أحمد الفيتوري (مواليد 1955) كاتب وروائي وصاحب ورئيس تحرير أسبوعية «الميادين» التي صدرت بين مايو/ماي 2011 وسبتمبر 2014 في بنغازي يُقيم حاليًا بالقاهرة. ويُسهم بمقال دوري في جريدة وموقع «الوسط» الليبيين. وكان سجين رأي لنحو عشر سنوات زمن العقيد مُعمر القذافي بين 1978 و1988 وخرج ليؤسس العديد من التجارب في الصحافة الثقافية بليبيا. وفي هذا الحوار ـ الذي أجري خصيصًا لورقة منتدى «دعم» في يوليو/جويليه 2019 ـ إطلالة على رؤيته لواقع الإعلام ببلاده بعد الثورة وحيث يتردد إلى حينه على مدنها.
كيف ترى الإطار التشريعي لتحولات الإعلام بليبيا بعد ثورة 17 فبراير/فيفري؟
لم تصدر إلى الآن أي قوانين جديدة تخص الصحافة والإعلام في ليبيا. فقط تم تفعيل قوانين كانت معطلة أيام القذافي، وهي تُتيح حُرية الإصدار الصحفي. كما لم أسمع أو أعرف بأي تراتيب مُهمة ومُؤثرة في تنظيم الأوضاع الإعلامية بعد الثورة.
ما تقييمكم لما لحق بالإعلام الرسمي.. وهل جرت محاولات للانتقال إلى إعلام عمومي؟
الإعلام الرسمي تحرر في أعقاب الثورة مباشرة بشكل تلقائي مع انهيار سُلطة القذافي. لكن في المحصلة جرى تثبيت الأمور على ما هي عليه. بقي إعلام دولة يتبع السلطة الانتقالية المؤقتة. وربما المستجد هو أنك تستطيع إصدار صحيفة كما جرى السماح بإطلاق الإذاعات عبر تأويل قانون الصحافة. وبالنسبة للمطبوعات الصحفية صدر حوالي 365 عنوانًا جديدًا بين عامي 2011 و2012.
هل جرى أي تحوُّل في علاقة سُلطة الدولة بالإعلام الرسمي؟
حدث نقاش بالفعل حول تحول الإعلام الرسمي إلى إعلام عمومي لكن لم يرق إلى إحداث نتائج عملية. وبالطبع حدث حراك داخل المؤسسات الإعلامية الرسمية لمناقشة تحولها إلى إعلام عمومي. وطرأ نوع من الانفتاح على أداء الإذاعات على سبيل المثال. وتقريبًا ما جرى أن هذه المؤسسات تحررت في البداية ذاتيًا وبشكل عشوائي نظرًا لتآكل سلطة الدولة وتفكك علاقة المؤسسات الإعلامية هذه مع السلطات المؤقته قبل أن تعود إلى علاقة تبعية ما.
هل تُطلعنا على تجربة أسبوعية «الميادين» كنموذج لما جرى على الساحة الصحفية بعد الثورة؟
كانت «الميادين» توزَّع في كل أنحاء ليبيا. تصدر في بنغازي ويجرى نقل نسخها بالطيران وبالسيارات حين وحيث تضطرب حركة النقل الجوي. نرسل للموزعين بالمدن الرئيسية ومنها إلى مدن أقل أهمية وقرى. وأقصى توزيع حققته الصحيفة هو عشرة آلاف نسخة. وهو رقم جيد بالنسبة لأسبوعية. ولم يكن لدينا أعباء مالية كبيرة. فمعظم العمل تطوعي. حقًا لم نكن نخسر. وساعدتنا اشتراكات مدفوعة مقدمًا على الاستمرار. كان لدينا حوالي ألف اشتراك كما لم تكن مصاريف الطباعة عبئًا. فمالك المطبعة كان بالأصل متساهلًا معنا.
ما أفضل رقم حققه توزيع الصحف الليبية بعد الثورة؟
أقصى توزيع للصحف الليبية حققته صحيفة «ليبيا» الصادرة عن وزارة الإعلام والثقافة وهو 20 ألف نسخة يوميًا. لكنها توزَّع بالأساس على مؤسسات الدولة، بينما نحن في «الميادين» كنا نصل إلى الناس مباشرة ونوزِّع في القرى كما وصلنا إلى القارئ الليبي في تونس.
هل كان هناك سوق للإعلانات وكان لكم حصة منها؟
بعض المؤسسات دعمتنا بالإعلانات نظرًا لنجاح الصحيفة.
كيف كانت الخطوط الحمراء أمام «الميادين»؟
لم نشعر بخطوط حمراء إلا سلطة الشارع.
لماذا توقفت «الميادين» إذن على الرغم مما تتحدث عنه من نجاح؟
أوقفت الجريدة في 2014 لأن السائق الموزع الذي ينقل نسخها تم الاعتداء عليه في مصراته.
كيف تقيِّم بصفة عامة دور الإعلام بليبيا بعد الثورة بشأن الانتقال إلى الديمقراطية؟
من قبل البلد لم يكن بها إعلام بالمعني الحقيقي. كانت دعاية ومنشورات ولم يكن لدينا صحافة. ولذا عندما انفتحت الأوضاع في البلاد على مصراعيها ظهر المهني بقوة وغير المهني بقوة. وأتذكر أن استطلاعًا مبكرًا لـ(بي بي سي) البريطانية اعتبر أن ليبيا قطعت شوطًا كبيرًا على طريق حُرية الصحافة. وهذا لأننا بالفعل بدأنا من الصفر. بالطبع كانت وستظل هناك أخطاء في ممارسة الإعلام. هي أخطاء المبتدئين. لكن الصورة في عمومها أننا شهدنا تطورًا إيجابيًا في حُرية الإعلام ومع الانتخابات.
هل استطاع الإعلاميون في ليبيا تطوير آليات للتعديل الذاتي ومن أجل المهنية؟
أنا كنت ضد وضع ميثاق شرف صحفي في ليبيا. وهذا لأن القوى المتغلبة كانت من المحافظين والإسلاميين. وقلت ليكن في البداية عندنا مهنة أولًا ثم لاحقًا نضع لها ميثاقًا. ولا داعي لتكبيل الصحافة بالقيود مبكرًا.
ثمة تصور مفاده أن ليبيا لا تعرف اليوم وسيلة إعلام تعمل على مستوى قومي وتغطي البلاد كاملة بسبب الاقتتال والانقسام.. ما رأيكم؟
لدينا قناة تليفزيون 218 المدعومة من الإمارات على الأرجح. وهي لها مراسلون في كل أنحاء ليبيا وبشكل مذهل وهم يتابعون الأخبار المحلية حتى على مستوى القرى. وهذا أمر لم يحدث من قبل في تاريخ ليبيا. هنا ساعدت التقنيات الإلكترونية في التغلب على الانقسام، وكذا على طبيعة ليبيا كبلد مترامي الأطراف. لكن حقًا لا توجد صحيفة ورقية قومية الآن في ليبيا. فالصحف القومية ماتت. ولا يوجد اليوم جريدة رقم 1 في ليبيا بسبب الأوضاع الأمنية.
هل الإذاعات أصبحت الأهم بين وسائل الإعلام في ليبيا؟
لا.. أنا شخصيًا أرى أن التليفزيون هو رقم 1 و2 و3 ثم تأتي السوشيال ميديا وبعدها الإذاعات. والإذاعة الوطنية الليبية لم تستطع أن تطور من نفسها وتجتذب جمهورًا. وأعتقد أن الإذاعات الخاصة هزمتها. وعلينا أن ننظر إلى أبعد من السياسي هنا. فقد أصبح في ليبيا تليفزيونات وإذاعات معنية بالأساس بالاجتماعي والثقافي والفني. وهذا ما يجتذب عموم الليبيين متجاوزًا الانقسامات السياسية والتي تعكس نفسها في النشرات ومادة الرأي السياسي. هنا تطور مهم طرأ على الإعلام في ليبيا.
كيف ترى أبرز الملامح العامة في المشهد الإعلامي الجديد بليبيا؟
أولًا ألاحظ أن معظم العاملين حاليًا في الإعلام الليبي من الشباب وحتى ممن يشغلون المناصب القيادية في العديد من الوسائل. وثانيًا هناك تطور يجرى على صعيد المهنة مع تكثيف التدريب ونقل الخبرات. كان لدينا وقبل الثورة كلية إعلام في بنيغازي وأضيفت إليها أخرى في طرابلس زمن القذافي أيضًا. لكن التطور الجاري حاليًا هو نتيجة الدورات التدريبية وبإسهام منظمات إقليمية ودولية. والملمح الثالث يتلخص في أنه عندما تكون ممنوعًا من الكلام وبلا صوت فإنك أول ما تتحدث ستتكلم بصوت مرتفع عال. بالطبع كنا ممنوعين من الكلام فمن الطبيعي أن نبدأ بالصراخ. ويجب أن نتفهم هذا بالنسبة لليبيين. ولكن بالطبع هناك من يتعمد أن يستمر خطاب الكراهية ومن بينهم الإخوان المسلمون. هو بالفعل خطاب موجود عندنا، لكني لا أراه متغلبًا. وهو في انحسار، ولم تعد الناس تهتم به. وعلينا أن ندرك مغزي أن الإسلاميين خسروا بشكل عام الانتخابات الثلاثة في ليبيا بين 2011 و 2012.
ما وضع التنظيم النقابي للصحفيين والإعلاميين في ليبيا بعد الثورة؟
بالفعل نشأت تنظيمات نقابية متعددة. لكنها ظلت ضعيفة ومشتتة نتيجة للأزمة السياسية والاحتراب الأهلي.