أوراقإصداراتالدولمصر

مصر: حالة حقوق الإنسان ودور لجنة العفو الرئاسي في مصر بعد إفطار الأسرة المصرية وإطلاق الدعوة للحوار الوطني

مقدمة

استمرت السلطات المصرية في ارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان ضد المجتمع المدني على مدى السنوات التسع الماضية، مما أدى إلى إطالة أمد الفترة مع سيطرة القمع البوليسي على كل جوانب الحياة وعودة الأجهزة الأمنية إلى أدوارها المفضلة في ترهيب المواطنين، وتكميم الأفواه، فامتد القمع هذه المرة ليشمل كافة الفئات المجتمعية والدينية والسياسية، تعديات بالجملة على حريات الأفراد وحقوقهم، وغلق المجال العام، كما تزايدت أعداد المعتقلين السياسيين داخل السجون بكم هائل وغير مسبوق، وتعالت الأصوات خلال السنوات الثلاث الماضية عن ضرورة وجود حل وانفراجه سياسية وفتح للمجال العام، من أجل الوصول لنقطة حوار بين النظام الحالي ومعارضيه.

ثم ظهر بصيص من الأمل خلال إفطار الأسرة المصرية، حيث أصدر الرئيس السيسي عدة قرارات، منها الدعوة لحوار وطني يشمل كافة القوى السياسية، وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي للقيام بفحص ملفات السجناء السياسيين ورفعها إلى رئيس الجمهورية، وبعد الإفطار تم اتخاذ بعض الخطوات الشكلية من قبل المعنيين وبدأت لجنة العفو في أداء دورها بإطلاق منصة للتواصل مع أسر السجناء، كذلك بدأ تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني واختيار المنسق العام، كما ظهرت أصوات تدعو المصريين في المنفى بالعودة، تبع ذلك عودة بعض من رموز المعارضة، لكن دون توضيح لآلية العودة وشروطها.

يسعى مركز دعم من خلال هذه الورقة إلى  مناقشة ملف حقوق الإنسان خلال الفترة ما بعد إفطار الأسرة المصرية، حيث تبدأ الورقة بنظرة مبسطة عن واقع  حقوق الإنسان خلال التسع سنوات السابقة، خاصة ما يتعلق بملف الحبس الاحتياطي، ثم الإشارة إلى إفطار الاسرة المصرية والقرارات الناتجة عنه، ويستعرض في الجزء الثالث دور لجنة العفو وتأثيرها في ملف السجناء السياسيين، ثم إشارة إلى الحوار الوطني وتشكيله، وذلك في مبادرة من مركز دعم لمحاولة الإسهام في وضع تصور واقعي عن كيفية الخروج بحالة حقوق الإنسان في مصر إلى حالة مرضية على كافة الأصعدة،  بعيدًا عن التبرير أو الدفاع عن الانتهاكات أو التقليل من حجم المنجز أو ما يمكن أن ينجز من اجل تحسين هذا الملف الشائك والمعقد.

An Egyptian protester shout slogans as demonstrators march through the streets of Cairo on their way to join thousands protesting against President Mohamed Morsi and the Muslim Brotherhood at Tahrir Square on June 30, 2013. Egyptians flooded the streets determined to oust Morsi on the anniversary of his turbulent first year in power, in the biggest protests Egypt has seen since the 2011 revolt. AFP PHOTO/GIANLUIGI GUERCIA        (Photo credit should read GIANLUIGI GUERCIA/AFP/Getty Images)

أولًا: نظرة على حالة حقوق الإنسان في مصر قبل إفطار الأسرة المصرية

شهدت حالة حقوق الإنسان في مصر تدهورًا شديدًا، عقب أحداث 30 يونيو 2013، وبعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، زادت الحملات الأمنية على المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وعادت الأجهزة الشرطية للتواجد داخل الجامعات المصرية، وتفاقمت الاشتباكات بين الشرطة والطلاب، تلى ذلك القبض على العديد من الطلاب، والنشطاء السياسيين، وزادت وتيرة العنف من الجماعات المسلحة في سيناء، ضد كمائن الجيش والشرطة، واستهداف الكنائس ودور العبادة عن طريق تفجيرها أو التعدي على المترددين عليها بالرصاص الحي، في جميع أنحاء البلاد، نتج عنها مئات الضحايا، وفي 26 ديسمبر من نفس العام، قررت محكمة استئناف القاهرة تشكيل 6 دوائر استثنائية، من محاكم الجنايات بالقاهرة الكبرى، تختص بنظر القضايا المتعلقة بجرائم الإرهاب، وأحداث العنف، التي شهدتها البلاد، ومحاكمة المتهمين بارتكابها، وحددت انعقادها داخل أماكن شرطية، أكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة ومعهد أمناء الشرطة بطرة.

 وبعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، تفاقم القمع الأمني، وعاد جهاز أمن الدولة تحت مسماه الجديد (الأمن الوطني) لممارساته القديمة، من اعتقال تعسفي، وتعذيب، وقتل خارج إطار القانون وإخفاء قسري، كما شدد النظام عبر أجهزته الأمنية قبضته على الجامعات والصحافة، وكذلك وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية، وتسارعت وتيرة الملاحقات الأمنية.

وعلى مدار السنوات التسع السابقة، استخدم النظام الحالي وسائل وأنماط متعددة لإحكام قبضته على كل شيء، بعض هذه الممارسات سائد حتى الآن، حيث بسط يده على السلطة التشريعية لإصدار قوانين جديدة تقنن الانتهاكات، حيث أصدر القانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب والذى أعطى في مادته رقم 40 غطاء قانوني للاختفاء القسري حيث سمح للأجهزة الأمنية بالتحفظ على المتهمين لمدة 14 يومًا  قبل عرضهم على النيابة، والقانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن تنظيم الكيانات الإرهابية والإرهابيين وتعديلاته وفقًا للقانون رقم 14 لسنة 2020، والذي أعطى الحق للنيابة العامة أو لمحكمة الجنايات بإصدار أحكام ضد المحبوسين احتياطيًا تسلبهم كافة حقوقهم السياسية والمدنية، والقانون رقم 22 لسنة 2018 بتنظيم إجراءات التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين، والذى بناء عليه تم التحفظ على أموال وشركات تابعة لأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين قبل صدور أحكام نهائية ضدهم، والقانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي برر حبس الأفراد ومحاكمتهم  بسبب نشرهم محتوى ينافي قيم الأسرة المصرية وفقًا لنص المادة 25 من ذات القانون، وتم القبض على حنين حسام ومودة الأدهم وستة آخرون من صانعي المحتوى على تطبيقات التيك توك ولايكي، واعتبرت مؤسسات حقوقية محلية وإقليمية، نص هذه المادة مخالفًا للدستور ومجرمًا للحق في حرية الرأي والتعبير.

ساهمت التشريعات الجديدة والمحاكم الاستثنائية سواء كانت عسكرية او طوارئ أو إرهاب في انتهاك ضمانات المحاكمة العادلة

وفى عام 2017 أصدر مجلس النواب المصري موافقته على إجراء تعديل على 5 مواد من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، حيث تم تعديل نص المادة 277 الفقرة الأولى وأعطى الحق للمحكمة في عدم لزوم سماع الشهود، رغم أن المحاكم التي تنظر القضايا ذات الطابع السياسي، يغلب عليها الطابع الاستثنائي وتتكون من قضاة منتقين وتفتقر في محاكمتها الى ضمانات المحاكمة العادلة، إلا أن القانون أعطى للمحكمة الحق في عدم سماع الشهود على السواء (النفي والاثبات).

كما ساهمت التشريعات الجديدة والمحاكم الاستثنائية سواء كانت عسكرية او طوارئ أو إرهاب في انتهاك ضمانات المحاكمة العادلة، حيث صدرت أحكام بالجملة ضد مدنيين أمام القضاء العسكري وكانت لأحكام الإعدام نصيب كبير منها، كذلك تبنت دوائر الإرهاب سواء باعتبارها محاكم جنايات عادية او طوارئ مبدأ الإدانة، واهدرت قرينة البراءة، فأصدرت أحكاما قاسية بالسجن والسجن المشدد ضد محتجزين سياسيين، من خلال محاكمات افتقرت لأبسط ضمانات المحاكمة العادلة وكان منها مؤخرًا، الحكم على الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية ونائبه محمد القصاص بالسجن المشدد خمسة عشر عامًا، والحكم على الناشط والمدون علاء عبدالفتاح بالحبس خمسة أعوام والمحامي الحقوقي محمد الباقر بالسجن أربعة أعوام، وتنتظر المحامية الحقوقية هدى عبدالمنعم والمحامي الحقوقي عزت غنيم أحكامًا مماثلة أمام تلك الدوائر.

ارتفعت وتيرة الاعتقال التعسفي في عهد النظام الحالي، والتي يصاحبها العديد من انتهاكات حقوق الإنسان مثل الاختفاء القسري والتعذيب، والحبس الاحتياطي المطول بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية والذى يحدد في مادته رقم 143 أقصى مدة للحبس الاحتياطي وهى عامين، لكن محاكم جنايات الإرهاب تستمر في تجديد حبس المتهمين على ذمة قضايا سياسية لمدد تصل لأربع وخمس سنوات بدون محاكمة، وطالت الاعتقالات التعسفية خلال السنوات السابقة، جميع الفئات المجتمعية من نساء ورجال وأطفال، نشطاء ومحامين وصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، وأكاديميين، واستحدثت الأجهزة الأمنية أنماطًا جديدة لقمع المعارضين ولضمان بقائهم داخل السجون لأطول فترة ممكنة، حيث انتشر التدوير وهو مصطلح أطلقته الأوساط الحقوقية المحلية، على إعادة احتجاز الأفراد المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، والذين أصدرت الجهات القضائية قرارات بإخلاء سبيلهم، في قضايا جديدة بذات الاتهامات في القضايا القديمة، وذلك استنادًا على محضر تحريات الأمن الوطني فقط.

وجاءت المتابعة الأمنية  كأحدث أنماط الانتهاكات التي يمارسها جهاز الأمن الوطني ضد المحتجزين السابقين، وذلك عن طريق إلزامهم بالتردد على مقرات الجهاز في أوقات يحددها ضابط الأمن الوطني المسؤول، يمكن أن تصل مرة كل أسبوع يقوم الفرد بتسليم نفسه داخل مبنى الجهاز في الأوقات المحددة له وينتظر حتى يسمح له بالانصراف، إضافة الى استهداف ومحاصرة المنظمات الحقوقية والعاملين بها من خلال القضية 173 لسنة 2011 ومازالت التحقيقات فيها مستمرة حتى الان، وصدر فيها قرارات بالتحفظ على الحسابات البنكية للمؤسسات الحقوقية ومسؤوليها، ومنعهم من السفر واحتجاز بعضهم.

اتسم عهد السيسي ببناء السجون الجديدة حيث صدر في عهده 45 قرارا بإنشاء سجون جديدة ليصبح  إجمالي عدد السجون في مصر 88 سجنا عموميًا. وكان ملف أماكن الاحتجاز أحد الملفات الرئيسية التي عملت عليها مؤسسات حقوق الإنسان في مصر وما صاحبها من انتهاكات، منع من الزيارة وحبس انفرادي و إهمال طبي وتعذيب ووفيات داخل أماكن الاحتجاز، وبرغم من محاولة النظام الحالي تجميل الصورة عن السجون في مصر، عن طريق تعديل لائحة السجون وتبديل اسم السجن بمراكز الإصلاح والتأهيل والسجين بالنزيل، إلا أن مراكز التأهيل والإصلاح الجديدة لم تخلو هي ايضًا من نفس الانتهاكات.

ولم تسلم حرية الصحافة والإعلام من الانتهاكات في ظل النظام الحالي، فإلى جانب الاستهداف الأمني الذي طال الصحافيين بسبب عملهم، قامت الدولة منذ مايو 2017 بحجب ما يقارب من 558 موقعًا إخباريًا وسياسيًا وحقوقيًا حتى كتابة هذه الورقة، وفرضت الدولة رقابة شديدة على المحتوى الإعلامي، حيث جعلت الخطاب الإعلامي في ايدي الدولة وممثليها فقط.

ثانيًا: فزاعة الحبس الاحتياطي

شهدت مصر خلال السنوات السابقة تدهور شديد في ملف الحبس الاحتياطي وكثفت المنظمات الحقوقية جهودها لمحاولة تحسينه، حيث يمكن القول انه أصبح بديلًا للاعتقال الإداري في عهد مبارك، ورغم ان قانون الاجراءات الجنائية في مادته رقم 143 نص على أن أقصى مدة للحبس الاحتياطي عامين إلا أنه في الفقرة الأخيرة منح محكمة النقض ومحكمة الإحالة الحق في استمرار حبس الأفراد بعد تجاوز العامين.

استخدمت نيابة أمن الدولة العليا الحبس الاحتياطي والتدوير على ذمة قضايا جديدة وسيلة لقمع المعارضين والمدافعين عن حقوق الانسان ومعتقلي الرأي، حيث تقوم بالتحقيق مع المتهم مرة واحدة فقط بعد القبض عليه، ليستمر التجديد له بعد ذلك كل خمسة وأربعون يومًا، لمدد قد تصل الى أربع وخمس سنوات كما في حالة القضية 79 لسنة 2016 حصر أمن دولة عليا، والقضية 955 لسنة 2017، والتي قررت النيابة إحالة القضايا بعد مرور خمس سنوات من حبس المتهمين على ذمتها احتياطيًا، وكذلك الطبيب وعضو حركة 6 ابريل وليد شوقي الذى تم الإفراج عنه بعد ما يقارب الأربع سنوات، والأستاذ ابراهيم متولي المحامي الحقوقي الذى أكمل السنة الرابعة حبس احتياطي.

وبعد مجهود كبير من قبل المجتمع المدني المصري لجعل ملف الحبس الاحتياطي يتصدر، ملفات الانتهاكات التي تمارسها السلطات في مصر، اتجهت الأجهزة الأمنية إلى استحداث وسائل جديدة لضمان بقاء المعارضين أطول مدة ممكنة داخل السجون، فتوسعت خلال الثلاث سنوات الأخيرة في استخدام التدوير كوسيلة للالتفاف القانوني على أقصى مدة للحبس الاحتياطي المنصوص عليها، حيث تقوم النيابة العامة بإخلاء سبيل الأفراد بعد تجاوزهم مدة العامين المنصوص عليها قانونًا، ليقوم جهاز أمن الدولة أثناء تنفيذ إجراءات إخلاء السبيل بتلفيق قضايا جديدة بذات الاتهامات في القضية القديمة، بموجب محضر تحريات فقط، ليبدأ حبس الأشخاص من جديد على ذمة قضايا جديدة.

إسراء عبدالفتاح

سولافة مجدى

محمد الباقر

ويتخذ التدوير أشكال كثيرة، لا يقف عند حد التدوير بعد صدور قرارات الجهات القضائية، يمكن أن يجمع الشخص بين قضيتين في ذات الوقت بذات الاتهامات وهو ما أطلق عليه في الوسط الحقوقي (التدوير من الداخل)، حيث يتم استدعاء الأفراد من أماكن احتجازهم للتحقيق معهم على قضايا جديدة بذات اتهامات القضية المحبوسين عليها، بدعوى ارتكابهم جرائم داخل أماكن الاحتجاز كنشر أخبار كاذبة من الداخل وهو أحد الاتهامات التي وجهت لعدد من الصحفيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان على ذمة القضية 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا وكان من بينهم الصحفيين سولافة مجدى وإسراء عبدالفتاح ومحمد صلاح والمحامين والحقوقيين محمد الباقر عمرو محمد و ماهينور المصري، والناشط محمد أكسجين وكذلك ما حدث مع نائب حزب مصر القوية محمد القصاص على ذمة القضية 1781 لسنة 2019 ووجهت له اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، أو بعد قضاء الشخص مدة العقوبة المحكوم عليه به، أو حصوله على حكم بالبراءة، أصبح شبح التدوير يطارد السجناء السياسيين، لدرجة أوصلت بعضهم أن يطلب من المحكمة عدم إخلاء سبيله خوفًا من اختفاؤه قسريًا ثم إعادة تدويره.

نمط جديد من أنماط التدوير استحدثته نيابة أمن الدولة في العام الماضي، قبل إلغاء حالة الطوارئ استخدمت التدوير وقانون الطوارئ معًا، لتتمكن من التنكيل ببعض النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والباحثين، المحبوسين احتياطيًا، على ذمة قضايا تباشر التحقيقات فيها نيابة أمن الدولة العليا، حيث استخدمت إجراء نسخ القضايا، لتقوم بنسخ الاتهامات الموجهة للمحبوسين في التحقيقات الأولي، في قضية جديدة، لتستدعيهم من محبسهم بعد ذلك وتحقق معهم في القضية الجديدة عن اتهامات النشر فقط، ثم تقوم بإحالتهم للمحاكمة أمام محاكم أمن الدولة طوارئ، وهو ما حدث مع قضية معتقلي الأمل حيث أحالت نيابة أمن الدولة المحامي البرلماني السابق زياد العليمي، والصحفي حسام مؤنس، والناشط العمالي هشام فؤاد للمحاكمة أمام محكمة جنح أمن دولة طوارئ، واحالة الناشط والمدون علاء عبدالفتاح والمحامي الحقوقي محمد الباقر والمدون محمد أكسجين، وكذلك احالة قضية الباحث أحمد سمير، لتصدر ضدهم جميعًا أحكام نهائية من درجة تقاضى واحدة تتراوح بين الحبس أربع وخمس سنوات، ومازال الباحث باتريك ذكى ينتظر أحكامًا مشابهة بعد إخلاء سبيله مع استمرار المحاكمة أمام محكمة الطوارئ حتى الآن.

ثالثًا: الدعوة لإفطار الأسرة المصرية

في الربع الأخير من أبريل الماضي، دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى مائدة إفطار رمضانية يوم 26 أبريل 2022 تحت اسم “إفطار الأسرة المصرية” وسبق هذا الإفطار يوم 24 أبريل قرارات من نيابة أمن الدولة العليا بإخلاء سبيل 41 محبوسا احتياطيًا، شملت الأسماء عضو حركة 6 ابريل وليد شوقي، والمدافع عن حقوق الإنسان إبراهيم عز الدين، والصحفي محمد صلاح وغيرهم، وجاء العدد وفقًا لما صرح به، رئيس حزب الإصلاح والتنمية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان محمد أنور السادات الذى استقبل المحبوسين أثناء خروجهم من السجن.

وخلال إفطار الأسرة المصرية، أشار الرئيس السيسي إلى قرارات الإفراج التي صدرت، قائلًا “أنه يرحب بأبناء الوطن وأن لا أخفى عليكم سعادتي البالغة في خروج  دفعات، لعدد من أبنائنا الذين تم الإفراج عنهم خلال الأيام الماضية، وأقول لهم “إن الوطن يتسع لنا جميعًا، وإن الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية”، وشارك في الإفطار بعض رموز المعارضة المصرية، ومحتجزين سابقين بناء على تلقيهم دعوة من رئاسة الجمهورية، وأطلق الرئيس السيسي دعوة للحوار الوطني، عن طريق تكليف إدارة المؤتمر الوطني للشباب بالتنسيق مع كافة التيارات السياسية والحزبية والشبابية، لإدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة ورفع نتائج هذا الحوار إليه، وإعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي، التي تم تشكيلها كأحد مخرجات المؤتمر الوطني للشباب، على أن تواصل قاعدة عملها بالتعاون مع الأجهزة المختصة.

رابعًا: تفعيل لجنة العفو الرئاسي

نتج عن عمليات القبض العشوائي التي تلت أحداث 30 يونيو 2013، محاكمات جماعية لأعداد كبيرة من طلاب الجامعات، والمشاركين في التظاهرات والفعاليات الميدانية، حيث صدرت ضدهم أحكامًا قاسية وصلت إلى السجن خمسة عشر عامًا والمؤبد، وجاء من ضمن المحكوم عليهم، أطفال تحت سن الثمانية عشر عامًا، وقامت محكمة النقض بتأييد أغلبية هذه الأحكام، وتعالت الأصوات من المجتمع المدني آنذاك مطالبة رئيس الجمهورية باستخدام الحق المخول له بموجب الدستور والعفو عن بعض السجناء.

وفى أكتوبر 2016 أعلن الرئيس السيسي عن افتتاح المؤتمر الدوري الأول للشباب، بعد عامين من توليه الرئاسة، وكان من مخرجات هذا المؤتمر الإعلان عن تشكيل لجنة العفو الرئاسي والتي تكونت من خمسة أشخاص هم: (أسامة الغزالي حرب، نشوى الحوفي، محمد عبد العزيز، طارق الخولي، كريم السقا، وذلك بهدف بحث الحالات التي تستحق العفو عنها رئاسيًا ورفعها إلى رئيس الجمهورية، وأطلقت اللجنة استمارة طلبات فحص حالات المحبوسين والصادر ضدهم أحكام فقط، على موقع المؤتمر الوطني للشباب، وتقدمت اللجنة بقوائم لرئيس الجمهورية، نتج عنها صدور العفو عن عدد من السجناء السياسيين، واستمرت اللجنة في بحث حالات المحكوم عليهم لمدة عامين إلى أن توقف عملها  في 2018.

وفي 26 أبريل 2022 أصدر الرئيس السيسي قرار بإعادة تفعيل لجنة العفو من جديد وذلك خلال إفطار الأسرة المصرية، وحددت صلاحيات اللجنة، لتقوم بالبحث في ملف السجناء السياسيين المحكوم عليهم والمحبوسين احتياطيًا والغارمين والغارمات والعمل على إعادة دمجهم في المجتمع من جديد. وبالإضافة إلى ثلاثة أعضاء من التشكيل القديم وهم (كريم السقا ونائبي البرلمان محمد عبد العزيز وطارق الخولي)، وانضم إليهم عضوين جديدين، المحامي طارق العوضي والمحامي كمال أبو عيطة، ليصبح تشكيل اللجنة مكون من خمسة أعضاء.

منح الدستور المصري الحالي رئيس الجمهورية حق العفو الرئاسي عن المحكوم عليهم بأحكام نهائية في مادته رقم 155 حيث نصت على “لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأى مجلس الوزراء العفو عن العقوبة، أو تخفيفها”، ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون، يُقر بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، وينشر القانون المتضمن قرار العفو بالجريدة الرسمية، وفى ظل جو عام مظلم وعشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، وكابوس ما يسمى بالحبس الاحتياطي، وأنماط جديدة تبتكرها السلطات الأمنية لبقاء المعتقلين داخل السجون، يأتي قرار رئيس الجمهورية بإعادة تفعيل لجنة العفو لتشمل إلى جانب المحكوم عليهم المحبوسين احتياطيًا، كنقطة النور التي لمعت في آخر النفق.

عملت لجنة العفو على مدار ستة أشهر على فحص ملفات المحبوسين احتياطيًا والمحكوم عليهم والغارمين والغارمات، وسط شكوك حول تشكيلها وخصوماتهم السياسية مع بعض المعتقلين السياسيين وتصريحاتهم التي تنبئ عن وجود حالة من الاحتقان بين أعضاء اللجنة وبعض الخلفيات السياسية، فضلًا عن عدم الإعلان عن معايير محددة تضعها اللجنة لفحص الطلبات، والأساس الذي تصدر بناء عليه قرارات العفو أو إخلاء السبيل.

مما حدى بمؤسسات حقوق الإنسان في مصر أن تنشر بتاريخ 5 مايو 2022 مقترح بمعايير وضوابط الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وقام بالتوقيع على المقترح ثماني مؤسسات حقوقية مصرية مستقلة، وجاء هذا المقترح لتفادي أخطاء الماضي في التعامل مع ملف السجناء السياسيين، وتحدث المقترح عن العدالة والشفافية والشمول والاستعجال، وهما الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه عمل لجنة العفو إذا أرادت تغير حقيقي في هذا الملف، ووضع المقترح معايير وأولويات من واقع العمل الحقوقي خلال سنوات على هذا الملف، يمكن أن تؤدى إلى النتيجة المرجوة للجميع، متوافقة مع ما نصت عليه القوانين المحلية والدولية، وهو ما أشار إليه أيضًا المحامي والسياسي خالد علي في منشور له على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.

وأطلقت المؤسسات الحقوقية في مصر استمارة غير رسمية، عبر منصتها الإلكترونية، بهدف الحصول على معلومات بشأن المحبوسين في قضايا سياسية وحرية رأى لتقديمها إلى لجنة العفو الرئاسي، وفي 23 مايو 2022 أرسلت هذه المنظمات أولى قوائمها بأسماء سجناء محبوسين احتياطيًا ومختفين قسريًا للجنة العفو، وشملت القائمة بيانات 2418 حالة، 2164 في قضايا ذات خلفية سياسية، و142 في قضايا ذات خلفية جنائية، وعدد 112 حالة اختفاء قسري، وذلك بعد تجميع الاستمارات وتنقيحها من أي تكرار.

وفي 27 يوليو 2022 نشرت سبع منظمات حقوقية مصرية بيان، تعلن فيه عن إرسال ثاني قوائمها للجنة العفو الرئاسي بالتزامن مع مرور ثلاثة أشهر على عمل اللجنة، وشملت القائمة الجديدة عدد 536 حالة في السجون المصرية، وأشارت المنظمات في البيان إلى أنها تقدمت بقائمة اولى شملت 2418 حالة خرج 49 فقط منهم بنسبة 2%، بقرارات من محكمة الجنايات او النيابات، بينهم اثنان تم إعادة تدويرهم من جديد في قضايا سياسية، ليصل اجمالي الحالات التي تم إرسالها 2945 منهم 2583 في قضايا سياسية.

ورغم عدم استجابة اللجنة للمعايير والضوابط التي أعلنتها مؤسسات حقوق الإنسان ومحامين وحقوقيين، أطلق عدد من المدافعين/ت عن حقوق الإنسان، حملة حتى آخر سجين، من أجل العفو عن السجناء السياسيين، وتبنت الحملة الضوابط التي نشرتها المنظمات الحقوقية قبل ذلك، العدالة والشفافية والشمول والسرعة، جاء ذلك بعد التصريحات التي أدلى بها بعض أعضاء لجنة العفو، عن عدم انطباق شروط ومعايير اللجنة على السجناء المنضمين لجماعات إرهابية أو المتورطين في أعمال عنف، متخذين من الأحكام النهائية الصادرة، حجة قانونية على تورط هؤلاء الأفراد في مثل هذه الأعمال، وفى هذا السياق وعلى مدار خمسة أعوام على الأقل، أصدرت أكثر من مؤسسة حقوقية تقارير مراقبة محاكمات في عدة قضايا، شابها انتهاكات ضمانات المحاكمة العادلة، وتم الحكم على المئات من واقع اعترافات تم انتزاعها تحت التعذيب الجسدي والمعنوي، فضلًا عن صدور الأحكام من محاكم استثنائية مثل العسكرية وأمن الدولة طوارئ، أو ذات طابع استثنائي مثل محاكم الإرهاب، مما يجعل من هذه التصريحات، انتهاكًا لحقوق بعض المحتجزين وحرمانهم من حقهم في الحصول على فرصة لفحص ملفاتهم، وأحقيتهم في العفو الرئاسي، أو على الأقل في محاكمة عادلة.

وأعلن النائب محمد عبدالعزيز عضو لجنة العفو الرئاسي بتاريخ 17 أكتوبر 2022 عن تجاوز عدد المفرج عنهم بواسطة اللجنة عن 1000 شخص على ذمة قضايا رأي. في حين رصدت المنظمات الحقوقية عدد أقل من ذلك. حيث رصدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات حتى 5 أكتوبر، خروج 663 محبوسا احتياطيا بقرارات من المحاكم والنيابات، في حين حصل 13 على عفو رئاسي، و287 شخص أعيد تدويرهم، 1232 شخص ظهروا لأول مرة أمام النيابات، ورصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تقريرها محلك سر خروج 520 محبوسًا احتياطيا و13 عفو رئاسي خلال خمسة أشهر.

ورصد فريق عمل مركز دعم منذ تفعيل لجنة العفو وحتى 26 أكتوبر 2022 ما يساوي ستة أشهر من عمل اللجنة، خروج 657 محبوسًا احتياطيًا بقرارات صادرة من محاكم الجنايات والنيابات، 13 شخص عفو رئاسي، و1319 شخص حققت معهم نيابة أمن الدولة العليا لأول مرة، وتتراوح أرقام المنظمات الحقوقية ما بين 520 محبوسًا احتياطيا كحد أدنى، و663 شخص كحد أقصى ويتفقوا جميعًا في عدد قرارات العفو الرئاسي، وهي أرقام بعيدة كل البعد عنما أعلنته لجنة العفو بخروج ما يزيد عن 1000 سجين سياسي حتى 17 أكتوبر، مما يثير تساؤلات وشكوك عن الغاية وراء إعلان اللجنة عن أرقام غير دقيقة.

خامسًا: الدعوة للحوار الوطني

كانت الدعوة لإجراء حوار وطني، يشمل كافة القوى السياسية والحزبية والشبابية، أحد مخرجات إفطار الأسرة المصرية، وجاءت هذه الدعوة، خالية من جدول أعمال واضح، حيث اكتفى الرئيس السيسي بالدعوة ورفع النتائج اليه، دون الإشارة إلى كيفية إجراء هذا الحوار، أو الإعلان عن معايير وضوابط واضحة وشفافة في اختيار أعضائه، والمشاركين فيه، واستغرق اختيار منسق عام مجلس أمناء الحوار وأعضائه، شهرين كاملين، ليتم اختيار نقيب الصحفيين ضياء رشوان منسقًا عامًا، وفى 19 يونيو 2022 تم الإعلان عن أعضاء مجلس الأمناء المكون من 19 عضو، استغرق التشاور عليهم نحو عشرين يومًا، وثلاثة أشهر لصياغة لائحة عمل مجلس الأمناء ومدونة السلوك الخاصة بالمجلس، وإقرار لائحة عمل اللجان الفرعية  ومهام المقررين والمقررين المساعدين، وجاء بيان ادارة الحوار الوطني عن إعلان التشكيل دون الإفصاح عن معايير وضوابط اختيار هؤلاء الأعضاء.

وعلى مدار ثماني جلسات بعد الإعلان عن تشكيل مجلس أمناء الحوار والمنسق العام له، تم فيهم استكمال كافة التفاصيل الاجرائية، من اختيار المنسق العام وأعضاء المجلس، ومقرري اللجان الفرعية، وجاء تشكيل لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة كأحد مخرجات الجلسة الرابعة والتي انتهى فيها مجلس الأمناء من اختيار اللجان النوعية والفرعية، لتكون لجنة فرعية تابعة للجنة المحور السياسي، وفى الجلسة التالية تم اختيار الاستاذة الدكتورة نيفين مسعد مقررة للجنة، والمحامي أحمد راغب مقرر مساعد، وبعد مرور ستة أشهر كاملة على الدعوة للحوار الوطني، وبدأ جلساته الأولى، إلا أننا لا نملك نتائج حقيقية ملموسة تمكننا من تقييم هذا الحوار.

ولكن يمكن القول أنه لا يمكن تحقيق الهدف من الحوار الوطني إلا إذا توقفت ماكينة القمع السياسي، حيث لا يمكن الدعوة إلى حوار يجمع كل الأطياف السياسية في ظل انتهاكات لحقوق الإنسان وحقوق الأفراد وحرياتهم، على مدار الفترة التي تلت هذه الدعوة تم القبض على ما يقارب 1319 شخص أغلبهم بسبب تعبيرهم عن رأيهم، وأصدرت محاكم الإرهاب قرارات بتجديد حبس مئات الأفراد خلال الجلسة الواحدة، غير الوفيات داخل أماكن الاحتجاز بسبب الإهمال الطبي المتعمد، ولازالت الملاحقات الأمنية للصحفيين بسبب أداء عملهم مستمرة، في إشارات تدل على عدم جدية السلطات المصرية في دعوتها للحوار الوطني، وعدم وجود نية حقيقية، لوقف الانتهاكات الحقوقية والانحرافات السياسية على مختلف الأصعدة.

سادسا: عودة المعارضين في المنفى

تلت عملية الدعوة للحوار الوطني عودة بعض رموز المعارضة المصرية في المنفى، بشكل مفاجئ ودون الإعلان عن آليات واضحة تمت بناء على أساسها هذه العودة، حيث عاد الدكتور عمرو حمزاوي والناشط السياسي وائل غنيم، ومن قبلهم بعض الأفراد المقيمة في دول مثل قطر وتم دعوتهم لحضور إفطار الأسرة المصرية، وبعد عودة الدكتور عمرو حمزاوي، أطلق رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات مبادرة لعودة المصريين في المنفى، على منصة الحزب، وتحدث عن أن المناخ العام في مصر في ظل الدعوة إلى حوار وطني وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، يجعل من العودة أمرًا ممكنًا، مشيرًا إلى أن الحزب بالفعل كان وسيطًا لبعض الحالات التي عادت إلى البلاد دون أي مضايقات أمنية، وفقًا للمعايير الممكنة والمتاحة خلال هذه المرحلة، وأن المبادرة تستهدف الأفراد الذين لديهم تخوفات من العودة حاليًا، ويمكن تطويرها مستقبلًا لتشمل المحكوم عليهم او السابق حبسهم احتياطيا على ذمة قضايا، والمدرج أسماؤهم على قوائم الاتهام، وأن الدعوة خالية من أية ضمانات سوى أن الحزب سيقدم المعلومات إلى اللجنة السياسية في الحوار الوطني.

وقد أثارت عودة بعض رموز المعارضة في المنفى بعض التساؤلات رغم قلة عددهم، الذي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، حيث لم تعلن الدولة حتى الآن بشكل رسمي عن أية مبادرات لفتح هذا الملف، ولم يفصح الأفراد العائدون عن الآلية الواضحة لتمكينهم من العودة بعد استهدافهم من قبل السلطات الأمنية وقضائهم سنوات طويلة في المنفى، ومازال الموضوع في طي الكتمان حتى الآن، خالي من معايير وضوابط وآليات واضحة، تشجع الآخرين على التقدم نحو هذه الخطوة.

يثمن مركز دعم مبادرة حزب الإصلاح والتنمية، باعتبارها هي الأولى من نوعها، ونؤكد على أن عودة مواطن لبلده هو حق مطلق تكفله كافة الدساتير والقوانين المحلية والدولية، لكن يجب لأى مبادرة تتعلق بحريات الأفراد وحقوقهم ان تحتوى على شروط وضوابط آمنة، تضمن لهم التمتع بحرياتهم داخل بلادهم، دون تعرضهم لمضايقات او الاستهداف الامني، وأن لا نغفل السبب الرئيسي الذي دفع بهؤلاء الأفراد إلى المنفى وهو البحث عن الأمان الشخصي والهروب من الاعتقال، حيث خرج الكثيرون بعد مرورهم بتجربة الاعتقال سواء بعد حصولهم على أحكام البراءة أو قضاء المدة أو الإفراج عنهم على ذمة التحقيقات، أو بعد إدراجهم على قوائم الكيانات الإرهابية، أو الملاحقات القضائية، والأمنية لهم ولأسرهم، أو بسبب عملهم في المجال الحقوقي. وخلال التسع سنوات السابقة زادت أعداد المصريين في المنفى حتى يمكن القول انه أصبحت بالآلاف وزادت نشاطيتهم، وبدأوا في تكوين تكتلات حقوقية وسياسية، تعمل بالأساس على الشأن المصري، زاد عملهم هذا بالطبع في ثقل ملفاتهم الأمنية الداخلية، وأصبحت عودتهم دون ضمانات واضحة تمثل خطرًا شديدًا عليهم.

كل هذا جعل من دعوة رئيس حزب الإصلاح والتنمية، دعوة منقوصة تفتقر لأهم سبل الأمان، دون تنسيق واضح مع أجهزة الدولة الأمنية ودون فتح المجال العام، ووقف القمع الأمني، سيظل المصريون في المنفى يتخوفون من مثل هذه المبادرات، ومن الوثوق فيها.

خلاصة وتوصيات

يمكن القول ان كل الدعوات المطروحة من جانب السلطات المصرية لتحسين وضع حقوق الإنسان ووقف نزيف الانتهاكات المستمر خلال السنوات السابقة، لن تكون ذات جدوى، بدون إرادة حقيقية في إحداث هذا التغيير، خلال ستة أشهر راقبت فيهم المنظمات الحقوقية ومنهم مركز دعم، تطبيق القرارات الصادرة خلال إفطار الأسرة المصرية في محاولة منها للوصول إلى نتائج حقيقية ملموسة، يمكن اعتبارها تغيير حقيقي في المشهد السياسي والحقوقي، لكن لم يعد الأمر عن كونه إجراءات شكلية تفتقر للإرادة الحقيقية.

أولى ملامح هذا التغير تكمن في وقف الانتهاكات التي تمارسها السلطات الأمنية، في التنكيل بالمعارضين، حيث  تتزايد أعداد المقبوض عليهم كل يوم، وما زال قطاع الأمن الوطني يمارس التدوير، ويعيد القبض على أفراد خرجوا في قوائم لجنة العفو مثل ما حدث مع الناشط شريف الروبي، الذى تم القبض عليه للمرة الرابعة بعد خروجه بشهور قليلة بسبب مداخلة أجراها مع قناة الجزيرة تحدث فيها عن الأوضاع السيئة التي يعاني منها السجناء السابقين. ولازالت الجهات القضائية تتجاهل الشكاوى المقدمة عن انتهاكات أماكن الاحتجاز، والإهمال الطبي والوفيات الناتجة عنه، ورغم إعلان الدولة عن بناء سجون جديدة أطلقت عليها مراكز الإصلاح والتأهيل، إلا أنها لم تختلف عن سابقتها، حيث رصدت المؤسسات الحقوقية ثلاث وفيات على الاقل نتيجة للإهمال الطبي في مركز إصلاح وتأهيل بدر3، إضافة إلى الانتهاكات التي تمارس ضد الناشط والمدون السياسي علاء عبد الفتاح الذي أضرب عن الطعام منذ أبريل الماضي، والتدخل القسري الذي تم معه داخل مركز إصلاح وتأهيل وادى النطرون لإجباره على إنهاء إضرابه، كلها دلالات واضحة، على أن الأمر يحتاج أكثر من مجرد مسميات، حيث يجب وقف أنماط الانتهاكات السائدة على مدار سنوات.

وعلى الرغم من الجهد المبذول من قبل لجنة العفو الرئاسي إلى ان النتيجة لا تتناسب مع هذا الجهد، وافتقار اللجنة إلى المعايير الواضحة والشمول والسرعة، فخروج قوائم صغيرة على مدد متفرقة بعيدة لن يحدث تأثيرًا حقيقي في ملف السجناء السياسيين، فأي تغيير في هذا الملف ينبغي أن يكون مبنيًا على أسس قانونية وحقوقية واضحة حيث يجب الإفراج عن:

ويثمن مركز دعم كل المحاولات والمبادرات الصادرة من الأفراد أو المؤسسات العامة والرسمية والأحزاب السياسية، لخلق طاولة حوار يمكن من خلالها إيقاف نزيف الانتهاكات المستمر خلال السنوات السابقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *