إصداراتالدولتونسحواراتمنتدى دعم

حوار مع يمينة الزغلامي: كان من الأجدى أن تكون الهيئة المتكفلة بمسار العدالة الانتقالية مستقلة سياسيًا عن كل التجاذبات

السيّدة يمينة الزغلامي، نائبة بمجلس نواب الشعب عن حركة النهضة، انتقدت ما وصفته باخفاقات مسار العدالة االنتقالية في جوانب كثيرة غير أنّها لم تُخف أملها في أن تتواصل التجربة حتّى بعد نهاية عهدة هيئة الحقيقة والكرمة حتّى تلتئم جراح الماضي ونطوي صفحة الظلم والعسف والقمع.

يمينة الزغلامي

باقتراح من حركة النهضة وتحديدًا من الأستاذ سمير ديلو تمت إضافة العدالة الانتقاليّة إلى وزارة حقوق الإنسان.. فبعد مرور هذه السنوات هل ترون أن هذا الاختيار كان صائبًا أم لا؟

إن الاختيار كان سليمًا ولكن هناك أخطاء وقعت في المسار، كان السيد سمير ديلو هو صاحب المقترح بإضافة مسألة العدالة الانتقاليّة إلى وزارة حقوق الإنسان، وقد وقع تبني هذا الموقف من طرف حركة النهضة وربما يعود هذا إلى تكوين السيد سمير ديلو الحقوقي، لكن الوزارة عندما ابتدأت الاشتغال على القانون لم تنفرد وحدها بالصياغة بل أشركت المجتمع المدني فيها.

قانون العدالة الانتقاليّة في تونس يتعلق ليس فقط بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولكن أيضًا بالفساد المالي، وهي تجربة فريدة من نوعها في العالم. هذا القانون كان نتاج استشارة وطنية وأخذ من الوقت حوالي السنة والنصف لإعداد القانون، وكان هناك دعم من عدة شركاء دوليين. مسار العدالة الانتقاليّة لا يقتصر في الهيئة بل هو مسار متكامل بدأ قبل الهيئة ويجب أن يتواصل بعد تقديمها لتقريرها النهائي. كان هناك دعم من عدة منظمات دولية أيضًا للقيام بهذه الاستشارة الوطنية لصياغة القانون.

لو تم تخيير الأستاذ سمير ديلو بين الحكومة والمجتمع المدني للقيام بالإشراف على تجربة العدالة الانتقاليّة أظن انه سيختار المجتمع المدني الآن بعد 8 سنوات من تجربة العدالة الانتقاليّة التي اعتبر أنها مسار متكامل ولا يقتصر على هيئة الحقيقة والكرامة لتنفيذ هذا المسار حتى بعد انتهاء عهدة الهيئة فهو منوط بعهدة الدولة، أنا أرى أنه من الأفضل إشراف المجتمع المدني، وكان من الأجدى أيضًا أن تكون الهيئة المتكفلة بهذه المسالة مستقلة سياسيًا عن كل التجاذبات.

امتنع جزء كبير من التيار المدني عن المشاركة في الحوار وكان هناك اتهام بسيطرة حركة النهضة على هذا الحوار كما تم اتهام المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمركز الدولي للعدالة الانتقاليّة بتبني رؤية حركة النهضة حول العدالة الانتقاليّة وتم التصويت على قانون العدالة الانتقاليّة في الليل وحصل اعتراض عليه من قِبل عدة جمعيات وأطراف.. فهل ترون أنه كان هناك بطء من الحركة السياسية داخل البرلمان مما أجبر بعض الأحزاب من بينها النهضة لتمرير هذا القانون بسرعة قبل الخروج من الحكم؟

هناك مجموعة كبيرة من الحقوقيين في تونس يعتبرون أن المجال الحقوقي هو حِكر عليهم ولم يتقبلوا وجود أناس جدد يشاركونهم المجال الحقوقي، ولذلك هم امتنعوا عن المشاركة في الحوار الخاص بالعدالة الانتقاليّة. البطء في البرلمان في تمرير القانون كان نتيجة خيار سياسي. الخيار السياسي المؤمن والمقتنع بخيار قانون تحصين الثورة وبخيار القوانين المشابهة لقانون الاجتثاث في العراق ولكنه أخف قليلًا والذي يمنع المنضمين إلى النظام القديم من المشاركة في الحياة السياسية والمنع كان من المقترح أكثر من 10 سنوات.

لقد قمنا بثورة سلمية واصطففنا وراء المجلس الوطني التأسيسي الذي كان من المفروض أن يجتث هؤلاء من الحياة السياسية إذا كانت هناك هذه المقاربة ولها حججها ولها من يؤمن بها إيمانًا راسخًا وأنا كنت من بين هؤلاء مقترح قانون تحصين الثورة كان مقترح حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ولكننا طورناه وأضفنا له فصولًا تعنى أكثر بالمحاسبة وبالمنع.

وبين تيار آخر وسياسيين آخرين يرون أن المجال مجال عدالة انتقالية بعد الاطلاع عن كثب لتجارب مقارنة في العدالة الانتقاليّة من خلال أعمال وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقاليّة التي شاركت فيها تغيرت القناعة لدي من ضرورة أن تتبنى تونس منظومة العدالة الانتقاليّة كمنظومة متكاملة.

عند التصويت وقعت جملة من التعديلات مثل النقطة المتعلقة بتزوير الانتخابات فما رأيك؟

قانون العدالة الانتقاليّة التونسي كانت فيه ميزة أنه لم يكن متعلقًا فقط بانتهاكات حقوق الإنسان ولكن أيضًا بالفساد المالي، وفي هذه النقطة تمت إضافة نقطتان هما الهجرة القسرية وتزوير الانتخابات من طرف حركة النهضة في التعديلات التي تمت إضافتها للقانون، الانتهاكات الجسيمة ليس فيها مصالحة بل تمر مباشرة للدوائر المتخصصة أما قضايا الفساد المالي ففيها إمكانية الصلح والصلح يوقف التتبع.
كان هناك اختلاف حول طريقة اختيار أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة فهل كانت هناك محاصصة بين الأحزاب هناك مزج بين خيارات حزبية مقيدة بالسلم التقييمي وليس بالمرجعية الحزبية.

نحن في كتلة حركة النهضة في بعض الأحيان اخترنا أشخاص كفاءات ليس لنا بهم أي علاقة بل فقط احترامًا للسلم التقييمي وتم انتخاب أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة بالتوافق بين الكتل البرلمانية.

في كل التجارب الديمقراطية لن تكون الهيئات مركزة منذ البداية بصفة كاملة ولذلك نحن إلى الآن بصدد تركيز بعض الهيئات. مثل المحكمة الدستورية التي من الضروري تركيزها الآن. تم اختيار أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة بالتوافق التام.

فيما يخص مسألة التمديد في عهدة الهيئة.. هل يُعتبر البرلمان مسئولًا عن الصراع الذي حدث فيما يتعلق بمُدة عمل الهيئة التي بدأت فيها الانشقاقات منذ الإعلان عمن سيترأسها؟

هذه هيئة مستقلة تم انتخاب أعضائها بالتوافق وبدأت بوادر الانشقاق منذ البداية بين الشماري وسهام بن سدرين وبعد بداية إيداع الملفات وانطلاق عمل الهيئة حدثت عدة استقالات في الهيئة وتم إعفاء بعض الأعضاء أيضًا ولكن بما أن الهيئة مستقلة لم يتدخل البرلمان في الخلافات الداخلية لها.

وكان يفتح النقاش في كل مرة داخل البرلمان عند التصويت على ميزانية الهيئة ولو لم تكن ميزانية الهيئة ضمن ميزانية الدولة لما تم التصويت عليها ولحدثت أزمة إذ ما كان يدفع بعض النواب على التصويت على الميزانية هو أن رئيس الحكومة في كل مرة يقول إنه يجب التصويت لإنها جزء من الميزانية العامة وإن لم يقع التصويت على ميزانية الهيئة فإنه لن يقع التصويت على ميزانية الدولة ككل.

وقع تدخل البرلمان أيضًا لسد الشغور بعد عمل كبير قامت به لجنة مضيقة داخل البرلمان ووقع رفع هذا المطلب للجلسة العامة ولكن تسبب غياب نائب فقط في جلسة التصويت بفشل العملية ككل وطويت مسألة سد الشغور، ويتحمل البرلمان بكل كتله وتياراته المسؤولية كاملة في هذه المسألة. إلى حد الآن هناك مشكلة النصاب في الهيئة والجميع يتحمل المسؤولية في هذا.

جلسات الاستماع الكثيرة ساهمت في تخفيف الحمل على الضحايا فقط رغم أن الجلسات كانت مكثفة ولا تتناسب مع الإمكانيات المادية للهيئة

ما رأيك فيما يخص موقف حركة النهضة من قانون المصالحة وما أسباب مساندة جزء من نواب الحركة له؟

قانون المصالحة الإدارية هو قانون مقترح من طرف رئيس الجمهورية الذي من حقه تقديم مقترحات قانونية وتجدر الإشارة إلى أن أول من تصالح مع النظام القديم في 2012 وقدمه كمنقذ للبلاد في إطار تجربة مجموعة إنقاذ تونس، إذًا هذا هو اللقاء الأول بين النظام القديم والمجموعة الديمقراطية أما نحن في حركة النهضة فقد تطورنا في إطار فهمنا العميق للواقع السياسي التونسي وقد تم تمرير قانون المصالحة في إطار التوافق وقد تحول قانون المصالحة إلى قانون عفو إداري في 8 فصول.
هناك معادلة صعبة جدًا وضعنا أمامها وتتمثل في المحافظة على التوافق مع الباجي قائد السبسي حرصًا على التجربة الديمقراطية في البلاد والحفاظ على منظومة العدالة الانتقاليّة ولكن تم تعديل قانون المصالحة وتم إلغاء عدة فصول كانت محل خلاف كبير.

هل تعتبرين أن تجربة هيئة الحقيقة والكرامة وتجربة العدالة الانتقاليّة ككل في تونس تجربة ناجحة؟

جلسات الاستماع الكثيرة ساهمت في تخفيف الحمل على الضحايا فقط رغم أن الجلسات كانت مكثفة ولا تتناسب مع الإمكانيات المادية للهيئة.
يجب أن تنتهي منظومة العدالة الانتقاليّة إلى مصالحة وطنية شاملة وإلى طي صفحات الماضي من انتهاكات حقوق الإنسان بكل أشكالها والاعتراف بالحقيقة وأن تقوم هذه المنظومة كذلك بإدخال الجلاد فيها لأن العدالة الانتقاليّة لا تتعلق فقط بالضحية إذ إنه في بعض المنظومات الناجحة جدًا للعدالة الانتقاليّة دخل الجلادون للمنظومة وأصبحوا من الفاعلين فيها. من الأكيد أن المنظومة في تونس ستكون ناجحة في بعض المسارات ومخفقة في البعض الآخر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *