أوراقإصداراتالدولتونس

شعبوية قيس سعيد: صورة اتصالية أم مذهب سياسي ؟

اعداد
سيرين القاسمي
اعداد
بلال الشرني
مراجعة و تحرير
محمد عمران

تعيش تونس منذ 25 جويلية 2021 في ظل رئيس الدولة قيس سعيد منفردًا، فمنذ اعلانه عن حزمة قراراته الأولى عشية عيد الجمهورية صار الرجل، أو الاستاذ كما يحلو لأنصاره منادته، مدار حديث الجميع معارضين أو مناصرين، خبراء أو عامة، سياسيين أو حقوقيين، واصبحت شخصيته الغريبة والمثيرة للجدل محل تندر حينًا و امتعاضًا حينًا أخر. هل هو المنقذهل يوزع مجرد حبوب “مورفين سياسي” لتسكين الام العشرية الماضية؟ تختلف الآراء بين هذا وذاك ليبقى السؤال الأكبر؛ هل قيس سعيد فعلًا تجسيد للشعبوية؟

بداية، وحتى نجيب على هذا السؤال وجب تحديد وقياس الشعبوية التي يدور في فلكها الرئيس قيس سعيد، إن وجدت، وهذا رهين بإدراكنا للأركان الاساسية التي يبني هذا النمط الاتصالي/الايديلوجي وهي:

الشعبوية الدنيا

اتخاذ الشعب كمرجعية

الشعبوية الاقصائية

الشعبوية الدنيا + استبعاد جماعات بعينها

الشعبوية الشاملة

الشعبوية الاقصائية + مناهضة النخب

وقد وصف Jagers و Walgraveالشعبوية في 2006 بأنها “إطار اتصالي يجذب الناس ويتعرف عليهم”، ومع ذلك قد نجادل في أن الشعبوية هي أكثر من مجرد نداء من أعلى إلى أسفل، وتتمحور حول تفاعل عاطفي بين الفاعلين الشعبويين وجماهيرهم.
واطلاقًا يمكن القول أن الشعبوية هي تمظهر مادي لثنائية تجمع تقديس فكرة “الشعب” من جهة وفكرة معاداة النخب من جهة أخرى مجتمعتين في مقولة أن هذه النخب مضادة للشعوب ومتضادة معها برغماتيًا، فيأتي “الشعبوي” ممثلًا لهذا الشعب بل وتجسيدًا له للدفاع عن مصالحه.

هنا لن يكون من العسير على المتفحص للعملية الاتصالية للرئيس قبل وبعد توليه منصبه، الاقرار بأنه كان ولا يزال مناهضًا للنخب سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو حتى فكرية، معتبرًا إياها سببًا أساسيًا في الأزمات التي تعصف بالشعب، الذي يجسده هو، وهذا ما قام به قيس سعيد (عن وعي، أو دونه) من خلال ربط نفسه به وتسويقه وتضخيمه في كل مرة ظهر فيها اعلاميًا أو شعبيًا منذ ظهوره على ساحة النقاش العام، كعنصر أساسي في بناء صورة الرجل الشعبي المعادي للنخبة “المتعفنة” على حسب تعبيره، والمتسببة في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لكن ايضًا يظهر  بصورة الرجل المالك للقدرة والحزم اللازمين لتولي زمام الأمور.

قيس سعيد (ق.س): هكذا يصنع الخطاب الشعبوي !

يقوم الخطاب السياسي الشعبوي في الأساس على 3 محاور وهي:

بناء الهوية

identity construction

اعتماد أسلوب بلاغي في الخطاب

Rhetorical style

علاقة لها خاصة مع الاعلام

Relationship with media

هل يصنع قيس سعيد صورة أم هوية ؟

وصف هال “الهوية” كبناء متغير ومجزأ مبني على موارد من التاريخ واللغة والثقافة لتمثل الأنا المثالي الذي يعكس الاختلاف والاقصاء . يفيد هال أن العدائية والتضاد مع الآخر لا يتبلور إلا من خلالها وخلال لعبة السلطة والاقصاء . رأي هال يتماشي وموقف لوكالو فيما يخص بناء فاعل مشترك يكون ذو طبيعة شعبية كفعل يعكس القوة يقوم من خلاله القائد الشعبوي ببناء هوية الشعب، فتجمع هذه الهوية كل المطالب الغير محققة وتسحب البساط من تحت النخبة الحاكمة -الغير أو الآخر- لتبني مثالًا غير دقيق وشعبوي الجذور لكن يستهوي الأغلبية.

وجدنا انه بين المطالب الغير محققة التي رافقت ق.س سنوات من قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية التونسية، هي إبرام الصلح الجزائي مع كبار المتهربين من رجال الأعمال، ولكن الملفت للنظر هو ربطه لملف التهرب لرجال الاعمال مع التنمية، فالتنمية الجهوية وتنمية البنية التحتية للبلاد التونسية هي مطلب شعبي من قبل الثورة، فيعد ق.س بأن توجه الأموال التي سيدفعها رجال الاعمال للاستثمار في الجهات دون أن تطأ خزينة الدولة.
يركز الشعبوي في بناء صورته على فكرة “الشعب” الذي يستمد منه “شرعيته”، في 22 افريل/أبريل 2013 عندما سُئل عن مدى إمكانية تحقيق الصلح الجزائي قال سعيد انه سيواصل الحلم مع الشعب إلى أن يتحقق، وذكر أيضًا ان النظام السياسي يجب أن يعبر عن إرادة الشعب، إذ هو صاحب السيادة مُبديًا رفضه للنظام البرلماني، أو البرلماني المعدل، وتفضيله للنظام السياسي الرئاسي، حيث يقود رئيس الجمهورية البلاد بمساعدة وزير أول وحكومة تكون مسؤولة أمام البرلمان عن طريق آلية لائحة اللوم، على انه ان سحبت الثقة من الحكومة مرتين يعزل رئيس الجمهورية.

هكذا، وعن طريق جمع ق.س في خطابه لمجموعة من المطالب غير المحققة، والتي مثلت مصدر السخط، والغضب، وأحيانًا احباط لاغلبية الشعب التونسي ، فصنع ق.س هويته كبديل (للسياسي الكلاسيكي) ومنقذ ومحقق لهذه المطالب غير المحققة دون أن يكون له أدنى برنامج اقتصادي، معتمدًا بالكامل على مقولات العامة وغير المختصين معتبرًا اياها المخرج من أزمات خلقها المختصون/النخبة ومتجاهلًا أن هذه المطالب ذات الصبغة الاقتصادية بالأساس تحتاج تخطيطًا ونظامًا وبرنامجًا لتحقيقها.

الخطاب البلاغي سلاح قيس سعيد الأبرز/الوحيد ضد معارضيه

يتضمن أسلوب الخطاب السياسي الذي يستخدمه الشعبويون أسلوبًا عدائيًا وعاطفيًا ووطنيًا. في وجهة نظر كازين kazin 1995، “إنه أسلوب ثابت ولكنه قابل لتغيير الخطاب السياسي” (ص 5)، وهو نوع من اللغة التي “تتجدد باستمرار لتهدئة النخبة الجديدة وتدفئة مجموعة جديدة من العامة” (ص. 287) .

وهنا وجدنا أن ق.س يستعمل نصًا عدائيًا ضد النخبة، عاطفيًا تجاه الجماهير اللاعقلانية المُحبطة والمتحفزة في آن واحد، ووطنيًا من حيث محاولة تجاوز مفهوم التمثيل بمعناه التقليدي، لتأكيد الطقس الشعبوي الاقصى: “الشعب.. كل الشعب مجسدًا”. وهو نص ثابت من حيث الاسلوب ولكن قابل للتغيير من جهة التفاعل السياسي مع الراهن كما يرى “كازين”، وكما يمارسه ق.س. فتجده أحيانًا يستهدف مجموعات محافظة من المجتمع وأحيانًا أخرى شريحة تقدمية غير محافظة، مثلًا في محاضرة ألقاها في نوفمبر 2014 أفاد ق.س أن الدستور الحالي وحتي دستور 1959 لا يتعارضان مع الشريعة الإسلامية، غير أنه كان قد أفاد في محاضرة سبقتها في ديسمبر 2012،أن مسألة أن الدولة دينها الإسلام تعني فقط تحديد مصدر التشريع ، وانه قد تم فعلًا اعلاء تطبيق الشريعة الإسلامية من طرف المحاكم، وانه ليس هنالك ما يستدعي تغيير الفصل الأول، بينما نجده في خطاب آخر بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية و تحديدًا أثناء احتفالية بعيد المرأة التونسية في 13 اوت/أغسطس 2020 قال ق.س: أن الدولة ليس لها دين سائلًا عن مدى وجود يوم حشر للدولة. مضيفًا: هل ستدخل الدول الأعضاء للأمم المتحدة الجنة وجزء منها إلى جهنم؟ مفسرًا أن الدين للأمم وليس للدول بما أنها ذات معنوية لا تتعدى كونها مجرد تصور معنوي خلافًا للأمم التي هي شعوب يمكن لها أن تعتنق ديانة، وبالتالي كلما يستهدف ق.س شريحة معينة يقوم بتدفئتها كما يقول كازين، ونتيجة لذلك تنضم هذه الفئة وتضاف لحشده من المناصرين.

تصريح قيس سعيد في 13 أوت 2020

محاضرة قيس سعيد في ديسمبر 2012

كما عمل ق.س في جُل أقواله وتصريحاته المصنفة “شعبوية” على أن ينحاز بصورة واضحة وجلية لاستخدام مجال اصطلاحي مقتبس من الحقل المعرفي المناهض لخطاب النخبة وذلك على عديد الأصعدة، فعلى مستوى سياسي يغيب عن خطاب ق.س استعمال مصطلحات على شاكلة (الانتقال الديمقراطي ومفاوضات والأيديولوجية، .. وغيرها) من التعابير التي اختصت النخب السياسية في تونس باستخدامها خلال العشر سنوات الفارطة، في حين يطنب في استدعاء (الشعب، المحاسبة، الثورة، الشباب..)، وذلك دون التطرق إلى أي طبقة اجتماعية بعينها، أو مرجعية فكرية، أو جهة من جهات البلاد، في محاولة لتجاوز مفهوم التمثيل بمعناه التقليدي وساعيًا لتكوين واستدعاء صورته “مجسدة لشعب” le peuple incarné أو “تجسيدًا للشعب”، حتى اننا نسمعه خلال كلمته بمناسبة راس السنة الادارية 2020 يقول: “لقد فتح شعبنا العظيم مرحلة جديدة في التاريخ وليس لأحد الحق في أن يخيب آماله وتطلعاته” في اشارة إلى عملية انتخابه رئيسًا لتونس، وهي تقنية معروفة وقديمة مؤسِسة للخطاب الشعبوي يقف فيها “الشعبوي” على النقيض من “النخبة” في لابراز ارتباطه المباشر “بالشعب” ، وبذلك تكون تقنية اتصاله وسيلة لبناء هويته، الأمر سيان على المستوى الاقتصادي، فأحاديث سعيد في المجال الاقتصادي اقصت تمامًا مصطلحات اقتصادية جوهرية في أي عملية تحليل أو بناء، أو حتى هدم لنظام اقتصادي معين، وكأنه برفض المعجم الاقتصادي النخبوي/العلمي/الكلاسيكي، وينحت صورة الرجل المناهض للطبقة الاقتصادية العليا في المخيال الشعبي العام، فيغيب عن تصريحاته ذات التوجه الاقتصادي كلمات (تنمية، واستثمار، وتضخم، ونسبة نمو، وميزان تجاري وغيرها..)، فانه يستدعي بشدة معجم (الاحتكار، الفساد، الفقر، الغلاء، دم الشعب ..)، وكل ذلك دون تقديم برنامج، أو مشروع بعيد عن الخطابات الموجهة للاستهلاك العامي، حاول ق.س في هاذين المستووين بشكل ملحوظ خلق اطار اتصالي “يجذب الناس “وفق تعبير Walgrave ويحاول باستمرار تدفئتهم كما سبق أن فسرنا.

 

تقف التجارب الشعبوية الكبرى في العالم على مفاهيم هووية محددة، فنرى المفهوم العرقي/القومي في شعبوية النازيين، والطرح الطبقي في شعبوية المعسكر السوفياتي، وحتى حديثًا نلاحظ الخطاب الشعبوي المبني على القومية في خطابات الامريكي ترامب، اما ق.س فيركز خطاباته على المفاهيم الاخلاقية (المنظومة الاخلاقية الشعبية) في كل المسائل، فيصح القول بأنها شعبوية أخلاقية وهذا ما يفسر اعتماده في خطاباته على القيم الأخلاقوية حيث يلقي خلالها دروسًا لمستمعيه، ففي 2014، خلال حوار تلفزي، انتقد ق.س غياب العدل والعدالة في النظام السياسي والقضائي قائلًا: “أين الخورنق والسدير أين قصور عاد” الخورنق والسدير هما قصران يوجدان ناحية العراق ولا يعرف لمكانهما تحديد دقيق اليوم، فالخورنق بناه مهندس من الروم يدعى سنمار. وعندما انتهى هذا الأخير من بناء القصر قال لصاحبه أن به اجرة لو زالت لسقط القصر كله. فهل يكون سنمار هو قيس سعيد؟ هل يكون الدستور هو قصر الخورنق وهل يكون الفصل 80 هو الاجرة التي ستسقط الدستور؟!

في نفس الحوار يتكلم ق.س عن غياب العدل فيستشهد ببيت للمتنبي من القصيدة التي مطلعها: “واحر قلباه ممن قلبه شبم، فيقول:

وخلال حملته الانتخابية في 2019 أجرى حوارًا مع الصحفي ثامر المكي، وعرج على منظومة العدل والعدالة مرة اخرى ليتبني نظرية العدل لابن مسكويه بعد أن استشهد بكتابه “رسالة في ماهية العدل”. فالعدل عند ابو علي ابن المسكويه هو العصب المركزي، الذي يخترق فلسفته الأخلاقية.

كذلك يصر ق.س على الإبقاء على صورته كخبير دستوري قبل أن يكون رئيسًا للجمهورية، يبحث في نفس الاطار على مزيد السبل لتعزيز هذه الصورة، ولعل ذلك يكون الهدف من وراء جمعه لثلة من خبراء القانون الدستوري، فقد استدعى العميد صادق بلعيد، والعميد محمد صالح بن عيسى، والأستاذ أمين محفوظ، وهم قامات علمية لا يُنافش في قيمتهم الاكاديمية، واستهل رئيس الجمهورية حواره معهم بالقول: “ان رغتبه في لقاءهم لا يعنى بها نقاش قانوني بل ان المسألة سياسية وتخص تسمية البعض لأحداث 25 جويلية\يوليو 2021 بالانقلاب وعدم اعترافهم بان الخطر الداهم المكرس صلب الفصل 80 ليس واقعيًا داهمًا فقط بل هو جاثم وواقع على الدولة التونسية”.

الرئيس ووسائل الاعلام: علاقة في اتجاه واحد..

مثل جميع الفاعلين السياسيين، يستخدم الشعبويون وسائل الإعلام ويتفاعلون معها ويغطونها. كما يستخدم الشعبويون قنوات متعددة للتواصل السياسي لنقل رسائلهم والتواصل مع جماهيرهم في المجتمعات المعاصرة، حيث يتم تمرير رسائلهم في جميع السياسات على مستوى ما، من المحتم أن تستخدم الشخصيات الشعبوية وسائل الإعلام “في التعبير عن السياسة وتمثيلها” (Waisbord، 2003، p. 201) .
أوضح ماتزوليني (2003 ، 2008) وكولوفالد (2015) أنه بدلًا من منع تقدمهم، فإن وسائل الإعلام المتشائمة والمناهضة للسياسة على نحو متزايد، حتى عند تقديمها للنقد فهي تساعدهم في إضفاء الطابع الرسمي للشعبوية”، وبالتالي المساهمة في اضفاء الشرعية على الشعبوية من خلال كسب تأييد العامة ضد الأحزاب الأحزاب المتنافسة على السلطة.

إذن يمكن القول، أن الشعبوية والجهات الفاعلة الشعبوية تُغذي الجدل الإعلامي: قد تتضمن تكتيكاتهم (أ) لعب دور “المستضعف”، (ب) استخدام “الكلام المؤذس”، (ج) كسب مساحات إعلامية بأسلوب “التنمر” ضد المؤسسة، و(د) تنظيم أحداث سياسية “تستحق النشر” (مازوليني ، 2008). ومع ذلك، لا يمكن النظر إلى هذه العملية فقط من منظور “تأثيرات” وسائل الإعلام االتقليدية، لأن الأفراد والجماعات يتوسطون بشكل متزايد يتفاعلون باستمرار في المحادثات العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي (تشادويك ، 2013)
في حين اننا وجدنا ان الرأي المهني والاكاديمي في قطاع الاعلام والصحافة يصب في مجمله في ضرورة التطوير وتجاوز الهنات التي يتم تشخيصها في كل اركان القطاع، سواء عامًا كان أو خاصًا، مسموعًا أو مرئيًا أو غير ذلك. فعلى سبيل المثال وليس الحصر يقول الخبير في استراتيجيات الاعلام والاتصال والمستشار الاتصالي الأسبق لرئيس الحكومة رضا الكزدغلي: أن قطاع الإعلام في تونس لم يستفق بعد من الصدمة الإيجابية التي وقعت له بعد الثورة، وأضاف أن هذه الصدمة لم تعط فرصة للصحفيين لإبراز مهاراتهم وفرض اللون الصحفي المهني، بسبب وجود الطرف المتحكم في المال وفي الاستثمار في المؤسسات الإعلامية، الذي تمكن من هذا الدور وسحبه باتجاهه وفرض أجنداته وتوجيهاته عليهم، كما أكد مدير مركز تونس لحرية الصحافة، محمود الذوادي، عن وجود إخلالات وتجاوزات على مستوى الواقع الإعلامي تتنافى مع مصطلحات الضوابط المهنية مثل الصحافة الجادة والأخلاقية والمحترفة .
وحيث تحدث الاكاديميون والمهنيون عن الاخلالات وطرق النهوض بقطاع يعتبر أهم أدوات التأثير في الرأي العام واخطرها في بلد يعيش يوميًا ولمد عشرة سنوات على ارهاصات الانتقال الديمقراطي غير المكتمل.

من جهة أخرى يقف المواطن موقف أكثر راديكالية من وسائل الاعلام المحلية، فبين مقاطعًا، وناقدًا، أو حتى ساخرًا تتمحور جُل المواقف حول التقييم السلبي إلى شديد السلبية من البرامج السياسية خاصة، فيعتبر البعض أن بارونات المال والسياسة هي المتحكمة في الرسالة الاعلامية برمتها، في حين يؤكد آخرون أن المنظومة الاعلامية التونسية هي نفسها منظومة ما قبل ثورة 2011، إلى غير ذلك من التحاليل والآراء التي دفعت المواطن إلى التوجه نحو مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر اخباري وفضاء تحليلي .
في هذا السياق تأتي علاقة قيس سعيد بوسائل الاعلام، أي انه من غير الممكن استنطاق السياسة الاتصالية للرئيس في علاقتها بالصحافة والميديا دون الحديث عن رأي “الشعب” في هذه الميديا، ومٌرد هذا طبعًا أن العملية الاتصالية للرئيس مبنية إلى حد بعيد على صورة “الشعب يريد”=”الرئيس يريد”، وهي الصورة التي يعمل ق.س على انشائها وتلميعها وتغذيتها وترسيخها، هذا اضافة إلى ان العلاقة بين الشعب وبين قائده ومُلهمه، وتجسيده في المنطق الشعبوي لا يمكن أن تمر عبر وسائط، أو أدوات، أو مؤسسات بما في ذلك مؤسسة الصحافة.
وتجدر الاشارة هنا أن صورة الرجل الشعبوي المناقض للطبقات العليا السياسية والاقتصادية، وبالطبع الاعلامية، لم تكن صورة عمل عليها ق.س حديثًا، حيث أن المراجع للحملة الانتخابية للرجل يرى بوضوح تخليه عن كل اشكال الاتصال السياسي الاكاديمية والكلاسيكية (اللاّفتات الاشهارية العملاقة، مواقع التواصل الاجتماعي، رفض التمويل العمومي..) فقدم نفسه على أنه رجلًا بلا حزب، أو ماكينة انتخابية، أو لوبيات سياسية، أو اقتصادية، من تلك التي نمت خلال الفترة السابقة، وانه حر متصل بلا وسائط مع الشعب.

كذلك هو ما يفسر لنا ما تتبعه مصالح رئاسة الجمهورية خاصة في الفترة الأخيرة بعد تولي ق.س منصب رئيس الجمهورية في عملية الاقتصاد في الاتصال، ان لم يكن الشح فيه، وكأن بالرئيس ق.س يرفض الاتصال بالشعب عبر وسائل اتصال واعلام وميديا “يكرهها الشعب” فأكتفى باستخدام القناة الوحيدة التي يسيطر عليها تمامًا وهي صفحة الرئاسة على الفايسبوك.
أيضا في اطار علاقته بوسائل الاعلام، فقد تكاثرت في المدة الاخيرة مواقف الاحتجاج والانتقاد الموجهة الى مؤسسة الرئاسة في سياستها الاتصالية، فنرى الكثير من الصحفيين الذين يريدون أن تكون قنوات الاتصال مع رئاسة الجمهورية اكثر انفتاحًا، إضافة لانتقادات هيئة الاتصال السمعي البصري (الهايكا) لتعطيل حق الصحفيين في النفاذ إلى المعلومة لتغطية الأنشطة الرئاسية، وإدانة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين لـ”سياسة التعتيم” في رئاسة الجمهورية. وقد تكون هذه الهنات والنقائص التي تشير إليها هذه الانتقادات تعبيرًا عن التوجس من الاتصال ومن الوسطاء، السمة البارزة لقيس سعيّد في الحملة الانتخابية، وهذا التوجس هو بذاته تعبير عن إرادة رئيس الجمهورية الجديد في السيطرة على صورته، كما يمكن أن يكون تعامل الرئيس الفج مع وسائل الاعلام نابعًا من معاداته المباشرة والإدعاء أن الصحفيين متحالفين مع النخب السياسية ومحاولة نزع الشرعية عنها لحساب وسائل التواصل الجديدة التي خدمت الشعبويين وروجت لافكارهم في التجارب الامريكية والاوربية حسب ما اورد الكاتب ياشا مونك في “الشعب ضد الديمقراطية” .

ماذا يريد الرجل؟!

منذ سنة 2011 طرح ق.س بناءًا مؤسساتيًا مختلفًا، بل ومتعارضًا مع ذاك المنجز والمطروح منذ اندلاع الثورة، وهو ما يمكن اعتباره نظريًا جزء من التعارض الأزلي بين فكرتي الديمقراطية التمثيلية الليبيرالية وفكرة الديمقراطية المباشرة.
فهو لم يطرح برنامج انتخابي واضح، كذلك حملته الانتخابية لم تكون بالشكل التقليدي والمعهود، كما أعاد ق.س خلال حملته الانتخابية مشروعًا كان قد قدمه في 2011 تحت عنوان من أجل تأسيس جديد، أي فكر سياسي جديد يترجمه نص دستوري جديد، فالرجل خلال حملته الانتخابية قد طرح علانية بانه سيطرح مسألة تنقيح الدستور، لضمان أن يكون البناء قاعديًا ينطلق من المحلي نحو المركز، وذلك من خلال انشاء مجالس محلية في كل معتمدية، على ان يتم قبول الترشح بالتزكية والمناصفة، وتكون هناك تمثيلية لأصحاب الإعاقة، وتضم المجالس المحلية كذلك مديري الادارات المحلية بصفة ملاحظين ليس لهم الحق في التصويت، والمشرفين على الامن في المعتمدية يعد تعيينهم بالانتخاب، بعد ذلك يتم الاختيار بالقرعة على من سيتولى تمثيل المجلس المحلي على المستوى الجهوي، على أن تكون المدة محددة حتى يتمكن جميع الأعضاء من التمثيل والرقابة، بمعنى آخر ان تصبح جميع المشروعات والمقترحات مستمدة من الجذور الشعبية، كما يتم الغاء الانتخابات البرلمانية ويتم التصعيد من المجالس المحلية إلى الجهوية، ثم إلى البرلمان، فهو لا يريد الأحزاب، ولكنه لن يلغيها بل سيقيدها من خلال القوانين ومحاصرتها في الاعلام لتصبح تعددية شكلية وصوت معارضة ضعيف وغير مقنع وبالتالي غير مؤثر.
موقفه من الجمعيات وحقوق الانسان ليس بأفضل حالًا من الأحزاب السياسية، فالرجل واضح منذ البداية فهو يرى المثلية الجنسية “شذوذ”، يناصر عقوبة الإعدام، وضد المساواة في الإرث، ويمتلك مشروعًا لإيقاف الدعم عن كل الجمعيات سواء من الداخل أو من الخارج، فقط ينتظر الوقت المناسب لتنفيذ ذلك .

نجد هنا إن هذا الطرح القابل لاستيعاب فكرة تجميد البرلمان والغاء بعض الهيئات الدستورية الأخرى، يشي ايضًا بمحاولة “الشعبوي” ضرب وارهاق كل المؤسسات التي من الممكن أن تكون معارضة ومراقبة له، لهذا تأتي الدساتير على رأس الانظمة التي يهاجمها الشعبوي بتفريغها من افكار الديمقراطية التمثيلية القائمة على المؤسسات .

ان ما يخشاه فعلًا ق.س هو أن يفقد لمشروعيته امام المجتمع الدولي خلال محاولته لافقاد النخبة الحاكمة لمشروعيتها، خاصة أن المجتمع الدولي لا يكترث لاسلوبه البلاغي، ولا لاعلاءه النظري للشرعية الشعبية، ولا لعلاقته ووسائل الاعلام.

هل يحمي قيس سعيد الحقوق والحريات؟

سنقوم في هذا الجزء برصد الحقوق والحريات في فترة ما بعد 25 جويلة\يوليو 2021 نظرًا لأنها مرحلة كاشفة لمدى التزام ق.س بحماية واحترام الحقوق والحريات كما يدعي، ويؤكد دائمًا في كل تصريح أو حوار له.
فقد أعلن ق.س مساء الأحد 25 جويلية\يوليو 2021 عن تفعيل الفصل 80 من الدستور واتخذ بذلك جملة من القرارات تقضي:

ولا ينص تفعيل المادة 80 الدستور التونسي على تجميد البرلمان، أو رفع حصانة عن أعضائه، أو استقالة (إقالة)رئيس الحكومة، ولكن أصر ق.س على انه يتخذ تلك القرارات في إطار دستور 2014 واحترامه، في ذات الوقت يصرح دائمًا بأن الدستور الذي اخترقه من اجل خدمة رؤيته وتفسيراته الشخصية، أو الذي انتهكه عديد المرات كما سنوضح لاحقًا، يكبل يداه من أجل المُضَي قِدمًا في مشروعه وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وفقًا وذلك وفقًا لتصوره الشخصي، وبالطبع هو يعتبر رؤيته هي تعبير عن مطالب يستمد مشروعيتها من الشعب مباشرة وتحت شعار “الشعب يريد”.

وظل الرجل في كل اللقاءات التي اجراها منذ ليلة 25 جويلية\يوليو يؤكد على احترامه التام للدستور والحقوق والحريات، ويؤكد على أن هذه القرارات لم تشمل ولم تمس من باب الحقوق والحريات، وظل الأمر هكذا حتى مساء يوم 22 سبتمبر 2021، والذي أعلن فيه عن استمرار العمل بالدستور ولكن من خلال التوطئة والبابين الأول والثاني فقط، مع الغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، كما صدر بالرائد الرسمي أمر رئاسي عدد 117 مؤرخ في 2 سبتمبر 2021 يتعلّق بجملة من التدابير الاستثنائية، والتي تعتبر دستور مُصغر. وقد حاولنا متابعة كل الإجراءات التي وقع اتخاذها خلال هذه الفترة. وهذه أبرز الملاحظات التي يمكن أن نقدمها:

الحقيقة قام ق.س بالتعامل والتفاعل مع تلك الانتهاكات مستخدمًا طريقته الاتصالية الخاصة “يجذب الناس” وفق تعبير Walgrave ويحاول باستمرار تدفئتهم كما سبق أن فسرنا، فقام بعدد من اللقاءات المتعلقة بلمف الحقوق والحريات والعمل السياسي والحزبي والجمعياتي، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي في محاولة منه لطمأنه (تدفئة) تلك المجموعات القلقة من سياساته تجاه هذا الملف، كما حاول سعيد كذلك العمل على استغلال ملف التلقيح ضد كورونا كحملة سياسية تظهر وتثبت تأييد الشعب له ولكل الإجراءات المتخذة، فقام بالقاء كلمة إلى التونسيين والتونسيات لحثهم على الإقبال على التلقيح، وقام بنشرها كالعادة من خلال الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية، في هذا الإطار شهدت عمليات التلقيح ضد فيروس كورونا ارتفاعًا ملحوظًا في النسق من خلال تنظيم أيام مفتوحة للتلقيح لتكون الحصيلة ارتفاع عدد المواطنين والمواطنات الذين أتموا تلقيحهم ولذي بلغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين. والجدير بالذكر انخفاض معدل التلقيح في الأسابيع والأيام الوطنية الأخيرة بنسق كبير عن بداية العمل بتلك الطريقة.

كذلك قام ق.س في اليوم التالي مباشرة لتفعيل الفصل 80 وإعلان الإجراءات الاستثنائية باستقبال كل من السيّد نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، ورئيس الهيئة الوطنية للمحامين، ورئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، ورئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، والسيدة نائلة الزغلامي، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وأكّد خلال اللقاء على حرصه على احترام الدستور ومقتضياته وفرض القانون على الجميع وضمان استقلال القضاء، كما ألتقي في نفس اليوم بكل من السيد جمال مسلم، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكاتبها العام، والسيد محمد ياسين الجلاصي، رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والسيد عبد الرحمان الهذيلي، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعاود التأكيد على تمسكه الثابت بضمان الحقوق والحريات واحترام دولة القانون والمسار الديمقراطي.

السيّد نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل

وفي الأيام الموالية للإعلان عن تلك الاجراءات الاستثنائية وفي خضم الاختلاف على تعريف ما حدث في تونس، فأنقسم المجتمع التونسي ما بين جانب مؤيدًا واصفًا ومعرفًا لما حدث على انه “تصحيح مسار”، وجانب آخر رافضًا لما حدث ويصفه ويعرفه مباشرة بـ “الانقلاب”، في الاثناء قامت جريدة نيويورك تايمز بنشر مقال لمراسلتها في تونس يميل إلى وصف ما حدث في 25 جويلية/يوليو بالانقلاب الدستوري، فقام ق.س على الفور وبعد يومان فقط من نشر المقال وخمسة أيام على اعلان الإجراءات الاستثنائية، تحديدًا في 30 جويلية/يوليو باستقبال لصحافيين ومراسلة تونس لجريدة نيويورك تايمز الأمريكية. وقام خلال تلك المناسبة بالحديث عن الدستور الأمريكي والتأكيد على تخصصه كأستاذ في القانون الدستوري ومؤكدًا على أن كل ما حدث في تونس يتم في إطار الدستور والمحافظة الكاملة على الحقوق والحريات.

وبعد ظهور عديد من الانتهاكات خلال شهر أوت/أغسطس قام ق.س في 2 سبتمبر 2021 باستقبال السادة إبراهيم بودربالة، عميد الهيئة الوطنية للمحامين، والكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والأستاذ بسام الطريفي، نائب رئيس الرابطة، وشدّد خلال تلك المقابلة على أنه لا مجال للعودة إلى الوراء، مجدّدًا التأكيد على أنه ثابت في التزامه القوي بالمواصلة في نفس النهج وعدم المساس بحقوق الإنسان واحترام الحريات، بما فيها حرية التعبير والتظاهر، ورفض المساومة والابتزاز والظلم وأي تجاوز للقانون. وقد تعذّر على النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تلبية الدعوة الموجّهة لها لحضور هذا اللقاء بسبب ارتباطات نقابية داخل تراب الجمهورية، ومن الجدير بالذكر أن هذا اللقاء جاء في اليوم التالي لتعدي قوات الامن على الصحفيين خلال تغطيتهم للتحرك الاحتجاجي لحركة ماناش مسلمين/ات.

كما نفت الرئاسة التونسية خلال هذا اللقاء أيضًا علمها بالموضوع المتعلق بتسليم لاجئ سياسي جزائري للسلطات الجزائرية وأنها ستفتح تحقيقًا في الغرض.

أما على المستوى الخارجي فقام ق.س في 4 سبتمبر باستقبال وفدًا من مجلس الشيوخ الأمريكي ضمّ السيناتورChris Murphy، والسيناتور Jon Ossoff، وأكّد رئيس الدولة على أن التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها يوم 25 جويلية/يوليو 2021 تندرج في إطار الاحترام التام للدستور، وذلك بخلاف ما يُروّج له من ادعاءات مغلوطة وافتراءات كاذبة، مشدّدًا على أنها تعكس إرادة شعبية واسعة وتهدف إلى حماية الدولة التونسية من كلّ محاولات العبث بها.

كما قام في اليوم التالي لأول وقفة احتجاجية مناهضة له ولإجراءاته الاستثنائية في قلب العاصمة تحت عنوان “ضد الانقلاب”، وتحديدًا في 14 سبتمبر استقبل رئيس الجمهورية بقصر قرطاج، السادة العميد صادق بلعيد والعميد محمد صالح بن عيسى والأستاذ أمين محفوظ. وتطرق اللقاء إلى الوضع السياسي في تونس وإلى عدّة مسائل دستورية، وأشار إلى أنه من المهم تشكيل الحكومة ولكن أيضًا من الضروري وضع تصوّر للسياسة التي ستتبعها هذه الحكومة لخدمة الشعب التونسي، كما أكّد على أنه ليس من دعاة الفوضى والانقلاب، وجدّد التزامه باحترام الحريات والحقوق وثباته على المضي في المسار الواضح الذي رسمته إرادة شعبية واسعة.

وبعد تزايد وتعدد الشكاوى حول التحجير من السفر والمضايقات في مطار قرطاج الدولي للمواطنين التونسيين قامت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية يوم 17 سبتمبر بلاغًا بان ق.س قام بإعطاء تعليماته للمكلف بتسيير وزارة الداخلية، بأن لا يتمّ منع أي شخص من السفر إلا إذا كان موضوع بطاقة جلب أو إيداع بالسجن أو تفتيش، وأن يتمّ ذلك في كنف الاحترام الكامل للقانون والحفاظ على كرامة الجميع ومراعاة التزامات المسافرين بالخارج.
أستمر قيس سعيد في طمأنة (تدفئة) جميع الأطراف داخليًا، وخارجيًا محاولًا التغطية أو التفاعل على الانتهاكات المتعددة التي وصلت لحد ممُنهج في بعض الأحيان.

أما عن الانتقال الديمقراطي فإنه يمكن القول اننا نعيش اليوم في أخطر مراحله حيث أن إمكانية العودة إلى زمن الدكتاتورية فكل مؤسسات الدولة تقريبًا أصبحت معطلة ورئيس الجمهورية أصبح جامعًا لكل السلطات في يده وهو ما يعني أن الخطر اليوم أصبح واضحًا بل جاثمًا من خلال فرض الأمر الواقع، فمنذ أكثر من 60 يومًا ونحن ننتظر الاعلان عن خارطة الطريق فالوضع الاقتصادي والاجتماعي اليوم قابل للانفجار في أي لحظة وكل تأخير ستكون عواقبه وخيمة، في انتظار ما ستأتي به قادم الأيام يمكن القول إن الانتقال الديمقراطي في تونس مهدد اليوم.

وقد وضح جليًا منذ نجاح ق.س في الانتخابات الرئاسية بنسبة كبيرة جدًا عن منافسه المباشر نبيل القروي، وبات يستعمل الدستور من خلال الذهاب إلى الحدود القصوى لسلطاته المنصوص عليها في دستور 2014، وذلك بتحدي البرلمان في عملية رفض أو إعطاء الثقة للحكومة ورئيسها، وذلك من بغرض إما أن تكون الحكومة موالية له كحكومة الفخفاخ، وإما من خلال تحجيمها من خلال رئيس الوزراء مُطيع ومن داخل دواليب الدولة ودون الخبرة المطلوبة، ويحتاج إلى مساعدته ودعمه وتوجيهه دائمًا، أو هكذا ظن في مخيلته، فقام باختيار المشيشي، إلا انه فشل خلال تلك المحاولتين بفرض تصوره عن الطاعة الكاملة للجهاز التنفيذي والأمني للدولة لرئيس الجهورية أي لنفسه، فعمد إلي تفعيل الفصل 80 من الدستور.

وبناءًا على كل ما سبق يمكن القول ان رئيس الجمهورية لم يفي بوعده في احترام الدستور، وأن هذه الخروقات تهدد بل تضرب في مقتل الحقوق والحريات، والانتقال الديمقراطي في تونس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *