إصداراتالدولتونسدورياتليبيامصرمنتدى دعم

دورية دعم 6: دور الإعلام في توجيه الرأي العام وأثرُه على عملية التحوُّل الديمقراطي

كلمة المركز

للرأي‭ ‬السائد‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬باعتبارها‭ ‬ديمقراطية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مواطنين،‭ ‬وجاهته‭ ‬النظرية‭ ‬والعملية‭. ‬يُفترض‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬توفيره‭ ‬لمادة‭ ‬فهم‭ ‬الفضاء‭ ‬السياسي‭ ‬والعام‭ ‬قصد‭ ‬إتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬للمواطنين‭ ‬وجميع‭ ‬الفاعلين‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬ومجريات‭ ‬السلطة‭ ‬والحكم‭. ‬فهو‭ ‬لذلك‭ ‬أداة‭ ‬أساسية‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬الوعي‭ ‬الفردي‭ ‬والمجتمعي‭ ‬الفاعلين‭ ‬والإيجابيين‭. ‬يؤدي‭ ‬العمل‭ ‬الإعلامي،‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يحترم‭ ‬أخلاقياته‭ ‬ومبادئه‭ ‬المهنية،‭ ‬إلى‭ ‬تحريف‭ ‬الواقع‭ ‬وخلق‭ ‬واقعِ‭ ‬يتحكم‭ ‬فيه‭ ‬المُستفيد‭ ‬والأقوى‭. ‬تمارس‭ ‬لوبيات‭ ‬المصالح‭ ‬اليوم‭ ‬دورًا‭ ‬سلبيًا‭ ‬في‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الإعلام‭ ‬وخلق‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭. ‬يبدو‭ ‬الأخير‭ ‬مُختَلقًا‭ ‬ومُصاغًا‭ ‬على‭ ‬قياس‭ ‬إرادات‭ ‬النفوذ‭ ‬والمال‭ ‬والسطوة،‭ ‬فيما‭ ‬تنزاح‭ ‬الإرادة‭ ‬الشعبية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تُصبح‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬الإجراء‭ ‬الانتخابي‭ ‬المناسباتي‭.‬

إذا‭ ‬كانت‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬المُستقرة‭ ‬تواجه‭ ‬أزمات‭ ‬مماثلة‭ ‬ونتائج‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬مُثُلها‭ ‬التاريخية،‭ ‬فالإشكالية‭ ‬تزداد‭ ‬تعقيدًا‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالانتقال‭ ‬الديمقراطي‭. ‬يشي‭ ‬المصطلح‭ ‬نفسه‭ ‬بتعقيد‭ ‬المفهوم‭ ‬وواقعه‭. ‬بينما‭ ‬تقتضي‭ ‬الديمقراطية‭ ‬مؤسسات‭ ‬وهياكل‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬عُمق‭ ‬مُجتمعي‭ ‬يقبلها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ،‭ ‬تعيش‭ ‬الهياكل‭ ‬والبنى‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬تماسك‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬فترة‭ ‬بناء‭ ‬وإعادة‭ ‬تصور‭ ‬كُلي‭ ‬خلال‭ ‬فترات‭ ‬الانتقال‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭. ‬كما‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أيضًا‭ ‬تزامن‭ ‬هذا‭ ‬الانتقال‭ ‬مع‭ ‬تحول‭ ‬مُجتمعي‭ ‬عميق‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬وجوده‭ ‬السياسي‭. ‬لا‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المُعطى‭ ‬المطلب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬عادة‭ ‬وراء‭ ‬الثورات‭ ‬والانتفاضات‭ ‬التي‭ ‬تمس‭ ‬من‭ ‬توليفة‭ ‬السلطة‭ ‬والمجتمع‭ ‬القديمة‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الخضم،‭ ‬يُصبح‭ ‬دور‭ ‬نقل‭ ‬المعلومة‭ ‬رهانًا‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬قوة‭ ‬الفعل‭ ‬والإرادة‭ ‬والحرية،‭ ‬أي‭ ‬تلك‭ ‬المبادئ‭ ‬والأساسيات‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬إلى‭ ‬حفظها‭. ‬تُعرّف‭ ‬المعلومة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬أداة‭ ‬الذهن‭ ‬وإطاره،‭ ‬فهي‭ ‬لذلك‭ ‬أداة‭ ‬تشكيل‭ ‬الواقع‭ ‬وبنائه‭. ‬لكن‭ ‬السؤال‭ ‬يُطرح‭ ‬عندما‭ ‬تُصبح‭ ‬عملية‭ ‬تشكيل‭ ‬وبناء‭ ‬الواقع‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬تزويره‭ ‬وتحريفه‭ ‬بما‭ ‬يُغالط‭ ‬الوعي‭ ‬والإرادة‭ ‬الشعبيين‭. ‬يسير‭ ‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الرهان‭ ‬الديمقراطي‭ ‬للمجتمع‭ ‬الحديث‭ ‬هو‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬عند‭ ‬محاولة‭ ‬نقله‭ ‬للمواطن،‭ ‬حتى‭ ‬يُتاح‭ ‬له‭ ‬فعليًا‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬فهمه‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬وأخذ‭ ‬موقف‭ ‬حُر‭ ‬وعقلاني‭ ‬منه‭. ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬تُصبح‭ ‬لإرادة‭ ‬المجتمع‭ ‬المفتوح‭ ‬قيمة‭ ‬وتأثيرًا‭ ‬في‭ ‬مأسسة‭ ‬الفضاء‭ ‬السياسي‭ ‬كأحد‭ ‬مُدخلاته‭ ‬الأساسية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬قيمة‭ ‬وتأثير‭ ‬في‭ ‬مُخرجاته‭.‬

لعب‭ ‬ويلعب‭ ‬الإعلام‭ ‬دورًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭. ‬وهو‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬التغيير‭ ‬وسيرورته،‭ ‬فهو‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬بالتاريخ‭ ‬الطويل‭ ‬للدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الثورات‭.‬

لذلك‭ ‬لم‭ ‬تغب‭ ‬سوسيولوجيا‭ ‬الأجساد‭ ‬والأفكار‭ ‬عن‭ ‬الورقة‭ ‬البحثية‭ ‬لريم‭ ‬بن‭ ‬رجب‭. ‬حفرت‭ ‬الورقة‭ ‬عميقًا‭ ‬في‭ ‬روافد‭ ‬التمييز‭ ‬والكراهية‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مسبق‭ ‬من‭ ‬الآراء‭ ‬والمواقف‭ ‬من‭ ‬الجنس‭ ‬واللباس‭ ‬والإرادة‭ ‬الفردية‭. ‬لا‭ ‬يُمثل‭ ‬حضور‭ ‬الشخصيات‭ ‬‮«‬المثقفة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الفنانين‮»‬‭ ‬بفُرجويتهم‭ ‬إلا‭ ‬انعكاسًا‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬مجتمعي‭ ‬وسائد‭ ‬فيه‭. ‬أبرزت‭ ‬الكاتبة‭ ‬كيف‭ ‬أصبح‭ ‬الإعلام‭ ‬منتجًا‭ ‬ومعيدًا‭ ‬لإنتاج‭ ‬الرموز‭ ‬والأفكار‭ ‬والسلوكات‭ ‬السائدة‭ ‬بدل‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬روافد‭ ‬التمييز‭ ‬والكراهية‭ ‬فيه‭.‬

يمكن‭ ‬للإعلام‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬صُنع‭ ‬السياسة‭ ‬العامة‭. ‬يُفترض‭ ‬فيه‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قوة‭ ‬مستقلة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬وإطلاق‭ ‬إشكاليات‭ ‬مُعينة‭ ‬ستُصبح‭ ‬لاحقًا‭ ‬من‭ ‬أجندة‭ ‬عمل‭ ‬السلطة‭.‬‭ ‬يمكن‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬معطى‭ ‬الاستقلالية‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬ملكية‮»‬‭ ‬المؤسسة‭ ‬الإعلامية‭ ‬وارتباطها،‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬معينة‭ ‬بالسلطة‭ ‬القائمة،‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬وليد‭ ‬الماجري‭ ‬في‭ ‬بحثه‭ ‬المعنون‭ ‬بـ»الإعلام‭ ‬التونسي‭: ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬النظام‭ ‬إلى‭ ‬سلطة‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬والمال‮»‬‭. ‬لا‭ ‬طالما‭ ‬هيكلت‭ ‬السلطة‭ ‬القائمة‭ ‬المجال‭ ‬الإعلامي‭ ‬بحيث‭ ‬تضمن‭ ‬مدخلاته‭ ‬أو‭ ‬مخرجاته،‭ ‬عبر‭ ‬المال‭ ‬أو‭ ‬القرار‭ ‬الإداري‭ ‬أو‭ ‬القمع‭ ‬المباشر،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬خوف‭ ‬مُهيمن‭ ‬ضمن‭ ‬‮«‬اقتصاد‭ ‬هيمنة‮»‬‭ ‬كامل‭ ‬سيطر‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬طوال‭ ‬عقود‭.‬

تشابك‭ ‬ضمن‭ ‬منظومة‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الإعلام‭ ‬سابقًا‭ ‬السلطوي‭ ‬بفروعه،‭ ‬سواء‭ ‬الحزبي‭ ‬أو‭ ‬الإداري،‭ ‬مع‭ ‬جو‭ ‬معمم‭ ‬من‭ ‬الفُرجوية‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬لفئات‭ ‬تستفيد‭ ‬بطريقة‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭. ‬كان‭ ‬الإعلام‭ ‬البديل‭ ‬متاحًا‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬الوطن‭ ‬أو‭ ‬محدودًا‭ ‬جدًا‭. ‬رغم‭ ‬انفتاح‭ ‬الفضاء‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬لم‭ ‬يتطور‭ ‬الإعلام‭ ‬البديل‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬ليوفر‭ ‬مضمونًا‭ ‬بديلًا‭ ‬يدعم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بدل‭ ‬الهيمنة‭. ‬بقيت‭ ‬تجربة‭ ‬الإعلام‭ ‬البديل‭ ‬محورة‭ ‬في‭ ‬أدوات‭ ‬أقل‭ ‬استقرارًا‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬التقليدية،‭ ‬رغم‭ ‬استفادتها‭ ‬من‭ ‬المحتوى‭ ‬الرقمي‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتقاطعها‭ ‬مع‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والمحلي‭. ‬لعله‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬مُعينة،‭ ‬كان‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الحراك‭ ‬العام،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬انتهى‭ ‬بانتهاء‭ ‬أسباب‭ ‬نجاحه‭ ‬الظرفي‭.‬

تضافر‭ ‬المقالان‭ ‬حول‭ ‬تونس،‭ ‬ليؤكدا‭ ‬أن‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬التاريخية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قائمًا،‭ ‬خاصة‭ ‬عبر‭ ‬الإشارة‭ ‬إما‭ ‬للوبيات‭ ‬المال‭ ‬والمصالح‭ ‬أو‭ ‬للهيمنة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهي‭ ‬هيمنة‭ ‬أعادت‭ ‬التموضع‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬السلطوية‭ ‬الجديدة‭. ‬وضع‭ ‬الدستور‭ ‬التونسي‭ ‬قواعد‭ ‬لعبة‭ ‬سياسية‭ ‬موسعة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬قصد‭ ‬الدفع‭ ‬بالانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬نحو‭ ‬الأمام‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬يُثبت‭ ‬تعثُره‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬عدة‭ ‬وهشاشته‭. ‬من‭ ‬أسبابه‭ ‬هو‭ ‬استغلال‭ ‬الإعلام‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬ملكيات‮»‬‭ ‬جديدة‭ ‬كانت‭ ‬معبرًا‭ ‬للمصالح‭ ‬السياسية‭ ‬الضيقة‭ ‬وتوظيفًا‭ ‬للقدرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬وتشكيل‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أهداف‭ ‬ضيقة‭ ‬ومصلحية‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬المجتمع‭ ‬بصدد‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬وجوده‭ ‬السياسي،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬بدأه‭ ‬منذ‭ ‬2011،‭ ‬فالإطار‭ ‬الدستوري‭ ‬والقانوني‭ ‬كان‭ ‬إحدى‭ ‬قاطراته‭ ‬المُهمة‭. ‬لكن‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬أثبت‭ ‬أن‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬بالتغيير‭ ‬إلى‭ ‬الغايات‭ ‬يمر‭ ‬بسيرورة‭ ‬مُعقدة‭ ‬تتضافر‭ ‬فيها‭ ‬الإرادات‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الموسَّع‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية،‭ ‬وبينهما‭ ‬واقع‭ ‬مُعقد‭ ‬بين‭ ‬التاريخي‭ ‬المؤثر‭ ‬والآني‭ ‬المتغير‭ ‬والمستقبلي‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬أفقه‭. ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬الرؤية‭ ‬والسياسة‭ ‬العامة‭ ‬المُستقرة‭ ‬والواضحة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬الغاية‭ ‬الديمقراطية‭ (‬في‭ ‬تعبيرتها‭ ‬الدستورية‭ ‬والقانونية‭ ‬كاملة‭)‬،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُصبح‭ ‬أدوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬والإعلام‭ ‬منها،‭ ‬سُلطة‭ ‬هيمنة‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬مضمون‭ ‬مقال‭ ‬الصحفي‭ ‬وليد‭ ‬الماجري‭ ‬حول‭ ‬انتقال‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬سلطة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭.‬

تسبّب‭ ‬عدم‭ ‬استقرار‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكسه‭ ‬العمل‭ ‬الإعلامي‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الانتخابية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬يثبت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬الحوار‭ ‬الذي‭ ‬أجراه‭ ‬كارم‭ ‬يحيى‭ ‬مع‭ ‬الصحفي‭ ‬الليبي‭ ‬أحمد‭ ‬الفيتوري،‭ ‬أن‭ ‬مجرد‭ ‬الكلام‭ ‬ليس‭ ‬تعبيرًا‭ ‬بل‭ ‬يُصبح‭ ‬صُراخًا‭. ‬هكذا‭ ‬يُقدم‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يستثن‭ ‬أحدًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬بموضوعية‭ ‬قاسية،‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬إعلامي‭ ‬يعتبره‭ ‬غير‭ ‬متبلور‭ ‬بعدُ‭. ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬البيزنطي‭ ‬في‭ ‬مقاله‭ ‬المعنون‭ ‬‮«‬قوالب‭ ‬الإعلام‭ ‬الجاهزة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭.. ‬مناقشة‭ ‬حول‭ ‬هيكلية‭ ‬التنوع‭ ‬السلبي‭ ‬للإعلام‭ ‬في‭ ‬ليبيا‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬البُعد‭ ‬عندما‭ ‬برهن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬تشكُّل‭ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي‭ ‬مرتهن‭ ‬بالانقسامات‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬إن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والمالية‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يُحدد‭ ‬الفكرة‭ ‬المُروج‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭. ‬طالما‭ ‬كانت‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬عدمية،‭ ‬فلا‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬إلا‭ ‬خطاب‭ ‬مشابه‭ ‬لها،‭ ‬يتعزز‭ ‬في‭ ‬أجوائه‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والتمييز‭. ‬لكن‭ ‬المسار‭ ‬المُعاكس‭ ‬أيضًا‭ ‬قد‭ ‬ثبت‭ ‬وجوده،‭ ‬حيث‭ ‬خلق‭ ‬الإعلام‭ ‬إشكاليات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬أو‭ ‬ضخَّم‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يجلب‭ ‬انتباه‭ ‬المجتمع‭. ‬يشتغل‭ ‬الإعلام‭ ‬سلبًا‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬ما‭ ‬ليُهدر‭ ‬رمزية‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يسترجع‭ ‬صوته‭ ‬الوطني‭ ‬والجامع‭.‬

استعرض‭ ‬كارم‭ ‬يحيى‭ ‬‮«‬جدلية‭ ‬الإعلام‭ ‬والديمقراطية‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬نظرة‭ ‬عامة‭ ‬مقارنة‭ ‬على‭ ‬الوسائل‭ ‬التقليدية‭ ‬بمصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬منذ‭ ‬2011‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يفته‭ ‬أن‭ ‬يحفُر‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الصمت‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬أشار‭ ‬كارم‭ ‬يحيى‭ ‬إلى‭ ‬مساهمات‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬ليستعرض‭ ‬محاولات‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سماه‭ ‬‮«‬الارتباط‭ ‬التفاعلي‮»‬‭ ‬بين‭ ‬صحافة‭ ‬حُرة‭ ‬ومهنية‭ ‬وبين‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الديمقراطية‭. ‬يستلزم‭ ‬كل‭ ‬تدقيق‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬ومخاضه‭ ‬الحقوقي‭ ‬والإنساني‭ ‬أن‭ ‬يتتبع‭ ‬كذلك‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي،‭ ‬بجميع‭ ‬روافده‭ ‬النخبوية‭ ‬أو‭ ‬المفتوحة،‭ ‬كالشباب‭ ‬المُبادر‭ ‬لتغطية‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الظروف‭ ‬الموضوعية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الديمقراطية‭.‬

تدفع‭ ‬دورية‭ ‬دعم‭ ‬السادسة‭ ‬نحو‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أسئلة‭ ‬عديدة‭.. ‬منها‭:‬

الإعلام‭ ‬كمهنة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭: ‬هي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬تموقع‭ ‬الصحفي‭ ‬في‭ ‬مُجتمعه‭ ‬طلبًا‭ ‬للاعتراف‭ ‬والتقدير‭ ‬الذاتي‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفعنا‭ ‬للتساؤل‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬الصحفيين‭ ‬القانونية،‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬التشغيل‭ ‬الهش‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وظروف‭ ‬عملهم‭ ‬الصعبة‭ ‬ومواجهتهم‭ ‬للعنف‭ ‬اليومي‭. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المستويات‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬الدور‭ ‬القيادي‭ ‬للإعلامي‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬بما‭ ‬يُعرقل‭ ‬توليد‭ ‬إعلاميين‭ ‬قادرين‭ ‬فعلًا‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬المجتمع،‭ ‬خاصة‭ ‬أنهم‭ ‬مهددون‭ ‬في‭ ‬ذواتهم‭.‬

الإعلام‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭: ‬يتشابك‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬مستويات‭ ‬الوجود‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المادي‭ ‬والمعنوي‭. ‬وتطور‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الوسائل‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬وسَّعت‭ ‬ونوعت‭ ‬من‭ ‬وسائط‭ ‬نقل‭ ‬المعلومة‭. ‬أية‭ ‬استراتيجية‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬ومجتمعاتنا‭ ‬بإزاء‭ ‬هذه‭ ‬التحولات؟

الإعلام‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭: ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التعريف‭ ‬مُختلط‭ ‬ومُعقد‭. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ووصف‭ ‬سياق‭ ‬التحوُّل‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬ذكره‭ ‬آنفًا،‭ ‬هل‭ ‬وكيف‭ ‬يضمن‭ ‬الإعلام‭ ‬ومعاييره‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والمهنية‭ ‬الانتقال‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان؟‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬حياد‭ ‬ونزاهة‭ ‬الإعلام‭ ‬بالصالح‭ ‬العام‭ ‬للشعوب‭ ‬التي‭ ‬تروم‭ ‬أن‭ ‬يستقر‭ ‬حالها‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واحترام‭ ‬الإنسان‭ ‬فيها؟

يفكر‭ ‬مركز‭ ‬دعم‭ ‬عاليًا‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬فضاءاتنا‭ ‬الخاصة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

قراءة‭ ‬ممتعة

الافتتاحية

الاعلام الحرّ والمستقلّ دعامة أساسية للديمقراطية

عماد مبارك
محامي وناشط حقوقي

عادة‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬ذكر‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬مقترنًا‭ ‬بمصطلح‭ ‬الإعلام،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬المؤثر‭ ‬لوسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬تصنيفاتها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬تقليدية‭ ‬أو‭ ‬رقمية‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬اتجاهات‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬مع‭ ‬اﻷخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬علاقة‭ ‬السُلطة‭ ‬بوسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالرأي‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الباحثون‭ ‬قد‭ ‬أقروا‭ ‬بأهمية‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ودوره‭ ‬فقد‭ ‬اختلفوا‭ ‬في‭ ‬تعريفه‭. ‬هذا‭ ‬التباين‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ينبُع‭ ‬من‭ ‬اختلاف‭ ‬طبيعة‭ ‬تخصص‭ ‬كل‭ ‬منهم‭.‬

وثمَّة‭ ‬تعريفات‭ ‬كثيرة‭ ‬جدًا‭ ‬للرأي‭ ‬العام،‭ ‬وتكاد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التعريفات‭ ‬تجمع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ومحاولة‭ ‬تغييره‭ ‬وتوجيهه‭ ‬والتأثير‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تكوين‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإقناع‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬التواصل‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يستلزمه‭ ‬من‭ ‬مناقشة‭ ‬مختلف‭ ‬اﻵراء‭ ‬وفحصها،‭ ‬ونقد‭ ‬اﻷفكار‭ ‬المعارضة،‭ ‬مع‭ ‬الاستعداد‭ ‬لقبولها‭ ‬إن‭ ‬ثبتت‭ ‬صحتها‭. ‬ففرض‭ ‬الرأي‭ ‬أو‭ ‬الفكر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القهر‭ ‬واﻹملاء‭ ‬ومطالبة‭ ‬اﻵخرين‭ ‬باعتناقه‭ ‬واﻷخذ‭ ‬به‭ ‬بغير‭ ‬اقتناع‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أبدًا‭ ‬تكوين‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬بالمعنى‭ ‬الدقيق‭ ‬للكلمة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬حرية‭ ‬الفكر‭ ‬والتعبير‭ ‬وإبداء‭ ‬الرأي‭ ‬هو‭ ‬اﻷساس‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ ‬الاتجاه‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬الحد‭ ‬اﻷدنى‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬معين،‭ ‬أو‭ ‬قضية‭ ‬معينة‭.‬

عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬اتجاهات‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬عدة‭ ‬أمور‭ ‬لفهم‭ ‬تأثير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬إيجابيًا‭ ‬أو‭ ‬سلبيًا‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وأحد‭ ‬أهم‭ ‬تلك‭ ‬اﻷمور‭ ‬هو‭ ‬سياق‭ ‬علاقة‭ ‬السلطة‭ ‬بوسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وهو‭ ‬التخوف‭ ‬الذي‭ ‬أثاره‭ ‬المقررين‭ ‬الخواص‭ ‬لحُرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬المشترك‭ ‬بمناسبة‭ ‬الذكرى‭ ‬السنوية‭ ‬العاشرة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬التحديات‭ ‬العشرة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لحُرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬المقبل‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬مُقدمة‭ ‬تلك‭ ‬التحديات‭ ‬تأتي‭ ‬آليات‭ ‬سيطرة‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام،‭ ‬فحسب‭ ‬الإعلان‭ ‬تعد‭ ‬السيطرة‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬فَتِئْتُ‭ ‬تحد،‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬تُشكل‭ ‬مُشكلة‭ ‬خطيرة‭. ‬وتتخذ‭ ‬تلك‭ ‬السيطرة‭ ‬أشكالًا‭ ‬عديدة،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نشعر‭ ‬بالقل‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬إزاء‭ ‬ممارسة‭ ‬النفوذ‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬السيطرة‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬العامة‭ ‬بحيث‭ ‬تستخدم‭ ‬كأدوات‭ ‬تنطق‭ ‬باسم‭ ‬الحكومة‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هيئات‭ ‬مستقلة‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭.‬

لذا‭ ‬تتناول‭ ‬هنا‭ ‬حُرية‭ ‬الفكر‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬كمدخل‭ ‬أو‭ ‬مظلة‭ ‬لحماية‭ ‬حُرية‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وأهمية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حُر‭ ‬وغير‭ ‬مُقيد‭ ‬للقيام‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬اﻷخبار‭ ‬واﻵراء‭ ‬واﻷفكار‭ ‬للمواطن،‭ ‬كذلك‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬وتداولها‭ ‬باعتباره‭ ‬حقًا‭ ‬ضروريًا‭ ‬لخدمة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ومساعدته‭ ‬في‭ ‬الاختيار‭ ‬والمشاركة،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬نحاول‭ ‬اﻹجابة‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬دور‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المصرية‭ ‬تضليل‭ ‬أم‭ ‬تأثير‭ ‬الرأي‭ ‬العام؟

حُرية الرأي والتعبير كمِظَلَّمة لحماية حُرية اﻹعلام والحصول على المعلومات وتداولها

إن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر‭ ‬مُختلفة‭ ‬حسبما‭ ‬تنص‭ ‬المادة‭ ‬19‭ ‬من‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ (‬أ‭) ‬الحق‭ ‬في‭ ‬اعتناق‭ ‬آراء‭ ‬دون‭ ‬مضايقة،‭ (‬ب‭) ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التماس‭ ‬المعلومات‭ ‬وتلقيها‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬تيسير‭ ‬الحصول‭ ‬عليها،‭ (‬ج‭) ‬الحق‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬المعلومات‭ ‬واﻷفكار‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬للحدود،‭ ‬شفاهًة‭ ‬أو‭ ‬كتابًة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مطبوع‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬فني‭ ‬أو‭ ‬بأي‭ ‬وسيلة‭ ‬أخرى‭ ‬يختارها‭ ‬المرء‭.‬

وتؤكد‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬السوابق‭ ‬القضائية،‭ ‬وتقارير‭ ‬المكلفين‭ ‬بإجراءات‭ ‬خاصة،‭ ‬وقرارات‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬اﻷمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والنظم‭ ‬اﻹقليمية‭ ‬لحقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬أن‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬‮«‬جوهرية‭ ‬للتمتع‭ ‬بسائر‭ ‬حقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬والحريات،‭ ‬ودعامة‭ ‬أساسية‭ ‬ﻹقامة‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي‭ ‬ولتعزيز‭ ‬الديمقراطية‮»‬‭.‬

فالحق‭ ‬في‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حق‭ ‬آخر‭ ‬رمز‭ ‬لترابط‭ ‬جميع‭ ‬حقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬وعدم‭ ‬قابليتها‭ ‬للتجزئة‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬اﻷساس،‭ ‬يُعتبر‭ ‬التمتع‭ ‬الفعال‭ ‬بهذا‭ ‬الحق‭ ‬مؤشرًا‭ ‬مهمًا‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬والحُريات‭ ‬اﻷساسية‭ ‬اﻷخرى‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬حقًا‭ ‬فرديًا‭ ‬بأوسع‭ ‬معنى‭ ‬التمتع‭ ‬به،‭ ‬فهو‭ ‬يُعتبر‭ ‬أيضًا‭ ‬حقًا‭ ‬جماعيًا‭ ‬إذ‭ ‬يمنح‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تلتمس‭ ‬وتتلقى‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬وتعبر‭ ‬عن‭ ‬آرائها‭ ‬الجماعية‭.‬

باﻹضافة‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬على‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬وحُرية‭ ‬تداول‭ ‬المعلومات،‭ ‬نصت‭ ‬النظم‭ ‬القانونية‭ ‬والدولية‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬الحُرة‭ ‬غير‭ ‬المُقيدة‭ ‬هي‭ ‬شرط‭ ‬ضروري‭ ‬لضمان‭ ‬تلك‭ ‬الحُريات،‭ ‬فقد‭ ‬قررت‭ ‬المحكمة‭ ‬اﻷوروبية‭ ‬لحقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أن‭ ‬اﻹعلام‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬حيويًا‭ ‬كمرصد‭ ‬عام‭ ‬وعليه‭ ‬مسئولية‭ ‬نقل‭ ‬المعلومات‭ ‬واﻷفكار‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والتي‭ ‬يحق‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬الحصول‭ ‬عليها،‭ ‬كذلك‭ ‬تمد‭ ‬الصحافة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬بأفضل‭ ‬السبل‭ ‬لاكتشاف‭ ‬وتشكيل‭ ‬الرأي‭ ‬بشأن‭ ‬أفكار‭ ‬ومواقف‭ ‬القيادات‭ ‬السياسية،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬جدال‭ ‬سياسي‭ ‬مفتوح‭ ‬وحُر،‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬جوهر‭ ‬مفهوم‭ ‬الديمقراطية‭.‬

فإذا‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬الناس‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬مجتمعهم،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬أعمال‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يحكمونهم‭ ‬مَخفِيَّة،‭ ‬لا‭ ‬يمكنهم‭ ‬المشاركة‭ ‬فعليًا‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬ذلك‭ ‬المجتمع‭. ‬وليس‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬حاجةً‭ ‬للناس‭ ‬فقط،‭ ‬إنّه‭ ‬شرط‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬الحكومة‭ ‬الصالحة‭. ‬تحتاج‭ ‬الحكومات‭ ‬السيئة‭ ‬إلى‭ ‬السريّة‭ ‬في‭ ‬أعمالها‭ ‬للبقاء،‭ ‬فهي‭ ‬تسمح‭ ‬بتعميق‭ ‬عدم‭ ‬الكفاءة‭ ‬والإسراف‭ ‬وازدهار‭ ‬الفساد‭.‬

وفي‭ ‬مُقدمة‭ ‬تقريره‭ ‬لعام‭ ‬2015‭ ‬يُشير‭ ‬المُقرر‭ ‬الخاص‭ ‬المعني‭ ‬بحماية‭ ‬وتعزيز‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حديثة‭ ‬عن‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اﻹفصاح‭ ‬أو‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬اﻷسرار‭ ‬يتطلب‭ ‬عادة‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر،‭ ‬وهي‭: ‬شخص‭ ‬لديه‭ ‬الاستعداد‭ ‬والقدرة‭ ‬لكشف‭ ‬المستور،‭ ‬وموصل‭ ‬للمعلومات‭ ‬أو‭ ‬منبر‭ ‬اتصال‭ ‬لنشر‭ ‬تلك‭ ‬المعلومات،‭ ‬ونظام‭ ‬قانوني‭ ‬وثقافة‭ ‬سياسية‭ ‬تحميها‭ ‬حماية‭ ‬فعالة‭. ‬ودون‭ ‬هذه‭ ‬التوليفة‭ – ‬المصدر،‭ ‬والنشر،‭ ‬والحماية‭ – ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سري‭ ‬يظل‭ ‬على‭ ‬اﻷغلب‭ ‬كذلك‭.‬

إعلام مُستقِل حُر وغير مُقيد

يُمكن‭ ‬تصور‭ ‬حُرية‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬حُرية‭ ‬النشر‭ ‬والتوزيع‭ ‬للمضامين‭ ‬على‭ ‬المنابر‭ ‬اﻹعلامية‭. ‬وهذا‭ ‬شرط‭ ‬مُسبق‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬وكذلك‭ ‬أي‭ ‬فرد‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور،‭ ‬وهذا‭ ‬أيضًا‭ ‬أمر‭ ‬جوهري‭ ‬لمؤسسات‭ ‬اﻹعلام‭ ‬اﻹخباري‭ ‬والمؤسسات‭ ‬اﻷخرى‭ ‬التي‭ ‬تُمارس‭ ‬الصحافة،‭ ‬ﻷن‭ ‬ما‭ ‬ينشرونه‭ ‬يُؤثر‭ ‬على‭ ‬السُلطة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬حُرية‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُؤثر‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬العام‭ ‬للحق‭ ‬في‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬حماية‭ ‬حُرية‭ ‬وسائل‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وتعزيزها‭ ‬أمر‭ ‬أساسي‭ ‬لتحقيق‭ ‬مجتمع‭ ‬أكثر‭ ‬ديمقراطية‭.‬

ودور‭ ‬الإعلام‭ ‬هو‭ ‬نشر‭ ‬الحقائق‭ ‬واﻵراء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭. ‬لكن‭ ‬هدف‭ ‬هذا‭ ‬النشر‭ ‬تزويد‭ ‬الناس‭ ‬بالمعلومات‭ ‬الصحيحة‭ ‬الصادقة‭. ‬وذلك‭ ‬بغرض‭ ‬معاونتهم‭ ‬ودفعهم‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬الرأي‭ ‬السليم‭ ‬إزاء‭ ‬مشكلة‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬مسألة‭ ‬عامة،‭ ‬إن‭ ‬هدف‭ ‬اﻹعلام‭ ‬هو‭ ‬نقل‭ ‬الصورة‭ ‬بأمانة‭ ‬وليس‭ ‬إنشاء‭ ‬هذه‭ ‬الصورة،‭ ‬لأن‭ ‬عملية‭ ‬إنشاء‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬المواطن‭.‬

قد‭ ‬يختلف‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬أولًا‭: ‬هل‭ ‬الانتقال‭ ‬لنظام‭ ‬ديمقراطي‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬نشأة‭ ‬إعلام‭ ‬مُستقل‭ ‬وحُر؟‭ ‬أم‭ ‬نشأة‭ ‬إعلام‭ ‬مُستقل‭ ‬وحُر‭ ‬سيساعد‭ ‬على‭ ‬حدوث‭ ‬التحول‭ ‬الديمقراطي؟‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬يختلف‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬استقلالية‭ ‬اﻹعلام‭ ‬ترتبط‭ ‬ارتباطًا‭ ‬وثيقًا‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬ومبادئها،‭ ‬وبقدرة‭ ‬اﻹعلام‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬وظيفته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬اﻷولى‭ ‬وهي‭ ‬الرقابة‭ ‬الذاتية‭ ‬للمجتمع‭.‬

وكلما‭ ‬كان‭ ‬اﻹعلام‭ ‬أكثر‭ ‬استقلالًا،‭ ‬كلما‭ ‬كانت‭ ‬تغطيته‭ ‬أكثر‭ ‬انضباطًا،‭ ‬وأشمل،‭ ‬وأكثر‭ ‬تمثيلًا‭ ‬للمجتمع‭ ‬بكافة‭ ‬أطيافه‭ ‬وغير‭ ‬مُنحازة‭ ‬لطرف‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬اﻵخر،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يساعد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أداءً‭ ‬مهنيًا‭ ‬أفضل‭ ‬ويضمن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬اﻹنسان‭ ‬اﻷساسية‭ ‬مثل‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬والتنظيم‭ ‬والمعرفة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬المُشاركة‭ ‬الفعَّالة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭.‬

سعت‭ ‬سوديشا‭ ‬بال‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬بحثية‭ ‬لها‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬حُرية‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‮»‬‭ ‬لفحص‭ ‬تأثير‭ ‬انعدام‭ ‬استقلالية‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وعدم‭ ‬توافر‭ ‬مناخ‭ ‬حُر‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬وقد‭ ‬قامت‭ ‬بقياس‭ ‬تأثير‭ ‬اﻹعلام‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬بسبعة‭ ‬مؤشرات‭ ‬منها،‭ ‬الاحتقان‭ ‬اﻹثني،‭ ‬التوتر‭ ‬الداخلي‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬حروب‭ ‬أهلية‭ ‬أو‭ ‬احتمالية‭ ‬حدوث‭ ‬انقلابات‭ ‬عسكرية‭ ‬أو‭ ‬حوادث‭ ‬إرهابية‭ ‬أو‭ ‬فوضى‭ ‬أهلية،‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬الجريمة‭ ‬والفوضى‭ ‬وعدم‭ ‬توافر‭ ‬نظام‭ ‬قضائي‭ ‬عادل‭ ‬يضبط‭ ‬النظام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ويُلزم‭ ‬المواطنين‭ ‬بالقانون،‭ ‬تدخل‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والحكم،‭ ‬واستقرار‭ ‬الحكومة‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬ومدى‭ ‬كفاءتها‭ ‬وفاعليتها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭.‬

حيث‭ ‬أكدت‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إليها‭ ‬بال‭ – ‬إحصائيًا‭ – ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬عكسية‭ ‬بين‭ ‬حُرية‭ ‬واستقلالية‭ ‬اﻹعلام‭ ‬وبين‭ ‬أربعة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المؤشرات‭ ‬السابق‭ ‬ذكرها‭. ‬فلو‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مناخ‭ ‬حُر‭ ‬للإعلام‭ ‬ﻷثَّر‭ ‬ذلك‭ ‬إيجابيًا‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬اللذين‭ ‬يؤثران‭ ‬بدورهما‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭. ‬واستنتجت‭ ‬أن‭ ‬اﻹعلام‭ ‬المستقل‭ – ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تسيطر‭ ‬عليه‭ ‬الدولة‭ ‬وجماعات‭ ‬المصالح‭ ‬والذي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إتاحة‭ ‬المعلومات‭ ‬بشكل‭ ‬مهني‭ ‬وتعزيز‭ ‬حق‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬آراءهم‭ – ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬وضع‭ ‬المسئولية‭ ‬والمحاسبة‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الحكومة‭ ‬ﻷنه‭ ‬عليها‭ ‬ضغطًا‭ ‬داخليًا‭ ‬وخارجيًا‭ ‬للتحسين‭ ‬من‭ ‬أدائها‭ ‬ومواجهة‭ ‬قصورها‭.‬

فلا‭ ‬غني‭ ‬لأي‭ ‬مُجتمع‭ ‬عن‭ ‬الصحافة‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬وسائط‭ ‬اﻹعلام‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬حُرة‭ ‬وغير‭ ‬خاضعة‭ ‬للرقابة‭ ‬وتعمل‭ ‬دون‭ ‬عراقيل‭ ‬وذلك‭ ‬لضمان‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬والتمتع‭ ‬بالحقوق‭ ‬اﻷخرى،‭ ‬وتُشكل‭ ‬الصحافة‭ ‬ووسائط‭ ‬اﻹعلام‭ ‬اﻷخرى‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬لمجتمع‭ ‬تسوده‭ ‬الديمقراطية‭.‬

جدلية الإعلام والديمقراطية : نظرة عامة مقارنة على الوسائل التقليدية بمصر وتونس وليبيا انطلاقا من 2011
كارم يحيى*
كاتب صحفي وباحث

‭*‬كاتب‭ ‬صحفي‭ ‬وباحث‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬ممارس‭ ‬لمهنة‭ ‬الصحافة‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬أربعين‭ ‬عامًا،‭ ‬مهتم‭ ‬بحرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬عمل‭ ‬مراسلًا‭ ‬لـ»الأهرام‮»‬‭ ‬بتونس‭ ‬بين‭ ‬نوفمبر‭ ‬2016‭ ‬و‭ ‬أغسطس‭ (‬أوت‭) ‬2018‭ ‬وله‭ ‬كتب‭ ‬تناقش‭ ‬تجربتها‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬مؤلف‭ ‬‮«‬حرية‭ ‬على‭ ‬الهامش‭: ‬في‭ ‬نقد‭ ‬أحوال‭ ‬الصحافة‭ ‬المصرية‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬طبعتين‭ ‬2005‭ ‬و2011‭ ‬و»تمرد‭ ‬في‭ ‬الثكنة‭: ‬الصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬وثورة‭ ‬25‭ ‬يناير‮»‬‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬2012‭ ‬و«الإعلام‭ ‬التونسي‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭: ‬رؤية‭ ‬مراسل‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬حول‭ ‬مصادر‭ ‬العمل‭ ‬الصحفي‮»‬‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬2019‭ ‬و«نقابة‭ ‬تحت‭ ‬الحصار‭: ‬تاريخ‭ ‬آخر‭ ‬للصحفيين‭ ‬المصريين‮»‬‭ ‬قيد‭ ‬النشر،‭ ‬و»القضية‭ ‬أ‭ ‬ب‭: ‬كيف‭ ‬استعدنا‭ ‬ضمانة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬لانتخابات‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭: ‬القضية‭ ‬ووثائقها‮»‬‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬أحمد‭ ‬راغب‭ ‬المحامي‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬2007‭ ‬و»مظاهرات‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬1909‭: ‬كتاب‭ ‬تذكاري‭ ‬توثيقي‭ ‬‮«‬‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬2009‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬خالد‭  ‬السرجاني‭ ‬وهدى‭ ‬نصر‭ ‬الله،‭ ‬من‭ ‬مؤسسي‭ ‬جماعة‭ ‬‮«‬صحفيون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغيير‮»‬‭ ‬بمصر‭ ‬2005‭ ‬وأول‭ ‬منسق‭ ‬عام‭ ‬لها‭.   ‬y

وكأنها‭ ‬من‭ ‬لزوم‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬وهذا‭ ‬الترابط‭ ‬بين‭ ‬إعلام‭ ‬حر‭ ‬مهني‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬وفرص‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ويُعززها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬أصبح‭ ‬بمثابة‭ ‬مسلمة‭ ‬من‭ ‬مسلمات‭ ‬الفكر‭ ‬والممارسة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لايزال‭ ‬وسيظل‭ ‬مطروحًا‭ ‬بإلحاح‭ ‬ويتجدد‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬عالمية‭ ‬وإقليمية‭. ‬ولا‭ ‬أدلَّ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الإلحاح‭ ‬والتجدد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬منظمة‭ ‬التربية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتربية‭ ‬والثقافة‭ ‬والعلوم‭ (‬اليونسكو‭) ‬تطرح‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬على‭ ‬أجندة‭ ‬اهتماماتها‭ ‬وأنشطتها‭ ‬مع‭ ‬صعود‭ ‬مخاطر‭ ‬‮«‬الشعبوية‮»‬‭ ‬والجدل‭ ‬حول‭ ‬آفاق‭ ‬استخدامات‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬وإمكانات‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭. ‬وبحلول‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬2019‭ ‬أطلقت‭ ‬حملتها‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ :‬‮»‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‭: ‬الصحافة‭ ‬والانتخابات‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‮»‬‭.‬

وبنظرة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ (‬اليونسكو‭) ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬تلفت‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬إشكالات‭ ‬ومخاطر‭ ‬توجيه‭ ‬الناخبين‭ ‬للتصويت‭ ‬بدوافع‭ ‬الغضب‭ ‬والخوف،‭ ‬أي‭ ‬بإثارة‭ ‬العواطف‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬وإعمال‭ ‬العقل‭ ‬والنقد‭ ‬لتقييم‭ ‬برامج‭ ‬المرشحين‭ ‬وخطابهم‭ ‬وسلوكهم‭ ‬السياسي‭. ‬كما‭ ‬يطرح‭ ‬خطاب‭ (‬اليونسكو‭) ‬هنا‭ ‬مستجدات‭ ‬السعي‭ ‬لتقويض‭ ‬دور‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬الناخبين‭ ‬مباشرة‭ ‬بوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وبتشويه‭ ‬سُمعة‭ ‬الصحافة‭ ‬المهنية‭ ‬والإسراف‭ ‬في‭ ‬مُصطلح‭ ‬‮«‬الأخبار‭ ‬الزائفة‮»‬‭. ‬وهي‭ ‬بالطبع‭ ‬مستجدات‭ ‬أو‭ ‬لنقل‭ ‬بتصرف‭ ‬لغوي‭ ‬‮«‬مستفحلات‮»‬‭ ‬تضرب‭ ‬في‭ ‬ديمقراطيات‭ ‬عريقة‭ ‬راسخة‭ ‬بأوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬وعالمنا‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬تُجاهد‭ ‬فيه‭ ‬الحريات‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والحقوق‭ ‬والمهنية‭ ‬كي‭ ‬تنبت‭ ‬في‭ ‬الصخر‭. ‬ولذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مُستغربًا‭ ‬أن‭ ‬تتضمن‭ ‬الدعوة‭ ‬لمؤتمر‭ ‬عالمي‭ ‬أقامته‭ (‬اليونسكو‭) ‬بمقر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬بأديس‭ ‬أبابا‭ ‬بين‭ ‬1‭ ‬و3‭ ‬مايو‭ ‬2019‭ ‬عبارات‭ ‬تنادى‭ ‬بـ»تعريف‭ ‬المواطنين‭ ‬بأن‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‭ ‬وتشويه‭ ‬سُمعة‭ ‬الصحافة‭ ‬يمثلان‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‮»‬،‭ ‬و»ضرورة‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بتوعية‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬باستمرار‭ ‬دورها‭ ‬الديمقراطي‭ ‬وكسب‭ ‬احترامه‭ ‬لهذا‭ ‬الدور‭ ‬وثقته‮»‬،‭ ‬والتشديد‭ ‬على‭ ‬كون‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الصحافة‭ ‬الحرة‭ ‬والمستقلة‭ ‬والمهنية‭ – ‬سواء‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬أو‭ ‬خارجه‭ – ‬تضطلع‭ ‬بدور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ولأنها‭ ‬توفر‭ ‬معلومات‭ ‬تتيح‭ ‬للمواطنين‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬مستنيرة‭ ‬داخل‭ ‬مكاتب‭ ‬الاقتراع‭ ‬وخارجه‮»‬‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬العالمي‭ ‬كما‭ ‬تُجسده‭ ‬انشغالات‭ (‬اليونسكو‭) ‬يتخطى‭ ‬كونه‭ ‬فعل‭ ‬مناسبة‭ ‬أو‭ ‬عفو‭ ‬خاطر‭ ‬ولحظة‭. ‬فالمنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬نفسها‭ ‬أصدرت‭ ‬تقريرًا‭ ‬إضافيًا‭ ‬وتفصيليًا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬رصدت‭ ‬في‭ ‬صفحاته‭ ‬الصراع‭ ‬الجاري‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬ترسيخ‭ ‬حُرية‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعرفة‭ ‬وانتشار‭ ‬المعلومات‭ ‬وبين‭ ‬مخاطر‭ ‬‮«‬الشعبوية‭ ‬السياسية‮»‬‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭ ‬وهذا‭ ‬الحق،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬للرقابة‭ ‬المُتزايدة‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬وحجب‭ ‬المعلومات‭ ‬بدعوى‭ ‬‮«‬حماية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‮»‬‭ ‬وتأثيرات‭ ‬تكاثر‭ ‬‮«‬الأخبار‭ ‬الملفقة‮»‬‭ ‬على‭ ‬المنافسات‭ ‬الانتخابية‭ ‬وتراجع‭ ‬ثقة‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬مع‭ ‬استهداف‭ ‬الصحفيين‭ ‬وإفلات‭ ‬الجناة‭ ‬من‭ ‬العقاب‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الأقاليم‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬لافتًا‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬الصحفيين‭ ‬بسبب‭ ‬ممارسة‭ ‬المهنة‭. ‬وقد‭ ‬سجل‭ ‬تقرير‭ (‬اليونسكو‭) ‬191‭ ‬حالة‭ ‬ضحية‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬إجمالي‭ ‬530‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2012‭ ‬و2016‭.‬

قتل الصحفيين بسبب ممارسة المهنة بين عامي 2012 و2016

0
في العالم العربي
0
في العالم

‭*‬وبالنسبة‭ ‬لخبرة‭ ‬صحفي‭ ‬ومهتم‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والديمقراطية‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬ألاحظ‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬منظماتها‭ ‬الأهم‭ ‬حول‭ ‬منتصف‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬التفتت‭ ‬بدورها‭ ‬ومنذ‭ ‬البدايات‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬هنا‭ ‬بـ»الارتباط‭ ‬التفاعلي‮»‬‭ ‬بين‭ ‬صحافة‭ ‬حُرة‭ ‬مهنية‭ ‬وبين‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الديمقراطية‭. ‬وكلاهما‭ ‬لاتزال‭ ‬مصر‭ ‬وعالمنا‭ ‬العربي‭ ‬بالمجمل‭ ‬يفتقده‭ ‬ويبحث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬عاصفة‭ ‬مضطربة‭. ‬بل‭ ‬ويتشوق‭ ‬إليه‭ ‬ويحلم‭ ‬به‭. ‬وفي‭ ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬عثرت‭ ‬في‭ ‬أرشيفي‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬نماذج‭ ‬تعكس‭ ‬الانشغال‭ ‬بهذا‭ ‬الارتباط‭. ‬وهي‭ ‬بمثابة‭ ‬أمثلة‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭. ‬وأحذِّر،‭ ‬فلا‭ ‬أسبغ‭ ‬عليها‭ ‬سبقًا‭ ‬أو‭ ‬ريادة،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬الحقوقي‭ ‬المصري‭.‬

الأول‭ ‬عن‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬الراحل‭ ‬الدكتور‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬سيد‭ ‬سعيد‮»‬‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬عقد‭ ‬التسعينيات‭ ‬متفائلًا‭ ‬بالتفاوض‭ ‬مع‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬جديد‭ ‬للصحافة‭. ‬وتساءل‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬من‭ ‬37‭ ‬صفحة‭ ‬لكتاب‭: ‬‮«‬هل‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬الربيع‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة؟‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬آمل‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬التقاء‭ ‬مواتية‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬وبين‭ ‬المثقفين‭ ‬ونقابة‭ ‬الصحفيين،‭ ‬وباعتبار‭ ‬أن‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬شرط‭ ‬لازم‭ ‬ومؤكد‭ ‬للوطنية‭ ‬المصرية‭ ‬ولنهوض‭ ‬عظيم‭ ‬للثقافة‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬حال‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬العربي‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭. ‬وربما‭ ‬ظن‭ ‬الكاتب‭ ‬المفكر‭ ‬الحقوقي‭ ‬حينها‭ ‬أن‭ ‬عند‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬المصرية‮»‬‭ ‬وعيًا‭ ‬ومصلحة‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬موارد‭ ‬‮«‬القوة‭ ‬الناعمة‮»‬‭ ‬لتحوز‭ ‬مكانة‭ ‬مميزة‭ ‬في‭ ‬إقليمها‭. ‬والنموذج‭ ‬الثاني‭ ‬جاء‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬عقد‭ ‬التسعينيات‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أعمدة‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية‭ ‬‮«‬محسن‭ ‬عوض‮»‬،‭ ‬حين‭ ‬دعا‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬مساحات‭ ‬توافق‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والمعارضة‭ ‬بشأن‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والربط‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬والتنمية‭. ‬وهذا‭ ‬بعدما‭ ‬ناقش‭ ‬ما‭ ‬اعتبره‭ ‬‮«‬تأثيرًا‭ ‬حاسمًا‮»‬‭ ‬تلعبه‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تأسيس‭ ‬الوعي‭ ‬العام‭ ‬بهذه‭ ‬الحقوق‭ ‬وتكريس‭ ‬مفاهيمها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدور‭ ‬الرقابي‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬المعلومات‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬ومتابعة‭ ‬قضايا‭ ‬الانتهاكات‭. ‬أما‭ ‬النموذج‭ ‬الثالث‭ ‬فمن‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬نخاله‭ ‬سردية‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الأدبيات‭ ‬الحقوقية‭ ‬عن‭ ‬حُرية‭ ‬الإعلام‭ ‬والانتخابات‭ ‬عرفتها‭ ‬مصر‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬ثورة‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬2011‭. ‬وهنا‭ ‬فإن‭ ‬الكتاب‭/ ‬النموذج‭ ‬الذي‭ ‬أمامنا‭ ‬ومع‭ ‬غياب‭ ‬شروط‭ ‬الانتخابات‭ ‬العامة‭ ‬الحُرة‭ ‬النزيهة‭ ‬الشفافة‭ ‬العادلة‭ ‬يجهر‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬‮«‬معتز‭ ‬الفجيري‮»‬ـ‭ ‬وهو‭ ‬ينتمى‭ ‬لجيل‭ ‬أحدث‭ ‬بالحركة‭ ‬الحقوقية‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬سعيد‭ ‬وعوض‭ ‬ـ‭ ‬بالسعي‭ ‬إلى‭ ‬إثراء‭ ‬دور‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نزاهة‭ ‬وتنافسية‭ ‬وشفافية‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية،‭ ‬مع‭ ‬نقل‭ ‬الخبرات‭ ‬والمعايير‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬المتراكمة‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬دوليًا‭ ‬وتأكيد‭ ‬حق‭ ‬الناخبين‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬وحق‭ ‬المرشحين‭ ‬في‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬الإعلامية‭.‬

«هل نأمل أن يمر الربيع علينا في القاهرة من بوابة حرية الصحافة؟»
الدكتور محمد سيد سعيد

وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬مهام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬الانتخابات‭ ‬ومناسباتها‭. ‬فهي‭ ‬تتجاوز‭ ‬إلى‭ ‬وظائف‭ ‬الإخبار‭ ‬الاحترافي‭ ‬المهني‭ ‬المتواصل‭ ‬عما‭ ‬يجرى‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬وما‭ ‬يتصل‭ ‬بعمليات‭ ‬التطور‭ ‬الديمقراطي‭ ‬خاصة‭ ‬وفتح‭ ‬نوافذ‭ ‬الحوار‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬تعدد‭ ‬الآراء‭ ‬والموضوعية‭ ‬حول‭ ‬كافة‭ ‬جوانب‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحريات‭ ‬والمواطنة‭ ‬وقضاياه‭ ‬ومحطاته‭ ‬ومعاركه‭. ‬كما‭ ‬تستدعي‭ ‬هذه‭ ‬الوظائف‭ ‬مشاركة‭ ‬الجمهور،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬إشاعة‭ ‬ثقافة‭ ‬عقلانية‭ ‬نقدية‭ ‬لديهم‭. ‬وورقتنا‭ ‬البحثية‭ ‬هذه‭ ‬تأخذ‭ ‬بمقاربة‭ ‬تفاعلية‭ ‬للارتباط‭ ‬بين‭ ‬إعلام‭ ‬حر‭ ‬ومهني‭ ‬وبين‭ ‬بناء‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وذلك‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بين‭ ‬أحوال‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬ومُأطٌرًا‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدي‭ ‬من‭ ‬صحافة‭ ‬وإذاعة‭ ‬وتليفزيون‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬وذلك‭ ‬بافتراض‭ ‬أن‭ ‬كلًا‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬والعملية‭ ‬والبيئة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬عمومها‭ ‬يؤثر‭ ‬ويتأثر‭ ‬بالآخر‭. ‬كما‭ ‬تستدعى‭ ‬الورقة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المصادر‭ ‬والمراجع‭ ‬الخبرات‭ ‬المباشرة‭ ‬لكاتبها‭ ‬كصحفي‭ ‬عَمِلَ‭ ‬وعاش‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وتونس،‭ ‬وتسعي‭ ‬لاستكمال‭ ‬نقص‭ ‬المعايشة‭ ‬المباشرة‭ ‬للمجتمع‭ ‬الليبي‭ ‬بالمقابلات‭ ‬حول‭ ‬واقع‭ ‬إعلامه‭ ‬وصحافته‭ ‬الراهن‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ولو‭ ‬مبدئيًا‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬التأسيس‭ ‬إلى‭ ‬نظرة‭ ‬عامة‭ ‬مقارنة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬تراث‭ ‬بحثي‭ ‬يأخذ‭ ‬بهذا‭ ‬المنظور‭ ‬بشأن‭ ‬مجتمعات‭ ‬ثلاثة‭ ‬تتباين‭ ‬مساراتها‭ ‬وتجاربها‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بعد‭ ‬الانتفاضات‭ ‬والثورات‭ ‬بين‭ ‬مجتمع‭ ‬تستمر‭ ‬فيه‭ ‬عمليات‭ ‬الانتقال‭ ‬بصراعاتها‭ ‬المُعقدة‭ ‬تقدمًا‭ ‬وانتكاسًا‭ ‬ومراوحة‭ (‬تونس‭)‬،‭ ‬وآخر‭ ‬اختفى‭ ‬فيه‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬أو‭ ‬كاد‭ ‬مع‭ ‬الانقسامات‭ ‬وغياب‭ ‬وانهيار‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬المركزية‭ (‬ليبيا‭)‬،‭ ‬وثالث‭ ‬انزلق‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬التسلط‭ ‬والاستبداد‭ ‬وحكم‭ ‬الفرد‭ ‬وانتهاك‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬باسم‭ ‬استعادة‭ ‬‮«‬هيبة‭ ‬الدولة‮»‬‭ (‬مصر‭). ‬ولعل‭ ‬المُفيد‭ ‬هنا‭ ‬مع‭ ‬استعادتنا‭ ‬لنماذج‭ ‬الخطاب‭ ‬الحقوقي‭ ‬المصري‭ ‬السابق‭ ‬على‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬السابق‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬ونعي‭ ‬هذا‭ ‬الطموح‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬نظم‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الانتفاضات‭ ‬والثورات‭. ‬وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬الانتفاضات‭ ‬والثورات‭ ‬أفادت‭ ‬بعجز‭ ‬هذه‭ ‬النظم‭ ‬عن‭ ‬الإصلاح‭ ‬وتلبية‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬التغيير،‭ ‬كما‭ ‬أطلقت‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬المطالبات‭ ‬والتوقعات‭ ‬بعدها‭ ‬بتغييرات‭ ‬أكثر‭ ‬جذرية‭.‬

بين «مراسلون بلا حدود» واتحاد الصحفيين العرب

تباينت‭ ‬مسارات‭ ‬الصراع‭ ‬حول‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ»ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ومصر‭ ‬وليبيا‭ ‬المجتمعات‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬أطاحت‭ ‬بحكام‭ ‬طُغاة‭ ‬مستبدين‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬عام‭ ‬2011‭. ‬واليوم‭ ‬وبعد‭ ‬نحو‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تواصل‭ ‬طريق‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬لكن‭ ‬بصعوبات‭ ‬جمة،‭ ‬فيما‭ ‬سقطت‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬حُكم‭ ‬استبدادي‭ ‬أشد‭ ‬قسوة‭ ‬ويُعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬ثورتها،‭ ‬بينما‭ ‬تُعاني‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬وفوضى‭ ‬مع‭ ‬تدخلات‭ ‬أجنبية‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬انهيار‭ ‬وغياب‭ ‬الدولة‭. ‬ويمنح‭ ‬تتبع‭ ‬تحولات‭ ‬مؤشر‭ ‬دليل‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬لمنظمة‭ ‬‮«‬مراسلون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‮»‬‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬أعوام‭ ‬2010‭ ‬و2011‭/‬2012‭ ‬و2019‭ ‬صورة‭ ‬مُبسطة‭ ‬لأوضاع‭ ‬وتغيرات‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الثلاثة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬وعلى‭ ‬أعتاب‭ ‬الانتفاضات‭ ‬أو‭ ‬الثورات‭ ‬مباشرة‭ ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬127‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬178‭ ‬دولة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬الحُريات‭ ‬الصحفية‭ ‬ونسبيًا‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭ (‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬160‭)‬،‭ ‬فيما‭ ‬تتأخر‭ ‬تونس‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬164‭. ‬وبعد‭ ‬الثورة‭ ‬مباشرة‭ ‬يقفز‭ ‬ترتيب‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬دليل‭ ‬عامي‭ ‬11‭/‬2012‭ ‬ليتخطى‭ ‬ثلاثين‭ ‬دولة،‭ ‬لتحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬134،‭ ‬وتتقدم‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭ ‬التي‭ ‬تحسَّن‭ ‬ترتبيها‭ ‬نسبيًا‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬155‭ ‬فيما‭ ‬تدهور‭ ‬وانزلق‭ ‬ترتيب‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬166‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬179‭ ‬دولة‭ ‬والأخيرة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التدهور‭ ‬والانزلاق‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬وتجربتي‭ ‬بالمعايشة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬والمملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬ما‭ ‬عرفناه‭ ‬من‭ ‬تحسن‭ ‬نسبي‭ ‬في‭ ‬هامش‭ ‬الحُرية‭ ‬والمهنية‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬التغيرات‭ ‬في‭ ‬المناخ‭ ‬السياسي‭ ‬العام‭ ‬وإجراء‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬تعددية‭ ‬حرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬يونيو‭/‬جوان‭ ‬2012‭.‬

ويُفيد‭ ‬دليل‭ ‬‮«‬مراسلون‭ ‬بلاد‭ ‬حدود‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬مايو‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬2019‭ ‬ببقاء‭ ‬مصر‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬التسعة‭ ‬عشر‭ ‬الأسوأ‭ ‬التي‭ ‬تُشكل‭ ‬‮«‬القائمة‭ ‬السوداء‮»‬،‭ ‬وحيث‭ ‬تحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬163‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬180‭ ‬دولة‭ ‬وتسبقها‭ ‬42‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬55‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬بالاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬و15‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬22‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬بالجامعة‭ ‬العربية‭. ‬كما‭ ‬استقرت‭ ‬ليبيا‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬‮«‬القائمة‭ ‬السوداء‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬المرتبة‭ ‬162‭ ‬أمام‭ ‬مصر‭ ‬مباشرة‭. ‬ولكن‭ ‬تأتى‭ ‬الأنباء‭ ‬السارة‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬حيث‭ ‬قفزت‭ ‬25‭ ‬مرتبة‭ ‬عن‭ ‬العام‭ ‬الأسبق‭ ‬2018‭ ‬وأصبحت‭ ‬تشغل‭ ‬المرتبة‭ ‬72‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬يُفيد‭ ‬تتبع‭ ‬تحولات‭ ‬هذا‭ ‬التصنيف‭ ‬الدولي‭ ‬بانقلاب‭ ‬لافت‭ ‬في‭ ‬الترتيب‭ ‬المقارن‭ ‬للدول‭ ‬الثلاث‭. ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬أسوأها‭ ‬قبل‭ ‬الانتفاضات‭ ‬والثورات‭ (‬تونس‭) ‬هو‭ ‬الأفضل‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الحالة‭ ‬التونسية‭ ‬ذهبت‭ ‬بعيدًا‭ ‬في‭ ‬مؤشرات‭ ‬التحسن‭ ‬وإلى‭ ‬الأمام‭ ‬متقدمة‭ ‬92‭ ‬مرتبة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬بينما‭ ‬تدهور‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬الأفضل‭ ‬نسبيًا‭ (‬مصر‭) ‬26‭ ‬مرتبة‭. ‬أما‭ ‬ليبيا‭ ‬فانتهت‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬ثمان‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬ثورتها‭ ‬إلى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬بين‭ ‬الأسوأ‭ ‬عالميًا‭ ‬مع‭ ‬تأخر‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬مرتبتين‭ ‬اثنتين‭.‬

وعلى‭ ‬خلاف‭ ‬هذا‭ ‬الدليل‭/‬التقرير‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬عوامل‭ ‬مُتعددة‭ ‬مُعتمدة‭ ‬عالميًا‭ ‬لقياس‭ ‬تطور‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬فإن‭ ‬تقرير‭ ‬الحريات‭ ‬السنوي‭ ‬لاتحاد‭ ‬الصحفيين‭ ‬العرب‭ ‬يمنح‭ ‬فرصة‭ ‬للباحثين‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬كيف‭ ‬تحدثت‭ ‬وتتحدث‭ ‬المنظمات‭ ‬النقابية‭ ‬للصحفيين‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬عن‭ ‬الصحافة‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬بلده‭. ‬ويحضرني‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬ساخرًا‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفي‭ ‬الراحل‭ ‬‮«‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬حافظ‮»‬‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للاتحاد‭ ‬عند‭ ‬إطلاق‭ ‬النسخة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬عام‭ ‬2006‭: ‬‮«‬نتحدث‭ ‬وكأننا‭ ‬في‭ ‬سويسرا‭ ‬أو‭ ‬اسكندنافيا‮»‬‭. ‬ولقد‭ ‬كتب‭ ‬صاحب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ناقدًا‭ ‬حال‭ ‬الاتحاد‭ ‬الذي‭ ‬يُسيطر‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬من‭ ‬يمكن‭ ‬وصفهم‭ ‬بـ»صحفيي‭ ‬الأنظمة‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬لنرى‭ ‬كيف‭ ‬تطور‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭.‬

مصر ليبيا تونس

تقرير‭ ‬سنة ‭ ‬2010 شمل 178 دولة

 المرتبة 127

المرتبة 160

المرتبة 164

تقرير‭ ‬سنة ‭ ‬2011- 2012 شمل 179 دولة

المرتبة 166

المرتبة 155

المرتبة 134

تقرير‭ ‬سنة ‭ ‬2019 شمل 180 دولة

المرتبة 160

المرتبة 162

المرتبة 72

بالنسبة‭ ‬لليبيا‭ ‬وفي‭ ‬تقرير‭ ‬2009‭/‬2010‭ ‬كتب‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لرابطة‭ ‬صحفييها‭ ‬‮«‬عاشور‭ ‬محمد‭ ‬التليسي‮»‬‭ ‬ربع‭ ‬صفحة‭ ‬فقط‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬استقرار‭ ‬الحالة‭ ‬الصحفية‮»‬‭ ‬مشيدًا‭ ‬بما‭ ‬اعتبره‭ ‬‮«‬انتعاش‭ ‬حُرية‭ ‬الرأي‭ ‬والحوار‮»‬‭ ‬نافيًا‭ ‬أي‭ ‬مُنغصات‭ ‬أو‭ ‬قيود،‭ ‬وخص‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬مراسلون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‮»‬‭ ‬بالهجوم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يجشم‭ ‬النفس‭ ‬عناء‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬انتهاك‭ ‬بعينه‭. ‬وقال‭ ‬هنا‭ ‬نصًا‭: ‬‮«‬أما‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يُكتب‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬منظمة‭ ‬مراسلون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬فإننا‭ ‬نخبركم‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬خبرنا‭ ‬طريقة‭ ‬تعاطيها‭ ‬للأخبار‭ ‬الموجهة‭ ‬للدول‭ ‬النامية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬ووصلنا‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬تامة‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬تُمثل‭ ‬إلا‭ ‬نفسها‭ ‬وما‭ ‬يصدر‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬دقيق‭ ‬في‭ ‬مُجمله‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬الرابطة‭ ‬نفسها‭ ‬عادت‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬التالي‭ ‬وبعد‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬لتُكذب‭ ‬السابق‭ ‬تمامًا‭. ‬وأقرت‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬البائد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معنيًا‭ ‬بإصلاح‭ ‬حقيقي‭ ‬لحالة‭ ‬إعلامية‭ ‬متراكمة‭ ‬فاشلة‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬فيها‭ ‬أدنى‭ ‬المعايير‭ ‬المهنية‮»‬‭. ‬كما‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬‮«‬انطلاق‭ ‬حركة‭ ‬صحفية‭ ‬إعلامية‭ ‬زاخرة‭ ‬مع‭ ‬فجر‭ ‬ثورة‭ ‬17‭ ‬فبراير‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬لها‭ ‬ليبيا‭ ‬مثيلًا‭ ‬بعد‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الكبت‭ ‬والقهر‭ ‬والظلم‭ ‬فصدرت‭ ‬مئات‭ ‬الصحف‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬المدن‭ ‬الليبية‭ ‬المحررة‭..‬‮»‬‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التفاؤل‭ ‬والحماسة‭ ‬ببزوغ‭ ‬فجر‭ ‬الحرية‭ ‬والمهنية‭ ‬بليبيا‭ ‬سُرعان‭ ‬ما‭ ‬ينقلب‭ ‬مع‭ ‬عامي‭ ‬2013‭/‬2014‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬قاتمة‭ ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬والاستشهاد‭ ‬بها،‭ ‬وبما‭ ‬يفيد‭ ‬بـ»تراجع‭ ‬حالة‭ ‬الحُريات‭ ‬الصحفية‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتخاصم‭ ‬والصراع‭ ‬والاقتتال‮»‬‭. ‬وينتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بغياب‭ ‬ليبيا‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬تقارير‭ ‬حريات‭ ‬اتحاد‭ ‬الصحفيين‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الأعوام‭ ‬التالية‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬تقرير‭ ‬2018‭/‬2019،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُترجم‭ ‬أيضًا‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬للتنظيم‭ ‬النقابي‭ ‬للصحفيين‭ ‬الليبيين‭.‬

أما‭ ‬إذا‭ ‬تتبعنا‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬تقارير‭ ‬الاتحاد‭ ‬عن‭ ‬2009‭ ‬و2010‭/‬2011‭ ‬و2018‭/‬2019‭ ‬بشأن‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬فيمكننا‭ ‬استنتاج‭ ‬أن‭ ‬النقابة‭ ‬الوطنية‭ ‬للصحفيين‭ ‬التونسيين‭ ‬شهدت‭ ‬تغييرات‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬نظيرتها‭ ‬المصرية‭ ‬وبما‭ ‬يعكس‭ ‬التطورات‭ ‬الأهم‭ ‬نسبيًا‭ ‬باتجاه‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭. ‬وبينما‭ ‬أصبح‭ ‬شاغل‭ ‬النقابة‭ ‬المصرية‭ ‬تسجيل‭ ‬بارد‭ ‬وبلا‭ ‬طعم‭ ‬ولا‭ ‬رائحة‭ ‬لبعض‭ ‬حالات‭ ‬صحفييها‭ ‬المحبوسين‭ ‬ومحاكمتهم‭ ‬بتهمتي‭ ‬‮«‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬جماعة‭ ‬محظورة‭.. ‬ونشر‭ ‬أخبار‭ ‬كاذبة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬بالمجمل‭ ‬قتامة‭ ‬الصورة‭ ‬العامة‭ ‬لتدهور‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ولا‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أعداء‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وسجاني‭ ‬الصحفيين‭ ‬اتجهت‭ ‬النقابة‭ ‬التونسية‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬خبرات‭ ‬رصد‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الصحفيون‭ ‬من‭ ‬انتهاكات‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬السلامة‭ ‬المهنية‭ ‬عالميًا‭. ‬وهذا‭ ‬بعدما‭ ‬سجل‭ ‬النقابيون‭ ‬التونسيون‭ ‬انتقالهم‭ ‬من‭ ‬التغطية‭ ‬والتواطؤ‭ ‬على‭ ‬بؤس‭ ‬حال‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬النظام‭ ‬التسلطي‭ ‬البائد‭ ‬إلى‭ ‬انفتاح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وما‭ ‬صحبه‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬انفلات‭ ‬وتعثر،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬استعادة‭ ‬النقابة‭ ‬ذاتها‭ ‬لاستقلاليتها‭ ‬وجهود‭ ‬المضي‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭. ‬

ملامح إعلامية وعثرات على طريق الديمقراطية

حقًا‭.. ‬رفعت‭ ‬الانتفاضات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ومصر‭ ‬وليبيا‭ ‬وما‭ ‬صحبها‭ ‬من‭ ‬طلب‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬إلى‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الثلاثة‭ ‬سقف‭ ‬التوقعات‭ ‬بإحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬جذرية‭ ‬سريعة‭ ‬ناجزة‭ ‬نحو‭ ‬حُرية‭ ‬ومهنية‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام،‭ ‬وبما‭ ‬يُسهِّل‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭. ‬وتعكس‭ ‬هذا‭ ‬التفاؤل‭ ‬وثيقة‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ (‬اليونسكو‭) ‬صيف‭ ‬2011‭ ‬بشأن‭ ‬مصر‭ ‬أكبر‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭ ‬تعدادًا‭ ‬للسكان‭ ‬وفي‭ ‬امتلاك‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬لنصيب‭ ‬أوفر‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬الصحافة‭ ‬والإذاعات‭ ‬والتليفزيونات‭ ‬مع‭ ‬تاريخية‭ ‬إشعاعها‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭. ‬ومع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬حاجة‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬وإصلاح‭ ‬فوري،‭ ‬قالت‭ ‬مقدمة‭ ‬الوثيقة‭ ‬التي‭ ‬استندت‭ ‬إلى‭ ‬مقابلات‭ ‬شخصية‭ ‬مع‭ ‬الفاعلين‭ ‬والمتداخلين‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬بالقاهرة‭: ‬‮«‬يبدو‭ ‬بشكل‭ ‬جلي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تغييرات‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬الحيلولة‭ ‬دون‭ ‬عودة‭ ‬الممارسات‭ ‬البائدة‭ ‬الباطلة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬والهيئة‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬شاهدناها‭ ‬عليها‮»‬‭.‬

وناهيك‭ ‬عما‭ ‬تبين‭ ‬لاحقًا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬وعثرات‭ ‬وانتكاسات‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تونس‭ ‬الأفضل‭ ‬حظًا،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬أبدًا‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭. ‬وعلى‭ ‬الأقل‭ ‬داخل‭ ‬كُبريات‭ ‬مؤسسات‭ ‬الإعلام‭ ‬المصرية‭ ‬وبحلول‭ ‬صيف‭ ‬2011‭ ‬ذاته‭. ‬ولقد‭ ‬سعى‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬إلى‭ ‬تسجيل‭ ‬وتوثيق‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأهرام‮»‬‭ ‬وكيف‭ ‬انتهت‭ ‬مساعي‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬سريعًا‭ ‬إلى‭ ‬الفشل‭. ‬وهكذا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يدفع‭ ‬إلى‭ ‬استخلاص‭ ‬مفاده‭: ‬‮«‬فشلنا‭ ‬كصحفيين‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬بقوانا‭ ‬الذاتية‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬الظروف‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬أكثر‭ ‬مؤاتاة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬25‭ ‬يناير‭/‬جانفي‭ ‬مباشرة‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬ا‭ ‬لاستخلاص‭ ‬أحد‭ ‬أوجه‭ ‬جدلية‭ ‬الإعلام‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وبالملموس‭. ‬حقًا‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬المطالبون‭ ‬بالإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬من‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬وضع‭ ‬سياسات‭ ‬تحرير‭ ‬مكتوبة‭ ‬تعتمد‭ ‬القواعد‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬المهنية‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬مجالس‭ ‬تحرير‭ ‬مسئولة،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬اعتذار‭ ‬للقراء‭ ‬عما‭ ‬كان‭. ‬وهكذا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬سمح‭ ‬بإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭.. ‬بل‭ ‬وبما‭ ‬هو‭ ‬أسوأ‭.‬

وبحلول‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬رصد‭ ‬تطور‭ ‬عبادة‭ ‬الحاكم‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬المانشتات‭ ‬وصور‭ ‬وأخبار‭ ‬الصفحات‭ ‬الأولى‭ ‬للجرائد‭ ‬اليومية‭ ‬المصرية‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬عينات‭ ‬منها‭ ‬منذ‭ ‬2010‭ ‬واستخلاص‭ ‬التراجع‭ ‬النسبي‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الثورة‭ ‬مباشرة‭ ‬ثم‭ ‬عودتها‭ ‬للنمو‭ ‬فانفجارها‭ ‬وتوحشها‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬المشير‭ ‬السيسي‭ ‬إلى‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬يونيو‭ ‬2014‭. ‬ولعلنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬ملاحظة‭ ‬إضافية‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬وبالمعايشة‭ ‬أيضًا‭. ‬فحتى‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬التأمل‭ ‬بدهشة‭ ‬مع‭ ‬توجيه‭ ‬التحية‭ ‬لشباب‭ ‬أسميناهم‭ ‬‮«‬صحفيي‭ ‬الجربندية‮»‬،‭ ‬يغامرون‭ ‬بالتعرض‭ ‬للإصابات‭ ‬والاعتقال‭ ‬بل‭ ‬والقتل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تغطية‭ ‬ميدانية‭ ‬لأحداث‭ ‬المظاهرات،‭ ‬ومع‭ ‬عودة‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬نهاية‭ ‬صيف‭ ‬2018‭ ‬من‭ ‬مهمة‭ ‬عمل‭ ‬بتونس‭ ‬لنحو‭ ‬العامين‭ ‬لاحظ‭ ‬اختفاء‭ ‬الزملاء‭ ‬الصحفيين‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬تام‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬قاعات‭ ‬المحاكم‭ ‬المفتوحة‭ ‬للعموم‭ ‬وفي‭ ‬قضايا‭ ‬رأي‭ ‬عام،‭ ‬بل‭ ‬وتخص‭ ‬الصحفيين‭ ‬ونقابتهم‭. ‬وهذا‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬تضيق‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قاعات‭ ‬العدالة،‭ ‬وبينهم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬حامل‭ ‬الحاسوب‭ ‬والكاميرا‭ ‬وأجهزة‭ ‬التسجيل‭. ‬وعندما‭ ‬سأل‭ ‬أعضاء‭ ‬بمجلس‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭ ‬أفادوا‭ ‬بأن‭ ‬الصحف‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬وعلى‭ ‬اختلاف‭ ‬أشكال‭ ‬ملكياتها‭ ‬أصبحت‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬على‭ ‬‮«‬النص‭ ‬الذي‭ ‬يملي‭ ‬على‭ ‬مقارها‭ ‬ومكاتبها‭ ‬أو‭ ‬يرسل‭ ‬إليها‭ ‬عبر‭ ‬مجموعات‭ ‬الـ‭(‬واتس‭ ‬آب‭) ‬وتتجنب‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬كلماته‭ ‬إيثارًا‭ ‬للسلامة‮»‬‭. ‬وثمة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬تؤكد‭ ‬سطوة‭ ‬وتحكُّم‭ ‬منظومة‭ ‬رقابية‭ ‬قاسية‭ ‬سابقة‭ ‬على‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬بمصر‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭. ‬وبما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تعطيل‭ ‬طباعة‭ ‬الصحيفة‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬حذف‭ ‬موضوعات‭ ‬خبرية‭ ‬أو‭ ‬مقالات‭ ‬رأي‭. ‬كذا‭ ‬إجبار‭ ‬المواقع‭ ‬الصحفية‭ ‬الإلكترونية‭ ‬على‭ ‬الحذف‭.‬

وعلى‭ ‬أي‭ ‬حال،‭ ‬فإن‭ ‬أحدث‭ ‬إحصاء‭ ‬للصحفيين‭ ‬والعاملين‭ ‬بمجال‭ ‬الإعلام‭ ‬المحبوسين‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بحلول‭ ‬منتصف‭ ‬يوليو‭/‬جويليه‭ ‬الحالي‭ ‬2019‭ ‬يتضمن‭ ‬32‭ ‬اسمًا‭ ‬يعود‭ ‬أقدمهم‭ ‬إلى‭ ‬أغسطس‭/‬أوت‭ ‬2013،‭ ‬ومعظمهم‭ ‬متهم‭ ‬بـ‮«‬نشر‭ ‬أخبار‭ ‬كاذبة‮»‬‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬‮«‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬محظور‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬مع‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الحبس‭ ‬الاحتياطي‭ ‬المديد‭ ‬المتجدد‭ ‬كعقوبة‭ ‬للمعارضين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يشتبه‭ ‬في‭ ‬معارضتهم‭. ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬جعل‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بحُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وسلامة‭ ‬الصحفيين‭ ‬تضع‭ ‬مصر‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬بين‭ ‬المرتبتين‭ ‬الثانية‭ ‬والثالثة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بشأن‭ ‬حبس‭ ‬الصحفيين‭. ‬وناهيك‭ ‬عن‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬المُقيدة‭ ‬والخطرة،‭ ‬فإن‭ ‬مصر‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬بعد‭ ‬إصدار‭ ‬قانون‭ ‬لإتاحة‭ ‬المعلومات‭. ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬عن‭ ‬النصوص‭ ‬العامة‭ ‬التقدمية‭ ‬في‭ ‬دستور‭ ‬2014‭ ‬بشأن‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭. ‬ومن‭ ‬قبيل‭ ‬المسلمات‭ ‬أن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعلومة‭ ‬ونشرها‭ ‬من‭ ‬أبجديات‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي‭. ‬

وفي‭ ‬الحالة‭ ‬الليبية‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أصبحت‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬ميداني‭ ‬وفي‭ ‬المكاتب‭ ‬والمقار‭ ‬وأمام‭ ‬المصادر‭ ‬ضاغطة‭ ‬على‭ ‬الصحفيين‭ ‬وحق‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭. ‬كما‭ ‬أخفقت‭ ‬السلطات‭ ‬الانتقالية‭ ‬فور‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالقذافي‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬وتطبيق‭ ‬تشريعات‭ ‬للتأسيس‭ ‬لنظام‭ ‬إعلامي‭ ‬جديد‭ ‬حُر‭ ‬مهني‭. ‬وأسهم‭ ‬انهيار‭ ‬وغياب‭ ‬الدولة‭ ‬والانقسام‭ ‬والاقتتال‭ ‬والميلشيات‭ ‬والجماعات‭ ‬المُتطرفة‭ ‬المُسلحة‭ ‬والتدخلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬صحفية‭ ‬خطرة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬أو‭ ‬غرب‭ ‬ليبيا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المناطق‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬الإعلاميين‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الرقابة‭ ‬الذاتية‭ ‬والهجرة‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭. ‬وحدها‭ ‬التجربة‭ ‬التونسية‭ ‬حققت‭ ‬تحسنًا‭ ‬نسبيًا‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬الصحفية‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬وبالمقارنة‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭. ‬ولعل‭ ‬مراجعة‭ ‬التقرير‭ ‬السنوي‭ ‬الأحدث‭ ‬لواقع‭ ‬الحُريات‭ ‬الصحفية‭ ‬بتونس‭ ‬ونتائج‭ ‬رصد‭ ‬انتهاكات‭ ‬سلامة‭ ‬الصحفيين‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬النقابة‭ ‬الوطنية‭ ‬للصحفيين‭ ‬التونسيين‭ ‬تُفيد‭ ‬بمخاطر‭ ‬ووقائع‭ ‬تدعو‭ ‬بدورها‭ ‬للقلق،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يُقارن‭ ‬ببؤس‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬الصحفي‭ ‬والتنكر‭ ‬لحق‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬المعلومة‭ ‬بمصر‭ ‬وليبيا‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فقد‭ ‬أقر‭ ‬البرلمان‭ ‬التونسي‭ ‬قانون‭ ‬‮«‬الحق‭ ‬في‭ ‬النفاذ‭ ‬إلى‭ ‬المعلومة‮»‬‭ ‬22‭ ‬مارس‭ ‬2016،‭ ‬ومن‭ ‬قبلها‭ ‬صدر‭ ‬مبكرًا‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬مرسوم‭ ‬‮«‬النفاذ‭ ‬إلى‭ ‬الوثائق‭ ‬الإدارية‭ ‬للهياكل‭ ‬العمومية‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬تطور‭ ‬لا‭ ‬تعرفه‭ ‬مصر‭ ‬وليبيا‭. ‬لكن‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬اختبر‭ ‬كمراسل‭ ‬صحفي‭ ‬بتونس‭ ‬فرص‭ ‬هذا‭ ‬النفاذ‭ ‬غير‭ ‬مرة،‭ ‬وانتهى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬لايزال‭ ‬يخالف‭ ‬النصوص‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عنها‭.‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬خطت‭ ‬خطوات‭ ‬أهم‭ ‬وأجرأ‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وليبيا‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬الحكومي‭ ‬السلطوي‭ ‬نحو‭ ‬إعلام‭ ‬الخدمة‭ ‬العامة‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬إصلاح‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬بشأن‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتليفزيون‭ ‬الوطنيين‭ ‬التونسيين‭. ‬ونظرة‭ ‬على‭ ‬نشرة‭ ‬الأخبار‭ ‬الرئيسية‭ ‬من‭ ‬القناة‭ ‬الأولى‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬التليفزيون‭ ‬المصري‭ ‬والتونسي‭ ‬كفيلة‭ ‬بأن‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬الفارق‭ ‬الشاسع‭ ‬حاليًا‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنًا‭ ‬ـ‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬والإذاعات‭ ‬ولا‭ ‬الصحف‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬وحتى‭ ‬الخاصة‭ ‬ـ‭ ‬تمرير‭ ‬انتقاد‭ ‬أو‭ ‬تحفظ‭ ‬إزاء‭ ‬التعديلات‭ ‬على‭ ‬الدستور‭ ‬المصري‭ ‬أبريل‭ ‬2019‭. ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬الطابع‭ ‬السلطوي‭ ‬الاستبدادي‭ ‬والفردي‭ ‬للحكم‭ ‬وتصادر‭ ‬فرص‭ ‬التداول‭ ‬على‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬لأطول‭ ‬أمد‭ ‬وتفرض‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬للسلطة‭ ‬السياسية‭ ‬التنفيذية‭ ‬على‭ ‬القضاء‭. ‬كما‭ ‬خضع‭ ‬استطلاع‭ ‬آراء‭ ‬المواطنين‭ ‬حول‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬الوقود‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬يوليو‭/‬جويليه‭ ‬2019‭ ‬لقيود‭ ‬أسئلة‭ ‬موجهة‭ ‬لتبرير‭ ‬الزيادات‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭. ‬

وعلى‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬تلعب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والمملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬دورا‭ ‬سلبيًا‭ ‬بوأد‭ ‬تكون‭ ‬رأي‭ ‬عام،‭ ‬وذلك‭ ‬بمصادرة‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬آراء‭ ‬متعددة‭ ‬عبر‭ ‬حوار‭ ‬مجتمعي‭ ‬حر‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬فرص‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬آرائهم‭ ‬بحرية‭ ‬وتعددية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬يمولونها‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬ويتحملون‭ ‬أعباء‭ ‬الخسائر‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬افتقادها‭ ‬للمهنية‭ ‬والحيوية‭ ‬والاستقلالية‭. ‬وبالمقابل‭ ‬ثمة‭ ‬مؤشرات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬اتجاه‭ ‬الإعلام‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬المملوك‭ ‬للدولة‭ ‬لاكتساب‭ ‬ثقة‭ ‬المستمعين‭ ‬والمشاهدين،‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬يفوق‭ ‬نظيره‭ ‬الخاص‭. ‬وحتى‭ ‬خلال‭ ‬أزمة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬يناير‭/‬جانفي‭ ‬2018‭. ‬ولذا‭ ‬اعتبر‭ ‬مستجوبون‭ ‬في‭ ‬استطلاع‭ ‬رأي‭ ‬بين‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬التونسيين‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬حيادية‭ ‬ومهنية‭. ‬ولقد‭ ‬عزز‭ ‬هذه‭ ‬الأفضلية‭ ‬لصالح‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬ومبكرًا‭ ‬تقرير‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬المستقلة‭ ‬للانتخابات‭ ‬بتونس‭ ‬عن‭ ‬انتخابات‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي‭ ‬أكتوبر‭ ‬2011‭. ‬وقد‭ ‬يعزي‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬المهم‭ ‬إلى‭ ‬الجهود‭ ‬المبكرة‭ ‬للهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬لإصلاح‭ ‬الإعلام‭ ‬والاتصال‭ ‬برئاسة‭ ‬الزميل‭ ‬‮«‬كمال‭ ‬العبيدي‮»‬‭ ‬والإسراع‭ ‬بإصدار‭ ‬المرسوم‭ ‬116‭ ‬المُتعلق‭ ‬بحُرية‭ ‬الاتصال‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري،‭ ‬وأيضًا‭ ‬جهود‭ ‬اللجنة‭ ‬الفرعية‭ ‬للصحافة‭ ‬والإعلام‭ ‬ضمن‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الثورة‭. ‬كما‭ ‬يعزي‭ ‬وبالأساس‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إرادة‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي‭ ‬نشأت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬بتونس‭ ‬من‭ ‬الأسفل‭.. ‬أي‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وبين‭ ‬الإعلاميين‭ ‬وليس‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬هرم‭ ‬الدولة‭. ‬ولكن‭ ‬ثمة‭ ‬وعي‭ ‬عند‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬ومن‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬مشهد‭ ‬الإعلام‭ ‬المملوك‭ ‬للدولة‭ ‬بمخاطر‭ ‬الانتكاس‭ ‬والتراجع‭ ‬وبأن‭ ‬التلكؤ‭ ‬عن‭ ‬قطع‭ ‬البلاد‭ ‬خطوات‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استقلال‭ ‬القضاء‭ ‬وإصلاحه‭ ‬يُهدد‭ ‬القدر‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬استقلال‭ ‬ومهنية‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬العمومية‭.‬

ولعل‭ ‬الجدل‭ ‬والصراع‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬حول‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬لهيئة‭ ‬جديدة‭ ‬للإعلام‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬يفيد‭ ‬بأن‭ ‬الطريق‭ ‬لايزال‭ ‬صعبًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحال‭ ‬أفضل‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المسار‭ ‬المصري‭ ‬بشأن‭ ‬الإعلام‭ ‬المملوك‭ ‬للدولة‭ ‬والذي‭ ‬ظل‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بإمبراطورية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المطبوعات‭ ‬الصحفية‭ ‬والإذاعات‭ ‬والقنوات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬دون‭ ‬إرادة‭ ‬إصلاح‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬تشريعات‭ ‬متأخرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬تُعزز‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬ورئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬وعلى‭ ‬الهيئات‭ ‬المُشرفة‭ ‬عليها‭: ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للإعلام‭ (‬إذاعة‭ ‬وتليفزيون‭) ‬والهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للصحافة‭ ‬‭(‬نحو‭ ‬55‭ ‬مطبوعة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مواقع‭ ‬إلكترونية‭) ‬والمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬لتنظيم‭ ‬الإعلام‭. ‬كما‭ ‬تُشير‭ ‬الممارسة‭ ‬إلى‭ ‬نزعة‭ ‬تسلطية‭ ‬تفرض‭ ‬الرقابة‭ ‬والمصادرة‭ ‬والحجب‭. ‬أما‭ ‬المسار‭ ‬الليبي‭ ‬فيبدو‭ ‬أنه‭ ‬بدأ‭ ‬بتوجه‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬بالأصل‭ ‬فحددتها‭ ‬الحكومة‭ ‬الانتقالية‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬ديسمبر‭ ‬2011‭ ‬بقناة‭ ‬تليفزيونية‭ ‬رسمية‭ ‬واحدة‭ ‬ومحطة‭ ‬إذاعية‭ ‬رسمية‭ ‬واحدة‭ ‬وصحيفة‭ ‬رسمية‭ ‬واحدة،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬الانقسام‭ ‬ويجرى‭ ‬توزع‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬بين‭ ‬المناطق‭. ‬ومع‭ ‬غياب‭ ‬الدولة‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬افتراض‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬إذاعة‭ ‬ولا‭ ‬تليفزيون‭ ‬ولا‭ ‬صحيفة‭ ‬واحدة‭ ‬يمكنها‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬ليبيا‭ ‬كلها،‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬باستثناءات‭ ‬نادرة‭. ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الإذاعات‭ ‬والتليفزيونات‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬التحرر‭ ‬والمهنية‭ ‬وكسب‭ ‬ثقة‭ ‬الجمهور‭ ‬مقارنة‭ ‬بالتجربة‭ ‬التونسية‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬جعلها‭ ‬تتخلف‭ ‬عن‭ ‬قنوات‭ ‬وإذاعات‭ ‬خاصة‭. ‬

وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬فإن‭ ‬التقدم‭ ‬الأبرز‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬المسيرة‭ ‬العسيرة‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬الحكومي‭ ‬السلطوي‭ ‬باتجاه‭ ‬الإعلام‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬العمومي‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬تونس،‭ ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬العثرات‭ ‬والعراقيل‭. ‬وثمة‭ ‬شهادة‭ ‬مبكرة‭ ‬لـ»اليونسكو‮»‬‭ ‬حين‭ ‬أقرت‭ ‬في‭ ‬خريف‭ ‬2012‭ ‬بأن‭: ‬‮«‬منذ‭ ‬14‭ ‬جانفي‭/‬يناير‭ ‬2011‭ ‬حسنت‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬تنوع‭ ‬الآراء‭ ‬ودرجة‭ ‬تمثيل‭ ‬الجمهور‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭.. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬تراتيب‭ ‬لأخذ‭ ‬رأي‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬تعيين‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬31‭ ‬يوليو‭/‬جويليه‭ ‬تابع‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬عبر‭ ‬شاشة‭ ‬التليفزيون‭ ‬الوطني‭ ‬بتونس‭ ‬بث‭ ‬مناظرة‭ ‬بين‭ ‬ثلاثة‭ ‬مرشحين‭ ‬لمنصب‭ ‬الرئيس‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬لمؤسسة‭ ‬التلفزة‭ ‬الوطنية‭ ‬نظمتها‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬المستقلة‭ ‬للاتصال‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭. ‬وهو‭ ‬حدث‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬بتونس‭ ‬بل‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي‭ ‬بأسره،‭ ‬وأن‭ ‬يظل‭ ‬معلومًا‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬التونسية‭ ‬تحتفظ‭ ‬بقرار‭ ‬التعيينات‭ ‬في‭ ‬هكذا‭ ‬مناصب‭ ‬بالإعلام‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬والصحافة‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬والمصادرة‭ ‬لحسابها،‭ ‬وتخالف‭ ‬غير‭ ‬مرة‭ ‬نصوصًا‭ ‬قانونية‭ ‬مستحدثة‭ ‬بشأن‭ ‬الأخذ‭ ‬بالرأي‭ ‬المطابق‭ (‬للهايكا‭) ‬ومنظمات‭ ‬التعديل‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬المهنة‭. ‬

‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬التطور‭ ‬الأهم‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬نشأة‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬خاصة‭ ‬جديدة‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الإذاعات‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬معا‭ ‬فيما‭ ‬أبقت‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬قبضتها‭ ‬الفولاذية‭ ‬واحتكارها‭ ‬لموجات‭ ‬البث‭ ‬الإذاعي‭ ‬تمامًا‭. ‬وثمة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬فرص‭ ‬لتطور‭ ‬إذاعات‭ ‬جهوية‭ ‬وجمعياتية‭. ‬ويمكنها‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬إيجابيًا‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي‭ ‬ولا‭ ‬مركزي،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬مؤشرات‭ ‬إقبال‭ ‬وثقة‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬على‭ ‬الإذاعة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالصحف‭ ‬المطبوعة‭ ‬والتليفزيون‭. ‬ولكن‭ ‬التجارب‭ ‬الثلاث‭ ‬تعاني‭ ‬معًا‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الشفافية‭ ‬في‭ ‬ملكية‭ ‬فضائيات‭ ‬التليفزيون‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬بالأساس‭ ‬لرجال‭ ‬أعمال‭. ‬ويحذر‭ ‬تقرير‭ ‬نادر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬بتونس‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬الاحتكار‭ ‬والتأثير‭ ‬السلبي‮»‬للوبيات‮»‬‭ ‬ولرؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬الأجنبية‭ ‬على‭ ‬حقل‭ ‬السياسة‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭. ‬وثمة‭ ‬دراسة‭ ‬لباحث‭ ‬ألماني‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬بين‭ ‬2011‭ ‬و2013‭ ‬تدلل‭ ‬على‭ ‬تأثير‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬المملوكة‭ ‬لرجال‭ ‬أعمال‭ ‬نظام‭ ‬مبارك‭ ‬‮«‬المحاسيب‮»‬‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬السياسة‭ ‬وانتقالها‭ ‬من‭ ‬ممالأة‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬وأول‭ ‬رئيس‭ ‬مدني‭ ‬منتخب‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬مرسي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬الإقصاء‭ ‬والإطاحة‭ ‬بهما‭ ‬وإعادة‭ ‬السلطة‭ ‬كاملة‭ ‬للعسكريين‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬ملكية‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬وتأسيس‭ ‬وتمويل‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭. ‬وهذا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬أجهزة‭ ‬أمن‭ ‬سرية‭ ‬لقنوات‭ ‬وصحف‭ ‬خاصة‭ ‬وشراكتها‭ ‬مع‭ ‬رجال‭ ‬أعمال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬وكما‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ارتفعت‭ ‬أصوات‭ ‬داخل‭ ‬مصر‭ ‬تُحذر‭ ‬من‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬لما‭ ‬يسمي‭ ‬بـ»المال‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬وغموض‭ ‬التمويل‭ ‬والشبهات‭ ‬حول‭ ‬الأموال‭ ‬الخارجية‭ ‬الخليجية‭ ‬واستثمار‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬أصحاب‭ ‬القنوات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الحزبية‭ ‬وبعدما‭ ‬جرى‭ ‬رصد‭ ‬تأسيس‭ ‬25‭ ‬قناة‭ ‬فضائية‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬2011‭. ‬وهذا‭ ‬مع‭ ‬الوعي‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬امتلاك‭ ‬قنوات‭ ‬إعلامية‭ ‬يُشكل‭ ‬مصدرًا‭ ‬قويًا‭ ‬لاتساع‭ ‬دائرة‭ ‬التأثير‭ ‬واستعمال‭ ‬أوراق‭ ‬الضغط‭ ‬وتشكيل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‮»‬‭.‬

واللافت‭ ‬أن‭ ‬هكذا‭ ‬حضور‭ ‬وتأثير‭ ‬لرجال‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الإعلام‭ ‬الخاص‭ ‬والسياسة‭ ‬معًا‭ ‬تُقابله‭ ‬مُفارقات‭ ‬تتقدمها‭ ‬نُدرة‭ ‬وضعف‭ ‬الصحف‭ ‬الحزبية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭. ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬نسبيًا‭ ‬وبدرجات‭ ‬متفاوتة‭ ‬في‭ ‬التجارب‭ ‬الثلاث‭ ‬أمام‭ ‬التعددية‭ ‬الحزبية‭ ‬وحرية‭ ‬التنظيم‭. ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المفارقة‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬ملحوظًا‭ ‬من‭ ‬موت‭ ‬الصحافة‭ ‬المطبوعة‭ ‬وانحسار‭ ‬توزيعها‭. ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تمنح‭ ‬فرصًا‭ ‬أعلى‭ ‬لمعالجات‭ ‬العمق‭ ‬ولمادة‭ ‬الرأي‭ ‬وللتحقيق‭ ‬الاستقصائي‭. ‬ولم‭ ‬تعرف‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭ ‬ـ‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تونس‭ ‬الأوفر‭ ‬حظًا‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬إعلام‭ ‬حر‭ ‬ومهني‭ ‬ـ‭ ‬استحداث‭ ‬آلية‭ ‬مؤسسية‭ ‬شفافة‭ ‬وموثوق‭ ‬بها‭ ‬تراقب‭ ‬وتحصي‭ ‬وتخبر‭ ‬القراء‭ ‬والمستمعين‭ ‬والمشاهدين‭ ‬والمتصفحين‭ ‬وكذا‭ ‬المعلنين‭ ‬بأرقام‭ ‬ومعدلات‭ ‬شراء‭ ‬الصحف‭ ‬والاستماع‭ ‬للإذاعات‭ ‬ومشاهدة‭ ‬التليفزيونات‭ ‬وتصفح‭ ‬المواقع‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الغياب‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬بالأصل‭ ‬بوضع‭ ‬تقييمات‭ ‬موضوعية‭ ‬وموثوقة‭ ‬عن‭ ‬فرص‭ ‬تأثير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬بشأن‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭. ‬

‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تحمل‭ ‬التجربتين‭ ‬المصرية‭ ‬والتونسية‭ ‬مفارقة‭ ‬تطرح‭ ‬ضرورة‭ ‬الحذر‭ ‬من‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬تأثير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ـ‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬ـ‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬العامة‭ ‬ومشاركة‭ ‬الناخبين‭. ‬ومبكرًا‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ (‬البرلمانية‭ ‬بين‭ ‬نوفمبر‭ ‬2011‭ ‬ويناير‭/‬جانفي‭ ‬2012‭) ‬لاحظ‭ ‬باحث‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬الناخبين‭ ‬تحركت‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس‭ ‬لتحريض‭ ‬البرامج‭ ‬الحوارية‭ ‬ضد‭ ‬المشاركة،‭ ‬واستخلص‭ ‬‮«‬فقدان‭ ‬الإعلام‭ ‬المصري‭ ‬لدوره‭ ‬ومصداقيته‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‮»‬‭. ‬وبإمكان‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬متابعته‭ ‬ومعايشته‭ ‬لأول‭ ‬انتخابات‭ ‬بلدية‭ ‬بتونس‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2018‭ ‬أن‭ ‬الخدمات‭ ‬الإعلامية‭ ‬المتميزة‭ ‬بخاصة‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتليفزيون‭ ‬الوطنيين‭ ‬العموميين‭ ‬بشأن‭ ‬البلديات‭ ‬ومشكلاتها‭ ‬وخريطة‭ ‬القوائم‭ ‬المرشحة‭ ‬وبرامجها‭ ‬وكأنها‭ ‬لم‭ ‬تؤثر‭ ‬كثيرًا‭ ‬فيما‭ ‬جرى‭ ‬واتضح‭ ‬مع‭ ‬الانخفاض‭ ‬الأكبر‭ ‬لنسبة‭ ‬التصويت‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬انتخابات‭ ‬عامة‭ ‬بعد‭ ‬الثورة،‭ ‬وقد‭ ‬تدنت‭ ‬إلى‭ ‬35‭.‬6‭%‬‭. ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬بشأن‭ ‬الانتخابات،‭ ‬فإن‭ ‬التجربتين‭ ‬المصرية‭ ‬والتونسية‭ ‬تثيران‭ ‬علامات‭ ‬استفهام‭ ‬بشأن‭ ‬سلامة‭ ‬ونزاهة‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ومراكزها‭ ‬وإمكانية‭ ‬تضليلها‭ ‬للناخبين‭. ‬وثمة‭ ‬ملاحظات‭ ‬وافتراضات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسوقها‭ ‬هنا‭ ‬بشأن‭ ‬‮«‬سيجما‭ ‬كونساي‮»‬‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ومركزي‭ ‬‮«‬الأهرام‮»‬‭ ‬للدراسات‭ ‬السياسية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬و»بصيرة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬لكن‭ ‬بالطبع‭ ‬فإننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دراسات‭ ‬مقارنة‭ ‬وتقييمية‭ ‬ونقدية‭ ‬لأداء‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬وتوظيفها‭ ‬إعلاميًا‭ ‬بعد‭ ‬2011‭.‬

وعلى‭ ‬ضوء‭ ‬تتبع‭ ‬الفضائيات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬أو‭ ‬الإذاعات‭ ‬والصحف‭ ‬ومواقع‭ ‬الإنترنت‭ ‬الإخبارية‭ ‬تُثار‭ ‬قضية‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والإقصاء‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬العنف،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬التكفير‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬والتخوين‭ ‬باسم‭ ‬الوطنية‭ ‬والدولة‭ ‬الوطنية‭. ‬ولقد‭ ‬حذر‭ ‬تقرير‭ ‬صدر‭ ‬مبكرًا‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬مع‭ ‬الذكرى‭ ‬الثانية‭ ‬لثورة‭ ‬يناير‭/‬جانفي‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬الإعلام‭ ‬لمصداقيته‭ ‬جراء‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬وتأثيره‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬التطور‭ ‬الديمقراطي‭. ‬وكان‭ ‬لافتًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬المبكر‭ ‬ـ‭ ‬وقبلما‭ ‬يصبح‭ ‬ملحوظًا‭ ‬انخراط‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬وبقوة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬ـ‭ ‬أن‭ ‬صحفًا‭ ‬خاصة‭ ‬تصدرت‭ ‬المراتب‭ ‬الأولي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬المهنية‭. ‬ولا‭ ‬تتوافر‭ ‬أمامنا‭ ‬دراسة‭ ‬مقارنة‭ ‬تسمح‭ ‬بتقدير‭ ‬وحجم‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والعنف‭ ‬والتحريض‭ ‬والتشهير‭ ‬بين‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬ومصر،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الكاتب‭ ‬قد‭ ‬تقدم‭ ‬بورقة‭ ‬إلى‭ ‬ندوة‭ ‬بالمغرب‭ ‬يناير‭/‬جانفي‭ ‬2017‭ ‬استخلصت‭ ‬استمرار‭ ‬ممارسة‭ ‬التشهير‭ ‬بواسطة‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬معًا‭ ‬مع‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬التفاوت‭ ‬بشأن‭ ‬فرص‭ ‬أكبر‭ ‬للتصحيح‭ ‬والرد‭ ‬في‭ ‬الثانية‭. ‬لكن‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬وأيضًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬متابعاته‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬افتراض‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬بكل‭ ‬مكوناته‭ ‬وأبعاده‭ ‬السلبية‭ ‬وصل‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬المصرية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الست‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬ولا‭ ‬يضاهى‭ ‬بما‭ ‬تشهده‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسية‭. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬لرصد‭ ‬وتحليل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بـ»خطاب‭ ‬كراهية‭ ‬الديمقراطية‮»‬‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أيضًا‭. ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬تنامى‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬وإلى‭ ‬نظام‭ ‬رئاسي‭ ‬سلطوي‭ ‬قوي‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬إغفال‭ ‬الطابع‭ ‬والامكانية‭ ‬المزدوجة‭ ‬والمتناقضة‭ ‬لدور‭ ‬البرامج‭ ‬الحوارية‭ ‬إذاعيًا‭ ‬وتليفزيونيًا‭. ‬أحيانًا‭ ‬يمكنها‭ ‬وفق‭ ‬شخصية‭ ‬وثقافة‭ ‬المذيع‭ ‬أو‭ ‬المنشط‭ ‬وتوجهات‭ ‬الوسيلة‭ ‬بشأن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والمهنية‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬الحريات‭ ‬وقيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وفي‭ ‬ممارسة‭ ‬الجمهور‭ ‬تفاعليًا‭ ‬لهذه‭ ‬القيم‭. ‬وقد‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬الحالات‭ ‬بالتجربة‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التالية‭ ‬مباشرة‭ ‬للثورة‭. ‬لكن‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬طغت‭ ‬اللامهنية‭ ‬والتحريض‭ ‬وخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والتكفير‭ ‬والتخوين،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬اختفاء‭ ‬وهجرة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬المهنيين‭ ‬المحترمين‭ ‬بل‭ ‬ومنعهم‭ ‬من‭ ‬العمل‭.‬

ولعل‭ ‬الفارق‭ ‬الأهم‭ ‬بشأن‭ ‬الحالة‭ ‬الإعلامية‭ ‬التونسية‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬وتأثيرها‭ ‬المفترض‭ ‬على‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬جوانب‭: ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الحيوية‭ ‬النسبية‭ ‬للمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وفرص‭ ‬دعمه‭ ‬لحُرية‭ ‬ومهنية‭ ‬الصحافة‭ ‬وبالتالي‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬المجتمعي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‭.. ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬فرص‭ ‬بزوغ‭ ‬وتطور‭ ‬إعلام‭ ‬جديد‭ ‬غير‭ ‬تقليدي‭ ‬وبخاصة‭ ‬عبر‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشهد‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بالتحديد‭ ‬تضييقًا‭ ‬وحصارًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوقين‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭. ‬أما‭ ‬الثالث‭ ‬فيتعلق‭ ‬بتوافر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬لإصلاح‭ ‬وتغيير‭ ‬الإعلام‭ ‬وبالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الدولي‭. ‬وثمة‭ ‬شواهد‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬التونسية‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمصرية‭ ‬والليبية‭ ‬ترجح‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬الإرادة‭. ‬وكما‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬عرفت‭ ‬مبكرًا‭ ‬وفي‭ ‬غضون‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬سن‭ ‬تشريعات‭ ‬لتحرير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬المرسومين‭ ‬115‭ ‬و116‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬مرسوم‭ ‬النفاذ‭ ‬إلى‭ ‬الوثائق‭ ‬الإدارية‭ ‬للهياكل‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬ذاته‭. ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬تعرفه‭ ‬ليبيا‭ ‬مطلقًا،‭ ‬كما‭ ‬تأخر‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬كي‭ ‬تصدر‭ ‬التشريعات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬روح‭ ‬وإرادة‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭. ‬بل‭ ‬ومع‭ ‬رغبة‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬إحكام‭ ‬السيطرة‭ ‬والرقابة‭ ‬على‭ ‬فضاءات‭ ‬الإعلام‭. ‬وثمة‭ ‬شاهد‭ ‬آخر‭ ‬يتعلق‭ ‬بإلغاء‭ ‬تونس‭ ‬مبكرًا‭ ‬وزارة‭ ‬الاتصال‭ ‬ونهائيًا‭. ‬وهذا‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الحالة‭ ‬المصرية‭ ‬حيث‭ ‬عادت‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬بعد‭ ‬إلغائها‭ ‬في‭ ‬فبراير‭/ ‬فيفري‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬يوليو‭/‬جويليه‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬وعين‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬محرر‭ ‬عسكري،‭ ‬وإن‭ ‬حل‭ ‬محلها‭ ‬حاليًا‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬لتنظيم‭ ‬الإعلام‭.‬

قضايا للنقاش وتوصيات

تسهم‭ ‬الحُرية‭ ‬والمهنية‭ ‬بوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬المجتمعات‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عناصر‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتعزيزها‭ ‬من‭ ‬تعددية‭ ‬حزبية‭ ‬وتداول‭ ‬سلمي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬ومؤسسية‭ ‬وحُكم‭ ‬رشيد‭ ‬وقضاء‭ ‬مستقل‭ ‬وحُرية‭ ‬التنظيم‭ ‬والتظاهر‭ ‬والاحتجاج‭ ‬ومشروعية‭ ‬وحق‭ ‬معارضة‭ ‬الحكام‭ ‬والحكومات‭ ‬ونمو‭ ‬وتقوية‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬ومنظماته‭ ‬من‭ ‬نقابات‭ ‬وجمعيات‭ ‬والانتخابات‭ ‬الحرة‭ ‬النزيهة‭ ‬الشفافة‭ ‬جميعها‭ ‬وغيرها‭ ‬تُشكل‭ ‬البيئة‭ ‬المرافقة‭ ‬والمواتية‭ ‬لتطور‭ ‬إعلام‭ ‬حر‭ ‬ومهني‭. ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬من‭ ‬صحف‭ ‬وإذاعات‭ ‬وتليفزيونات‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬الجدلية‭ ‬تؤثر‭ ‬فيها‭ ‬وتتأثر‭ ‬بها‭. ‬وتترجم‭ ‬مسارات‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬بعد‭ ‬انتفاضات‭ ‬وثورات‭ ‬2011‭ ‬حساسية‭ ‬الإعلام‭ ‬للتطورات‭ ‬والتقلبات‭ ‬المجتمعية‭ ‬السياسية‭ ‬تقدمًا‭ ‬وتعثرًا‭ ‬وتراجعًا‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬والمنظور‭ ‬نفترض‭ ‬أن‭ ‬كسب‭ ‬معركة‭ ‬تحرر‭ ‬ومهنية‭ ‬الإعلام‭ ‬محل‭ ‬صراعات‭ ‬متعددة‭ ‬ومعقدة‭ ‬وطويلة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬المسارات‭ ‬حظًا،‭ ‬وكما‭ ‬هي‭ ‬حالة‭ ‬تونس‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬الحسم‭ ‬والقطيعة‭ ‬الثوريين‭ ‬فيما‭ ‬جرى‭ ‬بمنطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬كان‭. ‬كما‭ ‬نفترض‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬ـ‭ ‬باستثناءات‭ ‬محدودة‭ ‬ومتواضعة‭ ‬ـ‭ ‬لم‭ ‬تلعب‭ ‬بعد‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬ومؤثرًا‭ ‬كان‭ ‬مأمولًا‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التطور‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭. ‬بل‭ ‬بالإمكان‭ ‬الافتراض‭ ‬ثالثًا‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬وتوظيف‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬سواء‭ ‬المملوكة‭ ‬للدولة‭ ‬أو‭ ‬لرجال‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬عرقلة‭ ‬التحوُّل‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والانقضاض‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬بنائها‭ ‬يمثل‭ ‬ملمحًا‭ ‬بارزًا‭ ‬في‭ ‬المسارات‭ ‬الثلاثة،‭ ‬وإن‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬قدرًا‭ ‬من‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬دعم‭ ‬وفاعلية‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬أسهما‭ ‬في‭ ‬إضفاء‭ ‬هامش‭ ‬حرية‭ ‬أوسع‭ ‬أمام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬مقارنة‭ ‬بمصر‭ ‬وليبيا‭. ‬وبالتالي‭ ‬بالإمكان‭ ‬افتراض‭ ‬دور‭ ‬أكبر‭ ‬بالتجربة‭ ‬التونسية‭ ‬لإعادة‭ ‬تغذية‭ ‬وإثراء‭ ‬التحوُّل‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭. ‬وهذا‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬عوائق‭ ‬وعراقيل‭ ‬عدة‭ ‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتونس‭. ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الاستقطاب‭ ‬السياسي‭ ‬المجتمعي‭ ‬الثقافي‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الإسلاميين‮»‬‭ ‬و»العلمانيين‮»‬،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تأثيرات‭ ‬خطر‭ ‬الإرهاب‭ ‬وكلفة‭ ‬مكافحته‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والإعلام‭ ‬والحريات،‭ ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬هشاشة‭ ‬ظروف‭ ‬عمل‭ ‬وتشغيل‭ ‬الإعلاميين‭. ‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬قدرة‭ ‬الجمهور‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬والوعي‭ ‬بقيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬بشأنها‭ ‬تتطور‭ ‬خارج‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬المحلية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬متزايد‭. ‬وتؤكد‭ ‬نتائج‭ ‬استطلاع‭ ‬رأي‭ ‬أجري‭ ‬لحساب‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬شمل‭ ‬عينات‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬اكتساب‭ ‬معلومات‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الثقة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدي‭ ‬الخاضعة‭ ‬لسيطرة‭ ‬الحكومات‭. ‬ويطرح‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬على‭ ‬أجندة‭ ‬الإعلاميين‭ ‬الطامحين‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬والمهنية‭ ‬كيفية‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬إعلام‭ ‬جديد‭ ‬بفضائيه‭ ‬التقليدي‭ ‬وغير‭ ‬التقليدي‭. ‬وهنا‭ ‬تتولد‭ ‬ملاحظات‭ ‬وتساؤلات‭ ‬عدة‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الورقة،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭: ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬يمكن‭ ‬ممارسة‭ ‬النقد‭ ‬والتعديل‭ ‬الذاتيين‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العربية‭ ‬التقليدية؟‭.. ‬وما‭ ‬فرص‭ ‬استحداث‭ ‬صحف‭ ‬وإذاعات‭ ‬وتليفزيونات‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬مبتكرة‭ ‬وجادة‭ ‬وملتزمة‭ ‬بقيم‭ ‬الحُرية‭ ‬والمهنية‭ ‬واحترام‭ ‬الحقائق‭ ‬والعقل‭ ‬والجمهور‭ ‬وبدفع‭ ‬التطور‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وبما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اعتماد‭ ‬أشكال‭ ‬من‭ ‬الملكية‭ ‬تتضمن‭ ‬الإعلام‭ ‬الجمعياتي‭ ‬والمحلي‭ ‬الجهوي‭ ‬والمملوك‭ ‬بصيغ‭ ‬تعاونية (تعاضدية) ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬أنفسهم؟‭.‬

وتوصي هذه الورقة بـ:

  • تعاون‭ ‬مكونات‭ ‬حية‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إطلاق‭ ‬ورعاية‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية‭ ‬وشعبية،‭ ‬ولو‭ ‬تطلب‭ ‬الأمر‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬الاكتتاب‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭.‬
  • إصدار‭ ‬دورية‭ ‬مع‭ ‬موقع‭ ‬إلكتروني‭ ‬لبناء‭ ‬ثقافة‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭ ‬تُعالج‭ ‬جدلية‭ ‬الإعلام‭ ‬والديمقراطية‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬وإسهامات‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وليبيا‭ ‬وتونس،‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬يسمح‭ ‬بتبادل‭ ‬الخبرات‭ ‬بين‭ ‬إعلامييها‭ ‬وسياسييها‭ ‬ومثقفيها‭ ‬المعنيين‭ ‬بالتغيير‭.‬
  • إنشاء‭ ‬مرصد‭ ‬لحُرية‭ ‬ومهنية‭ ‬الإعلام‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬متابعة‭ ‬وتحليل‭ ‬المجريات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭. ‬وإذ‭ ‬لا‭ ‬تُعد‭ ‬معايير‭ ‬رصد‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬الانتخابات‭ ‬العامة‭ ‬كافية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تركيزها‭ ‬على‭ ‬أشكال‭ ‬الانتهاكات‭ ‬والالتزام‭ ‬بتكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬والإنصاف‭ ‬والحيادية‭. ‬وحقًا‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬رصد‭ ‬أشمل‭ ‬وأوسع‭ ‬ودائم‭ ‬يتطرق‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬مساهمة‭ ‬الإعلام‭ ‬أو‭ ‬إحجامه‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬قيم‭ ‬وثقافة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭.‬
  • دراسة‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬أدوار‭ ‬ومشكلات‭ ‬أداء‭ ‬نقابتي‭ ‬الصحفيين‭ ‬المصرية‭ ‬والتونسية‭ ‬بعد‭ ‬الثورة،‭ ‬ويعتبر‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬أنه‭ ‬معني‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬وقت‭.‬
الاعلام التونسي من سلطة النظام إلى سلطة الايديولوجيا ورأس المال
وليد الماجري
صحفي ومدر اإلعالم ْ في مجالي واالتصال.

«نرسل لهم طاقمنا الصحفي لتصوير عائلاتهم وتشويههم أمام جيرانهم.. ونُطلق حملة ثلب وتشويه واسعة النطاق.. نقول انّهم خونة وعملاء للأجنبي.. نقول انّهم باعوا الوطن.. انّهم أعداء الوطن.. ثمّ نعطي الميكروفون الى بعض المواطنين البسطاء ونلقّنُهم مثل هذا الكلام ونسجّلهم.. ويتولّى صحفّيونا في البلاطو ذبحهم اعلاميا فيصدّق الرأي العام كلّ الثلب والتشويهات التي قلناها».
كان هذا ملخّص اجتماع هيئة تحرير قناة «نسمة» الخاصّة منذ نحو سنتين برئاسة نبيل القروي مدير عام القناة، المرشّح الحالي للرئاسة ورئيس حزب «قلب تونس»، في إطار التحضير لاطلاق حملة تشويه غير مسبوقة ضدّ قيادات منظّمة «أنا يقظ» على خلفية نشر المنظّمة تحقيقا حول شبهات التهرّب الضريبي والفساد المالي لشركات الأخوين قروي.

هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها وربّما لن تكون الأخيرة، غير أنّها تُعتبر نقطة فارقة في الاعلام التونسي بل وحالة فريدة من نوعها تستدعي إخضاعها للدرس والتحليل قصد فهم البيئة الاعلامية التونسية في حقبة ما بعد الثورة، والوقوف عند مسارات تشكّل الرأي العام في تونس وتقنيات التوجيه الإعلامي المبتكرة، والتي باتت تنهل من التكنولوجيا الحديثة والسّرد الرقمي وعوالم الماركوتينغ من أجل صناعة عرض فرجوي مبهر «شو show « يسهّل عمليّة هضم الأكاذيب ويتيح الاستيلاء على أدوات صناعة الرأي العام للسيطرة عليه من أجل توجيهه وفق ما تقتضيه المصالح المالية أو السياسية أو الأيديولوجية الضيّقة لوسيلة الإعلام أو الكيانات التي تقف وراءها وتتحكّم فيها كما يتحكّم اللّاعب الخفي في الدّمى الراقصة.

من قُمقم النظام إلى قُمقم المصالح واللوبيات :

لا يمكن فهمُ منظومة الإعلام في تونس ومدى قدرتها على التحكّم في الرأي العام وتوجيهه خلال فترة الانتقال الديمقراطي ما لم نتمكّن، في البداية وقبل كل شيء، من تفكيك هذه المنظومة والوقوف على خصائصها قبل الثورة وبعدها، فضلًا عن عرض لمحة تاريخية عن تشكّل المشهد الإعلامي بعامّه وخاصّه وملابسات فسح المجال للخواصّ للاستثمار في هذا القطاع الحسّاس الذي لطالما مثّل حجر الزاوية في استراتيجيات التعبئة والدمغجة والتضليل التي سار عليها النظام السابق في شتّى مراحل تطوّره منذ الاستقلال في خمسينات القرن الماضي والى حدود سقوط أركان حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي منذ ما يربو عن الثماني سنوات.

خلال فترتيْ حكم الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي كانت وسائل الإعلام أداة بيد السلطة وركيزة أساسية من ركائز الديكتاتورية حيث لعب التلفزيون، بشكل خاص، وبقيّة المحامل الأخرى من راديوهات عمومية وصحف ومجلّات، دورا مفصليا في تبييض الجرائم السياسية من ناحية والنّفخ في صور عدد كبير من الفاسدين وفي مقدّمتهم أصهار بن علي وعائلته وحاشيته من ناحية ثانية، فضلا عن التحكّم المطلق في الرأي العام بواسطة المراقبة الكليّة المباشرة التي مارستها أجهزة السلطة على العدد القليل من وسائل الاعلام الناشطة والتي كان أغلبها يدور في فلك الإعلام العمومي.
حاول نظام بن علي منذ التسعينات أن ينوّع العرض الإعلامي كي يقلّص من تأثير وسائل الإعلام الأجنبية التي كان بعضها ينتقد سياساته.

هذه الاستراتيجية دفعت بالمقرّبين من النظام لتصدّر المشهد الإعلامي «الجديد» حيث طفقوا يشترون أو ينشئون وسائل إعلام سمعية ومرئية أو مكتوبة بتسهيلات وصلت في بعض الأحيان، الى حدّ تسخير بعض البنوك العمومية لتمويل هذه المشروعات دون ضمانات تذكر. وقد تمّت مصادرة العديد من هذه المؤسسات بعد الثورة لتصبح تحت إشراف الدّولة (نصيب صخر الماطري في دار الصباح، وبلحسن الطرابلسي في كاكتوس برود وراديو موزاييك، وسيرين بن علي في شمس آف آم).
كانت السلطة تراقب محتوى وسائل الإعلام وتوظّفه لتوجيه الرأي العام عبر ما كان يسمّى بالوكالة التونسية للاتّصال الخارجي التي تأسّست مطلع التسعينات لتكون الذراع الدعائية لوزارة الاتصال ومن ورائها منظومةُ الحكم.

ظلّت القيادات الإعلامية في المؤسسات العمومية وكذلك الصّحف الخاصّة خاضعة لتوجيهات تلك الوكالة التي كانت بدورها تتلقّى أوامرها بشكل مباشر من قصر قرطاج تحت إشراف عبد الوهاب عبد الله الذراع القويّة لبن علي الذي كان يلقّب بـ»جزّار الإعلام»، خاصّة خلال فترات الانتخابات التي تتعطّل فيها الصحافة كليّا وتتحوّل الى مجرّد بوق للسلطة تنشر الأكاذيب وتروّج للانجازات المزعومة وتشوّه الخصوم والمعارضين.
باشرت وكالة الاتصال الخارجي مهامّها على مدى عقدين من الزّمن (تعطّلت في 2011 وتمّ حلّها نهائيا في 2012) متّبعة سياسة العصا والجزرة. كانت تجزل العطاء لكلّ المؤسسات الاعلامية والصحفيّين والصحفيات الذين يقدّمون فروض الطاعة والولاء للسلطة وينفّذون كلّ اجنداتها وينخرطون في توجّهها دون أدنى نقاش، من خلال التحكّم في صندوق الإعلانات والدّعم العمومي.
في المقابل كانت الوكالة تلوّح بالعصا الغليظة في وجه كلّ من تسوّل له نفسه مخالفة الخطّ المرسوم مسبقًا. وقد راح ضحيّة ذلك عدد كبير من الاعلاميين الذّين امّا لُفّقت لهم التّهم جزافًا فوجدوا أنفسهم في زنازين النظام، وامّا تمّ طردهم من وظائفهم وتجويعهم وإغلاق أبواب العمل أمامهم دون أن يغفل النظام عن التنكيل بأهلهم وذويهم.
وبناء على ذلك فقد سيطرت على الساحة الاعلامية ثقافةُ الزّبونية والتمعّش من وكالة الاتصال الخارجي امّا طمعًا في العطاء الجزيل أو اتّقاء لشرور النظام. فتراجعت بذلك الحريّات العامّة وانحدرت حرية التعبير والوعي السياسي والمشاركة المجتمعية في الشأن العام الى أدنى مستوياتها.
مع قدوم الإعصار الذي عصف بأركان حكم بن علي مطلع 2011، كان لابدّ من التخلّي نهائيًا عن وزارة الاتّصال وذراعها الدعائيّة الوكالةُ التونسية للاتّصال الخارجي ومن ثمّ إطلاق الحريّات في مجال الصحافة والنشر والتعبير بما في ذلك تحرير إسناد التراخيص ورفع القيود عن ملكية وسائل الإعلام الخاصة.

خلال السنتين الأوّليين اللتين أعقبتا سقوط حكم بن علي، سجّلت الساحة الإعلامية حالة من الدّيناميكية غير المسبوقة اتّسمت بظهور العشرات من العناوين الصحفية الجديدة فضلًا عن عدد متزايد من القنوات الاذاعية والتلفزية ومواقع الانترنت.

هذه الطفرة العددية كرّست تنوّعًا غير مسبوق وتعدّدية فعلية في الرؤى والتصوّرات والخطوط التحريرية، غير أنّها في الآن ذاته وجدت نفسها تتخبّط في حالة من الفوضى جرّاء:

جملة هذه الثغرات حوّلت عددًا من وسائل الإعلام خلال سنتيْ 2011 و 2012 الى فريسة سهلة بالنسبة الى لوبيّات المال والسياسة التي سرعان ما استحوذت على أغلب منابر الاعلام الخاصّة وأغدقت عليها العطاء وسيطرت على خطوطها التحريرية ووجّهتها بشكل فاضح امّا لخدمة شقّ الاسلاميين (قنوات الزيتونة والزيتونة هداية، تي آن آن، المتوسّط، صراحة آف آم، الانسان الخ …) وأمّا لخدمة الشقّ المناهض للإسلاميين على غرار قناة نسمة التّي تجنّدت لمحاربة حركة النهضة ومشروع الإسلام السياسي، لتتحوّل بعد ذلك الى بوق لحملة حزب «نداء تونس» لقائده الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، لترسو في النهاية في ميناء حزب «قلب تونس» لصاحبه نبيل القروي مالك قناة نسمة ذاتها.

ساهم الانقسام الجذري الذي سيطر على المشهد الإعلامي السمعي والمرئي وحالة الاصطفاف ذات الخلفية الايديولوجية ولكن أيضًا المصلحية في تضليل الرأي العام وتوظيفه في أتون معارك أيديولوجية طاحنة. وبالتوازي مع ذلك، فقد برز عدد من الصحف والمواقع الالكترونية التي يقف وراء تمويلها عدد من رجال الأعمال الفاسدين أو لوبيات الظلّ على غرار شفيق الجراية وكمال اللطيّف.
هذه العناوين، وفي مقدّمتها صحف «الثورة نيوز» و»الضمير» و»الصدى» و»وقائع» والقائمة تطول، كانت منابر مجنّدة لتضليل الرأي العام وتبييض الفاسدين وابتزاز رجال الأعمال وتشويه الخصوم السياسيين والاعتداء اليومي على الحقوقيين ورموز المجتمع المدني.

وقد أثّر المحتوى الإعلامي المبثوث من قبل إعلام ما بعد الثورة، وعلى وجه التحديد الإعلام الخاص، بشكل سلبي جدّا في تشكيل الرأي العام وتوجيه اهتمام التونسيين نحو الصراعات الايديولوجية وتغذية النعرات الجهوية والمذهبية وبثّ سموم صدام الهويّات المفتعل، كلّ ذلك على حساب الانتقال الديمقراطي والدفاع عن حقوق الانسان وترسيخ ثقافة مناهضة التعذيب والإفلات من العقاب صلب الأجهزة التنفيذية للدولة.
في المقابل، تميّزت بعض العناوين الصحفية والاعلامية بكثير من الجدّية في طرح المواضيع التي تهمّ التونسيين خلال الفترة الانتقالية. وقد ساهمت موجة التدوين التفاعلي وصحافة المواطن والصحافة الجمعياتية (موقع نواة، موقع جدل، موقع انكفاضة، قناة الحوار التونسي في نسخة الطاهر بن حسين، موقع بوندي بلوغ، منظمة برّ الأمان، منظّمة أنا يقظ، منظمة البوصلة الخ) بشكل كبير في كسر الحصار المضروب على الرأي العام من قبل الإعلام التجاري الذي تقوده قناة الحوار التونسي وقناة نسمة اللّتين كانتا الأداة الرئيسية لإذكاء نار المعارك الايديولوجية والصراعات الحزبية وتبييض الفاسدين وتضليل الرأي العام.

احتلّت مواقع الصحافة البديلة المذكورة أعلاه خلال فترة وجيزة مساحة مهمّة في المشهد الإعلامي والاتصالي وأضحت أداة مثلى لتعديل الرأي العام من خلال اخباره بشكل جيّد وموضوعي وتقديم المعلومة ذات المستوى العالي من المصداقية وتوجيهه نحو المعارك الحقيقية المتمثلة في العدالة الانتقالية وعودة التعذيب داخل مراكز الإيقاف والسجون وتفشّي آفة الفساد وسيطرة اللوبيات ومجموعات الاحتكار على مقدّرات الشعب ونهب قوت يومه.
انّ السبب الأساسي الذي جعل جملة هذه المنابر بمنأى عن التوظيف هو استقلاليتها الاقتصادية التي أتاحت لها الإفلات من قبضة رجال الاعمال وسلطة المستشهرين وأجندات الدولة الراعية للإعلام. غير أنّه من المجحف عدم الاشارة الى أنّ الاعلام العمومي كان، رغم كلّ هنّاته ونقائصه الكثيرة، قد لعب دورا مفصليا في تقديم معلومة تتوفّر على الحدّ الأدنى من المصداقية، فضلًا عن السعي إلى تنقية المناخ السياسي والشأن العام عمومًا من بذور الحقد والكراهية وتصفية الحسابات، من خلال تقديم مادّة اعلامية متوازنة.

وقد ساهم بثّ القناة الوطنية العمومية الثانية لأشغال البرلمان الأوّل بعد الثورة (المجلس الوطني التأسيسي) في اطلاع الرأي العام على كيفية ادارة الشأن العام داخل البرلمان واتاحة الفرصة له للتعرّف على كواليس صناعة القوانين واصطفاف الكتل النيابية خلال التصويت الخ.

من يملك وسائل الاعلام؟

يحظى التلفزيون في تونس باهتمام خاص من قبل المالكين نظرا لكونه يخدم غايات سياسية ويستقطب أكثر من غيره أدفاق المستشهرين. ويعتبر التلفزيون وسيلة الإعلام الأكثر شعبية في تونس، حيث يمتلك نحو 98٪ من الأسر جهازًا بالمنزل. ويرتكز 83٪ من التونسيين على هذه الوسيلة لمتابعة الأخبار. كما أنّ 61٪ من التونسيين يعتبرون أنّ المعلومات التي يبثّها التلفزيون هي معلومات موثوق فيها وفق أرقام المعهد الوطني للإحصاء.
بدأ كسر احتكار الدولة للإعلام المرئي مطلع سنوات الألفين. وكانت قناة «حنبعل» التي أطلقها أحد رجال الأعمال المقربين من نظام بن علي (العربي نصرة) سنة 2005 أوّل قناة تلفزيونية خاصة ترى النّور في تونس تلتها قناة نسمة لمالكها الرئيسي نبيل القروي التي انطلقت في البثّ التجريبي بتاريخ 23 مارس 2007 بعد أن قام بتدشينها وزير الاتصال آنذاك رافع دخيل.
وبالرغم من هذا الانفتاح على القطاع الخاص الّا أنّ توزيع الرخص كان قائمًا على معايير مبهمة واعتباطية مبنية بالأساس على التقرب أو القرب من النظام، أو على محتوى البرامج التي كانت تغضّ البصر على حقيقة الواقع السياسي بالبلاد وفق ما تؤكده مخرجات «مشروع ملكية وسائل الإعلام في تونس» (مشروع بحثي من انجاز منظمة مراسلون بلا حدود وجمعية الخط التونسية).
تم إطلاق قناة المعارضة الوحيدة «الحوار التونسي» لمالكها الطاهر بن حسين آنذاك، في عام 2003 من الخارج نظرا لاستحالة حصولها على ترخيص داخل تونس. وقد كان التونسيون يتوجهون إلى القنوات العربية والدولية على غرار «الجزيرة» و»العربية» والقنوات الفرنسية بحثا عن محتوى إعلامي مستقل لا تسيطر عليه منظومة الحكم الديكتاتورية في ذلك الوقت.

ساهمت الثورة في كسر احتكار أفراد من عائلة بن علي وأصهاره ومقربين من نظامه للمشهد الإعلامي إذ تعدّدت القنوات التلفزيونية وتنوّعت بعد توزيع تراخيص جديدة. اليوم، يحتوي المشهد الإعلامي المرئي على قناتين تلفازيتين عموميتين وحوالي 10 قنوات خاصة (رقم في تغيّر مستمر) بعضها لا ينشط بشكل منتظم بسبب صعوبات مالية.
ونظرا لما تحظى به من نسب المتابعة المرتفعة مقارنة ببقية المحامل الاعلامية، فقد أصبحت القنوات التلفزيونية مقصدًا محبّذًا لفئة من القادة السياسيين. وأصبح عدد من القنوات التلفزيونية في تونس مرتبطًا بشكل مباشر أو غير مباشر بسياسيين أو بأحزاب سياسية بالرغم من وجود أرضية تشريعية تحجّر هذه الظاهرة.
في هذا السياق، ظهرت مجموعة من القنوات المقرّبة من الاسلاميين في حين لا يخفي مسؤولو ومالكو عدد آخر من القنوات ميولاتهم السياسية التي تمّت ترجمتها في عديد الحالات الى توظيف للمحتوى الإعلامي من أجل حصد مكاسب سياسية ضيّقة أو دعم جهات بعينها ما جعل هذه المنابر تتحوّل الى عُلب للدعاية السياسية والحزبية أثناء الاستحقاقات الانتخابية. 

نبيل القروي مالك قناة نسمة مثلًا، كان يجاهر بانتمائه لقيادة حزب نداء تونس رغم أنّ قانون «الهايكا» يحجّر الجمع بين الصفتين (القيادة السياسية والاستثمار في الإعلام السمعي والمرئي). وقد غادرَ الحزبَ ليس لاصلاح خطئه القانوني بل لتأسيس مشروع سياسي آخر اتّضحت ملامحه مؤخرًا حاملًا عنوان حزب «قلب تونس»، ضاربًا عرض الحائط بكلّ القضايا والشكايات التي تلاحقه على خلفية وجود شبهات قوية للتهرّب من الضرائب فضلا عن توظيف منبره الإعلامي لتشويه الخصوم السياسيين والايديولوجيين.

أسامة بن سالم، مؤسس قناة «الزيتونة» و»الزيتونة هداية»، لم يكن هو الآخر مستقلًا حزبيًا وسياسيًا بل كان قياديًا وموظفا ساميًا لدى حزب النهضة بالاضافة الى مهامّ سياسية أخرى. وقد كانت قناة «تي آن آن» المحسوبة على النهضة مرتبطة بشبكة شركات دولية تحتمي بملاذات ضريبية لاخفاء هويّات مالكيها وطمس مصادر تمويلها.
من جانبه كان العربي نصرة، مؤسس قناة حنبعل، قد وظّف قناته طيلة سنوات للدعاية والترويج المكثّف لصورته قبل أن يفوّت في أسهمه في القناة استعدادا للترشّح لرئاسيات 2014.
و بالتوازي مع ذلك، اقتحم رجل الأعمال ورئيس الإتحاد الوطني الحر سليم الرياحي مجال الإعلام من بوّابة راديو كلمة ومن ثمّ قناة التونسية (الحوار التونسي لاحقًا) بهدف دعم حضوره السياسي ومواجهة شبهات الفساد وتبييض الأموال التي كانت تلاحقه وتشوّش على طموحاته السياسية. قناة الجنوبية لمالكها الحالي رجل الأعمال والسياسي محمد العياشي العجرودي مؤسس حزب حركة التونسي للحرية والكرامة لم تشذّ عن هذه القاعدة أيضًا.

محطّات الراديو الخاصة كانت هي الأخرى قبلة للتوظيف والاستثمار السياسي قبل الثورة وبعدها. فراديو «شمس آف آم» لصاحبته سيرين بن علي ومن ورائها زوجها رجل الأعمال مروان المبروك كان مثالًا صارخًا على تغلغل العائلة الحاكمة في الإعلام. 

وكذلك الحال بالنسبة الى راديو «موزاييك آف آم» الذي كان بلحسن الطرابلسي يملك فيه 13 % . 

ارتباط عدد من القنوات الخاصة بسياسيين و بأحزاب سياسية رغم وجود قانون يحضر ذلك

نبيل القروي

logo

العربي نصرة

unnamed

اسامة بن سالم

unnamed-1

بعد مصادرة حصّة الطرابلسي ومن ثمّ التفويت فيها، حلّ رجل الأعمال لزهر سطا محلّ بلحسن الطرابلسي وحاز حصّته في موزاييك.
لزهر سطا الذي تطارده قضايا وشبهات فساد (كان شريكًا لبلحسن الطرابلسي في شركة اسمنت قرطاج)، اختار بعد الثورة خوض تجربة الاستثمار في الإعلام. ويتجلّى ذلك أساسًا من خلال امتلاكه أيضا لـ 8 بالمائة من أسهم اذاعة جوهر آف آم.

بعض الاذاعات الناشئة الأخرى والتي تكتسي بُعدًا جهويًا محليًا وجهويًا مازالت مصادر تمويلها غير واضحة، حتّى أنّ خطوطها التحريرية كانت تتغيّر كلّما اقتربت الاستحقاقات الانتخابية أو تغيّرت تركيبة المستشهرين والمساهمين في رأس المال ما يرجّح توظيف أغلبها لخدمة أجندات من يدفع أكثر.
على الطّرف الآخر من الإعلام السمعي والمرئي تعتبر الصحافة المكتوبة الأقل «استهلاكًا» في تونس رغم أنّ 38 بالمائة من التونسيين يؤكدون صحة المعلومات التي تروّجها وسائل الإعلام المكتوبة وفق أرقام المعهد الوطني للإحصاء.
أغلب مالكي الجرائد هم عبارة عن شركات عائلية أغلبها لا ينشط في مجالات اخرى باستثناء طبع الجرائد. وقد تطوّر قطاع الصحافة المكتوبة بعد الثورة ليصل عدد الصحف إلى 228 دورية، لكن بعد ذلك وقعت حالة من الفرز، فتوقفت عديد الصحف بسبب قلّة الموارد المالية أو لعلاقتها بالنظام القديم وفق ما يبيّنه «مشروع ملكية وسائل الإعلام بتونس».
اليوم، اضمحلّت عشرات العناوين من السوق ولم يبق الّا قرابة 50 دورية. فمنذ أن تمّ التخلّي عن وزارة الاتصال وذراعها الدّعائية الوكالة التونسية للاتصال الخارجي فقدت الدوريات القديمة الجزء الرئيسي من مداخيلها القارّة وهو الدّعم العمومي الذي كان يمنح في شكل هبات ومساعدات واعلانات لقاء تقديم فروض الطاعة والولاء للسلطة وتبييض فسادها ولجم الأفواه عن تجاوزاتها وجرائمها.

سقَط سيّد .. وخُلق أسياد جُدد

انّ المتأمّل في المشهد الإعلامي الذي سبق قيام ثورة 17 ديسمبر-14 جانفي، لن يجد حرجًا كبيرًا في التصريح بأنّ المؤسسات الإعلامية الناشطة آنذاك، بقطاعيْها العام والخاص، لم تكن سوى جزءًا من منظومة البروباغندا المُلحَقة بمنظومة الحكم أو المنبثقة عنها، إذا ما استثنينا بعض العناوين الحزبية المعارضة على غرار صحف «الموقف» و»الطريق الجديد» و»مواطنون» بالاضافة الى قناة «الحوار التونسي» لمالكها الطاهر بن حسين وراديو 6 واذاعة «كلمة» التي كانت تحت إشراف سهام بن سدرين. 

كان المشهد الإعلامي، آنذاك، مجرّد انعكاس لحالة التداخل بين السياسي والإعلامي والمالي، التي كانت تسود البلاد. ولم ينجُ من شبح التوظيف سوى بعض العناوين المعارضة التي ذكرناها أعلاه والتي لم يكن لها تأثير كبير في الرأي العام نظرا للتضييق على نشرها من قبل الديكتاتورية.

بعد الثورة، سقطت «عصا» الدّيكتاتورية بلا رجعة وسقطت معها «جزَرَة» النظام وهباته السخيّة، فطفقت المنابر القديمة المحسوبة على النظام السابق بالاضافة الى السّواد الأعظم من المنابر الجديدة، تبحثُ عن «سيّد» جديد يواصل منحها نصيبها من «الجَزَر».
هذا السيّد الجديد كان في أوقات كثيرة -خاصّة خلال الاستحقاقات الانتخابية- يأخذ شكل السياسي السخيّ، غير أنّه كان في أغلب الأوقات يأخذ شكل رجل الأعمال الفاسد أو الذي تطارده شبهات الفساد، والذّي عادة ما كان الذراع المالية لتيارات سياسية وحزبية تدفع به نحو الواجهة لشراء ذمم الاعلام والاعلاميين خدمة لمصالحها السياسية مقابل توفير «الأمان» أو فلنقل «صكّ الغفران» له كي يواصل عبثه في تفصّ تامّ من المحاسبة والعقاب وما شفيق الجراية وسليم الرياحي ونبيل القروي الّا مثالًا جيّدًا على ذلك.

انّ المكسب الأساسي في تونس الثورة، باجماع المراقبين للشأن العام، هو حرية التعبير بشكل عام وحرية الصحافة بشكل خاص. وقد فهمت النخبة التونسية مبكّرًا أنّ حريّة التعبير ان لم تحمِها مؤسسات قوية ودائمة فانّها ستتراجع مع الوقت أو ستنقلب إلى فوضى في أحسن الأحوال. وبناء على ذلك فقد تمّ تضمين حرية التعبير والإبداع في الدستور فضلًا عن إنشاء الهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري، وهي الهيكل العمومي الذي أنيطت بعهدته مهمّة تعديل مؤسسات الإعلام السمعي البصري ومنح التراخيص ومعاقبة المخالفين.
اليوم تجد الهيئة نفسها شبه عاجزة عن أداء مهامّها بعد أن تمرّدت بعض وسائل الإعلام وفي مقدمتها قناة نسمة لمالكها نبيل القروي ذي الطموحات السياسية على قرارات الهيئة مستقوية في ذلك ب»حصانة» حزبية مُنحت لها لقاء تقديم لخدمات اتّصالية لها أثناء الحملات الانتخابية السابقة.

حوار مع الصحفي كريم ونّاس : "الجمهور فقدَ الثقة في الاعلام التونسي وسيثور ضدّه لا محالة..."
حاوره
وليد الماجري

‭ ‬بحسب‭ ‬تجربتك‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحافة‭ ‬والإعلام‭ ‬عمومًا،‭ ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭ ‬يقوم‭ ‬بواجبه‭ ‬تجاه‭ ‬جمهوره‭ ‬ويُلبّي‭ ‬انتظاراته‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬المهنية‭ ‬أمّ‭ ‬أنّه‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬لتوجيه‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والتلاعب‭ ‬به؟‭ ‬

إنّ‭ ‬الإجابة‭ ‬بديهيّة‭ ‬وتنطلق‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والبحوث‭. ‬فالجمهور‭ ‬التونسي‭ ‬اليوم‭ ‬غير‭ ‬راض‭ ‬مطلقًا‭ ‬عمّا‭ ‬يُقدّمه‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭. ‬إحدى‭ ‬الدراسات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬لسبر‭ ‬الآراء‭ ‬خلصت‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬نسبة‭ ‬غير‭ ‬الرّاضين‭ ‬عن‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسي‭ ‬تجاوزت‭ ‬الثمانين‭ ‬بالمائة،‭ ‬حيث‭ ‬يعتبر‭ ‬الجمهور‭ ‬أنّ‭ ‬الإعلام‭ ‬قد‭ ‬حاد‭ ‬عن‭ ‬رسالته‭ ‬الأساسية‭ ‬وانزلق‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬الإثارة‭ ‬واستثارة‭ ‬المشاعر‭ ‬والتعويل‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬‮«‬البوز‮»‬‭ ‬Buzz‭ ‬ما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬سلعنة‭ ‬المحتوى‭ ‬الإعلامي‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬مضمون‭ ‬اتّصالي‭ ‬وتجاري‭ ‬بحت‭. ‬إنّ‭ ‬الخلل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬تزييف‭ ‬وعي‭ ‬الناس‭ ‬والترويج‭ ‬لنمط‭ ‬استهلاكي‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬حقيقةً‭ ‬انتظارات‭ ‬الجمهور‭. ‬

‭ ‬هل‭ ‬ينسحب‭ ‬موقفك‭ ‬أعلاه‭ ‬على‭ ‬كلٍّ‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬العام‭ ‬والخاصّ‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬السواء‭ ‬أم‭ ‬أنّ‭ ‬لكلّ‭ ‬قطاع‭ ‬خصوصيّاته؟‭ ‬

إنّ‭ ‬الإعلام‭ ‬الطّاغي‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬هو‭ ‬الإعلام‭ ‬الخاص‭. ‬فالإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬يكاد‭ ‬يتلخّص‭ ‬في‭ ‬القناة‭ ‬التليفزيونية‭ ‬الوطنية‭ ‬فحسب‭. ‬وهذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصها‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬نشرة‭ ‬الأخبار‭ ‬التي‭ ‬لاتزال‭ ‬تحظى‭ ‬بنسب‭ ‬متابعة‭ ‬محترمة‭ ‬لأنّها،‭ ‬رغم‭ ‬بعض‭ ‬الإخلالات‭ ‬التي‭ ‬تشوبها‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬مازالت‭ ‬تُقدّم‭ ‬مادّة‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية‭ ‬وبعيدة‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬الإثارة‭ ‬والتزييف‭. ‬

من‭ ‬يريد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وتفكيك‭ ‬منظومته‭ ‬يتوجّب‭ ‬عليه،‭ ‬بالأساس،‭ ‬التوجّه‭ ‬نحو‭ ‬مؤسسات‭ ‬الإعلام‭ ‬الخاص،‭ ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وتوجّهه‭ ‬وفق‭ ‬مصالحها‭ ‬الخاصّة‭ ‬الضيّقة‭ ‬والتي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تتقاطع‭ ‬مع‭ ‬مصالح‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬النافذين‭ ‬وجملة‭ ‬الكيانات‭ ‬السياسية‭ ‬والأيديولوجية‭ ‬المحيطة‭ ‬بهم‭. ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬قناتيْ‭ ‬نسمة‭ ‬والحوار‭ ‬التونسي‭ ‬أفضل‭ ‬مثال‭. ‬

فقناة‭ ‬الحوار‭ ‬التونسي‭ ‬مثلًا،‭ ‬تتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬منبر‭ ‬للقصف‭ ‬اليومي‭ ‬للحكومة‭ ‬كلّما‭ ‬تعرّض‭ ‬مالكها‭ ‬سامي‭ ‬الفهري‭ ‬إلى‭ ‬مشاكل‭ ‬قضائية‭. ‬وهو‭ ‬الشيء‭ ‬ذاته‭ ‬الذّي‭ ‬ما‭ ‬انفكّت‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬قناة‭ ‬نسمة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬حيث‭ ‬حوّلها‭ ‬مالكها،‭ ‬نبيل‭ ‬القروي،‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬الأصوات‭ ‬في‭ ‬الرئاسيات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬طيّعة‭ ‬لتصفية‭ ‬الحسابات‭ ‬مع‭ ‬الخصوم‭ ‬السياسيين‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬القناة‭ ‬لضرب‭ ‬رموز‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭… ‬إلخ‭. ‬يحدث‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية،‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتعديلية،‭ ‬التي‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬إيجاد‭ ‬حلّ‭ ‬قانوني‭ ‬جذري‭ ‬لردع‭ ‬القناة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬والصحافة‭. ‬

‭ ‬بصفتك‭ ‬رئيسًا‭ ‬للجنة‭ ‬أخلاقيات‭ ‬المهنة‭ ‬صلب‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭ ‬التونسيين،‭ ‬بودّنا‭ ‬معرفة‭ ‬الطّرق‭ ‬والوسائل‭ ‬التي‭ ‬يتمّ‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تبليغكم‭ ‬بالتجاوزات‭ ‬التي‭ ‬يقترفها‭ ‬الصحفيون‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحفية؟‭ ‬هل‭ ‬يقوم‭ ‬الجمهور‭ ‬بالتواصل‭ ‬معكم‭ ‬للتبليغ‭ ‬أم‭ ‬أنّ‭ ‬الأمر‭ ‬رهين‭ ‬مجهود‭ ‬الرّصد‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬اللجنة؟‭ ‬

أوّلا‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬اللجنة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تأسّست‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2018‭ ‬خلال‭ ‬الجلسة‭ ‬العامة‭ ‬لنقابة‭ ‬الصحفيين،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬تأسيسها‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬تعديل‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي‭. ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬سلطة‭ ‬تقريرية‭ ‬ولا‭ ‬نيابة‭ ‬عمومية‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬أن‭ ‬نفرض‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تمرّره‭ ‬وما‭ ‬يجب‭ ‬ألّا‭ ‬تمرّره‭. ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نتدخّل‭ ‬في‭ ‬الخطّ‭ ‬التحريري‭ ‬ولا‭ ‬نعتمد‭ ‬سياسة‭ ‬التشهير‭. ‬

إنّ‭ ‬مهمّتنا‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭ ‬تعديل‭ ‬المشهد‭ ‬عبر‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬الوساطة‭ ‬أوّلًا‭ ‬بين‭ ‬الزملاء‭ ‬الصحفيين‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إدارة‭ ‬الصراع‭ ‬والنزاعات‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭. ‬بمعنى‭ ‬أنّنا‭ ‬نلعب‭ ‬دورًا‭ ‬توفيقيًا‭ ‬لإذابة‭ ‬الخلافات‭ ‬والصراعات‭ ‬وتنقية‭ ‬الجوّ‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الإعلام‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬ينعكس‭ ‬بالسلب‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬الصحفي‭ ‬فيتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬مادّة‭ ‬لتصفية‭ ‬الحسابات‭ ‬الشخصية‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬تتواصل‭ ‬اللجنة‭ ‬مع‭ ‬هيئات‭ ‬التحرير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لفت‭ ‬نظرها‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬انتهاكات‭ ‬تطال‭ ‬أخلاقيات‭ ‬العمل‭ ‬الصحفي‭. ‬وقد‭ ‬استندنا‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬المرات‭ ‬إلى‭ ‬شكاوى‭ ‬وصلتنا‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬من‭ ‬عامّة‭ ‬الناس‭. ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الشكاوى‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬بـالتعاطي‭ ‬الإعلامي‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬الوطنية‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬وحوادث‭ ‬الطرقات‭ ‬الكبرى‭ ‬وتغطية‭ ‬المحطات‭ ‬السياسية‭ ‬والانتخابية‭. ‬

خلال‭ ‬مطلع‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2019،‭ ‬اهتزّ‭ ‬الشارع‭ ‬التونسي‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬حادث‭ ‬مرور‭ ‬أودى‭ ‬بحياة‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقلّ‭ ‬عن‭ ‬29‭ ‬شابًّا‭ ‬وشابّة‭. ‬كان‭ ‬الشارع‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حداد،‭ ‬وكان‭ ‬يتطلّع‭ ‬إلى‭ ‬محتوى‭ ‬إعلامي‭ ‬يرتقي‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬اللحظة‭ ‬غير‭ ‬أنّه‭ ‬فوجئ‭ ‬ببعض‭ ‬القنوات‭ ‬الخاصّة‭ ‬وفي‭ ‬مقدّمتها‭ ‬قناة‭ ‬الحوار‭ ‬التونسي‭ ‬بصدد‭ ‬بثّ‭ ‬منوّعات‭ ‬أشبه‭ ‬بأجواء‭ ‬الكباريهات‭. ‬كان‭ ‬وقع‭ ‬الأمر‭ ‬كارثيًا‭ ‬على‭ ‬نفسيّة‭ ‬قطاع‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭ ‬الذّين‭ ‬لجأوا‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التنديد‭ ‬بما‭ ‬يتمّ‭ ‬تمريره‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والمطالبة‭ ‬باحترام‭ ‬حالة‭ ‬الحداد‭ ‬العامّة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد‭. ‬

يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬يُثبت‭ ‬إعلامنا‭ ‬أنّه‭ ‬تجاري‭ ‬بحت‭ ‬وأنّ‭ ‬المحتوى‭ ‬الذّي‭ ‬يبثّه‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬انتظارات‭ ‬الجمهور‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعمّق‭ ‬الهوّة‭ ‬بين‭ ‬الجمهور‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ويخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬المحلّي‭. ‬

‭ ‬عطفًا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أشرت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬‮«‬انعدام‭ ‬الثقة‮»‬‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬ألا‭ ‬ترى‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬ضرب‭ ‬ما‭ ‬تبقّى‭ ‬من‭ ‬مسار‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬والتشريع‭ ‬للدّوس‭ ‬على‭ ‬مكتسبات‭ ‬الحرية‭ ‬والتعدّدية‭ ‬؟‭ ‬

سأقولها‭ ‬بكلّ‭ ‬صراحة،‭ ‬إنّ‭ ‬هجر‭ ‬الجمهور‭ ‬التونسي‭ ‬للإعلام‭ ‬المحلّي‭ ‬وتوجّهه‭ ‬نحو‭ ‬الإعلام‭ ‬الخارجي‭ (‬الفرنسي،‭ ‬القنوات‭ ‬العربية‭ ‬الكبرى‭ ‬الخ‭) ‬إن‭ ‬هو‭ ‬إلّا‭ ‬ترجمة‭ ‬تلقائية‭ ‬لحالة‭ ‬الرفض‭ ‬للإعلام‭ ‬المحلّي‭ ‬الذّي‭ ‬تحوّل،‭ ‬مثلما‭ ‬أسلفنا‭ ‬الذّكر،‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬طيّعة‭ ‬يستخدمها‭ ‬السياسيون‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال‭ ‬لتمرير‭ ‬رسائل‭ ‬اتّصالية‭ ‬ساهمت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تعطيل‭ ‬الانتقال‭ ‬الدّيمقراطي‭ ‬وأخّرت‭ ‬خروج‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬اللّاستقرار‭ ‬السياسي‭. ‬

إنّ‭ ‬المطلوب‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬فرض‭ ‬رقابة‭ ‬مُسبقة‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬تُنتجه‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ولكن‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المخالفين‭. ‬هناك‭ ‬قنوات‭ ‬وإذاعات‭ ‬تبُثّ‭ ‬دون‭ ‬ترخيص‭ ‬وأخرى‭ ‬تدوس‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬القوانين‭ ‬والمواثيق‭ ‬المنظّمة‭ ‬لمهنة‭ ‬الصحافة‭. ‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ديمقراطية‭ ‬وحريّات‭ ‬دون‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إعلام‭ ‬حرّ‭ ‬وشفاف‭ ‬وجادّ‭ ‬يتناول‭ ‬القضايا‭ ‬الوطنية‭ ‬بكل‭ ‬حرفية‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬منطق‭ ‬التجييش‭ ‬والتوظيف‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬والسياسي‭ ‬والتجاري‭ ‬الرخيص‭.‬

لقد‭ ‬ساهم‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬شيطنة‭ ‬ممارسة‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي‭ ‬وضرب‭ ‬كيان‭ ‬الدولة‭ ‬وإضعافها‭ ‬مقابل‭ ‬تقوية‭ ‬كيانات‭ ‬موازية‭ ‬تتربّص‭ ‬بالدولة‭. ‬كيانات‭ ‬مافيوزية‭ ‬همّها‭ ‬الوحيد‭ ‬مراكمة‭ ‬الثروة‭ ‬وتكديس‭ ‬الربح‭ ‬السريع‭. ‬يجب‭ ‬إعادة‭ ‬إصلاح‭ ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬الخلل‭ ‬حتّى‭ ‬ينصلح‭ ‬حال‭ ‬البلاد‭. ‬لأنّ‭ ‬الجمهور‭ ‬لن‭ ‬يظلّ‭ ‬مكتوف‭ ‬اليدين‭ ‬بل‭ ‬سيأتي‭ ‬يوم‭ ‬يثور‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمثّله‭. ‬

هوية الإعلام في ظل وجود خطاب الكراهية
تحليل صحفي:
غدي كفالة

عقب‭ ‬موجة‭ ‬ثورات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬والتي‭ ‬نادت‭ ‬في‭ ‬مطالبها‭ ‬الأساسية‭ ‬الأولى‭ ‬صارخةً‭ ‬بحق‭ ‬التعبير‭ ‬للمواطنين‭ ‬في‭ ‬مسائل‭ ‬وشؤون‭ ‬دولهم‭ ‬دون‭ ‬سلطة‭ ‬رادعة‭ ‬أو‭ ‬قوة‭ ‬قاهرة‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬حُريتهم‭ – ‬ظهر‭ ‬مفهوم‭ ‬الخطاب‭ ‬الكريه‭ ‬أو‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬والذي‭ ‬حمل‭ ‬معه‭ ‬تغيرات‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬التحريضية‭ ‬speech‭ ‬Hate‭ ‬المستخدمة‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬له‭ ‬تعريف‭ ‬محدد‭ ‬ومادي‭ ‬تتفق‭ ‬عليه‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭, ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬التعريفات‭ ‬له‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬ضبابية‭ ‬المعرفة‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬ماهية‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬توضيحه‭. ‬فحسب‭ ‬معجم‭ ‬كامبريدج‭ ‬والذي‭ ‬يُعرِّف‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬أنه‭ ‬خطاب‭ ‬عام‭ ‬يوجه‭ ‬تعبيرات‭ ‬كره‭ ‬أو‭ ‬تحريض‭ ‬للعنف‭ ‬تُجاه‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬العرق،‭ ‬اللون،‭ ‬الدين،‭ ‬الهوية‭ ‬الجنسية‭… ‬إلخ‭. ‬يذهب‭ ‬وينشتاين‭ ‬إلى‭ ‬وصف‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬بـ‭(‬الشيطاني‭) ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬يصف‭ ‬أن‭ ‬إقرار‭ ‬قوانين‭ ‬خاصة‭ ‬لمنع‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬يحُول‭ ‬دون‭ ‬تعبير‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬آرائهم‭ ‬تُجاه‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬حدث‭ ‬معين‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬وإلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬يُصبح‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬مُصطلحًا‭ ‬قيد‭ ‬المناظرات‭ ‬والجدالات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬خصيصًا‭ ‬بعد‭ ‬التعديل‭ ‬الأول‭ ‬والذي‭ ‬يحظر‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬أو‭ ‬تُعيق‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬مكّن‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬تلك‭ ‬التعبيرات‭ ‬أو‭ ‬المصطلحات‭ ‬إلى‭ ‬أفعال‭ ‬أو‭ ‬سلوكيات‭ ‬إجرامية‭. ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ودول‭ ‬المنطقة‭ ‬الأمر‭ ‬يختلف‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الأول‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬حيث‭ ‬يُعتبر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬هو‭ ‬الوسيلة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المحلية‭ ‬والإقليمية‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الترويج‭ ‬العلني‭ ‬لبعض‭ ‬الفئات‭ ‬المدنية‭ ‬أو‭ ‬العسكرية،‭ ‬محاولة‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬شخصيات‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬مجتمعية‭ ‬معينة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬جهات‭ ‬أخرى،‭ ‬كذلك‭ ‬استخدام‭ ‬مصطلحات‭ ‬هجومية‭ ‬تنعت‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬أو‭ ‬المجموعات‭ ‬والكيانات‭. ‬حيث‭ ‬تتعدد‭ ‬أساليب‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬واللغة‭ ‬التحريضية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبية‭ ‬فمنها‭:‬

الخطاب‭ ‬الإذاعي‭ ‬أو‭ ‬المسموع‭ ‬المباشر‭:‬ وهو‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬فيه‭ ‬المذيع‭ ‬أو‭ ‬مقدم‭ ‬البرنامج‭ ‬لدى‭ ‬جهة‭ ‬إذاعية‭ ‬معينة‭ ‬خطابًا‭ ‬هجوميًا‭ ‬لفئة‭ ‬محددة‭ ‬لأسباب‭ ‬قومجية‭ ‬أو‭ ‬أيديولوجية‭ ‬أو‭ ‬جهوية‭ ‬مثل‭ ‬قيام‭ ‬مذيع‭ ‬قناة‭ ‬ليبيا‭ ‬الحدث‭ ‬زكريا‭ ‬البوهالي‭ ‬بتهديد‭ ‬متصل‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭ ‬بأنه‭ ‬مستهدف‭ ‬بمجرد‭ ‬دخول‭ ‬قوات‭ ‬المارشال‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭ ‬إلى‭ ‬طرابلس‭, ‬وهذا‭ ‬يعتبر‭ ‬تجاوزًا‭ ‬إعلاميًا‭ ‬جسيمًا‭.‬

الخطاب‭ ‬الإذاعي‭ ‬أو‭ ‬المسموع‭ ‬الشامل‭: ‬وهو‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬فيه‭ ‬المتحدث‭ ‬كلمات‭ ‬أو‭ ‬جمل‭ ‬تعميمية‭ ‬لشعوب‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬بأسرها‭ ‬مثل‭ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬تجاه‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬والسعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬وتركيا‭ ‬ومصر‭ ‬وأمريكا‭.‬

الخطاب‭ ‬الإذاعي‭ ‬أو‭ ‬المسموع‭ ‬الفردي‭: ‬وهو‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬ضد‭ ‬شخصية‭ ‬معينة‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬عامة‭ ‬أو‭ ‬رياضية‭ ‬إلخ‭. ‬مثل‭: ‬الخطاب‭ ‬التحريضي‭ ‬ضد‭ ‬المفتي‭ ‬الشيخ‭ ‬الصادق‭ ‬الغرياني،‭ ‬رئيس‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬السابق‭ ‬محمد‭ ‬المقريف‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الحالي‭ ‬فائز‭ ‬السراج‭, ‬والمارشال‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭… ‬إلخ‭.‬

تعد‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬منصات‭ ‬جهورة‭ ‬تقدم‭ ‬محتوى‭ ‬غير‭ ‬دقيق‭ ‬نسبيًا‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬فهناك‭ ‬ما‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬مصادره‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬فيسبوكية‭ ‬مؤدلجة‭ ‬وحسابات‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬غير‭ ‬مؤهلة‭ ‬للخدمة‭ ‬الصحفية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لبعض‭ ‬قنوات‭ ‬التليفزيون‭ ‬الليبي‭ ‬سطوة‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬العرض‭ ‬والبث‭ ‬لبعض‭ ‬المواد‭ ‬المعدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أفراد‭ ‬أو‭ ‬جهات‭ ‬كسرقة‭ ‬بعض‭ ‬الفيديوهات‭ ‬واستخدامها‭ ‬ضمن‭ ‬المادة‭ ‬المعروضة‭ ‬للقناة،‭ ‬فتكون‭ ‬بالتالي‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬الإذاعية‭ ‬مصادر‭ ‬غير‭ ‬موثوقة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬دقة‭ ‬ومهنية‭ ‬الإعلام‭ ‬الحُر‭ ‬والنزيه‭.‬

وما‭ ‬بين‭ ‬الأساليب‭ ‬المتعددة‭ ‬للغة‭ ‬التحريضية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يوجد‭ ‬صيغات‭ ‬متنوعة‭ ‬مثل‭ ‬Defamatory‭ ‬Campiagns‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬وإثراء‭ ‬هذا‭ ‬المحتوى‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الصيغات‭ ‬أو‭ ‬النماذج‭: ‬حملات‭ ‬التشهير‭ ‬نشر‭ ‬صور‭ ‬أو‭ ‬فيديوهات‭ ‬أو‭ ‬تسجيلات‭ ‬خاصة‭ ‬كحادثة‭ ‬نشر‭ ‬صور‭ ‬لرئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬السابق‭ ‬علي‭ ‬زيدان،‭ ‬والتشهير‭ ‬برئيس‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬السابق‭ ‬نوري‭ ‬أبوسهمين،‭ ‬حيث‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬ضمن‭ ‬الإخلال‭ ‬بأساسيات‭ ‬المهنة‭ ‬والأخلاق‭ ‬الصحفية‭. ‬كذلك‭ ‬الهجوم‭ ‬الإلكتروني‭ ‬أو‭ ‬الإعلامي‭ ‬المنظم‭ ‬مثل‭ ‬التغطيات‭ ‬المباشرة‭ ‬أو‭ ‬الأوسام‭ ‬مثل‭ ‬البرنامج‭ ‬الأسبوعي‭ ‬الذي‭ ‬يبث‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬ليبيا‭ ‬الأحرار‭ ‬والذي‭ ‬يستضيف‭ ‬السيد‭\ ‬نعمان‭ ‬بن‭ ‬عثمان،‭ ‬رئيس‭ ‬مؤسسة‭ ‬كويليام‭ ‬الدولية‭ ‬والذي‭ ‬يستمر‭ ‬بثه‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬شبه‭ ‬أسبوعي‭ ‬لمدة‭ ‬تتجاوز‭ ‬الأربع‭ ‬ساعات‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة،‭ ‬حيث‭ ‬يطلق‭ ‬فيها‭ ‬الضيف‭ ‬عبارات‭ ‬السب‭ ‬والشتم‭ ‬والسخرية‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬والشخصيات‭ ‬الليبية‭ ‬والدولية‭ ‬لعبت‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تداول‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬كالتهديد‭ ‬الخاص‭ ‬أو‭ ‬الموجه‭ ‬العامة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المساومة‭ ‬أو‭ ‬المقايضة‭ ‬بنشر‭ ‬معلومات‭ ‬سرية‭ ‬أو‭ ‬شخصية‭ ‬متعلقة‭ ‬بفرد‭ ‬أو‭ ‬فئة‭ ‬ما‭ ‬Compromisation‭.‬

153 اخلال يومي على القنوات التلفزية الليبية سنة 2017

(مغالطات مهنية في تغطية الأحداث المباشرة، عبارات عنف وتحريض مباشرة)

إخلالات مهنية بنسبة

41%

من المحتوى المقدم

إخلالات مهنية بنسبة

17%

من المحتوى المقدم

وبيد‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبي‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المرات‭ ‬أصبح‭ ‬شريكًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬في‭ ‬التحريض‭ ‬وتأجيج‭ ‬النزاع‭ ‬القائم‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬وخلق‭ ‬نزاعات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسلطيه‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أحداث‭ ‬غائبة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬صحيحة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المبالغة‭ ‬بعدد‭ ‬ضحايا‭ ‬أحداث‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬تبريرات‭ ‬العنف‭ ‬المستمرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إظهار‭ ‬بطولية‭ ‬أطراف‭ ‬معينة‭ ‬وشيطنة‭ ‬أطراف‭ ‬أخرى‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬أساسيات‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدي‭ ‬أو‭ ‬الرقمي‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬يؤمن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬بأن‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُقيد‭ ‬بمصطلحات‭ ‬كخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬أو‭ ‬لُغة‭ ‬التحريض‭ ‬والعنف‭ ‬فهذا‭ ‬يُعيق‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬أو‭ ‬مشاكل‭ ‬معينة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬عرفه‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬انتقاد‭ ‬موضوعي‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الحوادث‭ ‬وقضايا‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وبالتالي‭ ‬ساهمت‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬وكشف‭ ‬جوانب‭ ‬الفساد‭ ‬فيها‭.‬

كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬غض‭ ‬النظر‭ ‬على‭ ‬محاولات‭ ‬التهديد‭ ‬الصريحة‭ ‬والتي‭ ‬يوجه‭ ‬فيها‭ ‬مقدمو‭ ‬البرامج‭ ‬عبارات‭ ‬تهاجم‭ ‬الشخص‭ ‬بعينه‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬إبداء‭ ‬رأيه‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭ ‬سواء‭ ‬بقفل‭ ‬الاتصال‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬مقاطعته‭ ‬عمدًا،‭ ‬وهذا‭ ‬ينافي‭ ‬حق‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الصحافة‭ ‬والإذاعة‭ ‬المرئية‭ ‬والمسموعة،‭ ‬ويعكس‭ ‬مدى‭ ‬دوغمائية‭ ‬الإعلام‭ ‬الموجه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جهات‭ ‬غير‭ ‬حيادية‭ ‬أو‭ ‬أموال‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬الحدود‭ ‬والبحار‭. ‬فوفقًا‭ ‬لآخر‭ ‬تقرير‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬المركز‭ ‬الليبي‭ ‬لحُرية‭ ‬الصحافة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬على‭ ‬153‭ ‬إخلالًا‭ ‬يوميًا‭ ‬على‭ ‬القنوات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬الليبية‭ ‬والتي‭ ‬تنوعت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مغالطات‭ ‬مهنية‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬الأحداث‭ ‬المباشرة،‭ ‬عبارات‭ ‬عنف‭ ‬وتحريض‭ ‬مباشرة،‭ ‬حيث‭ ‬تصدر‭ ‬قناة‭ ‬التناصح‭ ‬قائمة‭ ‬القنوات‭ ‬ذات‭ ‬الإخلالات‭ ‬المهنية‭ ‬بنسبة‭ ‬41‭% ‬من‭ ‬المحتوى‭ ‬المقدم‭ ‬والذي‭ ‬يعج‭ ‬بمصطلحات‭ ‬الوصم‭ ‬والتنميط‭ ‬ونشر‭ ‬صور‭ ‬للقتلى‭ ‬وعائلاتهم‭ ‬وهذا‭ ‬يُعتبر‭ ‬انتهاكًا‭ ‬صارخًا‭ ‬لحق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬موافقته‭ ‬لنشر‭ ‬الصور‭ ‬من‭ ‬عدمها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬السلبي‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬المفتي‭ ‬الصادق‭ ‬الغرياني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برنامجه‭ ‬الذي‭ ‬يبث‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬التناصح‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أثر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بحجة‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬فتوى‭ ‬فردية‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬انضمام‭ ‬أفواج‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬المجموعات‭ ‬المسلحة‭ ‬وساحات‭ ‬الحرب‭.‬

أما‭ ‬قناة‭ ‬الحدث‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬التانية‭ ‬والتي‭ ‬رصدت‭ ‬إخلالاتها‭ ‬بنسبة‭ ‬تجاوزت‭ ‬17‭% ‬حيث‭ ‬بثت‭ ‬تصريحات‭ ‬لبعض‭ ‬الأسرى‭ ‬والمقاتلين‭ ‬عبر‭ ‬شاشتها،‭ ‬كذلك‭ ‬صورًا‭ ‬لبعض‭ ‬القتلى‭ ‬ووصفها‭ ‬بأشد‭ ‬العبارات‭ ‬اللإنسانية‭ ‬كالتحقير‭ ‬والوصم‭ ‬والاستهزاء،‭ ‬وفي‭ ‬المرتبة‭ ‬الثالتة‭ ‬تأتي‭ ‬قناة‭ ‬ليبيا‭ ‬الإخبارية‭ ‬والتي‭ ‬أطلقت‭ ‬وابلًا‭ ‬من‭ ‬عبارات‭ ‬التهديد‭ ‬بالاعتقال‭ ‬التعسفي‭ ‬والقتل‭ ‬العمد‭ ‬وهذا‭ ‬يُعتبر‭ ‬جريمة‭ ‬جنائية‭ ‬وضد‭ ‬الإنسانية‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬والذي‭ ‬يكشف‭ ‬لنا‭ ‬مدى‭ ‬تعصب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬تجاه‭ ‬مموليها‭ ‬والأيديولوجيات‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬تُعتبر‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬المساهم‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬حروب‭ ‬أو‭ ‬نزاعات‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬كانت‭ ‬لن‭ ‬تقوم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬ذُكرت‭ ‬أعلاه‭ ‬هي‭ ‬حالات‭ ‬تنافي‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬مضمونًا‭ ‬واصطلاحًا‭, ‬فهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬يُرخّص‭ ‬للمقاتلين‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ارتكاب‭ ‬الجرائم‭ ‬والانتهاكات‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬القبيلة‭ ‬أو‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬يتبعها،‭ ‬هنا‭ ‬تقف‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬عند‭ ‬مفترق‭ ‬طرق‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الكثيرين‭ ‬وصفه‭ ‬أو‭ ‬تفسيره،‭ ‬فما‭ ‬تعتقده‭ ‬يندرج‭ ‬تحت‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬شخص‭ ‬آخر‭ ‬قد‭ ‬يعتبره‭ ‬منافٍ‭ ‬لذلك‭ ‬والعكس‭ ‬أيضًا‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬منعرج‭ ‬آخر‭ ‬والذي‭ ‬بادر‭ ‬فيه‭ ‬أحد‭ ‬المذيعين‭ ‬بذكر‭ ‬أسماء‭ ‬وألقاب‭ ‬أفراد‭ ‬يعتبرهم‭ ‬أعداء‭ ‬للقيادة‭ ‬العامة‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الشرقية‭ ‬ويُحرض‭ ‬على‭ ‬قتلهم‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭ ‬واستهداف‭ ‬عائلاتهم‭ ‬وأطفالهم‭ ‬والأشخاص‭ ‬الموالين‭ ‬لهم‭ ‬اعتبر‭ ‬أيضًا‭ ‬لغة‭ ‬تحريضية‭ ‬موجهة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬ومُعلنة‭ ‬على‭ ‬تحشيد‭ ‬شعبي‭ ‬ضدهم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأوصاف‭ ‬المتبوعة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬هي‭ ‬أوصاف‭ ‬تجرد‭ ‬من‭ ‬إنسانيتهم‭ ‬ككلمة‭ ‬عبيد‭ ‬ومُرتزقة‭ ‬وأيضًا‭ ‬أوصاف‭ ‬الحيوانات‭ ‬كالجرذان‭ ‬والفئران‭ ‬إلخ‭. ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬التناول‭ ‬البخس‭ ‬لقضايا‭ ‬حساسة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إعلاميين‭ ‬ليبيين‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬ذكر‭ ‬أسماء‭ ‬بعض‭ ‬القبائل‭ ‬والأسر‭ ‬بعينها‭ ‬يُشكل‭ ‬تهديدًا‭ ‬صارخًا‭ ‬للنسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المهترئ‭ ‬بسبب‭ ‬الحروب‭ ‬الإعلامية‭ ‬الفائتة‭ ‬والقائمة‭ ‬حاليًا،‭ ‬حيث‭ ‬تورط‭ ‬إعلامييون‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬معمعة‭ ‬الأدلجة‭ ‬والتسيس‭ ‬المدفوع‭ ‬مسبقًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جهات‭ ‬ودويلات‭ ‬تتدخل‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬وصريح‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الليبي‭ ‬الداخلي‭.‬

كاريكاتور يوصف حالة التجاذب الايديولوجي والسياسي المسيطرة على الاعلام الليبي - موقع ايوان ليبيا

حيث‭ ‬إن‭ ‬التجاوزات‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬عليها‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبي‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬تراكمات‭ ‬ثقافية‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬أفكار‭ ‬هشة‭ ‬وغير‭ ‬موضوعية،‭ ‬فهذه‭ ‬الأفكار‭ ‬الهشة‭ ‬خلقت‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬النمطيات‭ ‬تُجاه‭ ‬الاختلافات‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬أو‭ ‬الفكرية،‭ ‬فبمجرد‭ ‬التيقن‭ ‬بمجابهة‭ ‬هذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الميديا‭ ‬الحرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬يتم‭ ‬فورية‭ ‬استخدام‭ ‬الأدوات‭ ‬الهجومية‭ ‬القاصية‭ ‬علنًا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التراكم‭ ‬التجريبي‭ ‬له‭ ‬مخلفات‭ ‬معرفية‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬التناول‭ ‬السلبي‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الجيوبولتيكية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

حيث‭ ‬إن‭ ‬التراكم‭ ‬التجريبي‭ ‬السلبي‭ ‬لمجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬الليبيين‭ ‬المعاصرين‭ ‬والمشحون‭ ‬بالإخلالات‭ ‬المعلوماتية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬أثر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطي‭, ‬والذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬مرحلة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الإصلاح‭ ‬السياسي‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات‭ ‬المتغيرة‭ ‬أو‭ ‬الانتقالية،‭ ‬هذه‭ ‬الإخلالات‭ ‬هي‭ ‬جُملة‭ ‬من‭ ‬العراقيل‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬التعاطي‭ ‬الإيجابي‭ ‬للمرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وبالتالي‭ ‬تتوقف‭ ‬تمامًا‭ ‬نحو‭ ‬العبور‭ ‬إلى‭ ‬التحوُّل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الحر‭. ‬فإحدى‭ ‬أهم‭ ‬الوظائف‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬عليها‭ ‬الإعلام‭ ‬هو‭ ‬تسهيل‭ ‬صنع‭ ‬القرارات،‭ ‬فوسيلة‭ ‬الإعلام‭ ‬قادرة‭ ‬قدرة‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صنعه‭ ‬أو‭ ‬فرضه‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬حجبه‭ ‬عن‭ ‬الجمهور‭ ‬المتابع،‭ ‬فيتم‭ ‬ذلك‭ ‬إما‭ ‬بالتعاطي‭ ‬الإيجابي‭ ‬لصنع‭ ‬القرار‭ ‬والذي‭ ‬يخدم‭ ‬المجتمع‭ ‬والجمهور‭ ‬كفتح‭ ‬ملفات‭ ‬الفساد‭ ‬وقضايا‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والتي‭ ‬بالتالي‭ ‬تعود‭ ‬نفعًا‭ ‬وإيجابًا‭ ‬على‭ ‬الجمهور،‭ ‬أو‭ ‬يتناولها‭ ‬سلبًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدفع‭ ‬بأطراف‭ ‬عن‭ ‬أطراف‭ ‬آخرى‭ ‬أو‭ ‬التستر‭ ‬على‭ ‬شخصيات‭ ‬وجهات‭ ‬معينة،‭ ‬وهذا‭ ‬بالتالي‭ ‬ينافي‭ ‬الرسالة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬الإعلام‭ ‬النزيه‭ ‬أن‭ ‬يضمن‭ ‬تقديمها‭.‬

جملة‭ ‬التراكمات‭ ‬التجريبية‭ ‬التي‭ ‬خاضها‭ ‬ولايزال‭ ‬يخضوها‭ ‬الإعلامي‭ ‬الليبي‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬طبيعي‭ ‬للدوغمائية‭ ‬القائمة‭ ‬والتي‭ ‬تستميت‭ ‬عليها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬نظرتها‭ ‬العامة‭ ‬نحو‭ ‬التحوُّل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬المنشود،‭ ‬فالتغيرات‭ ‬الحادثة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وفي‭ ‬الموازاة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ – ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬تصف‭ ‬أنها‭ ‬صديقة‭ ‬وحليفة‭ ‬لليبيا‭- ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬تحول‭ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي‭ ‬من‭ ‬صلب‭ ‬غير‭ ‬معالج‭ ‬إلى‭ ‬لين‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬الحالية،‭ ‬كذلك‭ ‬المادة‭ ‬المُقدمة‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تُعتبر‭ ‬إحدى‭ ‬المعطيات‭ ‬المتغيرة‭ ‬وفقاً‭ ‬للتغيرات‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والأولويات‭ ‬السياسية‭.‬

وليس‭ ‬خفيًا‭ ‬أن‭ ‬الاختلافات‭ ‬الايديولوجية‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبي‭ ‬هي‭ ‬قيمة‭ ‬مُضافة‭ ‬إعلاميًا‭ ‬وجمهوريًا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تم‭ ‬توظيفها‭ ‬بالشكل‭ ‬الصحيح‭, ‬ولكن‭ ‬تم‭ ‬توظيف‭ ‬معاكس‭ ‬لمفهوم‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬الإعلامية‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬كمنصات‭ ‬لإبطاء‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬السياسية‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬وخوض‭ ‬تجربة‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬والبرلمانية‭. ‬فالأيديولوجيا‭ ‬الإعلامية‭ ‬لم‭ ‬تتوان‭ ‬عن‭ ‬استيضاح‭ ‬كمية‭ ‬الدعم‭ ‬المبالغ‭ ‬فيه‭ ‬لأطرافها‭ ‬وغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬محاسبتها‭ ‬إعلاميًا‭ ‬أو‭ ‬جماهيريًا‭ ‬عبر‭ ‬منصاتها‭ ‬وقنواتها،‭ ‬بل‭ ‬العكس‭ ‬فهي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬إخفاء‭ ‬حقائق‭ ‬وملفات‭ ‬عن‭ ‬الجمهور‭ ‬المتتبع‭ ‬ومخالفة‭ ‬كل‭ ‬أخلاقيات‭ ‬مهنة‭ ‬الصحافة‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬لإصلاح‭ ‬الشؤون‭ ‬العامة‭ ‬وديمقراطية‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭. ‬كما‭ ‬امتد‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬المدفوع‭ ‬بأسباب‭ ‬غالبها‭ ‬سياسية‭ ‬وفكرية‭ ‬أو‭ ‬تاريخية‭ ‬إلى‭ ‬الإعلام‭ ‬البديل‭ ‬أو‭ ‬الميديا‭ ‬الرقمية‭ – ‬فعبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تم‭ ‬بث‭ ‬العديد‭ ‬من‭ (‬السموم‭ ‬الرقمية‭) ‬عبر‭ ‬صفحات‭ ‬تابعة‭ ‬لوسائل‭ ‬إعلام‭ ‬ليبية‭ ‬منها‭ ‬صور‭ ‬لتنكيل‭ ‬بالجثث‭ ‬واستخدام‭ ‬مصطلحات‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬الممارسة‭ ‬الفعلية‭ ‬للعنف‭ ‬والاضطهاد‭ ‬والتحريض‭ ‬ضد‭ ‬الأقليات‭ ‬والفئات‭ ‬المستضعفة‭.‬

الإعلام‭ ‬الليبي‭ ‬وقياسًا‭ ‬على‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الجمود‭ ‬المعرفي‭ ‬والقيود‭ ‬السياسية‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬القذافي‭ ‬وأبواق‭ ‬الحكومة‭ ‬الكاذبة‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬رخوة‭ ‬مليئة‭ ‬برسائل‭ ‬الكراهية‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أشار‭ ‬حتى‭ ‬المدافعون‭ ‬عن‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الموجه‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬يستوجب‭ ‬المعالجة‭ ‬الخاصة‭ ‬والسريعة‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُقاس‭ ‬ضمن‭ ‬سوق‭ ‬الأفكار‭.‬

منشور مناهض لخطاب الكراهية نشرته وزارة الداخلية الليبية

جدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬الطعن‭ ‬في‭ ‬الصلاحيات‭ ‬الدينية‭ ‬لبعض‭ ‬رجالات‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬العقائد‭ ‬الراسخة‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬واستغلالها‭ ‬لإحداث‭ ‬بلبلة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬حروب‭ ‬مدفوعة‭ ‬بفكر‭ ‬ديني‭ ‬مُتطرف‭ ‬هي‭ ‬حُرية‭ ‬تعبير‭ ‬مضمونة‭ ‬ولا‭ ‬تخضع‭ ‬للمراقبة‭ ‬القانونية،‭ ‬فمثلًا‭ ‬الانتقادات‭ ‬اللاذعة‭ ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬دينية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ (‬دار‭ ‬الإفتاء‭ ‬الليبية‭) ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإعلاميين‭ ‬أو‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬هي‭ ‬وسيلة‭ ‬متاحة‭ ‬للجميع‭ ‬فالانتقاد‭ ‬هنا‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الاستغلال‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ (‬العصْمَة‭ ‬الدينية‭) ‬والقاعدة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬التي‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬المُفتي‭ ‬ورجالاته،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬انتقاد‭ ‬السياسيين‭ ‬وتعريتهم‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬اعتبروه‭ ‬خطاب‭ ‬كراهية‭ ‬موجهًا‭ ‬لهم‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬حُرية‭ ‬تعبير‭ ‬بناءة‭ ‬مكفولة‭ ‬للجميع،‭ ‬وأن‭ ‬المسؤولين‭ ‬ورجال‭ ‬الدولة‭ ‬يعتبرون‭ ‬هذه‭ ‬الانتقادات‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬هو‭ ‬ذريعة‭ ‬لإسكات‭ ‬الإعلاميين‭ ‬والإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬الذي‭ ‬سيطالهم‭. ‬كذلك‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬حدود‭ ‬قانونية‭ ‬معينة‭ ‬لحماية‭ ‬السرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصحفيين،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬ضمانات‭ ‬حقيقية‭ ‬لتوقف‭ ‬الإعلام‭ ‬عن‭ ‬فضح‭ ‬الشخصيات‭ ‬العامة‭ ‬والسياسيين‭ ‬وأن‭ ‬أي‭ ‬التزام‭ ‬بحفظ‭ ‬سرية‭ ‬شخصية‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬سلوك‭ ‬يسلكه‭ ‬الإعلام‭ ‬كمسألة‭ ‬أخلاقية‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭.‬

تُعتبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أقل‭ ‬وعيًا‭ ‬وأكثر‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مواكبتها‭ ‬للأحداث‭ ‬اليومية‭ ‬فهي‭ ‬تُقاد‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أفراد‭ ‬تحكمهم‭ ‬خلفيات‭ ‬معينة‭ ‬وصلات‭ ‬مترابطة‭ ‬وغير‭ ‬مترابطة‭ ‬بالسياسة‭ ‬المحلية‭ ‬دونًا‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬الإخبارية‭ ‬والنظم‭ ‬السياسية‭ ‬الدولية،‭ ‬فرؤية‭ ‬بعض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬إلى‭ ‬عنصر‭ ‬القبيلة‭ ‬كأداة‭ ‬سياسية‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬مساندة‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬الحدث‭ ‬الانتخابي،‭ ‬فتحاول‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬وتقوية‭ ‬هذه‭ ‬الجهات‭ ‬القبلية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭. ‬فمثلًا‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬المدفوع‭ ‬بتعصب‭ ‬قبلي‭ ‬يُعرف‭ ‬بأنه‭ ‬نتيجة‭ ‬منطقية‭ ‬لجملة‭ ‬التراكمات‭ ‬التجريبية‭ ‬للإعلامي‭ ‬أو‭ ‬وسيلة‭ ‬الإعلام‭ ‬لأنها‭ ‬بالتالي‭ ‬لها‭ ‬وصلة‭ ‬مترابطة‭ ‬بالسياسة‭ ‬المحلية‭ ‬وعنصر‭ ‬النفوذ‭ ‬القبلي‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬وهذا‭ ‬سيؤثر‭ ‬ضمنيًا‭ ‬على‭ ‬تحول‭ ‬ليبيا‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬العصرية‭ ‬والمدنية‭ ‬المنشودة‭. ‬فرغم‭ ‬القوة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للقبيلة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬ساهمت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المحلية‭ ‬مما‭ ‬سبب‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬الصراع‭ ‬الفئوي‭ ‬والمناطقي‭ ‬شرقًا‭ ‬وغربًا‭ ‬وجنوبًا‭ ‬وخير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الميلشيات‭ ‬القبلية‭ ‬المُنبثقة‭ ‬عن‭ ‬قبائل‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬كميلشيات‭ ‬مصراتة‭ ‬وترهونة‭ ‬والزنتان‭ ‬والمقارحة‭… ‬إلخ‭.‬

ناهيك‭ ‬عن‭ ‬المحاولات‭ ‬غير‭ ‬الجادة‭ ‬للاستقطاب‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬فهي‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬الوصول‭ ‬المباشر‭ ‬إلى‭ ‬حدث‭ ‬الانتخابات‭ ‬المنتظر‭ ‬شعبيًا‭ ‬ودوليًا‭ ‬حيث‭ ‬تحاول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبية‭ ‬إقناع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬هي‭ ‬حدث‭ ‬تكاملي‭ ‬يصعب‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تواجد‭ ‬فوضى‭ ‬أمنية‭ ‬وأسلحة‭ ‬منتشرة‭ ‬ونقص‭ ‬نخبوي‭ ‬قد‭ ‬يقود‭ ‬الانتخابات‭ ‬إلى‭ ‬بر‭ ‬الآمان‭ – ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يصح‭ ‬في‭ ‬جوفه‭ ‬وفحواه‭ ‬ولكن‭ ‬يُخطئ‭ ‬في‭ ‬نتائجه‭, ‬فالمماطلة‭ ‬السياسية‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الانتخابات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تسويق‭ ‬فكرة‭ ‬التوقيت‭ ‬الخطأ‭ ‬هي‭ ‬مساهمة‭ ‬فعلية‭ ‬في‭ ‬إطالة‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬وتفشي‭ ‬مرض‭ ‬غياب‭ ‬الدولة‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬وبالتالي‭ ‬مضاعفات‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬تزداد‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الإعلامية‭ ‬الموجودة‭ ‬حاليًا‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تُشكل‭ ‬التوازن‭ ‬المتماثل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدد‭ ‬القنوات‭ ‬المضادة‭ ‬وأساليب‭ ‬العرض‭ ‬والاستدلال‭ ‬المُستخدمة‭ ‬وكذلك‭ ‬مصادر‭ ‬التمويل‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬وهذا‭ ‬يجعل‭ ‬ديمومة‭ ‬الوضع‭ ‬الإعلامي‭ ‬السلبي‭ ‬مرهونًا‭ ‬بديمومة‭ ‬التمويلات‭ ‬المقدمة‭ ‬لهذه‭ ‬القنوات‭ ‬والإذاعات‭ ‬وهذه‭ ‬الحالة‭ ‬توصف‭ ‬بـ‭(‬الاستثمار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭) ‬والتي‭ ‬تُصاحب‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬إقليمي‭ ‬أو‭ ‬عالمي‭ – ‬فمثلا‭ ‬قناة‭ ‬218‭ ‬والتي‭ ‬تدَّعي‭ ‬حياديتها‭ ‬أو‭ ‬دعمها‭ ‬للقيم‭ ‬الليبرالية‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬القانون‭ ‬والدستور‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬لها‭ ‬دعم‭ ‬خارجي‭ ‬وأيديولوجية‭ ‬مُعينة‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬الحياد‭ ‬عنها‭ ‬طالما‭ (‬الصفقة‭ ‬الإعلامية‭ ‬قيد‭ ‬العقد‭ ‬المبرم‭) ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬القناة‭ ‬الإعلامية‭ ‬مُذنبة‭ ‬وإنما‭ ‬يجعلها‭ ‬قيد‭ ‬التحقيق‭ ‬والإلزام‭ ‬المهني‭ ‬المشروط‭. ‬وفي‭ ‬الجانب‭ ‬التاني‭ ‬تبرز‭ ‬قناة‭ ‬ليبيا‭ ‬الأحرار‭ ‬والتي‭ ‬تنسب‭ ‬نفسها‭ ‬إلى‭ ‬الحاضنة‭ ‬الصغرى‭ ‬والداعمة‭ ‬الكبرى‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬والتي‭ ‬يذكرها‭ ‬إعلاميو‭ ‬ليبيا‭ ‬الأحرار‭ ‬بأنها‭ ‬الراعية‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬النزاع‭ ‬الليبي‭ ‬ولم‭ ‬شمل‭ ‬الفرقاء‭ ‬الليبيون‭.‬

مفترق‭ ‬الطرق‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬تقف‭ ‬عنده‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبية‭ ‬الحالية‭ ‬هو‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات‭ ‬المفاهيمية‭ ‬لثقافة‭ ‬السلم‭ ‬والاعتدال‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬بين‭ ‬كافة‭ ‬المكونات‭ ‬الليبية‭ – ‬فالإعلام‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬المرآة‭ ‬لما‭ ‬يحدُث‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وهو‭ ‬وسيلة‭ ‬التعبير‭ ‬اللفظية‭ ‬والمرئية‭ ‬المتاحة‭ ‬لهم‭ ‬لتفريغ‭ ‬كل‭ ‬المفاهيم‭ ‬المضطربة‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬البعض‭ (‬وليس‭ ‬الكل‭) ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬المنصات،‭ ‬فالنتائج‭ ‬المُستخرجة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬اليوم‭ ‬باتت‭ ‬واضحة‭ ‬ويمكن‭ ‬قياسها‭ ‬ومنها‭:‬

صراع‭ ‬قبلي‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬محاصصة‭ ‬عسكرية‭ ‬وبرلمانية‭ ‬سياسية‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الإعلام‭ ‬المُرسخ‭ ‬لفكرة‭ ‬أن‭ ‬الإقصاء‭ ‬غير‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬توافر‭ ‬مؤهلات‭ ‬وخصائص‭ ‬للمشاركة‭ ‬السياسية‭ ‬وإنما‭ ‬الإقصاء‭ ‬كان‭ ‬مبنيًا‭ ‬على‭ ‬مخلفات‭ ‬قبلية‭ ‬سابقة‭.‬

تراشق‭ ‬بالمصطلحات‭ ‬الخارجة‭ ‬كعبارات‭ ‬الوصم‭ ‬والشتم‭ ‬وتبادل‭ ‬التهم‭ ‬دون‭ ‬أدلة‭ ‬واضحة‭ ‬وتدني‭ ‬واضح‭ ‬للقيم‭ ‬الإعلامية‭ ‬ونقل‭ ‬فوري‭ ‬للمعارك‭ ‬الفيزيائية‭ ‬إلى‭ ‬معارك‭ ‬إعلامية‭ ‬هجومية‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬التلفاز‭ ‬يقودها‭ ‬فيما‭ ‬يسمو‭ ‬بالنخبة‭ ‬الإعلامية‭ ‬والقيادات‭ ‬البرلمانية‭.‬

جذب‭ ‬وتمطيط‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬الانتقالية‭ ‬وترحيلها‭ ‬إلى‭ ‬عمليات‭ ‬تصارع‭ ‬متقدمة‭ – ‬كانت‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تسريع‭ ‬الوصول‭ ‬الانتخابي‭ ‬كالانقسام‭ ‬السياسي‭ ‬للحكومات‭ ‬التنفيذية‭ ‬والبرلمانية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬إلخ‭.‬

التصعيد‭ ‬الخارجي‭ ‬والاحتقان‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتنازعة‭ ‬حاليًا‭ ‬وتصعيب‭ ‬مُهمة‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬مُرضية‭ ‬لكافة‭ ‬الأطراف‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬تبرز‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬لغة‭ ‬الإعلام‭ ‬المستخدمة‭ ‬هي‭ ‬الفيصل‭ ‬في‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬المثالي،‭ ‬فمن‭ ‬بين‭ ‬السمات‭ ‬والخصائص‭ ‬للأطر‭ ‬الإعلامية‭ ‬النموذجية‭ ‬جميعها‭ ‬تكون‭ ‬اللغة‭ ‬هي‭ ‬السبيل‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬رسائل‭ ‬إنهاء‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭ ‬والفوارق‭ ‬السياسية‭. ‬وبالتالي‭ ‬يمكننا‭ ‬تلخيص‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬مهما‭ ‬ظل‭ ‬تشاركه‭ ‬وتقاطعه‭ ‬مباشرًا‭ ‬مع‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ساهم‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬تفاقم‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬إعلاميًا‭ ‬وعلى‭ ‬الأرض‭ ‬وأن‭ ‬وصف‭ ‬العلاجات‭ ‬السريعة‭ ‬لهذا‭ ‬الخطاب‭ ‬هو‭ ‬التشخيص‭ ‬الدقيق‭ ‬لدوافع‭ ‬كل‭ ‬فئة‭ ‬على‭ ‬استخدامها‭ ‬لهذا‭ ‬الخطاب،‭ ‬فبالتشخيص‭ ‬يمكننا‭ ‬معرفة‭ ‬العلاج‭ ‬واتخاذ‭ ‬الإجراء‭ ‬الوقائي‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬بسن‭ ‬قوانين‭ ‬تضبط‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬وسياسة‭ ‬العقاب‭ ‬الصارمة‭ ‬للمتخلفين‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برامج‭ ‬تدريبية‭ ‬مُكثفة‭ ‬لهم‭ ‬ومساهمتهم‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬القوانين‭ ‬الآنف‭ ‬ذكرها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬مرصد‭ ‬يُقيم‭ ‬ويرصد‭ ‬الإخلالات‭ ‬المهنية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭.‬

أخيرًا‭ – ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬ينص‭ ‬عليه‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬والذي‭ ‬يحظر‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬دعوى‭ ‬للكراهية‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬القومية‭ ‬أو‭ ‬العنصرية‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تُحرض‭ ‬على‭ ‬اللامساواة‭ ‬والعنف‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين‭- ‬تبقى‭ ‬دائرة‭ ‬الصراع‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬مستمرة‭ ‬مُحركها‭ ‬الرئيسي‭ ‬الإعلام‭ ‬والحوارات‭ ‬النقدية‭ ‬الناتجة‭ ‬عنه‭.‬

حوار مع الكاتب الصحفي الليبي أحمد الفيتوري: كنا ممنوعين من الكلام ولذا بدأنا بالصراخ
حاوره
كارم يحيى

أحمد‭ ‬الفيتوري‭ (‬مواليد‭ ‬1955‭) ‬كاتب‭ ‬وروائي‭ ‬وصاحب‭ ‬ورئيس‭ ‬تحرير‭ ‬أسبوعية‭ ‬‮«‬الميادين‮»‬‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬بين‭ ‬مايو‭/‬ماي‭ ‬2011‭ ‬وسبتمبر‭ ‬2014‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭ ‬يُقيم‭ ‬حاليًا‭ ‬بالقاهرة‭. ‬ويُسهم‭ ‬بمقال‭ ‬دوري‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬وموقع‭ ‬‮«‬الوسط‮»‬‭ ‬الليبيين‭. ‬وكان‭ ‬سجين‭ ‬رأي‭ ‬لنحو‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬زمن‭ ‬العقيد‭ ‬مُعمر‭ ‬القذافي‭ ‬بين‭ ‬1978‭ ‬و1988‭ ‬ وخرج‭ ‬ليؤسس‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الثقافية‭ ‬بليبيا‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬ـ‭ ‬الذي‭ ‬أجري‭ ‬خصيصًا‭ ‬لورقة‭ ‬منتدى‭ ‬‮«‬دعم‮»‬‭ ‬في‭ ‬يوليو‭/‬جويليه‭ ‬2019‭ ‬ـ‭ ‬إطلالة‭ ‬على‭ ‬رؤيته‭ ‬لواقع‭ ‬الإعلام‭ ‬ببلاده‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬وحيث‭ ‬يتردد‭ ‬إلى‭ ‬حينه‭ ‬على‭ ‬مدنها‭.‬

‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬الإطار‭ ‬التشريعي‭ ‬لتحولات‭ ‬الإعلام‭ ‬بليبيا‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬17‭ ‬فبراير‭/‬فيفري؟‭ ‬

لم‭ ‬تصدر‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬أي‭ ‬قوانين‭ ‬جديدة‭ ‬تخص‭ ‬الصحافة‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭. ‬فقط‭ ‬تم‭ ‬تفعيل‭ ‬قوانين‭ ‬كانت‭ ‬معطلة‭ ‬أيام‭ ‬القذافي،‭ ‬وهي‭ ‬تُتيح‭ ‬حُرية‭ ‬الإصدار‭ ‬الصحفي‭. ‬كما‭ ‬لم‭ ‬أسمع‭ ‬أو‭ ‬أعرف‭ ‬بأي‭ ‬تراتيب‭ ‬مُهمة‭ ‬ومُؤثرة‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬الأوضاع‭ ‬الإعلامية‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭.‬

‭ ‬ما‭ ‬تقييمكم‭ ‬لما‭ ‬لحق‭ ‬بالإعلام‭ ‬الرسمي‭.. ‬وهل‭ ‬جرت‭ ‬محاولات‭ ‬للانتقال‭ ‬إلى‭ ‬إعلام‭ ‬عمومي؟

الإعلام‭ ‬الرسمي‭ ‬تحرر‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الثورة‭ ‬مباشرة‭ ‬بشكل‭ ‬تلقائي‭ ‬مع‭ ‬انهيار‭ ‬سُلطة‭ ‬القذافي‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬جرى‭ ‬تثبيت‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭. ‬بقي‭ ‬إعلام‭ ‬دولة‭ ‬يتبع‭ ‬السلطة‭ ‬الانتقالية‭ ‬المؤقتة‭. ‬وربما‭ ‬المستجد‭ ‬هو‭ ‬أنك‭ ‬تستطيع‭ ‬إصدار‭ ‬صحيفة‭ ‬كما‭ ‬جرى‭ ‬السماح‭ ‬بإطلاق‭ ‬الإذاعات‭ ‬عبر‭ ‬تأويل‭ ‬قانون‭ ‬الصحافة‭. ‬وبالنسبة‭ ‬للمطبوعات‭ ‬الصحفية‭ ‬صدر‭ ‬حوالي‭ ‬365‭ ‬عنوانًا‭ ‬جديدًا‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2011‭ ‬و2012‭.‬

‭ ‬هل‭ ‬جرى‭ ‬أي‭ ‬تحوُّل‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬سُلطة‭ ‬الدولة‭ ‬بالإعلام‭ ‬الرسمي؟

حدث‭ ‬نقاش‭ ‬بالفعل‭ ‬حول‭ ‬تحول‭ ‬الإعلام‭ ‬الرسمي‭ ‬إلى‭ ‬إعلام‭ ‬عمومي‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يرق‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬نتائج‭ ‬عملية‭. ‬وبالطبع‭ ‬حدث‭ ‬حراك‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬الرسمية‭ ‬لمناقشة‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬إعلام‭ ‬عمومي‭. ‬وطرأ‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬الإذاعات‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬وتقريبًا‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬تحررت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬ذاتيًا‭ ‬وبشكل‭ ‬عشوائي‭ ‬نظرًا‭ ‬لتآكل‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬وتفكك‭ ‬علاقة‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬هذه‭ ‬مع‭ ‬السلطات‭ ‬المؤقته‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬علاقة‭ ‬تبعية‭ ‬ما‭.‬

‭ ‬هل‭ ‬تُطلعنا‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬أسبوعية‭ ‬‮«‬الميادين‮»‬‭ ‬كنموذج‭ ‬لما‭ ‬جرى‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الصحفية‭ ‬بعد‭ ‬الثورة؟

كانت‭ ‬‮«‬الميادين‮»‬‭ ‬توزَّع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬ليبيا‭. ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭ ‬ويجرى‭ ‬نقل‭ ‬نسخها‭ ‬بالطيران‭ ‬وبالسيارات‭ ‬حين‭ ‬وحيث‭ ‬تضطرب‭ ‬حركة‭ ‬النقل‭ ‬الجوي‭. ‬نرسل‭ ‬للموزعين‭ ‬بالمدن‭ ‬الرئيسية‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬أقل‭ ‬أهمية‭ ‬وقرى‭. ‬وأقصى‭ ‬توزيع‭ ‬حققته‭ ‬الصحيفة‭ ‬هو‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬نسخة‭. ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬جيد‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأسبوعية‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لدينا‭ ‬أعباء‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭. ‬فمعظم‭ ‬العمل‭ ‬تطوعي‭. ‬حقًا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نخسر‭. ‬وساعدتنا‭ ‬اشتراكات‭ ‬مدفوعة‭ ‬مقدمًا‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭. ‬كان‭ ‬لدينا‭ ‬حوالي‭ ‬ألف‭ ‬اشتراك‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مصاريف‭ ‬الطباعة‭ ‬عبئًا‭. ‬فمالك‭ ‬المطبعة‭ ‬كان‭ ‬بالأصل‭ ‬متساهلًا‭ ‬معنا‭.‬

‭ ‬ما‭ ‬أفضل‭ ‬رقم‭ ‬حققه‭ ‬توزيع‭ ‬الصحف‭ ‬الليبية‭ ‬بعد‭ ‬الثورة؟

أقصى‭ ‬توزيع‭ ‬للصحف‭ ‬الليبية‭ ‬حققته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬ليبيا‮»‬‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬والثقافة‭ ‬وهو‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬نسخة‭ ‬يوميًا‭. ‬لكنها‭ ‬توزَّع‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬بينما‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬‮«‬الميادين‮»‬‭ ‬كنا‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬مباشرة‭ ‬ونوزِّع‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬كما‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭ ‬الليبي‭ ‬في‭ ‬تونس‭.‬

‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬سوق‭ ‬للإعلانات‭ ‬وكان‭ ‬لكم‭ ‬حصة‭ ‬منها؟

بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬دعمتنا‭ ‬بالإعلانات‭ ‬نظرًا‭ ‬لنجاح‭ ‬الصحيفة‭.‬

‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمراء‭ ‬أمام‭ ‬‮«‬الميادين‮»‬؟

لم‭ ‬نشعر‭ ‬بخطوط‭ ‬حمراء‭ ‬إلا‭ ‬سلطة‭ ‬الشارع‭.‬

‭ ‬لماذا‭ ‬توقفت‭ ‬‮«‬الميادين‮»‬‭ ‬إذن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬تتحدث‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬نجاح؟

أوقفت‭ ‬الجريدة‭ ‬في‭ ‬2014‭ ‬لأن‭ ‬السائق‭ ‬الموزع‭ ‬الذي‭ ‬ينقل‭ ‬نسخها‭ ‬تم‭ ‬الاعتداء‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬مصراته‭.‬

‭ ‬كيف‭ ‬تقيِّم‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬دور‭ ‬الإعلام‭ ‬بليبيا‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬بشأن‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية؟

من‭ ‬قبل‭ ‬البلد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بها‭ ‬إعلام‭ ‬بالمعني‭ ‬الحقيقي‭. ‬كانت‭ ‬دعاية‭ ‬ومنشورات‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لدينا‭ ‬صحافة‭. ‬ولذا‭ ‬عندما‭ ‬انفتحت‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬مصراعيها‭ ‬ظهر‭ ‬المهني‭ ‬بقوة‭ ‬وغير‭ ‬المهني‭ ‬بقوة‭. ‬وأتذكر‭ ‬أن‭ ‬استطلاعًا‭ ‬مبكرًا‭ ‬لـ‭(‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭) ‬البريطانية‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬ليبيا‭ ‬قطعت‭ ‬شوطًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬حُرية‭ ‬الصحافة‭. ‬وهذا‭ ‬لأننا‭ ‬بالفعل‭ ‬بدأنا‭ ‬من‭ ‬الصفر‭. ‬بالطبع‭ ‬كانت‭ ‬وستظل‭ ‬هناك‭ ‬أخطاء‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الإعلام‭. ‬هي‭ ‬أخطاء‭ ‬المبتدئين‭. ‬لكن‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬عمومها‭ ‬أننا‭ ‬شهدنا‭ ‬تطورًا‭ ‬إيجابيًا‭ ‬في‭ ‬حُرية‭ ‬الإعلام‭ ‬ومع‭ ‬الانتخابات‭.‬

‭ ‬هل‭ ‬استطاع‭ ‬الإعلاميون‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬تطوير‭ ‬آليات‭ ‬للتعديل‭ ‬الذاتي‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬المهنية؟

أنا‭ ‬كنت‭ ‬ضد‭ ‬وضع‭ ‬ميثاق‭ ‬شرف‭ ‬صحفي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭. ‬وهذا‭ ‬لأن‭ ‬القوى‭ ‬المتغلبة‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬المحافظين‭ ‬والإسلاميين‭. ‬وقلت‭ ‬ليكن‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬عندنا‭ ‬مهنة‭ ‬أولًا‭ ‬ثم‭ ‬لاحقًا‭ ‬نضع‭ ‬لها‭ ‬ميثاقًا‭. ‬ولا‭ ‬داعي‭ ‬لتكبيل‭ ‬الصحافة‭ ‬بالقيود‭ ‬مبكرًا‭.‬

‭ ‬ثمة‭ ‬تصور‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬ليبيا‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬اليوم‭ ‬وسيلة‭ ‬إعلام‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬قومي‭ ‬وتغطي‭ ‬البلاد‭ ‬كاملة‭ ‬بسبب‭ ‬الاقتتال‭ ‬والانقسام‭.. ‬ما‭ ‬رأيكم؟

لدينا‭ ‬قناة‭ ‬تليفزيون‭ ‬218‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬الإمارات‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭. ‬وهي‭ ‬لها‭ ‬مراسلون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬ليبيا‭ ‬وبشكل‭ ‬مذهل‭ ‬وهم‭ ‬يتابعون‭ ‬الأخبار‭ ‬المحلية‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القرى‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬ليبيا‭. ‬هنا‭ ‬ساعدت‭ ‬التقنيات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬في‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬الانقسام،‭ ‬وكذا‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬ليبيا‭ ‬كبلد‭ ‬مترامي‭ ‬الأطراف‭. ‬لكن‭ ‬حقًا‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬صحيفة‭ ‬ورقية‭ ‬قومية‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭. ‬فالصحف‭ ‬القومية‭ ‬ماتت‭. ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬اليوم‭ ‬جريدة‭ ‬رقم‭ ‬1‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بسبب‭ ‬الأوضاع‭ ‬الأمنية‭.‬

‭ ‬هل‭ ‬الإذاعات‭ ‬أصبحت‭ ‬الأهم‭ ‬بين‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬ليبيا؟

لا‭.. ‬أنا‭ ‬شخصيًا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬التليفزيون‭ ‬هو‭ ‬رقم‭ ‬1‭ ‬و2‭ ‬و3‭ ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬وبعدها‭ ‬الإذاعات‭. ‬والإذاعة‭ ‬الوطنية‭ ‬الليبية‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬من‭ ‬نفسها‭ ‬وتجتذب‭ ‬جمهورًا‭. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬الإذاعات‭ ‬الخاصة‭ ‬هزمتها‭. ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬السياسي‭ ‬هنا‭. ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬تليفزيونات‭ ‬وإذاعات‭ ‬معنية‭ ‬بالأساس‭ ‬بالاجتماعي‭ ‬والثقافي‭ ‬والفني‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجتذب‭ ‬عموم‭ ‬الليبيين‭ ‬متجاوزًا‭ ‬الانقسامات‭ ‬السياسية‭ ‬والتي‭ ‬تعكس‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬النشرات‭ ‬ومادة‭ ‬الرأي‭ ‬السياسي‭. ‬هنا‭ ‬تطور‭ ‬مهم‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭.‬

‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬أبرز‭ ‬الملامح‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي‭ ‬الجديد‭ ‬بليبيا؟

أولًا‭ ‬ألاحظ‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬العاملين‭ ‬حاليًا‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبي‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬وحتى‭ ‬ممن‭ ‬يشغلون‭ ‬المناصب‭ ‬القيادية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭. ‬وثانيًا‭ ‬هناك‭ ‬تطور‭ ‬يجرى‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬المهنة‭ ‬مع‭ ‬تكثيف‭ ‬التدريب‭ ‬ونقل‭ ‬الخبرات‭. ‬كان‭ ‬لدينا‭ ‬وقبل‭ ‬الثورة‭ ‬كلية‭ ‬إعلام‭ ‬في‭ ‬بنيغازي‭ ‬وأضيفت‭ ‬إليها‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬زمن‭ ‬القذافي‭ ‬أيضًا‭. ‬لكن‭ ‬التطور‭ ‬الجاري‭ ‬حاليًا‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬الدورات‭ ‬التدريبية‭ ‬وبإسهام‭ ‬منظمات‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭. ‬والملمح‭ ‬الثالث‭ ‬يتلخص‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬ممنوعًا‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬وبلا‭ ‬صوت‭ ‬فإنك‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬تتحدث‭ ‬ستتكلم‭ ‬بصوت‭ ‬مرتفع‭ ‬عال‭. ‬بالطبع‭ ‬كنا‭ ‬ممنوعين‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬فمن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬بالصراخ‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬نتفهم‭ ‬هذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لليبيين‭. ‬ولكن‭ ‬بالطبع‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتعمد‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمون‭. ‬هو‭ ‬بالفعل‭ ‬خطاب‭ ‬موجود‭ ‬عندنا،‭ ‬لكني‭ ‬لا‭ ‬أراه‭ ‬متغلبًا‭. ‬وهو‭ ‬في‭ ‬انحسار،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬الناس‭ ‬تهتم‭ ‬به‭. ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬مغزي‭ ‬أن‭ ‬الإسلاميين‭ ‬خسروا‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬الانتخابات‭ ‬الثلاثة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بين‭ ‬2011‭ ‬و‭ ‬2012‭.‬

‭ ‬ما‭ ‬وضع‭ ‬التنظيم‭ ‬النقابي‭ ‬للصحفيين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬الثورة؟

بالفعل‭ ‬نشأت‭ ‬تنظيمات‭ ‬نقابية‭ ‬متعددة‭. ‬لكنها‭ ‬ظلت‭ ‬ضعيفة‭ ‬ومشتتة‭ ‬نتيجة‭ ‬للأزمة‭ ‬السياسية‭ ‬والاحتراب‭ ‬الأهلي‭.‬

خطاب الكراهية في الإعلام التونسي: عن قولبة الأجساد والأفكار
ريم بن رجب

مقدمة

يُمكن‭ ‬اختزال‭ ‬تصاعد‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬نزعة‭ ‬سوسيو‭-‬ثقافيّة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬نفي‭ ‬الآخر‭. ‬حيث‭ ‬تسعى‭ ‬المجموعات‭ ‬المُهيمنة‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬المُسيطر‭ ‬إلى‭ ‬نفي‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خلق‭ ‬نماذج‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬هشّة‭ ‬يسهُل‭ ‬ضبطها‭ ‬وإخضاعها‭. ‬ولعلّ‭ ‬النموذج‭ ‬الأبرز‭ ‬الذي‭ ‬تدور‭ ‬حوله‭ ‬فكرة‭ ‬النفي‭ ‬هو‭ ‬‮«‬المنبوذ‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬القابل‭ ‬للوصم‭ ‬والتحقير‭ ‬والإقصاء‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬هيمنة‭ ‬بطريركيّة‭ ‬تُعتبر‭ ‬بدورها‭ ‬نتاجا‭ ‬إجتماعيّا‭ ‬مُعقّدا‭ ‬ومُتشعّبا‭. ‬يصنع‭ ‬الكارهون‭ ‬شخصيّاتهم‭ ‬الخطابيّة‭ ‬المُرشّحة‭ ‬للنبذ‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬أدبيّات‭ ‬تُلغي‭ ‬الآخر‭ ‬المُختلف‭ ‬ويسيرون‭ ‬في‭ ‬اتّجاه‭ ‬تيّار‭ ‬مُهيمن‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬قولبة‭ ‬الأجساد‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيلها‭ ‬بتهديم‭ ‬فكرة‭ ‬كونها‭ ‬أداة‭ ‬للفعل‭ ‬والاحتجاج‭ ‬السياسيّ‭. ‬لذلك‭ ‬نجد‭ ‬أنّ‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬التي‭ ‬غزت‭ ‬الشاشات‭ ‬وصفحات‭ ‬الجرائد‭ ‬والمواقع‭ ‬الإلكترونيّة‭ ‬تُركّز‭ ‬اهتمامها‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬والأقليّات‭ ‬الجنسيّة‭ ‬والجندريّة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوصم‭ ‬والتطبيع‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬والتحريض‭ ‬عليه‭. ‬

تشمل‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬المسّ‭ ‬من‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬القتل‭ ‬والانتقام‭ ‬المعنويّ،‭ ‬والتمييز،‭ ‬والتحقير،‭ ‬والثلب،‭ ‬والشتم،‭ ‬والتكفير،‭ ‬والوصم‭. ‬وحسب‭ ‬مرصد‭ ‬أخلاقيّات‭ ‬المهنة‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬والإلكترونيّة‭ ‬المُحدث‭ ‬داخل‭ ‬النقابة‭ ‬الوطنيّة‭ ‬للصحافيّين‭ ‬التونسيّين،‭ ‬يُعتبر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬‮«‬كلّ‭ ‬نصّ‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬حجمه،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬أي‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإبلاغ‭ ‬المباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المباشر،‭ ‬يتضمّن‭ ‬إساءة‭ ‬أو‭ ‬إهانة‭ ‬أو‭ ‬اتّهاما‭ ‬بالنقص‭ ‬والدونيّة‭ ‬أو‭ ‬تحقير‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬جماعة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬العرق‭ ‬أو‭ ‬الدّين‭ ‬أو‭ ‬الانتماء‭ ‬السياسيّ‭ ‬أو‭ ‬الجغرافيّ‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬الجنس‭ ‬أو‭ ‬طبيعة‭ ‬المهنة‭ ‬أو‭ ‬المظهر‭. ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬كلّ‭ ‬نصّ‭ ‬يُحرّض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬الماديّ‭ ‬أو‭ ‬المعنويّ‭ ‬ضدّ‭ ‬الأشخاص‭ ‬أو‭ ‬الجماعات‭ ‬أيّا‭ ‬كانت‭ ‬الحجّة‭ ‬أو‭ ‬الذريعة،‭ ‬أو‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التمييز‭ ‬والتفوّق‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬لأسباب‭ ‬عرقيّة‭ ‬أو‭ ‬طائفيّة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬شابهها،‭ ‬وكلّ‭ ‬دعوة‭ ‬لمعاداة‭ ‬المهاجرين‭ ‬والأقليّات‭ ‬أو‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬الانتقاص‭ ‬من‭ ‬حقوقهم،‭ ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬كلّ‭ ‬استعارة‭ ‬أو‭ ‬تعبير‭ ‬مُهين‭ ‬ضدّ‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‮»‬‭. ‬ويُشير‭ ‬الفصل‭ ‬52‭ ‬من‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬115‭ ‬المُتعلّق‭ ‬بحريّة‭ ‬الصحافة‭ ‬والطباعة‭ ‬والنشر‭ ‬إلى‭ ‬أنّه‭: ‬‮«‬يُعاقب‭ ‬بالسّجن‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬وبخطيّة‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬إلى‭ ‬ألفي‭ ‬دينار‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يدعو‭ ‬مباشرة‭ ‬بواسطة‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬المبيّنة‭ ‬بالفصل‭ ‬50‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬إلى‭ ‬الكراهية‭ ‬بين‭ ‬الأجناس‭ ‬أو‭ ‬الأديان‭ ‬أو‭ ‬السكّان‭ ‬وذلك‭ ‬بالتحريض‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬واستعمال‭ ‬الوسائل‭ ‬العدائيّة‭ ‬أو‭ ‬العنف‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬أفكار‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‮»‬‭.‬

الفقرة 2 من المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

تتفّق‭ ‬المعاهدات‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولّية‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يتمتّع‭ ‬كلّ‭ ‬شخص‭ ‬بحقوقه‭ ‬المدنيّة‭ ‬والسياسيّة‭ ‬وبحريّاته‭ ‬العامّة‭ ‬والفردية‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬أو‭ ‬تفرقة‭. ‬وقد‭ ‬تطرّقت‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬المعاهدات‭ ‬إلى‭ ‬مُعضلة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬حيث‭ ‬تذكر‭ ‬الفقرة‭ ‬2‭ ‬من‭ ‬المادة‭ ‬20‭ ‬من‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬‮«‬تُحظر‭ ‬بالقانون‭ ‬أية‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬الكراهية‭ ‬القومية‭ ‬أو‭ ‬العنصرية‭ ‬أو‭ ‬الدينية‭ ‬وتُشكل‭ ‬تحريضا‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬أو‭ ‬العداوة‭ ‬أو‭ ‬العنف‮»‬‭. ‬ووفقا‭ ‬للاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬فيُعتبر‭ ‬‮«‬كل‭ ‬نشر‭ ‬للأفكار‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التفوق‭ ‬العنصري‭ ‬أو‭ ‬الكراهية‭ ‬العنصرية،‭ ‬وكل‭ ‬تحريض‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬وكل‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬أو‭ ‬تحريض‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬يُرتكب‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬عرق‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬لون‭ ‬أو‭ ‬أصل‭ ‬إثني‭ ‬آخر،‭ ‬وكذلك‭ ‬كل‭ ‬مساعدة‭ ‬للنشاطات‭ ‬العنصرية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تمويلها،‭ ‬جريمة‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‮»‬‭. ‬ويقصد‭ ‬بتعبير‭ ‬‮«‬التمييز‭ ‬العنصري‮»‬‭ ‬أي‭ ‬تمييز‭ ‬أو‭ ‬استثناء‭ ‬أو‭ ‬تقييد‭ ‬أو‭ ‬تفضيل‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬العرق‭ ‬أو‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬النسب‭ ‬أو‭ ‬الأصل‭ ‬القومي‭ ‬أو‭ ‬الإثني‭ ‬ويستهدف‭ ‬أو‭ ‬يستتبع‭ ‬تعطيل‭ ‬أو‭ ‬عرقلة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحريات‭ ‬الأساسية‭ ‬أو‭ ‬التمتع‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬ممارستها،‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة،‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬السياسي‭ ‬أوالاقتصاديّ‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬أو‭ ‬الثقافيّ‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬ميدان‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬ميادين‭ ‬الحياة‭ ‬العامّة‭. ‬كما‭ ‬اهتمّت‭ ‬منظمّة‭ ‬المادّة‭ ‬19‭ ‬بخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬المُتنامي‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ»مبادئ‭ ‬كامدن‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬عرّفت‭ ‬الكراهية‭ ‬كما‭ ‬يلي‭: ‬‮«‬حالة‭ ‬ذهنية‭ ‬تتسم‭ ‬بانفعالات‭ ‬حادة‭ ‬وغير‭ ‬عقلانية‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬والمقت‭ ‬والاحتقار‭ ‬تجاه‭ ‬المجموعة‭ ‬أو‭ ‬الشخص‭ ‬المُحرض‭ ‬ضده‮»‬،‭ ‬داعية‭ ‬كلّ‭ ‬الدوّل‭ ‬إلى‭ ‬تبنّي‭ ‬تشريعات‭ ‬تُجرّم‭ ‬الخطابات‭ ‬التحريضيّة‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬الموجز‭ ‬لمفهوم‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬محليّا‭ ‬ودوليّا،‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تعريف‭ ‬موحّد‭ ‬وثابت‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الذي‭ ‬يظلّ‭ ‬إشكاليّا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للبعض‭ ‬خاصّة‭ ‬وأنّ‭ ‬هذه‭ ‬التعريفات‭ ‬لم‭ ‬تُشر‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬حريّة‭ ‬التعبير‭ ‬وخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الذي‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬يُوظّف‭ ‬كغطاء‭ ‬للقمع‭ ‬والتضييق‭. ‬وعليه،‭ ‬تريد‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬البحثيّة‭ ‬تفكيك‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فهم‭ ‬ميكانيزماتها‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬وتحليل‭ ‬تلك‭ ‬الموجّهة‭ ‬خاصّة‭ ‬ضدّ‭ ‬النساء‭ ‬والأقليّات‭ ‬الجنسيّة‭ ‬والجندريّة‭ ‬في‭ ‬تونس‭. ‬

وسائل الإعلام تعمل لصالح الفرد وليس الجماعة، للإحساس وليس للعقل، للفردانيّة وليس للكونيّة. هذه الميزات الثلاث متلازمة في الدعامات الجديدة التي ستُحدّد طبيعة الخطاب المُهيمن، ومنفعة حاملها. إنّها توفّر في الوقت ذاته إستراتيجيّة فرديّة واختلال النظام الجماعيّ. لم تعد في حاجة إلى قواعد ولا قضايا ولا إلى حمولة مفاهيميّة.
ريجي دوباري
فيلسوف فرنسي

الإعلام والتلاعب بالعقول

لا‭ ‬يُمكننا‭ ‬فهم‭ ‬بنية‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬وتمظهراته‭ ‬إلاّ‭ ‬بفهم‭ ‬بنية‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬تبثّ‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬عنف‭ ‬رمزيّ‭. ‬يملك‭ ‬الإعلام‭ ‬سُلطة‭ ‬التوجيه‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الآراء‭ ‬والمواقف‭ ‬ضمن‭ ‬توجّهاته‭ ‬وخطّه‭ ‬السياسيّ،‭ ‬فيُنتج‭ ‬خطابات‭ ‬هيمنة‭ ‬يُمكن‭ ‬للمُتلقي‭ ‬أن‭ ‬يتبناها‭ ‬بسهولة‭ ‬ويُعيد‭ ‬إنتاجها‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬خلفيّاته‭ ‬ودون‭ ‬وعي‭ ‬بخطورتها‭. ‬تؤثّر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬الفرد‭ ‬لنفسه‭ ‬وللآخر‭ ‬وللمجتمع،‭ ‬فهي‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تنميطه‭ ‬وقولبته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آليّات‭ ‬خطابيّة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التكرار‭ ‬والتكثيف‭ ‬وصناعة‭ ‬مفاهيم‭ ‬مُزيّفة‭. ‬يعتبر‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬ريجي‭ ‬دوباري‭ ‬أنّ‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬‮«‬تعمل‭ ‬لصالح‭ ‬الفرد‭ ‬وليس‭ ‬الجماعة،‭ ‬للإحساس‭ ‬وليس‭ ‬للعقل،‭ ‬للفردانيّة‭ ‬وليس‭ ‬للكونيّة‭. ‬هذه‭ ‬الميزات‭ ‬الثلاث‭ ‬متلازمة‭ ‬في‭ ‬الدعامات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬ستُحدّد‭ ‬طبيعة‭ ‬الخطاب‭ ‬المُهيمن،‭ ‬ومنفعة‭ ‬حاملها‭. ‬إنّها‭ ‬توفّر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬إستراتيجيّة‭ ‬فرديّة‭ ‬واختلال‭ ‬النظام‭ ‬الجماعيّ‭. ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬قواعد‭ ‬ولا‭ ‬قضايا‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬حمولة‭ ‬مفاهيميّة‮»‬‭. ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬نذهب‭ ‬بعيدا‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬دوباري‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬بطرح‭ ‬سؤال‭ ‬جوهريّ‭: ‬‮«‬هل‭ ‬يُفكّر‭ ‬الإعلام؟‮»‬‭. ‬الحقيقة‭ ‬أنّ‭ ‬الإعلام‭ ‬وتحديدا‭ ‬التلفزيون‭ ‬مُنحاز‭ ‬إلى‭ ‬الفُرجة‭ ‬بدل‭ ‬محاولة‭ ‬هدم‭ ‬البُنى‭ ‬الفكريّة‭ ‬التقليديّة‭ ‬والقيام‭ ‬بحفريّات‭ ‬لإنتاج‭ ‬المعنى‭. ‬الإعلام‭ ‬‮«‬مدفوع‭ ‬بمنطق‭ ‬اللهاث‭ ‬وراء‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الإقبال‭ ‬الجماهريّ‭ (…) ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬كثيرا‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الفكر‮»‬‭ ‬لأنّه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الطارئ،‭ ‬الآنيّ،‭ ‬العاجل‭ ‬والمثير‭ ‬تحت‭ ‬مُسمّى‭ ‬‮«‬الأوديمات‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬يُمثّل‭ ‬سلطة‭ ‬هيمنة‭. ‬يُعلّق‭ ‬عالم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬بيار‭ ‬بورديو‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬أحد‭ ‬المشاكل‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬التلفزيون‭ ‬هو‭ ‬مشكلة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬التفكير‭ ‬والسرعة‭. ‬هل‭ ‬يُمكن‭ ‬التفكير‭ ‬أثناء‭ ‬اللهاث‭ ‬بسرعة؟‭ ‬ألا‭ ‬يُدان‭ ‬التلفزيون‭ ‬بأنّه‭ ‬لن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬إلاّ‭ ‬على‭ ‬‮«‬مُفكّرين‭ ‬على‭ ‬السريع‮»‬،‭ ‬عندما‭ ‬يُعطي‭ ‬الحديث‭ ‬لمُفكّرين‭ ‬أجبروا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفكّروا‭ ‬بسرعة‭ ‬متزايدة؟‭ ‬على‭ ‬مُفكّرين‭ ‬يفكّرون‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬ظلّهم‭ ‬يُفكّرون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬الأفكار‭ ‬الشائعة‮»‬‭. ‬‮«‬الأفكار‭ ‬السائدة‭ ‬والشائعة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تحدّث‭ ‬عنها‭ ‬فلوبير،‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬يتقبّلها‭ ‬الجميع،‭ ‬تافهة،‭ ‬مُبتذلة،‭ ‬تقليديّة،‭ ‬وسطيّة،‭ ‬مُشتركة،‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬عندما‭ ‬تتلقّاها‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬تمّ‭ ‬قبولها‭ ‬بالفعل‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬محلّ‭ ‬لطرح‭ ‬مُشكلة‭ ‬التلقّي‭ ‬والإدراك‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‮»‬‭. ‬يُلغي‭ ‬التلفزيون‭ ‬إذن‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬والنقد‭ ‬والمُساءلة،‭ ‬فهو‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬الحقيقة‭ ‬المُطلقة،‭ ‬وبهذا‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬ضمن‭ ‬‮«‬تربّعه‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬اليقين‮»‬‭. ‬تُعوّل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المُهيمنة‭ ‬على‭ ‬‮«‬خبراء‮»‬‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الوهم‭ ‬وبثّ‭ ‬المغالطات‭ ‬وإنتاج‭ ‬الخطابات‭ ‬التحريضيّة،‭ ‬مُعتمدين‭ ‬على‭ ‬عجز‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬المُتلقي‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬رأي‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬بخصوص‭ ‬قضيّة‭ ‬ما‭. ‬يبحث‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬التموقع‭ ‬السهل‭ ‬إما‭ ‬مع‭ ‬أو‭ ‬ضدّ‭ ‬دون‭ ‬إجهاد‭ ‬وتفكير‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تقدّمه‭ ‬لهم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭: ‬أفكار‭ ‬جاهزة،‭ ‬مواقف‭ ‬جاهزة،‭ ‬تحليلات‭ ‬جاهزة،‭ ‬أطروحات‭ ‬جاهزة،‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬جاهزة‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تتشكّل‭ ‬الأفكار‭ ‬السائدة‭ ‬ويتشكّل‭ ‬التيار‭ ‬المُهيمن‭ ‬الذي‭ ‬يُسيطر‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬المعرفيّة‭ ‬والقيميّة‭. ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التوجيه‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬رأي‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬حاسم‭ ‬فقط‭ ‬وإنّما‭ ‬تعتمد‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬الجاهزة‭ ‬مُسبقا‭ ‬والتي‭ ‬تُمثّل‭ ‬الأرض‭ ‬الثابتة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬عليها‭ ‬الأغلبيّة‭. ‬فلنطرح‭ ‬السؤال‭ ‬التالي‭: ‬لماذا‭ ‬يقرأ‭ ‬الناس‭ ‬هذه‭ ‬الصحيفة‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬أو‭ ‬يُشاهدون‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬أو‭ ‬يسمعون‭ ‬هذا‭ ‬الراديو‭ ‬دون‭ ‬غيره؟،‭ ‬لأنّهم‭ ‬يجدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬ضمن‭ ‬الخطابات‭ ‬التي‭ ‬تُنتجها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬آرائهم‭ ‬المبنيّة‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الأخلاق‭ ‬العملية‭ ‬أو‭ ‬أخلاق‭ ‬الطبقة‭ ‬كما‭ ‬يُسميها‭ ‬بيار‭ ‬بورديو‭ ‬أي‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬على‭ ‬منظومتهم‭ ‬القيميّة‭ ‬والعقائديّة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بمحيطهم‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬والاقتصاديّ‭ ‬والثقافيّ‭. ‬

من‭ ‬بين‭ ‬قرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬المستقلّة‭ ‬للاتّصال‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التصدّي‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬قرار‭ ‬إيقاف‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬حديث‭ ‬رجال‮»‬‭ ‬على‭ ‬القناة‭ ‬الإذاعيّة‭ ‬الخاصّة‭ ‬‮«‬نجمة‭ ‬اف‭ ‬ام‮»‬‭ ‬لمدّة‭ ‬أسبوعين‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬تضمّنته‭ ‬إحدى‭ ‬حلقات‭ ‬البرنامج‭ ‬والتي‭ ‬بُثّت‭ ‬بتاريخ‭ ‬18‭ ‬نوفمبر‭ ‬2018،‭ ‬من‭ ‬تحريض‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬وخطاب‭ ‬تمييزيّ‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬جهويّ،‭ ‬حيث‭ ‬تعمّد‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬البرنامج‭ ‬بثّ‭ ‬آراء‭ ‬مواطنين‭ ‬بخصوص‭ ‬الجدل‭ ‬الحاصل‭ ‬حول‭ ‬لافتة‭ ‬إشهاريّة‭ ‬لأحد‭ ‬مشغّلي‭ ‬الاتصالات‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬بفوز‭ ‬فريق‭ ‬الترجي‭ ‬الرياضي‭ ‬التونسي‭ ‬برابطة‭ ‬الأبطال‭ ‬الإفريقيّة،‭ ‬احتوت‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬يحثّ‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬والتمييز‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬‮«‬النجم‭ ‬الساحلي‭ ‬فوق‭ ‬الجميع‭ ‬وسوسة‭ ‬فوق‭ ‬الجميع‮»‬‭. ‬يمثّل‭ ‬بث‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬التمييزيّة‭ ‬والتحريضيّة‭ ‬خرقا‭ ‬لأحكام‭ ‬الفصل‭ ‬15‭ ‬من‭ ‬كرّاس‭ ‬الشروط‭ ‬المتعلق‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬إجازة‭ ‬إحداث‭ ‬واستغلال‭ ‬قناة‭ ‬إذاعيّة‭ ‬خاصّة‭ ‬والذي‭ ‬ينصّ‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يلتزم‭ ‬صاحب‭ ‬الإجازة‭ ‬بعدم‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية،‭ ‬كما‭ ‬أنّها‭ ‬مخالفة‭ ‬لمقتضيات‭ ‬الفصل‭ ‬24‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬كرّاس‭ ‬الشروط‭ ‬والذي‭ ‬ينصّ‭: ‬‮«‬يلتزم‭ ‬صاحب‭ ‬الإجازة‭ ‬بعدم‭ ‬بثّ‭ ‬كلّ‭ ‬خطاب‭ ‬يحرّض‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬خاصّة‭ ‬لأسباب‭ ‬عنصريّة‭ ‬أو‭ ‬عرقيّة‭ ‬أو‭ ‬خلقيّة‭ ‬أو‭ ‬دينيّة‭ ‬أو‭ ‬جنسيّة‭ ‬أو‭ ‬جهويّة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الرأي‮»‬‭.‬

لنكن‭ ‬عمليّين‭ ‬أكثر‭ ‬ونتحدّث‭ ‬عن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المُهيمنة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬والتي‭ ‬عملت‭ ‬منذ‭ ‬2011‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬قناعات‭ ‬زائفة‭ ‬لدى‭ ‬المتلقّي،‭ ‬فربطت‭ ‬اليسار‭ ‬بالكفر‭ ‬والإلحاد،‭ ‬والحريّة‭ ‬الجنسيّة‭ ‬بالشذوذ‭ ‬والانحلال‭ ‬الأخلاقيّ،‭ ‬وتحرّر‭ ‬المرأة‭ ‬وقضيّة‭ ‬المساواة‭ ‬بمؤامرة‭ ‬ماسونية‭ ‬لاستهداف‭ ‬الهويّة‭ ‬الإسلاميّة‭. ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬المغالطات‭ ‬تنضوي‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬أساليب‭ ‬المراوغة‭ ‬والتجييش‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬تغييب‭ ‬مقصود‭ ‬لمُثقّفين‭ ‬ومُفكّرين‭ ‬حقيقيّين‭ ‬مُهمّتهم‭ ‬‮«‬تحطيم‭ ‬قوالب‭ ‬الأنماط‭ ‬الثابتة‭ ‬والتعميمات‭ ‬الاختزاليّة‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬قيودا‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬الإنسانيّ‭ ‬وعلى‭ ‬التواصل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬البشر‮»‬‭. ‬فلنأخذ‭ ‬مثال‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬الصدى‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يُعدّ‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونيّة‭ ‬التي‭ ‬تحثّ‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬وذلك‭ ‬حسب‭ ‬تقرير‭ ‬مرصد‭ ‬أخلاقيّات‭ ‬المهنة‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬والإلكترونية‭ ‬لسنة‭ ‬2016‭. ‬حيث‭ ‬نشر‭ ‬بتاريخ‭ ‬2‭ ‬فيفري‭ ‬2016‭ ‬مقالا‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬جهلوت‭ ‬غير‭ ‬أنّهم‭ ‬جامعيّون‭ ‬لا‭ ‬يحملون‭ ‬إلاّ‭ ‬الفكر‭ ‬الاستئصاليّ‮»‬،‭ ‬تهجّم‭ ‬فيه‭ ‬كاتبه‭ ‬على‭ ‬النخبة‭ ‬المُثقّفة‭ ‬من‭ ‬الحداثيّين،‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬‮«‬جهلوت‭ ‬غير‭ ‬أنّهم‭ ‬جامعيّون‭ ‬لا‭ ‬يحملون‭ ‬إلاّ‭ ‬الفكر‭ ‬الاستئصاليّ‭ ‬اليساريّ‭ ‬ولا‭ ‬يدينون‭ ‬أبدا‭ ‬إلاّ‭ ‬بالتطرّف‭ ‬الإيديولوجيّ‭ ‬ولا‭ ‬يؤمنون‭ ‬أبدا‭ ‬بالتقارب‭ ‬ولا‭ ‬بالتحاور‭ ‬أيضا‭ ‬وإن‭ ‬زيّنوا‭ ‬به‭ (‬نفاقا‭) ‬بعض‭ ‬خطاباتهم‭. ‬ولكم‭ ‬في‭ ‬صيتهم‭ ‬الذي‭ ‬جاوز‭ ‬الحدود‭ ‬وسبقهم‭ ‬خارج‭ ‬الوطن‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المعدن‭ ‬الرخيص‭ ‬جهلوت‭ ‬لم‭ ‬ير‭ ‬منهم‭ ‬مواطنوهم‭ ‬غير‭ ‬الأذيّة‭ ‬وفحش‭ ‬السلوكات‭ ‬ونشاز‭ ‬الفكر‭ ‬والقول‭. ‬يعربدون‭ ‬صباحا‭ ‬مساء‭ ‬ويوم‭ ‬الأحد‭ ‬في‭ ‬دكاكين‭ ‬إعلام‭ ‬العار‭ ‬والمذلّة،‭ ‬تذكّي‭ ‬جهلوتهم‭ ‬فرق‭ ‬إفساد‭ ‬إعلاميّة‭ ‬لا‭ ‬تفقه‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يقولون‭ (‬‭)‬‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬الفقرة‭ ‬تختزل‭ ‬كلّ‭ ‬الكليشيهات‭ ‬والتعميمات‭ ‬والمغالطات‭ ‬الممكنة‭ ‬لشيطنة‭ ‬اليسار‭ ‬وكلّ‭ ‬شخص‭ ‬حامل‭ ‬لفكر‭ ‬مُختلف‭ ‬عمّا‭ ‬هو‭ ‬نمطيّ‭ ‬ومألوف‭. ‬انخرطت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬سياق‭ ‬الشيطنة‭ ‬والتحقير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيّة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬الإنسان‮»‬‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬المستقلّة‭ ‬للاتصال‭ ‬السمعيّ‭ ‬والبصريّ‭ (‬الهايكا‭) ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬لوقف‭ ‬دعوات‭ ‬الكراهية‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬إلغاء‭ ‬الآخر،‭ ‬حيث‭ ‬قرّر‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة،‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬فيفري‭ ‬2019،‭ ‬تسليط‭ ‬خطيّة‭ ‬ماليّة‭ ‬على‭ ‬القناة‭ ‬قدرها‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬وإيقاف‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬خلّيك‭ ‬معانا‮»‬‭ ‬لمدّة‭ ‬3‭ ‬أشهر‭ ‬لعدم‭ ‬احترام‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬وبث‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الإقصاء‭ ‬ضدّ‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬التونسيّين‭. ‬فقد‭ ‬سجّلت‭ ‬وحدة‭ ‬الرصد‭ ‬التابعة‭ ‬للهيئة‭ ‬مداخلة‭ ‬لضيف‭ ‬الحصّة‭ ‬محمّد‭ ‬أمين‭ ‬القربي‭ ‬الملقّب‭ ‬بـ»ريكوبا‮»‬‭ ‬اتّهم‭ ‬فيها‭ ‬اليساريّين‭ ‬بـ»العمالة‭ ‬والتطبيع‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬السابق‮»‬،‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬اليساريّون‭ ‬كانوا‭ ‬مجرّد‭ ‬أذيال‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬استغلّهم‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬ضدّ‭ ‬الإسلاميّين‭. ‬محمد‭ ‬الشرفي‭ ‬هو‭ ‬رأس‭ ‬الأفعى‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬طالب‭ ‬باجتثاث‭ ‬الإسلاميّين‮»‬‭. ‬كما‭ ‬قام‭ ‬الضيف‭ ‬القار‭ ‬بالبرنامج‭ ‬محمد‭ ‬العفّاس‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬فقرة‭ ‬‮«‬اش‭ ‬جبت‭ ‬معاك‮»‬‭ ‬بشيطنة‭ ‬النخب‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬سمّاهم‭ ‬‮«‬شيطان‭ ‬النمط‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬قاله‭: ‬‮«‬شيطان‭ ‬النخب‭ ‬يرى‭ ‬أنّ‭ ‬أموال‭ ‬الحج‭ ‬إهدار‭ ‬للمال‭ ‬الوطني،‭ ‬وأنّ‭ ‬أموال‭ ‬الأضاحي‭ ‬التي‭ ‬نتقرّب‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬إهدار‭ ‬للثروة‭ ‬الحيوانيّة‭. ‬شيطان‭ ‬النخب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬جلب‭ ‬فنّانين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬لاعقو‭ ‬أحذية‭ ‬الطغاة‭ ‬وصرف‭ ‬الليالي‭ ‬الحمراء‭ ‬وأنواع‭ ‬المسكرات‭ ‬هو‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬السخافة‭ ‬عفوا‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭…‬‮»‬‭. ‬ولم‭ ‬يتدخّل‭ ‬مقدّم‭ ‬البرنامج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الالتزام‭ ‬المحمول‭ ‬عليه‭ ‬بالتصدّي‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬أحكام‭ ‬الفصل‭ ‬24‭ ‬من‭ ‬كراس‭ ‬الشروط‭ ‬المتعلّق‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬إجازة‭ ‬إحداث‭ ‬واستغلال‭ ‬قناة‭ ‬تلفزيّة‭ ‬خاصّة‭ ‬والذي‭ ‬ينصّ‭ ‬في‭ ‬النقطة‭ ‬الثانية‭ ‬والثالثة‭ ‬على‭ ‬أنّه‭: ‬‮«‬يلتزم‭ ‬صاحب‭ ‬الإجازة‭ ‬بالسهر‭ ‬خاصّة‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬بث‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الإقصاء‭ ‬والتهميش‭ ‬والثلب‭ ‬ومنع‭ ‬الثلب‭ ‬والشتم‭ ‬تجاه‭ ‬الأشخاص‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصحفيّين‭ ‬العاملين‭ ‬بالمؤسّسة‭ ‬الإعلاميّة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ضيوف‭ ‬البرامج‭ ‬التي‭ ‬تبثّها‭ ‬المؤسّسة‭ ‬سواء‭ ‬المسجّلة‭ ‬أو‭ ‬المباشرة،‭ ‬مع‭ ‬تأهيل‭ ‬الصحفيّين‭ ‬لتحمّل‭ ‬مسؤوليّتهم‭ ‬في‭ ‬التصدّي‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬التجاوزات‮»‬‭. ‬

اخلالات خطاب الكراهية بعد رصد 19 وسيلة اعلامية

11.59%

التمييز

18.48%

الوصم

24.28%

السب والشتم

3.26%

الصور

15.94%

العناوين

28.25%

الخبر والتقرير الاخباري

46.01%

مقالات الرأي

لنعد‭ ‬قليلا‭ ‬إلى‭ ‬تقرير‭ ‬مرصد‭ ‬أخلاقيّات‭ ‬المهنة‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬والإلكترونيّة‭ ‬والذي‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬التعاطي‭ ‬الإعلامي‭ ‬مع‭ ‬الإرهاب،‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والنزاعات‭ ‬المسلّحة‭: ‬ديسمبر‭ ‬2015‭- ‬ماي‭ ‬2016‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬الإخلالات‭ ‬الواردة‭ ‬بالصحف‭ ‬والمواقع‭ ‬الإلكترونية‭. ‬تكمن‭ ‬أهميّة‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬والذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬آخر‭ ‬تقرير‭ ‬لمرصد‭ ‬أخلاقيات‭ ‬المهنة،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬ينشر‭ ‬بعده‭ ‬تقارير‭ ‬توليفية‭ ‬أخرى،‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬19‭ ‬وسيلة‭ ‬إعلامية‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬المكتوب‭ ‬والإلكترونيّ‭. ‬ما‭ ‬يُهمّنا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬هو‭ ‬طبيعة‭ ‬الإخلالات،‭ ‬فقد‭ ‬إحتلّ‭ ‬السب‭ ‬والشتم،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬التقرير،‭ ‬أعلى‭ ‬نسبة‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ (‬24.28‭ ‬بالمائة‭) ‬ثمّ‭ ‬الوصم‭ (‬18.48‭ ‬بالمائة‭) ‬يليه‭ ‬التمييز‭ (‬11.59‭ ‬بالمائة‭)‬،‭ ‬وتوزّعت‭ ‬بقيّة‭ ‬النسب‭ ‬بصفة‭ ‬متفاوتة‭ ‬حسب‭ ‬طبيعة‭ ‬الإخلالات‭ (‬تكفير،‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬القتل،‭ ‬هتك‭ ‬الأعراض‭ ‬إلخ‭) ‬وأكّد‭ ‬التقرير‭ ‬أنّه‭ ‬رغم‭ ‬ضآلة‭ ‬هذه‭ ‬النسب‭ ‬فإنّها‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬وقعها‭ ‬على‭ ‬المستهدف‭. ‬وارتبطت‭ ‬مقالات‭ ‬الرأي‭ (‬التحاليل‭ ‬والأعمدة‭) ‬ببثّ‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬إذ‭ ‬سجّل‭ ‬المرصد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬الصحفيّ‭ ‬127‭ ‬إخلالا‭ (‬أي‭ ‬بنسبة‭ ‬46‭.‬01‭ ‬بالمائة‭) ‬يليها‭ ‬الخبر‭ ‬والتقرير‭ ‬الإخباريّ‭ ‬بـ78‭ ‬إخلالا‭ (‬28.25‭ ‬بالمائة‭) ‬ثمّ‭ ‬العناوين‭ ‬بـ44‭ ‬إخلالا‭ (‬15.94‭ ‬بالمائة‭) ‬و9‭ ‬إخلالات‭ ‬في‭ ‬الصور‭ (‬3.26‭ ‬بالمائة‭) ‬وبعدد‭ ‬أقلّ‭ ‬في‭ ‬بقيّة‭ ‬الأشكال‭ ‬الصحافيّة‭. ‬وقد‭ ‬طغى‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬السب‭ ‬والشتم‭ ‬والثلب‭ ‬والتحقير‭ ‬والتكفير‭ ‬والإقصاء‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬المواضيع‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بالسياسة‭ ‬والإرهاب‭ ‬والدّين‭. ‬خلق‭ ‬هذا‭ ‬التواتر‭ ‬معجما‭ ‬من‭ ‬المصطلحات‭ ‬المتداولة‭ ‬مثل‭: ‬كاسيات‭/ ‬عاريات‭/ ‬إعلام‭ ‬عار‭/ ‬استئصالي‭/ ‬يساري‭ ‬مُتطرّف‭/ ‬انقلابيّ‭/ ‬متآمر‭/ ‬ماسوني‭ ‬كافر‭/ ‬شيعيّ‭/ ‬مُلحد‭/ ‬داعشي‭/ ‬دون‭ ‬شرف‭/ ‬أشباه‭ ‬إعلاميّين‭/ ‬أشباه‭ ‬سياسيّين‭/ ‬الطاغوت‭/ ‬مرتدّين‭/ ‬أعداء‭ ‬الهويّة‭ ‬الإسلاميّة‭. ‬ومن‭ ‬أخطر‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬رصدها‭ ‬التقرير‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬الرأي‭ ‬نعت‭ ‬شخص‭ ‬بـ»اليهوديّ‮»‬‭ ‬و»المُعاق‭ ‬ذهنيّا‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬وصف‭ ‬التحرّر‭ ‬بـ»البغاء‮»‬‭ ‬و‮»‬الاستعباد‭ ‬المُقنّن‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬عبارات‭ ‬ترسّخ‭ ‬مفاهيم‭ ‬سلبيّة‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬قد‭ ‬تؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬القتل‭ ‬أو‭ ‬الانتقام‭ ‬المعنويّ‭ ‬أو‭ ‬الماديّ‭. ‬نلاحظ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المصطلحات‭ ‬التي‭ ‬تغذّي‭ ‬نموذج‭ ‬‮«‬المنبوذ‮»‬‭ ‬أنّها‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬سؤال‭ ‬الجسد‭ ‬والحريّات‭ ‬الفرديّة‭. ‬لذلك‭ ‬سنركّز‭ ‬بشكل‭ ‬أعمق‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الموجّه‭ ‬ضدّ‭ ‬النساء‭ ‬والأقليّات‭ ‬الجنسيّة‭ ‬والجندريّة‭ ‬بما‭ ‬أنّهم‭ ‬يمثّلون‭ ‬الحلقة‭ ‬الأضعف‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإضطهاد‭ ‬المُمنهج‭. ‬

خطاب الكراهية الموجه ضدّ النساء والأقليّات الجنسيّة والجندريّة

أصبح‭ ‬الجسد‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬الحديثة‭ ‬‮«‬المجال‭ ‬الرئيس‭ ‬للنشاط‭ ‬السياسيّ‭ ‬والاجتماعيّ‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬راج‭ ‬مُصطلح‭ ‬‮«‬المجتمع‭ ‬الجسديّ‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬استحدثه‭ ‬عالم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الإنجليزيّ‭ ‬براين‭ ‬ترنر‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬تصاعد‭ ‬الاهتمام‭ ‬المكثّف‭ ‬بسؤال‭ ‬الجسد‭ ‬الذي‭ ‬يُعدّ‭ ‬محورا‭ ‬مركزيّا‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الهويّة‭ ‬الذاتيّة‭ ‬والبُنى‭ ‬الاجتماعيّة‭. ‬تُعتبر‭ ‬أجسادنا‭ ‬‮«‬كيانا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬صيرورة،‭ ‬مشروعا‭ ‬يتوجّب‭ ‬العمل‭ ‬عليه‭ ‬وإنجازه‭ ‬بوصفه‭ ‬جزءً‭ ‬من‭ ‬هويّة‭ ‬الفرد‭ ‬الذاتيّة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬تصطدم‭ ‬بخطابات‭ ‬الوصم‭ ‬والتحقير‭. ‬ساهمت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬الصور‭ ‬النمطيّة‭ ‬عن‭ ‬أجساد‭ ‬النساء‭ ‬وأجساد‭ ‬الجندريّات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم‭. ‬فنجدها‭ ‬تتهكّم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬ومن‭ ‬الأقليّات‭ ‬الجنسيّة‭ ‬والجندريّة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برامج‭ ‬تلفزيّة‭ ‬أو‭ ‬إذاعيّة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التهريج‭ ‬والابتذال‭ ‬واجترار‭ ‬الكليشيهات‭. ‬يصنع‭ ‬التلفزيون‭ ‬نجوما‭ ‬مطليّين‭ ‬ببريق‭ ‬مزيّف‭. ‬ويصبحون‭ ‬بمجرّد‭ ‬الظهور‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬الكبيرة‭ ‬قادة‭ ‬رأي‭. ‬يُمكن‭ ‬لمُهرّج‭ ‬صغير‭ ‬فارغ‭ ‬ثقافيّا‭ ‬أن‭ ‬يُدلي‭ ‬بدلوه‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬وأن‭ ‬يُؤثّر‭ ‬في‭ ‬المتلقّي‭ ‬ويُعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬مواقفه‭ ‬أو‭ ‬ترسيخ‭ ‬قناعاته‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬أحكام‭ ‬أخلاقويّة‭. ‬نلاحظ‭ ‬أنّ‭ ‬أغلب‭ ‬السكاتشات‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬الفرجويّة‭ ‬على‭ ‬القنوات‭ ‬الخاصّة‭ ‬تحتفي‭ ‬بالميزوجينيّة‭ ‬وتُطبّع‭ ‬مع‭ ‬العنف‭. ‬ودائما‭ ‬ما‭ ‬تُصوّر‭ ‬النساء‭ ‬غيورات،‭ ‬ساذجات،‭ ‬ضعيفات،‭ ‬لا‭ ‬يُتقنّ‭ ‬غير‭ ‬‮«‬الزخرفة‭ ‬الخاملة‭ ‬لأجسادهنّ‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يُصوّر‭ ‬الرجال‭ ‬أذكياء،‭ ‬وأقوياء‭ ‬وخفيفي‭ ‬الرّوح‭. ‬أمّا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مثليّي‭ ‬الجنس‭ ‬وذوي‭ ‬الميول‭ ‬الجنسيّة‭ ‬المُختلفة‭ ‬فصورتهم‭ ‬واحدة‭: ‬رجل‭ ‬بلحية‭ ‬وشعر‭ ‬كثيف‭ ‬عند‭ ‬الصدر،‭ ‬يتمايل،‭ ‬يهزّ‭ ‬خصره،‭ ‬رخو،‭ ‬طريّ،‭ ‬يُحرّك‭ ‬رموشه‭ ‬باستمرار،‭ ‬يهز‭ ‬حاجبيه،‭ ‬يُحرّك‭ ‬يديه‭ ‬وكأنه‭ ‬يرقص،‭ ‬ويتكلّم‭ ‬بصوت‭ ‬بلاستيكيّ‭. ‬ومثلما‭ ‬أشرنا‭ ‬سابقا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬فقط‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬القتل‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬وإنّما‭ ‬يشمل‭ ‬التحقير‭ ‬والوصم‭ ‬والتهّكم،‭ ‬وعليه‭ ‬فإنّ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السكاتشات‭ ‬التي‭ ‬تُضحك‭ ‬الجمهور‭ ‬العريض‭ ‬تعدّ‭ ‬مضخّات‭ ‬للكراهية‭ ‬والنبذ‭. ‬قُمنا‭ ‬بكتابة‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬مثلية‮»‬‭ ‬على‭ ‬محرّك‭ ‬بحث‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬الصدى‮»‬‭. ‬يكفي‭ ‬قراءة‭ ‬العناوين‭ ‬لنفهم‭ ‬أنّ‭ ‬المقالات‭ ‬تحريضيّة‭ ‬وغير‭ ‬موضوعيّة‭. ‬العناوين‭ ‬وحدها‭ ‬تعيد‭ ‬تكرار‭ ‬نفس‭ ‬الكلمات‭ ‬‮«‬عبدة‭ ‬الشياطين‮»‬،‭ ‬‮«‬فساد‭ ‬أخلاقي‮»‬،‭ ‬‮«‬شذوذ‭ ‬جنسيّ‮»‬،‭ ‬‮«‬أهل‭ ‬الباطل‮»‬،‭ ‬‮«‬لواط‮»‬‭. ‬وعند‭ ‬التمعّن‭ ‬في‭ ‬محتوى‭ ‬المقالات‭ ‬نجدها‭ ‬غير‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬حجج‭ ‬عقلانيّة‭ ‬واستدلالات‭ ‬منطقيّة‭ ‬فجميعها‭ ‬يجترّ‭ ‬نفس‭ ‬الجمل‭ ‬والعبارات‭ ‬بأسلوب‭ ‬تجييشيّ‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬جزء‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬المتصدّي‭ ‬لشرع‭ ‬الله‭ ‬يريد‭ ‬اعتناق‭ ‬ملّة‭ ‬الشذوذ‭ ‬الأخلاقيّ‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬مقياس‭ ‬المواطنة‭ ‬والانتماء‭ ‬والولاء‭ ‬عند‭ ‬أهل‭ ‬الباطل‭ ‬هو‭ ‬الالتزام‭ ‬بمنهجهم‭ ‬الفاسد‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬‮«‬المُخزية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تروّج‭ ‬لها‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬تعزل‭ ‬ذوي‭ ‬الميول‭ ‬الجنسيّة‭ ‬المختلفة‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬وتخنقهم‭. ‬يعتبر‭ ‬كرس‭ ‬شلانج،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬أساتذة‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الإنجليز‭ ‬المهتمّين‭ ‬بسؤال‭ ‬الجسد،‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬‮«‬يواجه‭ ‬مشاكل‭ ‬في‭ ‬التفاعل‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬مع‭ ‬‮«‬العاديّين‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تترتّب‭ ‬عليها‭ ‬نتائج‭ ‬مُدمّرة‭ ‬للهويّة‭ ‬الذاتيّة‭. ‬إذا‭ ‬حاول‭ ‬الموصوم‭ ‬بالعار‭ ‬أن‭ ‬يُصبح‭ ‬‮«‬عاديّا‮»‬‭ ‬فإنّه‭ ‬يُخاطر‭ ‬باكتشاف‭ ‬تعارض‭ ‬بين‭ ‬الهويّة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬الافتراضيّة‭ ‬والهوية‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬الواقعيّة،‭ ‬قد‭ ‬تؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬إفساد‭ ‬هويّته‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬وعزله‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬وعن‭ ‬نفسه‭ ‬بحيث‭ ‬يُصبح‭ ‬وحيدا‭ ‬بوصفه‭ ‬شخصا‭ ‬مُدانا‭ ‬يواجه‭ ‬عالما‭ ‬يرغب‭ ‬عنه‮»‬‭. ‬كيف‭ ‬يُمكن‭ ‬للنساء‭ ‬والأقليّات‭ ‬الجنسيّة‭ ‬والجندريّة‭ ‬أن‭ ‬تستعيد‭ ‬أجسادها،‭ ‬المُحمّلة‭ ‬بأعباء‭ ‬وأثقال‭ ‬لا‭ ‬تُطاق،‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المُهيمنة‭ ‬التي‭ ‬تُحدث‭ ‬تأثيرا‭ ‬كبيرا‭ ‬ومعمّقا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأجساد‭ ‬بالترويج‭ ‬لخطابات‭ ‬الكراهية‭. ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬التنديدات‭ ‬الفايسبوكيّة‭ ‬لتغيير‭ ‬الواقع‭ ‬والتصدّي‭ ‬للتحريض‭ ‬الممنهج‭ ‬ضدّ‭ ‬‮«‬المنبوذين‮»‬‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬عرقهم‭ ‬أو‭ ‬دينهم‭ ‬أو‭ ‬طبقتهم‭ ‬أو‭ ‬جنسهم‭ ‬أو‭ ‬ميولهم‭ ‬الجنسية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يُعدّ‭ ‬قرار‭ ‬الهايكا‭ ‬بتاريخ‭ ‬28‭ ‬مارس‭ ‬2019‭ ‬قرارا‭ ‬نوعيّا‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الحريّات‭ ‬الفرديّة‭. ‬حيث‭ ‬قرّر‭ ‬مجلس‭ ‬الهيئة‭ ‬تسليط‭ ‬خطيّة‭ ‬ماليّة‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬التاسعة‮»‬‭ ‬قدرها‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬وإيقاف‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬MAG‭ ‬9‮»‬‭ ‬لمدّة‭ ‬شهر‭ ‬واعتبار‭ ‬القناة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عَود‭ (‬أي‭ ‬تكرار‭ ‬للجريمة‭)‬،‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬تضمّنته‭ ‬حلقة‭ ‬9‭ ‬مارس‭ ‬2019‭ ‬من‭ ‬خروقات‭ ‬وذلك‭ ‬بتعمّد‭ ‬مقدّمة‭ ‬البرنامج‭ ‬توجيه‭ ‬أسئلة‭ ‬تتعلّق‭ ‬بمسائل‭ ‬تهمّ‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصّة‭ ‬لضيفتها‭ ‬الفنّانة‭ ‬منى‭ ‬الغربي‭ ‬بشكل‭ ‬يمسّ‭ ‬من‭ ‬كرامتها‭ ‬ودون‭ ‬مراعاة‭ ‬حالتها‭ ‬النفسيّة،‭ ‬وتعمّدها‭ ‬إطلاق‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأحكام‭ ‬الأخلاقويّة‭ ‬على‭ ‬شكلها‭ ‬وطريقة‭ ‬لباسها‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬شكلك‭ ‬غريب‭ ‬ومن‭ ‬يراك‭ ‬يقول‭ ‬بأنّك‭ ‬رجل‭ ‬وهذا‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭. ‬التشبّه‭ ‬بالرجال‭ ‬أو‭ ‬النساء‭ ‬حرام‭. ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتعرّفوا‭ ‬على‭ ‬فنّك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭ ‬السرّ‭ ‬وراء‭ ‬شكلك،‭ ‬هل‭ ‬تعرّضتي‭ ‬إلى‭ ‬اعتداء‭ ‬جنسيّ‭ ‬وأنت‭ ‬طفلة؟‮»‬‭. ‬من‭ ‬شأن‭ ‬هذه‭ ‬الأحكام،‭ ‬حسب‭ ‬نصّ‭ ‬القرار،‭ ‬أن‭ ‬تؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬التمييز‭ ‬ضدّها‭ ‬أو‭ ‬تعريضها‭ ‬للوصم،‭ ‬فضلا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تفرضه‭ ‬أخلاقيّات‭ ‬المهنة‭ ‬الصحفيّة‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬احترام‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصّة‭ ‬للضيوف‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬القرارات‭ ‬النوعيّة‭ ‬الأخرى‭ ‬للهايكا،‭ ‬قرار‭ ‬وقف‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬مع‭ ‬علاء‮»‬‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬الحوار‭ ‬التونسي‮»‬‭ ‬لمدّة‭ ‬شهرين‭. ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬استجابة‭ ‬لعريضة‭ ‬أطلقتها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المواطنات‭ ‬والمواطنين‭ ‬وأمضاها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1500‭ ‬شخص،‭ ‬ضدّ‭ ‬تطبيع‭ ‬مقدّم‭ ‬البرامج‭ ‬علاء‭ ‬الشابي‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬المسلّط‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬خطورته‭. ‬حيث‭ ‬استهان‭ ‬الشابي‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬22‭ ‬مارس‭ ‬2019‭ ‬بما‭ ‬تعرّضت‭ ‬له‭ ‬ضيفته‭ ‬من‭ ‬تحرّش‭ ‬جنسيّ‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬والدها‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬علاء‭ ‬الشابي‭ ‬الدفاع‭ ‬عنه‭ ‬واعتبار‭ ‬أفعاله‭ ‬الجنسيّة‭ ‬الفاضحة‭ ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬التحرّش‭. ‬اعتبرت‭ ‬الهيئة‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬البرنامج‭ ‬المذكور‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬مقلّلة‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬التحرّش‭ ‬الجنسيّ‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ومبرّرة‭ ‬للعنف‭ ‬المسلّط‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬الفصل‭ ‬46‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬الجمهوريّة‭ ‬التونسيّة‭ ‬المؤرّخ‭ ‬في‭ ‬27‭ ‬جانفي‭ ‬2014‭ ‬والذي‭ ‬يؤكّد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التزام‭ ‬الدولة‭ ‬بحماية‭ ‬الحقوق‭ ‬المكتسبة‭ ‬للمرأة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬دعمها‭ ‬وتطويرها‭ ‬واتخاذ‭ ‬التدابير‭ ‬الكفيلة‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضدّ‭ ‬النساء‭. ‬كما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬الفصل‭ ‬11‭ ‬فقرة‭ ‬02‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الأساسيّ‭ ‬عدد‭ ‬58‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬المؤرّخ‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬أوت‭ ‬2017‭ ‬والمتعلّق‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضدّ‭ ‬المرأة‭ ‬والذي‭ ‬يؤكّد‭ ‬أنّه‭: ‬‮«‬تتولّى‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العموميّة‭ ‬والخاصّة‭ ‬التوعية‭ ‬بمخاطر‭ ‬العنف‭ ‬ضدّ‭ ‬المرأة‭ ‬وأساليب‭ ‬مناهضته‭ ‬والوقاية‭ ‬منه‭. ‬وتحرص‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الإعلاميّ‭ ‬على‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬المسلّط‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬احترام‭ ‬أخلاقيّات‭ ‬المهنة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمساواة‭ ‬ويُمنع‭ ‬الإشهار‭ ‬وبثّ‭ ‬المواد‭ ‬الإعلاميّة‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬صور‭ ‬نمطيّة‭ ‬أو‭ ‬مشاهد‭ ‬أو‭ ‬أقوال‭ ‬أو‭ ‬أفعال‭ ‬مسيئة‭ ‬لصورة‭ ‬المرأة‭ ‬أو‭ ‬المُكرّسة‭ ‬للعنف‭ ‬المسلّط‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬المُقلّلة‭ ‬من‭ ‬خطورته‭ ‬وذلك‭ ‬بكلّ‭ ‬الوسائل‭ ‬والوسائط‭ ‬الإعلاميّة‭. ‬وعلى‭ ‬هيئة‭ ‬الاتّصال‭ ‬السمعي‭ ‬والبصريّ‭ ‬اتّخاذ‭ ‬التدابير‭ ‬والعقوبات‭ ‬المستوجبة‭ ‬حسب‭ ‬القانون‭ ‬للتصدّي‭ ‬للتجاوزات‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬بالفقرة‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‮»‬‭. ‬

خاتمة

يبدو‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬القرارات،‭ ‬وعلى‭ ‬أهميّتها،‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬للتصدّي‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬المُتصاعد‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬خاصّة‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬تقرير‭ ‬لجنة‭ ‬الحريّات‭ ‬الفرديّة‭ ‬والمساواة‭ ‬في‭ ‬جوان‭ ‬2018‭ ‬والذي‭ ‬تجنّدت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لمحاربته‭ ‬وبث‭ ‬أفكار‭ ‬مغلوطة‭ ‬حول‭ ‬مضامينه‭. ‬لو‭ ‬اكتفينا‭ ‬بتدخّل‭ ‬الهايكا‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬السمعي‭ ‬البصريّ‭ ‬وصرنا‭ ‬من‭ ‬القوم‭ ‬‮«‬القانعين‭ ‬الصابرين‮»‬،‭ ‬فماذا‭ ‬بشأن‭ ‬الإعلام‭ ‬الإلكترونيّ‭ ‬والورقيّ؟‭ ‬تقارير‭ ‬منظمّات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدنيّ‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬للفت‭ ‬الانتباه‭ ‬والإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الإخلالات‭ ‬والخروقات‭ ‬بإصبع‭ ‬واثق‭ ‬ولكنّها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬سلطة‭ ‬التدخل‭ ‬والردع‭. ‬ماذا‭ ‬بشأن‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونيّة‭ ‬ونحن‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬عالقون‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬عنكبوتيّة‭ ‬تضخّ‭ ‬الكره‭ ‬والعنف‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬قانون‭ ‬يُعاقب‭ ‬من‭ ‬يُحرضّ‭ ‬عليه‭. ‬ظلّ‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونيّة‭ ‬مرميّا‭ ‬على‭ ‬الأرفف‭ ‬وحتى‭ ‬النسخة‭ ‬الوحيدة‭ ‬منه‭ ‬والتي‭ ‬نشرها‭ ‬موقع‭ ‬نواة‭ ‬سنة‭ ‬2015‭ ‬لا‭ ‬تشير‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭. ‬نحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬يتصدّى‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬ولكنّنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬وحريّة‭ ‬التعبير،‭ ‬إذ‭ ‬يُمكن‭ ‬اعتماد‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬كحجّة‭ ‬للتضيق‭ ‬والقمع‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬فئة‭ ‬معيّنة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬فوق‭ ‬النقد‭ ‬والمساءلة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬بالفعل‭ ‬مع‭ ‬قوانين‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬توظّف‭ ‬لتجريم‭ ‬ناقدي‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيونيّ‭. ‬العمل‭ ‬على‭ ‬التصدّي‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬القوانين‭ ‬والإجراءات،‭ ‬وإنّما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬كيف‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬إعلام‭ ‬يحترم‭ ‬الحريّات‭ ‬ويفكّر‭ ‬قليلا‭ ‬قبل‭ ‬اجترار‭ ‬الأخبار‭ ‬والمغالطات،‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬تصنع‭ ‬المفاهيم‭ ‬المزيّفة‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬اجتماع‭ ‬التحرير،‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬صحفيّين‭ ‬وصحفيّات‭ ‬يعانون‭ ‬بسبب‭ ‬ظروفهم‭ ‬الماديّة،‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬زمن‭ ‬‮«‬المُثقّفين‭ ‬المغالطين‮»‬‭ ‬و»الدجّالين‮»‬‭ ‬و»المُهرّجين‮»‬‭. ‬يتغذّى‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬معاجم‭ ‬الحقد‭ ‬والكراهية‭ ‬تجاه‭ ‬الآخر‭. ‬نحن‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬أبديّة‭ ‬ضدّ‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬نحمل‭ ‬صورا‭ ‬مشوّهة‭ ‬عنه‭. ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬قابل‭ ‬للقولبة‭ ‬والتنميط،‭ ‬وخطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلاّ‭ ‬إحدى‭ ‬إفرازات‭ ‬نظام‭ ‬سلطويّ‭ ‬له‭ ‬أذرع‭ ‬وآلات‭ ‬ضخمة‭ ‬تريد‭ ‬خلق‭ ‬نسخ‭ ‬متشابهة‭ ‬تسير‭ ‬كالقطعان،‭ ‬تأكل‭ ‬وتفكّر،‭ ‬وتتكلم،‭ ‬وتجلس،‭ ‬وتحلم‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭. ‬

قوالب الإعلام الجاهزة في ليبيا.. ‏ مناقشة حول هيكلية التنوع السلبي للإعلام في ليبيا ‏
أبو بكر البيزنطي

يحتدم‭ ‬التطاحن‭ ‬العسكري‭ ‬والأيديولوجي‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬‏في‭ ‬ظل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخروقات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والقانونية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع‎‭ ‬‎الحالي،‭ ‬فما‭ ‬بين‭ ‬الفجوات‭ ‬الموجودة‭ ‬حاليًا‭ ‬لمستقبل‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬تبرز‭ ‬ضفة‭ ‬متوهجة‭ ‬بالصراعات‭ ‬القبلية‭ ‬والسياسية‭ ‬والمالية‭ ‬وضفة‭ ‬أخرى‭ ‬يتوقع‭ ‬منها‭ ‬انحدار‭ ‬المشهد‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أسوء‭. ‬‏

طبيعة‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الصراعات‭ ‬المُشتعلة‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬طبيعة‭ ‬فاعلة‭ ‬‏ومساهمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬وليست‭ ‬مفعولًا‭ ‬عليها‭ – ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬‏وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬‏القطبين‭ – ‬قطب‭ ‬أول‭ ‬موجب‭ ‬حيث‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتوجه‭ ‬إلى‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع‭ ‬‏ومرحلة‭ ‬الانتقال‭ ‬السلمي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الانتخابات‭ ‬وتأسيس‭ ‬مجلس‭ ‬تشريعي‭ ‬‏مُوحد‭ ‬ودستور‭ ‬يتفق‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬الليبيون،‭ ‬وإما‭ ‬نحو‭ ‬قطب‭ ‬سالب‭ ‬حيث‭ ‬الفراغ‭ ‬‏الأمني‭ ‬والتوجس‭ ‬السياسي‭ ‬والشرخ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ودخول‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬‏الحروب‭ ‬اللامتناهية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الوضع‭ ‬الآن‭ ‬بعد‭ ‬تسع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ – ‬وكلتا‭ ‬‏الحالتين‭ ‬تُسيطر‭ ‬عليهما‭ ‬الحوكمة‭ ‬الإعلامية‭ ‬والتي‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الإعلام‭ ‬‏التقليدية‭ ‬أو‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬هيمنتها‭ ‬هيمنة‭ ‬كبيرة‭ ‬‏وعظمى‭. ‬‏

يمكننا أن نُقسِّم الإعلام الليبي وفقًا للمعيار الزمني إلى ثلاث مراحل ‏أساسية:

المرحلة الأولى :

المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التحوُّل‭ ‬الديمقراطي2011‭  ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬‏جميع‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬الحكومي‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬‏والذي‭ ‬يُعد‭ ‬إعلامًا‭ ‬ذو‭ ‬قالب‭ ‬المرسل‭ ‬فقط‭ – ‬فلا‭ ‬دور‭ ‬للمتلقي‭ ‬أو‭ ‬الجمهور‭ ‬‏في‭ ‬صناعة‭ ‬المحتوى‭ ‬أو‭ ‬المادة‭ ‬المقدمة،‭ ‬فهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬الأحادي‭ ‬‏يتسم‭ ‬بانعدام‭ ‬البرامج‭ ‬الحوارية‎‭ ‬‎والانتقادية‭ ‬او‭ ‬السكيتشات‭ ‬السياسية‭ ‬‏الساخرة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تقديم‭ ‬محتوى‭ ‬ينافي‭ ‬السياسة‭ ‬الإعلامية‭ ‬المرسومة‭ ‬مسبقًا‭ ‬‏من‭ ‬قبل‭ ‬نظام‭ ‬القذافي‭ ‬الشمولي‭ ‬والذي‭ ‬اعتُبر‭ ‬الإعلام‭ ‬فيه‭ ‬أداة‭ ‬مسيَّرة‭ ‬من‭ ‬‏قبله‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭. ‬‏

بعد‭ ‬أن‭ ‬استولى‭ ‬القذافي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬انقلاب‭ ‬في‭ ‬عام‎1969‭ ‬‎،‭ ‬أصبح‭ ‬‏المحتوى‭ ‬الإعلامي‭ ‬مُسيَّسًا‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬لدعم‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬‏على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ظهور‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المحتوى‭ ‬السياسي‭ ‬المُسيس،‭ ‬كان‭ ‬‏يخضع‭ ‬لسيطرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬المنصوص‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬القذافي‭ ‬‏الأخضر‭ ‬حول‭ ‬الفلسفة‭ ‬السياسية‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‏‎1975‭)‬‭) ‬‎وقد‭ ‬تحقق‭ ‬ذلك‭ ‬‏من‭ ‬خلال‭ ‬ربط‭ ‬جميع‭ ‬المنظمات‭ ‬العامة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬بـ‏‎”‎اللجان‭ ‬الشعبية‮»‬‭ ‬‎وفقًا‭ ‬للكتاب‭ ‬الأخضر‎‭-  ‬‎فوسيلة‭ ‬الإعلام‭ (‬الجماهيرية‭) ‬‏هي‭ ‬الوسيلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الناقلة‭ ‬لما‭ ‬يدور‭ ‬من‭ ‬أوضاع‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ ‬أو‭ ‬خارجها،‭ ‬‏حيث‭ ‬كانت‭ ‬الصوت‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يُردد‭ ‬ما‭ ‬يُطلب‭ ‬منه‭ ‬وبالتالي‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬‏المرّوج‭ ‬لأفكار‭ ‬وأخبار‭ ‬محددة‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬انغلاق‭ ‬المجتمع‭ ‬عن‭ ‬‏الواقع‭ ‬الموجود‭ ‬آنذاك،‭ ‬فكانت‭ ‬امتدادًا‭ ‬لسلطة‭ ‬الدولة‭ ‬تحت‭ ‬ذريعة‭ ‬الإصلاح‭ – ‬‏كما‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حكومات‭ ‬دكتاتورية‭ ‬كحكومة‭ ‬القذافي،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬قوانين‭ ‬أو‭ ‬‏تشريعات‭ ‬معينة‭ ‬خاصة‭ ‬بالإعلام‭ ‬لاسيما‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬حُرية‭ ‬التعبير‭ ‬‏كونها‭ ‬تُعتبر‭ ‬قضايا‭ ‬تشهير‭ ‬أو‭ ‬تحريض‭ ‬وتفرقة،‭ ‬فكافة‭ ‬القوانين‭ ‬الليبية‭ ‬تُلزم‭ ‬‏الصحفي‭ ‬أو‭ ‬الإعلامي‭ ‬الرضوخ‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬‏الليبي‭ ‬لم‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬حفظه‭ ‬لحق‭ ‬ممارسة‭ ‬الصحافة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬الإعلامي‭ ‬‏بكل‭ ‬حُرية‭ – ‬حيث‭ ‬يتناسى‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬كليبيا‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬‏الحُريات‭ ‬الفردية‭ ‬أو‭ ‬المهنية‭ ‬أو‭ ‬الفكرية‭ ‬فهذه‭ ‬تُعتبر‭ ‬التهديد‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬‏بالنسبة‭ ‬لهم‭. ‬‏

في‭ ‬السبعينيات‭ ‬وحتى‭ ‬منتصف‭ ‬الثمانينيات‭ ‬مورست‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التضييقات‭ ‬‏على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بسبب‭ ‬الانهيار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتقليل‭ ‬الميزانية‭ ‬المُخصصة‭ ‬‏لدعم‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي،‭ ‬حيث‭ ‬أخذت‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬المحلية‭ ‬مُقدمة‭ ‬‏الأخبار‭ ‬والمحتوى‭ ‬الإعلامي‭ ‬ولا‭ ‬صوت‭ ‬يعلو‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬أحادية‭ ‬الحكومة‭ ‬‏الديكتاتوري‭ ‬رغم‭ ‬القول‭ ‬السائد‭ ‬للقذافي‭ ‬ضمن‭ ‬كتابه‭ ‬الأخضر‭ ‬وهو‭ (‬الصحافة‭ ‬أو‭ ‬الإعلام‭ ‬هي‭ ‬وسيلة‭ ‬تعبير‭ ‬المجتمع‭ ‬وليست‭ ‬وسيلة‭ ‬تعبير‭ ‬‏للشخص‭ ‬الطبيعي‭ ‬أو‭ ‬المعنوي،‭ ‬إذن‭ ‬منطقيًا‭ ‬وديمقراطيًا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬‏ملكًا‭ ‬لأي‭ ‬منهما‭) (‬القذافي‭ ‬1984‭ – ‬ص‭ ‬68‭) ‬فاستمرت‭ ‬هذه‭ ‬التضييقات‭ ‬‏حتى‭ ‬أوائل‭ ‬التسعينيات‭ ‬بسبب‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬فُرضت‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭ ‬بسبب‭ ‬قضية‭ ‬‏طائرة‭ ‬لوكيربي‭ ‬والتي‭ ‬على‭ ‬إثرها‭ ‬حظر‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭ ‬استيراد‭ ‬الورق‭ ‬والوسائل‭ ‬‏التكنولوجية‭ ‬الحديثة‭ ‬لتواكب‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬عربية‭ ‬وعالمية‭ ‬وهذا‭ ‬الذي‭ ‬زاد‭ ‬‏من‭ ‬بقائها‭ ‬داخل‭ ‬إطار‭ ‬مغلق‭ ‬غير‭ ‬نفاذ‭. ‬‏

كما‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬لدى‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبي‭ ‬حتى‭ ‬التسعينيات‭ ‬كان‭ ‬‏خطابًا‭ ‬موجهًا‭ ‬لحكومات‭ ‬عدوة‭ ‬ودول‭ ‬أجنبية‭ ‬غير‭ ‬صديقة‭ ‬فكانت‭ ‬صفات‭ ‬‏الشتم‭ ‬والنعت‭ ‬بالإمبريالية‭ ‬والجوسسة‭ ‬لدول‭ ‬كأمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬هي‭ ‬محور‭ ‬‏أي‭ ‬محتوى‭ ‬تليفزيوني‭ ‬أو‭ ‬إذاعي‭ ‬مقدم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ – ‬كما‭ ‬شهدت‭ ‬أيضًا‭ ‬‏عروضًا‭ ‬لبعض‭ ‬عمليات‭ ‬التصفية‭ ‬والإعدام‭ ‬المعلنة‭ ‬على‭ ‬التليفزيون‭ ‬مما‭ ‬أسمتهم‭ ‬‏الحكومة‭ ‬وامتداداتها‭ ‬الإعلامية‭ ‬بالكلاب‭ ‬الضالة،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬‏هي‭ ‬الأعنف‭ ‬والأكثر‭ ‬تحريضًا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبي‭. ‬‏

ولكن‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ – ‬قام‭ ‬سيف‭ ‬الإسلام‭ ‬في‏‎2006‭ ‬‎‭ ‬بتأسيس‭ ‬صحيفتي‭ ‬‮«‬أويا‮»‬‭ ‬و»قورينا‮»‬‭ ‬المنبثقة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬الغد‭ ‬الإعلامية‮»‬‭ ‬وكذلك‭ ‬‮«‬قناة‭ ‬الليبية‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬الانتقاد‭ ‬الدولي‭ ‬لسياسة‭ ‬والده‭ ‬التعسفية‭ ‬تُجاه‭ ‬حُرية‭ ‬‏التعبير‭ ‬والصحافة‭ – ‬بالتالي‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬مبادرة‭ ‬الإصلاح‭ ‬المزعومة‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬‏فرصة‭ ‬كبرى‭ ‬للصحفيين‭ ‬الجدد‭ ‬للانخراط‭ ‬بالعمل‭ ‬الصحفي‭ ‬مُقتصرين‭ ‬على‭ ‬‏الرقابة‭ ‬الصحفية‭ ‬التي‭ ‬تنقد‭ ‬شخص‭ ‬القذافي،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬أسلوب‭ ‬‏هذه‭ ‬الصحف‭ ‬عن‭ ‬سابقتها‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬نقص‭ ‬الموضوعية‭ ‬وتسييس‭ ‬‏المواد‭ ‬الإعلامية‭. ‬‏

المرحلة الثانية :

أما‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬وهي‭ ‬أحداث‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬‏‎2011‎‏‭ ‬وهي‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬‏كُبرى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬ليبيا‭ ‬والإعلام‭ ‬الليبي‭ – ‬فظهرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬الخاصة‭ ‬‏أثناء‭ ‬وبعد‭ ‬الثورة‭ ‬منها‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬بنغازي‭ ‬بتراخيص‭ ‬مُنحت‭ ‬‏بسلاسة‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الانتقالي‭ ‬آنذاك‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يضع‭ ‬معايير‭ ‬مُعينة‭ ‬تضبط‭ ‬‏مهام‭ ‬وآلية‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ – ‬وأيضًا‭ ‬انطلقت‭ ‬قنوات‭ ‬خاصة‭ ‬آخرى‭ ‬والتي‭ ‬‏دُعِّمت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬مُعينة‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬الإطاحة‭ ‬بحكم‭ ‬‏القذافي‭ ‬وإنهاء‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬قطر‭ ‬والإمارات‭ ‬وتركيا،‭ ‬‏كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬الترويج‭ ‬لأفكار‭ ‬ثورجية‭ ‬معينة‭ ‬ساهمت‭ ‬‏في‭ ‬تضليل‭ ‬المُتلقي‭ ‬عن‭ ‬السياق‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بث‭ ‬محتوى‭ ‬كاذب‭ ‬أو‭ ‬مبالغ‭ ‬‏فيه‭ ‬وأحيانًا‭ ‬خطاب‭ ‬مضاد‭ ‬يفتقد‭ ‬للقيمة‭ ‬العلمية‭ ‬أو‭ ‬الخبرية‭ ‬كالنعت‭ ‬بمسميات‭ ‬‏تحقيرية‭ ‬لشخصيات‭ ‬عامة‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬حيثيات‭ ‬محددة‭ ‬شأنها‭ ‬‏تزييف‭ ‬الواقع‭ ‬المُعاش‭ ‬والأخبار‭ ‬الأصلية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬اللامهنية‭ ‬‏الإعلامية‭. ‬‏

اتسمت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بخطاب‭ ‬كراهية‭ ‬مباشر‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬الفروقات‭ ‬‏القبلية‭ ‬والمناطقية‭ ‬بين‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الليبية،‭ ‬فما‭ ‬بين‭ ‬مؤيد‭ ‬ومعارض‭ ‬‏للثورة‭ ‬برزت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسميات‭ ‬والنعوت‭ ‬الكارهة‭ ‬لكلا‭ ‬الطرفين‭ ‬والتي‭ ‬‏كانت‭ ‬بداية‭ ‬الشرخ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الأول‭ – ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ – ‬حيث‭ ‬بثت‭ ‬‏مرات‭ ‬عديدة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬الخاصة‭ ‬لمصطلحات‭: ‬طحلب،‭ ‬جرذان،‭ ‬‏أزلام‭ ‬وعبيد،‭ ‬عائدون،‭ ‬متآمرين،‭.. ‬إلخ‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬هو‭ ‬‏الفتيلة‭ ‬الأولى‭ ‬للتفرقة‭ ‬بين‭ ‬الليبيين‭ ‬ووصفهم‭ ‬بأوصاف‭ ‬تحدد‭ ‬مدى‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬‏وولاءاتهم‭ ‬السياسية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهذا‭ ‬اضطر‭ ‬الكثيرين‭ ‬لاختيار‭ ‬خطاب‭ ‬‏مضاد‭ ‬يضمن‭ ‬لهم‭ ‬تواجدًا‭ ‬اجتماعيًا‭ ‬وأداة‭ ‬إعلامية‭ ‬لدفع‭ ‬الإقصاء‭ ‬الواقع‭ ‬‏عليهم‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬موجة‭ ‬القنوات‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬افتتحت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬‏القصيرة‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬المتلقي‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إدراك‭ ‬التوصيف‭ ‬الصحيح‭ ‬لمهنية‭ ‬‏الإعلام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬غائبة‭ ‬عنه‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬والتي‭ ‬يصعُب‭ ‬عليه‭ ‬تحديدها‭ ‬‏أثناء‭ ‬نشوة‭ ‬إنهاء‭ ‬حكم‭ ‬القذافي،‭ ‬بالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬تلك‭ ‬القنوات‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬‏السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لنقل‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬والأخبار‭ ‬التي‭ ‬يرغب‭ ‬سماعها‭ ‬بغض‭ ‬‏النظر‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬صحتها‭ ‬من‭ ‬عدمه‭. ‬‏

مع‭ ‬بداية‭ ‬الأحداث‭ ‬المتسارعة‭ ‬للأوضاع‭ ‬أصبحت‭ ‬القنوات‭ ‬الليبية‭ ‬المُستحدثة‭ ‬‏هي‭ ‬السلعة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الموجودة‭ ‬والمقدمة‭ ‬لمشاهديها‭ ‬أو‭ ‬وروادها‭ – ‬فمن‭ ‬‏خلال‭ ‬الانطلاقات‭ ‬الأولى‭ ‬لقناة‭ ‬‮«‬ليبيا‭ ‬الأحرار‮»‬‭ ‬التي‭ ‬قُدمت‭ ‬كهدية‭ ‬للشعب‭ ‬‏الليبي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬بدافع‭ ‬تحفيز‭ ‬التحوُّل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬‏والتي‭ ‬قدمت‭ ‬محتوى‭ ‬يدعم‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬بدايتها‭ ‬وتذبذبت‭ ‬توجهاتها‭ ‬لاحقًا‭ ‬‏حسب‭ ‬تغير‭ ‬إدارتها‭ ‬وأهدافها‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬‏تشكيل‭ ‬أصحاب‭ ‬المصالح‭ ‬ذوي‭ ‬الانتماءات‭ ‬الإسلامية‭ ‬كالإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬‏سواء‭ ‬كأحزاب‭ ‬أو‭ ‬أفراد‭ ‬أو‭ ‬جمعيات،‭ ‬كذلك‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬التي‭ ‬بُثت‭ ‬من‭ ‬‏دول‭ ‬أخرى‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬المصدر‭ ‬الوحيد‭ ‬لكل‭ ‬سلع‭ ‬الكراهية‭ ‬والخطاب‭ ‬‏المعادي‭ ‬ولغة‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬الآخرين،‭ ‬كما‎‭ ‬‎سمحت‭ ‬لنفسها‭ ‬باستقطاب‭ ‬‏عشرات‭ ‬من‭ ‬الأبواق‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬الوضع‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬‏وإحداث‭ ‬البروباجندا‭ ‬المطلوبة‭. ‬‏

المرحلة الثالثة :

أما‭ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة‭ ‬والتي‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬‏‎2014‎‭ ‬والتي‭ ‬تغيرت‭ ‬فيها‭ ‬أطراف‭ ‬‏الصراع‭ ‬الإعلامي‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬صغرى‭ ‬متعددة‭ ‬إلى‭ ‬أقطاب‭ ‬كبرى‭ ‬واضحة‭ ‬‏مما‭ ‬جعل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬تلعب‭ ‬بشكل‭ ‬أوضح‭ ‬وهوية‭ ‬مباشرة‭ ‬دون‭ ‬إخفاء‭ ‬‏نفسها‭ ‬وراء‭ ‬مسميات‭ ‬خوارزمية‭ ‬معقدة‭ – ‬فأصبح‭ ‬الخطاب‭ ‬المُوجَّه‭ ‬ليس‭ ‬‏للساسة‭ ‬فقط‭ ‬أو‭ ‬حكومة‭ ‬معينة‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬تدعم‭ ‬أمراء‭ ‬حرب‭ ‬‏وتشكيلات‭ ‬مُسلحة‭ ‬للغزو‭ ‬على‭ ‬مدن‭ ‬ومناطق‭ ‬معينة‭ – ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الخطاب‭ ‬‏أكثر‭ ‬حدة‭ ‬وتحريضًا،‭ ‬فمن‭ ‬ناحية‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬لدى‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬سُبل‭ ‬تمويل‭ ‬‏أجنبية‭ ‬تضخ‭ ‬لها‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر‭ ‬كونها‭ ‬تدعم‭ ‬طرفًا‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬‏كما‭ ‬أن‭ ‬موقفها‭ ‬أصبح‭ ‬مدعومًا‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬جماهيرية‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها‭ ‬كونها‭ ‬تمثل‭ ‬‏أراءهم‭ ‬ووجهات‭ ‬نظرهم‭. ‬‏

ما‭ ‬تميزت‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬هي‭ ‬سرعة‭ ‬وتنوع‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬‏تغطيات‭ ‬إخبارية‭ ‬مكذوبة‭ ‬وأشرطة‭ ‬أخبار‭ ‬مليئة‭ ‬بالمغالطات‭ ‬النصية‭ ‬‏والمعلوماتية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تناول‭ ‬بعض‭ ‬المواضيع‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬بشكل‭ ‬‏وقتي‭ ‬وصريح‭ ‬دون‭ ‬عمل‭ ‬مراجعات‭ ‬أو‭ ‬مونتاج‭ ‬لتلك‭ ‬المواد‭ ‬المُحضرة‭ ‬مسبقًا،‭ ‬‏بل‭ ‬العكس،‭ ‬معظم‭ ‬القنوات‭ ‬تحاول‭ ‬إبراز‭ ‬أسوء‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬إعلامية‭ ‬‏في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬لتثبت‭ ‬فقط‭ ‬صحة‭ ‬الطرف‭ ‬المساند‭ ‬من‭ ‬قبلها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬‏تلك‭ ‬السنة‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬حروب‭ ‬أهلية‭ ‬ظلت‭ ‬لسنوات‭ ‬‏ويتوقع‭ ‬منها‭ ‬الاستمرار‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الطبيعة‭ ‬العدوانية‭ ‬‏التي‭ ‬خلفتها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بما‭ ‬يعرف‭ ‬لدى‭ ‬الليبيين‭ (‬سنة‭ ‬حرب‭ ‬المطار‭) ‬‏أخذت‭ ‬في‭ ‬التوسع‭ ‬لدى‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬مُقدمي‭ ‬الأخبار‭ ‬والبرامج‭ ‬اليوم‭ ‬فهي‭ ‬‏أصبحت‭ ‬المعيار‭ ‬الأساسي‭ ‬الذي‭ ‬يبدأون‭ ‬منه‭ ‬لشجب‭ ‬أو‭ ‬مناهضة‭ ‬مدينة‭ ‬أو‭ ‬‏فئة‭ ‬أو‭ ‬عنصر‭ ‬ما‭. ‬‏

وعلى‭ ‬مر‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬والمراحل‭ ‬فإن‭ ‬الإعلام‭ ‬الليبي‭ ‬تطبّع‭ ‬بأشكال‭ ‬‏وأدوات‭ ‬هي‭ ‬الأخطر‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬إعلاميًا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تبني‭ ‬العنف‭ ‬اللفظي‭ ‬‏والتحريض‭ ‬على‭ ‬القتل‭ ‬والغزو‭ ‬ونشب‭ ‬الحروب‭ ‬بين‭ ‬المتنازعين،‭ ‬بالإضافة‭ ‬‏إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الهجومية‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تأخير‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬تناقل‭ ‬‏السلطة‭ ‬سلميًا‭ ‬بين‭ ‬الحكومات‭ ‬والمراكز‭ ‬القيادية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭. ‬‏

ورغم‭ ‬إدراك‭ ‬الجميع‭ ‬لخطورة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬على‭ ‬العملية‭ ‬‏السياسية‭ ‬والظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬‏تأخذ‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬شعبية‭ ‬متزايدة‭ ‬ومصادر‭ ‬تمويل‭ ‬مُتعددة‭ ‬وغير‭ ‬مُنقطعة‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬‏أصبحت‭ (‬تتكاثر‭) ‬وتتجدد‭ ‬بطرق‭ ‬متنوعة‭ ‬كقناة‭ ‬‏‎218‎‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬‏مُهمة‭ ‬إخبارية‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تخصيص‭ ‬قناة‭ ‬لهذا‭ ‬الشأن‭ ‬والتي‭ ‬تستقي‭ ‬‏معظم‭ ‬أخبارها‭ ‬من‭ ‬صفحات‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬تفتقد‭ ‬في‭ ‬‏بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬ومصداقية‭ ‬الخبر‭, ‬غير‭ ‬أن‭ ‬محاولات‭ ‬القناة‭ ‬للنفاد‭ ‬‏إلى‭ ‬المعلومة‭ ‬أو‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬الخبر‭ ‬في‭ ‬غالبه‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬سريعًا‭ ‬وعاجلًا‭ ‬ولكنه‭ ‬‏يفتقد‭ ‬إلى‭ ‬الأهمية‭ ‬أو‭ ‬التوقيت‭ ‬الصحيح‭. ‬أما‭ ‬قنوات‭ ‬كقناة‭ ‬الحدث‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬‏عسكرة‭ ‬الدولة‭ ‬دون‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬طموحات‭ ‬الليبيين‭ ‬في‭ ‬نيل‭ ‬ديمقراطيتهم‭ ‬‏التي‭ ‬ناضلوا‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬طيلة‭ ‬هذه‭ ‬السنوات،‭ ‬تحاول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خطابها‭ ‬‏المُحرض‭ ‬على‭ ‬تكميم‭ ‬الأفواه‭ ‬المنتقدة‭ ‬أو‭ ‬الداعمة‭ ‬لطرف‭ ‬مضاد،‭ ‬فقد‭ ‬‏شوهدت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المرات‭ ‬التي‭ ‬يقمع‭ ‬فيها‭ ‬المشاركون‭ ‬في‭ ‬الحلقات‭ ‬‏المباشرة‭ ‬للبرامج‭ ‬أو‭ ‬التغطيات‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬بشكل‭ ‬مفتوح‭ ‬وصريح‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬‏جعل‭ ‬ميول‭ ‬القناة‭ ‬واضحة‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬والمراقبين‭ ‬الإعلاميين‭. ‬‏

ورغم‭ ‬تكرر‭ ‬حالات‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬واللُغة‭ ‬التحريضية‭ ‬وحالات‭ ‬التشهير‭ ‬‏بشكل‭ ‬عام‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬تُسنْ‭ ‬أي‭ ‬قوانين‭ ‬أو‭ ‬قرارات‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬‏الوزارات‭ ‬المتواردة‭ ‬والهيئات‭ ‬المختصة‭ – ‬وهذا‭ ‬بالطبع‭ ‬سيحول‭ ‬دون‭ ‬إنهاء‭ ‬‏هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬نشوب‭ ‬حروب‭ ‬آخرى‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬‏لها‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تم‭ ‬تطبيق‭ ‬رادعٍ‭ ‬مادي‭ ‬أو‭ ‬عقوبة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬‏تقلل‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬المسموم‭. ‬‏

نهايةً‭, ‬جل‭ ‬الانقسامات‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬هي‭ ‬امتداد‭ ‬لانقسامات‭ ‬إعلامية‭ ‬أولية‭ ‬‏عملت‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬حيادي‭ ‬وفقًا‭ ‬لمصادر‭ ‬تمويلها‭ ‬المالي‭ ‬والجهة‭ ‬أو‭ ‬المنطقة‭ ‬‏التي‭ ‬تبُث‭ ‬منها‭ ‬والتيار‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬تناصره‭ – ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬ليبراليًا‭ ‬أو‭ ‬‏إسلاميًا‭ ‬أو‭ ‬غيره‭.. ‬فالوقوف‭ ‬وراء‭ ‬إصلاح‭ ‬الإعلام‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭ ‬هو‭ ‬أولى‭ ‬‏خطوات‭ ‬الإصلاح‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬أيضًا‭ – ‬لأنه‭ ‬بتوقف‭ ‬ضخ‭ ‬‏السموم‭ ‬يتوقف‭ ‬هيجان‭ ‬تلك‭ ‬الكيانات‭ ‬والأجسام‭ ‬المسلحة‭ ‬والسياسية‭.‬‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *