الدولبياناتمصر

مصر: يد تعرض المصالحة ويد تستمر في التعذيب

مازال المشهد السياسي المصري يُراوحُ مكانه بل ويزداد سوءا يوما بعد يوم، فلا التعذيب توقّف ولا عصا القمع توقّفت عن التضييق على النشطاء واعتقالهم.

فبالرغم من حالة التفاؤل والترحيب التي جابهت بها جميع الأطراف السياسية في مصر مبادرةَ الصّلح التي طرحها الإعلامي عمرو أديب – المحسوب على النظام المصري- والتّي تتضمن الإفراج على المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، إلا أنّ ما يحصل على أرض الواقع من مواصلة واستماتة في نهج القمع والايقافات العشوائية أسقط كلّ شرعيّة عن المبادرة وبيّن أنّها، كما جرت العادة، لم تكن سوى ذرّ رماد على العيون وفقاعة إعلامية أخرى لإلهاء النشطاء عن مواصلة النضال المشروع ضدّ الدكتاتورية.

 فلم تمر ساعات قليلة عن إطلاق مبادرة أديب حتّى دشّنت السلطات حملات اعتقال جديدة لمجموعة منتقاة من النشطاء. وقامت مجموعة أفراد بزي مدني بحوزتهم أسلحة وأجهزة لاسلكي، باختطاف الناشطة السياسية والصحفية إسراء عبد الفتاح، من سيارتها، فيما داهمت قوات شرطة بزي مدني منزل عضو حزب العيش والحرية عبدالله السعيد، وألقي القبض على مصطفى الخطيب مراسل وكالة أسوشيتد برس في القاهرة.

مصطفي الخطيب مراسل وكالة أسوشيتد برس في القاهرة
الناشطة السياسية والصحفية إسراء عبدالفتاح

إسراء تمّ عرضها يوم الاثنين 14 أكتوبر 2019، على نيابة أمن الدولة بصفتها متهمة في القضية رقم 488 التي تجمع عددا كبيرا من النشطاء والحقوقيين وفي مقدّمتهم المحامية الحقوقية ماهينور المصري والصحفي خالد داوود.  وتواجه اسراء، كغيرها من المحسوبين على القضيّة ذاتها، سيلا من الاتهامات المعتادة في نيابة أمن الدولة والتي تدور عادة في فلك “الانضمام الى تنظيم إرهابي، نشر اخبار كاذبة، إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”. وقد وصلت إسراء الى النيابة حاملة إصابات عديدة في جسدها تتمثّل في كدمات في وجهها ويديها وكتفها وأماكن متفرقة في جسدها.

ووثّقت إسراء في محضر التحقيقات أمام النيابة أنها تعرضت لتعذيب مبرح ومتواصل لمدة 24 ساعة في مقر احتجازها وذلك لمحاولة انتزاع كلمة سر هاتفها المحمول والتي ما ان صرحت بها حتّى توقّف التعذيب.

وتراوحت الاعتداءات على إسراء بين تغمية عينها وتوجيه ضربات متعددة في يديها ووجهها وجسدها، فضلا عن خنقها بملابسها وتعليقها من يديها وقدميها على ارتفاع من الأرض. وقد وثّقت في محضر التحقيقات اضرابها عن الطعام بعد أن اثبتت ما تعرضت له من تعذيب اثناء فترة احتجازها.

وعلى الرغم من توثيقها لأقوال إسراء وإثبات أثار التعذيب الواضحة بجسدها الّا أنّ النيابة لم تقم بفتح تحقيق في الواقعة أو سؤالها كمجني عليها أو عرضها على الطب الشرعي. في المقابل، وفي حركة مثيرة للاستغراب، قامت بإصدار أمر بحبسها احتياطيا لـ 15 يوما  وإرجاعها لعهدة السلطة التي قامت بتعذيبها قبل عرضها على النيابة – وقد كانت قد هُددت قبل الوصول للنيابة إنها إذا تحدثت عن التعذيب ستلقى المزيد منه عند عودتها- لكنّ نيابة أمن الدولة غضت بصرها عن كل الانتهاكات التي تعرضت لها إسراء ولم تُبال بالخطر الذي يواجهها حال عودتها مرة أخرى الى مقر الإحتجاز.

المادة 52 من الدستور المصري

"التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم."

المادة 126 من قانون العقوبات

"كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالإشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات وإذا مات المجني عليه يحاكم بالعقوبة المقررة للقتل العمد"

يأتي هذا بعد أيام قليلة من إقرار كلّ من الناشط علاء الفتاح والمحامي الحقوقي محمد الباقر في جلسة تجديد حبسهم أمام نيابة أمن الدولة أيضا بتعرضهما للتعذيب حال وصولهما لسجن “طرة 2” شديد الحراسة بعد قرار النيابة بحبسهما إحتياطيا لـ15 يوما.  

انّ ما أتته النيابة من تجاهل لوقائع تعذيب المتهمين يعتبر مخالفة صريحة للمادة 52 من الدستور المصري والتي تنصّ على أنّ “التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم.”

وتجرّم المادة 126 من قانون العقوبات تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف حيث نصت على ان “كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالإشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات وإذا مات المجني عليه يحاكم بالعقوبة المقررة للقتل العمد”.

كما تضمنت نصوص الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية واتفاقية مناهضة التعذيب العديد من النصوص التي اهتمت بجريمة التعذيب والحد منها وتجريمها ومن هذه النصوص جاءت المادة 3  من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه”.

ونصّت المادة الخامسة من الإعلان ذاته على أنّه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية والحاطّة بالكرامة”. ونصّت المادة 7  في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966  على أنّه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المعاملة الحاطه بالكرامة”.  ونصّت المادة 10  من الوثيقة ذاتها على التالي “يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة في الشخص الإنساني”.

 كما عرّفت المادة الاولى من اتفاقيه مناهضة التعذيب، التّعذيبَ على أنه “أيّ عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو ارغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز ايا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.”

تفاصيل ٢٤ ساعة من تعذيب اسراء عبد الفتاح حسب ما جاء في تدوينة للناشط المصري محمد صالح :

 ويشدد مركز دعم التحوّل الديمقراطي وحقوق الانسان (دعم) على أنه تم حظر التعذيب من قبل المجتمع الدولي استنادا على ما أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 52/149 بتاريخ 12 ديسمبر 1997، بهدف القضاء التام على التعذيب وتفعيل أداء اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، حيث اعتبرت التعذيب جريمة جسيمة لا تسقط بالتقادم بموجب القانون الدولي.

إليانور روزفالت تتفحص النسخة الانجليزية الرسمية من الاعلان العالمي لحقوق الانسان

وتأتي تلك الانتهاكات بالتزامن مع استمرار حبس أكثر من ثلاثة ألاف مواطن مصري جراء حملات اعتقالات عشوائية في شوارع القاهرة والمحافظات الداخلية على خلفية تظاهرات 20 سبتمبر الماضي، علما أنّ تلك الأرقام مستندة إلى رصد المحامين الذين يقومون بالدفاع عن المتظاهرين الذين تم اعتقالهم، بالإضافة الى الرصد الذي تقوم به مجموعة من المنظمات الحقوقية المصرية.

35
مصري معتقلين على خلفية تظاهرات 20 سبتمير

ويطالب مركز “دعم” السّلطةَ القضائيةَ المصرية ممثلة في شخص المستشار النائب العام، بفتح تحقيقات عاجلة في الإنتهاكات التي تعرض لها النشطاء المذكورون أعلاه وباقي المحبوسين على ذمة قضايا 20 سبتمبر، كما كان يجدر به أن يبدأ التحقيق في تهم الفساد وإهدار المال العام خاصة في ظلّ وجود أدلة حقيقية واعتراف من رأس السلطة القضائية على مرأى ومسمع من الجميع، بدل ملاحقة المتظاهرين السلميين والنشطاء السياسيين، اذ لا سبيل لإقامة دولة عادلة إذا لم تتحرر سلطتها القضائية من قبضة السلطة التنفيذية وتقوم بدورها الرقابي والمحاسبي الحقيقي.

ويوجه مركز “دعم” كل الدعم لجميع النشطاء والمواطنين المنتهكين في السجون المصرية مجدّدا تأكيده مواصلته الدفاع عن حقوقهم المشروعة وحريتهم المسلوبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *