أوراقإصداراتالدولتونسليبيامصرمنتدى دعم

جدلية الإعلام والديمقراطية : نظرة عامة مقارنة على الوسائل التقليدية بمصر وتونس وليبيا انطلاقا من 2011

كارم يحيى*
كاتب صحفي وباحث

‭*‬كاتب‭ ‬صحفي‭ ‬وباحث‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬ممارس‭ ‬لمهنة‭ ‬الصحافة‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬أربعين‭ ‬عامًا،‭ ‬مهتم‭ ‬بحرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬عمل‭ ‬مراسلًا‭ ‬لـ»الأهرام‮»‬‭ ‬بتونس‭ ‬بين‭ ‬نوفمبر‭ ‬2016‭ ‬و‭ ‬أغسطس‭ (‬أوت‭) ‬2018‭ ‬وله‭ ‬كتب‭ ‬تناقش‭ ‬تجربتها‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬مؤلف‭ ‬‮«‬حرية‭ ‬على‭ ‬الهامش‭: ‬في‭ ‬نقد‭ ‬أحوال‭ ‬الصحافة‭ ‬المصرية‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬طبعتين‭ ‬2005‭ ‬و2011‭ ‬و»تمرد‭ ‬في‭ ‬الثكنة‭: ‬الصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬وثورة‭ ‬25‭ ‬يناير‮»‬‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬2012‭ ‬و«الإعلام‭ ‬التونسي‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭: ‬رؤية‭ ‬مراسل‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬حول‭ ‬مصادر‭ ‬العمل‭ ‬الصحفي‮»‬‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬2019‭ ‬و«نقابة‭ ‬تحت‭ ‬الحصار‭: ‬تاريخ‭ ‬آخر‭ ‬للصحفيين‭ ‬المصريين‮»‬‭ ‬قيد‭ ‬النشر،‭ ‬و»القضية‭ ‬أ‭ ‬ب‭: ‬كيف‭ ‬استعدنا‭ ‬ضمانة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬لانتخابات‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭: ‬القضية‭ ‬ووثائقها‮»‬‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬أحمد‭ ‬راغب‭ ‬المحامي‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬2007‭ ‬و»مظاهرات‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬1909‭: ‬كتاب‭ ‬تذكاري‭ ‬توثيقي‭ ‬‮«‬‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬2009‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬خالد‭  ‬السرجاني‭ ‬وهدى‭ ‬نصر‭ ‬الله،‭ ‬من‭ ‬مؤسسي‭ ‬جماعة‭ ‬‮«‬صحفيون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغيير‮»‬‭ ‬بمصر‭ ‬2005‭ ‬وأول‭ ‬منسق‭ ‬عام‭ ‬لها‭.   ‬y

وكأنها‭ ‬من‭ ‬لزوم‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬وهذا‭ ‬الترابط‭ ‬بين‭ ‬إعلام‭ ‬حر‭ ‬مهني‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬وفرص‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ويُعززها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬أصبح‭ ‬بمثابة‭ ‬مسلمة‭ ‬من‭ ‬مسلمات‭ ‬الفكر‭ ‬والممارسة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لايزال‭ ‬وسيظل‭ ‬مطروحًا‭ ‬بإلحاح‭ ‬ويتجدد‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬عالمية‭ ‬وإقليمية‭. ‬ولا‭ ‬أدلَّ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الإلحاح‭ ‬والتجدد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬منظمة‭ ‬التربية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتربية‭ ‬والثقافة‭ ‬والعلوم‭ (‬اليونسكو‭) ‬تطرح‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬على‭ ‬أجندة‭ ‬اهتماماتها‭ ‬وأنشطتها‭ ‬مع‭ ‬صعود‭ ‬مخاطر‭ ‬‮«‬الشعبوية‮»‬‭ ‬والجدل‭ ‬حول‭ ‬آفاق‭ ‬استخدامات‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬وإمكانات‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭. ‬وبحلول‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬2019‭ ‬أطلقت‭ ‬حملتها‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ :‬‮»‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‭: ‬الصحافة‭ ‬والانتخابات‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‮»‬‭.‬

وبنظرة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ (‬اليونسكو‭) ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬تلفت‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬إشكالات‭ ‬ومخاطر‭ ‬توجيه‭ ‬الناخبين‭ ‬للتصويت‭ ‬بدوافع‭ ‬الغضب‭ ‬والخوف،‭ ‬أي‭ ‬بإثارة‭ ‬العواطف‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬وإعمال‭ ‬العقل‭ ‬والنقد‭ ‬لتقييم‭ ‬برامج‭ ‬المرشحين‭ ‬وخطابهم‭ ‬وسلوكهم‭ ‬السياسي‭. ‬كما‭ ‬يطرح‭ ‬خطاب‭ (‬اليونسكو‭) ‬هنا‭ ‬مستجدات‭ ‬السعي‭ ‬لتقويض‭ ‬دور‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬الناخبين‭ ‬مباشرة‭ ‬بوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وبتشويه‭ ‬سُمعة‭ ‬الصحافة‭ ‬المهنية‭ ‬والإسراف‭ ‬في‭ ‬مُصطلح‭ ‬‮«‬الأخبار‭ ‬الزائفة‮»‬‭. ‬وهي‭ ‬بالطبع‭ ‬مستجدات‭ ‬أو‭ ‬لنقل‭ ‬بتصرف‭ ‬لغوي‭ ‬‮«‬مستفحلات‮»‬‭ ‬تضرب‭ ‬في‭ ‬ديمقراطيات‭ ‬عريقة‭ ‬راسخة‭ ‬بأوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬وعالمنا‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬تُجاهد‭ ‬فيه‭ ‬الحريات‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والحقوق‭ ‬والمهنية‭ ‬كي‭ ‬تنبت‭ ‬في‭ ‬الصخر‭. ‬ولذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مُستغربًا‭ ‬أن‭ ‬تتضمن‭ ‬الدعوة‭ ‬لمؤتمر‭ ‬عالمي‭ ‬أقامته‭ (‬اليونسكو‭) ‬بمقر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬بأديس‭ ‬أبابا‭ ‬بين‭ ‬1‭ ‬و3‭ ‬مايو‭ ‬2019‭ ‬عبارات‭ ‬تنادى‭ ‬بـ»تعريف‭ ‬المواطنين‭ ‬بأن‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‭ ‬وتشويه‭ ‬سُمعة‭ ‬الصحافة‭ ‬يمثلان‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‮»‬،‭ ‬و»ضرورة‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بتوعية‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬باستمرار‭ ‬دورها‭ ‬الديمقراطي‭ ‬وكسب‭ ‬احترامه‭ ‬لهذا‭ ‬الدور‭ ‬وثقته‮»‬،‭ ‬والتشديد‭ ‬على‭ ‬كون‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الصحافة‭ ‬الحرة‭ ‬والمستقلة‭ ‬والمهنية‭ – ‬سواء‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬أو‭ ‬خارجه‭ – ‬تضطلع‭ ‬بدور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ولأنها‭ ‬توفر‭ ‬معلومات‭ ‬تتيح‭ ‬للمواطنين‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬مستنيرة‭ ‬داخل‭ ‬مكاتب‭ ‬الاقتراع‭ ‬وخارجه‮»‬‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬العالمي‭ ‬كما‭ ‬تُجسده‭ ‬انشغالات‭ (‬اليونسكو‭) ‬يتخطى‭ ‬كونه‭ ‬فعل‭ ‬مناسبة‭ ‬أو‭ ‬عفو‭ ‬خاطر‭ ‬ولحظة‭. ‬فالمنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬نفسها‭ ‬أصدرت‭ ‬تقريرًا‭ ‬إضافيًا‭ ‬وتفصيليًا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬رصدت‭ ‬في‭ ‬صفحاته‭ ‬الصراع‭ ‬الجاري‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬ترسيخ‭ ‬حُرية‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعرفة‭ ‬وانتشار‭ ‬المعلومات‭ ‬وبين‭ ‬مخاطر‭ ‬‮«‬الشعبوية‭ ‬السياسية‮»‬‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭ ‬وهذا‭ ‬الحق،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬للرقابة‭ ‬المُتزايدة‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬وحجب‭ ‬المعلومات‭ ‬بدعوى‭ ‬‮«‬حماية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‮»‬‭ ‬وتأثيرات‭ ‬تكاثر‭ ‬‮«‬الأخبار‭ ‬الملفقة‮»‬‭ ‬على‭ ‬المنافسات‭ ‬الانتخابية‭ ‬وتراجع‭ ‬ثقة‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬مع‭ ‬استهداف‭ ‬الصحفيين‭ ‬وإفلات‭ ‬الجناة‭ ‬من‭ ‬العقاب‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الأقاليم‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬لافتًا‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬الصحفيين‭ ‬بسبب‭ ‬ممارسة‭ ‬المهنة‭. ‬وقد‭ ‬سجل‭ ‬تقرير‭ (‬اليونسكو‭) ‬191‭ ‬حالة‭ ‬ضحية‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬إجمالي‭ ‬530‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2012‭ ‬و2016‭.‬

قتل الصحفيين بسبب ممارسة المهنة بين عامي 2012 و2016

0
في العالم العربي
0
في العالم

‭*‬وبالنسبة‭ ‬لخبرة‭ ‬صحفي‭ ‬ومهتم‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والديمقراطية‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬ألاحظ‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬منظماتها‭ ‬الأهم‭ ‬حول‭ ‬منتصف‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬التفتت‭ ‬بدورها‭ ‬ومنذ‭ ‬البدايات‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬هنا‭ ‬بـ»الارتباط‭ ‬التفاعلي‮»‬‭ ‬بين‭ ‬صحافة‭ ‬حُرة‭ ‬مهنية‭ ‬وبين‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الديمقراطية‭. ‬وكلاهما‭ ‬لاتزال‭ ‬مصر‭ ‬وعالمنا‭ ‬العربي‭ ‬بالمجمل‭ ‬يفتقده‭ ‬ويبحث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬عاصفة‭ ‬مضطربة‭. ‬بل‭ ‬ويتشوق‭ ‬إليه‭ ‬ويحلم‭ ‬به‭. ‬وفي‭ ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬عثرت‭ ‬في‭ ‬أرشيفي‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬نماذج‭ ‬تعكس‭ ‬الانشغال‭ ‬بهذا‭ ‬الارتباط‭. ‬وهي‭ ‬بمثابة‭ ‬أمثلة‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭. ‬وأحذِّر،‭ ‬فلا‭ ‬أسبغ‭ ‬عليها‭ ‬سبقًا‭ ‬أو‭ ‬ريادة،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬الحقوقي‭ ‬المصري‭.‬

الأول‭ ‬عن‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬الراحل‭ ‬الدكتور‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬سيد‭ ‬سعيد‮»‬‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬عقد‭ ‬التسعينيات‭ ‬متفائلًا‭ ‬بالتفاوض‭ ‬مع‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬جديد‭ ‬للصحافة‭. ‬وتساءل‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬من‭ ‬37‭ ‬صفحة‭ ‬لكتاب‭: ‬‮«‬هل‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬الربيع‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة؟‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬آمل‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬التقاء‭ ‬مواتية‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬وبين‭ ‬المثقفين‭ ‬ونقابة‭ ‬الصحفيين،‭ ‬وباعتبار‭ ‬أن‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬شرط‭ ‬لازم‭ ‬ومؤكد‭ ‬للوطنية‭ ‬المصرية‭ ‬ولنهوض‭ ‬عظيم‭ ‬للثقافة‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬حال‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬العربي‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭. ‬وربما‭ ‬ظن‭ ‬الكاتب‭ ‬المفكر‭ ‬الحقوقي‭ ‬حينها‭ ‬أن‭ ‬عند‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬المصرية‮»‬‭ ‬وعيًا‭ ‬ومصلحة‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬موارد‭ ‬‮«‬القوة‭ ‬الناعمة‮»‬‭ ‬لتحوز‭ ‬مكانة‭ ‬مميزة‭ ‬في‭ ‬إقليمها‭. ‬والنموذج‭ ‬الثاني‭ ‬جاء‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬عقد‭ ‬التسعينيات‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أعمدة‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية‭ ‬‮«‬محسن‭ ‬عوض‮»‬،‭ ‬حين‭ ‬دعا‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬مساحات‭ ‬توافق‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والمعارضة‭ ‬بشأن‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والربط‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬والتنمية‭. ‬وهذا‭ ‬بعدما‭ ‬ناقش‭ ‬ما‭ ‬اعتبره‭ ‬‮«‬تأثيرًا‭ ‬حاسمًا‮»‬‭ ‬تلعبه‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تأسيس‭ ‬الوعي‭ ‬العام‭ ‬بهذه‭ ‬الحقوق‭ ‬وتكريس‭ ‬مفاهيمها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدور‭ ‬الرقابي‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬المعلومات‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬ومتابعة‭ ‬قضايا‭ ‬الانتهاكات‭. ‬أما‭ ‬النموذج‭ ‬الثالث‭ ‬فمن‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬نخاله‭ ‬سردية‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الأدبيات‭ ‬الحقوقية‭ ‬عن‭ ‬حُرية‭ ‬الإعلام‭ ‬والانتخابات‭ ‬عرفتها‭ ‬مصر‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬ثورة‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬2011‭. ‬وهنا‭ ‬فإن‭ ‬الكتاب‭/ ‬النموذج‭ ‬الذي‭ ‬أمامنا‭ ‬ومع‭ ‬غياب‭ ‬شروط‭ ‬الانتخابات‭ ‬العامة‭ ‬الحُرة‭ ‬النزيهة‭ ‬الشفافة‭ ‬العادلة‭ ‬يجهر‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬‮«‬معتز‭ ‬الفجيري‮»‬ـ‭ ‬وهو‭ ‬ينتمى‭ ‬لجيل‭ ‬أحدث‭ ‬بالحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬سعيد‭ ‬وعوض‭ ‬ـ‭ ‬بالسعي‭ ‬إلى‭ ‬إثراء‭ ‬دور‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نزاهة‭ ‬وتنافسية‭ ‬وشفافية‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية،‭ ‬مع‭ ‬نقل‭ ‬الخبرات‭ ‬والمعايير‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬المتراكمة‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬دوليًا‭ ‬وتأكيد‭ ‬حق‭ ‬الناخبين‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬وحق‭ ‬المرشحين‭ ‬في‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬الإعلامية‭.‬

«هل نأمل أن يمر الربيع علينا في القاهرة من بوابة حرية الصحافة؟»
الدكتور محمد سيد سعيد

وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬مهام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬الانتخابات‭ ‬ومناسباتها‭. ‬فهي‭ ‬تتجاوز‭ ‬إلى‭ ‬وظائف‭ ‬الإخبار‭ ‬الاحترافي‭ ‬المهني‭ ‬المتواصل‭ ‬عما‭ ‬يجرى‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬وما‭ ‬يتصل‭ ‬بعمليات‭ ‬التطور‭ ‬الديمقراطي‭ ‬خاصة‭ ‬وفتح‭ ‬نوافذ‭ ‬الحوار‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬تعدد‭ ‬الآراء‭ ‬والموضوعية‭ ‬حول‭ ‬كافة‭ ‬جوانب‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحريات‭ ‬والمواطنة‭ ‬وقضاياه‭ ‬ومحطاته‭ ‬ومعاركه‭. ‬كما‭ ‬تستدعي‭ ‬هذه‭ ‬الوظائف‭ ‬مشاركة‭ ‬الجمهور،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬إشاعة‭ ‬ثقافة‭ ‬عقلانية‭ ‬نقدية‭ ‬لديهم‭. ‬وورقتنا‭ ‬البحثية‭ ‬هذه‭ ‬تأخذ‭ ‬بمقاربة‭ ‬تفاعلية‭ ‬للارتباط‭ ‬بين‭ ‬إعلام‭ ‬حر‭ ‬ومهني‭ ‬وبين‭ ‬بناء‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وذلك‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بين‭ ‬أحوال‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬ومُأطٌرًا‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدي‭ ‬من‭ ‬صحافة‭ ‬وإذاعة‭ ‬وتليفزيون‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬وذلك‭ ‬بافتراض‭ ‬أن‭ ‬كلًا‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬والعملية‭ ‬والبيئة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬عمومها‭ ‬يؤثر‭ ‬ويتأثر‭ ‬بالآخر‭. ‬كما‭ ‬تستدعى‭ ‬الورقة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المصادر‭ ‬والمراجع‭ ‬الخبرات‭ ‬المباشرة‭ ‬لكاتبها‭ ‬كصحفي‭ ‬عَمِلَ‭ ‬وعاش‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وتونس،‭ ‬وتسعي‭ ‬لاستكمال‭ ‬نقص‭ ‬المعايشة‭ ‬المباشرة‭ ‬للمجتمع‭ ‬الليبي‭ ‬بالمقابلات‭ ‬حول‭ ‬واقع‭ ‬إعلامه‭ ‬وصحافته‭ ‬الراهن‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ولو‭ ‬مبدئيًا‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬التأسيس‭ ‬إلى‭ ‬نظرة‭ ‬عامة‭ ‬مقارنة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬تراث‭ ‬بحثي‭ ‬يأخذ‭ ‬بهذا‭ ‬المنظور‭ ‬بشأن‭ ‬مجتمعات‭ ‬ثلاثة‭ ‬تتباين‭ ‬مساراتها‭ ‬وتجاربها‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بعد‭ ‬الانتفاضات‭ ‬والثورات‭ ‬بين‭ ‬مجتمع‭ ‬تستمر‭ ‬فيه‭ ‬عمليات‭ ‬الانتقال‭ ‬بصراعاتها‭ ‬المُعقدة‭ ‬تقدمًا‭ ‬وانتكاسًا‭ ‬ومراوحة‭ (‬تونس‭)‬،‭ ‬وآخر‭ ‬اختفى‭ ‬فيه‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬أو‭ ‬كاد‭ ‬مع‭ ‬الانقسامات‭ ‬وغياب‭ ‬وانهيار‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬المركزية‭ (‬ليبيا‭)‬،‭ ‬وثالث‭ ‬انزلق‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬التسلط‭ ‬والاستبداد‭ ‬وحكم‭ ‬الفرد‭ ‬وانتهاك‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬باسم‭ ‬استعادة‭ ‬‮«‬هيبة‭ ‬الدولة‮»‬‭ (‬مصر‭). ‬ولعل‭ ‬المُفيد‭ ‬هنا‭ ‬مع‭ ‬استعادتنا‭ ‬لنماذج‭ ‬الخطاب‭ ‬الحقوقي‭ ‬المصري‭ ‬السابق‭ ‬على‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬السابق‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬ونعي‭ ‬هذا‭ ‬الطموح‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬نظم‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الانتفاضات‭ ‬والثورات‭. ‬وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬الانتفاضات‭ ‬والثورات‭ ‬أفادت‭ ‬بعجز‭ ‬هذه‭ ‬النظم‭ ‬عن‭ ‬الإصلاح‭ ‬وتلبية‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬التغيير،‭ ‬كما‭ ‬أطلقت‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬المطالبات‭ ‬والتوقعات‭ ‬بعدها‭ ‬بتغييرات‭ ‬أكثر‭ ‬جذرية‭.‬

بين «مراسلون بلا حدود» واتحاد الصحفيين العرب

تباينت‭ ‬مسارات‭ ‬الصراع‭ ‬حول‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ»ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ومصر‭ ‬وليبيا‭ ‬المجتمعات‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬أطاحت‭ ‬بحكام‭ ‬طُغاة‭ ‬مستبدين‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬عام‭ ‬2011‭. ‬واليوم‭ ‬وبعد‭ ‬نحو‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تواصل‭ ‬طريق‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬لكن‭ ‬بصعوبات‭ ‬جمة،‭ ‬فيما‭ ‬سقطت‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬حُكم‭ ‬استبدادي‭ ‬أشد‭ ‬قسوة‭ ‬ويُعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬ثورتها،‭ ‬بينما‭ ‬تُعاني‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬وفوضى‭ ‬مع‭ ‬تدخلات‭ ‬أجنبية‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬انهيار‭ ‬وغياب‭ ‬الدولة‭. ‬ويمنح‭ ‬تتبع‭ ‬تحولات‭ ‬مؤشر‭ ‬دليل‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬لمنظمة‭ ‬‮«‬مراسلون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‮»‬‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬أعوام‭ ‬2010‭ ‬و2011‭/‬2012‭ ‬و2019‭ ‬صورة‭ ‬مُبسطة‭ ‬لأوضاع‭ ‬وتغيرات‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الثلاثة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬وعلى‭ ‬أعتاب‭ ‬الانتفاضات‭ ‬أو‭ ‬الثورات‭ ‬مباشرة‭ ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬127‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬178‭ ‬دولة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬الحُريات‭ ‬الصحفية‭ ‬ونسبيًا‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭ (‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬160‭)‬،‭ ‬فيما‭ ‬تتأخر‭ ‬تونس‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬164‭. ‬وبعد‭ ‬الثورة‭ ‬مباشرة‭ ‬يقفز‭ ‬ترتيب‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬دليل‭ ‬عامي‭ ‬11‭/‬2012‭ ‬ليتخطى‭ ‬ثلاثين‭ ‬دولة،‭ ‬لتحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬134،‭ ‬وتتقدم‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭ ‬التي‭ ‬تحسَّن‭ ‬ترتبيها‭ ‬نسبيًا‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬155‭ ‬فيما‭ ‬تدهور‭ ‬وانزلق‭ ‬ترتيب‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬166‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬179‭ ‬دولة‭ ‬والأخيرة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التدهور‭ ‬والانزلاق‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬وتجربتي‭ ‬بالمعايشة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬والمملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬ما‭ ‬عرفناه‭ ‬من‭ ‬تحسن‭ ‬نسبي‭ ‬في‭ ‬هامش‭ ‬الحُرية‭ ‬والمهنية‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬التغيرات‭ ‬في‭ ‬المناخ‭ ‬السياسي‭ ‬العام‭ ‬وإجراء‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬تعددية‭ ‬حرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬يونيو‭/‬جوان‭ ‬2012‭.‬

ويُفيد‭ ‬دليل‭ ‬‮«‬مراسلون‭ ‬بلاد‭ ‬حدود‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬مايو‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬2019‭ ‬ببقاء‭ ‬مصر‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬التسعة‭ ‬عشر‭ ‬الأسوأ‭ ‬التي‭ ‬تُشكل‭ ‬‮«‬القائمة‭ ‬السوداء‮»‬،‭ ‬وحيث‭ ‬تحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬163‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬180‭ ‬دولة‭ ‬وتسبقها‭ ‬42‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬55‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬بالاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬و15‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬22‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬بالجامعة‭ ‬العربية‭. ‬كما‭ ‬استقرت‭ ‬ليبيا‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬‮«‬القائمة‭ ‬السوداء‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬المرتبة‭ ‬162‭ ‬أمام‭ ‬مصر‭ ‬مباشرة‭. ‬ولكن‭ ‬تأتى‭ ‬الأنباء‭ ‬السارة‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬حيث‭ ‬قفزت‭ ‬25‭ ‬مرتبة‭ ‬عن‭ ‬العام‭ ‬الأسبق‭ ‬2018‭ ‬وأصبحت‭ ‬تشغل‭ ‬المرتبة‭ ‬72‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬يُفيد‭ ‬تتبع‭ ‬تحولات‭ ‬هذا‭ ‬التصنيف‭ ‬الدولي‭ ‬بانقلاب‭ ‬لافت‭ ‬في‭ ‬الترتيب‭ ‬المقارن‭ ‬للدول‭ ‬الثلاث‭. ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬أسوأها‭ ‬قبل‭ ‬الانتفاضات‭ ‬والثورات‭ (‬تونس‭) ‬هو‭ ‬الأفضل‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الحالة‭ ‬التونسية‭ ‬ذهبت‭ ‬بعيدًا‭ ‬في‭ ‬مؤشرات‭ ‬التحسن‭ ‬وإلى‭ ‬الأمام‭ ‬متقدمة‭ ‬92‭ ‬مرتبة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬بينما‭ ‬تدهور‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬الأفضل‭ ‬نسبيًا‭ (‬مصر‭) ‬26‭ ‬مرتبة‭. ‬أما‭ ‬ليبيا‭ ‬فانتهت‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬ثمان‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬ثورتها‭ ‬إلى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬بين‭ ‬الأسوأ‭ ‬عالميًا‭ ‬مع‭ ‬تأخر‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬مرتبتين‭ ‬اثنتين‭.‬

وعلى‭ ‬خلاف‭ ‬هذا‭ ‬الدليل‭/‬التقرير‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬عوامل‭ ‬مُتعددة‭ ‬مُعتمدة‭ ‬عالميًا‭ ‬لقياس‭ ‬تطور‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬فإن‭ ‬تقرير‭ ‬الحريات‭ ‬السنوي‭ ‬لاتحاد‭ ‬الصحفيين‭ ‬العرب‭ ‬يمنح‭ ‬فرصة‭ ‬للباحثين‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬كيف‭ ‬تحدثت‭ ‬وتتحدث‭ ‬المنظمات‭ ‬النقابية‭ ‬للصحفيين‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬عن‭ ‬الصحافة‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬بلده‭. ‬ويحضرني‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬ساخرًا‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفي‭ ‬الراحل‭ ‬‮«‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬حافظ‮»‬‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للاتحاد‭ ‬عند‭ ‬إطلاق‭ ‬النسخة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬عام‭ ‬2006‭: ‬‮«‬نتحدث‭ ‬وكأننا‭ ‬في‭ ‬سويسرا‭ ‬أو‭ ‬اسكندنافيا‮»‬‭. ‬ولقد‭ ‬كتب‭ ‬صاحب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ناقدًا‭ ‬حال‭ ‬الاتحاد‭ ‬الذي‭ ‬يُسيطر‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬من‭ ‬يمكن‭ ‬وصفهم‭ ‬بـ»صحفيي‭ ‬الأنظمة‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬لنرى‭ ‬كيف‭ ‬تطور‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭.‬

مصر ليبيا تونس

تقرير‭ ‬سنة ‭ ‬2010 شمل 178 دولة

 المرتبة 127

المرتبة 160

المرتبة 164

تقرير‭ ‬سنة ‭ ‬2011- 2012 شمل 179 دولة

المرتبة 166

المرتبة 155

المرتبة 134

تقرير‭ ‬سنة ‭ ‬2019 شمل 180 دولة

المرتبة 160

المرتبة 162

المرتبة 72

بالنسبة‭ ‬لليبيا‭ ‬وفي‭ ‬تقرير‭ ‬2009‭/‬2010‭ ‬كتب‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لرابطة‭ ‬صحفييها‭ ‬‮«‬عاشور‭ ‬محمد‭ ‬التليسي‮»‬‭ ‬ربع‭ ‬صفحة‭ ‬فقط‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬استقرار‭ ‬الحالة‭ ‬الصحفية‮»‬‭ ‬مشيدًا‭ ‬بما‭ ‬اعتبره‭ ‬‮«‬انتعاش‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والحوار‮»‬‭ ‬نافيًا‭ ‬أي‭ ‬مُنغصات‭ ‬أو‭ ‬قيود،‭ ‬وخص‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬مراسلون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‮»‬‭ ‬بالهجوم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يجشم‭ ‬النفس‭ ‬عناء‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬انتهاك‭ ‬بعينه‭. ‬وقال‭ ‬هنا‭ ‬نصًا‭: ‬‮«‬أما‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يُكتب‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬منظمة‭ ‬مراسلون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬فإننا‭ ‬نخبركم‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬خبرنا‭ ‬طريقة‭ ‬تعاطيها‭ ‬للأخبار‭ ‬الموجهة‭ ‬للدول‭ ‬النامية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬ووصلنا‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬تامة‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬تُمثل‭ ‬إلا‭ ‬نفسها‭ ‬وما‭ ‬يصدر‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬دقيق‭ ‬في‭ ‬مُجمله‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬الرابطة‭ ‬نفسها‭ ‬عادت‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬التالي‭ ‬وبعد‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬لتُكذب‭ ‬السابق‭ ‬تمامًا‭. ‬وأقرت‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬البائد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معنيًا‭ ‬بإصلاح‭ ‬حقيقي‭ ‬لحالة‭ ‬إعلامية‭ ‬متراكمة‭ ‬فاشلة‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬فيها‭ ‬أدنى‭ ‬المعايير‭ ‬المهنية‮»‬‭. ‬كما‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬‮«‬انطلاق‭ ‬حركة‭ ‬صحفية‭ ‬إعلامية‭ ‬زاخرة‭ ‬مع‭ ‬فجر‭ ‬ثورة‭ ‬17‭ ‬فبراير‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬لها‭ ‬ليبيا‭ ‬مثيلًا‭ ‬بعد‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الكبت‭ ‬والقهر‭ ‬والظلم‭ ‬فصدرت‭ ‬مئات‭ ‬الصحف‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬المدن‭ ‬الليبية‭ ‬المحررة‭..‬‮»‬‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التفاؤل‭ ‬والحماسة‭ ‬ببزوغ‭ ‬فجر‭ ‬الحرية‭ ‬والمهنية‭ ‬بليبيا‭ ‬سُرعان‭ ‬ما‭ ‬ينقلب‭ ‬مع‭ ‬عامي‭ ‬2013‭/‬2014‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬قاتمة‭ ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬والاستشهاد‭ ‬بها،‭ ‬وبما‭ ‬يفيد‭ ‬بـ»تراجع‭ ‬حالة‭ ‬الحُريات‭ ‬الصحفية‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتخاصم‭ ‬والصراع‭ ‬والاقتتال‮»‬‭. ‬وينتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بغياب‭ ‬ليبيا‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬تقارير‭ ‬حريات‭ ‬اتحاد‭ ‬الصحفيين‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الأعوام‭ ‬التالية‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬تقرير‭ ‬2018‭/‬2019،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُترجم‭ ‬أيضًا‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬للتنظيم‭ ‬النقابي‭ ‬للصحفيين‭ ‬الليبيين‭.‬

أما‭ ‬إذا‭ ‬تتبعنا‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬تقارير‭ ‬الاتحاد‭ ‬عن‭ ‬2009‭ ‬و2010‭/‬2011‭ ‬و2018‭/‬2019‭ ‬بشأن‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬فيمكننا‭ ‬استنتاج‭ ‬أن‭ ‬النقابة‭ ‬الوطنية‭ ‬للصحفيين‭ ‬التونسيين‭ ‬شهدت‭ ‬تغييرات‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬نظيرتها‭ ‬المصرية‭ ‬وبما‭ ‬يعكس‭ ‬التطورات‭ ‬الأهم‭ ‬نسبيًا‭ ‬باتجاه‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭. ‬وبينما‭ ‬أصبح‭ ‬شاغل‭ ‬النقابة‭ ‬المصرية‭ ‬تسجيل‭ ‬بارد‭ ‬وبلا‭ ‬طعم‭ ‬ولا‭ ‬رائحة‭ ‬لبعض‭ ‬حالات‭ ‬صحفييها‭ ‬المحبوسين‭ ‬ومحاكمتهم‭ ‬بتهمتي‭ ‬‮«‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬جماعة‭ ‬محظورة‭.. ‬ونشر‭ ‬أخبار‭ ‬كاذبة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬بالمجمل‭ ‬قتامة‭ ‬الصورة‭ ‬العامة‭ ‬لتدهور‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ولا‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أعداء‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وسجاني‭ ‬الصحفيين‭ ‬اتجهت‭ ‬النقابة‭ ‬التونسية‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬خبرات‭ ‬رصد‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الصحفيون‭ ‬من‭ ‬انتهاكات‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬السلامة‭ ‬المهنية‭ ‬عالميًا‭. ‬وهذا‭ ‬بعدما‭ ‬سجل‭ ‬النقابيون‭ ‬التونسيون‭ ‬انتقالهم‭ ‬من‭ ‬التغطية‭ ‬والتواطؤ‭ ‬على‭ ‬بؤس‭ ‬حال‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬النظام‭ ‬التسلطي‭ ‬البائد‭ ‬إلى‭ ‬انفتاح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وما‭ ‬صحبه‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬انفلات‭ ‬وتعثر،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬استعادة‭ ‬النقابة‭ ‬ذاتها‭ ‬لاستقلاليتها‭ ‬وجهود‭ ‬المضي‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭. ‬

ملامح إعلامية وعثرات على طريق الديمقراطية

حقًا‭.. ‬رفعت‭ ‬الانتفاضات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ومصر‭ ‬وليبيا‭ ‬وما‭ ‬صحبها‭ ‬من‭ ‬طلب‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬إلى‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الثلاثة‭ ‬سقف‭ ‬التوقعات‭ ‬بإحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬جذرية‭ ‬سريعة‭ ‬ناجزة‭ ‬نحو‭ ‬حُرية‭ ‬ومهنية‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام،‭ ‬وبما‭ ‬يُسهِّل‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭. ‬وتعكس‭ ‬هذا‭ ‬التفاؤل‭ ‬وثيقة‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ (‬اليونسكو‭) ‬صيف‭ ‬2011‭ ‬بشأن‭ ‬مصر‭ ‬أكبر‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭ ‬تعدادًا‭ ‬للسكان‭ ‬وفي‭ ‬امتلاك‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬لنصيب‭ ‬أوفر‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬الصحافة‭ ‬والإذاعات‭ ‬والتليفزيونات‭ ‬مع‭ ‬تاريخية‭ ‬إشعاعها‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭. ‬ومع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬حاجة‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬وإصلاح‭ ‬فوري،‭ ‬قالت‭ ‬مقدمة‭ ‬الوثيقة‭ ‬التي‭ ‬استندت‭ ‬إلى‭ ‬مقابلات‭ ‬شخصية‭ ‬مع‭ ‬الفاعلين‭ ‬والمتداخلين‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬بالقاهرة‭: ‬‮«‬يبدو‭ ‬بشكل‭ ‬جلي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تغييرات‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬الحيلولة‭ ‬دون‭ ‬عودة‭ ‬الممارسات‭ ‬البائدة‭ ‬الباطلة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬والهيئة‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬شاهدناها‭ ‬عليها‮»‬‭.‬

وناهيك‭ ‬عما‭ ‬تبين‭ ‬لاحقًا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬وعثرات‭ ‬وانتكاسات‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تونس‭ ‬الأفضل‭ ‬حظًا،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬أبدًا‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭. ‬وعلى‭ ‬الأقل‭ ‬داخل‭ ‬كُبريات‭ ‬مؤسسات‭ ‬الإعلام‭ ‬المصرية‭ ‬وبحلول‭ ‬صيف‭ ‬2011‭ ‬ذاته‭. ‬ولقد‭ ‬سعى‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬إلى‭ ‬تسجيل‭ ‬وتوثيق‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأهرام‮»‬‭ ‬وكيف‭ ‬انتهت‭ ‬مساعي‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬سريعًا‭ ‬إلى‭ ‬الفشل‭. ‬وهكذا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يدفع‭ ‬إلى‭ ‬استخلاص‭ ‬مفاده‭: ‬‮«‬فشلنا‭ ‬كصحفيين‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬بقوانا‭ ‬الذاتية‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬الظروف‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬أكثر‭ ‬مؤاتاة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬25‭ ‬يناير‭/‬جانفي‭ ‬مباشرة‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬ا‭ ‬لاستخلاص‭ ‬أحد‭ ‬أوجه‭ ‬جدلية‭ ‬الإعلام‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وبالملموس‭. ‬حقًا‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬المطالبون‭ ‬بالإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬من‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬وضع‭ ‬سياسات‭ ‬تحرير‭ ‬مكتوبة‭ ‬تعتمد‭ ‬القواعد‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬المهنية‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬مجالس‭ ‬تحرير‭ ‬مسئولة،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬اعتذار‭ ‬للقراء‭ ‬عما‭ ‬كان‭. ‬وهكذا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬سمح‭ ‬بإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭.. ‬بل‭ ‬وبما‭ ‬هو‭ ‬أسوأ‭.‬

وبحلول‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬رصد‭ ‬تطور‭ ‬عبادة‭ ‬الحاكم‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬المانشتات‭ ‬وصور‭ ‬وأخبار‭ ‬الصفحات‭ ‬الأولى‭ ‬للجرائد‭ ‬اليومية‭ ‬المصرية‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬عينات‭ ‬منها‭ ‬منذ‭ ‬2010‭ ‬واستخلاص‭ ‬التراجع‭ ‬النسبي‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الثورة‭ ‬مباشرة‭ ‬ثم‭ ‬عودتها‭ ‬للنمو‭ ‬فانفجارها‭ ‬وتوحشها‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬المشير‭ ‬السيسي‭ ‬إلى‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬يونيو‭ ‬2014‭. ‬ولعلنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬ملاحظة‭ ‬إضافية‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬وبالمعايشة‭ ‬أيضًا‭. ‬فحتى‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬التأمل‭ ‬بدهشة‭ ‬مع‭ ‬توجيه‭ ‬التحية‭ ‬لشباب‭ ‬أسميناهم‭ ‬‮«‬صحفيي‭ ‬الجربندية‮»‬،‭ ‬يغامرون‭ ‬بالتعرض‭ ‬للإصابات‭ ‬والاعتقال‭ ‬بل‭ ‬والقتل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تغطية‭ ‬ميدانية‭ ‬لأحداث‭ ‬المظاهرات،‭ ‬ومع‭ ‬عودة‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬نهاية‭ ‬صيف‭ ‬2018‭ ‬من‭ ‬مهمة‭ ‬عمل‭ ‬بتونس‭ ‬لنحو‭ ‬العامين‭ ‬لاحظ‭ ‬اختفاء‭ ‬الزملاء‭ ‬الصحفيين‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬تام‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬قاعات‭ ‬المحاكم‭ ‬المفتوحة‭ ‬للعموم‭ ‬وفي‭ ‬قضايا‭ ‬رأي‭ ‬عام،‭ ‬بل‭ ‬وتخص‭ ‬الصحفيين‭ ‬ونقابتهم‭. ‬وهذا‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬تضيق‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قاعات‭ ‬العدالة،‭ ‬وبينهم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬حامل‭ ‬الحاسوب‭ ‬والكاميرا‭ ‬وأجهزة‭ ‬التسجيل‭. ‬وعندما‭ ‬سأل‭ ‬أعضاء‭ ‬بمجلس‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭ ‬أفادوا‭ ‬بأن‭ ‬الصحف‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬وعلى‭ ‬اختلاف‭ ‬أشكال‭ ‬ملكياتها‭ ‬أصبحت‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬على‭ ‬‮«‬النص‭ ‬الذي‭ ‬يملي‭ ‬على‭ ‬مقارها‭ ‬ومكاتبها‭ ‬أو‭ ‬يرسل‭ ‬إليها‭ ‬عبر‭ ‬مجموعات‭ ‬الـ‭(‬واتس‭ ‬آب‭) ‬وتتجنب‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬كلماته‭ ‬إيثارًا‭ ‬للسلامة‮»‬‭. ‬وثمة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬تؤكد‭ ‬سطوة‭ ‬وتحكُّم‭ ‬منظومة‭ ‬رقابية‭ ‬قاسية‭ ‬سابقة‭ ‬على‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬بمصر‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭. ‬وبما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تعطيل‭ ‬طباعة‭ ‬الصحيفة‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬حذف‭ ‬موضوعات‭ ‬خبرية‭ ‬أو‭ ‬مقالات‭ ‬رأي‭. ‬كذا‭ ‬إجبار‭ ‬المواقع‭ ‬الصحفية‭ ‬الإلكترونية‭ ‬على‭ ‬الحذف‭.‬

وعلى‭ ‬أي‭ ‬حال،‭ ‬فإن‭ ‬أحدث‭ ‬إحصاء‭ ‬للصحفيين‭ ‬والعاملين‭ ‬بمجال‭ ‬الإعلام‭ ‬المحبوسين‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بحلول‭ ‬منتصف‭ ‬يوليو‭/‬جويليه‭ ‬الحالي‭ ‬2019‭ ‬يتضمن‭ ‬32‭ ‬اسمًا‭ ‬يعود‭ ‬أقدمهم‭ ‬إلى‭ ‬أغسطس‭/‬أوت‭ ‬2013،‭ ‬ومعظمهم‭ ‬متهم‭ ‬بـ‮«‬نشر‭ ‬أخبار‭ ‬كاذبة‮»‬‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬‮«‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬محظور‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬مع‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الحبس‭ ‬الاحتياطي‭ ‬المديد‭ ‬المتجدد‭ ‬كعقوبة‭ ‬للمعارضين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يشتبه‭ ‬في‭ ‬معارضتهم‭. ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬جعل‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بحُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وسلامة‭ ‬الصحفيين‭ ‬تضع‭ ‬مصر‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬بين‭ ‬المرتبتين‭ ‬الثانية‭ ‬والثالثة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بشأن‭ ‬حبس‭ ‬الصحفيين‭. ‬وناهيك‭ ‬عن‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬المُقيدة‭ ‬والخطرة،‭ ‬فإن‭ ‬مصر‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬بعد‭ ‬إصدار‭ ‬قانون‭ ‬لإتاحة‭ ‬المعلومات‭. ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬عن‭ ‬النصوص‭ ‬العامة‭ ‬التقدمية‭ ‬في‭ ‬دستور‭ ‬2014‭ ‬بشأن‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭. ‬ومن‭ ‬قبيل‭ ‬المسلمات‭ ‬أن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعلومة‭ ‬ونشرها‭ ‬من‭ ‬أبجديات‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي‭. ‬

وفي‭ ‬الحالة‭ ‬الليبية‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أصبحت‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬ميداني‭ ‬وفي‭ ‬المكاتب‭ ‬والمقار‭ ‬وأمام‭ ‬المصادر‭ ‬ضاغطة‭ ‬على‭ ‬الصحفيين‭ ‬وحق‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭. ‬كما‭ ‬أخفقت‭ ‬السلطات‭ ‬الانتقالية‭ ‬فور‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالقذافي‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬وتطبيق‭ ‬تشريعات‭ ‬للتأسيس‭ ‬لنظام‭ ‬إعلامي‭ ‬جديد‭ ‬حُر‭ ‬مهني‭. ‬وأسهم‭ ‬انهيار‭ ‬وغياب‭ ‬الدولة‭ ‬والانقسام‭ ‬والاقتتال‭ ‬والميلشيات‭ ‬والجماعات‭ ‬المُتطرفة‭ ‬المُسلحة‭ ‬والتدخلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬صحفية‭ ‬خطرة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬أو‭ ‬غرب‭ ‬ليبيا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المناطق‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬الإعلاميين‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الرقابة‭ ‬الذاتية‭ ‬والهجرة‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭. ‬وحدها‭ ‬التجربة‭ ‬التونسية‭ ‬حققت‭ ‬تحسنًا‭ ‬نسبيًا‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬الصحفية‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬وبالمقارنة‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭. ‬ولعل‭ ‬مراجعة‭ ‬التقرير‭ ‬السنوي‭ ‬الأحدث‭ ‬لواقع‭ ‬الحُريات‭ ‬الصحفية‭ ‬بتونس‭ ‬ونتائج‭ ‬رصد‭ ‬انتهاكات‭ ‬سلامة‭ ‬الصحفيين‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬النقابة‭ ‬الوطنية‭ ‬للصحفيين‭ ‬التونسيين‭ ‬تُفيد‭ ‬بمخاطر‭ ‬ووقائع‭ ‬تدعو‭ ‬بدورها‭ ‬للقلق،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يُقارن‭ ‬ببؤس‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬الصحفي‭ ‬والتنكر‭ ‬لحق‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬المعلومة‭ ‬بمصر‭ ‬وليبيا‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فقد‭ ‬أقر‭ ‬البرلمان‭ ‬التونسي‭ ‬قانون‭ ‬‮«‬الحق‭ ‬في‭ ‬النفاذ‭ ‬إلى‭ ‬المعلومة‮»‬‭ ‬22‭ ‬مارس‭ ‬2016،‭ ‬ومن‭ ‬قبلها‭ ‬صدر‭ ‬مبكرًا‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬مرسوم‭ ‬‮«‬النفاذ‭ ‬إلى‭ ‬الوثائق‭ ‬الإدارية‭ ‬للهياكل‭ ‬العمومية‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬تطور‭ ‬لا‭ ‬تعرفه‭ ‬مصر‭ ‬وليبيا‭. ‬لكن‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬اختبر‭ ‬كمراسل‭ ‬صحفي‭ ‬بتونس‭ ‬فرص‭ ‬هذا‭ ‬النفاذ‭ ‬غير‭ ‬مرة،‭ ‬وانتهى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬لايزال‭ ‬يخالف‭ ‬النصوص‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عنها‭.‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬خطت‭ ‬خطوات‭ ‬أهم‭ ‬وأجرأ‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وليبيا‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬الحكومي‭ ‬السلطوي‭ ‬نحو‭ ‬إعلام‭ ‬الخدمة‭ ‬العامة‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬إصلاح‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬بشأن‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتليفزيون‭ ‬الوطنيين‭ ‬التونسيين‭. ‬ونظرة‭ ‬على‭ ‬نشرة‭ ‬الأخبار‭ ‬الرئيسية‭ ‬من‭ ‬القناة‭ ‬الأولى‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬التليفزيون‭ ‬المصري‭ ‬والتونسي‭ ‬كفيلة‭ ‬بأن‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬الفارق‭ ‬الشاسع‭ ‬حاليًا‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنًا‭ ‬ـ‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬والإذاعات‭ ‬ولا‭ ‬الصحف‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬وحتى‭ ‬الخاصة‭ ‬ـ‭ ‬تمرير‭ ‬انتقاد‭ ‬أو‭ ‬تحفظ‭ ‬إزاء‭ ‬التعديلات‭ ‬على‭ ‬الدستور‭ ‬المصري‭ ‬أبريل‭ ‬2019‭. ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬الطابع‭ ‬السلطوي‭ ‬الاستبدادي‭ ‬والفردي‭ ‬للحكم‭ ‬وتصادر‭ ‬فرص‭ ‬التداول‭ ‬على‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬لأطول‭ ‬أمد‭ ‬وتفرض‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬للسلطة‭ ‬السياسية‭ ‬التنفيذية‭ ‬على‭ ‬القضاء‭. ‬كما‭ ‬خضع‭ ‬استطلاع‭ ‬آراء‭ ‬المواطنين‭ ‬حول‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬الوقود‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬يوليو‭/‬جويليه‭ ‬2019‭ ‬لقيود‭ ‬أسئلة‭ ‬موجهة‭ ‬لتبرير‭ ‬الزيادات‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭. ‬

وعلى‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬تلعب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والمملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬دورا‭ ‬سلبيًا‭ ‬بوأد‭ ‬تكون‭ ‬رأي‭ ‬عام،‭ ‬وذلك‭ ‬بمصادرة‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬آراء‭ ‬متعددة‭ ‬عبر‭ ‬حوار‭ ‬مجتمعي‭ ‬حر‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬فرص‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬آرائهم‭ ‬بحرية‭ ‬وتعددية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬يمولونها‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬ويتحملون‭ ‬أعباء‭ ‬الخسائر‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬افتقادها‭ ‬للمهنية‭ ‬والحيوية‭ ‬والاستقلالية‭. ‬وبالمقابل‭ ‬ثمة‭ ‬مؤشرات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬اتجاه‭ ‬الإعلام‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬المملوك‭ ‬للدولة‭ ‬لاكتساب‭ ‬ثقة‭ ‬المستمعين‭ ‬والمشاهدين،‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬يفوق‭ ‬نظيره‭ ‬الخاص‭. ‬وحتى‭ ‬خلال‭ ‬أزمة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬يناير‭/‬جانفي‭ ‬2018‭. ‬ولذا‭ ‬اعتبر‭ ‬مستجوبون‭ ‬في‭ ‬استطلاع‭ ‬رأي‭ ‬بين‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬التونسيين‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬حيادية‭ ‬ومهنية‭. ‬ولقد‭ ‬عزز‭ ‬هذه‭ ‬الأفضلية‭ ‬لصالح‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬ومبكرًا‭ ‬تقرير‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬المستقلة‭ ‬للانتخابات‭ ‬بتونس‭ ‬عن‭ ‬انتخابات‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي‭ ‬أكتوبر‭ ‬2011‭. ‬وقد‭ ‬يعزي‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬المهم‭ ‬إلى‭ ‬الجهود‭ ‬المبكرة‭ ‬للهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬لإصلاح‭ ‬الإعلام‭ ‬والاتصال‭ ‬برئاسة‭ ‬الزميل‭ ‬‮«‬كمال‭ ‬العبيدي‮»‬‭ ‬والإسراع‭ ‬بإصدار‭ ‬المرسوم‭ ‬116‭ ‬المُتعلق‭ ‬بحُرية‭ ‬الاتصال‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري،‭ ‬وأيضًا‭ ‬جهود‭ ‬اللجنة‭ ‬الفرعية‭ ‬للصحافة‭ ‬والإعلام‭ ‬ضمن‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الثورة‭. ‬كما‭ ‬يعزي‭ ‬وبالأساس‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إرادة‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي‭ ‬نشأت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬بتونس‭ ‬من‭ ‬الأسفل‭.. ‬أي‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وبين‭ ‬الإعلاميين‭ ‬وليس‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬هرم‭ ‬الدولة‭. ‬ولكن‭ ‬ثمة‭ ‬وعي‭ ‬عند‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬ومن‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬مشهد‭ ‬الإعلام‭ ‬المملوك‭ ‬للدولة‭ ‬بمخاطر‭ ‬الانتكاس‭ ‬والتراجع‭ ‬وبأن‭ ‬التلكؤ‭ ‬عن‭ ‬قطع‭ ‬البلاد‭ ‬خطوات‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استقلال‭ ‬القضاء‭ ‬وإصلاحه‭ ‬يُهدد‭ ‬القدر‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬استقلال‭ ‬ومهنية‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬العمومية‭.‬

ولعل‭ ‬الجدل‭ ‬والصراع‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬حول‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬لهيئة‭ ‬جديدة‭ ‬للإعلام‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬يفيد‭ ‬بأن‭ ‬الطريق‭ ‬لايزال‭ ‬صعبًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحال‭ ‬أفضل‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المسار‭ ‬المصري‭ ‬بشأن‭ ‬الإعلام‭ ‬المملوك‭ ‬للدولة‭ ‬والذي‭ ‬ظل‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بإمبراطورية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المطبوعات‭ ‬الصحفية‭ ‬والإذاعات‭ ‬والقنوات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬دون‭ ‬إرادة‭ ‬إصلاح‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬تشريعات‭ ‬متأخرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬تُعزز‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬ورئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬وعلى‭ ‬الهيئات‭ ‬المُشرفة‭ ‬عليها‭: ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للإعلام‭ (‬إذاعة‭ ‬وتليفزيون‭) ‬والهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للصحافة‭ ‬‭(‬نحو‭ ‬55‭ ‬مطبوعة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مواقع‭ ‬إلكترونية‭) ‬والمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬لتنظيم‭ ‬الإعلام‭. ‬كما‭ ‬تُشير‭ ‬الممارسة‭ ‬إلى‭ ‬نزعة‭ ‬تسلطية‭ ‬تفرض‭ ‬الرقابة‭ ‬والمصادرة‭ ‬والحجب‭. ‬أما‭ ‬المسار‭ ‬الليبي‭ ‬فيبدو‭ ‬أنه‭ ‬بدأ‭ ‬بتوجه‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬بالأصل‭ ‬فحددتها‭ ‬الحكومة‭ ‬الانتقالية‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬ديسمبر‭ ‬2011‭ ‬بقناة‭ ‬تليفزيونية‭ ‬رسمية‭ ‬واحدة‭ ‬ومحطة‭ ‬إذاعية‭ ‬رسمية‭ ‬واحدة‭ ‬وصحيفة‭ ‬رسمية‭ ‬واحدة،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬الانقسام‭ ‬ويجرى‭ ‬توزع‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬بين‭ ‬المناطق‭. ‬ومع‭ ‬غياب‭ ‬الدولة‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬افتراض‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬إذاعة‭ ‬ولا‭ ‬تليفزيون‭ ‬ولا‭ ‬صحيفة‭ ‬واحدة‭ ‬يمكنها‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬ليبيا‭ ‬كلها،‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬باستثناءات‭ ‬نادرة‭. ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الإذاعات‭ ‬والتليفزيونات‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬التحرر‭ ‬والمهنية‭ ‬وكسب‭ ‬ثقة‭ ‬الجمهور‭ ‬مقارنة‭ ‬بالتجربة‭ ‬التونسية‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬جعلها‭ ‬تتخلف‭ ‬عن‭ ‬قنوات‭ ‬وإذاعات‭ ‬خاصة‭. ‬

وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬فإن‭ ‬التقدم‭ ‬الأبرز‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬المسيرة‭ ‬العسيرة‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬الحكومي‭ ‬السلطوي‭ ‬باتجاه‭ ‬الإعلام‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬العمومي‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬تونس،‭ ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬العثرات‭ ‬والعراقيل‭. ‬وثمة‭ ‬شهادة‭ ‬مبكرة‭ ‬لـ»اليونسكو‮»‬‭ ‬حين‭ ‬أقرت‭ ‬في‭ ‬خريف‭ ‬2012‭ ‬بأن‭: ‬‮«‬منذ‭ ‬14‭ ‬جانفي‭/‬يناير‭ ‬2011‭ ‬حسنت‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬تنوع‭ ‬الآراء‭ ‬ودرجة‭ ‬تمثيل‭ ‬الجمهور‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭.. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬تراتيب‭ ‬لأخذ‭ ‬رأي‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬تعيين‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬31‭ ‬يوليو‭/‬جويليه‭ ‬تابع‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬عبر‭ ‬شاشة‭ ‬التليفزيون‭ ‬الوطني‭ ‬بتونس‭ ‬بث‭ ‬مناظرة‭ ‬بين‭ ‬ثلاثة‭ ‬مرشحين‭ ‬لمنصب‭ ‬الرئيس‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬لمؤسسة‭ ‬التلفزة‭ ‬الوطنية‭ ‬نظمتها‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬المستقلة‭ ‬للاتصال‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭. ‬وهو‭ ‬حدث‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬بتونس‭ ‬بل‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي‭ ‬بأسره،‭ ‬وأن‭ ‬يظل‭ ‬معلومًا‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬التونسية‭ ‬تحتفظ‭ ‬بقرار‭ ‬التعيينات‭ ‬في‭ ‬هكذا‭ ‬مناصب‭ ‬بالإعلام‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬والصحافة‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬والمصادرة‭ ‬لحسابها،‭ ‬وتخالف‭ ‬غير‭ ‬مرة‭ ‬نصوصًا‭ ‬قانونية‭ ‬مستحدثة‭ ‬بشأن‭ ‬الأخذ‭ ‬بالرأي‭ ‬المطابق‭ (‬للهايكا‭) ‬ومنظمات‭ ‬التعديل‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬المهنة‭. ‬

‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬التطور‭ ‬الأهم‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬نشأة‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬خاصة‭ ‬جديدة‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الإذاعات‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬معا‭ ‬فيما‭ ‬أبقت‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬قبضتها‭ ‬الفولاذية‭ ‬واحتكارها‭ ‬لموجات‭ ‬البث‭ ‬الإذاعي‭ ‬تمامًا‭. ‬وثمة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬فرص‭ ‬لتطور‭ ‬إذاعات‭ ‬جهوية‭ ‬وجمعياتية‭. ‬ويمكنها‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬إيجابيًا‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي‭ ‬ولا‭ ‬مركزي،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬مؤشرات‭ ‬إقبال‭ ‬وثقة‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬على‭ ‬الإذاعة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالصحف‭ ‬المطبوعة‭ ‬والتليفزيون‭. ‬ولكن‭ ‬التجارب‭ ‬الثلاث‭ ‬تعاني‭ ‬معًا‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الشفافية‭ ‬في‭ ‬ملكية‭ ‬فضائيات‭ ‬التليفزيون‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬بالأساس‭ ‬لرجال‭ ‬أعمال‭. ‬ويحذر‭ ‬تقرير‭ ‬نادر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬بتونس‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬الاحتكار‭ ‬والتأثير‭ ‬السلبي‮»‬للوبيات‮»‬‭ ‬ولرؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬الأجنبية‭ ‬على‭ ‬حقل‭ ‬السياسة‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭. ‬وثمة‭ ‬دراسة‭ ‬لباحث‭ ‬ألماني‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬بين‭ ‬2011‭ ‬و2013‭ ‬تدلل‭ ‬على‭ ‬تأثير‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬المملوكة‭ ‬لرجال‭ ‬أعمال‭ ‬نظام‭ ‬مبارك‭ ‬‮«‬المحاسيب‮»‬‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬السياسة‭ ‬وانتقالها‭ ‬من‭ ‬ممالأة‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬وأول‭ ‬رئيس‭ ‬مدني‭ ‬منتخب‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬مرسي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬الإقصاء‭ ‬والإطاحة‭ ‬بهما‭ ‬وإعادة‭ ‬السلطة‭ ‬كاملة‭ ‬للعسكريين‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬ملكية‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬وتأسيس‭ ‬وتمويل‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭. ‬وهذا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬أجهزة‭ ‬أمن‭ ‬سرية‭ ‬لقنوات‭ ‬وصحف‭ ‬خاصة‭ ‬وشراكتها‭ ‬مع‭ ‬رجال‭ ‬أعمال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬وكما‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ارتفعت‭ ‬أصوات‭ ‬داخل‭ ‬مصر‭ ‬تُحذر‭ ‬من‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬لما‭ ‬يسمي‭ ‬بـ»المال‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬وغموض‭ ‬التمويل‭ ‬والشبهات‭ ‬حول‭ ‬الأموال‭ ‬الخارجية‭ ‬الخليجية‭ ‬واستثمار‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬أصحاب‭ ‬القنوات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الحزبية‭ ‬وبعدما‭ ‬جرى‭ ‬رصد‭ ‬تأسيس‭ ‬25‭ ‬قناة‭ ‬فضائية‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬2011‭. ‬وهذا‭ ‬مع‭ ‬الوعي‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬امتلاك‭ ‬قنوات‭ ‬إعلامية‭ ‬يُشكل‭ ‬مصدرًا‭ ‬قويًا‭ ‬لاتساع‭ ‬دائرة‭ ‬التأثير‭ ‬واستعمال‭ ‬أوراق‭ ‬الضغط‭ ‬وتشكيل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‮»‬‭.‬

واللافت‭ ‬أن‭ ‬هكذا‭ ‬حضور‭ ‬وتأثير‭ ‬لرجال‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الإعلام‭ ‬الخاص‭ ‬والسياسة‭ ‬معًا‭ ‬تُقابله‭ ‬مُفارقات‭ ‬تتقدمها‭ ‬نُدرة‭ ‬وضعف‭ ‬الصحف‭ ‬الحزبية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭. ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬نسبيًا‭ ‬وبدرجات‭ ‬متفاوتة‭ ‬في‭ ‬التجارب‭ ‬الثلاث‭ ‬أمام‭ ‬التعددية‭ ‬الحزبية‭ ‬وحرية‭ ‬التنظيم‭. ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المفارقة‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬ملحوظًا‭ ‬من‭ ‬موت‭ ‬الصحافة‭ ‬المطبوعة‭ ‬وانحسار‭ ‬توزيعها‭. ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تمنح‭ ‬فرصًا‭ ‬أعلى‭ ‬لمعالجات‭ ‬العمق‭ ‬ولمادة‭ ‬الرأي‭ ‬وللتحقيق‭ ‬الاستقصائي‭. ‬ولم‭ ‬تعرف‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭ ‬ـ‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تونس‭ ‬الأوفر‭ ‬حظًا‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬إعلام‭ ‬حر‭ ‬ومهني‭ ‬ـ‭ ‬استحداث‭ ‬آلية‭ ‬مؤسسية‭ ‬شفافة‭ ‬وموثوق‭ ‬بها‭ ‬تراقب‭ ‬وتحصي‭ ‬وتخبر‭ ‬القراء‭ ‬والمستمعين‭ ‬والمشاهدين‭ ‬والمتصفحين‭ ‬وكذا‭ ‬المعلنين‭ ‬بأرقام‭ ‬ومعدلات‭ ‬شراء‭ ‬الصحف‭ ‬والاستماع‭ ‬للإذاعات‭ ‬ومشاهدة‭ ‬التليفزيونات‭ ‬وتصفح‭ ‬المواقع‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الغياب‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬بالأصل‭ ‬بوضع‭ ‬تقييمات‭ ‬موضوعية‭ ‬وموثوقة‭ ‬عن‭ ‬فرص‭ ‬تأثير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬بشأن‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭. ‬

‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تحمل‭ ‬التجربتين‭ ‬المصرية‭ ‬والتونسية‭ ‬مفارقة‭ ‬تطرح‭ ‬ضرورة‭ ‬الحذر‭ ‬من‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬تأثير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ـ‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬ـ‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬العامة‭ ‬ومشاركة‭ ‬الناخبين‭. ‬ومبكرًا‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ (‬البرلمانية‭ ‬بين‭ ‬نوفمبر‭ ‬2011‭ ‬ويناير‭/‬جانفي‭ ‬2012‭) ‬لاحظ‭ ‬باحث‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬الناخبين‭ ‬تحركت‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس‭ ‬لتحريض‭ ‬البرامج‭ ‬الحوارية‭ ‬ضد‭ ‬المشاركة،‭ ‬واستخلص‭ ‬‮«‬فقدان‭ ‬الإعلام‭ ‬المصري‭ ‬لدوره‭ ‬ومصداقيته‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‮»‬‭. ‬وبإمكان‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬متابعته‭ ‬ومعايشته‭ ‬لأول‭ ‬انتخابات‭ ‬بلدية‭ ‬بتونس‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2018‭ ‬أن‭ ‬الخدمات‭ ‬الإعلامية‭ ‬المتميزة‭ ‬بخاصة‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتليفزيون‭ ‬الوطنيين‭ ‬العموميين‭ ‬بشأن‭ ‬البلديات‭ ‬ومشكلاتها‭ ‬وخريطة‭ ‬القوائم‭ ‬المرشحة‭ ‬وبرامجها‭ ‬وكأنها‭ ‬لم‭ ‬تؤثر‭ ‬كثيرًا‭ ‬فيما‭ ‬جرى‭ ‬واتضح‭ ‬مع‭ ‬الانخفاض‭ ‬الأكبر‭ ‬لنسبة‭ ‬التصويت‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬انتخابات‭ ‬عامة‭ ‬بعد‭ ‬الثورة،‭ ‬وقد‭ ‬تدنت‭ ‬إلى‭ ‬35‭.‬6‭%‬‭. ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬بشأن‭ ‬الانتخابات،‭ ‬فإن‭ ‬التجربتين‭ ‬المصرية‭ ‬والتونسية‭ ‬تثيران‭ ‬علامات‭ ‬استفهام‭ ‬بشأن‭ ‬سلامة‭ ‬ونزاهة‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ومراكزها‭ ‬وإمكانية‭ ‬تضليلها‭ ‬للناخبين‭. ‬وثمة‭ ‬ملاحظات‭ ‬وافتراضات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسوقها‭ ‬هنا‭ ‬بشأن‭ ‬‮«‬سيجما‭ ‬كونساي‮»‬‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ومركزي‭ ‬‮«‬الأهرام‮»‬‭ ‬للدراسات‭ ‬السياسية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬و»بصيرة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬لكن‭ ‬بالطبع‭ ‬فإننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دراسات‭ ‬مقارنة‭ ‬وتقييمية‭ ‬ونقدية‭ ‬لأداء‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬وتوظيفها‭ ‬إعلاميًا‭ ‬بعد‭ ‬2011‭.‬

وعلى‭ ‬ضوء‭ ‬تتبع‭ ‬الفضائيات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬أو‭ ‬الإذاعات‭ ‬والصحف‭ ‬ومواقع‭ ‬الإنترنت‭ ‬الإخبارية‭ ‬تُثار‭ ‬قضية‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والإقصاء‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬العنف،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬التكفير‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬والتخوين‭ ‬باسم‭ ‬الوطنية‭ ‬والدولة‭ ‬الوطنية‭. ‬ولقد‭ ‬حذر‭ ‬تقرير‭ ‬صدر‭ ‬مبكرًا‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬مع‭ ‬الذكرى‭ ‬الثانية‭ ‬لثورة‭ ‬يناير‭/‬جانفي‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬الإعلام‭ ‬لمصداقيته‭ ‬جراء‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬وتأثيره‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬التطور‭ ‬الديمقراطي‭. ‬وكان‭ ‬لافتًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬المبكر‭ ‬ـ‭ ‬وقبلما‭ ‬يصبح‭ ‬ملحوظًا‭ ‬انخراط‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬وبقوة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬ـ‭ ‬أن‭ ‬صحفًا‭ ‬خاصة‭ ‬تصدرت‭ ‬المراتب‭ ‬الأولي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬المهنية‭. ‬ولا‭ ‬تتوافر‭ ‬أمامنا‭ ‬دراسة‭ ‬مقارنة‭ ‬تسمح‭ ‬بتقدير‭ ‬وحجم‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والعنف‭ ‬والتحريض‭ ‬والتشهير‭ ‬بين‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬ومصر،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الكاتب‭ ‬قد‭ ‬تقدم‭ ‬بورقة‭ ‬إلى‭ ‬ندوة‭ ‬بالمغرب‭ ‬يناير‭/‬جانفي‭ ‬2017‭ ‬استخلصت‭ ‬استمرار‭ ‬ممارسة‭ ‬التشهير‭ ‬بواسطة‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬معًا‭ ‬مع‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬التفاوت‭ ‬بشأن‭ ‬فرص‭ ‬أكبر‭ ‬للتصحيح‭ ‬والرد‭ ‬في‭ ‬الثانية‭. ‬لكن‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬وأيضًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬متابعاته‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬افتراض‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬بكل‭ ‬مكوناته‭ ‬وأبعاده‭ ‬السلبية‭ ‬وصل‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬المصرية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الست‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬ولا‭ ‬يضاهى‭ ‬بما‭ ‬تشهده‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسية‭. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬لرصد‭ ‬وتحليل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بـ»خطاب‭ ‬كراهية‭ ‬الديمقراطية‮»‬‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أيضًا‭. ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬تنامى‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬وإلى‭ ‬نظام‭ ‬رئاسي‭ ‬سلطوي‭ ‬قوي‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬إغفال‭ ‬الطابع‭ ‬والامكانية‭ ‬المزدوجة‭ ‬والمتناقضة‭ ‬لدور‭ ‬البرامج‭ ‬الحوارية‭ ‬إذاعيًا‭ ‬وتليفزيونيًا‭. ‬أحيانًا‭ ‬يمكنها‭ ‬وفق‭ ‬شخصية‭ ‬وثقافة‭ ‬المذيع‭ ‬أو‭ ‬المنشط‭ ‬وتوجهات‭ ‬الوسيلة‭ ‬بشأن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والمهنية‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬الحريات‭ ‬وقيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وفي‭ ‬ممارسة‭ ‬الجمهور‭ ‬تفاعليًا‭ ‬لهذه‭ ‬القيم‭. ‬وقد‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬الحالات‭ ‬بالتجربة‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التالية‭ ‬مباشرة‭ ‬للثورة‭. ‬لكن‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬طغت‭ ‬اللامهنية‭ ‬والتحريض‭ ‬وخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والتكفير‭ ‬والتخوين،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬اختفاء‭ ‬وهجرة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬المهنيين‭ ‬المحترمين‭ ‬بل‭ ‬ومنعهم‭ ‬من‭ ‬العمل‭.‬

ولعل‭ ‬الفارق‭ ‬الأهم‭ ‬بشأن‭ ‬الحالة‭ ‬الإعلامية‭ ‬التونسية‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬وتأثيرها‭ ‬المفترض‭ ‬على‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬جوانب‭: ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الحيوية‭ ‬النسبية‭ ‬للمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وفرص‭ ‬دعمه‭ ‬لحُرية‭ ‬ومهنية‭ ‬الصحافة‭ ‬وبالتالي‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬المجتمعي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‭.. ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬فرص‭ ‬بزوغ‭ ‬وتطور‭ ‬إعلام‭ ‬جديد‭ ‬غير‭ ‬تقليدي‭ ‬وبخاصة‭ ‬عبر‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشهد‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بالتحديد‭ ‬تضييقًا‭ ‬وحصارًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوقين‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭. ‬أما‭ ‬الثالث‭ ‬فيتعلق‭ ‬بتوافر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬لإصلاح‭ ‬وتغيير‭ ‬الإعلام‭ ‬وبالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الدولي‭. ‬وثمة‭ ‬شواهد‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬التونسية‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمصرية‭ ‬والليبية‭ ‬ترجح‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬الإرادة‭. ‬وكما‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬عرفت‭ ‬مبكرًا‭ ‬وفي‭ ‬غضون‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬سن‭ ‬تشريعات‭ ‬لتحرير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬المرسومين‭ ‬115‭ ‬و116‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬مرسوم‭ ‬النفاذ‭ ‬إلى‭ ‬الوثائق‭ ‬الإدارية‭ ‬للهياكل‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬ذاته‭. ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬تعرفه‭ ‬ليبيا‭ ‬مطلقًا،‭ ‬كما‭ ‬تأخر‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬كي‭ ‬تصدر‭ ‬التشريعات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬روح‭ ‬وإرادة‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭. ‬بل‭ ‬ومع‭ ‬رغبة‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬إحكام‭ ‬السيطرة‭ ‬والرقابة‭ ‬على‭ ‬فضاءات‭ ‬الإعلام‭. ‬وثمة‭ ‬شاهد‭ ‬آخر‭ ‬يتعلق‭ ‬بإلغاء‭ ‬تونس‭ ‬مبكرًا‭ ‬وزارة‭ ‬الاتصال‭ ‬ونهائيًا‭. ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الحالة‭ ‬المصرية‭ ‬حيث‭ ‬عادت‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬بعد‭ ‬إلغائها‭ ‬في‭ ‬فبراير‭/ ‬فيفري‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬يوليو‭/‬جويليه‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬وعين‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬محرر‭ ‬عسكري،‭ ‬وإن‭ ‬حل‭ ‬محلها‭ ‬حاليًا‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬لتنظيم‭ ‬الإعلام‭.‬

قضايا للنقاش وتوصيات

تسهم‭ ‬الحُرية‭ ‬والمهنية‭ ‬بوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬المجتمعات‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عناصر‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتعزيزها‭ ‬من‭ ‬تعددية‭ ‬حزبية‭ ‬وتداول‭ ‬سلمي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬ومؤسسية‭ ‬وحُكم‭ ‬رشيد‭ ‬وقضاء‭ ‬مستقل‭ ‬وحُرية‭ ‬التنظيم‭ ‬والتظاهر‭ ‬والاحتجاج‭ ‬ومشروعية‭ ‬وحق‭ ‬معارضة‭ ‬الحكام‭ ‬والحكومات‭ ‬ونمو‭ ‬وتقوية‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬ومنظماته‭ ‬من‭ ‬نقابات‭ ‬وجمعيات‭ ‬والانتخابات‭ ‬الحرة‭ ‬النزيهة‭ ‬الشفافة‭ ‬جميعها‭ ‬وغيرها‭ ‬تُشكل‭ ‬البيئة‭ ‬المرافقة‭ ‬والمواتية‭ ‬لتطور‭ ‬إعلام‭ ‬حر‭ ‬ومهني‭. ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬من‭ ‬صحف‭ ‬وإذاعات‭ ‬وتليفزيونات‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬الجدلية‭ ‬تؤثر‭ ‬فيها‭ ‬وتتأثر‭ ‬بها‭. ‬وتترجم‭ ‬مسارات‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬بعد‭ ‬انتفاضات‭ ‬وثورات‭ ‬2011‭ ‬حساسية‭ ‬الإعلام‭ ‬للتطورات‭ ‬والتقلبات‭ ‬المجتمعية‭ ‬السياسية‭ ‬تقدمًا‭ ‬وتعثرًا‭ ‬وتراجعًا‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬والمنظور‭ ‬نفترض‭ ‬أن‭ ‬كسب‭ ‬معركة‭ ‬تحرر‭ ‬ومهنية‭ ‬الإعلام‭ ‬محل‭ ‬صراعات‭ ‬متعددة‭ ‬ومعقدة‭ ‬وطويلة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬المسارات‭ ‬حظًا،‭ ‬وكما‭ ‬هي‭ ‬حالة‭ ‬تونس‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬الحسم‭ ‬والقطيعة‭ ‬الثوريين‭ ‬فيما‭ ‬جرى‭ ‬بمنطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬كان‭. ‬كما‭ ‬نفترض‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬ـ‭ ‬باستثناءات‭ ‬محدودة‭ ‬ومتواضعة‭ ‬ـ‭ ‬لم‭ ‬تلعب‭ ‬بعد‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬ومؤثرًا‭ ‬كان‭ ‬مأمولًا‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التطور‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭. ‬بل‭ ‬بالإمكان‭ ‬الافتراض‭ ‬ثالثًا‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬وتوظيف‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬سواء‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬أو‭ ‬لرجال‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬عرقلة‭ ‬التحوُّل‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والانقضاض‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬بنائها‭ ‬يمثل‭ ‬ملمحًا‭ ‬بارزًا‭ ‬في‭ ‬المسارات‭ ‬الثلاثة،‭ ‬وإن‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬قدرًا‭ ‬من‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬دعم‭ ‬وفاعلية‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬أسهما‭ ‬في‭ ‬إضفاء‭ ‬هامش‭ ‬حرية‭ ‬أوسع‭ ‬أمام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬مقارنة‭ ‬بمصر‭ ‬وليبيا‭. ‬وبالتالي‭ ‬بالإمكان‭ ‬افتراض‭ ‬دور‭ ‬أكبر‭ ‬بالتجربة‭ ‬التونسية‭ ‬لإعادة‭ ‬تغذية‭ ‬وإثراء‭ ‬التحوُّل‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭. ‬وهذا‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬عوائق‭ ‬وعراقيل‭ ‬عدة‭ ‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتونس‭. ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الاستقطاب‭ ‬السياسي‭ ‬المجتمعي‭ ‬الثقافي‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الإسلاميين‮»‬‭ ‬و»العلمانيين‮»‬،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تأثيرات‭ ‬خطر‭ ‬الإرهاب‭ ‬وكلفة‭ ‬مكافحته‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والإعلام‭ ‬والحريات،‭ ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬هشاشة‭ ‬ظروف‭ ‬عمل‭ ‬وتشغيل‭ ‬الإعلاميين‭. ‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬قدرة‭ ‬الجمهور‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬والوعي‭ ‬بقيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬بشأنها‭ ‬تتطور‭ ‬خارج‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬المحلية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬متزايد‭. ‬وتؤكد‭ ‬نتائج‭ ‬استطلاع‭ ‬رأي‭ ‬أجري‭ ‬لحساب‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬شمل‭ ‬عينات‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬اكتساب‭ ‬معلومات‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الثقة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدي‭ ‬الخاضعة‭ ‬لسيطرة‭ ‬الحكومات‭. ‬ويطرح‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬على‭ ‬أجندة‭ ‬الإعلاميين‭ ‬الطامحين‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬والمهنية‭ ‬كيفية‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬إعلام‭ ‬جديد‭ ‬بفضائيه‭ ‬التقليدي‭ ‬وغير‭ ‬التقليدي‭. ‬وهنا‭ ‬تتولد‭ ‬ملاحظات‭ ‬وتساؤلات‭ ‬عدة‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الورقة،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭: ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬يمكن‭ ‬ممارسة‭ ‬النقد‭ ‬والتعديل‭ ‬الذاتيين‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العربية‭ ‬التقليدية؟‭.. ‬وما‭ ‬فرص‭ ‬استحداث‭ ‬صحف‭ ‬وإذاعات‭ ‬وتليفزيونات‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬مبتكرة‭ ‬وجادة‭ ‬وملتزمة‭ ‬بقيم‭ ‬الحُرية‭ ‬والمهنية‭ ‬واحترام‭ ‬الحقائق‭ ‬والعقل‭ ‬والجمهور‭ ‬وبدفع‭ ‬التطور‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وبما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اعتماد‭ ‬أشكال‭ ‬من‭ ‬الملكية‭ ‬تتضمن‭ ‬الإعلام‭ ‬الجمعياتي‭ ‬والمحلي‭ ‬الجهوي‭ ‬والمملوك‭ ‬بصيغ‭ ‬تعاونية (تعاضدية) ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬أنفسهم؟‭.‬

وتوصي هذه الورقة بـ:

  • تعاون‭ ‬مكونات‭ ‬حية‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إطلاق‭ ‬ورعاية‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية‭ ‬وشعبية،‭ ‬ولو‭ ‬تطلب‭ ‬الأمر‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬الاكتتاب‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭.‬
  • إصدار‭ ‬دورية‭ ‬مع‭ ‬موقع‭ ‬إلكتروني‭ ‬لبناء‭ ‬ثقافة‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭ ‬تُعالج‭ ‬جدلية‭ ‬الإعلام‭ ‬والديمقراطية‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬وإسهامات‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وليبيا‭ ‬وتونس،‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬يسمح‭ ‬بتبادل‭ ‬الخبرات‭ ‬بين‭ ‬إعلامييها‭ ‬وسياسييها‭ ‬ومثقفيها‭ ‬المعنيين‭ ‬بالتغيير‭.‬
  • إنشاء‭ ‬مرصد‭ ‬لحُرية‭ ‬ومهنية‭ ‬الإعلام‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬متابعة‭ ‬وتحليل‭ ‬المجريات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭. ‬وإذ‭ ‬لا‭ ‬تُعد‭ ‬معايير‭ ‬رصد‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬الانتخابات‭ ‬العامة‭ ‬كافية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تركيزها‭ ‬على‭ ‬أشكال‭ ‬الانتهاكات‭ ‬والالتزام‭ ‬بتكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬والإنصاف‭ ‬والحيادية‭. ‬وحقًا‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬رصد‭ ‬أشمل‭ ‬وأوسع‭ ‬ودائم‭ ‬يتطرق‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬مساهمة‭ ‬الإعلام‭ ‬أو‭ ‬إحجامه‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬قيم‭ ‬وثقافة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭.‬
  • دراسة‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬أدوار‭ ‬ومشكلات‭ ‬أداء‭ ‬نقابتي‭ ‬الصحفيين‭ ‬المصرية‭ ‬والتونسية‭ ‬بعد‭ ‬الثورة،‭ ‬ويعتبر‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬أنه‭ ‬معني‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬وقت‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق