إصداراتالدولتونسدراسات وأبحاثليبيا

إدماج مبادئ حُقوق الإنسان ومُساواة النوع الاجتماعي في المجال الحزبي في تونس وليبيا

يسعى مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان «دعم»، إلى الإسهام في تعزيز دور الأحزاب السياسية كفضاءات لإعمال مبادئ حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي، وذلك من خلال صياغة رؤية منهجية لبناء قدرات القيادات الشابة والوسيطة في الأحزاب السياسية في كل من تونس وليبيا. وكذلك وضع تصورات عملية تناسب احتياجات الأحزاب على مختلف توجهاتها السياسية والأيدولوجية، وتحديدًا فيما يتعلق ببناء قُدرات القيادات الشابة والوسيطة من الجنسين. وفي هذا السياق سعى المركز إلى تطوير دليل إرشادى يتضمن التوجهات العامة ذات الصلة ببناء القدرات، وهذا الدليل لا يستهدف اتجاهًا بعينه ولا قضايا محددة ولا تقييمًا لأي من الأطراف المعنية، وإنما يسعى إلى وضع رؤية منهجية تأخُذ بعين الاعتبار التنوع السياسي والأيدولوجي للأحزاب السياسية، وطبيعة أدوار ومهام الأحزاب، وكيفية تحديد واختيار القضايا ذات الصلة، والأدوات المنهجية اللازمة والملائمة لبناء القدرات.

مقدمة مركز دعم

وقد تم إعداد المادة الأولية لذلك لدليل بين أيديكم وهي تلك المادة التي تضمنت جوانب نظرية وتحليلية، فضلًا عن نتائج المشاورات التي تمت ما بين فريق العمل بقيادة الباحث الرئيسي مع قيادات الأحزاب السياسية والمجتمع المدني في كل من تونس وليبيا وذلك بشأن استراتيجة بناء قُدرات شباب الأحزاب في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي. ومن ثَمْ كان اللقاء مع شباب الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، من أجل استكمال عملية إعداد الدليل من خلال عرض المادة الأولية ومناقشتها وتطويرها، كما تتضمن أعمال تبادل للخبرات بين المشاركين والمشاركات من تونس وليبيا. وذلك من خلال العروض والمناقشات جماعية، والزيارات الميدانية. كذلك تركزت محاور النقاش خلال ذلك اللقاء على النقاط التالية:

  • الديمقراطية المرتكزة على الحقوق: المفهوم والآليات
  • الأحزاب السياسية وقضايا النوع الاجتماعي
  • الأحزاب وقضايا حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي في تونس
  • الأحزاب السياسية وقضايا حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي في ليبيا
  • استراتيجيات بناء القدرات.

ومن ثَمْ كانت المادة النهائية التي هي بين أيديكم الآن بعد أن تم إدماج جميع مقترحات الشباب والتي اشتملت على تحديد بعض المفاهيم التي يجب التركيز عليها داخل الدليل وذلك للبلدين (تونس – ليبيا)، كذلك ساهمت تلك المقترحات على إعادة صياغة إطار السياق الذي سيتم عرض النموذجان التونسي والليبي من خلاله داخل هذا الدليل.
ويمكن التـأكيد على أن المعلومات الإرشادية التي تم توفيرها وعرضها من خلال ذلك الدليل سواء من جانب الإطار أو المحتوى ما هي إلا نتاج مشاورات ومناقشات وأعمال تشاركية من قبل جميع الأطراف التي اشتملتها خطوات الإعداد له.
يهدف «دعم» أن يُساهم في توفير المعلومات الإرشادية والمعرفية اللازمة للمنظمات والمؤسسات الراغبة للعمل مع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في مجال حقوق الإنسان في البلدين.
كما يتمنى «دعم» أن يكون خلال عمله على إنهاء ذلك الدليل الإرشادي قد ساهم في نقل التجارب والخبرات ما بين البلدين، بما يُساهم في قراءة الشباب الفاعل في البلدين بصورة صحيحة وغير مغلوطة، وبما يُساهم كذلك بجذب مزيد من الشباب للتفاعل مع العمل العام سواء من خلال العمل الحزبي أو العمل المدني.

الاطار المفاهيمي

تبدو العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان كعلاقة ترابط وتكافل، فالمجتمع الديمقراطي هو ذلك المجتمع الذي يحترم حقوق المواطن، والتي ترتقي بقدر ما ينفتح المجال لحقوق الإنسان على مستوى الوعي والسياسات والتشريعات والممارسات المختلفة. ولكن عندما تغيب الديمقراطية تتقلص حقوق المواطنة، فلا تجد حقوق الإنسان تُربة خصبة للنماء داخل المجالات السياسية والاجتماعية. وهذا أمر معروف للجميع، فمؤشرات احترام حقوق الإنسان في المجتمعات الديمقراطية التي تشهد تعددية سياسية وتسمح بتداول السلطة من خلال انتخابات حرة تكون أفضل بكثير من تلك التي تفتقر إلى إعمال المبادئ الديمقراطية في الحكم. وهذا الترابط بين الديمقراطية وحقوق الإنسان بات الرهان والتحدي الأساسي، خاصة في المجتمعات التى مازالت ترزخ تحت حكم ديكتاتوريات لا تعترف بالديمقراطية وتعادي الحقوق.

ومع ذلك، فعلى مستوى التطبيق العملي، فإن العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان تتسم بدرجة من التعقيد، لأن الأمر لا يتعلق فقط بتداول السلطة بل بعوامل عدة ترتبط بموازين القوى، والأبعاد الاجتماعية والثقافية، وطبيعة التمثيل السياسي والاجتماعي. إن وجود تعددية حزبية وانتخابات حرة أو حتى تداول للسلطة لا يعني بالضرورة أن حقوق الإنسان مكفولة بشكل كامل. فكما هو معروف فإن قيمة حقوق الإنسان تكمُن في عالميتها وترابطها، وعدم إعمال هذا المبدأ ينتقص من قيمتها وفعاليتها، كأن يُركز النظام السياسي على الحقوق السياسية متجاهلًا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما قد تتوافر في كثير من الدول الهياكل والتدابير اللازمة لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان كالدساتير والمجالس التمثيلية المنتخبة، والتصديق على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، أو حتى انتخابات حرة، وكلها شروط أساسية لإعمال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع ذلك فإن هذا قد لا يعني بالضرورة وجود نظام ديمقراطي، فقد تتفاعل عوامل عِدة للحد من فعالية الهياكل والإجراءات الديمقراطية والحقوقية، أو قد يحدث بسبب عوامل اجتماعية وثقافية استبعاد وتهميش فئات أساسية من عمليات التمثيل السياسي كالنساء والأقليات. وفي بعض الحالات أسفرت انتخابات ديمقراطية نزيهة عن سلطات لا تحترم مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن علاقة الديمقراطية وحقوق الإنسان من المفترض أن تكون علاقة ترابط وتكامل، ولأنها كذلك، فإنها علاقة بين طرفين غير متماثلين من حيث طبيعتهما، فهي ترابط بين ما هو سياسي (الديمقراطية) وما هو معياري (حقوق الإنسان)، بمعنى آخر علاقة بين نظام للحكم ومعايير قانونية وإنسانية، وهي تكامل بمعنى أن الديمقراطية هي الإطار السياسي اللازم لتفعيل معايير حقوق الإنسان وصيانتها، وحقوق الإنسان – من ناحية أخرى – هي المعايير التي يُمكن من خلالها قياس مدى مصداقية الديمقراطية على مستوى التطبيق. وبالتالي فإن وجود الديمقراطية يُعدُّ بمثابة شرط أساسي لإعمال حقوق الإنسان، ولكن أيضًا فإن إعمال حقوق الإنسان هو الشرط الذي يُعطي للأنظمة الديمقراطية مصداقيتها. ولهذا السبب فقد ظهر مصطلح «الديمقراطية المرتكزة على الحقوق Rights-based Democracy”، للتعبير عن هذا الترابط الوثيق بين النظام السياسي والمعايير الحقوقية.

يُعبر مصطلح “الديمقراطية المرتكزة على الحقوق” عن رؤية نظرية، ولكن أهمية هذه الرؤية النظرية أنها تعمل كمرشد للاتجاهات الديمقراطية والحقوقية في سعيها من أجل بناء مجتمع الديمقراطية وحقوق الإنسان. إنها رؤية لا تساعد فقط في إنتاج لغة مشتركة، ولكن خلق مسارات عمل مشركة من أجل الضغط باتجاه إصلاحات سياسية واجتماعية وثقافية. فما الذي يعنيه مصطلح الديمقراطية المرتكززة على الحقوق.

أولا : الديمقراطية المُرتكزة على الحقوق

ترتبط الديمقراطية في الوعي العام بالمجتمع السياسي، أي ذلك المجال السياسي الذي يرتبط بمؤسسات وآليات الحكم والذي تُعد الأحزاب السياسية أحد أهم مكوناته، أما حقوق الإنسان فقد ارتبطت أكثر بالمجال المدني، حيث تصدرت منظمات المجتمع المدني المشهد في العقود الأخيرة من أجل الترويج ونشر ودمج قيم حقوق الإنسان محليًا، سواء على المستوى المجتمعي أو على مستوى مؤسسات الدولة وسُلطاتها المختلفة: التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومع ذلك، فإن هذه القسمة لا تُعبر بشكل دقيق عن موقع حقوق الإنسان في المجالين السياسي والمدني، فمن المفترض أن حقوق الإنسان مكون أصيل في عمل العديد من مؤسسات الدولة الأساسية وخاصة مؤسسات التنشئة والعدالة، فضلًا عن المؤسسات الوطنية والهيئات الدستورية.
وعلى مدار السنوات الماضية تطورت الجهود والمقاربات من أجل الربط بين الديمقراطية وحقوق الإنسان. وحدث كذلك تفاعل وتداخل بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، فكثير من المنتمين إلى المجتمع السياسي باتوا يتبنون لغة حقوق الإنسان، وكثير من أنصار المجتمع المدني أصبحوا أكثر إدراكًا لأهمية تأسيس أنظمة ديمقراطية بوصفها الشرط اللازم لاحترام وإعمال حقوق الإنسان. وقد تم تطوير لغة تواكب هذا التطور وفي مقدمتها مصطلح «الديمقراطية المرتكزة على الحقوق Rights based Democracy، والذي يُعبر عن هذا الترابط، فالديمقراطية نظام وحقوق الإنسان مبادئ تُضفي عقلانية ومصداقية على هذا النظام. على أن تتجسد هذه المبادئ في أُطر وممارسات في مقدمتها الدستور والقانون، وأنماط التمثيل السياسي، وطبيعة المشاركة.

وفي الحقيقة فإن العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست أمورًا مُستحدثة فقد تضمنت المواثيق الدولية ما يُعزز الديمقراطية ويُدعمها ويضمن استدامتها، بداية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحتى القررات الصادرة عن الهيئات والمؤسسات الدولية، مرورًا بالعهود والاتفاقيات والإعلانات الدولية. ومع أن جميع نصوص المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تُدعِّم مبدأ الديمقراطية بالمعنى السياسي والاجتماعي والثقافي، إلا أن هناك مواد بعينها ترتبط ارتباطًا مُباشرًا بإضفاء الطابع الديمقراطي على نُظم الحكم. فينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 21 على:

  • لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشئون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختيارًا حرًا.
  • لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلُد الوظائف العامة في البلاد.
  • إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويُعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت.

 

وشهدت هذه الروابط مزيدًا من التطوير في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يُكرس مجموعة من الحقوق السياسية والحريات المدنية التي تقوم عليها الديمقراطيات العاملة، وفي مُقدمة ذلك الحقوق السياسية الأساسية مثل الحق في المشاركة والحق في الترشيح والانتخاب، والحق في التنظيم، وغير ذلك من حقوق أساسية لازمة لوجود نظام ديمقراطي مثل حريات الرأي والتعبير واستقلال القضاء إلى غير ذلك من حقوق. وفي العام 1993، اعتمد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان إعلان فيينا الذي أعلن صراحة عن الترابط بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان. وفي قمة الأمم المتحدة عام 2000 بشأن الأهداف الإنمائية للألفية ومؤتمر القمة العالمي للأمم المتحدة عام 2005، أكد المجتمع الدولي من جديد التزامه بحقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية بوصفها قيم أساسية عالمية غير قابلة للتجزئة ومبادئ الأمم المتحدة. وفي عام 2000 أوصت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بسلسلة من التدابير المهمة على المستويات التشريعية والمؤسساتية والعملية من أجل تعزيز الديمقراطية، وهي:

  • احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية
  • حرية التنظيم
  • حرية التعبير والرأي
  • الوصول للسلطة وممارستها وفق حكم القانون
  • عقد انتخابات دورية حرة ونزيهة
  • نظام حزبي تعددي
  • الفصل بين السلطات
  • استقلال القضاء
  • مؤسسات عامة تتمتع بالشفافية وتخضع للمساءلة
  • إعلام حر ومستقل يتمتع بالتعددية

ومن منظور تكاملي وأكثر شمولية في الربط بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، فقد توالت الجهود من أجل تعميق المعنى الاجتماعي والثقافي للديمقراطية وعدم اقتصارها على المفهوم السياسي الضيق، وذلك من خلال دمج الأبعاد الاجتماعية والثقافية. إن مبدأ تكاملية حقوق الإنسان يعني أن تماسك البناء الديمقراطي يتطلب إعمال كل مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان. وهذا يعني دمج كل حق من الحقوق سواء المدنية والسياسية أو الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو حقوق الفئات المختلفة كالمرأة والطفل والأقليات والعمالة المهاجرة، أو تلك المتعلقة بقضايا نوعية كمناهضة العنصرية، ومناهضة التعذيب إلخ.

ثانيا : دسترة الحقوق

ثَمَّة نُقطة مِحورية لترابط حقوق الإنسان بالديمقراطية في الأنظمة المحلية، وهو الدستور، لأنه الإطار الحاكم والمنظم لجميع العلاقات والممارسات. ولا يُمكن لحقوق الإنسان أو الديمقراطية أن يتواجدا ويتفاعلا خارج ما يسمى بالحالة الدستورية. ووفق الاستخدام الشائع فإن الدستورية تعنى: «.. قيام نُظم سياسية تأخذ بمفهوم الحكومة المقيدة فالدستورية إذن هي المذهب الذي يُرتب الشرعية على الدستورية فيؤمن أن الحكومة لابد أن تكون دستورية حتى تتمتع بالشرعية. والدستورية هنا تعني شيئين، أولًا أنه لابد وأن تتكون الحكومة وفقًا لقواعد الدستور، وثانيًا أنها ولابد أن تكون مُقيدة في سياساتها وتحركاتها بالمبادئ التي ينص عليها الدستور. ويدور التنظير السياسي للدستورية حول محورين أساسيين: المحور الأول هو دور الدستور كمُحدِد ومُحجِم للحكومة، وذلك لاحتوائه على بعض المبادئ التي تضمن عدم سيطرة الحكومة المُطلقة وعدم انفرادها بالسلطة دون مراجعة. ومن أهم المبادئ التي تعمل نحو هذه الغاية مبدأ الفصل بين السلطات. أما المحور الثاني فهو دور الدستور في الوصول بالحكومة القائمة إلى التمتع بالرضا العام. ومن أهم المبادئ التي تنص عليها الدساتير والتي تُساعد على تحقيق الرضا العام، ويعمل في الوقت نفسه كإحدى أدوات التعبير عن هذا الرضا، هو مبدأ التمثيل النيابي».

وإذا كان التعريف السابق يُعرف الدستورية كإطار لنُظم حكم ديمقراطية، فإن الجهود المتواصة من أجل إدماج مبادئ حقوق الإنسان في الدساتير كان من باب أن الديمقراطية لا تكتمل إلا من خلال إدماج هذه المبادئ، أي تأسيس نظم حكم ديمقراطي مرتكزة على حقوق الإنسان. وثمة آراء وتجارب أخرى تضع حقوق الإنسان في مكانة أعلى من الدساتير (المبادئ فوق الدستورية) نظرًا لأنها عالمية وراسخة وغير قابلة للتصرف.

كانت ورشة العمل هذه من أفضل الورشات التي شاركت فيها, حيث تعلمت الكثير من الأشياء الجديدة عن حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي, من خلال الزيارات التي قمنا بها, ومن أهم ما أنجزنا في الورشة هذا الدليل الذي يعمل على دمج مبادئ حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي داخل برامج وسياسات الأحزاب السياسية.
هيفاء مهتلي
أنا يقظ

وحتى في المجتمعات التي تعاني فيها أوضاع حقوق الإنسان من تردي وتدهور، فإن المطالبة بحقوق الإنسان تعطي حيوية ومصداقية للداعين والداعيات إلى دساتير تضمن الحريات والعدالة الاجتماعية. ففي ظل الربيع العربي، تصاعدت لغة حقوق الإنسان لتُصاحب عمليات وضع دساتير خلال السنوات الأخيرة، أو ما بات يُعرف بدسترة الحقوق. والأمر لا يتعلق فقط بالحقوق السياسية التي تهم المعنيين بالشأن السياسي، ولكن جميع الحقوق التي تخص فئات بعينها كحقوق النساء والأقليات والأشخاص ذوي الإعاقة وحقوق الطفل إلخ. هذا جنبًا إلى جنب مع محاولات وضع ضمانات دستورية لحقوق أساسية من المنظور المدني والسياسي، والمنظور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وبغض النظر عن مدى التزام الحكومات باحترام الدستور، فإن غالبية الدساتير، ولحد كبير، أدمجت الكثير من مبادئ حقوق الإنسان، كما اتجهت الدساتير إلى النص على تأسيس هيئات دستورية تُعنى بقضايا حقوق الإنسان سواء بشكل عام أو فيما يخص مجالات بعينها.

وفي الحقيقة تُعد «دسترة الحقوق» إحدى الخطوات الأساسية من أجل تأسيس ديمقراطية مرتكزة على الحقوق، ولكنها تُعبر عن الجانب «النظري» في هذا المسار، فكثير من الأنظمة القمعية لديها دساتير تكفل الكثير من الضمانات الديمقراطية والحقوقية، بل إن الكثير من الدول لديها البنية المؤسساتية الضرورية لتفعيل الدستور بالمعنى القانوني والسياسي، إلا أن موازين القوى تُعيق تنفيذ الدستور عمليًا. وهذا أمر معروف لأن عالم السياسة لا تحكُمه المبادئ والأفكار بقدر ما تحكُمه المصالح وموازين القوى الفعلية. وتُشير التجارب المختلفة إلى أن السلطات تعتمد سيناريوهات متعددة من أجل الالتفاف على المبادئ الدستورية المُلزمة لها. ومن أبرز تلك السيناريوهات تتمثل في صياغة الدساتير حيث يتم النص على أن هذه المبادئ يتم تنظيمها من خلال قوانين والتي غالبًا ما تأتي بما يُُخالف أحكام الدستور، وهي ظاهرة مُتكررة وتُشكل تهديدًا خطيرًا للحالة الدستورية. ومن السيناريوهات الأخرى، تعطيل الدساتير من خلال إجراءات وتدابير استثنائية، ونشهد هذا الخرق لأحكام الدستور في الكثير من الممارسات تحت مُسميات معروفة مثل الحفاظ على الأمن القومي، أو الحرب على الإرهاب إلخ.

ومع ذلك، لا ينبغى تجاهل حقيقة أخرى أساسية، وهي تلك المُتعلقة بالشرعية. إن إدماج حقوق الإنسان في الدساتير، يعطي مُشروعية مزدوجة ومتبادلة، فالدساتير التي تتضمن الحقوق ترتقي في صياغتها ومبادئها، كما أن حقوق الإنسان تكتسب مشروعية من وجودها في أهم الوثائق الوطنية على الإطلاق. ولكن مسألة الشرعية لا ترتبط فقط بالنصوص، ولكن بمدى الالتزام على مستوى التطبيق. ومن هُنا تأتي الأهمية القصوى للمؤسسات السياسية والاجتماعية المعنية بالديمقراطية وحقوق الإنسان سواء كانت أحزاب سياسية أو منظمات مدنية أو حركات اجتماعية. فعمل هذه الأطراف وتحمُلها مسئولية الدفاع عن حقوق الإنسان يُعد أساسيًا من أجل خلق حيوية سياسية واجتماعية لضبط وتعديل موازين القوى داخل النظام السياسي، فالنظام السياسي لا يستقي عقلانيته من ذاته أو من مجرد وجود نصوص مُلزمة، فعملية الالتزام تُحددها وتُنميها الحيوية السياسية والاجتماعية انطلاقًا من أن حقوق الإنسان في حاجة لأن تُحْمى حتى تَحمي. ومن هذا المنطلق، فإن وعي الأحزاب بمبادئ حقوق الإنسان وتبنيها وتفعيلها، نظريًا وعمليًا، يُعد ركيزة أساسية من ركائز بناء نظام ديمقراطي مُرتكز على حقوق الإنسان.

يجب دمج مبادئ حقوق الانسان في مجالات عديدة «الصحة - العمران - الأمن - التعمير - البيئة» وعموما جميع المجالات التي تمس الواقع المعيشي للمواطن. كما يجب اعتبار حقوق الانسان ومساواةالنوع الاجتماعي ورقة انتخابية رابحة للأحزاب السياسية وبذلك ضرورة إيلاء هذا الموضوع الأهمية التي يستحقها.
محمد الورغي
حزب آفاق تونس

ثالثا : الأحزاب السياسية: تفعيل الحقوق

تُعتبر الأحزاب المُكون الرئيسي في النُظم السياسية الحديثة، فالمجتمعات باتت بالغة الاتساع والتعقيد ولا يُمكن تخيل آلية للحكم دون تمثيل. وبغض النظر عن التجارب التي تشهد احتكارًا للسلطة من قِبَل جماعة أو فصيل سياسي، فإن فكرة الديمقراطية التمثيلية، لا يمكن تخيلها دون هياكل تسمح بتمثيل فئات ومصالح قطاعات واسعة من المجتمع، وقد كانت الأحزاب السياسية هي تلك الوسائل التي يتم من خلالها إدارة عمليات التمثيل السياسي. ويرتبط وجودها، كمنصة للتمثيل السياسي، بلعب أدوار متعددة في المجال السياسي.

ولاشك أن حيوية النظام السياسي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمدى حيوية الأحزاب السياسية في إطار ما يُعرف بالتعددية السياسية، إن وجود حزب واحد مُسيطر، والذي غالبًا ما يستقي قوته من سيطرته، يُفرغ التجربة الديمقراطية برمتها من محتواها.

قد يبدو من السهل تعريف «الحزب السياسي»، ولكن مُعظم الأدبيات تُشير إلى صعوبات جمَّة نظرًا لتعقيدات وتنوع التجارب الحزبية على مستوى الواقع. ويُضاف إلى ذلك الجدل النظري بين أنصار تجارب التعددية الحزبية والمدافعين عن فكرة الحزب الواحد. ولكن وفق التعريفات الشائعة فإن الأحزاب السياسية «هي التنظيمات الرسمية التي تُمثل أهداف ومصالح مختلف القوى الاجتماعية والاقتصادية الموجودة في المجال السياسي، مع أن هناك بعض المجتمعات التي لا تعرف النظام السياسي الحزبي في الحكم. والأحزاب السياسية هي الأداة التنظيمية التي يتم من خلالها تجنيد المرشحين لشغل المناصب المختلفة، وترويج الأيدولوجيات بين الناس. وتسعى الأحزاب إلى تنظيم المؤسسات الحكومية والسيطرة عليها، وإعداد القيادات على المستوى القومي».

وفي تعريف آخر فإن «الحزب السياسي هو تنظيم دائم على المستويين القومي والمحلي يسعى للحصول على مساندة شعبية، بهدف الوصول إلى السلطة وممارستها من أجل تنفيذ سياسة محددة». وعليه «يتعين اجتماع أربعة شروط في المؤسسة التي تُعتبر حزبًا: استمرارية التنظيم، وإقامة علاقة مستقرة بين المستوى المحلي والمستوى القومي، والرغبة في الوصول إلى السلطة وممارستها، وأخيرًا الاهتمام بالحصول على سند شعبي من خلال الانتخابات.
وتُشير بعض المصادر إلى سمات أساسية للكيان الحزبي، وهي:

  • أن الأحزاب ليست هي الكُتل أو الأجنحة Factions بمعنى أنه ما لم يكن الحزب مختلفًا عن الكتلة أو الجناح فهو ليس حزبًا. فالأحزاب إنما تطورت عن الكتل أو الأجنحة التي ارتبطت بالانتخابات والممارسات البرلمانية ولكنها أضحت شيئًا مختلفًا عنها.
  • أن الحزب هو جزء من كل، والكل هنا يكون كلًا تعدديًا. فكلمة Party بحكم اللَّفظ ترتبط بمفهوم الجزء Part. ولكن بالرغم من أن الحزب يُمثِّل فقط جزءًا من كل إلا أن هذا الجزء يجب أن يسلك منهجًا غير جزئي إزاء الكل، أي يتصرف كجزء ذي ارتباط بالكل.
  • أن الأحزاب هي قنوات للتعبير بمعنى أن الأحزاب تنتمي – أولًا وقبل كل شيء – إلى أدوات أو وسائل التمثيل. إنها أداة، أو هيئة للتمثيل الشعبي تقوم بالتعبير عن مطالب اجتماعية محددة.

ولأن الأحزاب هي بدرجات متفاوتة ركيزة النظم السياسية الحديثة، فإنها لا تلعب فقط أدوارًا في بناء الديمقراطية، ولكنها أدوات لأنظمة ديكتاتورية. فالأمر يتعلق بطبيعة النظام السياسي الذي تتواجد فيه الأحزاب. وفي الحقيقة فإن المعيار في هذه الحالة هو قدرة المجتمعات على وضع قواعد وإرساء ضمانات تُحافظ على التعددية وتداول السلطة من خلال الأحزاب السياسية، وتُفسح المجال لقوى المجتمع المدني والحركات الاجتماعية للضغط من أجل تمثيل مصالح المجتمع أو قطاعات منه. وبكل تأكيد فإن التعددية الحزبية ضرورية لبناء الديمقراطية، ولكن المسألة تتعلق بالكَيف وليس بالكَم، فكثير من الأنظمة السياسية بها تعددية حزبية، ولكنها تعددية شكلية تخضع لسيطرة حزب مُهيمن يتم توظيفه من أجل إضعاف الأحزاب والقوى السياسية الأخرى. وفي بعض التجارب يؤدي الانفتاح أحيانًا إلى تضخم عددي في الحياة الحزبية، فتظهر أعداد مُبالغ فيها من الأحزاب يكون أغلبها أحزاب ورقية، بمعنى أنها مُسجلة ولكن ليس لها وجود فعلي على أرض الواقع.
وبالتالي هي تعددية من حيث الشكل وأحادية من حيث المضمون. وفائدة التعددية الحزبية الفعالة، ليس فقط في تداول السلطة، أو إمكانية وصول الحزب إلى مواقع السلطة، ولكن كذلك في وجود معارضة قوية وفعالة تشكلها الأحزاب التي لا تصل للسلطة. وبالمقابل فإن مساوئ الأحادية الحزبية لا تتمثل فقط في عدم وجود معارضة قوية وفعالة، ولكن أيضًا في تشوه عمليات الوصول للسلطة، والتي في الغالب تكون بوسائل غير ديمقراطية وعلى رأسها الانقلابات.

انطلاقًا من الدور المحوري للأحزاب السياسية في المجال السياسي، فإن الرهانات تتزايد بشأن دورها، إلى جانب منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية، في تفعيل ودمج حقوق الإنسان في النظام السياسي. ولكن الأحزاب السياسية، بحُكم طبيعتها وأدوارها والسياق الذي توجد فيه، تتفاوت من حيث قابليتها وقدراتها واستعداداتها لتبني ودمج مبادئ حقوق الإنسان. وفي الحقيقة إن موقف الأحزاب من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست مجرد مسألة ذاتية تُحددها فقط الشروط الداخلية للحزب، التي سيتم ذكرها لاحقًا. إن هوية الحزب تُحددها مجموعة من الشروط المُرتبطة بالسياق الذي يتواجد فيه، ووفق بعض المصادر فإن هذه الشروط تتمثل في: مستويات التطور الاقتصادي، وأنظمة الانتخابات، والقوانين الحاكمة، والبنية المجتمعية، وكذلك أصول الحزب ومأسسته. وهذه العوامل تؤثر على قدرات الحزب وتوجهاته، وبنيته الداخلية. ولا شك أن هذه الشروط تُعد محددات أساسية لمدى قابلية وقدرة الحزب على تبني قضايا حقوقية، فأحيانًا ما تكون داعمة، وفي أحيان أخرى تكون مُقيدة، بل يمكن كذلك أن تجعل من الحزب كيانًا معاديًا لحقوق الإنسان أو لأوجه مُعينة من الحقوق.

وتجدر الإشارة إلى أن الحياة الحزبية ليست بمعزل عن البيئة المحلية بل والدولية المحيطة بها، فهي جزء منها تؤثر وتتأثر وربما تكون انعكاسًا لبعض جوانبها. فعلى المستوى المحلي أو الوطني تتغذى الحياة الحزبية من الأطر المؤسساتية المُحيطة بها سواء كانت مؤسسات قانونية أو اجتماعية أو تربوية، وبقدر ما تلعب هذه المؤسسات دورًا إيجابيًا في تعزيز فرص العمل السياسي والاجتماعي وبناء الوعي السياسي، بقدر ما تنتعش الحياة الحزبية والعكس صحيح. وبالنسبة للبيئة الدولية، فكما هو معروف فإن التأثيرات الداعمة لحرية التنظيم وحقوق الإنسان بشكل عام، تؤثر بالإيجاب على المستويات المحلية، ولكن التأثيرات الدولية كثيرًا ما تكون متناقضة ومشوشة، فثمة تجاذب وصراعات ومصالح في مجال العلاقات الدولية تؤثر سلبًا على الحياة الحزبية على المستويات المحلية.

وإذا كانت الشروط الخارجية تُلقي بظلالها على طبيعة توجهات وأداءات الأحزاب، فإن العمليات الداخلية تُعد بمثابة شروطًا ذاتية لها بالغ الأثر على التوجهات والأداءات، وتعتمد هذه العمليات على: “.. الأسس الأيدولوجية، والتأثيرات التاريخية، ومستويات التنظيم والبيرقراطية الداخلية، ومستوى الرعاية، ودرجة تأثير قادة الحزب، ومستوى اللامركزية. وتتحدد الديمقراطية الداخلية في الحزب عبر ممارسات مثل توفر المعلومات الداخلية وعمليات المشاورات، والقواعد الداخلية (الرسمية وغير الرسمية) وهياكل تنظيم صناعة القرارات داخل الحزب، والشفافية في تسيير أعمال الحزب على جميع المستويات. وفيما يتعلق بتنظيم الحزب، ثمة اعتبار آخر وهو مدى اشتمال الحزب للفئات الاجتماعية المختلفة، خصوصًا من ناحية اختيار المرشحين والكيفية التي يسعى فيها الحزب لإدماج النساء في تنظيمه الداخلي. ويجدر التشديد على دور الأسس الأيدولوجية للحزب أو لقياداته التاريخية في تحديد توجهات ومواقف الحزب من قضايا حقوق الإنسان، فالأحزاب التي تتبنى أو تميل نحو تبني أيدولوجيات جامدة، تكون مواقفها متحفظة إزاء قضايا حقوق الإنسان في الغالب، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالحقوق التي قد تثير حساسيات ومقاومات ثقافية مثل الحقوق الشخصية وحقوق النساء. ولكن في الآونة الآخيرة مع ضغط الخطابات الحقوقية، فإن الكثير من الأحزاب تستخدم مفردات ولغة حقوق الإنسان في خطاباتها سواء بسبب وجود بعض القادة المنفتحين أو على سبيل المزايدة السياسية، ولكن على مستوى التطبيق العملي يتم التنكر لهذه الحقوق.

ومن واقع الأدوار التي تباشرها الأحزاب السياسية، يمكن تحديد السبل والآليات التي تمكنها من لعب دور فعال من أجل تعزيز ودمج حقوق الإنسان، وهي مسألة لا تتعلق فقط بالضغط على السلطة من أجل تبني مبادئ حقوق الإنسان، لكن بأن يكون الحزب ذاته مساحة سياسية ومجتمعية لتفعيل وتطبيق ونشر حقوق الإنسان. فمن حيث دوره «ويؤدي الحزب العديد من الوظائف مثل تجميع المصالح وتحديد أولويات القضايا العامة، وصُنع السياسات العامة، والتجنيد للمناصب العامة على الصعيدين القومي والمحلي، والتنشئة السياسية للأعضاء وغير الأعضاء من خلال الدورات التثقيفية والمؤتمرات والندوات والصحف، فضلًا عن دوره في تعميق المشاركة السياسية وتحقيق الاندماج الوطني وحل الصراعات وكسب الشرعية».
وإذا تفحصنا كل وظيفة من الوظائف التقليدية للأحزاب السياسية، يسهُل اكتشاف أنها أرضيات خصبة لزرع مبادئ حقوق الإنسان، سواء من خلال النظر إلى المصالح وأولويات القضايا العامة أو وضع السياسات العامة أخذًا في الاعتبار منظور حقوق الإنسان، وحتى تعزيز أنماط من المشاركة السياسية التي تقوم على المساواة والفعالية خاصة من قِبل النساء والشباب والفئات المُهمشة، والإسهام في بناء شرعية حقوق الإنسان في المجال العام مرورًا بعمليات التنشئة السياسية والتي ينبغي أن تكون مبادئ حقوق الإنسان من مكوناتها الأساسية.

كان من المنتظر بعد ثورة 17 ديسمبر - 14 جانفي مشاركة قوية وفعالة للشباب التونسي في العمل السياسي داخل الاحزاب السياسية «جديدة أو قديمة» أو التوجه نحو قائمات مستقلة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي, ومن ثم الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ما حصل كان عكس المنتظر تماما ولكن هل كان هذا اختيارامنهم والهروب نحو «اهتمامات أولية» أخرى بالنسبة لهم, أم كان نتيجة تغول «الجيل السياسي الأكبر سنا»؟
نهى الحجلاوي
الشباب قادر

والأمر لا يقف عند هذه الوظائف لأن سياق مُجتمعات العالم الثالث يُعطي للأحزاب مهام أكبر تتعلق بدفع عجلة التحديث والتنمية السياسية، فكما يُشار في أحد المصادر «ففي سياق ظروف تلك البلاد تُناط بالأحزاب السياسية وظائف ومهام تتعلق بالتحديث وبالتنمية السياسية، وتفوق – في أهميتها – الوظائف التقليدية للأحزاب السياسية، وتضحى الأحزاب – من ذلك المنظور – «متغيرات مستقلة» أي قوى مؤسسية مستقلة، تُؤثر على التحديث وعلى التنمية السياسية، وليس مجرد نتاج لهما. بل إن قدرة المجتمع على مواجهة أعباء التحديث وأزمات التنمية تتأثر – إلى حد بعيد – بأنواع الأحزاب القائمة فيه، ومدى فاعليتها..»
. ولكن من واقع تجارب العالم الثالث، ومن بينها تجارب عدد من بلدان المنطقة العربية، فإن هذا الدور الريادي والتنموي لبعض الأحزاب التي تم صناعتها من قبل السلطات، أفضى إلى تأميم الحياة السياسية لصالح الحزب الأوحد المتماهي مع السلطة. وهذا، بلا شك، كان له بالغ الأثر في طبيعة النظام السياسي.
إن علاقة الأحزاب بالديمقراطية وحقوق الإنسان، إذن، ليست علاقة خارجية بمعنى المطالبة بهذه الحقوق كجزء من عملية التنافس السياسي مع الخصوم، ولكنها علاقة عضوية، بمعنى أن أدوارًا فعالة للحزب فى بناء ديمقراطية مرتكزة على الحقوق يتطلب أن يكون الحزب من حيث توجهاته وهياكله وسياساته فضاء لممارسة حقوق الإنسان، أي أنها عملية بناء من الأسفل. وهذا يُعد أكبر المتطلبات والتحديات في الوقت ذاته من أجل وجود حياة حزبية داعمة لحقوق الإنسان. مع ذلك ينبغي التشديد على جانب من الأهمية بدرجة كبيرة، فبما أن الأحزاب تنتمي للمجال السياسي، فإنها تعمل وفق قواعده التي يغلب عليها الطابع البرجماتي والمنافسات السياسية. ومن ثم فإن التزامها بحقوق الإنسان خاضع لرهانات المصلحة السياسية. وهذا على عكس منظمات المجتمع المدني، وخاصة تلك التي وجدت من أجل الدفاع عن الحقوق والحريات.
لا يمكن الحديث عن دور فعال للأحزاب في بناء الديمقراطية المرتكزة على الحقوق في ظل تجاهل الجانب المتعلق بحقوق النساء. ومن المعروف أن مشاركة النساء في المجال السياسي يُعد أحد المعايير الأساسية لقياس مدى ديمقراطية الأنظمة السياسية. وانطلاقا من أن رؤى حقوق الإنسان بشأن القضايا المختلفة ترتكز على الكيف أكثر من الكم، فإن مشاركة النساء من المنظور الحقوقي تتجاوز المفهوم العددي لمقارنة أعداد النساء والرجال رغم أهميته ودلالاته. ولذا يتم استخدام مصطلح مساواة النوع الاجتماعي، والذي يعني النظر إلى الأمر من منظور أكثر شمولية يتضمن النظر إلى أدوار كل من النساء والرجال والمواقع التي يشغلونها أو يشغلنها، وموازين القوى بين الطرفين، ومدى الاهتمام بالقضايا النوعية التي تخص النساء والعلاقة بين الجنسين.

رابعا : الأحزاب وقضايا النوع الاجتماعي

ولأن الأحزاب هي ركيزة العمليات السياسية في المجتمعات الديمقراطية، فإن درجة وطبيعة مشاركة النساء فيها باتت موضع اهتمام ومتابعة جميع الأطراف المعنية بالمشاركة السياسية للنساء. وثمَّة حقيقة تؤكدها العديد من الدراسات والتقارير تتعلق بضعف مشاركة النساء في الأحزاب السياسية، أو بمعنى آخر تهميشهن لصالح الرجال. ويعزى ذلك لأسباب متعددة منها السيطرة الذكورية على الحياة الحزبية بشكل عام، والصور النمطية عن أدوار النساء في المجال السياسي وعمليات صُنع القرار، وكذلك المؤثرات الاجتماعية المُتعلقة بمواقع النساء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام. والمفارقة تتمثل في أن الكثير من التقارير تؤكد أن مشاركة النساء في القواعد الحزبية وفي الحِراك الاجتماعي والسياسي لا تنعكس في مشاركتهن في المناصب القيادية ومواقع صنع واتخاذ القرارات.

وهذا ما أكدته معظم الكتابات والتحليلات التي ظهرت في أعقاب الربيع العربي بشأن المشاركة الفعالة للنساء وخاصة الشابات في دفع مطالب التغيير نحو الحُرية والمُساواة والعدالة الاجتماعية، ولكن بالمقابل، لم تكن نسبة تمثيل المرأة في المجال السياسي، بما في ذلك الأحزاب السياسية، بذات القدر، بل يُمكن القول إن عوامل التهميش والاستبعاد كانت أقوى من مقومات الدمج والمشاركة. فمازالت الأحزاب من حيث هياكلها وسياساتها بعيدة عن مقتضيات مساواة النوع الاجتماعي. وهذه إحدى المعضلات التي لا تمس فقط حقوق النساء بالمعنى الحصري، ولكنها تمس أسس الديمقراطية المرتكزة على الحقوق بشكل عام، وفوق ذلك فإن استبعاد النساء يُفقد الحزب موردًا مهمًا يُمكن أن يسهم في تقوية الحزب وتدعيم وجوده في المجال السياسي، على عكس الصور النمطية التي ترى أن أبطال عالم السياسية يجب أن يكونوا ذكورًا، وهذا سمة الثقافة الأبوية التي تُسيطر على الأذهان والمؤسسات.

وعند الحديث عن المشاركة السياسية للنساء، فقد تم تجاوز المفهوم الكمي للمشاركة والتركيز على المفهوم الكيفي. فالأمر لا يعنى المشاركة العددية للنساء في الهياكل الحزبية، لأن الكثير من الأحزاب تُجند النساء على المستويات القاعدية وخاصة في أوقات الانتخابات، ولكن الأمر يتعلق بطبيعة هذه المشاركة من حيث تمثيل النساء في مواقع اتخاذ القرار، وكذلك سياسات وتوجهات الحزب إزاء قضايا مساواة النوع الاجتماعي، وحقوق النساء. «فمن بين المؤشرات الأساسية الدالة على التزام الحزب بمساواة النوع الاجتماعي عدد النساء في هياكله القيادية، والمبادرات التي يتخذها من أجل زيادة وجود وتأثير النساء في مختلف دوائر صنع القرار السياسي، والدرجة التي يتم من خلالها حث مبادرات متعلقة بمساواة النوع الاجتماعي في مقترحاته المتعلقة بالسياسات وأنشطته السياسية».
وهكذا تتعدد أوجه علاقة الأحزاب بقضايا النوع الاجتماعي، فثمة جدل واسع يتعلق بالمشاركة السياسية للنساء. ولكن نظرًا لأن مشاركة النساء لا ترقى إلى المستوى المطلوب بشكل عام، وقد تنخفض أو تنعدم في بعض المجتمعات، فقد توالت الجهود والمقترحات من أجل تفعيل وتعزيز هذه المشاركة. ويُعد التمييز الإيجابي لصالح مشاركة النساء (نظام الحصص أو الكوتة)، وكذلك مبدأ المناصفة، كان من أبرز المقترحات التي أثارت الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض، حتى من داخل الحركة النسائية ذاتها. ولكن الكوتة تُمثل إحدى استراتيجيات الدمج، فثمة استراتيجيات أخرى ترتبط بالتنظيم الداخلي للحزب وطريقة تمثيل الاحتياجات والمصالح والمطالب الاجتماعية المختلفة في الحزب. وتُعد الوثائق والبيانات الرسمية للأحزاب السياسية مُهمة لتوفير إطار للمساواة بين الجنسين – فهي تُقدم رؤية الحزب، وتُكرس أيضًا القواعد لتحقيق هذه الرؤية. ومن بين الاستراتيجيات المُتعلقة بالتنظيم الداخلي للحزب ما يلي:

  • مُعالجة موضوع المساواة بين الجنسين في الإطار القانوني للحزب. وهذا يُمكن أن يتضمن إقرار بيان بشأن المساواة بين الجنسين في الوثائق التأسيسية للحزب.
  • اتخاذ إجراءات تضمن مشاركة المرأة في المجالس القيادة، بما في ذلك الحصص الداخلية (الكوتا).
  • تحديد أهداف لمستوى المشاركة في المؤتمرات الحزبية. وهذا يُمكن أن يضمن عقد منتديات منفصلة للنساء المندوبات في المؤتمرات الحزبية.
  • تأسيس أجنحة وأقسام نسائية ضمن الحزب تكون مُدمجة بصفة رسمية في هياكل الأحزاب ويكون لها دور ومسؤوليات مُحددة ويتوفر لها التمويل اللازم حسب الحاجة.
  • ضمان تعميم مراعاة المنظور الإنساني في جميع سياسات الحزب.

تُعتبر قضية الشباب من القضايا المحورية في استراتيجيات الإصلاح السياسي والاجتماعي، وخاصة في المجتمعات العربية والتي تُصنَّف، بالمعنى الديموغرافي، بأنها مجتمعات شابة، بمعنى أن فئة الشباب لها النصيب الأكبر في التركيبة السكانية. وبالنسبة لأي مجتمع فإن احتياجات هذه الفئة سواء في مجالات التعليم أو العمل والصحة، وما يتصل بذلك من متطلبات مثل الزواج والرفاه الاجتماعي، تُعد من الأولويات في عمليات التخطيط وصناعة القرار. وتُعد هذه الفئة الأكثر حساسية للتحولات والتغيرات الاجتماعية، فهي المرحلة العمرية النشطة، والتي يتطلع فيها الإنسان إلى الإبداع والابتكار بما يعنيه ذلك من حقوق وحريات تضمن تحرير الطاقة الإنسانية الشابة وخلق بيئة مُمكنة تُسهم في استثمار هذه الطاقة لصالح المجتمع. وبالمقابل فإن البيئات المقيدة والتي تعجز عن تلبية حقوق واحتياجات وتطلعات هذه الفئة، هي التي تفتح الأبواب أمام توظيفات سلبية وربما مدمرة للطاقة الشبابية، فنجد نزوع الشاب نحو الخروج من المجتمع بالهجرة، أو الخروج على المجتمع بالعنف.

خامسا : الأحزاب والمشاركة السياسية للشباب

ومن هذا المنطلق، فإن الديمقراطية لا تكتمل إلا بإدراك وتفعيل المشاركة السياسية للشباب من خلال الأحزاب والحركات الاجتماعية، أو المشاركة المدنية من خلال منظمات المجتمع، هو السبيل لدمج هذه الفئة في أطر تسمح لهم بالتعبير عن مصالحهم وتطلعاتهم، وربطها بالصالح العام للمجتمع بشكل عام. وبالفعل فقد حظيت المُشاركة المدنية والسياسية للشباب، بشكل فعلي أو دعائي، باهتمام بالغ من قبل جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين سواء كانوا في السلطة أو في الأحزاب السياسية أو المؤسسات الأكاديمية والبحثية أو المنظمات الدولية. وبالنظر إلى العناوين التي تناقش المشاركة السياسية للشباب نجدها على درجة كبيرة من التنوع فمنها ما يتعلق بعزوف الشباب عن المشاركة، والشباب والعنف، وآليات وأطر مشاركة الشباب، والحركات الطلابية، فضلًا عن تمثيل الشباب في المجال السياسي والمجال العام.

وفي سياق الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والأحزاب السياسية، فثمَّة قضيتين ينبغي النظر إليهما بقدر كبير من الاهتمام، وهما مترابطتين، الأولى هي تمثيل الشباب في الهياكل الحزبية، والثانية هي التعبير عن مطالب وتطلُعات الشباب في البرامج والمواقف الحزبية. وفي الحقيقة أن هناك علاقة شرطية بين التمثيل والتعبير، فبقدر ما تكون هناك مستويات أفضل من التمثيل في مواقع اتخاذ القرار بقدر ما ينعكس ذلك على مستويات التعبير عن المصالح والتطلعات. ووفق المؤشرات القائمة، وعلى الرغم من الزخم الشبابي في الربيع العربي، إلا أن هذا لم يُترجم بشكل مُرضٍ على مستوى الهياكل السياسية والأطر الحزبية، فقد تم المزايدة باسم الشباب والاستفادة منهم على المستويات القاعدية دون إدماج فعال في مواقع صُنع القرار. ومع انغلاق المجال السياسي النظامي، كان للربيع العربي نتائج سلبية على قطاعات واسعة من الشباب، ففي بعض البلدان تعرض الشباب الناشط سياسيًا واجتماعيًًا للتنكيل، وبالمقابل انخرط عدد كبير من الشباب فى دوائر العنف السياسي.
لقد بات الاعتراف بأهمية تعزيز المشاركة السياسية للشباب من الأمور المُسلم بها، ولكن الأمر يتطلب أكثر من الاعتراف، أي خلق البيئة القانونية والمؤسساتية والتثقيفية اللازمة لدمج فعلي للشباب في المجال الأساسي. وهنا يأتي الدور الحيوي للأحزاب السياسية، ليس فقط من منظور كونها أطر للتمثيل السياسي، ولكن أيضًا لكونها فضاءات للتنشئة السياسية. ويمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورًا فعالًا من أجل بناء قدرات الشاب الحزبي والتوعية بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي.

الخُلاصة:

إن الرهان على الديمقراطية السياسية بمعناها التقليدي لم يعد كافيًا لتأسيس أنظمة ديمقراطية دامجة ومستدامة، ولذا فلا بديل الآن عن الدمج بين الديمقراطية وحقوق الإنسان لبناء أنظمة ديمقراطية مرتكزة على الحقوق. ولا تكتمل الديمقراطية المرتكزة على الحقوق اعتبار حقيقي لمبدأ تكاملية حقوق الإنسان، بمعنى الترابط الوثيق بين الحقوق كافة، والعمل على تحقيق مساواة النوع الاجتماعي، واحترام حقوق الأقليات والأشخاص ذوي الإعاقة، ودمج الشباب في الأطر السياسية والحزبية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فإن الاهتمام بدور الأحزاب السياسية كفاعل رئيسي في تبني ودمج معايير حقوق الإنسان بات أمرًا ملحًا، وخاصة في المجتمعات التي تجاهد من أجل تجاوز الاستبداد وعدم الاستقرار السياسي. وينبغي التأكيد على الفرص التي يمكن أن تتحقق بفعل التعاون بين منظمات المجتمع المدني وخاصة تلك المعنية بالحقوق بأنواعها كافة، والأحزاب السياسية على اختلافاتها، فالمجتمع المدني ليس طرفًا في الصراع على السلطة ولكنه طرف أساسي في دعم وتعزيز الديمقراطية المرتكزة على الحقوق.

السياق التونسي

أولا : السِّياق التاريخي

تتميز تونس في محيطها الإقليمي بامتلاكها رصيدًا غنيًا من النصوص القانونية في مجال حقوق الإنسان وذلك منذ صدور عهد الأمان سنة 1857 الذي يعتبره البعض سبقًا تاريخيًا ثم دستور 1861 الذي هو ترجمة لما نصَّ عليه عهد الأمان، فكلاهما يركزان على المساواة بين سكان المملكة على اختلاف أديانهم. ومع ذلك يتسم السياق التاريخي لحقوق الإنسان في تونس ما بعد الاستقلال أساسًا بتضارب واضح بين طفرة على مستوى النصوص والتشريعات التي تعكس قناعة وتكريسًا لثقافة حقوق الإنسان وبين واقع تميَّز بتعدد وتنوع الانتهاكات لنفس هذه الحقوق.

ويعد إصدار مجلة الأحوال الشخصية في 13 أوت/أغسطس 1956 بعد أقل من خمسة أشهر من الحصول على استقلال تونس من المحطات الأساسية في تاريخ حقوق الإنسان، ورغم أن الإطار الزمني، لم يكن ملائمًا نظرًا لطبيعة المجتمع التي ترتكز فيها العائلة على الشخصية الذكورية، إلا أنه تم فرض تلك المدوّنة القانونية المنظمة للأسرة والعلاقات بين المرأة والرجل ومؤسسة الزواج. وقد منعت مجلة الأحوال الشخصية تعدد الزوجات، كما حرَّمت الزواج على غير الصِّيغ القانونية، وشرعت لمؤسسة الزواج وفقًا للتعاقد الكتابي بين الزوجين، وجرَّمت ما يسمّى الزواج العُرفي، كما أعطت المجلّة الحق للمرأة في قبول أو رفض الزواج، والحق في الطلاق، وتم تحديد سن الزواج للفتاة بـ18 سنة، وللشاب بـ20 سنة، وإقرار المساواة التامة في إجراءات الزواج والطلاق والنتائج المترتبة عنه. وقد أعطت مجلّة الأحوال الشخصية مكانة أساسية للمرأة في المجتمع التونسي، وجعلت تونس من أفضل الدول العربية في مجال حقوق المرأة.
في غُرة جوان/يونيو 1959 صدر أول دستور للجمهورية، وتُعد ولادة هذا الدستور الذي حمل في فصوله مبادئ حقوق الإنسان وتبنى أغلب المبادئ التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مكسبًا كبيرًا، وعلى هذا الأساس تضمن الدستور أحكامًا تعلَّقت بعدة أنواع من حقوق الإنسان.

وبحلول نوفمبر 1959 أُنتخب الحبيب بورقيبة رئيسًا وتحصَّل الحزب الحر الدستوري الجديد على كل مقاعد مجلس الأمة الذي استحدث مكان المجلس التأسيسي. وفي عام 1975 وقع تغيير الدستور لتمكين بورقيبة من الرئاسة مدى الحياة. وفي ظل تدهور عرضي لصحة بورقيبة في النصف الثاني من السبعينيات تصاعد التنافس السياسي، وظهرت توترات اجتماعية، اندلعت على إثرها أحداث 26 جانفي/يناير 1978 بعد إعلان إضراب عام أسفر عن تدخل الجيش وسقوط عشرات الضحايا. وظلَّ المشهد السياسي على حاله رغم الاعتراف عام 1983 بحزبين ورفع الحظر عن الحزب الشيوعي.

وفي عام 1986 بلغت الأزمة الاقتصادية أوجها، وشهدت تلك الفترة صعود نجم زين العابدين بن علي وزير الداخلية الذي استطاع بسط يده على الأجهزة الأمنية ليعلن في 7 نوفمبر 1987 اضطلاعه بالرئاسة استنادًا لعدم قدرة بورقيبة صحيًا على مباشرة مهامه، وأدّى القسم في نفس اليوم لتدخل البلاد منعرجًا جديدًا. وقد سعى بن علي إلى طمأنة الرأي العام عبر بيان وعد فيه بإلغاء الرئاسة مدى الحياة وبإرساء «تعددية سياسية» كما ألغى محكمة أمن الدولة وأفرج عن الإسلاميين والنقابيين المعتقلين في حين حافظ على نفس التركيبة الحكومية باستثناء الحقائب التي كان يتولاها منافسوه.

في جويلية/يوليو 1988 عدَّل الدستور في اتجاه زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية. وفي أفريل/أبريل 1989 نُظمت انتخابات رئاسية التي وإن جاءت نتائجها منتظرة في ظل عدم وجود منافسين فيها لبن علي كانت نتائج الانتخابات التشريعة مُخيبة لآمال المعارضة التي لم تتحصل على أي مقعد، وبدأت بوادر انغلاق سياسي تبرز في الأفق. وبحلول النصف الثاني من العشرية بدأ يظهر نفوذ لزوجة بن علي الثانية ليلى الطرابلسي وعائلتها إلى جانب أصهاره. عام 1999 قدَّم بن علي نفسه مجددًا للانتخابات الرئاسية، ورغم وجود مرشحين آخرين فاز مرة أخرى بنسبة فاقت الـ99%.

على مستوى النصوص تميَّزت هذه الفترة بمصادقة تونس دون تحفُّظ في سنة 1988 على اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب وغيره من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ووقع في سنة 1995 تعديل المجلة الجنائية بإضافة أحكام تتصل بتعريف جريمة التعذيب. وإضافة إلى ذلك، تمّ إلغاء الحكم بالأشغال الشاقة سنة 1989. وفي عام 1995 أُلغيت الأحكام المتعلقة بالتشغيل الإصلاحي والخدمة المدنية. وتمّ تعديل النظام القانوني للإيقاف التحفظي والاعتقال عبر إصلاحات أُدخلت على مجلة الإجراءات الجزائية بالإضافة إلى تعديلات أخرى أُحيلت بمقتضاها اختصاصات وزير الداخلية في منح السراح الشرطي إلى وزير العدل.

في فيفري/فبراير 2000 اندلعت مظاهرات ذات طابع اجتماعي، وأُسِسَ حزب المؤتمر من أجل الجمهورية المعارض وأظهرت حركة التجديد تغييرات في مواقفها، إلا أن النظام بقيَّ يتوخى نفس السياسات، وفي 2002 أقام استفتاء لإحداث تعديلات دستورية تمكن الرئيس من حصانة قضائية، ومن إمكانية تمديد ولايته. في السنوات اللاحقة ازدادت تجاوزات أصهار بن علي الذين أصبحوا يسيطرون على قطاعات شاسعة من الاقتصاد وأصبحت القرارات المهمة تؤخذ خارج الحكومة.
وفي 2005 َشكَّلت المعارضة هيئة 18 أكتوبر التي طالبت بإصلاحات جذرية للنظام. وفي 2008 عَرِفَ الحوض المنجمي في ولاية قفصة احتجاجات غير مسبوقة دامت عدة أشهر على خلفية اجتماعية. وأعقب ذلك في عام 2010، في وقت زادت فيه الإضرابات الاجتماعية والمطالبة بمحاربة الفساد، حملة تناشد بن علي الترشح للانتخابات عام 2014 لولاية سادسة جوبهت بحملة مضادة ضد التمديد والتوريث. وفي تلك الأجواء جاءت حادثة إحراق محمد البوعزيزي لنفسه لتُشعل احتجاجات عارمة أولًا في سيدي بوزيد ثم في بقية الجمهورية جابهها النظام بالقوة قبل أن يُغادر بن علي البلاد في 14 جانفي/يناير 2011.
وبهذا دخلت تونس، ومعها سائر بلدان المنطقة، مرحلة تاريخية جديدة بآمال وأحلام بناء مجتمع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي المرحلة التي سيتم تناول ملامحها من خلال استعراض السياقات المختلفة.

ثانيا : السِّياق السياسي والحزبي

عانت تونس قبل ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي/يناير 2011 من انعدام التوازن بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وانعدام الرقابة بينهم نظرًا لإمساك شخص واحد لكلّ هذه السلطات في شكل نظام رئاسي مما رسَّخ نظامًا ديكتاتوريًا لمدة عقود. وهذا ما جعل المجلس التأسيسي، خلال عمله الذي انتهى إلى إصدار دستور 2014، يحرص على ضمان التوازن بين هذه السلطات. لكن رغم ذلك، هناك إجماع على أن النظام في تونس المنبثق عن دستور 2014 ليس برلمانيًا ولا رئاسيًا، بل هو مَزيج بين الاثنين، وهناك من يذهب إلى حد القول إنه نظام شبه برلماني شبه رئاسي.
وتتلخص ملامح الخارطة السياسية الجديدة أساسًا في ثلاث نقاط رئيسية: تطور الإطار القانوني المُنظم للعمل الحزبي، تطور هيكلة المشهد السياسي، إلى جانب تنوع التوجهات داخل هذه الخارطة الجديدة.

جاء المرسوم عدد 87 الصادر في سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية ليقطع نهائيًا مع قانون 3 ماي/مايو 1988 الذي خنق الحياة السياسية طيلة 23 سنة حتى ظلَّ المشهد الحزبي في تونس مقتصرًا على لون واحد.

يظهر هذا القطع من خلال عِدة نقاط من أهمها تحول صلاحية النظر في تكوين الأحزاب السياسية إلى الوزير الأول وبذلك تم إبعاده نهائيًا عن وزارة الداخلية التي كان النشاط الحزبي حبيسها طيلة عقود من الزمن. كما نص المرسوم على أن تكوين حزب يستوجب فقط تقديم مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالوصول إلى الوزير الأول الذي يوافق على ذلك أو يُقدم رفضًا معللًا في أجل 60 يومًا قابل للطعن بالإلغاء أمام المحكمة الإدارية. وفي صورة عدم رجوع بطاقة الإعلام بالبلوغ في أجل 60 يومًا من إرسال هذا المكتوب يُعتبر ذلك قرارًا ضمنيًا بعدم الاعتراض على تأسيس الحزب، مما يُكرس مزيدًا من المرونة والشفافية في تكوين الأحزاب. كما تم التخفيض في السن الدنيا للانخراط في حزب سياسي إلى 16 عامًا وتم التخلي عن شرط الحصول على الجنسية التونسية المُحدد بمدة معينة وتعويضه فقط بشرط الجنسية التونسية دون تحديد للمدة.
شَهِدَ الواقع السياسي في تونس بعد الثورة صراعًا كبيرًا أدى إلى طفرة في هيكلته من الناحية العددية ومن الناحية النوعية.

على المستوى العددي

تؤكد الإحصائيات الرسمية أن عدد الأحزاب قبل 14 جانفي/يناير 2011 بلغ 88 حزبًا فقط دون اعتبار حزب التجمع الذي تم حله بعد الثورة، وبعد الثورة تم سنة 2011 تأسيس 97 حزبًا، ثم 40 حزبًا سنة 2012، و29 حزبًا سنة 2013، و20 حزبًا سنة 2014، و7 أحزاب سنة 2015، بينما سجلت سنة 2016 بعث 4 أحزاب جديدة.

على المستوى النوعي

أدى الصراع بين الأطياف السياسية إلى بروز أحزاب قوية ظلَّت صامدة إلى اليوم وأحزاب أخرى اندثرت وانقسمت. ويختلف وزن هذه الأحزاب وفق مدى تأثيرها في المشهد السياسي. ونظرًا لتنوع التوجهات بصفة عامة يُمكن الحديث عن عائلات سياسية متكونة من أحزاب وتشكيلات سياسية تكونت على قاعدة الخلفية الفكرية أو السياسية المشتركة:

العائلة السياسية الإسلامية، تتكون من عدة أحزاب بعضها وسطي مدني وبعضها يَعتبر أنه ينتمي إلى السلفية المستنيرة، ويتبنى البعض الآخر الأفكار السلفية التي تطمح إلى تأسيس دولة الخلافة.

العائلة الدستورية، التي تتكون من مجموعة من الأحزاب التي تَعتبر نفسها سليلة حزب الدستور بصيغُه المتعاقبة من الحزب الحر الدستوري إلى التجمع الدستوري الديمقراطي، مرورًا بالحزب الدستوري الجديد والحزب الاشتراكي الدستوري.

العائلة اليسارية، تكتل قطاع واسع من أحزابها في جبهة شعبية يُنسِّق أعمالها رئيس حزب العمال التونسي، إلا أن تأثيرها المباشر في الحياة السياسية لايزال محدودًا بسبب تمثيلها الضعيف في أجهزة الدولة. نجد في هذه العائلة كذلك الأحزاب اليسارية ذات التوجه الاجتماعي الديمقراطي التي تعتبر نفسها أحزابًا وسطية تعتمد على توظيف المجتمع المدني والفضاء الإعلامي في معاركها السياسية.

العائلة الليبرالية، بالرغم من اشتراك أحزاب منها في تجربة الحكم وحصولها على حقائب وزارية مهمة إلا أن حضورها في المشهد السياسي ثانوي، كما أن تأثيرها في توجيه خيارات الحكومة محدود.

الأحزاب القومية، التي ترفع شعار الوحدة العربية بعضها اندمج في الجبهة الشعبية وبعضها يُحاول توحيد الجهود مع أحزاب ديمقراطية اجتماعية.

دعم دور الشباب في المجتمع المدني وفي الأحزاب في التأثير عامة, وخاصة في مسألة حقوق الإنسان والنوع الاجتماعي.
مريم النويشي
الشباب قادر

ثالثا : السِّياق التشريعي والقضائي المُتعلق بحقوق الإنسان والنوع الاجتماعي

تقوم منظومة حقوق الإنسان على أجيال مترابطة لهذه الحقوق لتشمل الحقوق المدنية والسياسيّة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثّقافية والحقوق البيئية والتّنموية. وهو ما يعكسه دستور 2014 والإطار التشريعي والقضائي لحقوق الإنسان في تونس إلى جانب العشرات من المعاهدات الدّوليّة التي صادقت عليها تونس.

الدستور والتشريع

ضَمِنَ المجلس الوطني التأسيسي الحقوق والحريات بدستور 2014 لتستمد عُلويتها من عُلويته كما وضع جملة من الضمانات لحمايتها.
نص الدستور على أن الدولة تكفُل حُرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية. وخُصص الباب الثاني لتكريس الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحق في التنمية والحريات العامة والفردية. ونصَّ على المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات دون تمييز وكفُل حقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة. كما جعل الحق في الحياة مقدسًا ومنع المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون، وألزم الدولة بحماية كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد ومنع التعذيب المعنوي والمادي كما منع سقوط جريمة التعذيب بالتقادم، وضَمِنَ حماية الحياة الخاصة وحُرمة المسكن وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية، وحُرية اختيار كل مواطن مقر إقامته والتنقل داخل الوطن وحق مغادرته، وحجر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن، وضَمِنَ حق اللجوء السياسي طبق ما يضبطه القانون وحجر تسليم المتمتعين به. كما أقر الدستور قرينة البراءة للمتهم إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تُكفل له فيها جميع ضمانات الدفاع في أطوار التتبع والمحاكمة. وضَمِنَ حُرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر ومنع ممارسة رقابة مُسبقة على هذه الحريات وألزم الدولة بضمان الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة.

كما ضَمِنَ حق الانتخاب والاقتراع والترشح وتمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة، وضَمِنَ حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات وكَفُلَ حق الإضراب وحرية الاجتماع والتظاهر السلميـين. وكرَّس الدستور الحق في الصحة، والحق في التغطية الاجتماعية، والحق في التعليم العمومي المجاني، والحق في العمل. وضَمِنَ الملكية الفكرية، والحق في الثقافة وحرية الإبداع وحماية الموروث الثقافي، وحق الأجيال القادمة فيه. وضَمِنَ الحق في الماء، والحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ.

أما في أحكامه المتعلقة بالشباب، فقد نصَّ الدستور التونسي على أن الشباب قوة فاعلة في بناء الوطن. تحرص الدولة على توفير الظروف الكفيلة بتنمية قدرات الشباب وتفعيل طاقاته وتعمل على تحمُله المسؤولية وعلى توسيع إسهامه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. كما أكد تمثيلية الشباب في مجالس الجماعات المحلية.

وبالنسبة للضمانات فلم يترك دستور 2014 للقانون سوى سُلطة تحديد الضوابط المتعلقة بهذه الحقوق والحريات ولكن بالشروط المفصلة بالدستور ذاته، حيث نصَّ على أنه لا يجوز لأي تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان والحريات المضمونة فيه، وعلى أن القانون يُحدد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بالدستور بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية، وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك وضمان إقامة العدل وعلوية الدستور وسيادة القانون.

وفيما يتعلق بمُقاربة النوع الاجتماعي فقد وصف التشريع التونسي الصادر بعد الاستقلال بأنه في صالح المرأة بفضل مجلة الأحوال الشخصية التي صدرت بعيد الاستقلال وقبل صدور دستور 1959 بثلاث سنوات. هذا إلى جانب قوانين أخرى جاءت لدعم المساواة بين الرجل والمرأة على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من بينها مثلًا الفصل 9 مُكرر من مجلة الشغل الذي يرفض أي شكل من أشكال التمييز بين الرجل والمرأة في العمل، وقانون الجنسية الذي يُخول للمرأة الاحتفاظ بجنسيتها ومنحها لأطفالها. كما يمنع القانون الأساسي للوظيفة العمومية التمييز على أساس الجنس.

إلى جانب ذلك، مكَّن أول قانون انتخابي بعد الثورة المرأة من التمتع بحقها في التصويت والانتخاب وكذلك الترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية حسب الشروط الواردة في المجلة الانتخابية، وذلك بتعريفه الناخبين بأنهم جميع التونسيين والتونسيات الذين بلغوا العشرين من أعمارهم ويحملون الجنسية التونسية منذ خمس سنوات ويتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية ولا يشملهم العجز المنصوص عليه في القانون.
كما ينص المرسوم المُنظِّم لعمل الجمعيات في فصله الثالث على ضرورة أن تحترم الجمعيات، في إطار قوانينها الأساسية ونشاطاتها وتمويلها، مبادئ دولة القانون والديمقراطية والتعددية والشفافية والمساواة وحقوق الإنسان مثلما تعرفها الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية.
وقد صادقت الحكومة التونسية الانتقالية على قانون يُقر التناصف والتداول الإجباري للمرشحين الذكور والإناث في جميع القائمات خلال انتخابات المجلس الوطني التأسيسي المكلف بكتابة دستور 2014، كما
صادق مجلس نواب الشعب يوم 26 جويلية/يوليو 2017 على القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة بـرمته بـ146 (نعم) دون تحفظ ودون رفض. ويتضمن القانون عناصر أساسية لمنع العنف ضد النساء، وحماية الناجيات من العنف الأسري، ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات.

أما فيما يتعلق بحقوق الأقليات الجنسية فرغم تنصيص دستور 2014 في فصله 21 على أن المواطنيــن والمواطنــات متسـاوون فـي الحقـوق والواجبـات، وهـم سـواء أمـام القانـون مـن دون تمييـز، فإن التشريع التونسي مازال يُجرم المثلية الجنسية من خلال الفصل 230 من المجلة الجزائية، الذي يُعاقب المثلية الجنسية (مرتكب «اللواط» أو «المساحقة» وفق نص القانون) بالسجن مدة ثلاثة أعوام نافذة. كما رفضت تونس توصيات مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بإلغاء العقوبات التي يفرضها القانون التونسي على جريمتي الثلب والعلاقات الجنسية المثلية.

المعاهدات الدولية

منذ 19 فيفري/فبراير 2011 تمت الموافقة على المُصادقة على مجموعة من المواثيق الدّولية التي من شأنها أن تُثري المنظومة التونسية لحقوق الإنسان، وجعل الدّولة ومؤسساتها مسؤولة أمام القضاء الجزائي الدولي. ومع ذلك يجوز القول إن الإضافة التي أتت بها هذه النصوص ليست إضافة من الناحية الكمية، ذلك أن تونس صادقت على العديد من النصوص الدولية المُتعلقة بحقوق الإنسان بقدر ما هي إضافة من الناحية النوعية، حيث تتمثل خصوصية هذه النصوص في أنها تحمل على الدولة التزامات عملية تكفل حُسن تطبيقها وذلك سواءً من خلال التنصيص على آليات دولية ووطنية تُلزم الدولة الطرف أو من خلال جعل الدولة ومؤسساتها مسؤولة أمام القضاء الجزائي الدولي.
من بين هذه النصوص الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والبروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاق امتيازات المحكمة وحصاناتها، والبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 ديسمبر 2002، والذي بدأ نفاذه في 22 جويلية/يوليو 2006. ومع ذلك ففيما يتعلق بالاتفاقية الأممية المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أبلغت الحكومة التونسية في 17 افريل/أبريل 2014 الأمين العام للأمم المتحدة بقرارها سحب إعلان التحفظ المتعلق بالفقرة الرابعة من المادة 15، والفقرة الثانية من المادة 9، والفقرات ج، و، د، ز، ح من المادة 16، والفقرة الأولى من المادة 29 من الاتفاقية.

فِقْه القضاء

قبل جانفي/يناير 2011، ورغم التضييقات والمصاعب، سجَّل القضاء التونسي محطات مُضيئة كحام للحقوق والحريات. وبعد 14 جانفي/يناير 2011 تبلورت أكثر مكانة حقوق الإنسان في القضاء التونسي، ولعل من أبرز القرارات التي تُترجم هذه المكانة قرار 5 فيفري/فبراير حيث أصدرت محكمة استئناف تونس حكمًا بفسخ الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بتونس لتخلص إلى إلزام أي شركة رحلات بإرجاع جوازات السفر إلى الجهة الطالبة. واستندت محكمة الاستئناف في حكمها على حُرية التنقل المضمونة بموجب الفصل 10 من دستور 1959، والذي كان تم إنهاء العمل به صراحة بمقتضى التنظيم المؤقت للسلط العمومية والصادر في 16 ديسمبر 2011. وقد بررت ذلك بأن الدستور يبقى رغم هذا الإلغاء الصريح «نافذًا في أحكامه الضامنة للحقوق والحريات الأساسية لكونها غير قابلة بطبيعتها للإلغاء». ويلحظ أن المحكمة تشبثت بإسناد حكمها على هذا الفصل رغم توفر أسناد أخرى كافية بحد ذاتها لتعليله.

رابعا : السِّياق المؤسساتي

من أبرز الهياكل الرسمية الفاعلة في السِّياق المتعلق بحقوق الإنسان والنوع الاجتماعي:
مجلس نواب الشعب: يضم مجلس نواب الشعب لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية وهي لجنة قارة تتولى مناقشة القوانين ذات الصلة قبل تمريرها إلى الجلسة العامة للمداولة والمُصادقة عليها. وتتخذ النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات شكل قوانين أساسية يُصادق عليها مجلس نواب الشعب بالأغلبية المطلقة لأعضائه.
‌السلطة القضائية: نصَّ الدستور على أن السلطة القضائية مُستقلة والقضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وحجر كل تدخل في سير القضاء، ونصَّ على مجموعة من الضمانات.

الهيئات المستقلة مثل:

  • الهيئة العليا المستقلة للانتخابات: هي هيئة مُكلفة بإدارة الانتخابات وتنظيمها والإشراف عليها وضمان سلامة المسار الانتخابي ونزاهته وشفافيته.
  • الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري: تتولى تعديل قطاع الاتصال السمعي البصري وتطويره وتسهر على ضمان حرية التعبير وإعلام تعددي ونزيه.
  • هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد: تُسهم في ضبط سياسات الحوكمة الرشيدة ومتابعة تنفيذها ونشر ثقافتها ومنع الفساد ومكافحته بغية تعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة.
  • هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة: تُسْتشار وجوبًا في مشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وفي مخططات التنمية.
  • هيئة حقوق الإنسان كمؤسسة وطنية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان: تتمثل صلاحياتها في مراقبة احترام الحريات وحقوق الإنسان والعمل على تعزيزها واقتراح ما تراه لتطوير منظومتها. وتُستشار وجوبًا في مشاريع القوانين المتصلة بمجال اختصاصها، وتقوم بالتحقيق في حالات انتهاك حقوق الإنسان بغرض تسويتها أو إحالتها إلى الجهات المعنية.
  • الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب: تجسيدًا لالتزام تونس المترتب على مصادقتها على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة. ولها سلطات وولاية واسعة على جميع أماكن الاحتجاز.
  • هيئة الحقيقة والكرامة: أُحدثت بمقتضى القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها وكلفت بتنفيذ أحكامه.
  • هيئة النفاذ إلى المعلومة: أُحدثت للسهر على حسن تنفيذ النص المتعلق بالنفاذ إلى المعلومة، وتتولى ضمان حق كل شخص طبيعي أو معنوي في النفاذ إلى المعلومة التي توجد بحوزة الهياكل المُشرفة على مرافق عمومية، وذلك من خلال النظر في الطعون الموجَّهة ضد قرارات رفض إتاحة المعلومة من قبلها.

أما على مستوى الآليات المؤسساتية ذات العلاقة بمقاربة النوع الاجتماعي فيمكن ذكر:

كتابة الدولة لشؤون المرأة والأسرة المحدَّثة في إطار الحكومة الانتقالية المستقلة التي تم تشكيلها في جانفي/يناير 2011 ثم عاد الهيكل المكلف بشؤون المرأة ليأخذ من جديد شكل وزارة دون تجاوز فكرة تلازمها مع أصناف أخرى بشكل يُفضي إلى «إذابة مسألة المرأة في صلب مسائل تهمُ أصنافًا أخرى تُعتبر أكثر هشاشة، في وقت تركزت فيه الجهود على مأسسة النوع الاجتماعي».
إلى جانب الوزارة، تجدر الإشارة إلى مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) ويُعتبر الجهاز العلمي لكتابة الدولة للمرأة والأسرة.

خامسا : السِّياق المجتمعي

للحديث عن السِّياق المجتمعي سنطرق في عنصر أول إلى التحديات الاجتماعية في تونس لننتقل في عنصر ثان إلى النشاط المجتمعي المنتظم في شكل هياكل مدنية.

التحديات الاجتماعية

حسب التقرير الوطني لحقوق الإنسان، الذي تم إيداعه بتاريخ 3 فيفري/فبراير 2017 لدى المفوضية السامية لحقوق الإنسان في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل، تواجه الدولة التونسية حاليًا تحديات على جميع المستويات ترجع أساسًا لصعوبة مرحلة الانتقال الديمقراطي الذي تعرفه كل مؤسسات البلاد إضافة إلى الصعوبات الاقتصادية والمالية والضغوطات المهمة على ميزانية الدولة فضلًا عن الوضع الأمني الدقيق الذي تواجهه الدولة في إطار مكافحة الإرهاب، مما ينعكس سلبًا على التقدم في إنجاز المشاريع وإحداث المؤسسات وإعمال الحقوق بالشكل الكافي.

واقعيًا نُلاحظ تضخمًا واضحًا في الصلاحيات المُطلقة المُعطاة لجهاز الأمن بدعوى تحقيق الاستقرار إلى جانب التعثر في تحقيق العدالة بشأن مطالب الأشخاص المُتضررين من التعذيب فضلًا عن غياب مسألة حماية حقوق الإنسان ضمن أولويات الأطراف السياسية في السياق الحالي الذي تطغى عليه المناقشات حول الانتخابات البلدية. ولاتزال مكافحة الفساد أيضًا مُتعثرة رغم ظهور بعض القضايا التي كانت حديث الرأي العام لمدة وجيزة.

القوى المدنية

سنتناول في مستوى أول الإطار القانوني المُنظم للقوى المدنية لنتطرق بعد ذلك لطبيعتها وتموضعها في محيطها.

الإطار القانوني المُنظم لهذه القوى

تنصّ أحكام الفصل 35 من الدّستور التّونسي المؤرّخ في 27 جانفي/يناير 2014 على أنّ «حرّيّة تكوين الأحزاب والنّقابات والجمعيّات مضمونة. وتلتزم الأحزاب والنّقابات والجمعيّات في أنظمتها الأساسيّة وفي أنشطتها بأحكام الدّستور والقانون وبالشّفافيّة الماليّة ونبذ العنف»، كما أكدّ الفصل 65 من الدّستور أنّ تنظيم الجمعيّات يتمّ اتّخاذه في شكل قوانين أساسيّة.

وعلى مستوى الاتّفاقيّات الدوليّة فقد صادقت تونس بتاريخ 18 مارس 1969 على العهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة الصّادر بموجب قرار الجمعيّة العامّة لمنظّمة الأمم المتّحدة المؤرّخ في 16 ديسمبر 1966، كما وافقت على الانضمام إلى البروتوكول الاختياري المُلحق به بموجب المرسوم عدد 3 لسنة 2011 المؤرّخ في 19 فيفري/فبراير 2011.

أما على مستوى القوانين الوطنيّة يخضع تكوين الجمعيّات في تونس بالأساس إلى مقتضيات المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرّخ في 24 سبتمبر 2011 المُتعلّق بتنظيم الجمعيّات وقبله كان يخضع إلى مقتضيات القانون عدد 154 لسنة 1959 المتعلّق بالجمعيّات، في حين كانت الجمعيّات الأجنبيّة تخضع لمقتضيات القانون الأساسيّ عدد 80 لسنة 1993 المُتعلّق بانتصاب المنظّمات غير الحكوميّة بالبلاد التّونسيّة، وتميّز هذا النظام القانوني بالتضييق على حرية تأسيس الجمعيات بالاعتماد على نظام التسجيل أو التأشيرة، الذي أسّنَد إلى وزير الداخليّة صلاحيات تقديرية واسعة لقبول أو رفض مطلب التأسيس. وكان الإجراء يتطلّب إيداع تصريح لدى الإدارات التابعة لوزارة الداخلية مقابل تسليم وصل في الإيداع، وهو نظام تسجيل مقنّع باعتبار إمكانيّة الرفض من وزارة الداخليّة. وأضاف القانون تصنيفًا وجوبيًا للجمعيات بحسب نشاطها، ممّا أدّى إلى مزيد من التضييق على حُرية تكوين الجمعيات بإجبارها على النشاط في مجالات معيّنة ومحدّدة، لا يمكن أن تعمل خارج إطارها. ومن ناحية أخرى اتّسم القانون السابق بالطابع الزجري والرّدعي، وبإسناد اختصاص توقيع العقوبات إلى السلطة التقديرية لوزير الداخليّة، ولم يتضمّن أحكامًا ماليّة واضحة ودقيقة يمكن معها التدقيق في تمويل الجمعيّات. أُلغيت هذه الأحكام بموجب الفصل 46 من المرسوم عدد 88 لسنة 2011.

طبيعة هذه القوى

في مقاربة دقيقة ينحصر المجتمع المدنيّ بالأساس في الجمعيّات والمنظّمات مهما كان نظامُها وإطارها القانونيّ، شرط أن تتوفّر فيها مقوِّمات النّشاط الجماعيّ، والطّوعيّ حول الأهداف والمصالح المشترَكة وغير الرّبحيّة وغير السّياسيّة.

رغم ذلك يجوز القول في إطار مقاربة أكبر وأوسع إن مكوّنات المجتمع المدني التّونسيّ لا تقتصر على الجمعيّات التي تمَّ تنظيمها بموجب المرسوم عدد 88 لسنة 2011، المؤرّخ في 24 سبتمبر 2011، والمُتعلّق بتنظيم الجمعيّات، بل تجاوزتها إلى مكوّنات أخرى. «ولعلّ تتويج المجتمع المدنيّ التونسيّ بجائزة نوبل للسّلام عام 2015 بمكوِّناته النّقابيّة ممثَّلة في الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل والاتّحاد التّونسيّ للصّناعة والتّجارة والصّناعات التّقليديّة عن منظّمة الأعراف والجمعيّات ممثَّلة في الرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنيّة للمحامين بتونس عن الهيئات المهنيّة، يعكس هذا التّنوّع في الفضاء المجتمعيّ».

تموقع هذه القوى

شهدت الفترة اللاحقة لثورة 14 جانفي/يناير 2011 طفرة على مستوى حصيلة المنظمات والجمعيات من حيث العدد والنوع والاختصاص، عدد منهم برز بروزًا ملحوظًا والبعض الآخر اندثر لغياب الخبرة باعتبار حداثة عهدها بالنشاط المدني. إلا أن ذلك لا ينفي أنه كان لعدد من مكونات المجتمع المدني دور فعال في تغيير الأحداث والضغط على الحكومة من جهة وعلى المجلس الوطني التأسيسي من جهة أخرى، كما لا يمكن نفي أهمية مختلف المنظمات والجمعيات التي سهرت على إنجاح جميع مراحل العملية الانتخابية إما بالمشاركة في عملية المراقبة أو التدريب والتكوين والتأطير والتوعية والانتشار.

على مستوى الإرادة السياسية إزاء تفعيل المرسوم عدد88 فقد اتسمت بعدم الوضوح وبالضبابية. وتراوحت المواقف الحكومية ومواقف أحزاب الأغلبية في المجلس التأسيسي بين التعبير عن النية في عدم تطبيق المرسوم وعدم العمل به لأنّه لم يصدر عن هيئة شرعية ومنتخبة وإنّما عن هيئة سياسية توافقية، وبين التعبير الصريح عن النية في إصدار قانون جديد يعوِّض ويلغي المرسوم 88 وبين التشبث به والعمل على تطبيقه وتفعيله.

وبعد فترة من التردّد دامت تقريبًا السنتين من تاريخ صدور المرسوم عبَّرت رئاسة الحكومة عن التزامها بتطبيق المرسوم 88 وقامت بإصدار بيانات وبلاغات دوريّة تلزم فيها جميع الجمعيّات باحترام ما ورد في المرسوم وبالخصوص الأحكام المالية منه.

على مستوى الأطراف السياسية والحزبية في تونس فقد اتسمت بالاتجاه نحو الاستقطاب الثنائي وتقسيم المشهد السياسي والاجتماعي، بالاعتماد على معايير متصلة بالهوية وبالانتماء الدّيني والثقافي وبمدى الارتباط بالنظام السابق. وانعكس هذا الاستقطاب الثنائي على تركيبة المجتمع المدني الذي اتبع في هيكلته العامة على عناصر الاستقطاب مما ترتّب عنه نوع من التقارب بين العمل الجمعياتي والعمل الحزبي وحدوث نوع من التطابق بين المطالب الصادرة عن المجتمع المدني والمطالب الصادرة عن الأحزاب السياسية. وترتّب عنه أيضًا تركيز الجمعيات على المطالبة بالحقوق السياسية وبحقوق الإنسان والابتعاد نوعًا مّا عن طرح المسائل الاجتماعية والاقتصادية.

السياق الليبي

أولا : السِّياق التاريخي

يقتضي التعرف على الأوضاع السياسية والاجتماعية في ليبيا معرفة السياق التاريخي لهذا البلد المتسع الذي يتَّسم بجغرافية سياسية، وتحولات تاريخية جعلت تاريخه يختلف عن سائر البلدان العربية. فمن الناحية الجغرافية تنقسم ليبيا إلى ثلاثة مناطق أساسية وهي (برقة وطرابلس وفزان)، وبالطبع فإن هذا التنوع الجغرافي كان له أثره على التركيبة السياسية والاجتماعية للبلد. وتاريخيًا يُمكن رصد التطورات في هذا البلد من خلال مراحل متعددة: مرحلة ما قبل الاستعمار الأوروبي في ظل التبعية للدولة العُثمانية، ثم مرحلة الاستعمار الإيطالي، والتي تبعتها مرحلة الإدارة الإنجليزية – الفرنسية، ثم دولة الاستقلال ومن بعدها حُكم القذَّافي، وذلك قبل أن تدخل ليبيا في ظل الربيع العربي مرحلة جديدة تتسم باضطرابات وانقسامات مازالت تبحث عن حلول.

السلطان عبد الحميد الثاني

يقتضي التعرف على الأوضاع السياسية والاجتماعية في ليبيا معرفة السياق التاريخي لهذا البلد المتسع الذي يتَّسم بجغرافية سياسية، وتحولات تاريخية جعلت تاريخه يختلف عن سائر البلدان العربية. فمن الناحية الجغرافية تنقسم ليبيا إلى ثلاثة مناطق أساسية وهي (برقة وطرابلس وفزان)، وبالطبع فإن هذا التنوع الجغرافي كان له أثره على التركيبة السياسية والاجتماعية للبلد. وتاريخيًا يُمكن رصد التطورات في هذا البلد من خلال مراحل متعددة: مرحلة ما قبل الاستعمار الأوروبي في ظل التبعية للدولة العُثمانية، ثم مرحلة الاستعمار الإيطالي، والتي تبعتها مرحلة الإدارة الإنجليزية – الفرنسية، ثم دولة الاستقلال ومن بعدها حُكم القذَّافي، وذلك قبل أن تدخل ليبيا في ظل الربيع العربي مرحلة جديدة تتسم باضطرابات وانقسامات مازالت تبحث عن حلول.

وفي المرحلة السابقة على الاستعمار خلال الحكم العثماني، خضعت البلاد للباب العالي في الأسِتانة من خلال سيطرة الولاة والمتصرفين والضباط الأتراك. واعتمد التنظيم الاجتماعي التقليدي آنذاك خاصة خلال الفترة من 1835وحتى 1911على مجموعة من القيادات التقليدية من ممثلى العائلات المعروفة في المناطق المختلفة. وقد حاولت السلطة العثمانية كسب ولاء المجموعات والعائلات المحلية بتعليمهم في المدارس الرشدية التي تم إنشاؤها في طرابلس وبنغازي، أو من خلال إيفادهم للدراسة في مدارس العشائر باسطنبول. وقد أسهم ذلك في تشكُل وعي فكري وسياسي، وتمثَّل ذلك في صدور صحيفة طرابلس الغرب 1866، ووجود مجموعة من العسكريين الليبيين في الجيش العثماني داخل البلاد وخارجها، وتولى أفراد من النخب المُتعلمة وظائف إدارية ومالية وعسكرية في أرجاء الخلافة، أو لإدارة الشئون من نواحي القبائل في الداخل.

ظل الوضع على ذلك حتى عام 1908، وذلك عند إعلان الأسِتانة العمل بالدستور الذي كان صدر عام 1876في مطلع عهد السلطان عبد الحميد الثاني 1842 – 1918ثم عُطِل العمل به وصار إعلان الحرية أو ما عُرف بـ(الحرية والمشروطية) في أرجاء الدولة العثمانية. وكان لهذه التحولات تأثير في الولاية الليبية وخاصة في ولاية طرابلس الغرب حيث صدرت صحف (العصر الجديد) و(الكشاف) و(تعميم حريت) و(أبو قشة) و(الأسد الإسلامي)، كانت تلك تجربة أولى عاشها الليبيون دامت ثلاثة أعوام لا غير. واستفادت منها تلك النخبة المختارة دون سواها .

دخلت ليبيا مرحلة جديدة وهي مرحلة الاستعمار الإيطالي (1911-1935)، والتي اتسمت بالعنف الاستعماري حيث عمد الإيطاليون، وخاصة الفاشيست، إلى هدم البنية الاجتماعية والقبلية وتفكيك مرتكزات التوازن التقليدي. وربما لم يعرف المجتمع الليبي سوى تجربة واحدة وهي تجربة النادي الأدبي في طرابلس سنة 1920، والذي يُعتبر أول مشروع علمي واجتماعي، والمدرسة الليلية، وكانا يقومان بنشاط علمي، واجتماعي لنشر التعليم، وإشاعة المعرفة بين الناس، وتوعيتهم بعقائدهم الدينية . وتوالت الأحداث في ظل الاستعمار الإيطالي لتأخذ مسارات حسب المناطق، حيث تشكلت الجمهورية الطرابلسية بنظامها ومجلسها الاستشاري، وبصحيفتها (اللواء الطرابلسي). وفي يونيو 1919أصدرت إيطاليا القانون الأساسي، أو (الدستور للقطر الطرابلسي)، والذي تكون من 40فصلًا اختصت بتنظيم أمور المواطنين الإيطاليين، وأشارت إلى تكوين مجلس نواب محلي، وحاول الإيطاليون من خلال هذا الدستور تنظيم الحياة السياسية وفقًا لرؤاهم، وتحقيق أسس العدالة التي لم تكن، ففشل المشروع لأنه ولد ميتًا من الأساس. أما في برقة تشكلت حكومة أجدابيا 1917، ثم أعلنت الحكومة الإيطالية (دستورًا لبرقة) في 13أكتوبر 1919، وبعد إعلان دستور طرابلس بأربعة أشهر، ومُنحت بموجبه الجنسية الإيطالية لليبيين، فيما صدر من بعد القانون الأساسي (قانون التنظيم) الذي ترتب عليه تأسيس البرلمان (مجلس النواب) في برقة. فقد كان المسار في بنغازي مختلفًا، حيث صدرت صحيفة (الوطن) عام 1920، كما جرت في العام ذاته انتخابات للمرة الأولى لاختيار عميد بلدية بنغازي، وتأسس في بنغازي للمرة الأولى حزبين محليين، ثم أصبحا بعد ذلك سياسيين تابعين للحكومة، هما (الحزب الدستوري) و(الحزب الديمقراطي)، ولكن فترتهما الحزبية لم تدم طويلًا. ثم كانت أول انتخابات برلمانية 1921. وكانت تركيبة المجلس خليطًا من مشايخ القبائل، وأعيان المدن، وأميين، وبعض من أصحاب المستويات الثقافية والتعليمية خريجي المدارس التركية، ومن عمل مع العثمانيين أواخر عهدهم الثاني في البلاد.

وفي يونيو 1929، عُقدت مفاوضات سيدي رحومة بين المارشال بادوليو وعُمر المختار، واتفقا على هدنة قتال، وقدم عُمر المختار ثمانية شروط للقبول بالهدنة: تشكيل حكومة وطنية ذات سيادة قومية في طرابلس وبرقة، ودعوة لجمعية تأسيسية لسن دستور للبلاد، وانتخاب مجلس نيابي من خلال السلطات التي يحوز عليها بموجب الدستور. وانتهى الأمر بإعدام عُمر المختار في 16سبتمبر 1931 .

ومع نشوب الحرب العالمية الثانية دخلت ليبيا مرحلة أخرى من السيطرة الاستعمارية سُميت بمرحلة الإدارة الإنجليزية والفرنسة:وفي هذه الأثناء اتجه الكفاح الليبي نحو النشاط السياسي بواسطة جماعات ظهرت في وقت مُبكر إبان الاستعمار الإيطالي، وأخرى أسسها المهاجرون في الخارج، وعادوا عقب تحرير البلاد من الاستعمار الإيطالي•. وقد نمت وازدهرت القوى المهيمنة على السياسة من خلال النوادي الاجتماعية والثقافية التي تطورت في برامجها، وأساليب عملها لتجد نفسها بعد ذلك في خِضَمْ المعترك السياسي . وهنا بدأ حراك سياسي آخر داخل الوطن أو ما عُرف بـ(مخاض الأربعينيات) تكونت الأحزاب في طرابلس، وبرقة، وصدرت الصحف، وبرزت الآراء، والنقاشات، وكثرت الاجتماعات بين القوى الوطنية، وعاد الأمير إدريس إلى بلاده في 1947. ومهما اختلفت المقاربات يمكن القول إن الفترة الفاصلة ما بين 1942إلى 1948، كانت فترة خصوبة سياسية، وجمعياتية في ليبيا. ومع ذلك فإن الحراك السياسي ظل يخضع للتقسيم المناطقي وقد تركز النشاط السياسي في البلاد خلال هذه الفترة حول ثلاثة قضايا أساسية هي: أولا: الاستقلال التام والانضمام لجامعة الدول العربية، وقد اتفقت على هذه القضية جميع الأطراف السياسية، واختلفت وجهات النظر في القضيتين الأخريين وهما: وحدة الأراضي الليبية، والإمارة السنوسية.

وفي عام 1951حصلت ليبيا على الاستقلال لتدخل مرحلة جديدة اتسمت في البداية بنوع من الحماس السياسي والثقافي حيث تم تكوين المنتديات، والصحف المستقلة، وتأسيس النوادي «الثقافية، الرياضية، الاجتماعية، والمسارح»بالمبادرات الذاتية، كما استمرت ظاهرة الصالونات الأدبية في بيوت بعض الشخصيات الثقافية المعروفة. ولعبت النوادي، والصحافة، والمقاهي دورًا مهمًا في التواصل ما بين المثقفين للحوار، والنقاش، وتبادل الآراء. …. وفي نفس الإطار الثقافي شهدت الساحة الجامعية تكوين العديد من الجمعيات التابعة للكليات، والأقسام الجامعية .

مفاوضات سيدي رحومة بين المارشال بادوليو وعُمر المختار

وعلى الرغم من قلة الإمكانيات وضعف التقاليد الجمعياتية وحذر السلطة المتأكد من كل تجمعات ثقافية، أو سياسية وقلة الخبرة، فقد عرفت ليبيا في الفترة الفاصلة ما بين عام 1954و1969، عددًا محدودًا من الجمعيات الأهلية. كما ظهرت بعض التشكيلات الحزبية السرية، وبعض الجمعيات التي تميزت باستقلال ملحوظ عن السلطة – كجمعية الفكر الليبية التي تأسست سنة 1959، ولعبت دورًا مهمًا في تفعيل الحركة الثقافية، والفكرية. كذلك عمدت الدولة إلى تضييق حركة مؤسسات المجتمع المدني كما حصل في سنة 1962، عندما عدلت بعض حقوق وواجبات النقابات العمالية بسبب حضورها في الإضرابات، والمقاطعة لسفن وطائرات الدول الاستعمارية. ولم يُسمح سوى بظهور بعض أشكال النشاط المحكوم بتشريعات التبعية للدولة، كإنشاء جمعية الهلال الأحمر الليبي في 20يناير 1959، وتبعيتها لوزارة الصحة آنذاك .

ومع مضي الأعوام والتطور الذي بات يشهده العالم، وليبيا جزء منه، خاصة بعد اكتشاف البترول، والشروع في تصديره أواخر عام 1961، تم السعي نحو إجراء تعديلات على الدستور، وكان التعديل يقترح أن تبقى البلاد موحدة برئاسة واحدة، ولكنها ستعتمد نظامًا إداريًا فيدراليًا. وبموجب هذه التعديلات صار للولايات مجالس إدارية تُسِّير أمورها بدلًا من الولاة والنظار، إلى أن انتهى ذلك كله بإلغاء النظام الفيدرالي وإعلان الوحدة الإدارية الشاملة بخطاب الملك إدريس السنوسي عام 1963، وأضحت ليبيا بناءً على هذا الإلغاء والعمل بالنظام الجديد، تضم 10مقاطعات هي (طرابلس، بنغازي، الجبل الغربي، الجبل الأخضر، درنة، مصراتة، الخمس، سبها، الزاوية، أوباري)، يدير شئونها محافظون ومتصرفون، ونشأ عن ذلك توحيد الجهود والمعاملات، وإصدار قانون الانتخابات 1964، وكانت آخر انتخابات تلك التي أجريت في فبراير 1965، بعد الانتخابات التي كانت قد جرت أواخر 1964، والتي شهدت تزوير ومخالفات للدستور واسعة النطاق، فاضطر الملك إلى حل البرلمان الذي بقي فقط حوالي خمسة أشهر، وإعادة إجراء الانتخابات من جديد .

ويأتي بعد ذلك مرحلة نظام القذَّافي والتى اتسمت بالقمع والتقييد الشديد للحريات السياسية والمدنية. ففي 9فبراير 1970، في محاولة لتحديد خيارها الإيدولوجي، وإعادة صياغة الواقع السياسي، والاجتماعي وفق أطروحاتها، ورؤاها الخاصة اختارت سلطة النظام الجديد في ليبيا تجربة الاتحاد الاشتراكي العربي سنة 1970. وأنشأت داخله وحدة أطلق عليها (الفكر والدعوة) مهمتها ترويج شعارات الاتحاد الاشتراكي (حرية، اشتراكية، وحدة)، والعمل على إقحام المثقفين بمختلف توجهاتهم في الانخراط في هذا الشكل السياسي. ومن تجربة الاتحاد الاشتراكي، وحتى إعلان سلطة الشعب سنة 1977وعلى وجه الخصوص في شأن المجتمع المدني، وعلى الرغم من تزايد عدد الجمعيات والنقابات والاتحادات فإنها ظلت عبارة عن امتداد للمؤسسات الرسمية، وتخضع للقوانين واللوائح والتعليمات في اختيار قياداتها، وفي بنيتها التنظيمية، وأمورها المالية، وفي أنشطتها المختلفة. وقد صدر القانون رقم (16) لسنة 1970 بشأن بعض الأحكام الخاصة بالجمعيات، ثم وبتاريخ 10سبتمبر 1970صدر القانون رقم (111) لسنة 1970بإلغاء المواد من (54) وحتى (68) من القانون المدني الخاصة بالجمعيات، وفي عام 1972تم توجيه الضربة القاضية لحرية التجمع والتنظيم. فقد تمّ إصدار القانون رقم (17) لتجريم الحزبية مُقرًا عقوبة الإعدام، وقد صاحب ذلك حملات اعتقال واسعة لجميع أطياف المجتمع، لاسيما بعد إعلان ما أسماه النظام «الثورة الثقافية»في العام 1973، حيث اعتقل أكثر من 300مثقف بينهم عدد كبير من الأدباء والكتاب. وتزايدت وتيرته مع حملات القبض المتكررة، التي أصبحت السمة البارزة طيلة حُقبة معمَّر القذَّافي، والتي طالت المثقفين والنقابيين والطلبة، وأيضًا المنتمين للتيارات السياسية المختلفة، وخاصة تيار الإسلام السياسي . كما انتهج النظام سبيل الاغتيالات، والملاحقات للسيطرة على كل من يعارضه في الخارج .

وفي 28ديسمبر 2001، صدر القانون رقم (19) لسنة 2001، بشأن إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية، ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار أمانة مؤتمر الشعب العام رقم (73) لسنة 2002، وملحقاته. وتنطبق الحالة ذاتها على النقابات والاتحادات والروابط المهنية، التي تعرضت بدورها للوصاية والسيطرة. فبالرغم من تأكيد المُشرِّع من خلال القانون (23) لسنة 1998، على حرية إنشاء النقابات، فإنه يتأكد لنا عند التدقيق في بعض مواده ضآلة هامش الحرية الممنوحة، كما يتدخل مؤتمر الشعب العام في إلغاء النقابات، وعملية دمجها مع أخرى. ولعلّ تجربة نقابة المحامين التي تم إلغاؤها خير مثال على ذلك .

السِّياق ذاته تم العمل على تأطير النشاط الثقافي ضمن مؤسسات تجمع المثقفين من أدباء وكتَّاب وفنانين، في شكل نقابي يجمع الكتل والجماعات والأنشطة الثقافية في كيان واحد يُدين بالولاء للسلطة الجديدة، وهو ما تمت الدعوة إليه بوضوح في المؤتمر الأول للأدباء والكتَّاب المُنعقد في بنغازي في فبراير 1972، والذي انبثق عنه ما سمي بالهيئة التأسيسية لاتحاد الأدباء والكتَّاب، الذي صدر قانونه الأساسي، ولائحته التنفيذية في يونيو 1976، كما صدر له لاحقًا في نفس العام القانون الأساسي لنقابة الفنانين، وقد نص القانون الأساسي للاتحاد والنقابة على «تولي وزير الدولة الإشراف والرقابة على الاتحاد لغرض تنفيذ أحكام القانون، واللوائح الداخلية «

وخلال أكثر من عشرين عامًا لم يمنح الأذن لأي مؤسسة ثقافية بممارسة النشاط الثقافي إلا في حالات خاصة وضيقة جدًا (جمعية المحيط الثقافي، صبراتة، وجمعية مزدة للتراث، والجمعية الأهلية لذاكرة المدينة – هون، وبيت درنة الثقافي)، وحتى المقاهي أصبحت لا تطيق لقاء أو تجمع للمثقفين بها، وحين قامت بعض الأصوات من الأعضاء الناشطين في رابطة الأدباء (الاتحاد سابقًا) على وضع قواعد تطور من طبيعة أعمالها، وتستقل بها نسبيًا عن اشتراطات الدولة، قامت الأخيرة ومن خلال أعلى سلطة تشريعية «مؤتمر الشعب العام»بإصدار قرار بحل الرابطة وإعادة بنائها بما يضمن إعادة ولائها المطلق لمؤسسات الدولة.
وهكذا أصبح الحراك السياسي الممكن خارج ليبيا حيث تشكلت كيانات معارضة للنظام منها:

1. الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا:

والتي عرَّفت نفسها بأنها تنظيم معارض لحكم القذَّافي في ليبيا، تأسست في السودان أكتوبر 1981، بقيادة المُعارض السياسي والدبلوماسي السابق بنظام القذَّافي (محمد يوسف المقريف)، وتسعى إلى الإطاحة بحكم القذَّافي وإنشاء بديل دستوري، وانتخابات حُرة ونزيهة، وحُُرية الإعلام، وقد استمرت الحركة مستقرة بالسودان حتى 1985، بعد أن قامت بأول محاولة انقلابية فاشلة بعد مهاجمة مقر القذَّافي، في باب العزيزية، ومن ثم انضموا إلى الجنود المنشقين عن الجيش الليبي في تشاد بعد هزيمتهم خلال حرب تشاد، ولكنهم خسروا موقعهم في تشاد بعد وصول (إدريس ديبي) للحكم والذي كان مواليًا للقذَّافي. وبمرور الوقت وثبوت عدم جدوى الكفاح المُسلح غيَّرت الجبهة سياساتها، وتخلت عن الكفاح المسلح، وتمسكت بالطرق السلمية، وانضمت للمؤتمر الوطني للمعارضة الليبية عام 2005، ولكنها انسحبت منه بعد ذلك نتيجة خلافات، وآخر تجمع كبير ظهرت فيه الجبهة الوطنية كان في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007، وبعد سقوط القذَّافي انبثق عنه في عام 2012، حزب الجبهة الوطنية.

2. الاتحاد الدستوري الليبي:

تنظيم سياسي مُعارض لنظام العقيد مُعمر القذَّافي أعلن عن تأسيسه في مدينة مانشستر البريطانية في السابع من أكتوبر 1981الموافق للذكرى الثلاثون للإعلان عن الدستور الليبي الذي نالت بموجبه ليبيا استقلالها سنة 1951، وطالب بإسقاط نظام القذَّافي ووصفه بالنظام غير الشرعي الذي اغتصب السلطة عن طريق انقلاب عسكري أطاح بالحاكم الشرعي للبلاد الملك محمد إدريس السنوسي في1سبتمبر 1969، وجدد رئيس التنظيم محمد عبده بن غلبون البيعة للملك محمد إدريس المهدي السنوسي، ودعى جميع فئات الشعب الليبي إلى الالتفاف حول عاهل البلاد، والانضِواء تحت لِوائه لإنهاء الحكم غير الشرعي القائم في ليبيا، ولم تلق الدعوة تجاوبًا من تنظيمات المعارضة الليبية في المهجر، ولم يُقدم عليها غيره. كما اهتم بالتصدي لمساعي نظام القذَّافي لطمس التُراث الوطني الليبي وإلغاء الهوية الوطنية، وذلك بإحياء المناسبات الوطنية المفصلية في التاريخ التي كان القذَّافي قد ألغاها وعاقب كل من يتذكرها أو يُحييها•.

3. مُنظمة التحرير الليبية:

تم إنشاؤها في القاهرة 1982بقيادة عبد الحميد البكوش، رئيس وزراء سابق في عهد الملك إدريس، وقد تسببت المنظمة في حرج بالغ للمسئولين اللبيبيين عام 1994، الذين أعلنوا مسئوليتهم عن اغتيال البكوش، ولكن حقيقة الأمر أنها كانت خدعة أمنية، وأن البكوش لم يكن قد اغتيل من الأساس.

4. الرابطة الليبية لحقوق الإنسان:

هي مجموعة تقول إنها استلهمت عملها من خلال أحد الدبلوماسيين الليبيين السابقين الذي تمرد على القذَّافي، وتم القبض عليه، وإعدامه مثله مثل الكثير من العقول الليبية المستنيرة التي أعدمها القذَّافي، وقد شاركت كذلك في المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية 2005، كذلك كانت من الناشطين خلال ثورة فبراير 2011، وتتخذ من جنيف مقرًا لها.

5. المؤتمر الليبي للأمازيغية:

تأسس يوم 17سبتمبر عام 2000، هو تنظيم سياسي مطالبي غير حزبي يتقاطع عمله بين العمل السياسي، والنشاط الأهلي. ويقدم ويُعرِّف المؤتمر الليبي للأمازيغية نفسه كمنبر عمل نضالي أمازيغي وطني ضمن باقي منابر العمل النضالي الأمازيغي، والوطني، وتركزت مطالبه على التضمين الدستوري، للمكون الحضاري الأمازيغي في الهوية والثقافة الوطنية الليبية، والاعتراف باللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، إلى جانب اللغة العربية، وإلغاء جميع التشريعات والممارسات الجائرة ضد الأمازيغ وحقوقهم.

6. المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية:

تم تشكيله في 2005من مجموعات معارضة (الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، الرابطة الليبية لحقوق الإنسان، منظمة التحرير الليبية، المؤتمر الليبي للأمازيغية، الاتحاد الدستور الليبي) وقاد هذه المجموعة مجموعة من المغتربين الليبيين وقد تأسست في لندن.

هذه الكيانات كانت تنظيمات سرية اتخذت طريق العنف ومنها تنظيم البركان، والجماعة الإسلامية المقاتلة والتي كانت على علاقة بتنظيم القاعدة .

السِّياق السياسي في مرحلة ما بعد القذَّافي

1. المؤسسات السياسية

المجلس الوطني الانتقالي وصدور الإعلان الدستوري وشرعنة الحياة السياسية والحزبية(قانون الأحزاب والانتخابات 2012 – 2014) : وعيًا منها بالتحديات السياسية والاقتصادية التي قد تواجهها البلاد في أعقاب النزاع المسلح قامت المعارضة الليبية بإنشاء مؤسسات مؤقتة يمكن أن تُقدم الإرشاد، والتوجيه وبعض الاستمرارية السياسية. كان أهمها المجلس الوطني الانتقالي الذي أتخذ أولًا من بنغازي مقرًا، وانتقل بعد ذلك إلى طرابلس عند نهاية النزاع. خلال هذا النزاع صاغ المجلس الوطنى الانتقالي خارطة طريق لمستقبل البلد السياسي وضع فيها تصورًالانتخابات وطنية لخلق مجلس تشريع وطني، وجمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد، وأصدرت الإعلان الدستوري 3أغسطس 2011.

انتخابات المؤتمر الوطني العام 2012: نظّمت انتخابات المؤتمر الوطني العام أولًا بمقتضى الإعلان الدستوري كما تم تعديله وفق القانون رقم (3) لسنة 2012، المتعلق بإنشاء المفوّضيّة الوطنيّة العليا للانتخابات، والقانون رقم (4) لسنة 2012، المتعلّق بانتخاب المؤتمر الوطني العام، كما تم تعديله وفق القانون عدد (14) لسنة 2012، المتعلق بتحديد الدوائر الانتخابية الخاصة بانتخابات المؤتمر الوطني العام.

رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل

بالنّظر للـ200مقعد داخل المؤتمر الوطني: تحصَّل تحالف القوى الوطنيّة على 39مقعدًا، وحزب العدالة والبناء على 17مقعدًا، وحزب الجبهة الوطنيّة على 3مقاعد، والوحدة من أجل الوطن وكتلة وادي الحياة للدّيمقراطيّة والتّنمية على مقعدين لكلّ منهما، وفي الجملة تحصّل 15كيانًاسياسيًا على مقعد واحد لكل منها، ممّا يكمّل الـ80مقعدًا المخصّصة لقائمات التّمثيل النّسبي. هذا وقد فاز المرشّحون الأفراد بالـ120مقعدًا المتبقية .

انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة مسودة الدستور (لجنة الستين) 2014: في 16يوليو 2013، اعتمد المؤتمر الوطني العام قانون انتخابي قائم على نظام الأغلبية، ودوائر انتخابية ذات مقعد واحد، وحجزت ستة مقاعد للنساء، وستة مقاعد أخرى لمجتمعات الأقليات الثلاث وهي: الأمازيغ والطوارق والتبو.اعترضت المجموعات التي تمثل هذه المجتمعات الثلاثة على القانون على أساس أنه لا يحترم بما يكفي حقوقها. وبدأت حملة عصيان مدني احتجاجًا على ذلك في 24يوليو 2013، شملت مقاطعة المؤتمر الوطني العام.

على إثر اتخاذ المؤتمر الوطني قرارًا في 23ديسمبر 2013، ينص على إجراء انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في فبراير 2014، وجهت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات رسالة إلى المؤتمر الوطني توصي فيها وفقًا للقانون الانتخابي للهيئة التأسيسية بإجراء الانتخابات في 20فبراير 2014. وقد كان، وبالرغم من أن مرشحي الطوارق والتبو سجلوا للاقتراع على المقاعد المخصصة لهم، هددت كلتا الطائفتين بمقاطعة التصويت. وفي يوم الاقتراع، حال قادة التبو والطوارق دون إجراء الاقتراع في دائرتي أوباري، ومرزق الانتخابيتين .

بسبب المخاوف الأمنية الناجمة عن الهجمات على مراكز الاقتراع، وممانعة بعض المجتمعات للانتخابات لم تفتح 115محطة اقتراع يوم الانتخاب أبوابها على الإطلاق، بما في ذلك 34مركزًا كانت مخصصة للمكون الأمازيغي، كما أجبرت 34محطة منها على إغلاق أبوابها خلال اليوم الانتخابي. وأسفرت الجهود الرامية من قبل المفوضية العليا للانتخابات إلى استئناف التصويت وفتح 22مركزًا. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم إنشاء مراكز اقتراع خاصة بالنازحين وللعاملين بالحقول النفطية، ولجرحى الثورة الذين يخضعون لإعادة تأهيل، وذوي الاحتياجات الخاصة .

انتخابات مجلس النواب2014: إن القانون الانتخابي لجمعية صياغة الدستور جعل الفترة الانتقالية تمتد إلى ما بعد فترة ولاية المؤتمر الوطني العام التي تنتهي في فبراير 2014. ولذلك أنشأ المؤتمر الوطني العام لجنةمعنية بوضع خريطة طريق للنظر في الاقتراحات المتنوعة بشأن إدارة المرحلة الانتقاليةبعد 7فبراير 2014وقد أطلق عليها «لجنة فبراير»، لتفسير الإعلان الدستوري لعام 2011. وقد حظيت اللجنة بقبول الكثير من الجهات، بينماعارضها فقط عدد من القادة والخبراء السياسيين من المنتمين لتيارات إسلامية.

بعد مناقشات مطوَّلة، صوَّت المؤتمر في 3فبراير 2014، وحسب توصيات لجنة فبراير على اعتماد خريطةطريق بشأن الترتيبات الانتقالية المستقبلية. وتنص خريطة الطريق على استمرار ولاية المؤتمرالوطني العام حتى يتسنى نقل سلطته إلى هيئة منتخبة دستورية .

وتوجه الليبيون إلى صناديق الاقتراع يوم الأربعاء 25يونيو 2014، للمشاركة في خطوة أخرى في التحول الديمقراطي في البلاد. ويخلف مجلس النواب، الذي يتألف من 200عضو منتخب، ومقره مبدئيًا في بنغازي، المؤتمر الوطني العام كهيئة تشريعية انتقالية في ليبيا، وفي نهاية اليوم، أدلى نحو 630ألف ناخب بأصواتهم، يمثلون 45 % من عدد الناخبين المسجلين والبالغ عددهم 1.5مليون شخص .

إلا أنه لم يكن هناك اقتراع في مدينة درنة في الشرق، وقد قاطعت بعض «المكونات» في دوائر بمناطق غرب طرابلس إضافة إلى الكفرة الانتخابات. وقد تأثر الاقتراع في 24مركزًا في أنحاء البلاد بأعمال عنف، لا سيما بنغازي وسبها والزاوية وسرت وأوباري. كما تم قتل أحد المرشحين، كما تم استبعاد 41مرشحًاوفقًا لقانون العزل السياسي والإداري .

أعلنت مفوضية الانتخابات الليبية في 11يونيو 2014، عن النتائج النهائية لانتخابات مجلس النواب في ليبيا، وأوضحت أن العملية الانتخابية قد حسمت نتائج 188مقعدًا من أصل 200مقعد، وهو العدد الكلي لمقاعد مجلس النواب. وتوزعت المقاعد الشاغرة بسبب الأوضاع الأمنية في دوائرها والبالغ عددها 12مقعدًا، على عدة دوائر فرعية أخرى، ويشهد مجلس النواب الجديد دخول شخصيات فيدرالية ليبية لأول مرة في الجسم التشريعي.

2. مرحلة انتقالية مستمرة ومرتبكة

تفاقمت أزمة حقوق الإنسان، وحكم القانون في ليبيا خلال عام 2014مع دخول البلاد في حالة نزاع أهلي ممتد تأخذ مستويات متعددة. فهناك صراع سياسي بين الإسلاميين الممثلين في حزب العدالة والبناء التابع لجماعة «الإخوان المسلمين»، والفصائل الجهادية مثل «أنصار الشريعة»، والتيارات الليبرالية تحت غطاء تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل. وهناك صراع مناطقي متمثلًا في التنافس بين مدينتي الزنتان ومصراتة في الشرق على القوة الاقتصادية، والنفوذ السياسي في طرابلس، أو بين أنصار الفيدرالية، وخصومهم في الشرق. كذلك هناك صراع آخر بين بقايا النظام القديم كرجال الأمن السابقين، والضباط المتقاعدين، والتكنوقراط السابقين من عهد الديكتاتور القذَّافي، وبجانب الكتائب المسلحة ممن لقبوا أنفسهم بـالثوار، وينتمي أغلبهم للتيار الإسلامي، أو متعاطف معه وهم في الغالب ممن تم نفيهم أو سجنهم أو كلا الأمرين، خلال حكم القذَّافي .

مرت ليبيا منذ اندلاع ثورة 17فبراير 2011إلى اليوم بأربعة مراحل انتقالية متتالية فمن سلطة توافقية أثناء النزاع المسلح (المجلس الوطني الانتقالي المؤقت) إلى سلطتين منتخبتين متنازعتين وهما (المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب). ثم تم إضافة حكومة ثالثة وهي التي تحظى الآن على التأييد والشرعية الدولية وهي حكومة التوافق برئاسة فايز السراج، والتي جاءت منبثقة من الاتفاق السياسي الناتج عن الحوار الوطني برعاية الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن الآن توجد في ليبيا ثلاث حكومات متنافسة بالفعل .

الاعتداء على الحراك الشعبي السلمي تحت اسم الشرعية الثورية (جمعة إنقاذ بنغازي، جمعة إنقاذ طرابلس):

جُمعة إنقاذ بنغازي: تم تنفيذ حراك شعبي أُطلق عليه «جُمعة إنقاذ بنغازي»في 8يونيو2013، حيث تجمع متظاهرون أمام مقر إحدى الميليشيات، وهي قوات درع ليبيا، للمطالبة بخروج أعضائها من المقر، وتسليم أسلحتهم. فأطلق عليهم أعضاء الميليشيا النيران، مستخدمين في ذلك أسلحة ثقيلة، ومضادة للطائرات، مما تسبب في مقتل 32شخصًا وجرح العشرات.

جُمعة إنقاذ طرابلس: على غرار بنغازي خرجت في طرابلس مظاهرة سلمية في مجملها يوم 15نوفمبر 2013. ضد سلوكيات الميليشيات المصراتية مع سكان طرابلس، وتم الاعتداء واسع النطاق على المتظاهرين حيث قامت ميليشيات معظمها من مدينة مصراتة، بإطلاق النيران من أسلحة ثقيلة على المتظاهرين. مما تسبب في مقتل ما لا يقل عن 46شخصًا، وجرح 500آخرين .

الحرب الأهلية تحت مسميان (الحرب على الإرهابعملية الكرامة – والدفاع عن الشرعية عملية الفجر): في منتصف العام 2014، أخذت البلاد مسارًاتصاعديًا نحو الحرب الأهلية، ففي الشرق قام فصيل منشق عن القوات المسلحة الليبية بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، بقصف الجماعات الإسلامية المسلحة في بنغازي وما حولها (عملية الكرامة)، كما خاضت الجماعات المسلحة قتالًا من أجل السيطرة على مطار طرابلس الدولي (عملية فجر ليبيا).

عملية الكرامة: بدأت قوات عسكرية تابعة للجيش الوطني الليبي في 16مايو 2014، بقصف قواعد تابعة لجماعات إسلامية مسلحة في بنغازي ومحيطها. قبل إطلاق عملية الكرامة بشكل رسمي عقد حفتر مؤتمرًا صحفيًا أذاعته قناة العربية أعلن فيه عن توليه زمام الأمور دون أي وجود حقيقي على الأرض، وقد أمضى حفتر ما يقرب من عام في حشد الدعم لعمليته بين المجموعات القبلية القوية في الشرق الليبي، كما انضم إلى حفتر جانب كبير من ضباط جيش القذَّافي السابقين، الذين شعروا وعانوا من تساهل المؤتمر الوطني العام مع الجماعات الإسلامية المسلحة بعد موجة الاغتيالات القوية لضباط الجيش، والأمن التي اجتاحت بنغازي.

كما انضمت مجموعة من الوحدات العسكرية سريعًا إلى قوات حفتر. وجيش برقة (أو قوة دفاع برقة)، ومقاتلين من عرقية التبو من مدينة الكفرة الجنوبية، والطوارق في منطقة أوباري جنوب غرب ليبيا، وتعهد حفتر بطرد الجماعات الإسلامية المسلحة، التي اعتبرها إرهابية، وضم حفتر جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجهات السياسية الفاعلة، وكذلك الكتائب المسلحة المسجلة إلى قائمة أهدافه.

في مساء يوم 18مايو2014، أعلنت مجموعة من ضباط في الجيش بقيادة حفتر أنه سيتم تعليق أعمال المؤتمر الوطني العام، وتكليف لجنة صياغة الدستور المؤلفة من 60عضوًا بأعماله، وهو ما رفضته لجنة الستين، بما كان ينذر بكارثة وقوع فراغ سياسي محقق للبلاد، وتم تفادي ذلك بالإعلان عن إجراء انتخابات تحت الإشراف والمراقبة الدولية، لاختيار مجلس النواب والذي اتخذ من طبرق مقرًا له، وانبثق عنه الحكومة الليبية المؤقتة.

عملية فجر ليبيا: بعدما فقدت فصائل مصراتة، والفصائل الإسلامية السيطرة على الهيئة التشريعية المنتخبة في البلاد. فقد أسفرت الانتخابات لاختيار مجلس النواب الذي تخلف المؤتمر الوطني العام، عن نتائج في غير صالح الإسلاميين. فقد خسروا في الانتخابات، كما كان المطاران الرئيسيان في البلاد (مطار طرابلس الدولي ومطار معيتيقة) في أيدي خصومهم الزنتانيين، المواليين للكرامة.

قامت غرفة عمليات الثوار الإسلامية بعمليات لطرد مقاتلي الزنتان من مطار طرابلس ومن منشآت استراتيجية في كل أنحاء المدينة في يوليو2014، وقد تلقت فيما بعد دعمًا من جماعات مسلحة من مصراتة، ومناطق أخرى من طرابلس والبلدات المحيطة بها في الغرب، بقصف مطار طرابلس الدولي، ردًامباشرًا على عملية الكرامة، استمر القتال طوال شهر أغسطس2014، فيما سيطر المصراتيون، وحلفاؤهم على مطاري طرابلس ومعتيقة بسرعة، ما أدى إلى فتح فصل جديد وخطير في الصراع .

3. حوار سياسي متواصل برعاية دولية ودعم إقليمي (الاتفاق السياسي بالصخيرات بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني)

الحوار الوطني: ثمة مبادرتان للحوار الوطني في ليبيا، المبادرة الأولى هي اللجنة التحضيرية للحوار الوطني الممولة حكوميًا، والثانية المبادرة التي أطلقها الأفرقاء السياسيون الليبيون ، وكانت اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء في أغسطس 2013للتحضير لحوار وطني شامل قد أحرزت تقدمًا. وأنشأت اللجنة هيئة استشارية يتألف أعضاؤها من ممثلي الأحزاب السياسيةالرئيسية، ومنظمات المجتمع المدني، والمناطق والجماعات العرقية ، ولكن سرعان ما توقف كل ذلك بعد إقالة رئيس الحكومة علي زيدان.

تواصلت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مع العديد من الأطراف المعنية لمحاولة التوصل لسبل إنهاء الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا من خلال الحوار. وقامت بدعوة لجولة جديدة من الحوار السياسي يوم 9ديسمبر 2014 . وبدأ الحوار فعليًا في 14يناير 2015في جنيف بمقر الأمم المتحدة. واستمر الحوار الوطني حتى في عقد جلساته وجولاته في المملكة المغربية، وتونس والجزائر.

وبعد الاجتماع مع طرفي الأزمة وتحديدًا بعد الانتهاء من الاجتماع بالطرف الثاني في طرابلس قام رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا بمؤتمر صحفي وضَّح فيه بعض النقاط المهمة الكفيلة بإنجاح الحوار الوطني. أولها المبدأ الأساسي بأن الحل الوحيد للأزمة الليبية هو التسوية السياسية. ولا يمكن إيجاد أي حل عبر الوسائل العسكرية، أو القتال، وأن يكون هذا الحل نتيجة للتوافق بين مختلف الأطراف المعنية سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي. كما تم الاتفاق على حضور ممثلين لمجلس النواب، والمؤتمر الوطني العام جلسات الحوار ، كما أكد أن عملية الحوار السياسي هي بقيادة ليبية، وأن الأمم المتحدة ستقوم بدور الميِّسر فقط بهدف المساعدة في عملية البحث عن أرضية مشتركة .

سعى اتفاق الصخيرات إلى تسوية النزاع بين مجلس النواب، والحكومة المرتبطة به، والمؤتمر الوطني العام وحكومته، وقد أنشأ الاتفاق مجلسًارئاسيًا عبارة عن سلطة تنفيذية تولت مهامها في طرابلس في مارس 2016، وكلفت بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وأيضًا تشكيل المجلس الأعلى للدولة الذي يتكون من أعضاء سابقين في المؤتمر الوطني العام. ونص على أن يستمر مجلس النواب بوصفه البرلمان الوحيد وأن يصادق على حكومة الوحدة الوطنية .

4. لجوء السياسيين ونشطاء المجتمع المدني والإعلاميين للعمل من خارج ليبيا بسبب البيئة غير الآمنة

في العموم، كان للمجتمع المدني دورٌ واضحٌ في الحراك السياسي. كما تمّ استقطاب العديد من المنظمات للتيارات الموجودة على الساحة، وتركت حالة الفوضى آثارها على النشاط الجمعياتي في ليبيا حيث قُتل العديد من الشخصيات النشطة في مجال العمل المدني، وتم تهديد شخصيات أخرى، وإرغامها على الخروج من ليبيا، ليصاب النشاط المجتمعي القائم على رصد الانتهاكات والدفاع عن الحقوق بضربة شبه قاضية . ونتج عن ذلك إنشاء عدة منظمات ليبية في عواصم عربية وأوروبية تعمل على رصد انتهاكات حقوق الإنسان، ودعم شتى ومختلف أجيال الحقوق، كما اكتسبت تلك المنظمات العديد من الخبرات المختلفة بموجب علمهم من مجتمعات مختلفة بما يحمله من اختلاف في أسلوب وسياق العمل.

كذلك أدى خروج السياسيين والإعلاميين إلى العمل من خارج ليبيا إلى ارتباط تلك الأحزاب والحركات السياسية بسياسات حكومات الدول المقيمين فيها، والتي هي في الغالب تساند أيدولوجيتهم وخلفياتهم السياسية سواء كانت مدنية أو عسكرية أو دينية، ونشطت تلك المجموعات من عدة بلدان عربية وأوروبية.

5. تدخل أطراف ومؤسسات دينية متطرفة على أجهزة الدولة الرسمية (الطرفين) ونشر خطابها المعادي للدولة المدنية ومبادئ حقوق الإنسان:

أولًا:التيارات الإسلامية المتشددة في ليبيا حوادث مهمة: يُعد الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي، ومقتل السفير الأمريكي في ليبيا كريستوفر ستيفنز خلال ذلك الهجوم هو الأبرز في سلسلة الهجمات التي شنها السلفيون منذ اندلاع ثورة 17فبراير 2011، كما دمرت مجموعات سلفية مسلحة مساجد وأضرحة صوفية في طرابلس ومصراتة وزليتن، كما اعتدى السلفيون على مقابر جنود بريطانيون قتلوا في الحرب العالمية الثانية، وهاجموا القنصلية التونسية بسبب معرض فني في العاصمة تونس اعتبروه مُسيئًا، وفجّروا مكتبًاتابعًا للصليب الأحمر الدولي ، كماقامت عدة جماعات مسلحة في شرق ليبيا بمبايعة داعش علنًا في نوفمبر 2014، وأعلنت عن إقامة «ولاية برقة، وتبنت مسؤولية عدد من الهجمات منها القتل الجماعي بالذبح لـ21من الأقباط المصريين قُرب سرت، وهجوم في 27يناير 2015على أحد فنادق طرابلس مما أسفر عن مقتل تسعة مدنيين.

في 20 فبراير 2015 ارتكبت جماعات مُسلحة تزعُم الانتساب إلى داعش هجومًا انتحاريًا مزدوجًا في بلدة القبة الشرقية، على مسافة 40 كيلومترًا من درنة، تسبب في قتل ما لا يقل عن 44 شخصًا وإصابة العشرات، كما عطلت المحاكم والنيابات بسبب الاستهداف المباشر للقضاة وأفراد النيابة من جانب المتشددين، وغياب الأمن بصفة عامة .

فائز السراج: رئيس حكومة الوفاق الوطني

6.دخول أطراف ومؤسسات دينية متطرفة على أجهزة الدولة الرسمية والتضييق على الحريات:

انتشرت التيارات الدينية المتشددة على الأراضي الليبية، وأبرزها تنظيمي داعش وأنصار الشريعة، بالإضافة إلى التيارات السلفية، وأبرزها السلفية المدخلية. التي شاركت في عملية الكرامة، واعتبروا حفتر قائدهم الشرعي، ومجلس النواب الحاكم الشرعي، وتُعتبر(كتيبة التوحيد) التابعة للتيار السلفي المدخلي، من أبرز كتائب حفتر، إذ كانت تمتلك فروعًا لها في عدة مناطق في شرق ليبيا مثلبنغازي وأجدابيا والبيضاء، قبل أن يقوم خليفة حفتر بحلها وتوزيع أفرادها على باقي الكتائب بعد كثير من الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قِبل تلك القبائل تجاه المواطنين المدنيين.

كما شهدت ليبيا في عام 2017عدة تجاوزات خطيرة للعديد من الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين شملت محاولات تضييق غير مسبوقة على منظمات المجتمع المدني، والحركات الاجتماعية، وعلى المواطنين بصفة عامة، وتعددت دعوات العنف والكراهية الصادرة عن مؤسسات دينية رسمية مثل هيئة الأوقاف، والشؤون الإسلامية، وبعض التيارات الدينية المتشددة على حد سواء، ووصلت إلى حد منع السلطات للمواطنين السيدات والشباب من السفر وحرية التنقل، إلى جانب الاعتقالات وإلصاق التهم الكيدية.

كما طالب التيار الديني صراحة بالفصل بين الذكور والإناث في الجامعات كما مارس ضغوطات على الحركات الفكرية والثقافية، فقاموا بحجز الكتب بعِلَّة أنها كُتب تدعوا للمسيحية والتشيُّع وداعش والماسونية والسحر والشعوذة والإباحية، حسب تعبيرهم، والخطير في الأمر أن مديرية أمن المرج مثلًا قامت في يناير من سنة 2017بعملية المصادرة بالتعاون مع هيئة الأوقاف، مما يدُل على عمق العلاقة بين التيار السلفي، والمؤسسات الرسمية والأمنية، وتغلغل العناصر والقيادات السلفية داخل الدولة وتأثيرها على صُنع القرار .

كما أعلن تجمع «تاناروت للإبداع الليبي» تعليق نشاطه حفاظًا على سلامة أعضائه بسبب تكرار حالات الاعتداء على مقر التجمع، وأعضائه في مدينة بنغازي من قبل المجموعات المتطرفة . هذا وتتالت خطب الجمعة الموَّحدة والبيانات التي تُصدرها هيئة الأوقاف التي يسيطر عليها التيار المدخلي، وتمحورت الخطب الموَّحدة حول تكفير وتخوين النخب الثقافية والأفكار التحررية وناشطي المجتمع المدني، وفي نفس الوقت الثناء والتقدير للقوات المسلحة الليبية بقيادة حفتر، مما مثَّلخطرًا حقيقيًا على سلامة هؤلاء الأفراد، ومثَّلعَقَبة حقيقية حول نشر ثقافة حقوق معتدلة ومنفتحة وترسيخ قيم حقوق الإنسان داخل المجتمع.

يحتم الوضع في ليبيا ضرورة البحث عن مداخل يمكن التوجه إليها لنشر الفكر الحقوقي وثقافة حقوق الانسان. ونظرا لتعثر الحياة الحزبية والذي أدى إلى اضمحلال خيار الأحزاب كاختيار طبيعي ومن ناحية أخرى فان بعض المداخل التي طالما اعتبر أدائها سلبيا فإن هذا لا يعني عدم التوجه اليها ومحاولة دفعها الى تغيير ادائها ليكون ايجابيا وبناء, ولعل ذلك ينطبق بشكل خاص على المنابر الدينية ووسائل التواصل الاجتماعي.
خالد زيو
محامي

ثالثا : السِّياق التشريعي والقانوني

الإعلان الدستوري وشرعنة الحياة السياسية والحزبية (قانون الأحزاب وقانون الانتخابات):

قام المجلس الوطني الانتقالي بإصدار الإعلان الدستوري 3أغسطس 2011، والذي يُحدد المبادئ التوجيهية لفترة مؤقتة. المادة 30من الإعلان الدستوري وتتناول تشكيل المؤتمر الوطني العام من خلال تنفيذ الخطوات التالية:

  1. إصدار قانون بشأن انتخاب المؤتمر الوطني العام.
  2. تعيين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
  3. دعوة انتخاب المؤتمر الوطني العام في 18يناير 2012.

 

كما قد ضمن الإعلان الدستوري حماية الحقوق المدنية والسياسية للجميع دون تمييز، وإجراء انتخابات في إطار احترام حرية تكوين الجمعيات وحرية التنظيم وحرية التنقل وحرية التعبير.

قانون الأحزاب: اعتمد المجلس الوطني الانتقالي رسميًا التشريعات المتعلقة برفع القيود التي تُجرم تشكيل الكيانات السياسية في 4يناير 2012، كما أصدر المؤتمر الوطني العام قانونًايُنظم تشكيل عضوية وأنشطة الأحزاب السياسية، وينصُ على أن الأعضاء المؤسسين لا ينبغي أن يكونوا أقل من 250عضوًا، كما يمنع على الأحزاب السياسية تشكيل أي وحدات عسكرية، أو شبه عسكرية (المادة 9)، أو تلقي تمويل من الخارج.

وتم وضع الإجراءات والمستندات اللازمة لتسجيل الحزب السياسي. ومن بين القيود الأخرى، كان ممنوعًا على الأحزاب السياسية تلقي تمويل من الخارج (المادة 18)، وصدر قانون مُنفصل عن المجلس الوطني الانتقالي في نهاية أبريل 2012يحظر تشكيل الأحزاب السياسية على أساس ديني أو عرقي أو قبلي، الذي تم الانقلاب عليه بسرعة من مجلس القضاء بعد احتجاج من الأحزاب السياسية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين .

غياب التشريعات المتعلقة بالمجتمع المدني: كان لغياب الدولة بعد الانتفاضة الشعبية في 17فبراير مبرر كاف لانتشار، وزيادة تأسيس الجمعيات الأهلية الخيرية لشغل ذلك الفراغ. فقد اتسمت أنشطة الجمعيات في البداية بالطابع الخيري والإغاثي، وخاصة في خلال أشهر الاقتتال ضد قوات القذَّافي، وانشغلت المنظمات بكل ما تتطلبه المرحلة من تسيير الاحتياجات المحلية للسكان. ولكن سرعان ما تحول نشاط هذه المنظمات إلى جانب نوعي فرضته طبيعة التطور في المرحلة الانتقالية الليبية، فبرزت موضوعات أكثر إلحاحًا مثل رصد انتهاكات حقوق الإنسان، وقضايا العدالة الانتقالية، والمصالحة الوطنية، وحقوق المرأة، ودور الشباب، والانتخابات، والتوعية، والثقافة المدنية .

ومع ذلك فمنذ انتفاضة فبراير وحتى الآن، لا يوجد قانون ينظّم عمل المجتمع المدني في ليبيا حيث تم تعطيل قانون الجمعيات رقم (19) لسنة 2001. ولعل ما هو موجود من إجراءات هي ضوابط تنظيمية فقط. فآلية التسجيل لهذه المنظمات مرت بمراحل مختلفة باختلاف مؤسسات المرحلة الانتقالية. ففي البدء، كانت عملية التسجيل تتم بشكل تلقائي إلى أن تم إيلاء المكتب التنفيذي (أول سلطة تنفيذية بعد 17فبراير) مهمة تسجيل المنظمات، وشكلت بموجب ذلك لجنة بهذا الخصوص .

وتولت وزارة الثقافة والمجتمع المدني في الحكومة الانتقالية عملية تسجيل الجمعيات، وقد تم لاحقًا تأسيس مركز دعم مؤسسات المجتمع المدني التابع للوزارة، وتم تسمية مجلس إدارته بتاريخ يوليو 2012بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (12) لسنة 2012 . كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 649لسنة 2013بتعديل اسم مركز دعم مؤسسات المجتمع المدني، إلى مفوضية المجتمع المدني، ويكون لها الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة. كما نص على أن دورها هو دعم مؤسسات المجتمع المدني فنيًاوتقنيًاولوجستيًا، فضلًا عن تنظيم عمل المنظمات الدولية التي ترغب بالعمل في ليبيا بالتنسيق مع الجهات المختصة وفق القوانين واللوائح المعتمدة .

وفي شهر فبراير 2016، قامت مفوضيّة المجتمع المدني الليبية، بإصدار لائحتين تنظيميتين وتفعيلهما، واحدة خاصة بالمنظمات المحلية، والثانية للمنظمات الدولية، وقد احتويتا على الكثير من الأمور التعسفية والتعجيزية، فعلى سبيل المثال: التوظيف يجب أن يتم بموافقة المفوضية. وعند القيام بنشاط، يجب أن تكون أسماء المشاركين والمدربين والمتحدثين عند المفوضية قبل انعقاد النشاط بأسبوعين على الأقل، ويجب أن تتحصل على موافقة المفوضية قبل القيام بأي نشاط.

بالرغم من أن المجتمع المدني في ليبيا قطع خطوات مهمة وفي وقت مبكر من أجل إصدار قانون للجمعيات. فقد شُكّلت لجنة لهذا الغرض بقرار من وزارة الثقافة والمجتمع المدني وكان أول اجتماع لها في ديسمبر 2011. وقد قدّمت بعد مشاورات مع المجتمع المدني الليبي والاستعانة بالخبرات المحلية والأجنبية مسودة القانون في 31مارس 2012. إلا أن التباطؤ الوزاري للحكومات المتعاقبة في عرضه على المؤتمر الوطني العام (المجلس التشريعي في ذلك الوقت)، أضاع الفرصة على مناقشته والتصديق عليه، مما أدى لغياب الحماية التشريعية عن منظمات المجتمع المدني، حتى أصدرت مفوضية المجتمع المدني تلك اللوائح المقيدة الخاصة بتنظيم عمل المنظمات المحلية والأجنبية .

قانون العدالة الانتقالية: أرسى الإعلان الدستوري في أغسطس 2011. نصوص قانونية كان لها الأثر المباشر على مسار العدالة الانتقالية في ليبيا ذلك أنها أرست المبادئ الأساسية لهذا المسار، ونظمت المتدخلين فيه، وتوالت بعده النصوص التي تعلقت بالعفو والتعويض وجبر الضرر والمحاسبة والمساءلة وإصلاح المؤسسات.
لا توجد استراتيجية واضحة في كل القوانين المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالعدالة الانتقالية مما يجعل بعض القوانين تتصادم مع بعضها لأن منها ما يُعالجانتهاكات الماضي بشكل مفرد وبمعزل عن المسار الوارد في القوانين التنظيمية الرئيسية للعدالة الانتقالية، ولكن المتتبع لمسار العدالة الانتقالية في ليبيا يُلاحِظ أن المسار يحتاج لاستقرار أمني واقتصادي ليكون ناجزًا وفاعلًا وهو ما ينعدم في المشهد الليبي، وما يُزيد الأمر تعقيدًا إغفال الطبيعة التشاركية لقوانين العدالة الانتقالية، حيث يجب أن يتشارك الجميع في صناعتها بحيث تكون نتيجة إفراز مناقشات وطنيةً، لذلك قبل أن يُصاغ كقانون يُفرض من قبل السلطة التشريعية، لابد أن يتم النظر فيه من جميع شرائح المجتمع ومناقشته من خلال منظمات المجتمع المدني، وروابط الضحايا وأسرهم، والنشطاء والمهتمين، وعلماء النفس وعلم الاجتماع، وغيرهم لبحثه، ومن ثم تقرير آلياته، وبعدها يتم تقرير مسارات العدالة الانتقالية الملائم للحالة الليبية، وهو ما لم يحدث، واقتصر على القوانين الفوقية المفروضة .

في 2ديسمبر 2013، أصدر المؤتمر الوطني العام قانون 29لعام 2013بشأن العدالة الانتقالية، الذي ألغى قانون السابق بشأن العدالة الانتقالية وهو قانون رقم 41لسنة 2012المُنقِّح للقانون رقم 17لسنة 2012بشأن إرساء قواعد المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية.وفي مارس عام 2014، شكَّل المؤتمر الوطني العام لجنة من أربعة أشخاص لوضع قائمة المرشحين لمجلس إدارة تقصي الحقائق والمصالحة. في 1أبريل 2014، إلا أنه بسبب التقلبات السياسية والإعلان عن انتخابات مجلس النواب، لم تستكمل اللجنة عملها ولم يتم بعد تعيين المجلس .

اذا اردنا اليوم التغيير فلا بد من العمل من الجذور, فالتحول من حالة الى حالة يتطلب تكاثف جميع الجهود والايمان بالفكرة من جهة والجهد الكبير من المجموعة أو الفرد الحامل للفكرة لاقناع البقية والعمل على درجات مختلفة للوصول الى الهدف. في ظل ما تشهده مجتمعاتنا العربية من تحولات اجتماعية وسياسية وسوسيولوجية جعلت منها مناطق مخبرية للجميع ومتحولة بصورة جنونية ولأن حقوق الانسان ومساواة النوع الاجتماعي والعدالة الاجتماعية تبقى الأسمى, وهي غاية كل الشعوب, أردت أن أتحدث عن أهمية إدماجها في السياسات العامة للدولة وللاحزاب باعتبارها الطاقة المتحولة الى كوادر الدولة عن طريق الانتخاب. اذن لابد من العمل على السياسات العامة التي هي الرسم الهندسي للدولة الذي تبنى عليه بقية البرامج بمختلف مجالاتها
سوار بن رجب
حزب التيار الديمقراطي

رابعا : السِّياق المؤسساتي

على مستوى السُلطة التنفيذية

1. حكومة الوفاق الوطني: تشكلت حكومة الوفاق الوطني في فبراير 2016، بموجب اتفاق الصخيرات، واختار تشكيلتها المجلس الرئاسي الليبي، وهو مجلس مُنبثق عن الاتفاق ذاته ويضم تسعة أعضاء يمثلون مناطق ليبية مختلفة يقودها فائز السراج، الذي ينتمي لحزب التحالف القومي الوطني. ونالت حكومة الوفاق يوم 23فبراير 2016، الثقة بالأغلبية، بعد أن أعلن مائة نائب من مجلس النواب المنعقد بطبرق موافقتهم على التشكيلة الوزارية المقترحة من المجلس الرئاسي وبرنامج عملها.

2. حكومة الإنقاذ: انبثقت عن المؤتمر الوطني العام الليبي في أغسطس 2014، توجد في طرابلس، ولم تحظ باعتراف دولي.سيطرت حكومة الإنقاذ على أجزاء واسعة من غرب وجنوب ليبيا نهاية 2014وبداية 2016، ولم تنف دعمها لـمجلس شورى ثوار بنغازي أثناء عملية فجر ليبيا. وأعلنت حكومة الإنقاذ يوم 5أبريل 2016، مغادرة السلطة وفسح المجال لحكومة الوفاق الوطني لتسلم الحكم بعد أقل من أسبوع من دخولها طرابلس، غير أن أعضاء من المؤتمر الوطني العام ومن حكومة الإنقاذ سيطروا يوم 14أكتوبر 2016، على مقار المجلس الأعلى للدولة في العاصمة طرابلس بالتعاون مع جهاز الأمن الرئاسي المكلف بحماية المجمع الرئاسي.

3. حكومة طبرق: انبثقت الحكومة المؤقتة عن برلمان طبرق، وتوجد بمدينة البيضاء شرقي ليبيا، كلفت بتشكيل حكومة موازية لحكومة طرابلس (الإنقاذ)، وحظيت حكومة طبرق بدعم حفتر، وبالرغم من أنها دعَّمت حكومة الوفاق ومنحتها الثقة بالأغلبية من مجلس النواب المنعقد بطبرق، فإنها اتفقت مع حكومة الإنقاذ في أكتوبر 2016على تشكيل حكومة وحدة وطنية .

على مستوى السُلطة التشريعية

1. المجلس الأعلى للدولة: حسب اتفاق الصخيرات فإن مجلس الدولة هو أعلى مجلس استشاري للدولة يقوم بعمله باستقلاليةوفقًا للإعلان الدستوري المعدل، ووفقًالاتفاق الصخيرات التشريعات الليبية النافذة ويكون له الشخصية القانونية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة.

2. المؤتمر الوطني العام في ليبيا: مؤسسة تشريعية خلفت المجلس الوطني الانتقالي الذي ساير الثورة الليبية. يتكون من مائتي عضو، ومن مهامه الرئيسية منح الثقة للحكومة، والتعيين في المناصب السيادية، إلى جانب إقرار الموازنة العامة .

3. مجلس النواب الليبي: هو السلطة التشريعية المنتخبة في ليبيا بدأ من 4أغسطس 2014خلفًا للمؤتمر الوطني العام. مقر مجلس النواب الليبي هو مدينة بنغازي إلا أنه وحسب الإعلان الدستوري بامكان النواب عقد جلساته في أي مدينة أخرى، حيث توافق غالبية النواب على اختيار مدينة طبرق التي تنْعَم بالهدوء النسبي لعقد جلساتهم عوضًا عن بنغازي، أو طرابلس اللتين شهدتا الأسابيع السابقة لتسلم مجلس النواب مهامه تدهورًا وانفلاتًا أمنيًا غير مسبوق.

عدد نواب المجلس هم 200نائب بينهم 12نائبًا لن يتم تمثيلهم حيث لم يتمكن المواطنون من انتخابهم في بعض المناطق الليبية التي تشهد تدهورًاأمنيًا مثل مدينة درنة، وقد قضت الدائرة الدستورية في المحكمة العليا في مقر انعقادها بطرابلس يوم 6نوفمبر 2014، حكمًا يقضي بعدم دستورية الفقرة الحادية عشرة من التعديل الدستوري السابع الصادر في مارس 2014، وما ترتب عليه من آثار، ما فُسر على أنه يحل مجلس النواب على خلفية «بطلان تعديل إعلان دستوري مؤقت انتخب بموجبه المجلس”.

وقد رفض مجلس النواب الليبي وتيارات سياسية ذلك الحكم، وشككت في نزاهة الحكم حيث كانت قوات من (فجر ليبيا)حول المقر، في حين أكدت عدة بلدان ومنظمات دولية اعترافها بمجلس النواب الليبي باعتباره الجهة المنتخبة، من جهة أخرى أعلنت لجنة فبراير والتي أًسند إليها (مقترح فبراير) من قبل المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته أن حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا لا يمس شرعية مجلس النواب المنتخب .

على مستوى السُلطة القضائية

1. المجلس الأعلى للقضاء: نصت المادة (126) من قانون نظام القضاء على أنه: يقوم على شئون القضاء مجلس أعلى للهيئات القضائية، ومن أبرز الضمانات التي يُمكن الإشارة إليها أن إدارة شئون المحاكم والنيابات موكولة إلى هيئة مؤلفة من أعضاء الهيئات القضائية، وهي المجلس الأعلى للهيئات القضائية، مما يضمن عدم تدخل السلطة التنفيذية في شئون القضاء بما في ذلك وزير العدل، وكذا من خلال الأسلوب المتبع في تعيين القضاة ونقلهم وترقياتهم وتأديبهم وعزلهم الذي يخضع لأحكام قانون نظام القضاء تشريعًا وإلى سلطة المجلس الأعلى للهيئات القضائية تطبيقًا .

2. المحكمة العليا: هي جهة تُراقبوتُشرف على الأحكام التي تُصدرها المحاكم المختلفة لكي يتم هذا التطبيق صحيحًا، وأن يتوحد فهم القانون لديها، وقد آثر المُشرِّع الليبي أن يسميها المحكمة العليا. إن المبادئ التي تُقررها المحكمة العليا في أحكامها مُلزمة لجميع المحاكم والسلطات في الدولة، وأُنشئت عقب إصدار قانون المحكمة العليا الاتحادية بتاريخ 10نوفمبر 1953، الذي تم تعديله بالمرسوم الصادر بتاريخ 3نوفمبر1954 .

على مستوى المؤسسات الوطنية

1.مفوضية المجتمع المدني: استنادًا على قرارات حكومية وفي غياب تشريع مُنظم لمؤسسات المجتمع المدني صدر قرار مجلس الوزراء رقم (649) لسنة 2013، بتعديل اسم ومركز دعم مؤسسات المجتمع المدني، إلى مفوضية المجتمع المدني، ويكون لها الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة. كما نص على دورها في دعم مؤسسات المجتمع المدني فنيًاوتقنيًاولوجستيًا، فضلًا عن تنظيم عمل المنظمات الدولية التي ترغب بالعمل في ليبيا بالتنسيق مع الجهات المختصة وفق القوانين واللوائح المعتمدة .

2.المجلس الوطني للحرّيّات المدنيّة وحقوق الإنسان: رغم الترحيب بنشأته بقرار من المجلس الوطني الانتقالي كأول مجلس وطني للحريات المدنية وحقوق الإنسان، أُنشئ بغرض حماية حقوق الإنسان، والرقي بها، فإن المجلس الوطني للحريات المدنية وحقوق الإنسان يبقى مجلسًا حديث النشأة، وتبقى قراراته وتأثيره موضوع تقييم. وتم تعيين أعضائه من قِبَلْ المجلس الوطني الانتقالي، وكلهم من الحقوقيين المدافعين عن حقوق الإنسان، ومن الشخصيات المعروفة داخل مجموعاتهم .

3.المفوضية العليا للانتخابات: تأسست المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بموجب أحكام القانون رقم (3) لسنة 2012، الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي بتاريخ 18يناير 2012، وهي هيئة وطنية فنية غير سياسية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، والذمة المالية المستقلة، ومقرها مدينة طرابلس ولديها عدد (17) مكتبًا انتخابيًا موزعة على جميع أنحاء ليبيا .

4.المجالس المحلية: قام مجلس وزراء الحكومة الليبية المؤقتة بإصدار قرار بتسمية البلديات الليبية، لتكون تابعة إلى وزارة الحكم المحلي، وفي 30نوفمبر 2013، تمت انتخابات المجالس البلدية تحت إشراف اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية، وهي لجنة مُشَكَّلة من قِبَلْ الحكومة الليبية المؤقتة، وكُلِّفت بالتحضير للانتخابات البلدية. وتشمل مجالس البلديات وفقًا لقرار الحكومة سبعة أعضاء من بينهم الرئيس على أن يكون من بين هؤلاء السبعة ممثلًا عن الثوار السابقين الذين فقدوا أحد أطرافهم خلال ثورة 2011، إضافة إلى مقعد للمرأة، وتمارس وحدات الإدارة المحلية في حدود السياسة العامة، والخطط العامة للدولة إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها، والإشراف على موظفيها تحت التوجيه العام لوزارة الحكم المحلي .

5. هيئة دعم وتشجيع الصحافة: أُنشئت بموجب القرار رقم 5الصادر عن المكتب التنفيذي التابع للمجلس الوطني الانتقالي، ونص قرار الإنشاء على أنه يتبع الهيئة كل ما في المؤسسة العامة للصحافة سابقًاوجميع الصحف العامة التابعة للدولة الليبية، وتتبع هذه الهيئة وزارة الإعلام. تسعى لتحسين الوضع الصحفي في ليبيا، واتخذت من أجل ذلك إجراءات رأت أنها ضرورية لرد اعتبار الصحفيين الليبيين بعد معاناة لعقود طويلة من تكميم الأفواه وحجب لحرية الرأي والصحافة.

خامسا : حقوق النساء في ليبيا

حُرمت المرأة الليبية لعقود طويلة من الحق في المساواة مع الرجل، كانت البيئة التشريعية في عهد القذَّافي مُكبِلة للمرأة ومتقلبة ومتناقضة كما لعبت التقاليد الاجتماعية والثقافية الموروثة دورًا سلبيًا في تطوير واحترام حقوق النساء في ليبيا. وعلى الرغم من عدم تفريق القانون ما بين النساء والرجال في عهد القذَّافي فكان الحضور النسائي على مستوى اللجان والمؤتمرات الشعبية محتشمًا، فعلى سبيل المثال حضور الرجال لجلسات المؤتمرات الشعبية في الدورة المحلية لعام 2005ولجميع شعبات بلديات ليبيا وصل (161,144) أما حضور النساء فبلغ فقط (40,485) أما سجل المرأة في تولي المناصب والوظائف السياسية والقيادية فكان ضعيفًا جدًا، فعلى سبيل المثال 6نساء فقط تولين مناصب في أمانة المؤتمر الشعبي العام في الفترة منذ 1997وحتى 2006، كما انحصر دور المرأة في السلطة التنفيذية في القطاعات الخدمية كالصحة والتعليم، وتقليد النساء في منصب الوزير اقتصر على وزارات التعليم والإعلام والثقافة والشئون الاجتماعية.

أما فيما يتعلق بالنظام القضائي فقد تم تشجيع المرأة في التسعينيات من القرن الماضي على المشاركة في النظام القضائي، وبموجب قرار اللجنة الشعبية العامة رقم (517) لسنة 1989أصبح للمرأة الحق في تقلُّد الوظائف القضائية إلا أنه حتى الآن لا توجد امرأة مستشارة في المحكمة العليا، كما يمكن القول إن ظاهرة عدم استقرار وإلغاء ودمج كثير من المنظمات والمؤسسات التي تسعى إلى تدعيم وتعزيز دور المرأة أدى إلى ترك فجوة على مستوى القاعدة.

يوجد صور كثيرة للتمييز وعدم المساواة في الإطار التشريعي الليبي حيث يسمح القانون الليبي بتعدد الزوجات، كذلك لا يسمح للمرأة الليبية بنقل الجنسية الليبية إلى أبنائها من غير الليبي أو لزوجها، كما يتم التمييز ضد المرأة في قانون العقوبات فيما يتعلق ببعض قضايا الزنا، فتسمح بتخفيف العقوبات على الرجل الذي يقوم بقتل إحدى قريباته من الدرجة الأولى لاقترافها الزنا، كما أن عقوبة الاعتداء الجسدي على المرأة لا تتجاوز الحبس لمدة عامين، كما أن الضرب والإصابات الخفيفة لا يُعاقب عليها القانون .

النساء وانتخابات 2012: يتميز المجتمع الليبي تقليديًا بدرجة كبيرة من المحافظة فيما يتعلق بدور النساء في الحياة العامة، مما حد من قدرتهن على إجراء حملة انتخابية نشيطة. وقد واجهن المرشحات حواجز أكثر من تلك التي واجهها المرشحون الرجال والتي من بينها كذلك تدخل الرجال في اختيار المرأة السياسي. وتم الضغط على بعضهن للانسحاب من الساحة السياسية لعدم تلاؤمها مع التقاليد الدينية فقد تم الحد من قدراتهن على أخذ الكلمة أمام الجمهور ومن إجرائهن لحملة انتخابية ميدانية. وقد تم تسجيل تمزيق الملصقات الإعلانية الخاصة بالنساء بصفة أكبر من تلك المتعلقة بالرجال، وذلك في العديد من أنحاء البلاد.

عوَّلت أغلب النساء على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى شبكة علاقاتهن الخاصة المهنية، أو الشخصية، ونشاطهن في منظمات المجتمع المدني. وقد اشتكت النساء من نقص في المعلومات الانتخابية التي من شأنها توضيح مزايا، وآثار التنافس كمرشحات أفراد، أو صلب الأحزاب.

وقد شكَّلت النساء 45% أي 1.3 مليون من مجموع الناخبين المسجلين. تم تضمين إجراء خاص في القانون الانتخابي يُلزم الأحزاب السياسية على إعمال قاعدة التناوب بين الرجال والنساء أفقيًاورأسيًا داخل قائمتهم الانتخابية، مما مهَّد الطريق لترشح 545 امرأة أي بنسبة 45.2% مقارنة بـ662 مرشحًا.

بالنسبة لقائمات الأحزاب السياسية تم انتخاب 32 امرأة، 22 منهن من تحالف القوى الوطنية، و6 من حزب العدالة والبناء، ومن الرغم من تجديد نظام الانتخاب التّشجيعي، فإنه لم يتمّ اتخاذ، على أساسه، إلا إجراءات خاصة محتشمة .

نجد أن كونية حقوق الانسان تجعل منها وثيقة الصلة بالعديد من المسائل المهمة, وبما أن منظمات المجتمع المدني هي العمود الفقري لأي عمل حقوقي, لذلك أوجب الأمر التكفل بها ومزيد تدعيمها للقضاء على الكثير من الظواهر السلبية في المجتمع, لذلك استوجب الأمر عمل جدي وفعال بين منظمات المجتمع المدني بين دولتين جارتين ليبيا وتونس, لضرورة وجود جملة من العوامل لاشتراك التجربة الديمقراطية بين المجتمع المدني في تونس وليبيا مع أهمية تدعيم دور ادماج حقوق الانسان ومساواة النوع الاجتماعي في برامج وسياسات الاحزاب السياسية مما يطرحه من ضرورة عمل جدي مع الاحزاب للوصول للسلطة التي يجب أن يكون جملة من الزخم الثوري وتطلعات للمستقبل الافضل والمنشود مع تأكيدي على ضرورة وجود المزيد من تدعيم العمل المشترك بين ليبيا وتونس
سهى الورتاني
محامية

سادسا : السِّياق المجتمعي

ما بعد ثورة 17 فبراير وبناء على تأثير التطورات السياسية على آليات التطبيق والممارسة الفعلية على الأرض، تراجع دور القبيلة سياسيًا وتم توظيفها في هذا الإطار على أضيق الحدود، لكن مازالت القبيلة تلعب دورًامهمًا في الجانب الاجتماعي وتساهم في التخفيف العديد من التوترات، وهو ما يمكن معه القول إنه يتم المبالغة في وصف ليبيا على أنها مجتمع قبلي.

ساعد عنصر التنوع ليبيا من الناحية الجغرافية (برقة – طرابلس – فزان) وتنوعها الإنثروبولوجي، والاجتماعي، ووجود حساسيات منطقية، والتعدد الثقافي (أمازيغ – تبو – طوارق – عرب) إلى كثير من الإشكاليات التي مازالت ترمي بظلالها على حالة حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي، وصنعت إشكاليات عدة على الصراع من أجل إقرار حقوق تلك الأقليات أو النسبة التمثيلية داخل المؤسسات التشريعية (المجالس التشريعية والهيئة التأسيسية لصياغة الدستور).

أدى غياب الإعلام المهني، واصطفاف المنابر الإعلامية في الصراع السياسي، إلى انتشار خطاب الكراهية والتحريض على العنف، ضد المعارضين والاتجاهات الأخرى، كذلك كان النشطاء الحقوقيون والأكاديميون في مرمى تلك الخطابات، وهو ما جعل حياة العديد من النشطاء والإعلاميين الليبيين مستحيلة داخل ليبيا، وأدى ذلك إلى خروجهم إلى كثير من العواصم العربية والأوروبية والآسيوية.

مازالت المؤسسات التعليمية والنظام التعليمي في ليبيا شبه خالية من برامج المواطنة وحقوق الإنسان، كذلك تدخلت العديد من الجماعات الدينية المتشددة في أعمال المدارس، والجامعات سواء لتغير أو تنقيح أو إلغاء المناهنج على أسس دينية متشددة، أو للفصل بين الذكور والنساء.

كما أن الفترة التي انتشر فيها العمل الأهلي وتعددت المنظمات الدولية الفاعلة في ليبيا في كل مجالات قبل اشتداد الحرب الأهلية وخروج المجتمع الدولي من ليبيا، أدت أن المجتمع أصبح أكثر قابلية على الانفتاح من ثقافة المجتمعات الأخرى والاستفادة من تجاربها، إلا إنه بالرغم من قابلية الانفتاح والتواصل مع الثقافات الأخرى، وبسبب النزاع المسلح والانقسام السياسي والمؤشرات الجهوية تكونت حالة تشكيك في الدور الخارجي في المسألة الليبية وانتشار نظرية المؤامرة . 

بناء القدرات: خطوط ارشادية

في إطار إعداد هذا الدليل الإرشادي لدمج حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعى في برامج وسياسات الأحزاب في تونس وليبيا، تم إجراء مُقابلات ولقاءات مع مجموعة مُختارة ومُتنوعة من أعضاء وعضوات أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني وخبراء، والشباب الناشط في الحياة الحزبية ومُؤسسات المجتمع المدني. وكان الهدف هو التعرف على واقع حقوق الإنسان ومُساواة النوع الاجتماعي في برامج وسياسات ومواقف الأحزاب. وتجدُر الإشارة إلى أن المقابلات واللقاءات أظهرت اختلافات واضحة بين السياقين الليبي والتونسي، وهو ما تطلب استكشاف المداخل الملائمة للوضع في كل بلد من حيث منهجية العمل والأطراف الفاعلة في ظل وجود تجربة حزبية متبلورة لحد كبير (تونس)، أو في ظل أوضاع غير مستقرة مع ضعف وهشاشة التجربة الحزبية (ليبيا).

في هذا السياق، يتضمن هذا القسم من الدليل استعراضًا لنتائج المقابلات واللقاءات ليعطي صورة عن موقع حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي في المجال الحزبي في تونس وليبيا، وكذلك المحددات العامة التي تؤطر علاقة الأحزاب بقضايا بعينها من المنظور الحقوقي والنوعي، والتي يمكن أن تكون مرشدًا للتعرف على الفرص والتحديات التي يُمكن أن تُؤخذ في الاعتبار في المبادرات المعنية بدمج حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي في المجال الحزبي. وعليه يتضمن هذا القسم كذلك اقتراحات يمكن الاستفادة منها في تصميم استراتيجيات وخُطط بناء قدرات للقيادات الشابة والوسيطة بالأحزاب السياسية لتفعيل دورهم في دمج مبادئ وقيم حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي في المجال الحزبي.  

حالة تونس

حقوق الإنسان في برامج ومواقف الأحزاب

عاشت تونس خلال النظام القديم في ظل قيود سياسية صارمة طالت القوى السياسية والمدنية على حد سواء، وكانت النتيجة غياب حياة سياسية وفق المعايير الديمقراطية، كما تعرضت منظمات المجتمع المدني، وخاصة حركة حقوق الإنسان التونسية، لتحديات وتهديدات كبرى. ولكن مع اندلاع ثورة الياسمين شهد المجتمع التونسي انفتاحًا كبيرًا لم يعهده من قبل، فتأسست أعداد كبيرة من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والحركات الشبابية، واتسع نطاق الأحزاب إلى درجة أن الكثير من الأحزاب المسجلة ليس لها وجود على أرض الواقع.

وإلى جانب هذا التنامي في أعداد الفاعلين في المجتمعين السياسي والمدني، وكذلك القوى والجماعات ذات التوجهات الدينية والسلفية، وفي ظل التحولات الكبرى التي شهدتها البلاد والمنطقة، كان لحقوق الإنسان حظها في الوجود، فقد أصبحت اللغة الحقوقية حاضرة في معظم الخطابات، حتى تلك التي أعتبرت من المنظور الأيدولوجى خطابات محافظة. وقد أصبحت حقوق الإنسان، بموجب الدستور التونسي لعام 2014، إحدى ركائز النظام السياسي ومن ثّمْ فإن الأحزاب مُلزمة بأن تتبنى لغة لا تتناقض مع الحقوق. وبهذا المعنى فإن مرجعية الأحزاب كافة، من الناحية النظرية، لا تتضمن ما يُخالف مبادئ حقوق الإنسان، ولكنها تتفاوت في درجة التعبير عنها.

وقد أوضحت المقابلات عددًا من الجوانب الكاشفة لطبيعة تبني المبادئ الحقوقية من قِبَلْ الأحزاب، والشروط التي تخلق فجوة بين الالتزام النظري بالحقوق كواقع دستوري، والالتزام الفعلي بها من خلال البرامج والممارسات والمواقف. وفيما يلي استعراض لأهم هذه الجوانب:

  • بداية ينبغي الإشارة إلى طبيعة الأحزاب ككيانات سياسية تتسم بالبراجماتية، وهذا ما يجعل من حقوق الإنسان قضية تخضع لشروط المصالح السياسية، مثلًا بأن يكون خطاب الأحزاب عن بعض حقوق الإنسان مجرد وعود انتخابية، أو يتم تجاهل بعض الحقوق إذا ما كان الدفاع عنها يؤثر على صورة الحزب أو القيادات الحزبية. وقد برز هذا في الكثير من المواقف التي توضح إما تحفظات من قبل بعض الأحزاب إزاء قضايا ذات صلة بالحقوق والحريات، وإما مواقف متضاربة، فيتم مساندة حقوق بعينها إذا توافر المناخ الضاغط لقبولها (مثال قانون مكافحة العنف ضد النساء)، أو غض الطرف عن حقوق أساسية إذا ما كان
  • تيار أصحاب المصلحة المعادي لحقوق الإنسان هو الأقوى (مثال قانون المصالحة الاقتصادية المُثير للجدل).
  • لأن معظم الأحزاب السياسية في تونس تأسست بعد عام 2011، فقد كان من الطبيعي أن تتبنى نفس اللغة، فجميعها تتحدث عن نفس المشاكل والحلول. وكان للغة حقوق الإنسان حظها في خطاب الأحزاب. ولكن بمرور الوقت طغت المحددات المتعلقة بالخلفيات السياسية والأيدولوجية للأحزاب، وما يرتبط بها من مصالح وتوازنات سياسية سواء داخل الأحزاب أو في علاقتها بالأطراف الأخرى في المجتمع.
  • ومع ذلك يرى البعض أن التجربة الحزبية في تونس رغم ما تشهده من زخم وانفتاح غير معهودين، فإنها مازالت تجربة وليدة، وأن الأحزاب في مُجملها، ربما فيما عدا حركة النهضة، في طور التشكل. وينطبق هذا على الأحزاب التي تأسست بعد 2011، أو تلك التي كانت موجودة قبل ذلك في ظل قيود النظام القديم، مما اضطرها للعمل السري. وبالتالي فإن الهاجس الأساسي لهذه الأحزاب هو المحافظة على شروط البقاء، وخاصة الكبيرة منها.
  • تظهر حقوق الإنسان في خطاب الأحزاب ضمن لغة عامة، ووصفها البعض بالفضفاضة. وقد تم الإشارة إلى أن حقوق الإنسان كمفهوم متكامل لا توجد في خطاب الأحزاب، وإنما يتم ذكر جوانب منها حسب التوجهات السياسية والمرجعيات الفكرية للحزب. ومع ذلك، فإن حقوق النساء كانت الأكثر بروزًا في خطابات الأحزاب، ويرى البعض أن هذا الحضور يجب النظر إليه سياسيًا، فالاهتمام بحقوق النساء تزايد وقت الانتخابات لغراض التصويت والتعبئة. ويبرُز الحديث عن حقوق النساء والشباب وقت الانتخابات في خطاب الأحزاب الكبرى، أما الأحزاب الصغيرة التي ليس لها تمثيل في البرلمان فإنها لا تُركِّز كثيرًا على هذا الجانب.

وفيما يتعلق بالمواقف العملية، فقد تعددت الآراء بشأن مدى التزام الأحزاب السياسية بمبادئ حقوق الإنسان في مواقفها تجاه بعض القضايا والأحداث. وهنا نلحظ اختلافًا بين آراء المنتمين والمنتميات للأحزاب ومن ينتمون للمجتمع المدني، وهو اختلاف بين آراء تسعى لتقديم تبرير وتوضيح لمواقف الأحزاب، وآراء تنتقد هذه المواقف. ففي حين اتجه الحزبيون/ات إلى عرض الشروط السياسية التي تؤثر على أداء الأحزاب والتي تفرض وضع أولوليات، فقد تراوحت آراء المنتمين إلى المجتمع المدني بين النقد الكامل لمواقف الأحزاب من قضايا وانتهاكات معينة، ومحاولة تفسير أسباب هذه المواقف من المنظور السياسي والأيدولوجي. وفيما يلي استعراض لأهم القضايا والمواقف التي تم ذكرها لقياس مدى التزام الأحزاب بمبادئ حقوق الإنسان:

  • جاءت قضية مشاركة النساء في الأحزاب ومسألة التناصف على رأس قائمة القضايا التي تمت إثارتها لقياس مدى التزام الأحزاب بمبادئ حقوق الإنسان وعدم التمييز. وقد أوضحت المقابلات، بتقديرات وتبريرات مختلفة، أن الأحزاب لم تلتزم بمبدأ التناصف جزئيًا أو كليًا. وإذا كان البعض قد فسر ذلك بالطبيعة الذكورية للأحزاب وعالم السياسية بشكل عام، فقد كان هناك بالمقابل آراء تُفسر المسألة من زوايا أخرى منها أن مسألة التناصف لم تكن حلًا سليمًا وموفقًا لتعزيز مشاركة النساء، بل كانت نتائجها عكسية بسبب وصول نساء لا يملكن ما يكفي من الكفاءات والالتزام بحقوق الإنسان إلى مواقع قيادية، ومن ناحية أخرى عبرت آراء عن رفض فكرة التناصف والتعويل على الكفاءة كمعيار أساسي.
  • تم التطرق كذلك إلى قضية المساواة في الإرث، وقد بدا واضحًا أن هذه القضية لم تلق دعمًا من مجمل الأحزاب، إما بسبب أنها ليست من الأولويات، وإما لأسباب أيدولوجية، أو بسبب تجنبها لحساسيتها الاجتماعية والثقافية. ومع ذلك فإن التطورات اللاحقة التي شهدها المجتمع التونسي بشأن المساواة في الإرث تُعد خطوة إيجابية، ولكنها لاتزال محل جدل.
  • من القضايا التي تم التطرق إليها كذلك قضية الحقوق الشخصية والجنسية، وقد أظهرت المقابلات أن هذه القضايا، بما لها من حساسيات ثقافية واجتماعية، كانت كاشفة للكثير من المواقف، ليس فقط فيما يتعلق بالمواقف العامة للأحزاب والتي في الغالب تتجنب الخوض في مثل هذه القضايا، ولكن أيضًا على تضارب المواقف داخل الحزب الواحد، فثمَّة التزام من بعض الشخصيات القيادية بالدفاع عن هذه الحقوق، ولكن هذا الالتزام لا يتم ترجمته في مواقف حزبية عامة.
  • تطرقت المقابلات كذلك إلى قضية حُرية الفكر والاعتقاد نظرًا لبعض الأحداث التي شهدتها البلاد، ومنها الجدل بشأن عرض فيلم بقناة نسمة، ومُعاقبة شخصين بالسجن بسبب رسم كاريكاتوري. وفي هذا السياق بدا أن الإطار الفكري والأيدولوجي للحزب عامل مؤثر، فالأحزاب الليبرالية واليسارية تميل نحو الدفاع عن حرية الفكر والاعتقاد، مقارنة بالأحزاب التي تكون خلفيتها دينية أو قومية.
  • وأخيرًا تأتي مسألة عقوبة الإعدام كأحد المؤشرات على مدى التزام الأحزاب في مواقفها من مبادئ حقوق الإنسان، وعلى ما يبدو أن هذه القضية لم تكن موضع جدل كبير، وخاصة في ظل الأحداث الإرهابية التي شهدتها البلاد.

وبالتالي فإن وجود مفردات حقوق الإنسان في خطابات الأحزاب ليست حالة ساكنة، وإنما هي حالة ديناميكية يخلُقها التفاعل بين محددات متنوعة، ويمكن تقييمها في الممارسات والمواقف والخطابات المُعبرة عنها. وتظل الحقوق ذات الحساسية الثقافية وفي مقدمتها الحقوق والحريات المرتبطة بالمرأة، وحرية الفكر والاعتقاد والحقوق الشخصية والجنسية هي الأكثر إثارة للجدل. ومع ذلك ينبغي ملاحظة أن الفترة الأخيرة شهدت، لأسباب سياسية وأخرى مرتبطة بضغوط الحركات النسوية والقوى المدنية، تطورات إيجابية في هذه المنظومة الحقوقية، ممثلة في قانون مكافحة العنف ضد المرأة، وزواج التونسيات بغير المسلم، فضلًا عن المساواة في الإرث، وذلك مقارنة بقضايا أخرى تتعلق بمكافحة الفساد وإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

الحوكمة والديمقراطية الداخلية

هناك علاقة وثيقة بين الديمقراطية الداخلية للأحزاب وحقوق الإنسان، انطلاقًا من أن الالتزام بالحقوق لا يعني فقط تبني مطالبات حقوقية، ولكن كذلك بأن تكون الأحزاب كيانات وفضاءات لممارسة وتعلم الديمقراطية وحقوق الإنسان وخاصة للشباب. وفي هذا السياق فقد تناولت المقابلات موضوع الديمقراطية الداخلية للأحزاب ومدى توافقها مع مبادئ حقوق الإنسان. وقد أظهرت النقاشات تفاوتًا في التقديرات لهذا الأمر وإن كان الاتجاه العام يُشير إلى أن الأحزاب السياسية مازالت تفتقر إلى وجود آليات ديمقراطية داخلية فعالة تسمح بالمشاركة في عمليات صُنع القرار، وإفساح المجال أمام الشباب للمشاركة بشكل ملموس في المواقع الحزبية المختلفة. ومجددًا برزت مسألة التناصف كأحد المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس مدى ديمقراطية الأحزاب داخليًا. وبشكل عام فإن تفاوت الآراء يكشف عن أن بعض الأحزاب أفضل من الأخرى نسبيًا، ومع ذلك فثمة آراء ترى أن ثمة غياب تام للديمقراطية الداخلية في الأحزاب وأن المعيار الحاكم هو الولاء وأن الشباب مجرد قوى عاملة في الأحزاب إلا عدد قليل منها.

وقد حظيت مسألة وجود لجان أو أطر داخلية خاصة بالنساء والشباب بجانب من النقاش، وهذا أيضًا أظهر اختلافًا في الآراء بين من يرى أن هذه اللجان يمكن أن تُعزز مشاركة النساء والشباب، وبين من يرى أنها أشكال تقليدية وليس لها أثر ملموس في تفعيل المشاركة.

تُعد الديمقراطية الداخلية للأحزاب السياسية حاسمة لبناء وتفعيل الديمقراطية المرتكزة على الحقوق، فوجود بنية مؤسساتية ديمقراطية شرط أساسي لتعزيز مسارات تبني خطابات ومواقف وسياسات مناصرة لحقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي. وتُعد نوعية مشاركة الشباب والنساء في الهياكل والمسارات الحزبية معيارًا مهمًا في هذا الصدد. وإذا كان الهدف هو الوصول إلى خطابات وممارسات حزبية داعمة لحقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي، فإن الشرط المُسبق للوصول لهذا الهدف هو العمل على تفعيل الديمقراطية الداخلية للأحزاب، لتكون مساحات للمشاركة الفعالة وفضاءات للتنشئة الإيجابية بالمعنى السياسي والحقوقي.

العلاقة بين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني

تُعتبر العلاقة بين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني أحد المؤشرات المهمة على حيوية المجال العام سواء بالمعنى السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي. وكما هو معلوم فإن العلاقة بين الطرفين ذات أبعاد متعددة تصل في بعض الأحيان إلى حد التداخل، وتصل في أحيان أخرى إلى حد العداء. ولا شك أن تحولات الربيع العربي كان لها بالغ الأثر على هذه العلاقة، حيث زاد التفاعل بين الطرفين. وبداية تجْدُر الإشارة إلى أن القانون التونسي يحظر على الأشخاص الجمع بين موقعين قياديين في الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في ذات الوقت. ومع ذلك، فعلى المستوى المؤسسي ثمة علاقات ذات أشكال متعددة، وهو ما يمكن إجماله فيما يلي:

1 – علاقات تعاون: أشارت بعض الآراء إلى وجود أشكال للتعاون المباشر أو غير المباشر، وتعني كلمة مباشر الأنشطة التكوينية التي تُباشرها منظمات المجتمع المدني لبناء قدرات أعضاء الأحزاب، أو غير المباشر بأشكال متعددة سواء من خلال قنوات برلمانية أو من خلال المناقشات والحوارات العامة بشأن قضايا معينة أو مشاريع قوانين.

2 – علاقة تناقض: وتظهر في المواقف المتعارضة حول أحداث أو قضايا ذات صلة بالحقوق والحريات، ويرتبط ذلك أكثر بدور منظمات المجتمع الرقابي والناقد لممارسات الأحزاب السياسية. وبالمقابل فإن هناك مواقف معادية لمنظمات المجتمع المدني من قبل بعض الأحزاب أو الشخصيات الحزبية.

3 – علاقة تبعية: وفي هذا إشارة إلى منظمات المجتمع المدني التي تأسست من قبل الأحزاب لأغراض التعبئة الاجتماعية، وخاصة وقت الانتخابات، كما أن هذه المنظمات تُشكِّل الذراع المجتمعية لبعض الأحزاب والتي يتم من خلالها الترويج لأفكار الحزب، وأحيانًا الهجوم على منظمات مجتمع مدني أخرى.

وبهذا المعنى فإن العلاقة بين المجال الحزبي والمجال المدني هي علاقة مُركبة فيها التواصل والانقطاع، التفاهم والتناقض، والفهم المتبادل وسوء الفهم المتبادل. وليس من المطلوب أن يحدث تطابق بين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، فكلاهما يعمل وفق توجهاته وخصوصية أدواره، ومع ذلك فإن بناء علاقة ترتكز على حقوق الإنسان أمر ضروري لخدمة قضايا المجتمع، وتعزيز مساحات وفرص الديمقراطية المرتكزة على الحقوق. وتقع مسئولية بناء الجسور على الطرفين، وإن كانت مسئولية المجتمع المدني أكبر في هذه الحالة، لأنه الطرف المتحرر من البرجماتية السياسية، وهو الطرف الذي يُمكن أن يلعب أدوارًا لدمج حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي في خطاب وممارسات وسياسات الأحزاب من خلال نشر الوعي والضغط والاقتراح.  

حالة ليبيا

في مُجمل الحوارات التي تناولت استراتيجية دمج حقوق الإنسان في برامج وسياسات الأحزاب في ليبيا، تبيَّن بشكل جلي وواضح أن الأوضاع في ليبيا مُعقدة بدرجة كبيرة بسبب هشاشة الحياة الحزبية الوليدة في ظل صراعات واستقطابات وانقسامات عنيفة. وكما ورد في الجزء الخاص بالسياق في ليبيا فإن الأحزاب السياسية لا تشغل حيزًا مهمًا في المجال السياسي، ووجودها هو وجود تابع لقوى أساسية مُتصارعة لا تضع ضمن أولوياتها قضايا حقوق الإنسان بقدر ما هي مصدر انتهاك لهذه الحقوق. ومن ناحية أخرى فإن المجتمع الليبي في ظل ديكتاتورية القذَّافي قد عانى أقصى درجات العُزلة عن التطورات التي شهدها العالم منذ عقود طويلة، وكان من أهمها الاتجاه العالمي لنشر ثقافة حقوق الإنسان وتأسيس المجتمعات المدنية. إن سياسة العزل هذه لم تؤد فقط إلى إصابة مؤسسات المجتمع الأساسية بالشلل، بل لم تسمح للمجتمع الليبي أن يتواصل مع التيارات العالمية المؤسسة والداعمة لحقوق الإنسان، ويظهر ذلك على وجه الخصوص في حالة المجتمع المدني الليبي والذي يُشكل حالة خاصة، حيث أن ظهوره لا يتعدى السنوات المعدودات التي تلت سقوط نظام مُعمر القذَّافي.

وفي إطار الحوارات التي جرت بخصوص استراتيجية العمل في ليبيا، ظهرت بعض الأفكار التي يُمكن أن تكون مُرشدة للعمل الحقوقي والديمقراطي في هذا السياق الذي يتسم بقدر كبير من الصعوبة ويفرض الكثير من التحديات.

أولًا: ضعف الرهان على الأحزاب في ليبيا لا يعود فقط إلى هشاشة التجربة الحزبية، ولكن أولًا وقبل كل شيء لطبيعة المجتمع السياسي في ليبيا الآن، فثمَّة تنظيمات سياسية، كما سبق الإشارة، على تواصل مع مجموعات مسلحة، وهي بهذا المعنى أساس المشكلة، وبالتالي فإن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست ضمن أولوياتها. ومع ذلك فثمَّة آراء ترى أنه لا يمكن تجاوز الأحزاب السياسية، خاصة أنه قد تم إقرار إطار تشريعي يُنظم تأسيس وعمل الأحزاب السياسية، وبالتالي فوجودها واقع يصعُب تجاهله. صحيح أن الكثير من الأحزاب السياسية وجودها شكلي وليس لها تأثير، ولكن يوجد على الساحة حزبان أساسيان وهما «حزب العدالة والبناء»الذي يُمثِّل التيار الإسلامي، و»حزب تحالف القوى الوطنية»الذي يُمثِّل باقي الطيف السياسي. لا شك أن هناك صعوبات جمة في إدماج حقوق الإنسان في عمل الأحزاب، ولكن وجودها يفرض ضرورة وضع استراتيجيات ملائمة للتعامل معها.

ثانيا: هناك إمكانية للعمل في ومع دوائر متعددة على مستوى مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، والإعلام، ولكن لكل طرف من هذه الأطراف خصوصيته التي ينبغي مراعاتها، وهو الأمر الذي يتطلب جهدًا تحليليًا للتعرف على الفرص والتحديات سواء على مستوى إدماج مبادئ حقوق الإنسان في هذه المؤسسات، أو على مستوى قدراتها على تبني وتفعيل ونشر مبادئ حقوق الإنسان. وأهم هذه المؤسسات:

المجلس الأعلى للقضاء: ومن المقترح اتخاذ مسارات للتفكير في إدماج سياسات لحقوق الإنسان ضمن عمل هذه المؤسسة بما لها من دور وتأثير إدارة منظومة العدالة، وخاصة فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية كمنهاضة التعذيب، والحق في محاكمات عادلة. وتواصلًا مع هذه الجهود وإلى جانبها ثمَّة أهمية لإدراج العمل مع نقابة المحامين وتفعيل دورها كإحدى منظمات المجتمع المدني المُنظِمة للمهنة ذات الصلة الوثيقة بمنظومة العدالة.

وزاتي الثقافة والتعليم: باعتبار أن هذه المؤسسات مسئولة عن التنشئة، وبالتالي بحث فرص نشر مبادئ حقوق الإنسان ضمن خطابها ومناهجها، ويمكن لوزارة الثقافة أن تقوم بدور في هذا السياق من خلال مفوضية حقوق الإنسان.

وسائل الإعلام: تمت الإشارة إلى الأهمية القصوى لدور الإعلام، ولكن هذا لا يعني أن دور الإعلام في وضعه الحالي إيجابي إزاء قضايا حقوق الإنسان، فكثير من وسائل الإعلام بسبب تبعيتها السياسية وخلفياتها الأيدولوجية تلعب دورًا سلبيًا وتُعزز الاستقطاب وتنشُر خطاب الكراهية. ومع ذلك فثمَّة فرص لنشر ثقافة حقوق الإنسان من خلال بعض وسائل الإعلام التي لديها مقومات لعب دور إيجابي، ومواجهة مظاهر وأسباب العنف والاستقطاب في المجتمع الليبي، أو كسب تعاطف إعلاميين من داخل هذه المؤسسات لدعم ونشر قضايا حقوق الإنسان.

مؤسسات المجتمع المدني: من المعروف أن مؤسسات المجتمع المدني الليبي تواجه إشكالات وتحديدات عديدة، سواء بسبب حداثة نشأتها، أو بسبب خضوع الكثير منها لشرط البيئة المحيطة التي تتسم بالاستقطاب والانقسام والنزاعات. ولكن ثمة مشكلة أخرى، وهي أن الكثير من منظمات المجتمع المدني هي جزء من ثقافة معادية لحقوق الإنسان، ولذلك فمن الصعب افتراض أنها تُشكِّل قوةً أو تيارًا مؤثرًا لنشر ثقافة حقوق الإنسان. ومع ذلك، ونتيجة وجود تيار وشخصيات داخل سياق المجتمع المدني لديهم وعي بمبادئ حقوق الإنسان وأهميتها، فثمَّة فرص للتعامل مع هذه الاتجاهات لتعزيز مشروعية حقوق الإنسان سواء داخل أوساط المجتمع المدني، بما في ذلك العديد من المنظمات النسائية التي ظهرت على الساحة للدفاع عن حقوق النساء.

الليبيون في الخارج: لا يُمكن تجاهل دور الليبيين في الخارج، فمن بينهم الكثير الذي يمتلك قدرًا كبيرًا من الوعي بمشكلات المجتمع، وتحديات المرحلة الراهنة، وعلى تواصل مع مؤسسات وثقافات عربية ودولية معنية بحقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي. وأهمية مثل هذا التيار بما يضُمه من أشخاص ومجموعات، أنه ليس فقط على دراية بحقوق الإنسان، ولكن على دراية بأوضاع المجتمع الليبي سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا. وبالتالي ففي مقدورهم لعب أدوار قد يصعب على فاعلين من خارج المجتمع الليبي القيام بها.

ثالثًا: هناك أيضًا فرص واحتمالات للتعامل مع الشباب. وكما هو معروف فإن الرهان على الشباب هو رهان عام بالمعنى السلبي والايجابي، بمعنى أن الشباب من الممكن أن ينخرط بفاعلية في دوَّامات الاستقطاب والعنف، كما يمكن انخراطه في مسارات نحو التغيير وبناء ثقافة حقوق الإنسان. وقد أشارت الحوارات أن إمكانية تفعيل دور الشباب ممكنة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك من خلال دعم أنشطة إبداعية وفنية وخاصة في مجال السينما والدراما.

مداخل بناء القدرات

تُشير الآراء والملاحظات في مُجملها أن استراتيجيات بناء القدرات من أجل إدماج حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي في برامج وسياسات الأحزاب تختلف بشكل في تونس عنها في ليبيا. إن طبيعة السياق الليبي قد تتطلب اتباع منهجيات لخلق فضاءات لنشر ثقافة حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي في أوساط ومؤسسات يُمكنها أن تلعب دورًا اجتماعيًا وثقافيًا ومن ثمَّ سياسيًا في هذا الصدد. وبكلمات أخرى، فإذا كانت استراتيجية الإدماج تُلائم السياق التونسي، فإن استراتيجية لبناء مشْروعية حقوق الإنسان في الوعي العام هي الأكثر مُلاءمة للسياق الليبي على الأقل في الظروف الراهنة.

وسواء تعلَّق الأمر بالسِّياق التونسي أو الليبي، فإن عمليات وآليات بناء القدرات اقتضت الإجابة عن تساؤلات محددة: ما هذه القدرات المطلوب بناؤها؟ ولماذا؟ ولمن؟ وكما هو معروف في مجال التربية على حقوق الإنسان، فإن عملية بناء القدرات تتطلب العمل على ثلاثة محاور أو مثلث بناء القدرات والذي يتضمن: المعلومات – القيم – المهارات.

وبالطبع وفقًا لتنوع السياقات، ليس فقط بين البلدين، ولكن حتى داخل البلد الواحد، فإن تصميم تدخلات في مجال بناء القدرات يتطلب فهم الاحتياجات الفعلية والأدوات الملائمة لواقع مُحدد، وهذه مسألة ينبغي أن تقوم بها وفي وقتها الجهات المسئولة عن بناء القدرات. وبالتالي فإن ما يُمكن تقديمه في هذا الصدد هو خطوط إرشادية من واقع المقابلات واللقاءات التي شددت على أن هناك حاجة ماسَّة لوضع استراتيجيات وآليات فعالة لبناء قدرات أعضاء وعضوات الأحزاب السياسية وخاصة الشباب والقيادات الوسيطة، فضلًا عن منظمات المجتمع المدني التي تستهدف التعاون مع الأحزاب أو التأثير في برامجها وسياساتها. أما في الوضع الليبي فإن الأمر يتطلب توسيع نطاق الفئات المستهدفة والمستفيدة والتي تشمل مؤسسات متنوعة حكومية وغير حكومية وإعلامية وقيادات مجتمعية. وتنوعت الآراء بشأن احتياجات بناء القدرات لتشمل حيزًا واسعًا من الاحتياجات سواء على مستوى المعارف أو المهارات أو التطوير المؤسسي.

1 - على مستوى المعارف والمعلومات

لاشك أن المعلومات الأساسية التعريفية المُتعلقة بمنظومة حقوق الإنسان وفلسفتها وتاريخها أساسية لكونها تأسيسية ونظرًا لأن الكثير من أعضاء الأحزاب والمجتمع السياسي، وخاصة الأجيال الشابة، لم يكن لديهم فرص التعرف عليها من خلال التدريبات واللقاءات الفكرية، كما هو الحال بالنسبة لأعضاء المجتمع المدني. وتأخذ هذه المعارف والمعلومات أهمية خاصة في الأوساط الليبية التي حُرمت في ظل الديكتاتورية من التواصل مع التيارات الفكرية والحقوقية ذات الصلة.

وبنفس القدر من الأهمية فإن المعارف ذات الصلة بالعلاقة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي تحتل أهمية خاصة في سياق التأثير على المجتمع السياسي المعني ببناء الديمقراطية. ويرتبط بذلك قضايا نوعية مثل حقوق الإنسان في مسارات العدالة الانتقالية، ومكافحة الفساد، ومواجهة الإرهاب، والتعايش السلمي ونبذ العنف، والتعريف بالتقاليد البرلمانية، والمشاركة السياسية، والحوكمة الرشيدة والإدارة الجيدة للحزب.

وإلى جانب ذلك ظهرت خلال المناقشات ضرورة النظر وتطوير رؤى تربوية في مجالات نوعية عديدة بحيث يمكن رفع وعي أعضاء الأحزاب السياسية بها. إن الأحزاب تُناقش قضايا نوعية متعددة لها علاقة بالسياسات العامة والتشريعات والمشكلات التي يواجهها المواطنون على المستوى الوطني أو على المستويات المحلية في مجالات متنوعة في الاقتصاد والصحة والتعليم والبيئة والسكن إلخ. ولا شك أنه هناك حاجة لتطوير رؤى تربوية لرفع الوعي بشأن كيفية معالجة مثل هذه القضايا على مستوى السياسات والتشريعات من منظور حقوق الإنسان ومنظور النوع الاجتماعي، وهو ما سيُشكِّل إضافة ودعمًا لدور الأحزاب أو الأعضاء ممن لديهم أو لديهن الرغبة والإرادة لتبني النهج الحقوقي في معالجة مثل هذه القضايا.

ونظرًا لتنوع الخلفيات الأيدولوجية للأحزاب، فقد أظهرت المقابلات واللقاءات الحاجة إلى التعرف على العلاقة بين الأيدولوجيات المختلفة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فالجدل والمنازعات العامة لا تؤسس فهمًا ومعرفة موضوعية بمثل هذه العلاقات.

2 - على مستوى المهارات

تحظى المهارات بأهمية خاصة لدى الفئات الشابة، وربما بصورة تفوق المعلومات والمعارف النظرية، فالمهارات في حد ذاتها معرفة تطبيقية عملية. وقد أوضحت اللقاءات وجود طلب لدى شباب الأحزاب والمجتمع المدني على تعلُم حيِّز واسع من المهارات سواء تلك المتعلقة بالقدرة على نشر ثقافة حقوق الإنسان، أو الضغط من أجل تبنيها وتطبيقها أو غير ذلك من مهارات. ومن أمثلة ذلك ما يلى:

  • التخطيط الاستراتيجي وتحليل الواقع: فقد ظهرت الحاجة إلى امتلاك هذه المهارة ليس فقط من أجل تنظيم العمل الحزبي داخليًا، ولكن من أجل إدارة العلاقة بشكل منهجي مع الدوائر الخارجية بداية من صُناع القرار، وحتى الجمهور الذي يُريد الحزب الوصول والتواصل معه.
  • مهارات التواصل والتعامل مع الإعلام: حظي هذا الموضوع بأهمية خاصة نظرًا للدور المحوري والحساس الذي يلعبه الإعلام حاليًا. وكذلك أهمية بناء القدرات في مجال الإعلام الاجتماعي والذي يشهد تطورات متسارعة وبوصفه مجال للإعلام البديل. وقد ظهر بشكل واضح أهمية هذا الجانب المهاري في ليبيا والحاجة الماسة لتوظيف طاقات الشباب في مجال الإعلام الاجتماعي باعتباره الوسيلة المتاحة والتي يُمكن أن تكون فعالة في نشر ثقافة حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي.
  • مهارات العرض وإدارة الحوار وإدارة الاجتماعات والتحضير لها: ظهرت هذه المهارات كمطلب عام لتأهيل الشباب وتمكينه من لعب أدوار على مستوى الأحزاب والمجتمع ومع الأطراف المعنية الأخرى. ومع ذلك فإن لمثل هذه المهارات أهمية خاصة في ليبيا، حيث إن الأوضاع تتطلب خلق منصات حوار حول قضايا حقوقية بين أطراف ليسو على الأرضية ذاتها بشأن هذه القضايا وما يرتبط بها من حقوق.
  • مهارات المناصرة وكسب التأييد: إن هذه المهارات مطلوبة من أجل تعزيز فرص تحقيق مكاسب في قضايا معينة، ومع ذلك فإن أهميتها في هذا السياق ذات صلة مباشرة بتبني الأحزاب لمبادئ حقوق الإنسان ومساواة النوع الاجتماعي. فقد اقترح عدد من الشباب أن امتلاك هذه المهارات يساعدهم على تحقيق نجاحات داخل أحزابهم في ظل وجود مقاومات لإدماج بعض قضايا حقوق الإنسان، أو التحفّظ إزاء قضايا تبدو حساسة ثقافيًا.
  • مهارات القيادة والمشاركة في عمليات صُنع القرار: يُعبِر هذا المطلب عن حاجة الشباب إلى لعب أدوار فعَّالة داخل الهياكل الحزبية، في مواجهة أشكال التهميش التي يتعرضون لها. كما أن تعلم مهارات القيادة تُعظِّم الفرص في تقلُّد مواقع مُتقدمة داخل الأحزاب بمرور الوقت.
  • التفكير النقدي: ظهر لدى الشباب اهتمام بتعلم منهجيات التفكير النقدي، فالقضايا والتشابكات متعددة ومتنوعة، والحوارات تفتع الباب أمام تعدد الآراء، وهو الأمر الذي يتطلب التفكير بشكل نقدي للوصول إلى فهم موضوعي للقضايا محل النقاش.
  • إدارة المعلومات: فرضت قضية المعلومات وتداولها نفسها على النقاشات، فالأحزاب ينبغي أن تعمل بطريقة مختلفة في ظل التطورات الهائلة في مجال المعلوماتية وتكنولوجيا المعلومات، وقد رأى البعض أنه قد يكون من المُفيد بناء قدرات الفئات الشابة داخل الأحزاب على إدارة المعلومات، خاصة أن من بين الشباب الأعضاء من يمتلكون مهارات تقنية عالية في هذا المجال ولكنها غير موظَّفة على مستوى المؤسسات.
  • بناء القدرات في مجال صياغة مشاريع قوانين تُكرِّس ما جاء بالدستور بشأن حقوق الإنسان: أخيرًا كان من بين المقترحات المهمة في مجال بناء القدرات تطوير مهارات صياغة مشاريع القوانين، فالشباب الحزبي يُمكن أن يُسهم في تقديم مقترحات في هذه الصدد من خلال التعاون مع أهل الخبرة والمتخصصين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *