أوراقإصداراتالدولليبيامنتدى دعم

فساد حُكومي مُمنهج وعجز عن المحاسبة تقرير ديوان المحاسبة 2017

تمهيد:

تُعد‭ ‬المراحل‭ ‬الانتقالية‭ ‬عادة‭ ‬النموذج‭ ‬المثالي‭ ‬لانتشار‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬نظرًا‭ ‬لحالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والذي‭ ‬ينتُج‭ ‬عنه‭ ‬ضعف‭ ‬أغلب‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬خاصة‭ ‬المعنية‭ ‬بالرقابة‭ ‬والمحاسبة‭ ‬والتي‭ ‬ينعكس‭ ‬عليها‭ ‬هشاشة‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬للبلاد‭.‬

في‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬عام‭ ‬2011م‭ ‬وتغيير‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬عانت‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬حادة‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬انقسام‭ ‬مؤسسي‭ ‬وازدواج‭ ‬حكومي‭ ‬وهو‭ ‬سبب‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬ضعف‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وعدم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬المحاسبة‭ ‬والرقابة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تنامي‭ ‬نفوذ‭ ‬بعض‭ ‬المجموعات‭ ‬المُسلحة‭ ‬التي‭ ‬تُسيطر‭ ‬على‭ ‬أغلب‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬شكليًا‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬للدولة‭ ‬أي‭ ‬سلطان‭ ‬عليها‭.‬

فمنذ‭ ‬سنة‭ ‬2011م‭ ‬مرت‭ ‬ليبيا‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬وسُلطة‭ ‬تشريعية،‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬أول‭ ‬مجلس‭ ‬تشريعي‭ ‬توافقي‭ ‬وهو‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬الانتقالي‭ ‬والذي‭ ‬أَشرف‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬تشريعية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬والتي‭ ‬نتُج‭ ‬عنها‭ ‬انتخابات‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2012م،‭ ‬الذي‭ ‬شكَّل‭ ‬الحكومة‭ ‬المؤقتة،‭ ‬بعدها‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬جدل‭ ‬حول‭ ‬انتهاء‭ ‬ولاية‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬العام‭ ‬تم‭ ‬انتخاب‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2014م،‭ ‬وبعد‭ ‬انطلاق‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬فجر‭ ‬ليبيا‮»‬‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬البلاد‭ ‬وعملية‭ ‬‮«‬الكرامة‮»‬‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬البلاد‭ ‬انقسمت‭ ‬السلطة‭ ‬فعليًا،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬حكومتين‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬تتبع‭ ‬البرلمان‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تتبع‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬العام‭ ‬وبعد‭ ‬الاتفاق‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2015م،‭ ‬تغيَّر‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬قليلًا‭ ‬حيث‭ ‬ولدت‭ ‬حكومة‭ ‬ثالثة‭ ‬وهي‭ ‬المجلس‭ ‬الرئاسي‭ ‬وحكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬وتغير‭ ‬اسم‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الدولة‭ ‬واستمر‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬وحكومته‭ ‬المؤقتة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬واختفت‭ ‬حكومة‭ ‬الإنقاذ‭ ‬في‭ ‬الغرب‭.‬

ونتج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬السياسية‭ ‬الحادة‭ ‬والتي‭ ‬تبعتها‭ ‬نزاعات‭ ‬عسكرية‭ ‬حالة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬ازدواجية‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬مثل‭ ‬مصرف‭ ‬ليبيا‭ ‬المركزي‭ ‬والرقابة‭ ‬الإدارية‭ ‬والمؤسسة‭ ‬الوطنية‭ ‬للنفط،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نفوذ‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬وصلاحياتها‭ ‬مُرتبطة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بالنطاق‭ ‬الجغرافي‭ ‬والمكاني‭ ‬للحكومة‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتعداه‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬مؤسسات‭ ‬العاصمة‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬ونفوذ‭ ‬باعتبارها‭ ‬الأقدم‭ ‬والأعرق‭.‬

ديوان المُحاسبة الإنشاء والصلاحية والاختصاص:

يُعد‭ ‬ديوان‭ ‬المُحاسبة‭ ‬الجهاز‭ ‬الأعلى‭ ‬للرقابة‭ ‬المالية‭ ‬والمحاسبة‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬وهو‭ ‬هيئة‭ ‬مهنية‭ ‬مُستقلة‭ ‬مُحايدة،‭ ‬تتمتع‭ ‬بالشخصية‭ ‬الاعتبارية‭ ‬والذمة‭ ‬المالية‭ ‬المستقلة،‭ ‬ويتبع‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬مباشرة،‭ ‬وهو‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬والأفريقية‭ ‬والعربية‭ ‬للأجهزة‭ ‬العليا‭ ‬للرقابة‭ ‬المالية‭ ‬والمحاسبة‭.‬

نشأة‭ ‬الديوان‭ ‬والتسلسل‭ ‬التاريخي‭ ‬للتشريعات‭ ‬المُنظمة‭ ‬لعمله‭:‬

بعد‭ ‬استقلال‭ ‬ليبيا‭ ‬سنة‭ ‬1951م،‭ ‬وبداية‭ ‬بناء‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬أُنشئ‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬الليبي‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬31‭ ‬لسنة‭ ‬1955م،‭ ‬وقد‭ ‬مر‭ ‬خلال‭ ‬عُمره‭ ‬بتغييرات‭ ‬تشريعية‭ ‬مختلفة‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬التغييرات‭ ‬الهيكلية‭ ‬وتغير‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬وتوجهاتها‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬تغيير‭ ‬أهدافه‭ ‬واختصاصاته‭ ‬وتبعيته‭ ‬حسب‭ ‬الحالة،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬التغييرات‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

 

حُقبة‭ ‬فترة‭ ‬حُكم‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1952‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬1969م

  • ‭ ‬أُنشئ‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬الليبي‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬31‭ ‬لسنة‭ ‬1955م‭.‬
  • ‭ ‬صُدور‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬22‭ ‬لسنة‭ ‬1962م‭ ‬بتعديل‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬31‭ ‬لسنة‭ ‬1955م‭.‬
  • ‭ ‬صُدور‭ ‬مرسوم‭ ‬ملكي‭ ‬بتنظيم‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬بالقانون‭ ‬رقم‭ ‬22‭ ‬لسنة‭ ‬1966م‭.‬

 

حُقبة‭ ‬فترة‭ ‬حُكم‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1969‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬2011م

  • ‭ ‬تم‭ ‬تعديل‭ ‬قانون‭ ‬ديوان‭ ‬المُحاسبة‭ ‬بالقانون‭ ‬رقم‭ ‬79‭ ‬لسنة‭ ‬1975م‭.‬
  • ‭ ‬دمج‭ ‬ديوان‭ ‬المُحاسبة‭ ‬والرقابة‭ ‬الإدارية‭ ‬وجهاز‭ ‬المتابعة‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬واحد‭ ‬تحت‭ ‬مُسمى‭ ‬الجهاز‭ ‬الشعبي‭ ‬للمتابعة‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬16‭ ‬لسنة‭ ‬1986م‭.‬
  • ‭ ‬إلغاء‭ ‬الجهاز‭ ‬الشعبي‭ ‬للمتابعة‭ ‬وإنشاء‭ ‬جهاز‭ ‬التفتيش‭ ‬والرقابة‭ ‬الشعبية‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬11‭ ‬لسنة‭ ‬1996م‭.‬
  • ‭ ‬تعديل‭ ‬قانون‭ ‬جهاز‭ ‬التفتيش‭ ‬والرقابة‭ ‬الشعبية‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬30‭ ‬لسنة‭ ‬2000م‭.‬
  • ‭ ‬إلغاء‭ ‬دمج‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقابية‭ ‬بالقانون‭ ‬رقم‭ ‬13‭ ‬لسنة‭ ‬2003م،‭ ‬بتقرير‭ ‬بعض‭ ‬الأحكام‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬التفتيش‭ ‬والرقابة‭ ‬الشعبية،‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬بموجبه‭ ‬توزيع‭ ‬الاختصاصات‭ ‬الرقابية‭ ‬بين‭ ‬جهازي‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية‭ ‬والفنية،‭ ‬والتفتيش‭ ‬والرقابة‭ ‬الشعبية‭.‬
  • ‭ ‬إلغاء‭ ‬جهاز‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية‭ ‬والفنية‭ ‬وأيلولة‭ ‬اختصاصات‭ ‬مراجعة‭ ‬العقود‭ ‬والدفعات‭ ‬والتحقيق‭ ‬إلى‭ ‬جهاز‭ ‬التفتيش‭ ‬والرقابة‭ ‬الشعبية،‭ ‬وباقي‭ ‬اختصاصاتها‭ ‬لجهاز‭ ‬المُراجعة‭ ‬المالية‭ ‬المُنشأ‭ ‬بموجب‭ ‬قرار‭ ‬مؤتمر‭ ‬الشعب‭ ‬العام‭ ‬رقم‭ ‬5‭ ‬لسنة‭ ‬2006م‭.‬
  • ‭ ‬إصدار‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬2‭ ‬لسنة‭ ‬2007‭ ‬بشأن‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬جهاز‭ ‬التفتيش‭ ‬والرقابة‭ ‬الشعبية‭ ‬لتمارس‭ ‬دور‭ ‬جهاز‭ ‬الرقابة‭ ‬الشعبية‭ ‬السابق‭ ‬متضمنًا‭ ‬اختصاصات‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬الآداء‭ ‬المالي‭ ‬والرقابة‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬العقود‭ ‬والتحقيق‭.‬
  • ‭ ‬إصدار‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬3‭ ‬لسنة‭ ‬2007‭ ‬بشأن‭ ‬المراجعة‭ ‬المالية‭ ‬ليُمارس‭ ‬دور‭ ‬جهاز‭ ‬المراجعة‭ ‬المالية‭.‬

 

الفترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬فبراير‭ ‬2011م

  • ‭ ‬بتاريخ‭ ‬14‭/‬8‭/‬2011‭ ‬أصّدر‭ ‬المجلس‭ ‬الانتقالي‭ ‬المؤقت‭ ‬القرار‭ ‬رقم‭ ‬119‭ ‬لسنة‭ ‬2011م،‭ ‬ويقضي‭ ‬بإنشاء‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬الليبي‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬دمج‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقابية‭ ‬المُتمثلة‭ ‬في‭ ‬جهازي‭ ‬التفتيش‭ ‬والرقابة‭ ‬الشعبية‭ ‬والمراجعة‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬الديوان،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬إعادة‭ ‬العمل‭ ‬بالقانون‭ ‬رقم‭ ‬11‭ ‬لسنة‭ ‬1996‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وإلغاء‭ ‬قانوني‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقابية‭ ‬رقمي‭ (‬2،‭ ‬3‭) ‬لسنة‭ ‬2007م‭.‬
  • ‭ ‬بتاريخ‭ ‬1‭ ‬أغسطس‭ ‬2013م‭ ‬أصدر‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬العام‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ (‬19‭) ‬لسنة‭ ‬2013م‭ ‬بإعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة،‭ ‬وبموجبه‭ ‬فصلت‭ ‬عنه‭ ‬اختصاصات‭ ‬الرقابة‭ ‬الإدارية‭ ‬والمظالم‭ ‬والتحقيق‭ ‬والتي‭ ‬أُنشئ‭ ‬لها‭ ‬هيئة‭ ‬جديدة‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬20‭ ‬لسنة‭ ‬2013م‭.‬
  • ‭ ‬بتاريخ‭ ‬4‭ ‬أكتوبر‭ ‬2013‭ ‬مصدر‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬24‭ ‬لسنة‭ ‬2013م‭ ‬بتعديل‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬19‭ ‬لسنة‭ ‬2013م،‭ ‬وبموجبه‭ ‬تم‭ ‬سحب‭ ‬اختصاص‭ ‬المراجعة‭ ‬المُسبقة‭ ‬على‭ ‬المستخلصات‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬العقود‭ ‬التي‭ ‬تخضع‭ ‬للرقابة‭ ‬قبل‭ ‬التعاقد‭.‬

الاختصاصات

بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ (‬19‭) ‬لسنة‭ ‬2013م‭ ‬بإعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة،‭ ‬تم‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬الديوان‭ ‬وفصلت‭ ‬عنه‭ ‬اختصاصات‭ ‬الرقابة‭ ‬الإدارية‭ ‬والمظالم‭ ‬والتحقيق‭ ‬والتي‭ ‬أُنشئ‭ ‬لها‭ ‬هيئة‭ ‬جديدة‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬20‭ ‬لسنة‭ ‬2013م‭.‬

وفي‭ ‬محاولة‭ ‬لتنظيم‭ ‬العمل‭ ‬وتوحيد‭ ‬الاختصاص‭ ‬تم‭ ‬إسناد‭ ‬اختصاص‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية‭ ‬والمشروعية‭ ‬للديوان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فحص‭ ‬ومراجعة‭ ‬الحسابات‭ ‬والقوائم‭ ‬المالية‭ ‬والعمليات‭ ‬الفنية‭ ‬الأخرى‭ ‬للجهات‭ ‬الخاضعة‭ ‬لرقابته،‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬تطبيق‭ ‬القوانين‭ ‬والقرارات‭ ‬واللوائح‭ ‬المالية‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬بالوحدة‭ ‬محل‭ ‬الرقابة‭ ‬أو‭ ‬المراجعة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اختصاصات‭ ‬أخرى‭ ‬احترازية‭ ‬لصون‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬منها‭: (‬تطبيق‭ ‬الضوابط‭ ‬الرقابية‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬تحصيلًا‭ ‬للإيرادات‭ ‬العامة‭ ‬واكتشاف‭ ‬أي‭ ‬قصور‭ ‬أو‭ ‬تراخٍ‭ ‬في‭ ‬تحصيلها،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬حدوث‭ ‬أي‭ ‬تجاوزات‭ ‬أو‭ ‬مخالفات‭ ‬عنـد‭ ‬الصرف،‭ ‬منع‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬الجهات‭ ‬الخاضعة‭ ‬لرقابته‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬ثبت‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تصرفات‭ ‬ألحقت‭ ‬ضررًا‭ ‬بالمال‭ ‬العام،‭ ‬ويجوز‭ ‬له‭ ‬وضعها‭ ‬تحت‭ ‬الفحص‭ ‬والمُراجعة‭ ‬المُصاحبة‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬زوال‭ ‬الأسباب‭ ‬ورفع‭ ‬الضرر،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬الرقابية‭ ‬الأخرى‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬تطبيقًا‭ ‬للقانون‭ ‬تبنّى‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬الليبي‭ ‬اختصاص‭ ‬رقابة‭ ‬الأداء‭ ‬المالي‭ ‬الذي‭ ‬أوصت‭ ‬به‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الرقابة‭ ‬النظامية‭ ‬ورقابة‭ ‬الالتزام،‭ ‬وهذا‭ ‬الاختصاص‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تشخيص‭ ‬الوضع‭ ‬القائم‭ ‬للمؤسسة‭ ‬ومقارنة‭ ‬النتائج‭ ‬بالأهداف‭ ‬والإمكانيات‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬تقييم‭ ‬الكفاءة‭ ‬والفاعلية‭ ‬والاقتصاد‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المؤسسة‭ ‬واستعمال‭ ‬الأموال‭ ‬العامة‭.‬

كما‭ ‬نص‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬الأخذ‭ ‬بملاحظات‭ ‬وتوصيات‭ ‬الديوان‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬أوجه‭ ‬الخلل‭ ‬والقصور‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬ارتقت‭ ‬المُلاحظة‭ ‬المُتكشفة‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬الفحص‭ ‬والمراجعة‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬سوء‭ ‬إدارة‭ ‬أو‭ ‬تقصير‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬إهدار‭ ‬للمال‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬مخالفات‭ ‬مالية‭ ‬أو‭ ‬جرائم‭ ‬جنائية،‭ ‬فيتم‭ ‬إعداد‭ ‬ملفات‭ ‬بها‭ ‬وإحالتها‭ ‬إلى‭ ‬جهات‭ ‬الاختصاص‭ ‬لاستكمال‭ ‬إجراءات‭ ‬التحقيق‭.‬

تقرير الديوان لسنة 2017م:

ورغم‭ ‬أن‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬تأثر‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬غيره‭ ‬بحالة‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي،‭ ‬حيث‭ ‬أنشأت‭ ‬الحكومة‭ ‬المؤقتة‭ ‬ديوان‭ ‬ثاني‭ ‬للمحاسبة‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬البلاد‭ ‬سنة‭ ‬2015م،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬الرئيسي‭ ‬هو‭ ‬الكائن‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬البلاد‭ ‬باعتباره‭ ‬هو‭ ‬الأساسي‭ ‬والأقدم‭ ‬والأكثر‭ ‬خبرة‭ ‬وكفاءة‭ ‬إضافة‭ ‬لتوفر‭ ‬كل‭ ‬الأرشيف‭ ‬القديم‭ ‬لديه‭ ‬جعل‭ ‬منه‭ ‬أكثر‭ ‬نجاعة‭ ‬وقوة‭ ‬وتأثير‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬بسط‭ ‬نفوذه‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مناطق‭.‬

وكعادته‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬فقد‭ ‬دأب‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬تقاريره‭ ‬السنوية‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2012م،‭ ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬بتقييم‭ ‬عمل‭ ‬مؤسسات‭ ‬وإدارات‭ ‬الدولة‭ ‬ماليًا‭ ‬ويُبدي‭ ‬ملاحظاته‭ ‬على‭ ‬المخالفات‭ ‬ويطالب‭ ‬بتسويتها‭ ‬وفقًا‭ ‬لأحكام‭ ‬القانون‭ ‬19‭ ‬لسنة‭ ‬2013،‭ ‬بشأن‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭.‬

التقرير‭ ‬الأخير‭ ‬لسنة‭ ‬2017م،‭ ‬والصادر‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬لافتًا‭ ‬ومؤثرًا‭ ‬حيث‭ ‬وقع‭ ‬التقرير‭ ‬في‭ ‬1000‭ ‬صفحة‭ ‬وقد‭ ‬وثَّق‭ ‬تجاوزات‭ ‬مالية‭ ‬وعمليات‭ ‬تلاعب‭ ‬وهدر‭ ‬للمال‭ ‬العام‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬لهذا‭ ‬التقرير‭ ‬صدى‭ ‬إعلامي‭ ‬كبير،‭ ‬حيث‭ ‬أفردت‭ ‬له‭ ‬البرامج‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة‭ ‬للنقاش‭ ‬والتحليل‭ ‬كما‭ ‬تبادل‭ ‬أخباره‭ ‬النشطاء‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬خاصة‭ ‬كونه‭ ‬تناول‭ ‬بعض‭ ‬المصاريف‭ ‬الباهظة‭ ‬لبعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬مثل‭ ‬تكاليف‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬الفنادق‭ ‬وسعر‭ ‬استئجار‭ ‬طائرات‭ ‬خاصة‭ ‬وتغيير‭ ‬أثاث‭ ‬مكتبي‭ ‬وشراء‭ ‬سيارات‭ ‬وهواتف‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المصاريف‭ ‬الكبيرة،‭ ‬التي‭ ‬استفزت‭ ‬الناس‭ ‬وأدت‭ ‬لردة‭ ‬فعل‭ ‬كبيرة‭ ‬وصلت‭ ‬لحد‭ ‬السخرية‭ ‬والاستهزاء‭ ‬منهم‭ ‬وانتشرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الرسومات‭ ‬الساخرة‭ ‬على‭ ‬المسؤولين‭ ‬الواردة‭ ‬أسماؤهم‭ ‬في‭ ‬التقرير‭.‬

وبالفعل‭ ‬فإن‭ ‬التقرير‭ ‬تناول‭ ‬عدة‭ ‬مسائل‭ ‬مهمة‭ ‬وأوضح‭ ‬بعض‭ ‬النقاط‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬مستوى‭ ‬الفساد‭ ‬والنهب‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬مثل‭ ‬مسألة‭ ‬الاعتمادات‭ ‬المصرفية‭ ‬والتي‭ ‬حدثت‭ ‬فيها‭ ‬تجاوزات‭ ‬عدة‭ ‬وغابت‭ ‬فيها‭ ‬معايير‭ ‬العدالة‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬الموافقات‭ ‬حيث‭ ‬تكررت‭ ‬أسماء‭ ‬شركات‭ ‬بعينها‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬وجود‭ ‬فساد‭ ‬ومحاباة‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬تورط‭ ‬مدير‭ ‬إدارة‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬المصارف‭ ‬والنقد‭ ‬بمصرف‭ ‬ليبيا‭ ‬المركزي‭ ‬واستغلال‭ ‬منصبه‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بتصرفات‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬الوساطة‭ ‬والمحسوبية‭ ‬والمحاباة‭ ‬ومخالفة‭ ‬التشريعات‭ ‬والنظم‭ ‬المالية‭ ‬والمصرفية‭ ‬وتجاوزه‭ ‬لصلاحياته‭ ‬وسلطاته‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعارضها‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬عمله‭ ‬الرقابية‭ ‬وتُفقده‭ ‬الاستقلالية‭ ‬تجاه‭ ‬بعض‭ ‬المصارف‭ ‬التي‭ ‬يطلب‭ ‬منها‭ ‬بموجب‭ ‬مكاتبات‭ ‬رسمية‭ ‬تنفيذ‭ ‬اعتمادات‭ ‬لصالح‭ ‬شركات‭ ‬محددة‭ ‬بالمخالفة‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬فواتير‭ ‬النقل‭ ‬المُرفق‭ ‬بملفاتها‭ ‬مزورة‭ ‬مما‭ ‬يُشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاعتمادات‭ ‬استعملت‭ ‬في‭ ‬تهريب‭ ‬الأموال‭ ‬للخارج‭.‬

وقد‭ ‬شمل‭ ‬التقرير‭ ‬أغلب‭ ‬الأجهزة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬حيث‭ ‬تحدث‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬نقاط‭ ‬منها‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬البعثات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والازدواجية‭ ‬في‭ ‬صرف‭ ‬الرواتب،‭ ‬وانحرافات‭ ‬دعم‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية،‭ ‬وفساد‭ ‬المتابعة‭ ‬المالية‭ ‬لبعض‭ ‬البعثات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬وغيرها‭.‬

ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬قيام‭ ‬المؤسسة‭ ‬الليبية‭ ‬للاستثمار‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬التجاوزات‭ ‬الخطيرة‭ ‬والتي‭ ‬تُخالف‭ ‬القوانين‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬عدم‭ ‬إعدادها‭ ‬لميزانيات‭ ‬مُجمعة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المالية‭ ‬السابقة‭ ‬وحتى‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬قيامها‭ ‬بإجراء‭ ‬أي‭ ‬مصادقات‭ ‬للأرصدة‭ ‬المدينة‭ ‬والدائنة‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬الأرصدة‭ ‬الظاهرة‭ ‬نهاية‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬بأن‭ ‬الأرقام‭ ‬الواردة‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬المؤسسة‭ ‬فحسب‭. ‬وكشف‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬عجزه‭ ‬رصد‭ ‬وفحص‭ ‬حسابات‭ ‬المؤسسة‭ ‬عن‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬نظر‭ ‬القصور‭ ‬مالي‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬بإدخال‭ ‬القيود‭ ‬اليومية‭ ‬المُتعلقة‭ ‬بالسنة‭ ‬المالية‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬وكذلك‭ ‬مذكرات‭ ‬تسوية‭ ‬المصارف‭.‬

وعن‭ ‬الأموال‭ ‬الليبية‭ ‬المُجمدة‭ ‬بالخارج‭ ‬بين‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬بلغت‭ ‬قيمتها‭ ‬33‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬ودائع‭ ‬وأسهم‭ ‬وسندات‭ ‬ومحافظ‭ ‬وصناديق‭ ‬استثمارية،‭ ‬فيما‭ ‬بلغت‭ ‬خسائر‭ ‬التجميد‭ ‬مبلغ‭ ‬يتجاوز‭ ‬43‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا‭ ‬نتيجة‭ ‬لدفع‭ ‬الفوائد‭ ‬السالبة‭ ‬للمصارف‭ ‬المودعة‭ ‬فيها‭ ‬أموال‭ ‬المؤسسة‭ ‬الليبية،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬بأن‭ ‬رواتب‭ ‬الموظفين‭ ‬والمزايا‭ ‬الأخرى‭ ‬كالتأمين‭ ‬الصحي‭ ‬ومصاريف‭ ‬الدراسة‭ ‬وبدل‭ ‬الهاتف‭ ‬والنقل‭ ‬والسكن‭ ‬إلى‭ ‬موافقة‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬المؤسسة‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬لوائح‭ ‬مُنظمة‭ ‬لنشاط‭ ‬الشركة،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬تقاضي‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬لرواتبهم‭ ‬دون‭ ‬تواجدهم‭ ‬بالمقر‭ ‬في‭ ‬مالطا‭.‬

وتناول‭ ‬التقرير‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬اتهمها‭ ‬بإبرام‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تعويض‭ ‬للمقاولين‭ ‬لا‭ ‬يستحقونها،‭ ‬وتغريم‭ ‬الدولة‭ ‬مبالغ‭ ‬طائلة،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬الإدارة‭ ‬لصالح‭ ‬الشريك‭ ‬الأجنبي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التحايل‭ ‬والتلاعب‭ ‬في‭ ‬عقود‭ ‬التأمين‭ ‬الطبي،‭ ‬والتوسع‭ ‬في‭ ‬إبرام‭ ‬العقود‭ ‬وتكليفات‭ ‬العمل‭ ‬المباشرة،‭ ‬دون‭ ‬دراسة‭ ‬جدوى‭ ‬تلك‭ ‬التعاقدات،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬فصل‭ ‬التقرير‭ ‬فيها،‭ ‬هي‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬والاتصال‭ ‬الدولي،‭ ‬وتناول‭ ‬بالتفصيل،‭ ‬بعض‭ ‬السفارات‭ ‬والقنصليات‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬شهدت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬عمليات‭ ‬وصفها‭ ‬التقرير‭ ‬بالتجاوزات‭ ‬والفساد‭.‬

وسجل‭ ‬تقرير‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬عدة‭ ‬ملاحظات‭ ‬على‭ ‬الآداء‭ ‬المالي‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الخارجية،‭ ‬تركزت‭ ‬حول‭ ‬ضعف‭ ‬نظام‭ ‬الرقابة‭ ‬الداخلية‭ ‬المُطبَّق‭ ‬بالوزارة،‭ ‬وأبرز‭ ‬عدة‭ ‬نقاط‭ ‬جاءت‭ ‬كالتالي‭:‬

  • ‭ ‬التعاقد‭ ‬بطريقة‭ ‬التكليف‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الشركات،‭ ‬التي‭ ‬نفذت‭ ‬أعمال‭ ‬مقاولات‭ ‬ودون‭ ‬إجراء‭ ‬مفاضلة‭ ‬ومناقصة‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭.‬
  • ‭ ‬القيام‭ ‬بتسليم‭ ‬بعض‭ ‬الصكوك‭ ‬لأشخاص‭ ‬غير‭ ‬مستفيدين،‭ ‬في‭ ‬مخالفة‭ ‬لنصوص‭ ‬القوانين‭ ‬الحاكمة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭.‬
  • ‭ ‬تسجيل‭ ‬حالات‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬المعاملات‭ ‬الخاصة‭ ‬بعلاوات‭ ‬سفر‭ ‬الموظفين‭ ‬وما‭ ‬رافقها،‭ ‬وعدم‭ ‬تحديد‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المهام‭ ‬الموفدين‭ ‬من‭ ‬أجلها‭.‬

 

كما‭ ‬شمل‭ ‬التقرير‭ ‬تجاوزات‭ ‬في‭ ‬الإجراءات‭ ‬وتطبيق‭ ‬النظم‭ ‬واللوائح‭ ‬في‭ ‬السفارات‭ ‬والقنصليات‭ ‬والبعثات‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الملاحظات‭ ‬من‭ ‬بينها‭:‬

  • ‭ ‬عدم‭ ‬إنهاء‭ ‬فترة‭ ‬إيفاد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬الذين‭ ‬انتهت‭ ‬فترة‭ ‬عملهم‭ ‬بالخارج‭ ‬وفقًا‭ ‬للفترات‭ ‬المحددة‭ ‬قانونيًا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬قيام‭ ‬الوزارة‭ ‬باتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬اللازمة‭ ‬في‭ ‬الموظفين‭ ‬الذين‭ ‬بلغوا‭ ‬سن‭ ‬التقاعد‭.‬
  • ‭ ‬قصور‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬متابعة‭ ‬الحسابات‭ ‬المصرفية‭ ‬التي‭ ‬تُديرها‭ ‬البعثات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بالخارج‭ ‬والأرصدة‭ ‬الدفترية‭ ‬وتقرير‭ ‬مصروفاتها‭.‬

كما‭ ‬تناول‭ ‬التقرير‭ ‬تزايد‭ ‬أعداد‭ ‬الموظفين‭ ‬والعاملين‭ ‬بالخارج‭ ‬بشكل‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه،‭ ‬وما‭ ‬ترتبت‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬مصروفات‭ ‬ومخصصات‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬رفع‭ ‬قيمة‭ ‬الرواتب‭ ‬والأجور‭.‬

وخصص‭ ‬تقرير‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬مساحات‭ ‬خاصة‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬السفارات‭ ‬والقنصليات‭ ‬التي‭ ‬سجل‭ ‬ملاحظات‭ ‬على‭ ‬آدائها‭ ‬المالي‭ ‬وأثبت‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التجاوزات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬ارتكابها‭ ‬فيها،‭ ‬وتمثلت‭ ‬معظم‭ ‬المخالفات‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬التقيُّد‭ ‬بالنظم‭ ‬واللوائح،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬هدر‭ ‬مبالغ‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬أبوابها،‭ ‬ولصالح‭ ‬أشخاص‭ ‬بعضهم‭ ‬مسؤولون‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السفارات،‭ ‬وآخرون‭ ‬لا‭ ‬يمُتون‭ ‬لها‭ ‬بأي‭ ‬صلة،‭ ‬وبلغت‭ ‬تقديرات‭ ‬التقرير‭ ‬لتلك‭ ‬المبالغ‭ ‬بمئات‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات،‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬قائمة‭ ‬السفارات‭ ‬التي‭ ‬أفسح‭ ‬لها‭ ‬التقرير‭ ‬مجالًا‭ ‬تفصيليًا‭ ‬سفارات‭ ‬وقنصليات‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬ومصر‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭.‬

وبعيدًا‭ ‬عما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬التقرير‭ ‬من‭ ‬مخالفات‭ ‬وتجاوزات‭ ‬عديدة‭ ‬تستحق‭ ‬الوقوف‭ ‬عندها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نشر‭ ‬التقرير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الإعلامي‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬تفاصيله‭ ‬دون‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬قانونية‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خضع‭ ‬التقرير‭ ‬لحملة‭ ‬إعلامية‭ ‬واستغلته‭ ‬عدة‭ ‬أطراف‭ ‬سياسية‭ ‬ووظفته‭ ‬سياسيًا‭ ‬لمصلحتها‭.‬

تقرير الديوان بعيون ناقدة:

بقراءة‭ ‬موضوعية‭ ‬للتقرير‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظات‭ ‬المهنية‭ ‬المُتعلقة‭ ‬بالصياغة‭ ‬والأسلوب‭ ‬وأبرزها‭ ‬الملاحظة‭ ‬الرئيسية‭ ‬على‭ ‬التقرير‭ ‬استخدامه‭ ‬لبعض‭ ‬المصطلحات‭ ‬المسيَّسة‭ ‬مثل‭ ‬عبارة‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬طرابلس،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬ألزم‭ ‬الديوان‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬تقريره‭ ‬بلُغة‭ ‬مهنية‭ ‬محايدة‭ ‬موضوعية‭. ‬بل‭ ‬استخدم‭ ‬في‭ ‬الصفحة‭ ‬15‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬حكومات‭ ‬طرابلس‭ ‬والبيضاء‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬مصطلحات‭ ‬لم‭ ‬ترد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬تشريع‭ ‬يستند‭ ‬عليه‭ ‬الديوان،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاتفاق‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬أحال‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭.‬

كما‭ ‬لوحظ‭ ‬الإيحاء‭ ‬بأن‭ ‬قيمة‭ ‬الهدر‭ ‬المالي‭ ‬بلغ‭ ‬277‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬خلال‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬دون‭ ‬تفصيل،‭ ‬حيث‭ ‬جمع‭ ‬آداء‭ ‬عدة‭ ‬حكومات‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2012‭ ‬إلى‭ ‬2017م‭ ‬في‭ ‬رقم‭ ‬واحد‭.‬

بينما‭ ‬قام‭ ‬مُعد‭ ‬التقرير‭ ‬بتفصيل‭ ‬مصاريف‭ ‬الحكومة‭ ‬المؤقتة‭ ‬في‭ ‬البيضاء‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬تقريره‭ ‬أنها‭ ‬خارج‭ ‬نطاقه،‭ ‬إذ‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬المؤقتة‭ ‬أنفقت‭ ‬21‭.‬148‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬منها‭ ‬13.420‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬رواتب،‭ ‬و1‭.‬539‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬على‭ ‬الدعم،‭ ‬وما‭ ‬تبقى‭ ‬نحو‭ ‬6‭ ‬مليارات‭ ‬دينار‭ ‬موزعة‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭.‬

تساؤلات قانونية:

السؤال‭ ‬الأبرز‭ ‬عن‭ ‬الصفة‭ ‬الرسمية‭ ‬للسيد‭ ‬‮«‬خالد‭ ‬شكشك‮»‬‭ ‬رئيس‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬عزله‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬سنة‭ ‬2014م‭ ‬وصدور‭ ‬حكم‭ ‬قضائي‭ ‬ضده‭ ‬لكن‭ ‬تم‭ ‬التمديد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬‮«‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬العام‮»‬‭ ‬سنة‭ ‬2014م‭ ‬أثناء‭ ‬ازدواجية‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭.‬

ولو‭ ‬تجاوزنا‭ ‬مسألة‭ ‬صفة‭ ‬رئيس‭ ‬الديوان،‭ ‬وانتقلنا‭ ‬لنقاط‭ ‬قانونية‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬دقة،‭ ‬تتعلق‭ ‬بصلاحية‭ ‬الديوان‭ ‬واختصاصاته،‭ ‬وأولها‭ ‬عدم‭ ‬تقديم‭ ‬الديوان‭ ‬للسلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬قانون‭ ‬إنشائه‭ ‬وهو‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬19‭ ‬لسنة‭ ‬2013م،‭ ‬حيث‭ ‬تنص‭ ‬المادة‭ ‬رقم‭ ‬62‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬“يُقدَّم‭ ‬التقرير‭ ‬للسلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬ومجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬خلال‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬انتهاء‭ ‬السنة‭ ‬المالية”أي‭ ‬بحلول‭ ‬30‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬فلماذا‭ ‬أخَّر‭ ‬الديوان‭ ‬تقريره‭ ‬ستين‭ ‬يومًا؟

والتساؤل‭ ‬الثاني‭ ‬لماذا‭ ‬وقف‭ ‬الديوان‭ ‬عاجزًا‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬التجاوزات‭ ‬المالية‭ ‬والمحاسبية‭ ‬ولم‭ ‬يتخذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬قانونًا‭ ‬فمثلًا‭ ‬حددت‭ ‬المادة‭ ‬19‭ ‬وفقًا‭ ‬لأحكام‭ ‬القانون‭ ‬19‭ ‬لسنة‭ ‬2013م‭ ‬إجراءات‭ ‬مصاحبة‭ ‬للإحالة‭ ‬على‭ ‬جهة‭ ‬الاختصاص،‭ ‬إذ‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬الديوان‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬اكتشاف‭ ‬خلل،‭ ‬أن‭ ‬يوصي‭ ‬بإيقاف‭ ‬متقلدي‭ ‬المناصب‭ ‬عن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬مناصبهم،‭ ‬وتقدير‭ ‬الضرر‭ ‬والأموال‭ ‬المُهدرة‮»‬‭.‬

وأيضًا‭ ‬منحت‭ ‬المواد‭ ‬رقم‭ ‬50‭ ‬ورقم‭ ‬51‭ ‬ورقم‭ ‬56‭ ‬للديوان‭ ‬حق‭ ‬“إيقاف‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ثبُت‭ ‬تورطه‭ ‬في‭ ‬فساد‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬وكذلك‭ ‬تجميد‭ ‬حسابات‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬ثبُت‭ ‬إهدارها‭ ‬للمال‭ ‬العام،‭ ‬وأن‭ ‬يأمر‭ ‬بالحجز‭ ‬الإداري‭ ‬على‭ ‬أمواله‭ ‬لمن‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬إهدار‭ ‬المال‭ ‬العام‮»‬‭.‬

وأخيرًا‭ ‬فإن‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬وفقًا‭ ‬لأحكام‭ ‬القانون‭ ‬19‭ ‬لسنة‭ ‬2013م‭ ‬متى‭ ‬تبين‭ ‬له‭ ‬وجود‭ ‬مخالفات‭ ‬إدارية‭ ‬فإنه‭ ‬يُحيل‭ ‬الأوراق‭ ‬بشأنها‭ ‬لهيئة‭ ‬الرقابة‭ ‬الإدارية‭ ‬ومتى‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬الوقائع‭ ‬تُشكل‭ ‬جريمة‭ ‬جنائية‭ ‬يُحيل‭ ‬بشأنها‭ ‬الأوراق‭ ‬للنائب‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬الادعاء‭ ‬العسكري‭ ‬بحسب‭ ‬الاختصاص،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬للديوان‭ ‬صلاحية‭ ‬الاستدلال‭ ‬والإيقاف‭ ‬المؤقت‭ ‬فقط‭ ‬مع‭ ‬التنويه‭ ‬أن‭ ‬لعضو‭ ‬الديوان‭ ‬المختص‭ ‬سلطة‭ ‬الاستدلال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭.‬

وهذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬تتكرر‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬ومع‭ ‬صدور‭ ‬كل‭ ‬تقرير،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يتخذ‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬للمحاسبة‭ ‬والعقاب‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬هذه‭ ‬التجاوزات‭ ‬والمخالفات‭.‬

ولا‭ ‬يُعد‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬الجهة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬ضبطت‭ ‬حالات‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬تقرير‭ ‬لجنة‭ ‬الخبراء‭ ‬التابع‭ ‬لمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬رصد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬المخالفة‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬الأخير‭.‬

وحتى‭ ‬الصحافة‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬هذه‭ ‬المخالفات‭ ‬والتجاوزات‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬تُعد‭ ‬مؤشرًا‭ ‬خطيرًا‭ ‬لحالة‭ ‬الفساد‭ ‬المُستشرية‭ ‬حيث‭ ‬نشر‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬إنكيفادا‮»‬‭ ‬تقريرًا‭ ‬استقصائيًا‭ ‬بيَّن‭ ‬فيه‭ ‬حالات‭ ‬التلاعب‭ ‬في‭ ‬المستندات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالاعتمادات‭ ‬المستندية‭ ‬وعملية‭ ‬تدوير‭ ‬الأموال‭ ‬بين‭ ‬ليبيا‭ ‬وتونس‭ ‬لتهريبها‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬الساحة‭ ‬المالية‭ ‬التونسية‭ ‬شبه‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬التدفّقات‭ ‬المالية‭ ‬المتأتّية‭ ‬من‭ ‬ليبيا‭ ‬عبر‭ ‬اعتمادات‭ ‬مستندية‭ ‬مفتعلة‭ ‬للتغطية‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬مُعقّدة‭ ‬ومُركّبة‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬المضاربة‭ ‬وتبييض‭ ‬الأموال‭.‬

ردود الأفعال الرسمية:

وتوالت‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬الرسمية‭ ‬على‭ ‬التقرير‭ ‬كان‭ ‬أبرزها‭ ‬تدخل‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للقضاء‭ ‬وإصدار‭ ‬تعليماته‭ ‬للنائب‭ ‬العام‭ ‬وبشكل‭ ‬عاجل‭ ‬دراسة‭ ‬تقرير‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬بكل‭ ‬عناية‭ ‬ودقة‭ ‬وإحالة‭ ‬من‭ ‬يثبُت‭ ‬تورطه‭ ‬في‭ ‬المخالفات‭ ‬المالية‭ ‬إلى‭ ‬القضاء،‭ ‬حيث‭ ‬طلب‭ ‬المجلس‭ ‬الاتصال‭ ‬الفوري‭ ‬والمباشر‭ ‬بديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬لطلب‭ ‬إرفاق‭ ‬محاضر‭ ‬الاستدلالات‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الديوان‭ ‬مع‭ ‬كافة‭ ‬الوثائق‭ ‬والمستندات‭ ‬والأدلة‭ ‬المؤيدة‭ ‬لتلك‭ ‬الاتهامات‭ ‬والوقائع‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬أكد‭ ‬المستشار‭ ‬الإعلامي‭ ‬لرئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬“فتحي‭ ‬المريمي”‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬المستشار‭ ‬“عقيلة‭ ‬صالح”‭ ‬كلَّف‭ ‬أشرف‭ ‬الدرسي‭ ‬المستشار‭ ‬القانوني‭ ‬لرئاسة‭ ‬المجلس‭ ‬النواب‭ ‬بتقديم‭ ‬بلاغ‭ ‬إلى‭ ‬النائب‭ ‬العام،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فتح‭ ‬التحقيقات‭ ‬القانونية‭ ‬اللازمة‭ ‬حول‭ ‬المخالفات‭ ‬والتجاوزات‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬وضرورة‭ ‬محاسبة‭ ‬كل‭ ‬مخالف‭ ‬ومتجاوز‭ ‬وسارق‭ ‬للمال‭ ‬العام‭ ‬وفق‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬النافذة‭ ‬بالخصوص‭.‬

وحتى‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬مُمثَّلة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬بحكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني،‭ ‬شكَّلت‭ ‬لجنة‭ ‬فنيّة‭ ‬تضم‭ ‬وكيلا‭ ‬لوزارة‭ ‬ومديري‭ ‬الإدارات‭ ‬المعنية،‭ ‬لدراسة‭ ‬تقرير‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬للعام‭ ‬المالي‭ ‬2017،‭ ‬والتحقق‭ ‬بما‭ ‬ورد‭ ‬به‭ ‬واستخلاص‭ ‬النتائج‭ ‬الفنية‭.‬

وأشارت‭ ‬الوزارة،‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬لها،‭ ‬إلى‭ ‬أنّها‭ ‬‮«‬ستقوم‭ ‬بمتابعة‭ ‬كافة‭ ‬الملاحظات‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تصحيحها‭ ‬واتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬اللازمة‭ ‬حيال‭ ‬التوصيات‮»‬،‭ ‬مُرحبة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بقيام‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقابية‭ ‬بدورها‭ ‬في‭ ‬‮«‬المتابعة‭ ‬والتصحيح‭ ‬واكتشاف‭ ‬الأخطاء‭ ‬واستدراكها‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬تكرارها‮»‬‭.‬

ودعت‭ ‬الوزارة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬ضرورة‭ ‬معاقبة‭ ‬المخالفين‭ ‬إن‭ ‬ثبت‭ ‬تورطهم‮»‬،‭ ‬مطالبة‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬بإخطار‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬بملاحظاته‭ ‬ونتائج‭ ‬مراجعته‭ ‬وتلقي‭ ‬الردود‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الجهات،‭ ‬لافتة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬مخالفات‭ ‬تُمثل‭ ‬جُنحًا‭ ‬أو‭ ‬جنايات‭ ‬وجب‭ ‬عليه‭ ‬إحالة‭ ‬الأشخاص‭ ‬المرتكبين‭ ‬لها‭ ‬للتحقيق‭ ‬وعرض‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬نددت‭ ‬عدة‭ ‬أطراف‭ ‬بتقرير‭ ‬الديوان‭ ‬وتخلل‭ ‬ذلك‭ ‬اتهامات‭ ‬ومبررات‭. ‬فالحكومة‭ ‬المؤقتة،‭ ‬اتهمت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الناطق‭ ‬الرسمي‭ ‬باسمها،‭ ‬‮«‬حاتم‭ ‬العريبي”‭ ‬رئيس‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬‮«‬خالد‭ ‬شكشك‮»‬،‭ ‬بأنه‭ ‬ينتحل‭ ‬صفة‭ ‬رئيس‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬ويُمارس‭ ‬سلطة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬أعفاه‭ ‬من‭ ‬مهامه‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬رسمية‭ ‬بنصاب‭ ‬قانوني‭. ‬وأكد‭ ‬‮«‬العريبي‮»‬‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬له،‭ ‬أن‭ ‬كُلما‭ ‬ذكر‭ ‬من‭ ‬أرقام‭ ‬قد‭ ‬صرفت‭ ‬وأوردها‭ ‬التقرير‭ ‬المعروض‭ ‬ليس‭ ‬للحكومة‭ ‬المؤقتة‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬بها‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬لافتًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬المؤقتة‭ ‬منذ‭ ‬نيلها‭ ‬ثقة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2014‭ ‬وهي‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاقتراض‭ ‬القانوني‭ ‬عبر‭ ‬المصرف‭ ‬المركزي‭ ‬الشرعي‭ ‬بمدينة‭ ‬البيضاء‭.‬

نظرة إيجابية:

وأخيرًا‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬للجانب‭ ‬الممتلئ‭ ‬من‭ ‬الكأس‭ ‬فإننا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتفاءل‭ ‬بهذا‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬جانبًا‭ ‬إيجابيًا‭ ‬مُهمًا‭ ‬وهو‭ ‬قيام‭ ‬مؤسسة‭ ‬ليبية‭ ‬بواجبها‭ ‬الرقابي‭ ‬والوظيفي‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬شاب‭ ‬عملها‭ ‬بعض‭ ‬الخلل‭.‬

حيث‭ ‬إن‭ ‬استمرار‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬بالقيام‭ ‬بواجبها‭ ‬الرقابي‭ ‬رغم‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي‭ ‬والازدواج‭ ‬الحكومي‭ ‬والانفلات‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬تُشكل‭ ‬عوائق‭ ‬مُعقدة‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬جهات‭ ‬رقابية‭ ‬أو‭ ‬تنفيذية،‭ ‬للقيام‭ ‬بواجباتها‭ ‬الوظيفية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬انتظام‭ ‬صدور‭ ‬تقرير‭ ‬ديوان‭ ‬المحاسبة‭ ‬سنويًا‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬تقع‭ ‬فعليًا‭ ‬إجراءات‭ ‬عقابية‭ ‬للمخالفين‭ ‬فإنه‭ ‬يظل‭ ‬عاملًا‭ ‬توثيقيًا‭ ‬مهمًا‭ ‬للمخالفات‭ ‬والتجاوزات‭ ‬المالية‭ ‬وسيتمكن‭ ‬القضاء‭ ‬الليبي‭ ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬محاسبة‭ ‬المخالفين‭ ‬استنادًا‭ ‬لهذه‭ ‬التقارير‭ ‬بعد‭ ‬مراجعتها‭ ‬والتأكد‭ ‬مما‭ ‬ورد‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬معلومات‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *