59‭ ‬بالمائة‭)‬،‭ ‬وتوزّعت‭ ‬بقيّة‭ ‬النسب‭ ‬بصفة‭ ‬متفاوتة‭ ‬حسب‭ ‬طبيعة‭ ‬الإخلالات‭ (‬تكفير،‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬القتل،‭ ‬هتك‭ ‬الأعراض‭ ‬إلخ‭) ‬وأكّد‭ ‬التقرير‭ ‬أنّه‭ ‬رغم‭ ‬ضآلة‭ ‬هذه‭ ‬النسب‭ ‬فإنّها‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬وقعها‭ ‬على‭ ‬المستهدف‭. ‬وارتبطت‭ ‬مقالات‭ ‬الرأي‭ (‬التحاليل‭ ‬والأعمدة‭) ‬ببثّ‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬إذ‭ ‬سجّل‭ ‬المرصد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬الصحفيّ‭ ‬127‭ ‬إخلالا‭ (‬أي‭ ‬بنسبة‭ ‬46‭.‬01‭ ‬بالمائة‭) ‬يليها‭ ‬الخبر‭ ‬والتقرير‭ ‬الإخباريّ‭ ‬بـ78‭ ‬إخلالا‭ (‬28.25‭ ‬بالمائة‭) ‬ثمّ‭ ‬العناوين‭ ‬بـ44‭ ‬إخلالا‭ (‬15.94‭ ‬بالمائة‭) ‬و9‭ ‬إخلالات‭ ‬في‭ ‬الصور‭ (‬3.26‭ ‬بالمائة‭) ‬وبعدد‭ ‬أقلّ‭ ‬في‭ ‬بقيّة‭ ‬الأشكال‭ ‬الصحافيّة‭. ‬وقد‭ ‬طغى‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬السب‭ ‬والشتم‭ ‬والثلب‭ ‬والتحقير‭ ‬والتكفير‭ ‬والإقصاء‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬المواضيع‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بالسياسة‭ ‬والإرهاب‭ ‬والدّين‭. ‬خلق‭ ‬هذا‭ ‬التواتر‭ ‬معجما‭ ‬من‭ ‬المصطلحات‭ ‬المتداولة‭ ‬مثل‭: ‬كاسيات‭/ ‬عاريات‭/ ‬إعلام‭ ‬عار‭/ ‬استئصالي‭/ ‬يساري‭ ‬مُتطرّف‭/ ‬انقلابيّ‭/ ‬متآمر‭/ ‬ماسوني‭ ‬كافر‭/ ‬شيعيّ‭/ ‬مُلحد‭/ ‬داعشي‭/ ‬دون‭ ‬شرف‭/ ‬أشباه‭ ‬إعلاميّين‭/ ‬أشباه‭ ‬سياسيّين‭/ ‬الطاغوت‭/ ‬مرتدّين‭/ ‬أعداء‭ ‬الهويّة‭ ‬الإسلاميّة‭. ‬ومن‭ ‬أخطر‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬رصدها‭ ‬التقرير‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬الرأي‭ ‬نعت‭ ‬شخص‭ ‬بـ»اليهوديّ‮»‬‭ ‬و»المُعاق‭ ‬ذهنيّا‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬وصف‭ ‬التحرّر‭ ‬بـ»البغاء‮»‬‭ ‬و‮»‬الاستعباد‭ ‬المُقنّن‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬عبارات‭ ‬ترسّخ‭ ‬مفاهيم‭ ‬سلبيّة‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬قد‭ ‬تؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬القتل‭ ‬أو‭ ‬الانتقام‭ ‬المعنويّ‭ ‬أو‭ ‬الماديّ‭. ‬نلاحظ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المصطلحات‭ ‬التي‭ ‬تغذّي‭ ‬نموذج‭ ‬‮«‬المنبوذ‮»‬‭ ‬أنّها‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬سؤال‭ ‬الجسد‭ ‬والحريّات‭ ‬الفرديّة‭. ‬لذلك‭ ‬سنركّز‭ ‬بشكل‭ ‬أعمق‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الموجّه‭ ‬ضدّ‭ ‬النساء‭ ‬والأقليّات‭ ‬الجنسيّة‭ ‬والجندريّة‭ ‬بما‭ ‬أنّهم‭ ‬يمثّلون‭ ‬الحلقة‭ ‬الأضعف‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإضطهاد‭ ‬المُمنهج‭. ‬

خطاب الكراهية الموجه ضدّ النساء والأقليّات الجنسيّة والجندريّة

أصبح‭ ‬الجسد‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬الحديثة‭ ‬‮«‬المجال‭ ‬الرئيس‭ ‬للنشاط‭ ‬السياسيّ‭ ‬والاجتماعيّ‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬راج‭ ‬مُصطلح‭ ‬‮«‬المجتمع‭ ‬الجسديّ‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬استحدثه‭ ‬عالم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الإنجليزيّ‭ ‬براين‭ ‬ترنر‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬تصاعد‭ ‬الاهتمام‭ ‬المكثّف‭ ‬بسؤال‭ ‬الجسد‭ ‬الذي‭ ‬يُعدّ‭ ‬محورا‭ ‬مركزيّا‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الهويّة‭ ‬الذاتيّة‭ ‬والبُنى‭ ‬الاجتماعيّة‭. ‬تُعتبر‭ ‬أجسادنا‭ ‬‮«‬كيانا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬صيرورة،‭ ‬مشروعا‭ ‬يتوجّب‭ ‬العمل‭ ‬عليه‭ ‬وإنجازه‭ ‬بوصفه‭ ‬جزءً‭ ‬من‭ ‬هويّة‭ ‬الفرد‭ ‬الذاتيّة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬تصطدم‭ ‬بخطابات‭ ‬الوصم‭ ‬والتحقير‭. ‬ساهمت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬الصور‭ ‬النمطيّة‭ ‬عن‭ ‬أجساد‭ ‬النساء‭ ‬وأجساد‭ ‬الجندريّات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم‭. ‬فنجدها‭ ‬تتهكّم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬ومن‭ ‬الأقليّات‭ ‬الجنسيّة‭ ‬والجندريّة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيّة‭ ‬أو‭ ‬إذاعيّة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التهريج‭ ‬والابتذال‭ ‬واجترار‭ ‬الكليشيهات‭. ‬يصنع‭ ‬التلفزيون‭ ‬نجوما‭ ‬مطليّين‭ ‬ببريق‭ ‬مزيّف‭. ‬ويصبحون‭ ‬بمجرّد‭ ‬الظهور‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬الكبيرة‭ ‬قادة‭ ‬رأي‭. ‬يُمكن‭ ‬لمُهرّج‭ ‬صغير‭ ‬فارغ‭ ‬ثقافيّا‭ ‬أن‭ ‬يُدلي‭ ‬بدلوه‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬وأن‭ ‬يُؤثّر‭ ‬في‭ ‬المتلقّي‭ ‬ويُعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬مواقفه‭ ‬أو‭ ‬ترسيخ‭ ‬قناعاته‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬أحكام‭ ‬أخلاقويّة‭. ‬نلاحظ‭ ‬أنّ‭ ‬أغلب‭ ‬السكاتشات‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬الفرجويّة‭ ‬على‭ ‬القنوات‭ ‬الخاصّة‭ ‬تحتفي‭ ‬بالميزوجينيّة‭ ‬وتُطبّع‭ ‬مع‭ ‬العنف‭. ‬ودائما‭ ‬ما‭ ‬تُصوّر‭ ‬النساء‭ ‬غيورات،‭ ‬ساذجات،‭ ‬ضعيفات،‭ ‬لا‭ ‬يُتقنّ‭ ‬غير‭ ‬‮«‬الزخرفة‭ ‬الخاملة‭ ‬لأجسادهنّ‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يُصوّر‭ ‬الرجال‭ ‬أذكياء،‭ ‬وأقوياء‭ ‬وخفيفي‭ ‬الرّوح‭. ‬أمّا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مثليّي‭ ‬الجنس‭ ‬وذوي‭ ‬الميول‭ ‬الجنسيّة‭ ‬المُختلفة‭ ‬فصورتهم‭ ‬واحدة‭: ‬رجل‭ ‬بلحية‭ ‬وشعر‭ ‬كثيف‭ ‬عند‭ ‬الصدر،‭ ‬يتمايل،‭ ‬يهزّ‭ ‬خصره،‭ ‬رخو،‭ ‬طريّ،‭ ‬يُحرّك‭ ‬رموشه‭ ‬باستمرار،‭ ‬يهز‭ ‬حاجبيه،‭ ‬يُحرّك‭ ‬يديه‭ ‬وكأنه‭ ‬يرقص،‭ ‬ويتكلّم‭ ‬بصوت‭ ‬بلاستيكيّ‭. ‬ومثلما‭ ‬أشرنا‭ ‬سابقا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬فقط‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬القتل‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬وإنّما‭ ‬يشمل‭ ‬التحقير‭ ‬والوصم‭ ‬والتهّكم،‭ ‬وعليه‭ ‬فإنّ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السكاتشات‭ ‬التي‭ ‬تُضحك‭ ‬الجمهور‭ ‬العريض‭ ‬تعدّ‭ ‬مضخّات‭ ‬للكراهية‭ ‬والنبذ‭. ‬قُمنا‭ ‬بكتابة‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬مثلية‮»‬‭ ‬على‭ ‬محرّك‭ ‬بحث‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬الصدى‮»‬‭. ‬يكفي‭ ‬قراءة‭ ‬العناوين‭ ‬لنفهم‭ ‬أنّ‭ ‬المقالات‭ ‬تحريضيّة‭ ‬وغير‭ ‬موضوعيّة‭. ‬العناوين‭ ‬وحدها‭ ‬تعيد‭ ‬تكرار‭ ‬نفس‭ ‬الكلمات‭ ‬‮«‬عبدة‭ ‬الشياطين‮»‬،‭ ‬‮«‬فساد‭ ‬أخلاقي‮»‬،‭ ‬‮«‬شذوذ‭ ‬جنسيّ‮»‬،‭ ‬‮«‬أهل‭ ‬الباطل‮»‬،‭ ‬‮«‬لواط‮»‬‭. ‬وعند‭ ‬التمعّن‭ ‬في‭ ‬محتوى‭ ‬المقالات‭ ‬نجدها‭ ‬غير‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬حجج‭ ‬عقلانيّة‭ ‬واستدلالات‭ ‬منطقيّة‭ ‬فجميعها‭ ‬يجترّ‭ ‬نفس‭ ‬الجمل‭ ‬والعبارات‭ ‬بأسلوب‭ ‬تجييشيّ‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬جزء‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬المتصدّي‭ ‬لشرع‭ ‬الله‭ ‬يريد‭ ‬اعتناق‭ ‬ملّة‭ ‬الشذوذ‭ ‬الأخلاقيّ‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬مقياس‭ ‬المواطنة‭ ‬والانتماء‭ ‬والولاء‭ ‬عند‭ ‬أهل‭ ‬الباطل‭ ‬هو‭ ‬الالتزام‭ ‬بمنهجهم‭ ‬الفاسد‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬‮«‬المُخزية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تروّج‭ ‬لها‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬تعزل‭ ‬ذوي‭ ‬الميول‭ ‬الجنسيّة‭ ‬المختلفة‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬وتخنقهم‭. ‬يعتبر‭ ‬كرس‭ ‬شلانج،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬أساتذة‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الإنجليز‭ ‬المهتمّين‭ ‬بسؤال‭ ‬الجسد،‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬‮«‬يواجه‭ ‬مشاكل‭ ‬في‭ ‬التفاعل‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬مع‭ ‬‮«‬العاديّين‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تترتّب‭ ‬عليها‭ ‬نتائج‭ ‬مُدمّرة‭ ‬للهويّة‭ ‬الذاتيّة‭. ‬إذا‭ ‬حاول‭ ‬الموصوم‭ ‬بالعار‭ ‬أن‭ ‬يُصبح‭ ‬‮«‬عاديّا‮»‬‭ ‬فإنّه‭ ‬يُخاطر‭ ‬باكتشاف‭ ‬تعارض‭ ‬بين‭ ‬الهويّة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬الافتراضيّة‭ ‬والهوية‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬الواقعيّة،‭ ‬قد‭ ‬تؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬إفساد‭ ‬هويّته‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬وعزله‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬وعن‭ ‬نفسه‭ ‬بحيث‭ ‬يُصبح‭ ‬وحيدا‭ ‬بوصفه‭ ‬شخصا‭ ‬مُدانا‭ ‬يواجه‭ ‬عالما‭ ‬يرغب‭ ‬عنه‮»‬‭. ‬كيف‭ ‬يُمكن‭ ‬للنساء‭ ‬والأقليّات‭ ‬الجنسيّة‭ ‬والجندريّة‭ ‬أن‭ ‬تستعيد‭ ‬أجسادها،‭ ‬المُحمّلة‭ ‬بأعباء‭ ‬وأثقال‭ ‬لا‭ ‬تُطاق،‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المُهيمنة‭ ‬التي‭ ‬تُحدث‭ ‬تأثيرا‭ ‬كبيرا‭ ‬ومعمّقا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأجساد‭ ‬بالترويج‭ ‬لخطابات‭ ‬الكراهية‭. ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬التنديدات‭ ‬الفايسبوكيّة‭ ‬لتغيير‭ ‬الواقع‭ ‬والتصدّي‭ ‬للتحريض‭ ‬الممنهج‭ ‬ضدّ‭ ‬‮«‬المنبوذين‮»‬‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬عرقهم‭ ‬أو‭ ‬دينهم‭ ‬أو‭ ‬طبقتهم‭ ‬أو‭ ‬جنسهم‭ ‬أو‭ ‬ميولهم‭ ‬الجنسية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يُعدّ‭ ‬قرار‭ ‬الهايكا‭ ‬بتاريخ‭ ‬28‭ ‬مارس‭ ‬2019‭ ‬قرارا‭ ‬نوعيّا‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الحريّات‭ ‬الفرديّة‭. ‬حيث‭ ‬قرّر‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬تسليط‭ ‬خطيّة‭ ‬ماليّة‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬التاسعة‮»‬‭ ‬قدرها‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬وإيقاف‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬MAG‭ ‬9‮»‬‭ ‬لمدّة‭ ‬شهر‭ ‬واعتبار‭ ‬القناة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عَود‭ (‬أي‭ ‬تكرار‭ ‬للجريمة‭)‬،‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬تضمّنته‭ ‬حلقة‭ ‬9‭ ‬مارس‭ ‬2019‭ ‬من‭ ‬خروقات‭ ‬وذلك‭ ‬بتعمّد‭ ‬مقدّمة‭ ‬البرنامج‭ ‬توجيه‭ ‬أسئلة‭ ‬تتعلّق‭ ‬بمسائل‭ ‬تهمّ‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصّة‭ ‬لضيفتها‭ ‬الفنّانة‭ ‬منى‭ ‬الغربي‭ ‬بشكل‭ ‬يمسّ‭ ‬من‭ ‬كرامتها‭ ‬ودون‭ ‬مراعاة‭ ‬حالتها‭ ‬النفسيّة،‭ ‬وتعمّدها‭ ‬إطلاق‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأحكام‭ ‬الأخلاقويّة‭ ‬على‭ ‬شكلها‭ ‬وطريقة‭ ‬لباسها‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬شكلك‭ ‬غريب‭ ‬ومن‭ ‬يراك‭ ‬يقول‭ ‬بأنّك‭ ‬رجل‭ ‬وهذا‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭. ‬التشبّه‭ ‬بالرجال‭ ‬أو‭ ‬النساء‭ ‬حرام‭. ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتعرّفوا‭ ‬على‭ ‬فنّك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭ ‬السرّ‭ ‬وراء‭ ‬شكلك،‭ ‬هل‭ ‬تعرّضتي‭ ‬إلى‭ ‬اعتداء‭ ‬جنسيّ‭ ‬وأنت‭ ‬طفلة؟‮»‬‭. ‬من‭ ‬شأن‭ ‬هذه‭ ‬الأحكام،‭ ‬حسب‭ ‬نصّ‭ ‬القرار،‭ ‬أن‭ ‬تؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬التمييز‭ ‬ضدّها‭ ‬أو‭ ‬تعريضها‭ ‬للوصم،‭ ‬فضلا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تفرضه‭ ‬أخلاقيّات‭ ‬المهنة‭ ‬الصحفيّة‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬احترام‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصّة‭ ‬للضيوف‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬القرارات‭ ‬النوعيّة‭ ‬الأخرى‭ ‬للهايكا،‭ ‬قرار‭ ‬وقف‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬مع‭ ‬علاء‮»‬‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬الحوار‭ ‬التونسي‮»‬‭ ‬لمدّة‭ ‬شهرين‭. ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬استجابة‭ ‬لعريضة‭ ‬أطلقتها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المواطنات‭ ‬والمواطنين‭ ‬وأمضاها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1500‭ ‬شخص،‭ ‬ضدّ‭ ‬تطبيع‭ ‬مقدّم‭ ‬البرامج‭ ‬علاء‭ ‬الشابي‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬المسلّط‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬خطورته‭. ‬حيث‭ ‬استهان‭ ‬الشابي‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬22‭ ‬مارس‭ ‬2019‭ ‬بما‭ ‬تعرّضت‭ ‬له‭ ‬ضيفته‭ ‬من‭ ‬تحرّش‭ ‬جنسيّ‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬والدها‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬علاء‭ ‬الشابي‭ ‬الدفاع‭ ‬عنه‭ ‬واعتبار‭ ‬أفعاله‭ ‬الجنسيّة‭ ‬الفاضحة‭ ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬التحرّش‭. ‬اعتبرت‭ ‬الهيئة‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬البرنامج‭ ‬المذكور‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬مقلّلة‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬التحرّش‭ ‬الجنسيّ‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ومبرّرة‭ ‬للعنف‭ ‬المسلّط‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬الفصل‭ ‬46‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬الجمهوريّة‭ ‬التونسيّة‭ ‬المؤرّخ‭ ‬في‭ ‬27‭ ‬جانفي‭ ‬2014‭ ‬والذي‭ ‬يؤكّد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التزام‭ ‬الدولة‭ ‬بحماية‭ ‬الحقوق‭ ‬المكتسبة‭ ‬للمرأة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬دعمها‭ ‬وتطويرها‭ ‬واتخاذ‭ ‬التدابير‭ ‬الكفيلة‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضدّ‭ ‬النساء‭. ‬كما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬الفصل‭ ‬11‭ ‬فقرة‭ ‬02‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الأساسيّ‭ ‬عدد‭ ‬58‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬المؤرّخ‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬أوت‭ ‬2017‭ ‬والمتعلّق‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضدّ‭ ‬المرأة‭ ‬والذي‭ ‬يؤكّد‭ ‬أنّه‭: ‬‮«‬تتولّى‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العموميّة‭ ‬والخاصّة‭ ‬التوعية‭ ‬بمخاطر‭ ‬العنف‭ ‬ضدّ‭ ‬المرأة‭ ‬وأساليب‭ ‬مناهضته‭ ‬والوقاية‭ ‬منه‭. ‬وتحرص‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الإعلاميّ‭ ‬على‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬المسلّط‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬احترام‭ ‬أخلاقيّات‭ ‬المهنة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمساواة‭ ‬ويُمنع‭ ‬الإشهار‭ ‬وبثّ‭ ‬المواد‭ ‬الإعلاميّة‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬صور‭ ‬نمطيّة‭ ‬أو‭ ‬مشاهد‭ ‬أو‭ ‬أقوال‭ ‬أو‭ ‬أفعال‭ ‬مسيئة‭ ‬لصورة‭ ‬المرأة‭ ‬أو‭ ‬المُكرّسة‭ ‬للعنف‭ ‬المسلّط‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬المُقلّلة‭ ‬من‭ ‬خطورته‭ ‬وذلك‭ ‬بكلّ‭ ‬الوسائل‭ ‬والوسائط‭ ‬الإعلاميّة‭. ‬وعلى‭ ‬هيئة‭ ‬الاتّصال‭ ‬السمعي‭ ‬والبصريّ‭ ‬اتّخاذ‭ ‬التدابير‭ ‬والعقوبات‭ ‬المستوجبة‭ ‬حسب‭ ‬القانون‭ ‬للتصدّي‭ ‬للتجاوزات‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬بالفقرة‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‮»‬‭. ‬

خاتمة

يبدو‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬القرارات،‭ ‬وعلى‭ ‬أهميّتها،‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬للتصدّي‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬المُتصاعد‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬خاصّة‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬تقرير‭ ‬لجنة‭ ‬الحريّات‭ ‬الفرديّة‭ ‬والمساواة‭ ‬في‭ ‬جوان‭ ‬2018‭ ‬والذي‭ ‬تجنّدت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لمحاربته‭ ‬وبث‭ ‬أفكار‭ ‬مغلوطة‭ ‬حول‭ ‬مضامينه‭. ‬لو‭ ‬اكتفينا‭ ‬بتدخّل‭ ‬الهايكا‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬السمعي‭ ‬البصريّ‭ ‬وصرنا‭ ‬من‭ ‬القوم‭ ‬‮«‬القانعين‭ ‬الصابرين‮»‬،‭ ‬فماذا‭ ‬بشأن‭ ‬الإعلام‭ ‬الإلكترونيّ‭ ‬والورقيّ؟‭ ‬تقارير‭ ‬منظمّات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدنيّ‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬للفت‭ ‬الانتباه‭ ‬والإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الإخلالات‭ ‬والخروقات‭ ‬بإصبع‭ ‬واثق‭ ‬ولكنّها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬سلطة‭ ‬التدخل‭ ‬والردع‭. ‬ماذا‭ ‬بشأن‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونيّة‭ ‬ونحن‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬عالقون‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬عنكبوتيّة‭ ‬تضخّ‭ ‬الكره‭ ‬والعنف‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬قانون‭ ‬يُعاقب‭ ‬من‭ ‬يُحرضّ‭ ‬عليه‭. ‬ظلّ‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونيّة‭ ‬مرميّا‭ ‬على‭ ‬الأرفف‭ ‬وحتى‭ ‬النسخة‭ ‬الوحيدة‭ ‬منه‭ ‬والتي‭ ‬نشرها‭ ‬موقع‭ ‬نواة‭ ‬سنة‭ ‬2015‭ ‬لا‭ ‬تشير‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭. ‬نحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬يتصدّى‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬ولكنّنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬وحريّة‭ ‬التعبير،‭ ‬إذ‭ ‬يُمكن‭ ‬اعتماد‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬كحجّة‭ ‬للتضيق‭ ‬والقمع‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬فئة‭ ‬معيّنة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬فوق‭ ‬النقد‭ ‬والمساءلة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬بالفعل‭ ‬مع‭ ‬قوانين‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬توظّف‭ ‬لتجريم‭ ‬ناقدي‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيونيّ‭. ‬العمل‭ ‬على‭ ‬التصدّي‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬القوانين‭ ‬والإجراءات،‭ ‬وإنّما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬كيف‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬إعلام‭ ‬يحترم‭ ‬الحريّات‭ ‬ويفكّر‭ ‬قليلا‭ ‬قبل‭ ‬اجترار‭ ‬الأخبار‭ ‬والمغالطات،‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬تصنع‭ ‬المفاهيم‭ ‬المزيّفة‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬اجتماع‭ ‬التحرير،‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬صحفيّين‭ ‬وصحفيّات‭ ‬يعانون‭ ‬بسبب‭ ‬ظروفهم‭ ‬الماديّة،‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬زمن‭ ‬‮«‬المُثقّفين‭ ‬المغالطين‮»‬‭ ‬و»الدجّالين‮»‬‭ ‬و»المُهرّجين‮»‬‭. ‬يتغذّى‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬معاجم‭ ‬الحقد‭ ‬والكراهية‭ ‬تجاه‭ ‬الآخر‭. ‬نحن‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬أبديّة‭ ‬ضدّ‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬نحمل‭ ‬صورا‭ ‬مشوّهة‭ ‬عنه‭. ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬قابل‭ ‬للقولبة‭ ‬والتنميط،‭ ‬وخطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلاّ‭ ‬إحدى‭ ‬إفرازات‭ ‬نظام‭ ‬سلطويّ‭ ‬له‭ ‬أذرع‭ ‬وآلات‭ ‬ضخمة‭ ‬تريد‭ ‬خلق‭ ‬نسخ‭ ‬متشابهة‭ ‬تسير‭ ‬كالقطعان،‭ ‬تأكل‭ ‬وتفكّر،‭ ‬وتتكلم،‭ ‬وتجلس،‭ ‬وتحلم‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *