الدولبياناتمصر

بيان حول واقع حقوق الإنسان في مصر رئيسٌ يَعدُ.. وسجونٌ تمتلأُ

“لقد حققت مصر خلال السنوات الماضية إنجازات وطنية مهمة في مجال حقوق الإنسان على المستويات التشريعية والتنفيذية والمؤسسية”. كانت تلك الكلمات مقتطفا من افتتاحية الوثيقة التي أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسي بإسم (الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان) والتي من المفترض أن ترسم طريقا للارتقاء بأوضاع الإنسان في مصر في السنوات الخمس القادمة.

جاء إطلاق الاستراتيجية بالتزامن مع إستغاثات الناشط السياسي الأشهر علاء عبد الفتاح بعد سوء حالته الصحية والنفسية داخل محبسه وتصريحه في جلسة تجديد حبسه بسوء معاملته في السجن والتي دفعته في التفكير في إنهاء حياته بنفسه، تلك الجلسة التي تم تجديد حبسه فيها 45 يوم وتمت إعادته لذات السجن الذي تعاديه فيه إدارته مع زميلة في القضية المحامي الحقوقي محمد الباقر والعشرات من المحبوسين إحتياطياً الأخرين والذين هم رقم صغير من ألاف المحتجزين علي خلفيات سياسية في مصر بين المحكوم والمحبوس إحتياطي والمختفي قسرياً في عدد وصلت بعض تقديراته ل60 ألف شخص.

الاستراتيجية التي إمتلأت بتعبيرات مثل ( تعزيز – تشجيع – التوسع – اقتراح – العمل علي) لكنها خلت من أليات حقيقة للتنفيذ مما يجعلها أقرب لرؤية أو إعلان مبادئ بلا أليات حقيقية للتنفيذ خاصة ومصر مفروض فيها حالة الطوارئ منذ إبريل 2017 حتي الأن.

تزامن الإعلان عن الاستراتيجية المذكورة، أيضاً، مع إحالة باتريك جورج زكي، الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، للمحاكمة أمام محكمة الطوارئ، بتهمة “إشاعة أخبار كاذبة بالداخل والخارج”، على خلفية مقال رأي نشره منذ عامين، وإستمرار محاكمة المحامي الحقوقي البارز زياد العليمي وزملاءه في قضية “معتقلي الأمل” والتي كان جل جرمهم محاولة تكوين إئتلاف إنتخابي لخوض الإنتخابات التشريعية لينتهي بهم الأمر في السجن ومدرجين -بحكم قضائي- على قوائم الإرهاب مع العشرات من السياسيين ومنهم نجل وزير خارجية فلسطين الأسبق رامي شعث.

وزير خارجية فلسطين الأسبق رامي شعث.

في الحقيقة، ما يزال الإطار القانوني للاستراتيجية غير واضح خاصة مع وجود باب كامل للحقوق والحريات في الدستور المصري احتوى علي العديد من النصوص الجيدة لكن كان يعيبها أنها نصوص مُحيلة حيث تُحيل كل أليات التطبيق الى القوانين المُنتظر صدورها من البرلمان، إلا أنّ أغلب تلك الإستحقاقات الدستورية لم يتم تنفيذها، فلم يتم توضيح مدى القوة الإلزامية للإستراتيجية أو من هم العاملون عليها، فلم يُعلن سوى أنّها صدرت عن لجنة مكوّنة من 25 شخصية عامة وخبيرة، وهو ما يعني عدم اللجوء الى أيّ من مجلسي الشعب أو الشورى وهما الجهة القانونية والمنطقية المنوط بعهدتها وضع السياسات العامة، فهل هي مقترح بقانون من السلطة التنفيذية أو هو تصور مفروض منها؟

يذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قررت تعليق مبلغ 130 مليون دولار من المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، رهنًا باتخاذ خطوات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، فيما وافقت في الوقت نفسه منح مصر 170 مليون دولار من المساعدات، من شريحة قيمتها 300 مليون دولار للسنة المالية 2020.

أطلق الرئيس السيسي على عام 2022 اسم “عام المجتمع المدني” وما يحمله الأسم من وعود بتحسين الأحوال خاصة بعد 8 سنوات من قتل المجتمع المدني والحريات العامة سواء بمطاردة المؤسسات الحقوقية والأهلية والعاملين بها، أو بتحجيم العمل العام والمجال الحزبي، أو بغلق كل المجالات العامة وتأميم الإعلام وعدم توافر أي طرق لحرية الفكر والتعبير، هذا بالطبع بخلاف التدهور في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخاصة بعد أزمة كوفيد19 وما تبعها من إنهيار سوق العمل وكذلك حملات التهجير القسري المصاحبة لما سمي بـ”تطوير العشوائيات” فضلا عن الإنتهاكات المتتالية لحقوق اللاجئين في مصر.

تجدر الإشارة أنّ الأزمة في مصر عبر تاريخها الحديث لم تكن أبدا وضع النصوص القانونية أو السياسات والمشاريع، بل كانت في عدم وجود رغبة حقيقة من المسئولين في اتّخاذ خطوات حقيقية للإصلاح والنّظر دوما الى الحقوق والحريات على انّها عبء على دولة يصل الأمر أحياناً لوصف المطالبين بها بالخيانة.

انّنا نرحّب، بالضّرورة، بأيّ خطوات حقيقية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر سواء من جانب الحريات المدنية أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ونأمل أن يأتي ذلك تعبيراً عن رغبة حقيقية في التطوير وليس مجرّد قناع رديء لتلميع صورة النظام الحاكم أمام العالم.

أي إصلاح حقيقي لأوضاع حقوق الإنسان لا يمكن أن يخلوا من خطوات للعدالة الانتقالية وما تتضمنه من الآليات القضائية وغير القضائية على السواء، بدًأ من كشف الحقيقة والمصارحةتقصي الحقائق ومرورًا بعد ذلك إلى محاسبة القضائية وجبر الضرر و والإصلاح المؤسسي، وانتهاءًا بالمصالحة الوطنية الشاملة، وأي منهجية يتم اختيارها يجب أن تكون متوافقة مع المعايير والالتزامات القانونية الدولية.

كما اننا نثمن كل جهود الأفراد المستمريين في محاولة تغيير نظام الرؤية الواحدة والرأي الواحد عالمين أن لا طريق للديمقراطية دون طرح العديد من الرؤى ووجهات النظر ولا سبيل للتغيير دون خوض المعارك المختلفة حتي وإن حمل ذلك أخطار التعرض للمحاكمة والإحتجاز والتشهير المتبع من قبل النظام الحالي.

أي إصلاح حقيقي لأوضاع حقوق الإنسان لا يمكن أن يخلو من خطوات للعدالة الانتقالية وما تتضمنه من الآليات القضائية وغير القضائية على حدّ السواء، انطلاقا من كشف الحقيقة والمصارحة وتقصّي الحقائق ومرورًا بالمحاسبة القضائية وجبر الضرر والإصلاح المؤسسي، وصولا الى المصالحة الوطنية الشاملة، على أن تكون أيّ منهجية يتم اختيارها متوافقة مع المعايير والالتزامات القانونية الدولية.

كما اننا نثمّن كل جهود الأفراد المتمسّكين بمحاولة تغيير نظام الرؤية الواحدة والرأي الواحد وكلّهم/هن يقين أنّ لا طريق للديمقراطية دون طرح العديد من الرؤى ووجهات النظر ولا سبيل للتغيير دون خوض المعارك المختلفة حتى وإن حمل ذلك أخطار التعرض للمحاكمة والاحتجاز والتشهير المتّبع من قبل النظام الحالي.

ان المنظمات الموقعة على البيان تطالب السلطات المصرية بسرعة الاستجابة للمطالب التالية:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *