

عقب موجة ثورات الربيع العربي في مطلع عام 2011 والتي نادت في مطالبها الأساسية الأولى صارخةً بحق التعبير للمواطنين في مسائل وشؤون دولهم دون سلطة رادعة أو قوة قاهرة تحد من حُريتهم – ظهر مفهوم الخطاب الكريه أو خطاب الكراهية على السطح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والذي حمل معه تغيرات في العديد من المفاهيم التحريضية speech Hate المستخدمة سواء على أرض الواقع أو على وسائل الإعلام التقليدية ومواقع التواصل الاجتماعي.
خطاب الكراهية إلى اليوم لا يوجد له تعريف محدد ومادي تتفق عليه جميع دول العالم, حيث إن بعض التعريفات له تساهم في ضبابية المعرفة والوصول إلى ماهية هذا المصطلح أكثر من توضيحه. فحسب معجم كامبريدج والذي يُعرِّف خطاب الكراهية أنه خطاب عام يوجه تعبيرات كره أو تحريض للعنف تُجاه شخص أو مجموعة بناء على العرق، اللون، الدين، الهوية الجنسية… إلخ. يذهب وينشتاين إلى وصف خطاب الكراهية بـ(الشيطاني) وفي ذات الوقت يصف أن إقرار قوانين خاصة لمنع خطاب الكراهية يحُول دون تعبير الناس على آرائهم تُجاه شخصية أو حدث معين.
ومن هذا المنطلق وإلى يومنا هذا يُصبح خطاب الكراهية مُصطلحًا قيد المناظرات والجدالات حول العالم وفي أمريكا خصيصًا بعد التعديل الأول والذي يحظر القوانين التي تحد من حُرية التعبير أو تُعيق حُرية الصحافة، وبالتالي مكّن من خلاله خطاب الكراهية أن يكون جزءًا من حُرية التعبير ما لم تؤد تلك التعبيرات أو المصطلحات إلى أفعال أو سلوكيات إجرامية. في ليبيا ودول المنطقة الأمر يختلف تمامًا عن دول العالم الأول وما بعد البحر المتوسط حيث يُعتبر خطاب الكراهية هو الوسيلة الأولى التي تستخدمها العديد من وسائل الإعلام المحلية والإقليمية وذلك عن طريق الترويج العلني لبعض الفئات المدنية أو العسكرية، محاولة الرفع من شأن شخصيات سياسية أو مجتمعية معينة على حساب جهات أخرى، كذلك استخدام مصطلحات هجومية تنعت بها بعض الأفراد أو المجموعات والكيانات. حيث تتعدد أساليب خطاب الكراهية واللغة التحريضية على وسائل الإعلام الليبية فمنها:
الخطاب الإذاعي أو المسموع المباشر: وهو الخطاب الذي يوجه فيه المذيع أو مقدم البرنامج لدى جهة إذاعية معينة خطابًا هجوميًا لفئة محددة لأسباب قومجية أو أيديولوجية أو جهوية مثل قيام مذيع قناة ليبيا الحدث زكريا البوهالي بتهديد متصل على الهواء مباشرة بأنه مستهدف بمجرد دخول قوات المارشال خليفة حفتر إلى طرابلس, وهذا يعتبر تجاوزًا إعلاميًا جسيمًا.
الخطاب الإذاعي أو المسموع الشامل: وهو الخطاب الذي يوجه فيه المتحدث كلمات أو جمل تعميمية لشعوب معينة أو دول بأسرها مثل الخطاب الإعلامي الذي يوجه تجاه دولة قطر والسعودية والإمارات وتركيا ومصر وأمريكا.
الخطاب الإذاعي أو المسموع الفردي: وهو الخطاب الذي يوجه ضد شخصية معينة سواء أكانت سياسية أو دينية أو عامة أو رياضية’ إلخ. مثل: الخطاب التحريضي ضد المفتي الشيخ الصادق الغرياني، رئيس المؤتمر الوطني السابق محمد المقريف رئيس الوزراء الحالي فائز السراج, والمارشال خليفة حفتر… إلخ.
تعد وسائل الإعلام في ليبيا منصات جهورة تقدم محتوى غير دقيق نسبيًا في العديد من المواقف فهناك ما يعتمد في مصادره على صفحات فيسبوكية مؤدلجة وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي غير مؤهلة للخدمة الصحفية، كما أن لبعض قنوات التليفزيون الليبي سطوة على حق العرض والبث لبعض المواد المعدة من قبل أفراد أو جهات كسرقة بعض الفيديوهات واستخدامها ضمن المادة المعروضة للقناة، فتكون بالتالي هذه المنصات الإذاعية مصادر غير موثوقة وهذا ما يتعارض مع دقة ومهنية الإعلام الحُر والنزيه.
وما بين الأساليب المتعددة للغة التحريضية على وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي يوجد صيغات متنوعة مثل Defamatory Campiagns ساهمت في غنى وإثراء هذا المحتوى ومن بين هذه الصيغات أو النماذج: حملات التشهير نشر صور أو فيديوهات أو تسجيلات خاصة كحادثة نشر صور لرئيس الوزراء السابق علي زيدان، والتشهير برئيس المؤتمر الوطني السابق نوري أبوسهمين، حيث يحدث هذا ضمن الإخلال بأساسيات المهنة والأخلاق الصحفية. كذلك الهجوم الإلكتروني أو الإعلامي المنظم مثل التغطيات المباشرة أو الأوسام مثل البرنامج الأسبوعي الذي يبث على قناة ليبيا الأحرار والذي يستضيف السيد\ نعمان بن عثمان، رئيس مؤسسة كويليام الدولية والذي يستمر بثه على مدار شبه أسبوعي لمدة تتجاوز الأربع ساعات على الهواء مباشرة، حيث يطلق فيها الضيف عبارات السب والشتم والسخرية من العديد من الأفراد والشخصيات الليبية والدولية لعبت دورًا كبيرًا في تداول خطاب الكراهية كالتهديد الخاص أو الموجه العامة. كما أن المساومة أو المقايضة بنشر معلومات سرية أو شخصية متعلقة بفرد أو فئة ما Compromisation.
153 اخلال يومي على القنوات التلفزية الليبية سنة 2017
(مغالطات مهنية في تغطية الأحداث المباشرة، عبارات عنف وتحريض مباشرة)

إخلالات مهنية بنسبة
41%
من المحتوى المقدم

إخلالات مهنية بنسبة
17%
من المحتوى المقدم
وبيد أن الإعلام الليبي في العديد من المرات أصبح شريكًا استراتيجيًا في التحريض وتأجيج النزاع القائم اليوم في ليبيا هو أيضًا ساهم في تمكين وخلق نزاعات جديدة من خلال تسلطيه الضوء على أحداث غائبة أو غير صحيحة سواء في المبالغة بعدد ضحايا أحداث معينة أو تبريرات العنف المستمرة من خلال إظهار بطولية أطراف معينة وشيطنة أطراف أخرى وهذا ما يتعارض بشكل مباشر مع أساسيات الإعلام التقليدي أو الرقمي.
في المقابل يؤمن العديد من الصحفيين بأن حُرية التعبير لا يمكن أن تُقيد بمصطلحات كخطاب الكراهية أو لُغة التحريض والعنف فهذا يُعيق إبداء الرأي العام والخاص حول قضايا أو مشاكل معينة وهذا ما عرفه الكثير منهم على أنه انتقاد موضوعي للعديد من الحوادث وقضايا الرأي العام وبالتالي ساهمت حُرية التعبير في معالجة هذه القضايا وكشف جوانب الفساد فيها.
كما لا يمكن غض النظر على محاولات التهديد الصريحة والتي يوجه فيها مقدمو البرامج عبارات تهاجم الشخص بعينه ومنعه من إبداء رأيه على الهواء مباشرة سواء بقفل الاتصال أو محاولة مقاطعته عمدًا، وهذا ينافي حق المواطن في التعبير عبر وسائل الصحافة والإذاعة المرئية والمسموعة، ويعكس مدى دوغمائية الإعلام الموجه من قبل جهات غير حيادية أو أموال ما وراء الحدود والبحار. فوفقًا لآخر تقرير لسنة 2017 الصادر عن المركز الليبي لحُرية الصحافة أن هناك ما يقارب على 153 إخلالًا يوميًا على القنوات التليفزيونية الليبية والتي تنوعت ما بين مغالطات مهنية في تغطية الأحداث المباشرة، عبارات عنف وتحريض مباشرة، حيث تصدر قناة التناصح قائمة القنوات ذات الإخلالات المهنية بنسبة 41% من المحتوى المقدم والذي يعج بمصطلحات الوصم والتنميط ونشر صور للقتلى وعائلاتهم وهذا يُعتبر انتهاكًا صارخًا لحق الإنسان في موافقته لنشر الصور من عدمها، كما أن الدور السلبي الذي لعبه المفتي الصادق الغرياني من خلال برنامجه الذي يبث على قناة التناصح كان له أثر كبير في تأجيج الصراع على الأرض بحجة دينية أو فتوى فردية ساهمت في انضمام أفواج من الشباب إلى المجموعات المسلحة وساحات الحرب.
أما قناة الحدث تأتي في المرتبة التانية والتي رصدت إخلالاتها بنسبة تجاوزت 17% حيث بثت تصريحات لبعض الأسرى والمقاتلين عبر شاشتها، كذلك صورًا لبعض القتلى ووصفها بأشد العبارات اللإنسانية كالتحقير والوصم والاستهزاء، وفي المرتبة الثالتة تأتي قناة ليبيا الإخبارية والتي أطلقت وابلًا من عبارات التهديد بالاعتقال التعسفي والقتل العمد وهذا يُعتبر جريمة جنائية وضد الإنسانية.
من خلال هذا التقرير والذي يكشف لنا مدى تعصب وسائل الإعلام تجاه مموليها والأيديولوجيات التي تتبناها من خلال ذلك، حيث تُعتبر هذه القنوات المساهم الرئيسي في قيام حروب أو نزاعات على الأرض كانت لن تقوم في ظل عدم وجود هذه القنوات.
وفي كل الحالات التي ذُكرت أعلاه هي حالات تنافي حُرية التعبير مضمونًا واصطلاحًا, فهذا النوع من اللغة يُرخّص للمقاتلين على الأرض ارتكاب الجرائم والانتهاكات باسم الدين أو القبيلة أو الجهة التي يتبعها، هنا تقف حُرية التعبير عند مفترق طرق يصعب على الكثيرين وصفه أو تفسيره، فما تعتقده يندرج تحت حُرية التعبير شخص آخر قد يعتبره منافٍ لذلك والعكس أيضًا.
أما من منعرج آخر والذي بادر فيه أحد المذيعين بذكر أسماء وألقاب أفراد يعتبرهم أعداء للقيادة العامة للقوات المسلحة في المنطقة الشرقية ويُحرض على قتلهم على الهواء مباشرة واستهداف عائلاتهم وأطفالهم والأشخاص الموالين لهم اعتبر أيضًا لغة تحريضية موجهة بشكل مباشر ومُعلنة على تحشيد شعبي ضدهم، كما أن الأوصاف المتبوعة لهؤلاء الأشخاص هي أوصاف تجرد من إنسانيتهم ككلمة عبيد ومُرتزقة وأيضًا أوصاف الحيوانات كالجرذان والفئران’ إلخ. حيث إن التناول البخس لقضايا حساسة من قبل إعلاميين ليبيين عن طريق ذكر أسماء بعض القبائل والأسر بعينها يُشكل تهديدًا صارخًا للنسيج الاجتماعي المهترئ بسبب الحروب الإعلامية الفائتة والقائمة حاليًا، حيث تورط إعلامييون كثيرون في معمعة الأدلجة والتسيس المدفوع مسبقًا من قبل جهات ودويلات تتدخل بشكل علني وصريح في الشأن الليبي الداخلي.

حيث إن التجاوزات التي قام عليها الإعلام الليبي هي مجموعة تراكمات ثقافية ناتجة عن أفكار هشة وغير موضوعية، فهذه الأفكار الهشة خلقت حزمة من النمطيات تُجاه الاختلافات السياسية أو الأيديولوجية أو الفكرية، فبمجرد التيقن بمجابهة هذا الاختلاف عن طريق الميديا الحرة في هذا الزمن يتم فورية استخدام الأدوات الهجومية القاصية علنًا، كما أن هذا التراكم التجريبي له مخلفات معرفية هي السبب الرئيسي في التناول السلبي للعديد من القضايا الجيوبولتيكية والاجتماعية.
حيث إن التراكم التجريبي السلبي لمجموعة كبيرة من الإعلاميين الليبيين المعاصرين والمشحون بالإخلالات المعلوماتية والأخلاقية أثر بشكل مباشر على الانتقال الديمقراطي, والذي يُعتبر مرحلة أساسية في عملية الإصلاح السياسي داخل المجتمعات المتغيرة أو الانتقالية، هذه الإخلالات هي جُملة من العراقيل التي تحول دون التعاطي الإيجابي للمرحلة الانتقالية في ليبيا وبالتالي تتوقف تمامًا نحو العبور إلى التحوُّل الديمقراطي الحر. فإحدى أهم الوظائف الأساسية التي يجب أن يقوم عليها الإعلام هو تسهيل صنع القرارات، فوسيلة الإعلام قادرة قدرة حقيقية على التأثير على القرار السياسي من خلال صنعه أو فرضه أو حتى حجبه عن الجمهور المتابع، فيتم ذلك إما بالتعاطي الإيجابي لصنع القرار والذي يخدم المجتمع والجمهور كفتح ملفات الفساد وقضايا الرأي العام والتي بالتالي تعود نفعًا وإيجابًا على الجمهور، أو يتناولها سلبًا من خلال الدفع بأطراف عن أطراف آخرى أو التستر على شخصيات وجهات معينة، وهذا بالتالي ينافي الرسالة الأخلاقية التي من واجب الإعلام النزيه أن يضمن تقديمها.
جملة التراكمات التجريبية التي خاضها ولايزال يخضوها الإعلامي الليبي هي نتاج طبيعي للدوغمائية القائمة والتي تستميت عليها وسائل الإعلام في نظرتها العامة نحو التحوُّل الديمقراطي المنشود، فالتغيرات الحادثة على الأرض وفي الموازاة في السياسة الخارجية – مع دول الجوار والدول التي تصف أنها صديقة وحليفة لليبيا- تلعب دورًا مهمًا في تحول الخطاب الإعلامي من صلب غير معالج إلى لين يتماشى مع الظروف الحالية، كذلك المادة المُقدمة بشكل دوري هي الأخرى تُعتبر إحدى المعطيات المتغيرة وفقاً للتغيرات الأيديولوجية والأولويات السياسية.
وليس خفيًا أن الاختلافات الايديولوجية في الإعلام الليبي هي قيمة مُضافة إعلاميًا وجمهوريًا في حال تم توظيفها بالشكل الصحيح, ولكن تم توظيف معاكس لمفهوم الأيديولوجيا الإعلامية وهو الذي وضع هذه القنوات كمنصات لإبطاء المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية السياسية وبناء الدولة وخوض تجربة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. فالأيديولوجيا الإعلامية لم تتوان عن استيضاح كمية الدعم المبالغ فيه لأطرافها وغض النظر عن محاسبتها إعلاميًا أو جماهيريًا عبر منصاتها وقنواتها، بل العكس فهي ساهمت في إخفاء حقائق وملفات عن الجمهور المتتبع ومخالفة كل أخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام في الدفع لإصلاح الشؤون العامة وديمقراطية إبداء الرأي. كما امتد خطاب الكراهية المدفوع بأسباب غالبها سياسية وفكرية أو تاريخية إلى الإعلام البديل أو الميديا الرقمية – فعبر وسائل التواصل الاجتماعي تم بث العديد من (السموم الرقمية) عبر صفحات تابعة لوسائل إعلام ليبية منها صور لتنكيل بالجثث واستخدام مصطلحات دالة على الممارسة الفعلية للعنف والاضطهاد والتحريض ضد الأقليات والفئات المستضعفة.
الإعلام الليبي وقياسًا على فترة ما بعد الثورة تحول من مرحلة الجمود المعرفي والقيود السياسية الديكتاتورية التي وضعت في فترة القذافي وأبواق الحكومة الكاذبة إلى مرحلة رخوة مليئة برسائل الكراهية والتي من خلالها أشار حتى المدافعون عن حُرية التعبير إلى أن خطاب الكراهية الموجه بشكل مباشر يستوجب المعالجة الخاصة والسريعة خاصة تلك التي لا تُقاس ضمن سوق الأفكار.

جدير بالذكر أن الطعن في الصلاحيات الدينية لبعض رجالات الدين أو العقائد الراسخة لدى البعض واستغلالها لإحداث بلبلة سياسية أو حروب مدفوعة بفكر ديني مُتطرف هي حُرية تعبير مضمونة ولا تخضع للمراقبة القانونية، فمثلًا الانتقادات اللاذعة التي تطال أعلى سلطة دينية في ليبيا (دار الإفتاء الليبية) من قبل الإعلاميين أو الرأي العام هي وسيلة متاحة للجميع فالانتقاد هنا قائم على رغبة حقيقية في تغيير الاستغلال المعتمد على (العصْمَة الدينية) والقاعدة الجماهيرية التي يتحلى بها المُفتي ورجالاته، كما أن انتقاد السياسيين وتعريتهم على وسائل الإعلام اعتبروه خطاب كراهية موجهًا لهم بينما هو حُرية تعبير بناءة مكفولة للجميع، وأن المسؤولين ورجال الدولة يعتبرون هذه الانتقادات كنوع من خطاب الكراهية هو ذريعة لإسكات الإعلاميين والإفلات من العقاب الذي سيطالهم. كذلك لا توجد أي حدود قانونية معينة لحماية السرية من قبل الصحفيين، حيث لا ضمانات حقيقية لتوقف الإعلام عن فضح الشخصيات العامة والسياسيين وأن أي التزام بحفظ سرية شخصية ما هو إلا سلوك يسلكه الإعلام كمسألة أخلاقية لا أكثر.
تُعتبر وسائل الإعلام أقل وعيًا وأكثر حيرة من حيث مواكبتها للأحداث اليومية فهي تُقاد عن طريق أفراد تحكمهم خلفيات معينة وصلات مترابطة وغير مترابطة بالسياسة المحلية دونًا عن القيم الإخبارية والنظم السياسية الدولية، فرؤية بعض وسائل الإعلام إلى عنصر القبيلة كأداة سياسية هي أكثر أهمية من مساندة دولة في الحدث الانتخابي، فتحاول تعزيز هذا الجانب وتقوية هذه الجهات القبلية أكثر من أي شيء آخر. فمثلًا خطاب الكراهية المدفوع بتعصب قبلي يُعرف بأنه نتيجة منطقية لجملة التراكمات التجريبية للإعلامي أو وسيلة الإعلام لأنها بالتالي لها وصلة مترابطة بالسياسة المحلية وعنصر النفوذ القبلي أكثر بكثير من السياسة الخارجية، وهذا سيؤثر ضمنيًا على تحول ليبيا إلى الدولة العصرية والمدنية المنشودة. فرغم القوة الاجتماعية للقبيلة في ليبيا إلا أنها ساهمت بشكل مباشر في دعم خطاب الكراهية على وسائل الإعلام المحلية مما سبب في تأجيج الصراع الفئوي والمناطقي شرقًا وغربًا وجنوبًا وخير مثال على ذلك الميلشيات القبلية المُنبثقة عن قبائل كبرى في ليبيا كميلشيات مصراتة وترهونة والزنتان والمقارحة… إلخ.
ناهيك عن المحاولات غير الجادة للاستقطاب السياسي في ليبيا فهي تحول دون الوصول المباشر إلى حدث الانتخابات المنتظر شعبيًا ودوليًا حيث تحاول العديد من وسائل الإعلام الليبية إقناع الرأي العام أن الانتخابات هي حدث تكاملي يصعب الوصول إليه في ظل تواجد فوضى أمنية وأسلحة منتشرة ونقص نخبوي قد يقود الانتخابات إلى بر الآمان – الأمر الذي يصح في جوفه وفحواه ولكن يُخطئ في نتائجه, فالمماطلة السياسية عبر وسائل الإعلام للوصول إلى الانتخابات عن طريق تسويق فكرة التوقيت الخطأ هي مساهمة فعلية في إطالة المرحلة الانتقالية وتفشي مرض غياب الدولة أكثر فأكثر وبالتالي مضاعفات هذا المرض تزداد يومًا بعد يوم.
في حين أن القوى الإعلامية الموجودة حاليًا هي التي تُشكل التوازن المتماثل من خلال عدد القنوات المضادة وأساليب العرض والاستدلال المُستخدمة وكذلك مصادر التمويل الداخلية والخارجية وهذا يجعل ديمومة الوضع الإعلامي السلبي مرهونًا بديمومة التمويلات المقدمة لهذه القنوات والإذاعات وهذه الحالة توصف بـ(الاستثمار السياسي في الإعلام) والتي تُصاحب أي تغيير إقليمي أو عالمي – فمثلا قناة 218 والتي تدَّعي حياديتها أو دعمها للقيم الليبرالية في قيام دولة القانون والدستور هي الأخرى لها دعم خارجي وأيديولوجية مُعينة لا يمكنها الحياد عنها طالما (الصفقة الإعلامية قيد العقد المبرم) وهذا لا يجعل من القناة الإعلامية مُذنبة وإنما يجعلها قيد التحقيق والإلزام المهني المشروط. وفي الجانب التاني تبرز قناة ليبيا الأحرار والتي تنسب نفسها إلى الحاضنة الصغرى والداعمة الكبرى دولة قطر والتي يذكرها إعلاميو ليبيا الأحرار بأنها الراعية والمساهمة في حل النزاع الليبي ولم شمل الفرقاء الليبيون.
مفترق الطرق الحقيقي الذي تقف عنده وسائل الإعلام الليبية الحالية هو جملة من الاضطرابات المفاهيمية لثقافة السلم والاعتدال والتعايش السلمي بين كافة المكونات الليبية – فالإعلام اليوم هو المرآة لما يحدُث على الأرض وهو وسيلة التعبير اللفظية والمرئية المتاحة لهم لتفريغ كل المفاهيم المضطربة التي يملكها البعض (وليس الكل) عبر هذه المنصات، فالنتائج المُستخرجة عن طريق خطاب الكراهية اليوم باتت واضحة ويمكن قياسها ومنها:
صراع قبلي مبني على محاصصة عسكرية وبرلمانية سياسية والسبب في ذلك الإعلام المُرسخ لفكرة أن الإقصاء غير مبني على عدم توافر مؤهلات وخصائص للمشاركة السياسية وإنما الإقصاء كان مبنيًا على مخلفات قبلية سابقة.
تراشق بالمصطلحات الخارجة كعبارات الوصم والشتم وتبادل التهم دون أدلة واضحة وتدني واضح للقيم الإعلامية ونقل فوري للمعارك الفيزيائية إلى معارك إعلامية هجومية على شاشات التلفاز يقودها فيما يسمو بالنخبة الإعلامية والقيادات البرلمانية.
جذب وتمطيط العملية السياسية الانتقالية وترحيلها إلى عمليات تصارع متقدمة – كانت لم يكن لها وجود في حال تسريع الوصول الانتخابي كالانقسام السياسي للحكومات التنفيذية والبرلمانية والمؤسسات المالية’ إلخ.
التصعيد الخارجي والاحتقان ما بين الأطراف المتنازعة حاليًا وتصعيب مُهمة إيجاد حلول مُرضية لكافة الأطراف. ومن خلال هذه النتائج تبرز حقيقة أن لغة الإعلام المستخدمة هي الفيصل في الحل السياسي المثالي، فمن بين السمات والخصائص للأطر الإعلامية النموذجية جميعها تكون اللغة هي السبيل في إيصال رسائل إنهاء الحروب والنزاعات والفوارق السياسية. وبالتالي يمكننا تلخيص أن خطاب الكراهية مهما ظل تشاركه وتقاطعه مباشرًا مع حُرية التعبير إلا أنه ساهم بشكل مباشر في تفاقم الأزمة الليبية إعلاميًا وعلى الأرض وأن وصف العلاجات السريعة لهذا الخطاب هو التشخيص الدقيق لدوافع كل فئة على استخدامها لهذا الخطاب، فبالتشخيص يمكننا معرفة العلاج واتخاذ الإجراء الوقائي سواء كان بسن قوانين تضبط هذا الخطاب وسياسة العقاب الصارمة للمتخلفين عنها أو حتى من خلال برامج تدريبية مُكثفة لهم ومساهمتهم في وضع القوانين الآنف ذكرها أو حتى من خلال إنشاء مرصد يُقيم ويرصد الإخلالات المهنية على وسائل الإعلام.
أخيرًا – ورغم ما ينص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يحظر فيه أي دعوى للكراهية السياسية أو القومية أو العنصرية الدينية التي تُحرض على اللامساواة والعنف تجاه الآخرين- تبقى دائرة الصراع القائم في ليبيا هي عملية مستمرة مُحركها الرئيسي الإعلام والحوارات النقدية الناتجة عنه.