تعتبر منظمة “أنا يقظ” من بين أهم المنظمات التونسية التي تشتغل على ملف مكافحة الفساد والحوكمة الرشيدة في الجمهورية التونسية، وهي منظمة رقابية تونسية غير ربحية مستقلة تهدف إلى مكافحة الفساد المالي والإداري وتدعيم الشفافية. أصبحت «أنا يقظ» نقطة الإتصال الرسمية ل»منظمة الشفافية الدولية» بتونس في نوفمبر 2013، وهي منذ 29 جانفي/يناير 2017، الفرع تحت التأسيس ل»منظمة الشفافية الدولية» بتونس، كما توّجت «منظمة أنا يقظ» 15 أكتوبر 2017، «ببرلين» «بجائزة Amalia” للنزاهة لسنة 2017 التي تشرف عليها سنويًا «منظمة الشفافية الدولية».
وبإعتبار أهمية نشاطاتها ومشاريعها الداعمة لمكافحة الفساد ارتأى «مركز دعم» ضرورة القيام بمقابلة مع احد أعضائها للوقوف على رأيها في هذا الموضوع من مختلف جوانبه خاصة في إطار الحرب التي أعلنها النظام التونسي ممثلًا في رئيس الحكومة لمكافحة الفساد و فيما يلي الحوار كاملًا مع منسقة المشاريع في المنظمة «منال بن عاشور».
في البداية هل يعتبر ملف مكافحة الفساد خيارًا للحكومة، أم انه ضرورة فرضها المانحون الدوليون كشرط لمواصلة تقديم المساعدات له؟ أم هي إرادة مجتمعية ظهرت خلال الثورة ومن ثم من خلال مطالبات الأحزاب والمجتمع المدني؟
محاربة الفساد هي موضة ظهرت مؤخرًا في 2016 وبالنسبة لمحاربة الفساد يستعمل من طرف الحكومة كسلاح لأنه لم نرى محاربة فعلية للفساد لأن هذه الأخيرة تترجم في شكل أرقام لكننا لا نرى هذه الأرقام. فمثلًا مؤشر مدركات الفساد لا نرى فيه تحسن في مرتبة تونس مقارنةً بما نسمعه يوميًا من الحرب التي تقول الحكومة أنها تشنها لمحاربة الفاسدين ورغم وضع قوانين في الموضوع ولكن هناك حرب إنتقائية على الفساد وحسب رأيي هي حرب دون جدوى خاصةً مع مثل ملف «توبيك» إذ تمت إقالة وزير الطاقة وإلحاقها بوزارة الصناعة وتجدر الإشارة إلى أن ملف الطاقة من الملفات الحساسة بإعتباره موضوعًا تقنيًا مرتبطا بالثروة الطبيعية. وقد تمت إقالة كامل الوزارة مع عزوف المستثمرين ونزول مستوى الدينار تعتبر هذه الإقالة رسالةً سلبية للعالم فبعد هذا القرار تم إلحاقها بوزارة الصناعة، وأبسط ما يمكن قوله أن وزير الصناعة غير ملم بقطاع الطاقة. وفي التحوير الوزاري لم يتم وضع وزير جديد في وزارة الطاقة. حسب ما أراه فان الحرب على الفساد تأتي في إطار تصفية الحسابات وكأنها بطاقة يقع إستعمالها في صورة وجود تهديدات خارجية أو غضب الشارع.
كل الحكومات المتعاقبة منذ الثورة إعتبرت مسالة الفساد من أولوياتها و رغم ذلك، لم تتقدم كثيرًا في مسار مكافحة التهريب وتبييض الأموال والجريمة المنظمة، فسنة 2018، صنفت تونس في المرتبة 74 من ضمن 180 دولة ضمن مؤشّر مدركات الفساد، وعكس تقدمًا برتبة واحدة مقارنة بمؤشر سنة 2016، حسب رأيكم من المسؤول عن هذه الوضعية؟
المسؤول عن هذه الوضعية هو تبجيل المصالح والمطامع والطموحات السياسية على حساب محاربة الفساد وعلى حساب المواطن. فبعد مرورنا بعدة محطات إنتخابية كان الشغل الأول لكل السياسيين هو إستقطاب حاضنة شعبية بوعود زائفة ولا يتم تطبيقها فعليًا، ولكن هذا لا يمنعنا من ذكر شيء إيجابي هو قانون حماية المبلغين رغم أنه غير مفعل كما يجب بالإضافة إلى أن «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» عاجزة عن حماية المبلغين. ولا يجب أن ننسى أنه أصبح لنا «قانون النفاذ للمعلومة» وهو مكسب مهم وأخيرًا هناك أيضًا «قانون التصريح بالممتلكات والمصالح» رغم أنه حسب رأيي فإن قانون التصريح بالمكاسب كما هو موجود الآن يتسم بالشمولية والتعميم، إذ أنه يشمل 350000 موظف والهيئة هي المسؤولة عن هذا وإمكانياتها محدودة و هذا ما يتطلب عدة موارد مادية وبشرية ولوجستية بالإضافة إلى وجود فئة غير واضحة مثل مسيري الجمعيات، هل المدير التنفيذي نعتبره مسير، أم فقط المجلس الإستشاري أم كل العاملين في الجمعيات؟ كما أنه توجد مرحلة ثانية تتمثل في التثبت من صحة المعلومات ولو كانت هناك معلومات خاطئة هناك تتبعات وعقوبات.
القانون جيد ولكن من الممكن أن نقتل محتوى القانون فقط لأن نطاقه شامل وواسع جدًا كما أنه هناك غياب للوضوح فيما يخص إن كان سيقع إعتماد التصاريح القديمة التي تم تقديمها في دائرة المحاسبات، أم سيقع إعتماد التصاريح التي تمت فقط في الهيئة؟.
ترفع الحكومة التونسية شعار محاربة الفساد ولاحقت بالفعل بعض الفاسدين، ولكن ألا ترون أنها مجرد حملة إنتقائية لغايات إعلامية تندرج ضمن صراع أجنحة الحكم؟
كما تم الإجابة في الأسئلة السابقة نحن نرى أن الحرب على الفساد هي حرب إنتقائية إبتدأت ووقفت ولكن الحرب على الفساد لا تقف فهناك عدة أشخاص معروفين مثل المهربين وغيرهم الكثيرين، ولكن لم تتم محاسبتهم كما نرى بعد الحادثة التي وقعت مؤخراً إذ تم رفع التجميد على أموال «مروان المبروك» من بين قائمة تحتوي على 48 أسم تمت المطالبة برفع التجميد على أمواله هو فقط، فكيف يمكن القول أننا نحارب الفساد بالإضافة ل»قانون المصالحة» الذي تم تمريره بتواطؤ وبدعم كل الأطراف السياسية فهو قانون تم صياغته للإفلات من العقاب، فكيف يمكن تفسير أنك من ناحية تحارب الفساد ومن ناحية ثانية تمرر كهذا القانون. وتجدر الإشارة إلى تورط «رئاسة الجمهورية» في هذه المسألة فهي الأولى التي كرست مبدأ الإفلات من العقاب وأبرز مثال العفو الذي أصدره رئيس الجمهورية في حق برهان بسيس الذي كان محكومًا لمدة سنتين ولم يمر شهران وتم إصدار العفو الخاص، وهذا ما يكرس الإفلات من العقاب وهنا لا يمكننا الحديث عن إرادة سياسية لمكافحة الفساد هي فقط إرادة صورية للإعلام وللإنتخابات القادمة في 2019، ولكنها ليست إرادة حقيقية فلم نرى رجال الأعمال الفاسدين تحت طائلة هذه الحرب.
هل تعتبرون أن هناك نقص في التشريعات الكفيلة بتدعيم آليات مكافحة الفساد والوقاية منه أم أن الوضع في تونس يتميز بوجود التشريعات وغياب الإرادة السياسية؟
تجدر الإشارة أولًا كما قلنا إن الإرادة السياسية هي إرادة صورية ولكن الترسانة القانونية موجودة في تونس منخرطة في الإتفاقيات الدولية، مثل الإتفاقية الدولية لمحاربة الفساد وإتفاقية الحوكمة المفتوحة ومختلف القوانين التي تم تمريرها مثل حماية المبلغين والنفاذ إلى المعلومة والتصريح بالممتلكات، وهذا ما يحيلنا إلى القول أن لنا ترسانة قانونية محترمة ولا يجب أن ننسى أن الدستور التونسي في عدة فصول كرس مبادئ مثل الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد، إذاً من ناحية القوانين والتشريعات لنا ما يكفي لكن من ناحية الإرادة السياسية فلازالت الطريق طويلة.
أين تتموقع اليوم منظمات المجتمع المدني وهيئة مكافحة الفساد في مسار وعمليات مكافحة الفساد وكيف ترونها في المستقبل؟
«منال بن عاشور»: فالبداية أريد أن أتساءل أين هي هذه المنظمات إذ أننا نعاني نقصًا كبيرًا في المنظمات التي تعمل في هذا الموضوع، أنا أؤمن بوجود إختلاف في المجالات والمواضيع ولكن محاربة الفساد هو موضوع مهم جدًا وحتى الثورة قامت أساسًا لتحقيق مطلب مكافحة الفساد والمحاسبة خاصةً. أنا أرى غياب تام للجمعيات وللمنظمات الدولية في محاربة الفساد فلا يوجد إلا منظمة «أنا يقظ»، و»البوصلة»، التي تشتغل في الرقابة على المجلس والبلديات ولكن محاربة الفساد الفعلية فلا يوجد من يعمل عليها.
المجتمع المدني يجب أن يأخذ دوره في الضغط على الحكومة ومكافحة الفساد الذي يتفشى في كل الميادين إذ نراه في قطاع المحروقات، الطاقة، في الصحة، في التعليم، في أي قطاع ونحن كجمعية لوحدنا يمكننا أن نركز في بعض القطاعات ولكننا لا يمكننا محاربة الفساد في كل القطاعات، وهذا ما تحاول «أنا يقظ» القيام به الآن من خلال برنامج”I Assist” وهو ما يتمثل في محاولات نقل تجربتنا التي إمتدت على 7 سنوات للجمعيات المحلية للمساهمة في بناء مجتمع مدني محلي ناضج ولتكريس اللامركزية.
هو برنامج لدعم قدرات المجتمع المدني المحلي من خلال الدورات التكوينية في كل ما ينقصهم من القدرات أو حتى بدايةً كيف يقع تأسيس الجمعية أولًا ومن بين الشروط أن تكون الجمعية شبابية فيها شباب ويريد تغيير الواقع.