إصداراتالدولتقاريرليبيا

التقرير ربع السنوي الأول أكتوبر/ديسمبر 2020 -ليبيا

I- مسار الحوار الليبي : 

تتعدد المسارات في ليبيا رغم ارتباطها إلا أن السياسي دائما، وهو المرتبط بتوازنات الداخل والخارج، يؤثر عليها جميعا. الأمر الذي جعل اللقاء يلي الآخر في ظل غياب الثقة والخوف من العودة إلى مربع العنف الأول. وهو فعليا معطى حقيقي مع واقع تواصل التحشيدات العسكرية في خطوط التماس في جفرة وسرت على مشارف الهلال النفطي. بينما انتقل المسار العسكري بين جنيف وغدامس وسرت ليفصل اتفاق وقف إطلاق النار الهش لكنه لم يقدر على تجاوز واقع التوازنات في الشرق والغرب وفي كل منهما أيضا، حيث تتمسك الجماعات المسلحة والسياسيون المرتبطون بها بما هو موجود خوفا من توازنات قد تأتي على حسابها. في المقابل انتهي المسار الاقتصادي إلى بعض الإنفراج لكنه يبقى محدودا في ظل خطر الاقتصاد غير الرسمي الذي يعتبر مصدر تمويل السلاح الرئيسي في ليبيا، وحلا لا بد منه لجل الليبيين.

1- المسار السياسي :

بدأت عشرات الشخصيات الليبية، حوارًا سياسيًا عبر الفيديو بإشراف الأمم المتحدة يوم الاثنين 26 أكتوبر 2020، بعد أيام قليلة من إعلان اتفاق وقف دائم لإطلاق النار في جميع أرجاء ليبيا يوم 23 أكتوبر2020. وذلك للتمهيد للمحادثات المباشرة في تونس. وعقد الحوار بناء على مخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا، والتي اعتمدها مجلس الأمن في قراري 2510 (2020) و2542 (2020).

والمحادثات هي الأولى في إطار منتدى الحوار السياسي الليبي، الذي ستتواصل عبره مناقشة نتائج المباحثات السابقة، بخصوص الملفات العسكرية والاقتصادية والمؤسساتية، وأوضح بيان لبعثة الأمم المتحدة، أن الاجتماع يضم شخصيات مختلفة من المشهد السياسي الليبي، ويهدف إلى التحضير للقاءات مباشرة في التاسع من نوفمبر في تونس. حسب بعثة الأمم المتحدة أن الملتقى “يهدف إلى تحقيق رؤية موحدة حول إطار وترتيبات الحكم التي ستفضي إلى إجراء انتخابات وطنية في أقصر إطار زمني ممكن، من أجل استعادة سيادة ليبيا والشرعية الديمقراطية للمؤسسات الليبية. وأكدت أيضا أنه “استجابة لتوصية غالبية الليبيين، يمتنع المدعوون للمشاركة في ملتقى الحوار السياسي عن تولي أي مناصب سياسية أو سيادية في أي ترتيب جديد للسلطة التنفيذية. إثر محادثات استمرت 5 أيام في جنيف برعاية أممية تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.

 

الحوار في تونس: في دولة مجاورة لليبيا لكن الليبيين متفرقون من 9 الى 16 نوفمبر

وسط تفاؤل حذر، انطلقت في تونس أولى جلسات الحوار بين الفرقاء الليبيين يوم الاثنين (التاسع من نوفمبر 2020). وهدف الحوار إلى تحقيق رؤية موحدة حول إطار وترتيبات الحكم، التي ستفضي إلى إجراء انتخابات وطنية في أقصر إطار زمني ممكن، من أجل استعادة سيادة ليبيا والشرعية الديمقراطية للمؤسسات الليبية، وانهاء الأزمة. وقد أخذ الملتقى في الاعتبار توصيات “مونترو” والتفاهمات التي تم التوصل إليها في محادثات “بوزنيقة” والقاهرة.

تم في هذا اللقاء إحراز بعض التقدم بالفعل، غير أنه بدون حلول وسط إضافية ودعم من أطراف النزاع وداعميهم الأجانب لا يمكن الوصول إلى مرحلة تفعيل الحلول المطروحة. وجاء الحوار بعد فترة هدوء نسبي دامت أشهرا في البلاد الغارقة في الفوضى. وشكل الاجتماع تقدّمًا على خط إنهاء الأزمة السياسية المستمرة منذ سنوات لكن عمليًا لم ينتهي الحوار في تونس إلى نتائج تتجاوز تحديد التاريخ الخاص بالانتخابات دون الخطوات العملية للوصول إليها. وعلى مستوى المعايير التي تم تحديدها لاختيار من يمثل الليبيين في مسار الحوار السياسي حددت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا معايير اختيار المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي في العاصمة التونسية.

إشكالية تمثيل الليبيين في الحوار السياسي:

تمثيل مثير للجدل داخليًا وشبهات رشاوي ومال سياسي

أكدت البعثة الدولية أن المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي سيكونون “من فئات مختلفة”، وسيجري اختيارهم بناء على مبادئ الشمولية والتمثيل الجغرافي والسياسي والقبلي والاجتماعي العادل. وقال البيان بهذا الشأن: “إن هذه المجموعة تضم ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بالإضافة إلى القوى السياسية الفاعلة من خارج نطاق المؤسستين، وفي ظل التزام راسخ بالمشاركة الهادفة للمرأة والشباب والأقليات بحيث يكون الحوار شاملا لكافة أطياف ومكونات الشعب الليبي.

يُذكر أن البعثة قد وجهت 75 دعوة لممثلين لكافة أطياف المجتمع الليبي للمشاركة في أول لقاء للملتقى السياسي الليبي الشامل عبر تقنية الفيديو. وفي هذا السياق ناقش الليبيون معايير بعثة الأمم المتحدة في اختيار من يمثلهم وهم يستحضرون حوار الصخيرات الذي أنتج اتفاقا لم يستطيع من كتبه تنفيذه على أرض الواقع. وهو ما أدى إلى المزيد من الصراعات في ليبيا اعتبرها العديدون السبب الرئيسي في الحرب الأخيرة التي شنها الجنرال خليفة حفتر على طرابلس. ونتيجة لهذه الأسباب دار نقاش بين النخب الليبي والتكتلات الشبابية والاحزاب السياسية حول طبيعة المعايير التي يجب ان يعتمد عليها الليبيون وبعثة الأمم المتحدة لاختيار من يمثلهم في مسار الحوار السياسي الجديد.

 أكد لذلك تحالف القوى الوطنية (حزب سياسي) في ليبيا أنه سيعارض مخرجات المنتدى السياسي في تونس قبل أن يبدأ معتبرا أنها كانت صفقة غير بريئة تكرر أخطاء الاتفاق السياسي السابق وما نتج عنه من فشل في بناء الدولة، واستمرار النهب الممنهج للمال العام، وتعطيل اللجوء للانتخابات، وتابع التحالف في بيانه، أنه لا يوجد له أي ممثل رسمي على طاولة الحوار بالمنتدى. كما أكد التحالف أنه لا صحة لادعاء البعض تمثيل التحالف، مضيفًا أن ممثل التحالف في أي استحقاق هو من تختاره قيادة الحزب الحالية، وذلك بعدما:  “أبلغنا بأنه تم استبدال مقعد رئيس الحزب المرحوم محمود جبريل، بشخصية من نفس قبيلته، ضاربين بعرض الحائط حقيقة أن الراحل كان رئيسًا لحزب سياسي يحوي كل المكونات والمناطق الليبية، ولم يكن يومًا يمثل قبيلة أو منطقة معينة مع كامل الاحترام لكل قبائلنا ومدننا الحبيبة”. ورأى التحالف أن هذا الخطأ يعود للبعثة في عدم وجود معايير واضحة ومحددة للاختيار، واستمرارًا لرغبة أطراف ليبية “قد تكون مدعومة من أطراف خارجية لإقصاء كل من ينادي بالتوافق على مشروع وطني ليبي كأولوية”. وعبر التحالف عن دعم جهود البعثة الأممية إلى ليبيا للوصول لاتفاق شامل ينهي حالة الصراع، بشرط دعوة كل الأطراف الليبية لتحمل المسؤولية التاريخية وتغليب مصلحة الوطن والالتفاف حول مشروع إنقاذ وطني يُنهي الأزمة وليس على مبدأ تقاسم المناصب بين المتصارعين على السلطة فقط[1].

دفعت الأزمة الليبية تجمعات شبابية عدة في البلاد إلى صدارة الأحداث، بحثًا عن حل يهدف إلى طي صفحة الحرب وينهي الفترة الانتقالية، مطالبين بدمجهم في اللقاءات التي ترعاها البعثة الأممية، وفي مقدمتها منتدى الحوار السياسي في تونس. وشدد أكثر من مائة شاب وقعوا على ما أطلقوا عليه “وثيقة تويوة” على “عدم قبول إعادة تدوير الوجوه التي أنتجها اتفاق الصخيرات ولم تحقق أي نجاح”، داعين البعثة الأممية في ليبيا إلى “تمثيل بما لا يقل عن 25 شابًا في مسار الحوار المقبل، مع مراعاة المكونات الثقافية وذوي الاعاقة والمرأة” وتويوة هي بلدة صغيرة في الجنوب الليبي انطلقت منها فعاليات (المؤتمر الشبابي الأول) الذي استمر يومين وانتهى ببيان ختامي عنوانه «ماذا يجب ان يكون في مسار الحوار الليبي؟.

وقال أحمد التواتي، أحد منظمي المؤتمر والموقعين على الوثيقة، إنهم يقترحون تشكيل «حكومة أزمة مصغرة ذات صلاحيات محدودة» كحل سريع للأزمة لحين إجراء انتخابات في البلاد، على أن تنحصر مهامها بتوحيد المؤسسات التنفيذية للدولة، والعمل على وضع الترتيبات اللازمة لإجراء العملية الانتخابية، وإنهاء الأزمات المتمثلة في الكهرباء والوقود والسيولة. وأضاف التواتي أن الوثيقة تم تسليمها للمبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز. وقال: “رغم التسريبات التي تشير إلى أن البعثة أغلقت الباب أمام أي إضافات أخرى فيما يتعلق بالتحضير للمنتدى، فإننا سنمارس ضغوطًا كي تكون بنود الوثيقة حاضرة في الاتفاق السياسي المقبل، وسيكون لنا موقف على الأرض بالتظاهر السلمي، إذا لم تتم الاستجابة لمطالبنا بتمثيل أوسع للشباب والمرأة في المنتدى”.

وقال أكرم النجار، أحد منظمي المؤتمر، إن “هناك تواصلًا كبيرًا معنا سواء من البعثة الأممية أو فئات من الشباب الراغبين في الانضمام إلينا”. وأضاف أن الوثيقة “تعدّ أول منتج شبابي يُكتب خلال السنوات العشر الماضية، ونعتقد أن هذا ما كان ينقصنا في ليبيا، فلم تكن هناك رؤية تبلورت نستطيع أن نتجمع حولها”. كما أضاف أكرم إلى أنهم سمحوا للشباب المنخرطين في التشكيلات المسلحة بالمشاركة في اجتماعهم، مبررًا ذلك بـ”أننا في حاجة إلى الاستماع لأصواتهم، وقد نجحنا في الخروج ببعض النقاط الإيجابية، ونرى من خلالها أنها ممكن أن تقدم قيمة مضافة لمسار الحوار المقبل”.

رغم أزمة التمثيلية المحدودة من حيث طبيعتها ونتائجها، ومع كل هذا النقاش حول مسار الحوار الليبي وتركيبة اعضاء منتدى الحوار السياسي الا أن الليبيون ذاهبون في هذا المسلك باعتباره المسار الوحيد الذي يمثل بديلًا عن الحرب التي استمرت لفترة طويلة خلال السنوات الماضية. الا انه في نفس الوقت مع البدء في أولى النقاشات السياسية بين اعضاء لجنة الحوار اتضحت الفروقات الكبيرة في وجهات النظر وخاصة فيما يتعلق بإعادة تشكيل السلطة التنفيذية المنقسمة على نفسها شرقًا وغربًا مند أكثر من اربعة سنوات، بل وصل حدة الخلاف الى وجود شبهة رشوة مالية قال بعض اعضاء لجنة الحوار انها عرضة عليهم من جهات معينة مقابل تصويتهم لطرف من الاطراف المتقدمة لمنصب رئيس الوزراء. وفي تفاصيل المال السياسي، يُذكر أنه قد نُشر تسجيل مسرب لأحد المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي بتونس، يدعو فيه لانتخاب فتحي باشا أغا، رئيسًا للحكومة الليبية مقابل مكاسب مادية، وقدم عدد من المشاركين في الملتقى السياسي بتونس شكوى بشأن هذه الشبهات لشراء الأصوات لصالح جهات بعينها مرشحة للمناصب العليا لقيادة المرحلة الانتقالية في ليبيا. وهي جهات محسوبة على التيار الإسلامي.

فعليًا فشل الملتقى في تونس في التوصل إلى توافق حول تشكيل مجلس رئاسي برئاسة ممثل عن شرقي ليبيا ونائبين من الجنوب والغرب ورئاسة حكومة انتقالية برئاسة مرشح من غربي ليبيا ونائبين عن الشرق والجنوب نتيجة لعدم وجود ارضية مشتركة بين اعضاء لجنة الحوار للوصول الى توافق حول آلية واضحة لاختيار من يتقلد السلطة التنفيذية في ليبيا. في المقابل، شكلت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لجنة قانونية ودستورية ستضع قانونًا للانتخابات العامة التي تم الاتفاق على تنظيمها في 17 ديسمبر من سنة 2021 خلال الجولة الأولى والمباشرة من المفاوضات في تونس. وكشفت مصادر قريبة من مفاوضين عن شرق ليبيا شاركوا في اجتماع افتراضي عقدته الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، مع ممثلي فرقاء النزاع الليبي عبر الاتصال المرئي، عن تشكيل لجنة تضم 17 عضوًا من المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي. اللجنة تضم:

الخلفيات الأيدولوجية والسياسية للجنة الحوار الليبية

يعتبر البعض أنهم محسوبون على ما يعرف في الاصطلاح الاجتماعي الليبي الحالي ب”الخضر” ولكن حسب المعطيات فإن أغلبهم محسوبون على أنصار سيف الإسلام، كما تواجد في هذه القائمة زيدان الزادمة والذي أعلن انسحابه من الحوار في بلاغ صحفي بعد ذلك.

2- المسار الاقتصادي

بعد حوالي عشرة أيام من مؤتمر برلين، استضافت العاصمة المصرية القاهرة، في 9 و10 فبراير/فيفري 2020، جولة من مباحثات المسار الاقتصادي حول ليبيا، شارك باللقاء 28 خبيرًا اقتصاديًا وماليًا، وتم التوافق خلالها على تشكيل ثلاث لجان وهي: اللجنة المصرفية وتعنى بمعالجة الانقسام في الجهاز المصرفي وما يتبعه من مسايل، ولجنة توزيع الايرادات العامة بعد الجدل الذي دار حول سوء ادارة المال العام، ولجنة الاعمار والتنمية لاحقًا ، أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، خلال إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي في 30 جانفي/يناير 2020 توجيه الدعوات إلى اجتماع اقتصادي ثانٍ حول ليبيا يعقد في القاهرة في التاسع من فيفري/فبراير 2020. والذي تشكلت خلاله اللجنة الاقتصادية من شخصيات اقتصادية ورجال أعمال على النجو التالي:

تقدمت مناقشات المسار الاقتصادي أكثر من غيرها منذ جانفي فيفري/يناير 2020، وقد ساهمت التحولات الميدانية والضغوط الدولية وخاصة التظاهرات الشعبية خلال آخر السنة في الدفع بالتقدم نحو ايجاد حلول مستعجلة من أجل إصلاح العملة والأزمة المصرفية وتوحيد الميزانية الوطنية والاتفاق على جدول زمني لتنفيذ جميع هذه الإصلاحات. من بين التطورات الإيجابية على المسار الاقتصادي استئناف إنتاج النفط بشكل كامل، وذلك بفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسة الوطنية للنفط، وقرار مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي بعقد اجتماع لمجلس الإدارة بعد ان كان منقسما على نفسه.

 تتواصل في الأثناء، المراجعة الدولية لحسابات فرعي مصرف ليبيا المركزي التي تعبتر في منتصف الطريق تقريبًا في تصريح للمسؤولة الأممية ستيفاني ويليامز يوم 15 ديسمبر 2020. وتعتبر عملية مراجعة حسابات فرعي المصرف المركزي جزء من عملية توحيد المصرف المركزي وإعادة وضع آليات المساءلة الوطنية بشكل كامل فيما يتواصل النقاش حول توحيد الميزانية وخارطة طريق واضحة للمضي قدمًا وإدارة عائدات النفط. يذكر أنه تم التحفظ على ايرادات النفط التي بلغت 186 مليار دولار خلال التسع سنوات الأخيرة حسب مؤسسة النفط الليبية والتي أوضحت أنها بصدد التعاقد مع إحدى الشركات العالمية الكبرى للمراجعة والتدقيق المالي لأنظمتها المالية والإدارية، مؤكدة أن كافة إيرادات الدولة الليبية وأيضًا حقوق الشركاء الأجانب موثقة توثيقًا دقيقًا ومحتجزة في حسابات المؤسسة لدى المصرف الليبي الخارجي. لكن تطور ما سبق مرتبط في نفس الوقت بتطورات الحوار السياسي الليبي المتواصل إلى حدود نهاية فترة الرصد[1].

يعتبر توحيد مصرف ليبيا المركزي وسعر الصرف هدفان رئيسيان للمسار الاقتصادي بالنظر إلى أنه قد يفتح المجال لمزيد من الإصلاحات الاقتصادية، ولتجاوز الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء باقتصاد ليبيا المعتمد على النفط، التي أحدثت أزمة سيولة وشجعت الفساد خاصة أن الجماعات المسلحة التي يمكنها الحصول على الدولار بسعر الصرف الرسمي قد جنت أموالًا من الاحتيال في الواردات.

3-المسار العسكري

انطلقت أولى الجلسات في المسار العسكري يوم الاثنين 19 أكتوبر 2020، ثم في الفترة بين 2 و4 نوفمبر 2020 قُبيل الملتقى في تونس. بالتوازي مع مفاوضات جينيف، عُقدت لقاءات داخل ليبيا أفضت الى اتفاقات مهمة بقي جلها غير مطبق الى الآن.

تمت الجلسات بالتوازي مع استمرار التوتر والتأهب الميداني، في مناطق التماس بين الأطراف المسلحة، وسط البلاد وبحثت اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 ملفات أمنية وعسكرية عالقة بهدف التمهيد لبدء جلسات منتدى الحوار السياسي الليبي الشامل في تونس، من بينها ملفات توحيد المؤسسة العسكرية وإخلاء منطقتي سرت والجفرة من السلاح والمقاتلين الأجانب. وقد اتضح أن الملف الأخير أصعب الملفات التي تواجه صعوبات لحلها لارتباطها بتوازنات دولية في نفس الوقت.

قالت المصادر (برلمانية من طبرق وحكومية من طرابلس) إنّ التفاهمات حول أغلب الملفات قائمة على حلحلة ملف المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف الطرفين، مشيرة إلى أنّ ممثلي الجنرال خليفة حفتر في اللجنة العسكرية يشددون على ضرورة اعتبار الوجود العسكري التركي إلى جانب حكومة “الوفاق” ضمن ملف المقاتلين المرتزقة، مطالبين بضرورة فكّ الحكومة في طرابلس حلفها مع الحكومة التركية.

فيما يتعلق بالأعضاء المشاركين في مفاوضات اللجنة العسكرية هم الآتي ذكرهم:

تعتبر الخطوة المهمة والمفصلية في مسار التوافق الليبي إلى الآن هي توقيع الاتفاق الدائم لوقف إطلاق النار بعد محادثات استمرت خمسة أيام في مقر الأمم المتحدة خلال شهر أكتوبر كانت البعثة الأممية قد بثت مقطع فيديو على الهواء مباشرة لمراسم توقيعه. يذكر أن الاتفاق نص على انسحاب جميع الوحدات العسكرية والجماعات المسلحة من جبهات القتال، وكذلك مغادرة المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا، خلال 90 يومًا، مع استمرار وقف إطلاق النار وفتح الطريق الساحلي وتبادل المحتجزين بتيسير من مجلس الحكماء وبدعم من اللجنة العسكرية المشتركة.

غدامس: أول اجتماع داخل ليبيا للجنة العسكرية

أفضت المحادثات، التي استمرت يومين متتاليين في غدامس، إلى اتفاقات مهمة، من 12 نقطة، حول نزع فتيل التصعيد في سرت والجفرة، وسحب القوات التي ترابط على مشارفهما، وإقرار خطوات فعلية لتنفيذ هذه البنود، وسط سيل من الإشادات المحلية والدولية بما أنجز في وقت قصير للغاية. واختتمت اللجنة اجتماعاتها، معلنةً التوصل إلى تفاهمات مفصلية جديدة حول القضايا الذي أعدت للتفاوض، على رأسها تشكيل منطقة منزوعة السلاح قرب مناطق التوتر في سرت والجفرة.

وتوصلت اللجنة العسكرية المشتركة إلى جملة من التوصيات المهمة، فيما يخص الترتيبات الخاصة بتنفيذ اتفاقاتها، بما فيها مطالبة مجلس الأمن الدولي بتعجيل إصدار قرار ملزم، لتنفيذ بنود اتفاق جنيف الموقع في 23 أكتوبر 2020 الماضي. وفي تفاصيل التفاهمات:

سرت: ثاني اجتماع للجنة العسكرية في ليبيا 10-12 نوفمبر 2020

مثل هذا الاجتماع نقطة مهمة في مسار اللجنة وقد أفضى حسب بيان اللجة الى اتفاق من أربعة عناصر:

آخر اللقاءات داخل ليبيا هي اجتماع سرت. عمليًا لم يتم تطبيق جل ما اتفق عليه خاصة المتعلق بفتح الطريق الساحلي ونقطة المقاتلين الأجانب، فيما بقيت بقية النقاط معلقة. كما أعلنت غرفة عمليات سرت – الجفرة التابعة لحكومة “الوفاق”، أنّ الطرق الرئيسية والفرعية الواقعة في منطقة جنوب أبوقرين والوشكة باتجاه الجفرة تعتبر “مغلقة نهائيًا، وأكد بيان للغرفة أنه لن يسمح بحركة المسافرين من خلالها إلا بتعليمات غرفة العمليات الميدانية، مشيرًا إلى أن من يخالف ذلك “عليه تحمل المسؤولية الكاملة تجاه ما سيحدث من تعامل، فيمنع التجول والتنقل نهائيًا، مهما كانت الأسباب.

وفي مؤشر آخر على استمرار التوتر بين طرفي الصراع، أعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة لقوات حفتر، أنّ القوات الخاصة البحرية “أجرت مناورات عسكرية ضمن المشروع التعبوي شهداء البحرية”، بهدف دعم القدرات القتالية في تأمين الحدود البحرية الاستراتيجية الليبية، بحسب بيان منشور على صفحتها الرسمية على فيسبوك، من جانبه أكد المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر أحمد المسماري، أنّ محادثات اللجنة العسكرية المشتركة “لم تتوصل إلى شيء رسمي حتى الآن”.

ورغم بدء تطبيق ما اتفقت عليه لجان اجتماعية التقت في مدينة مصراتة، بشأن فتح المطارات، وتبادل الأسرى والمحتجزين على مراحل، مع فتح الحقول النفطية وعودة الطيران الدالي بين بنغازي وطرابلس، إلا أن تصريحات القادة العسكريين من طرفي الصراع لا يبدو أنها تبعث على الطمأنينة لخلق مناخ من تطبيق جميع مخرجات مفاوضات اللجنة العسكرية. في الوقت الذي تتواصل فيه المناوشات على أرض الميدان واتهام كل طرف للآخر بخرق وقف إطلاق النار. كذلك لم يبدأ الجانبان عمليًا بعد في سحب قواتهما حيث لا تزال قوات حكومة الوفاق الوطني متمركزة في أبو قرين والوشكة، مع ورود أنباء عن تسيير دوريات. وتم رصد رحلات شحن عسكرية في مطاري الوطية ومصراتة، فيما واصلت قوات القيادة العامة والمتعاونين معها إقامة تحصينات ونقاط عسكرية مزودة بأنظمة دفاع جوي بين سرت والجفرة وفي المنطقة الشمالية من قاعدة الجفرة الجوية. وتم رصد نشاط مكثف لطائرات شحن بين مطار بنينة والجفرة وقاعدة القرضابية الجوية.

 4- فوضى السلاح : 

تشهد ليبيا اضطرابات شديدة وقتال مسلح بين الفصائل الليبية منذ اندلاع الثورة في فبراير 2011، إلا أن الصراع الذي ينحصر في الوقت الحاضر بين قوات المشير حفتر وحكومة الوفاق الوطني يعرف في تفاصيله حضورًا مليشياويًا معرقلًا وخطيرًا، إلى جانب حضور قوات دولية ومرتزقة أجنبية. أخذت الأزمة الليبية منحنى أكثر تعقيدًا بعد انضمام عدد من الأطراف الدولية إلى الصراع، في مقدمتها مصر، التي تحولت من الدعم السري لحفتر إلى العلني، بعد إعلان تركيا إرسال قوات إلى ليبيا بالإضافة إلى الصراع بين الإمارات والسعودية التي تدعم قوات القيادة العامة من جهة، وقطر التي تدعم حكومة الوفاق من جهة أخرى. ورغم إعلان موسكو المستمر بعدم تدخلها العسكري في ليبيا، تساند مجموعة المرتزقة الروس التي تعرف باسم “فاغنر” وتمارس أنشطتها بتنسيق تام مع الحكومة الروسية-قوات حفتر في عملياتها العسكرية.

بعد توقيع تركيا وحكومة الوفاق اتفاقيات أمنية وبحرية، أعلن البرلمان التركي في 2 جانفي/يناير 2020، الموافقة على إرسال قوات من الجيش التركي إلى ليبيا لمساندة حكومة الوفاق. وتعرضت هذه الخطوة لاستنكار كبير على المستوى الدولي والإقليمي، وندد الاتحاد الأوروبي بهذه الخطوة، بينما عبرت تونس عن رفضها التام للتدخل التركي في ليبيا.

وبعد فشل الهجوم الذي شنه خليفة حفتر في أفريل/أبريل 2019 للسيطرة على العاصمة طرابلس، تم التوقيع في 23 أكتوبر على اتفاق وقف إطلاق نار دائم و”بأثر فوري” برعاية الأمم المتحدة، ما أعاد إحياء الآمال في إحلال السلام. لم تشهد خريطة النفوذ الليبية منذ 7 جوان/يونيو 2020 وحتى يومنا الحالي تبدلات تذكر في واقع السيطرة لصالح أي من طرفي الصراع، في حين تستمر التحشيدات العسكرية من الطرفين على محاور شمال غرب مدينة “سرت” الاستراتيجية التي تشكل بوابة العبور إلى منطقة الهلال النفطي والموانئ التي بداخلها، والمسؤولة عن تصدير قرابة 60% من إنتاج البلاد من النفط.

الهدوء الحذر الميداني يرافقه حراك سياسي من أجل ترتيب الأوراق الدوليَّة، ويتمثل في مباحثات تركية– روسية تمخض عنها الاتفاق على إنشاء مجموعة عمل مشتركة خاصة بليبيا، بالتزامن مع مساعٍ أمريكية لتحييد سرت والهلال النفطي عن المعارك عبر مقترح إخلائها من قوات الطرفين وجعل تلك المناطق تحت إشراف أممي. تشير خريطة انتشار النقاط العسكرية التركية في غرب ليبيا، إلى ارتفاع عدد النقاط التركية الرئيسية في ليبيا إلى ستة نقاط، بعد أن تم تثبيت نقطة جديدة في منطقة “تاورغاء” جنوب مدينة مصراتة.

النقاط العسكرية التركية جرى تركيزها في مواقع استراتيجية غرب ليبيا، إما مطلة على الساحل أو أنها تساهم في حماية الشريط الساحلي وهي:

بالنسبة لقوات فاغنر الروسية، فالتقارير في شأنها تشير الى تواجد المئات من جنسيات مختلفة بين صرب وأوكرانيين وروس إلى جانب حضور سوري محدود ومقاتلي الجنجويد السودانيين. تتواجد قوات فاغنر بالأساس في مدن الجفرة الخمسة: هون، زلة، ودان وسوكنة والفقهاء، وسرت.

وعلى مستوى خارطة القوى في المنطقة الغربية، بدأت المليشيات حلقة جديدة من حلقات التصفيات والصراع على النفوذ مباشرة بعد السيطرة على طرابلس، وهو صراع تشد أطرافه مدينتي الزاوية ومصراتة وممثليها السياسيين والمسلحين. وأبرز هذه الصراعات كانت بين مليشيات مصراتة من جهة وبين مليشيات الزاوية وطرابلس من جهة أخرى. وكشفت مصادر محلية النقاب عن تجهيزات تجريها مليشيات مصراتة لاقتحام مدينة الزاوية لتصفية حسابات بين المليشيات وإعادة رسم خارطة النفوذ.  وأفادت المصادر أن الفرقة (20/20) التابعة لمليشيا “الردع” أعدت مخططًا لاقتحام مدينة الزاوية، بمساعدة مليشيات مصراتة وعلى رأسها مليشيا (301) التابعة للمليشياوي محمد زوبي المتورط في العديد من الجرائم وعمليات تصفية داخل العاصمة طرابلس. وأوضحت المصادر أن أحد أسباب التي ستدفع المليشيات للهجوم على الزاوية هي الخلاف الحاد الواقع بين المليشياوي “عبد الرحمن ميلاد” الملقب بـ”البيدجا” )من مدينة الزاوية ( ووزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشا اغا، إثر تهجم “البيدجا” على وزير الداخلية على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن المصادر اشارت إلى أن الخلاف الرئيسي في الخلاف والصراع بين الجانبين هو إقدام “البيدجا” على سرقة معدات ثمينة من مصفاة الزاوية لتكرير النفط، بالإضافة لاستئنافه إرسال قوارب الهجرة غير الشرعية من ميناء الزاوية وزوارة. وحول الحلقة الجديدة من صراع مليشيات غرب ليبيا يبدو أن فتحي باشا اغا )من مدينة مصراتة( يسعى للانفراد بسيطرته على طرابلس رفقة مليشيات (301) عن طريق تصفية خصومه في الزاوية والزنتان وككلة، فيما يلعب “البيدجا” وغيره من قادة مليشيات الهجرة وتهريب الوقود المطلوب دورًا هدفه هو جر مدينة الزاوية لصراع المليشيات ضد حفتر. سعى باشا اغا في حينها لضرب كل حلفاء فائز السراج في الساحل الغربي من الزاوية حتى زوارة لتهيئة أجواء مناسبة لقيامه بمهام أكبر من مهامه كوزير داخلية في حكومة الوفاق.

تبقى مليشيات الزاوية دون القدرة الكافية للوقوف في وجه مليشيات مصراتة المتحالفة مع السوريين، ومليشيا “الردع” الأمر الذي قد يوحي بسقوط سريع لمافيا تهريب البشر والمحروقات غرب طرابلس. يُذكر أن “البيدجا” ظهر في مقابلة مع صحيفة “البوست” الإيطالية الأمر الذي أدى إلى استنكار واسع في أوساط الرأي العالم المحلي والخارجي ودفع باشا أغا للتبرء منه في 26 أكتوبر 2019. وكان تقرير أمني صادر عن الأمم المتحدة في يونيو 2017 قد وصف “عبدالرحمن ميلاد” بـ”مهرب بشر، ومسؤول عن إطلاق النار في البحر، و يتزعم منظمة إجرامية ويشتبه في أنه أغرق العشرات من المهاجرين. وعمل على اعتقاله لاحقا. وتسيطر المليشيات على مدينة الزاوية بقيادة شعبان هدية المكنى “أبو عبيدة الزاوي” التابع للجماعة الليبية المقاتلة فرع تنظيم القاعدة في ليبيا، ومحمد بحرون المكنى “بالفأر” الذي يرأس مليشيا الإسناد الأمني بالزاوية، وهو مهرب للوقود رفقة المهرب محمد كشلاف الملقب “بالقصب” آمر سرية النصر المسيطرة على مصفاة الزاوية.

من جهة أخرى يبدوا ان توازن القوى داخل مدينة طرابلس نفسها يترتب بطريقة تختلف على ما كانت عليه قبل الحرب الأخيرة على طرابلس، وتبعا للشد بين الزاوية ومصراتة. وقد ادى الحراك الشعبي الذي حدث يوم 23 أوت/أغسطس 2020 إلى ظهور الصراع السياسي في بيت حكومة الوفاق الى العلن بين رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ووزير داخليته فتحي باشا اغا الذي أخذ موقفًا مناصرُا للحراك الشعبي، وهذا ما جعل التشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية وطرابلس تحديدًا تصطف بين الرجلين. الأمر الذي كاد ان يؤدي إلى قتال بين هذه التشكيلات المسلحة، حيث قطعت الميليشيات المتحالفة مع حكومة فائز السراج منافذ العاصمة الرئيسية، فيما تقيم نقاط تفتيش صارمة فيها، ومن جهة أخرى انطلقت من مصراتة عشرات العربات المسلحة تسليحًا جيدًا نحو طرابلس، وقد وصلت إلى ضاحية تاجوراء في شرقي العاصمة، وأكدت مصادر مقربة من قادة الأرتال “إنها جاءت لدعم قوات وزارة الداخلية في وجه تغول ميليشيات النواصي وشبيهاتها”، فيما يعزز ما أشيع عن خلافات بين السراج ووزير داخليته فتحي باش أغا.

وتحدث شهود عن سير مسلحي الميليشيات في دوريات بسيارات مدنية، وهم يرتدون الزي المدني وسط العاصمة الليبية، ورصد شهود عيان انتشارًا مكثفًا لعربات عسكرية تابعة للميليشيات الموالية لحكومة السراج بميدان الشهداء في طرابلس، قبيل انطلاق المظاهرات يوم 23 أوت محملة بمدافع رشاشة.

واجهت مليشيات طرابلس الاحتجاجات. وأكد شهود إنهم رأوا عربات مدرعة وآليات ثقيلة متجهة نحو ميدان الشهداء ومنافذ أخرى وسط طرابلس، وطالب نشطاء في حينها بحماية دولية من بطش المسلحين وقال نشطاء ليبيون إن زعماء كتيبة النواصي التابعة لميليشيات طرابلس “اتصلوا بنا وخيرونا بين البقاء في بيوتنا أو مواجهة موت محتم”. في المقابل، حاصرت ميليشيات مسلحة تابعة لوزير الداخلية فتحي باشا أغا، مقر الحكومة في طريق السكة بعد وصول فتحي باشا آغا لحضور جلسة التحقيق معه أمام المجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج، وسط أنباء حول تراجعه عن طلبه بعلنية التحقيق، وكان فايز السراج رئيس حكومة الوفاق غير الشرعية في العاصمة الليبية طرابلس، قد أصدر قرارا بإحالة وزير الداخلية المفوض إلى التحقيق على خلفية إطلاق النار على المتظاهرين السلميين في طرابلس.

كان باشا أغا في زيارة إلى تركيا وأثناء عودته إلى مطار معيتيقة في طرابلس قام باستعراض في موكب عسكري مؤلف من 300 سيارة مسلحة طافت أنحاء العاصمة الليبية، في تحدٍ للسراج الذي اختفت ميليشياته ولم تتصد لميليشيات باشا آغا. وفي ظل هذه التجاذبات أثارت تحركات مثيرة للجدل لبعض الميليشيات المسلحة المحسوبة على حكومة «الوفاق» الليبية، برئاسة فائز السراج في العاصمة طرابلس، مخاوف من اندلاع موجة جديدة من الاشتباكات، تزامنا مع تصريحات إعلامية لبعض قادة الميليشيات، فقد شن هيثم التاجوري، قائد ما يسمى «كتيبة ثوار طرابلس»، هجوما حادا على حكومة الوفاق والقوات الموالية لها، ووصفها في أحدث ظهور إعلامي له بعد تغيبه مؤخرا عن المشهد، بعد أن كان في الإمارات،[1] ب”الحكومة الهزيلة”، كما وصف قواتها بـ”جيش الصوبات”، معتبرًا أنه لا وجود للجيش والشرطة. وفيما بدا ردًا على مساعي فتحي باش أغا، وزير داخلية الوفاق، للسيطرة على مداخل ومخارج العاصمة طرابلس، طالب التاجوري بأن يكون على علم بكل من يريد الدخول لطرابلس، سواء كانت دوريات، أو أي قوة تريد الانتشار في المدينة.

في غضون ذلك، تحدث قادة عسكريون من قوات عملية «بركان الغضب»، التابعة لقوات «الوفاق»، عن حالة استنفار في كتيبة ثوار طرابلس “التاجوري”، بينما رصد سكان محليون إعادة بعض الميليشيات لتمركزاتها في طرابلس، بشكل مفاجئ وبلا تفسير. ورصدت وسائل إعلام محلية ليبية ظهور مهرب تمت معاقبته من مجلس الأمن الدولي، ومطلوب للنائب العام، يدعى محمد كشلاف /الزاوية/ وكنيته «القصب»، إلى جانب صلاح النمروش “الزاوية”، وزير الدفاع بحكومة الوفاق، خلال زيارته الأخيرة لمقر حرس المنشآت النفطية. ورأت أن وجوده بعد اعتقال شريكه عبد الرحمن ميلاد، الملقب بالبيدجا في طرابلس منتصف أكتوبر، يطرح تحديًا حول مدى خطط وزارة الداخلية بحكومة الوفاق للتصدي للميليشيات.[2]

ويسيطر كشلاف على مصفاة الزاوية للنفط منذ سنوات، كما يوصف بأنه «أحد أغنياء وأباطرة التهريب في مناطق الساحل الغربي، علما بأنه يقود ميليشيات تابعة لحرس المنشآت النفطية، وهو مدرج على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي، التي تشمل حظر السفر وتجميد الأموال. بالإضافة إلى عقوبات محلية من النائب العام في طرابلس، كما استعان النمروش بخدمات أحد عناصر تنظيم «داعش»، بعدما أصدرت وزارة الدفاع قراراً بتكليف محمد بلعم بإدارة ومتابعة ملف تبادل المعتقلين والجثامين، بالتعاون مع اللجنة الدائمة للشؤون الإنسانية بالوزارة، علما بأنه شارك سابقًا في المعارك التي خاضها متطرفون ضد قوات القيادة العامة في مدينة بنغازي، قبل هروبه إلى طرابلس.

من جهة أخرى، شهدت مدينة بنغـازي (شرق ليبيا) ما وصفته وكالة الأنباء الليبية، الموالية للسلطات هناك بإجراءات تأمينية واسعة النطاق، وانتشار مروري مُكثف، ونشاط أمني لمراكز الشُرطة والأقسام والوحدات الميدانية التابعة لمُديرية الأمن، أدرج مكتب الإعلام الأمني بالمديرية هذه الإجراءات في إطار تنفيذ تعليمات القائد العام للجيش الوطني، المشير خليفة حفتر.

II-السياسات والتشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان

يعتبر ملف حقوق الإنسان في ليبيا ملفًا على الهامش، وهو ملف يُفتح في كل مرة ليُغلق بأرقام الضحايا وبشاعة الانتهاكات لكن دون محاسبة فعلية للجناة. تعزز وضعية ليبيا الإفلات من العقاب رغم كل القرارات والإجراءات والبيانات في خصوصها.

1-انتهاكات حرب طرابلس

اتخذ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 22 جوان/يونيو 2020 خطوة إيجابية نحو مساءلة مرتكبي الجرائم والانتهاكات، من خلال إنشاء لجنة لتقصي الحقائق للتحقيق في انتهاكات جميع الأطراف في ليبيا. كما طرحت “المجموعة الأفريقية” في مجلس حقوق الإنسان قرارا خلال الدورة الـ 43 للمجلس، طالبت فيه مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه بإيفاد بعثة لتقصي الحقائق فورًا للتحقيق في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من قِبل جميع أطراف النزاع الليبي منذ بداية 2016. وقد تضمن الطلب أيضًا الحفاظ على الأدلة لضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. واعتُمد القرار بتوافق الآراء.

مع انتهاء المواجهات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس والمناطق المحيطة بها في 5 جوان/يونيو 2020 بانسحاب القوات المسلحة والقوات الموالية لها، لا يزال النزاع مستمرًا في سرت، على بعد 450 كيلومتر شرق العاصمة، وفي أجزاء أخرى من البلاد. لا يزال حظر الأسلحة الذي أقره مجلس الأمن الدولي العام 2011 ساريًا، ولكن لم تتم معاقبة أي طرف لانتهاكه. في الوقت الذي تتحمل فيه جميع الأطراف سواء قوات القيادة العامة بقيادة حفتر أو قوات حكومة الوفاق مسؤولية الانتهاكات التي تراوحت بين التعذيب والإخفاء القسري والتصفية الميدانية.

 ومنذ سيطرة حكومة الوفاق على ترهونة، وردت تقارير عن نهب وتدمير ممتلكات خاصة من قبل الجماعات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني وإساءة معاملة المعتقلين.

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش أيضًا محنة عدة آلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين في ظروف غير إنسانية في مرافق الاحتجاز التي تديرها وزارة الداخلية في حكومة الوفاق والمهربين والمتجرين بالبشر، حيث يتعرضون للعمل القسري والضرب والاعتداء الجنسي[1]. في المقابل، كانت القوات التابعة لخليفة حفتر والقوات المساندة لها مسؤولة عن جرائم مماثلة ضد الليبيين والأجانب في ليبيا، ظهرت آثارها خاصة بعد انسحابها من طرابلس وترهونة.

كان مجلس حقوق الإنسان قد أنهى لجنة تحقيق سابقة بشأن ليبيا في 2012. وأنشأ المفوض السامي لحقوق الإنسان في ذلك الوقت تحقيقًا آخر بشأن ليبيا في مارس 2015، واختُتم هذا التحقيق عمله في جانفي/يناير 2016.

وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، التي لديها تفويض للتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في ليبيا منذ 2011، بناء على الأعمال السابقة، مذكرة عام 2017 وأخرى عام 2018 لاعتقال القيادي في قوات القيادة العامة محمود الورفلي، لكن القرار لم يطبق شأنه شأن جميع القرارات بخصوص العديد من مهربي البشر وتجار السلاح والمخدرات وأمراء الحرب في ليبيا. في خطرات سابقة، أصدر مجلس الأمن الدولي عقوبات على ستة أشخاص بينهم إيرتيريين متورطين بإدارة شبكات لتهريب البشر في ليبيا سنة 2018 لكنها لم تطبق، خاصة أن هذه الشبكات تستفيد من علاقات ومصالح مع السلطات القائمة في شرق ليبيا وغربها. الأمر الذي يجعل متابعة الإنتهاكات وتوثيقها والحفاظ على الأدلة أمرًا صعبًا.

 

2-احتجاجات في طرابلس وعنف من السلطة

استعملت جماعات مسلّحة مرتبطة بـ “حكومة الوفاق الوطني” الليبية القوّة الفتّاكة لفضّ مظاهرات كانت سلمية إلى حدّ كبير ضد الفساد في أواخر أوت/أغسطس 2020، واحتجزت تعسفًا أشخاصًا في العاصمة، وعذّبتهم، وأخفتهم. فقد احتجزت جماعات مسلّحة في طرابلس تعسفًا 24 متظاهرًا على الأقل، بمَن فيهم صحفيون كانوا يغطّون الحدث، وضربت بعضهم، واستعملت الرشاشات، والأسلحة المضادّة للطائرات المحمولة على مركبات لفضّ المظاهرات، فجرحت بعض المتظاهرين، وقتلت أحدهم بحسب المزاعم. شملت الجماعات “كتيبة النوّاصي” المرتبطة بوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني تحت إمرة مصطفى قدّور، و “قوّة الردع الخاصة” بقيادة عبد الرؤوف كارة، والمجموعة المسلّحة المعروفة بـ “قوة الأمن العام” بقيادة عماد الطرابلسي.

انطلقت مظاهرات واسعة في طرابلس، ومصراتة، والزاوية في 23 أوت/أغسطس 2020، ونظّم حراك شعبي جديد، هو حراك الشعب 23/8 أو حراك همة الشباب 23/8، احتجاجات لانتقاد السلطات في الشرق والغرب بسبب الظروف المعيشية. تذمّر المتظاهرون من انقطاعات التيار الكهربائي التي قد تستمرّ حتى ثلاثة أيام، وطالبوا بالعدالة الاجتماعية والانتخابات. بدأت المظاهرات أيضا في 24 أوت/أغسطس في مدينتَيْ زليتن والخمس شرق طرابلس، وفي سبها وأوباري في الجنوب[1].

تم الإعلان في غرب ليبيا عن إنشاء لجنة تحقيق في الاعتداءات المذكورة لكنها إلى اليوم لم تصدر عنها أية نتائج. كما لم تعمل السلطة القضائية على متابعة الجناة بالنظر إلى أنهم منتمون للجماعات المسلحة المسيطرة على طرابلس من النواصي وكتيبة الردع. فعليًا، يتم في ليبيا قبر الجرائم كما هو حال الضحايا، ليبدو كل إجراء قانوني محلي ودولي دون معنى في الحقيقة. وبمراجعة بعض الشهادات والالتقاء ببعضهم من مصادر رصد التقرير يتجنب هؤلاء التعاطي مع أي تفصيل معتبرين أن “لا شيء حدث”.

 

3- حفر الموت (مقابر جماعية في ترهونة)

0
جثة
0
موقعًا

عدد المختفين في ترهونة: 338 حسب آخر البلاغات وزارة العدل الليبية

تقارير “مروّعة” عن مقابر جماعية في مدينة ترهونة في ليبيا، والاتهامات تشير إلى قوات حفتر التي انسحبت من المدينة بعد معارك مع قوات الوفاق. بعد استعادة قوات حكومة الوفاق المعترف بها من الأمم المتحدة مدينة ترهونة، الواقعة على بعد 90 كلم جنوب شرق طرابلس، من قبضة قوات حفتر، تناقلت العديد من التقارير وجود مقابر جماعية في المدينة، إذ نقلت صفحات تابعة للفصائل المسلحة التابعة لحكومة الوفاق، صورًا لمقابر جماعية تسببت فيها قوات حفتر قبل مغادرتها المدينة، وواصلت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، وهي هيئة حكومية تابعة للوفاق الوطني، نشر الصور والأرقام على حسابها بفاسبوك، لعمليات انتشال.

وتحدثت عدة وسائل إعلام مقرّبة من حكومة الوفاق عن أن غالبية القتلى هم من أهالي المدينة، وألقت هذه المصادر باللوم على ميليشيا الكاني أو الكانيات، وهي ميليشيا موالية لخليفة حفتر، قُتل عدد من قادتها قبل أسابيع في العمليات العسكرية. وقد اشتهرت هذه الميليشيا عام 2017 بأعمال قتل واسعة المدينة، وكانت على صلة في بداياتها مع حكومة الوفاق، إلّا أن علاقة الطرفين ساءت قبل إعلان خليفة حفتر حملته للسيطرة على طرابلس، بسبب محاولة “الكانيات” التغلغل في طرابلس.

تم العثور في حينها على 60 جثة في ثلاجات الموتى بمستشفى ترهونة تعود إلى مقاتلي قوات الوفاق، كما عُثر سابقًا في مستشفيات بطرابلس على جثث تعود لمقاتلي حفتر. والغرض من تحفظ كل جانب على جثث الطرف الآخر هو إجراء عمليات لتبادلها لاحقًا بين الطرفين، كما وقع أكثر من مرة في معارك بالحرب الليبية، تحت رعاية الأمم المتحدة والهلال الليبي. لكن عدد الجثث في مدينة ترهونة خارج المستشفى قد يتجاوز 200 جثة. وممّا أثار الانتباه في كلمة رئيس الهيئة العامة للبحث والتعرّف على المفقودين، كمال أبوبكر، قوله إن هناك صعوبات جمة في جمع الجثث المدفونة، لأن بعضها كان مفخخًا من الداخل، فضلًا عن وجود ألغام قرب هذه الجثث لمحاولة قتل من يصل إليها[1]. تبقى حفر الموت أثرًا من المعارك في ليبيا الواجب حلها لاستعادة تماسك المناطق وأهلهل بدل أن يتحول الأمر إلى عداء مجتمعي يحل فيه السلاح والعنف.

 

III- التوصيات : 

1 – المسار السياسي:

2- المسار العسكري

3- المسار الاقتصادي : 

4- حقوق الإنسان

العمل على تبادل الجثث والأسرى من أجل لم شتات الليبيين وتجنب سيناريوهات التشفي والقتل والتصفية المتبادلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *