“تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقًا لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة”.
كانت تلك الفقرة 11 من القرار رقم 194 الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتهـا الثالثة، بتاريخ 11 ديسمبر من عام 1948 صراحة، على ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وقراهم الأصلية التي هجروا منها، جراء الحرب، ولم يكتف القرار المذكور بتأكيد حق العود، بل تعدى ذلك إلى إيجاد آلية عملية لتطبيق هذا الحق، فنصّ في فقرته الثانية على إنشاء “لجنة توفيق دولية” أناط بها مهمة تنفيذ قرار العودة، على أن يكون مقرها الرسمي في القدس، ومن من الجدير ذكره، أن القرار (194) كان قـد صــدر قبل نحــو ستـة شهـور من تصويت الجمعـية العامـة للأمـم المتحدة في 11 مايو من عام 1949 على قبول الكيان الصهيوني دولة عضوًا في الأمم المتحدة، شريطة التزامها بميثاق الأمم المتحدة وبقرارات الهيئة الدولية ومن ضمنها القرار 194.
ومنذ ذلك التاريخ، تم التشديد على هذا القرار أكثر من مائة مرة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في العديد من قراراتها اللاحقة، وأبرزها: القرار (513) لعام 1952، القرار (2452) لعام 1968، والقرار (2936) لعام 1972. هذا فضلًا عن قرارات الجمعية العامة التي اعتبرت أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ناجمة عن إنكار حقوقهم غير القابلة للتصرف التي نصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أي تلك القرارات التي ربطت بما لا يقبل الجدل حق العودة بحق تقرير المصير وجعلت من حق العودة شرطًا إلزاميًا لتطبيق حق تقرير المصير، ونخص بالذكر هنا القرار (3236) لعام 1974، الذي أطلق عليه بعض الحقوقيين الدوليين “شرعة حقوق الشعب الفلسطيني.
إلا أن الوضع الآن تجاوز بكثير المعركة السياسية والدبلوماسية التي خاضها شرفاء فلسطين منذ حوالي 70 عاما لافتكاك حقهم في العودة، ليصل إلى معركة دم كبرى مازال أبطال يخوضونها أمام عنجهية آلة قتل صهيونية والتي تصب الحديد والنار على رؤوس الأطفال والنساء المدنيين في قطاع غزة، والذين يعانون أصلًا من تداعيات حصار دام لأكثر من 14 عامًا وذلك في أكبر حملة ابادة جماعية يشهدها التاريخ المعاصر، بعد فشل مخططات الترحيل القسري أمام عظمة الشعب الفلسطيني الأبي.
وفي استخفاف صريح بأبسط مبادئ القانون الدولي وامعانًا في مخالفة كل الاعراف الانسانية لم يترك جيش الاحتلال الاسرائيلي بندًا من بنود الاتفاقات والقوانين الكونية إلا وخرقه، بدعم وتواطؤ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبقية شركائهم في هذه الجريمة، فلم يكتفي بإقحام مدارس ومخيمات منظمات الإغاثة الدولية في بنك أهدافه العسكرية، بل واستهدف بالقصف وبشكل مباشر وعلني المستشفيات والاطقم الصحية وسيارات الإسعاف والبنى التحتية المدنية، وقطع أبسط سبل الحياة البشرية بشكل دائم من ماء وطعام وكهرباء ووقود، لتتحول غزة من أكبر سجن مفتوح في العالم إلى موقع لأكبر مقبرة جماعية في التاريخ المعاصر.
وبعد تعالي أصوات بعض المنظمات الإنسانية العاملة في القطاع، وخروج الأحرار في العالم للتنديد بهذه الجريمة البربرية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، عمد جنود نتنياهو إلى استهداف الأطقم الصحفية في أنفسهم وعائلاتهم وتم قطع الاتصالات والانترنت، محاولين إسكات صرخات الاستغاثة العالية التي تنبعث ليلًا نهارًا من تحت أنقاض المنازل ودور العبادة ومن ممرات المستشفيات المعتمة.
ومن الغريب انه وبالرغم من جرائم الحرب المؤكدة والتي تتيح للمحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسي بتتبعها، هو عدم تعهدها بالجرائم العنصرية القائمة منذ اكثر من عشرون يومًا على الفلسطينيين بالضفة الغربية، أو المجزرة القائمة بقطاع غزة، وهو ما يطرح التساؤل الجدي حول إمكانية محاسبة جميع الدول من خلال القانون الدولي، أم أن تلك المنظومة غير معنية بمجموعة من الدول العظمى ومن تقوم بدعمهم وتغطيتهم ومساندتهم مهما قاموا من انتهاكات وجرائم، ويتم الالتزام بتطبيقه فقط على الدول التي لا تتحصل على دعم تلك الدول او تخالف اجنداتها السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية والثقافية.
ولا يوجد دليل علي فشل المنظومة الدولية أكثر من وقوف أمين عام الأمم المتحدة أمام معبر رفح لعقد مؤتمر صحفي علي بعد خطوات من مذبحة ولا يمكنه حتى الضغط لإدخال المعونات الإنسانية فضلًا عن قدرته على المطالبة بوقف قتل المدنيين، وبالطبع الفشل المتكرر والمتوقع لمجلس الأمن لمجرد فرض قرار بوقف إطلاق النار.
إن مذبحة قطاع غزة 2023 هي شهادة وفاة لما كنا نعتقد أنه قانون ومنظومة دولية يجب على العالم إتباعها في سعيه للحياة بسلام، ولما كان يفترض أن يسرى علي جميع الدول والأفراد على حد سواء.
مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان (دعم) يقدم كل دعم ممكن للشعب الفلسطيني، وإن كان دعمنا هو أقل القليل في ظل أنظمة عربية متعاونة مع القتلة أو علي أقل تقدير صامته أمام تلك المذابح، وندعو كل من له صوت في أطراف العالم لنشر الحقيقة والضغط على الحكومات لإنقاذ ما بقي من الإنسانية.