أوراقإصداراتالدولليبيا

تحديث ليبيا: من مع من ولماذا؟! قراءة جيوسياسية لوضع التشكيلات المسلحة لطرفي النزاع في ليبيا (كسر عظام)

لازالت ليبيا تمر بوقت عصيب على كافة المستويات سياسيًا واقتصاديًا وخاصة على المستوي الأمني، وذلك في ظل حالة التشرذم الحاصل في الإطار السياسي والاجتماعي، وتستمر في هذه الحالة أيضًا في تطور التشكيلات المسلحة التي ورثتها ليبيا من تركة إنتفاضة 2011، وقد أصبحت هذه التشكيلات المسلحة تلعب دورًا مفصليًا في إدارة الأزمة الليبية، إضافة إلى عملية التطور التي تمر بها من عام لآخر، نحاول في هذا العمل ان نستكمل ما بدأناه منذ عامين من خلال اصدارنا السابق تحت عنوان “ليبيا: قراءة جيوسياسية في التشكيلات العسكرية لطرفي الصراع مع من ولماذا؟!“.

تتغير الواجهة العسكرية في ليبيا بشكل متسارع، وعادة ما تكون مرتبطة بالوضع السياسي والتدخلات الإقليمية والدولية التي تحدث، حيث تعتبر الأخيرة خلال السنوات الماضية هي المحرك الرئيسي لتشكيل المشهد العسكري في ليبيا، منذ الحرب الأخيرة التي مرت علي ليبيا والتي استمرت منذ 4  أبريل\أفريل 2019 حتي يونيو\جوان 2022 والتشكيلات المسلحة في وضع إستقرار نسبي على مستوى النفوذ العسكري والتوزيع الجغرافي، بل كان ملحوظًا وبوضوح ان الإمكانيات العسكرية زادت بحجم كبير جدًا، ويعد ذلك طبيعيًا من ناحية أن الإمدادات العسكرية كانت متوفرة بكثرة وبشكل موسع ومن جهات متعددة، خاصة في الغرب الليبي الذي إستطاع ان يوقف زحف قوات الجنرال حفتر والتي كانت تحاول ان تسيطر على الغرب الليبي، وتخضع الجميع لها، إلا أن  هذا الفشل قد وظفته التشكيلات المسلحة الموجودة في الغرب الليبي، إضافة إلى سقوط قوات (الكانيات) الموالية للجنرال خليفة حفتر، والتي كانت تسيطر على منطقة ترهونة وضواحيها وصولًا إلى منطقة (قصر بن غشير) ضاحية العاصمة طرابلس الجنوبية، وقد قام بتغطية هذا الفراغ تشكيل مسلح دخل على الساحة بعد الحرب وهو (اللواء 444) الذي تفاقمت قوته البشرية والعسكرية مؤخرًا وأصبح يغطي مساحة جغرافية كبيرة جدًا.

ولم تستمر حالة الهدوء في المنطقة الغربية بعد حرب الجنرال حفتر على طرابلس في 2019 كثيرًا، وهو ما يعد أمرًا طبيعيًا حيث أصبحت أغلب التشكيلات المسلحة تمتلك ترسانة اكبر من الأسلحة وهو الأمر الذي تحاول من خلاله ان تقوم بتوسيع دائرة نفوذها أكثر، وما زاد الوضع العسكري سوءًا هو الانقسام الذي حدث في السلطة التنفيذية، حيث انتهى (شهر العسل) بين مجلس النواب الليبي وحكومة الدبيبة مبكرًا، خاصة في ظل التحركات الكبيرة التي قام بها السيد فتحي باشاآغا، حيث استطاع ان يخلق نوع من التوافق بين بعض التشكيلات المسلحة في غربي البلاد وفي مقدمتهم جانب كبير من قوات مصراته مع قوات الجنرال خليفة حفتر في الشرق الليبي، وهو الأمر الذي نتج عنه تقدم فتحي باشاآغا إلى منصب رئيس الوزراء، واستطاع ان يكسب ثقة البرلمان (طبرق) بعد قيام الأخير بسحب الثقة من حكومة الدبيبة في طرابلس.

حرب طرابلس أغسطس \ أوت 2021

في أغسطس \ أوت 2021، اندلعت اشتباكات بين الميليشيات المتحالفة مع حكومة الدبيبة والميليشيات المتحالفة مع باشاآغا، والذي كان في ذلك الوقت وزيرًا الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، بدأت الاشتباكات بعد نزاع حول السيطرة على مبنى حكومي في العاصمة، وأسفر القتال عن وقوع قتلى وإصابات وأجبر السكان على الفرار من منازلهم.

إلا أن الأسباب الدقيقة لاشتباكات أغسطس \ أوت 2021 في طرابلس معقدة ومتعددة الأوجه. ومع ذلك، يُعتقد أنها مرتبطة بالصراعات المستمرة على السلطة والتوترات بين مختلف الجماعات المسلحة والفصائل السياسية في ليبيا، ولا سيما تلك المتحالفة مع حكومة الوحدة الوطنية وتلك المتحالفة مع المجلس الرئاسي.

ففي ذلك الوقت، كانت هناك تقارير عن خلافات ونزاعات حول تخصيص المناصب الحكومية الرئيسية، فضلًا عن مخاوف بشأن الفساد وسوء الإدارة، كما كانت هناك بعض الجماعات المسلحة تتنافس للسيطرة على أجزاء مختلفة من المدينة لتوسيع نفوذها، بما في ذلك البنية التحتية الرئيسية والمباني الحكومية.

وبالإضافة إلى ذلك، حدثت توترات بين (قوة الردع الخاصة) والجماعات المسلحة الأخرى في المدينة، ولا سيما تلك المتحالفة مع فتحي باشاآغا وزير الداخلية في ذلك الوقت، والذي كان يعمل على دمج مختلف الجماعات المسلحة في قوة أمنية موحدة، وقوبلت جهوده بمقاومة من قبل بعض الجماعات، من المحتمل أن تكون كل هذه العوامل، إلى جانب تاريخ الانقسامات السياسية والاجتماعية في ليبيا، قد ساهمت في اندلاع العنف في طرابلس في أغسطس \ أوت 2021.

في نهاية المطاف تم السيطرة على الوضع من خلال اتفاق لوقف إطلاق النار توسطت فيه الأمم المتحدة والسلطات المحلية، ودعا الاتفاق إلى انسحاب جميع الجماعات المسلحة من المدينة وإنشاء قوات أمن مشتركة.

تلك الاشتباكات كان لها تداعيات كبيرة على كلا الشخصين (الدبيبة وباشاآغا)، ففي وقت الاشتباكات، كان الدبيبة قد تولى للتو منصب رئيس وزراء ليبيا، وأثار العنف مخاوف بشأن قدرته على الحفاظ على الاستقرار والأمن في البلاد، كما سلطت الاشتباكات الضوء على التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة في توحيد البلاد ونزع سلاح الميليشيات والجماعات المسلحة المختلفة، بالنسبة لباشاآغا، كانت الاشتباكات نكسة كبيرة في حياته السياسية. فقد كان يُنظر إليه على أنه مرشح رئيسي للرئاسة في الانتخابات المقبلة، لكن العنف في طرابلس وعجزه المتصور عن السيطرة على الوضع الأمني في المدينة أضر بسمعته وأضعف موقفه السياسي.

في أعقاب الاشتباكات، دعا كل من الدبيبة وباشاآغا إلى الهدوء وشددا على الحاجة إلى الوحدة الوطنية والمصالحة، وساعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة والسلطات المحلية في تخفيف التوترات، لكن الحادث سلط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه البلاد في انتقالها إلى حكومة مستقرة وديمقراطية في ظل الدعوة في ذلك للوقت لإجراء انتخابات بحلول ديسمبر 2021.

العدد الدقيق لضحايا لتلك الاشتباكات غير واضح، وقد يكون من الصعب تحديد رقم دقيق. ومع ذلك، وفقًا لتقارير متعددة، قُتل ما لا يقل عن 109 أشخاص وأصيب 202 آخرون خلال القتال. قد لا تكون هذه الأرقام شاملة ويمكن أن تكون عرضة للتغيير مع توفر المزيد من المعلومات.

إعادة انتشار الميليشيات في الغرب الليبي (كسر عظام)

ليس من الدقة وصف الاشتباكات التي وقعت في طرابلس في أغسطس \ أوت 2021 بين الميليشيات الداعمة لعبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاآغا بأنها حرب منتصر ومهزوم، إن العنف والصراع في ليبيا ليسا لعبة محصلتها صفر، والمعاناة والأضرار الناجمة عن مثل هذه الاشتباكات لها مجموعة واسعة من الآثار السلبية على جميع الأطراف المعنية، وكذلك على السكان بشكل عام، كانت اشتباكات أغسطس \ أوت 2021 في طرابلس نكسة للوضع السياسي والأمني في ليبيا. وأسفر القتال عن تشريد آلاف الأشخاص وألحق أضرارا جسيمة بالهياكل الأساسية والمباني العامة، كما كان للاشتباكات آثار أوسع نطاقًا على العملية السياسية الجارية في ليبيا، حيث سلطت الضوء على الانقسامات والصراعات المستمرة على السلطة بين مختلف الجماعات المسلحة والفصائل السياسية.

وأدت تلك الاشتباكات إلى تآكل مصداقية حكومة الوحدة الوطنية وزيادة الإحباط العام من العملية السياسية، كما سلطت الضوء على الانقسامات المستمرة والصراعات على السلطة بين مختلف الجماعات المسلحة والفصائل السياسية، مما يزيد من صعوبة تحقيق التوافق والتعاون الضروريين من أجل إحراز تقدم ملموس نحو حكومة مستقرة وديمقراطية. ولا تزال الحالة الهشة، مع استمرار التحديات الأمنية والشكوك السياسية قائمة حتى الآن.

فكل المؤشرات كانت تقول ان ليبيا مقبلة على حرب حقيقية وخاصة في الغرب الليبي، حيث نجد ان قوات حفتر المسيطرة على الشرق والجنوب الليبي قد حسمت أمرها في الإصطفاف مع حكومة فتحي باشاآغا حليفهم الجديد، والذي قدم خدمة كبيرة لهم عندما إستطاع ان يخلق صفين في مدينة مصراته، أما في الغرب الليبي فالأمر أكثر تعقيدًا حيث لأول مرة خلال العشر سنوات الأخيرة يحدث خلاف في مصراته (مدينة الحرب والسلام) وتنقسم جزئيًا بين الدبيبة وباشاآغا، إلا أنه مؤخرًا كل المؤشرات تبين أن الأخير قد تمكن من إقناع أغلب الفصائل المسلحة في المدينة بالإصطفاف لجانبه، كما تمكن من إقناع فصائل مسلحة أخرى تحيط بمركز العاصمة طرابلس مثل (النواصي، وقوات الجويلي)، واستطاع أيضًا تحييد فصائل قوية مثل (اللواء 444، وقوة الردع الخاصة) 

ولم يتبقى مع حكومة الدبيبة إلا (القوة المشتركة مصراته) و(جهاز دعم الاستقرار طرابلس) ولا تشكل هذه القوة متحالفة ثقلًا يوازي القوات المصطفة مع حكومة باآشاغا، وهو الأمر الذي ينذر وبشكل واضح بأن الصدام العسكري مسألة وقت فقط لا غير.

وبمجرد حدوث الاشتباك المتوقع تمكن (جهاز دعم الاستقرار) من السيطرة على وسط طرابلس بعد معركة شرسة مع قوات (اللواء 777) التابع لـهيثم التاجوري الآمر السابق لكتيبة ثوار طرابلس المعروفة، كما استغل فرصة الصراع القائم في (جهاز الردع) وتمكن من إقصاء (كتيبة النواصي) من مقراتها والقبض على أغلب عناصرها بعد فرار آمرها مصطفي قدور، ولم تحرك قوات (اللواء 444) ساكنًا كما تفعل في العادة عند في دعمهم خلال وقوع أية اشتباكات.

كما لم تدوم هذه المرة الإشتباكات كثيرًا، إلا أن نتائجها على الأرض كانت مفصلية، حيث تمكن كل من (جهاز دعم الاستقرار) وجهاز (قوة الردع الخاصة) من السيطرة على كل المساحة الجغرافية التي تعبر عن مدينة طرابلس بشكلها الموسع، من سوق الجمعة وصولًا إلى حي الأندلس، ومن البحر حتى ضاحية طرابلس الجنوبية (قصر بن غشير)، أصبحت كامل تلك المنطقة تحت سيطرتهم وينقسم بينهم النفوذ في ظل زيادة نسبية لـ (قوة الردع الخاصة)، كما حافظ عماد الطرابلسي (قوة الأمن العام) على تواجدها في حي الاندلس وما ورائها، أيضًا حافظ (اللواء 111) على تمركزات حول مطار طرابلس العالمي والمنطقة المتاخمة له.

نعتقد أن كل المسميات السابقة في هذا الجهد كنا قد تحدثنا عنها في ورقتنا السابقة “ليبيا: قراءة جيوسياسية في التشكيلات العسكرية لطرفي الصراع مع من ولماذا؟!“إلا ان التحديث الأخير على مستوى التشكيلات المسلحة يرتبط بـ (اللواء 444).

من هو (اللواء 444)؟! ومن هو محمود حمزة؟!

أتم اللواء 444 بقيادة محمود حمزة والذي تم تأسيسه في طرابلس عام 2019، تحالفًا مع حكومة الوفاق الوطني ولعب دورًا مهمًا في معركة طرابلس ضد قوات الجنرال خليفة حفتر، الذي كان يحاول السيطرة على المدينة، ولعبت المجموعة دورًا أساسيًا في دفع قوات حفتر إلى الوراء وتأمين العاصمة لحكومة الوفاق الوطني.

ومحمود حمزة هو الرجل الثاني في جهاز قوة (الردع الخاصة) وهي قوة أمنية تابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، والقائد الحالي لـ (اللواء 444)، نعتقد انه ليس هناك مواطن في طرابلس الغرب لا يعرف هذا الاسم، ارتبط اسمه بالفرقة (20) وهي إحدى فرق (قوة الردع الخاصة)، وتعتبر من النخبة داخل الجهاز، قرر محمود حمزة الإنفصال عن قوة الردع الخاصة، وقد كثرت التحليلات حول أسباب هذا الانفصال، إلا أن المؤكد أن محمود حمزة بعد فترة ليست كبيرة أسس قوة عسكرية تحت مسمى (اللواء 444) يتبع وزارة الدفاع، وقد تمكنت هذه القوة من السيطرة على مساحة كبيرة من ضواحي طرابلس وصولًا إلى مدينة ترهونة وبني وليد حتى جبل نفوسة غربًا، وتخوم مدينة الشويرف جنوبًا، هذه المساحة الشاسعة جعلت القوة تتموضع بشكل ممتاز على الساحة العسكرية في ليبيا، ومؤخرًا تمكنت من التوسع في داخل طرابلس أكثر بعد الحرب الأخيرة، حيث لم تشارك قوة (اللواء 444) في الحرب بشكل كامل، ووقوفها على الحياد نسبيًا جعلها تأخذ حصتها من إمكانية الحركة أكثر في وسط طرابلس.

وجب التنويه انه هناك قراءات تحليلية لبعض المطلعين على الشأن الليبي تقول ان (اللواء 444) ما هو إلا وجه أخر من أوجه (جهاز الردع الخاص)، وأن محاولة تقديم اللواء بانه على خلاف مع (جهاز الردع) والذي هو في الأساس متفرع منه ما هي إلا عملية تمويه يراد بها فقط إيهام الليبيين من اجل تحقيق مصالحهم تحت مسميات مختلفة.

الخاتمة

لا نستطيع ان نضع خلاصة دقيقة وخاتمة لوضع التشكيلات المسلحة في ليبيا خاصة في الغرب الليبي، حيث ان حالة السيولة في الوضع السياسي والتغييرات الجذرية التي تحدث بين الحين والآخر، تجعلنا لا نستطيع أن نستشرف إلى أي مسار ستذهب فيه التشكيلات المسلحة، أو من سيكون الضحية الأخيرة في سلسلة سقوط التشكيلات المسلحة على خارطة السياسة الليبية، لكن ما نعتقده أن هناك تشكيلات مسلحة أصبح واضح جدًا أنها ستستمر علي الساحة خلال السنوات القادمة، وأخرى قد تنتظر دورها في السقوط في أي حالة تغيير ممكن أن تحدث خلال الفترة القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *