أوراقإصداراتالدولليبيا

حوكمة الإنترنت والحقوق الرقمية في ليبيا

تم إعداد وكتابة هذا التقرير المشترك بين أكسس ناو ومركز دعم للتحول الديمقراطي

من قبل ديما سمارو و خليل العربي.

أكسس ناو منظمة دولية غير ربحية تسعى للدفاع عن الحقوق الرقمية للمستخدمين المعرضين للخطر في جميع أنحاء العالم. وتناضل أكسس ناو من أجل تعزيز حقوق الإنسان في العصر الرقمي من خلال تقديم الدعم الفني المباشر، المشاركة وصنع السياسات، الضغط والمناصرة على مستوى عالمي، تقديم منح مالية للمنظمات المحلية وتنظيم المنتدى العالمي للحقوق الرقمية (RightsCon)

مركز دعم مؤسسة شبه أقليميه غير حكومية مستقلة تأسست عام 2015. تهدف إلى خلق مناخ ملائم للتقدم بالبناء الديمقراطي المستند إلى مبادئ حقوق الانسان في شموليتها. وتسعى إلى دعم وتعزير مسارات ديمقراطية تشاركية على أسس المدنية والمساواة والتنمية المستدامة، وذلك من خلال تنمية القدرات ودعم الجهود الرامية إلى إصلاح السياسات والتشريعات بما يلائم مبادئ الديمقراطية والاسهام فى انتاج معرفة حول واقع ومسارات التحول الديمقراطي في البلدان المعنية. 

مقدمة

بعد مرور تسعة سنوات منذ اندلاع الثورة في 2011 والإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي الذي حكم ليبيا طيلة 42 عاماً، لا يزال الليبيون يعانون حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في ظل غياب سلطة واحدة ذات سيادة وسيطرة كاملة في البلاد. حيث انقسمت ليبيا منذ عام 2014 إلى فصائل سياسية وعسكرية متنافسة مقرها طرابلس العاصمة، وفي بنغازي شرق ليبيا. وتتمثل أطراف النزاع في ليبيا برئيس الوزراء ورئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، وبين قائد قوات القيادة العامة الجنرال خليفة حفتر الذي يسيطر على جزء مهم من شرق ليبيا. ونتيجة لتدخل مختلف القوى الإقليمية وفشل الجهود الدولية في توحيد أطراف النزاع وجمعهم تحت مظلة حكومة وطنية موحدة، ازدهرت الشبكات الإجرامية وظهرت الجماعات المتطرفة والمسلحة وشبه العسكرية التي أدت إلى انعدام الأمن العام في البلاد.


ومع استمرار الأزمة السياسية وانعدام سيادة القانون، انعكست حالة الفوضى سلباً على الممارسات اليومية للحقوق والحريات بما في ذلك حرية الوصول والتعبير على الانترنت في ليبيا. كما تضررت البنية التحتية للإنترنت وتم قطع الانترنت لمرات عديدة وسط الصراع المستمر. وفي الوقت الذي كانت تزداد فيه حملات التشويه وانتشار المعلومات المضللة وخطاب الكراهية بحق المعارضين والمدافعين عن حقوق الانسان نتيجة لاستمرار القيود على حرية الرأي كانت الرقابة الذاتية على الانترنت شائعة أيضاً بسبب الخوف من المضايقات والأعمال الانتقامية العنيفة التي قد يتعرض لها الليبيون من قبل أطراف النزاع.

أشار تقرير فريدوم هاوس لسنة 2020 إلى أن حرية الانترنت في ليبيا مازالت في تراجع بسبب الطبيعة السياسية للنزاع، حيث لا يزال مستخدمي الانترنت والصحفيين يواجهون تحديات فيما يتعلق بالمحتوى الذي ينشرونه على الإنترنت، لا سيما عند نشر المحتوى المتعلق بالنزاع الحالي. حيث صنّفت ليبيا على أنها بلد “حر جزئياً” واحتلت المركز 17 من أصل 20 دولة على مستوى مؤشر الحرية على الانترنت في العالم العربي. إذ يعيش الليبيون حالة إحباط عامّة بسبب هذه الوضعية، خاصة أن الأزمة السياسية والعسكرية انعكست  على الفضاء الرقمي  وأثرّت على إدارته، مما أضرّ بحقوق الليبيين. 

ويجب الإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بديلا لليبيين للتعبير عن آرائهم ومصدراً لوسائل الإعلام التقليدية سواء الصحف أو الإذاعات أو المحطات التلفزية، حيث أصبحت الأجندة الإعلامية ترتب بناءاً على أهم الأحداث التي تحدث في العالم الرقمي. كما أنّ ليبيا تحتل المركز العاشر عالمياً بنسبة عدد مستخدمي فيسبوك إلى عدد السكان، حيث وصل عدد مستخدمي المنصة إلى حوالي 5 ملايين مستخدم فيسبوك نشط شهرياً، ووصلت نسبة عدد مستخدمي التطبيق إلى أكثر من 74% من عدد السكان العام في البلاد.

 

0 %
نسبة عدد مستخدمي تطبيق فايسبوك من عدد السكان العام في ليبيا.

تعتبر حرية الانترنت اليوم رهانا حقيقيا من أجل دعم المجتمع المدني المحلي والدولي والدفاع عن مبادئ حقوق الإنسان في مواجهة الممارسات التعسفية التي تهدف إلى إسكات الناشطين والمعارضين وتضييق الحريات عليهم. إذ يواجه ناشطي المجتمع المدني الليبي على الانترنت الاعتقال والاحتجاز التعسفي وصولا إلى الاختفاء القسريّ من قبل الجماعات المسلّحة على الأرض ومناصريها، في كل مرة يحاولون فيها نقل وتغطية أخبار الصراع  والقضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.

تعرَف حرية المعلومات/الإنترنت على أنها القدرة على الوصول إلى محتوى الويب دون قيود أو حدود. وقد أشارت اليونسكو في دراسة بحثية لها بعنوان “حرية التواصل – حرية التعبير: تغير البيئة القانونية والتنظيمية يعيد رسم ملامح الإنترنت” إلى أن الأطر القانونية تلعب دورا أساسيا في هيكلة الفضاء الرقمي. لكن على الرغم من أهمية هذا الجانب الذي يضع سقفا ملزماً للجميع، إلا أنه كإطار تحليلي غير كافي لرسم صورة الفضاء المفتوح اليوم. إذ تساهم القوانين في رسم الأطر وتحديد معايير من شأنها تشكيل هذا الفضاء،إلا أنه كفضاء وبيئة يخضع لقوى أخرى كدور الشركات التقنية الكبرى من جهة، ودور وكالات الأمن والاستخبارات والجيوش التي تستعمل جميعها أدوات مختلفة من خارج النصوص القانونية كما هو الحال في ليبيا، الأمر الذي يدعو الى الانتباه لممارسات هذه الجهات عند تتبع وضعية الفضاء الرقمي في البلاد.

رغم ما سبق من توصيف سوداوي لحرية الانترنت في ليبيا، لا بد من الإشارة إلى أنّ  جهود مستخدمي الانترنت في خلق قوى اجتماعية متعددة وحراك افتراضي للمطالبة بإصلاحات حقيقية على مختلف الأصعدة بما فيها ضمان حرية التواصل والتعبير والتنوع لا تزال مستمرة، وهي جزء من تشابك مدني محلي ودولي معارض يحاول التخفيف من السيطرة السلطوية على  فضاء الانترنت اليوم.

 نهدف في هذا التقرير الى تحليل صورة الفضاء الرقمي في ليبيا وهيكليته، ويستعرض يستعرض هذا التقرير وضع حرية الإنترنت في ليبيا والصعوبات التي يعيشها ناشطي حقوق الإنسان والصحفيين والمثقفين إلى جانب المعارضين في جهودهم لفتح أفق تأسيس بديل ديمقراطي يتماشى مع طموحات الشعب الليبي وسعيه في سبيل التأسيس لدولة ومجتمع ديمقراطي قائم على المشاركة الفعّالة.

كما نقدم مجموعة من التوصيات العملية إلى المؤسسات الرسمية من أجل إطلاق عملية إصلاح وبناء جدي لقطاع انترنت يُعزز قيم الحرية والديمقراطية في ليبيا.

I. حوكمة الانترنت في ليبيا :

تعيش ليبيا فراغا تقنيا و تشريعيا كبيرا، تملأه قوة الجماعات المسلحة وجهات النفوذ

تعيش ليبيا فراغا تقنيا وتشريعيا كبيرا تملأه قوة الجماعات المسلحة وجهات النفوذ على أرض الواقع. وقد أدى هذا الفراغ إلى تسهيل انتشار ممارسات تعسفية وجب الإنتباه لها حتى لا تتكرر. ونتيجة  للانقسام المؤسساتي وغياب الاستقرار في عملها، انتهى العمل التشريعي القادر على بناء منظومة قانونية متكاملة إلى الفشل فعلى الرغم من تعدد القوانين التي تمس قطاع الانترنت في ليبيا، إلاّ أن الفراغ التشريعي والتقني لازال قائماً، وهو ما سيتم إيضاحه في بقية أقسام التقرير.

1. البنية التحتية وقطاع الاتصالات:

وصف قطاع الاتصالات في ليبيا بأنه قطاع عام بالأساس، وذلك في ظل غياب القطاع الخاص. وبالنظر الى انقسام المؤسسات وانهيار دولة القانون، فإن الإنترنت يخضع للقوى المهيمنة على الأرض. ومن الناحية التقنية تتركز أهم عناصر البنية التحتية لدى الجهات الحكومية بما فيها الأجهزة الأمنية. وفي ذات الوقت، تمتلك الجماعات المسلحة المرتبطة بـ”حكومة الوفاق الوطني” الليبية، على سبيل المثال، أجهزة مراقبة وتنصت وتجسس على المراسلات الخاصة والاتصالات الهاتفية.

إن الفراغ التقني الموجود بسبب ضعف وانقسام الدولة في ليبيا أدى إلى سهولة امتلاك التقنيات والأجهزة التي تستخدم للتجسس والمراقبة. وهو ما ورد على سبيل المثال عن الشركة الفرنسية “أميسيس” (Amisse) التي سبق لها أن باعت أجهزة استعملها نظام القذافي في جمع معلومات حساسة عن المستعملين خاصة المعارضين. وقد صرحت بأن الأجهزة تعمل الى اليوم لكنها تجهل مكان تواجدها. 

ترتبط ادارة قطاع الإنترنت بالهياكل التي تشرف عليها والهياكل الرقابية القادرة على تقييمها ومحاسبتها. وبين الإدارة والرقابة صلة تضمن حوكمة إيجابية إلى أقصى حد ممكن. تعاني المؤسسات المعنية بإدارة قطاع الإنترنت انقسامات حادة بسبب الصراع السياسي، حيث تعمل دوائر النفوذ المتصلة بعدة شخصيات، منها رئاسة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، على ضمان سيطرتها على أهم الشركات خاصة الشركة الليبية للإتصالات وتقنية المعلومات. ورغم تدخل القضاء في ملفات عديدة مرتبطة بها إلا أن أحكامه بقيت غير نافذة لضعف أجهزته واختراقه وخضوعه لضغوطات سياسية وأخرى صادرة عن الجماعات المسلحة.

إثر الثورة، جاء القرار رقم (31) لسنة 2012 بشأن اعتماد الهيكل التنظيمي واختصاصات وزارة الاتصالات والمعلوماتية وتنظيم جهازها الإداري وتقرير بعض الأحكام، والتي تحولت في أواخر 2015 إلى هيئة أطلق عليها اسم الهيئة العامة للاتصالات والمعلوماتية يقع مقرها الرئيسي في مدينة طرابلس. وتُعنى الهيئة بشؤون الاتصالات وتقنية المعلومات وتمثل أعلى سلطة مسؤولة عن قطاع الاتصالات في ليبيا.

تعتبر شركة ليبيا للاتصالات وتقنية المعلومات واحدة من أهم المؤسسات التابعة للهيئة بالإضافة إلى مجموعة أخرى من المؤسسات المنظمة لقطاع الاتصالات مثل الهيئة الوطنية لأمن المعلومات، شركة الاتصالات النوعية، ليبيا للإتصالات والتقنية، ليبيانا للهاتف المحمول، شركة الإتصالات الدولية الليبية، شركة الجيل الجديد للتقنية، هاتف ليبيا، شركة بريد ليبيا وأخيرا شركة البنية للاستثمار والخدمات.

وبسبب الانقسام السياسي عرفت إدارة قطاع الإنترنت انقساماً بدورها. وهو ما يمكن ملاحظته بخصوص الشركة الليبية للإتصالات وتقنية المعلومات. تعتبر هذه المؤسسة مثالا حيّا عن مستوى إدارة الإنترنت في ليبيا وتعقيداته.

تأسست الشركة الليبية للإتصالات وتقنية المعلومات في الأصل كشركة خاصة في عام 1997، وتم امتلاكها فيما بعد من قبل حكومة الوفاق الوطنية بموجب قرار رئاسة الوزراء رقم (63) لسنة 2005 لكي تكون مالكة لشركات الاتصالات الكبيرة وهي ليبيانا والمدار وليبيا للاتصالات والتقنية الجيل الجديد للتقنية والاتصالات الدولية وهاتف ليبيا. كما أنّ الشركة لازالت تحتكر وتهيمن على قطاع مزودي خدمة الإنترنت إلى اليوم، ويعود جزء كبير من انتشار الإنترنت في البلاد إلى الخدمات التي تقدمها. ترأّس رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج الجمعية العمومية للشركة، الأمر الذي اعتبره القضاء مخالفاً لأحكام القانون الليبي. وقد أصدر القاضي حكمه بعد تردد طويل وخوف بالنظر إلى الظروف المحيطة بالقضاء التي تؤثر في عمله وفي نزاهته. أثّر عدم تنفيذ الأحكام القضائية وجملة القرارات الإدارية الأخرى على تكريس احترام القانون ومبادئ الشفافية والإستقلالية المالية والإدارية لأهم المؤسسات في إدارة قطاع الإنترنت.

تعتبر هذه الشركة ذات أهمية بالغة بالنظر الى أنها مسؤولة عن إنشاء قاعدة بيانات لكل القطر الليبي، إلى جانب تمتعها بميزانية ضخمة. كما أنها المشرف الرئيسي على تأجير الأقمار الصناعية ومنظومة الاتصالات بأنواعها المختلفة، الأمر الذي يؤثر على إدارة قطاع الإنترنت خاصة لجهة ضمانات عدم تدخل المؤسسات الرسمية وأطراف أجنبية في انتهاك حقوق رواد الإنترنت والتأثير على الرأي العام الليبي وتوجيهه.

لا يقتصر هذا النوع من الممارسات على  الشركة القابضة الليبية للإتصالات وتقنية المعلومات، بل يتواتر في عموم مؤسسات الدولة في ليبيا. شهدت الشركة انقسامات حادة في ظل الصراع بين شرق وغرب ليبيا، حيث تم تأسيس شركة قابضة شرقاً في محاولة للانفصال عن الشركة الأم في طرابلس، إلا أنها انتهت عمليا بالنظر إلى ان كل الأصول والمعاملات الدولية وأوراق الشركة الأساسية موجودة في العاصمة. وقد مثّل التحول العسكري بسيطرة حكومة الوفاق على طرابلس الغرب خطوة نحو استقرار المؤسسة المكلفة بإدارة قطاع الانترنت في ليبيا، لكنها تبقى مُسيّسة في عملها. الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة عن دورها وحجم الخروقات الحاصلة والممكنة لحقوق مرتادي الفضاء الرقمي.

بالإضافة إلى ما سبق، يلاحظ هيمنة المقاربة الأمنية في طرابلس الغرب على سياسة ادارة الانترنت. وخطورة الأمر تتمثل في منح جهة حكومية  صلاحيات موسعة تحت سقف رسمي لجهات مسلحة هي في الأصل مليشيات، ولها سطوة ميدانية. يُذكر أن قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، رقم (555) لسنة 2018 قد نص على إنشاء «جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب»، تحت إشراف وزارة الداخلية. وقد جاء هذا القرار في إطار إعادة هيكلة قوة الردع الخاصة وضم جميع منتسبيها إلى جهاز أمني جديد.

أعطى قرار إعادة الهيكلة صلاحيات موسعة جدا للجهاز الأمني من أجل الرقابة على مواقع التواصل الإجتماعي ومراقبة الاتصالات دون وجود رقابة فعلية على عمله. كما منح أعضاء الجهاز صفة «مأموري الضبط القضائي»، وصلاحية مصادرة الأموال والأملاك المضبوطة وتخصيصها كمصدر لتمويل الجهاز. يُعتبر هذا التوجه نتيجة منطقية لإدارة موجهة سياسيا لا تتمتع بأية درجة من الإستقلالية المالية والإدارية. الأمر الذي يتطلب مراجعته بسرعة في إطار توحيد الدولة الليبية وإعادة هيكلة المؤسسات في اتجاه ضمان استقلالية المؤسسات واحترام القانون وحقوق المواطنين المرتبطة باستعمال الإنترنت.

0 %
معدل انتشار الإنترنت في ليبيا في جانفي/ يناير 2020،

ثر الاضطراب والانقسام في المؤسسات على جودة الخدمات المقدمة. فبالرغم من أن  معدل انتشار الإنترنت في ليبيا بلغ 75٪ في جانفي/ يناير 2020، لاّ أن سرعة الإنترنت ما تزال تمثل عائقاً أمام المستخدمين في النفاذ والوصول للإنترنت. وبحسب مؤشر السرعة العالمي للانترنت، تحتل ليبيا المرتبة 152 من 185 دولة من حيث سرعة النطاق العريض للإنترنت. أسرع إنترنت في ليبيا يصل إلى 11.88 ميغابت. ومع أن شركة ليبيانا للهواتف المحمولة أطلقت مؤخراً خدمات الجيل الرابع للهاتف المحمول في طرابلس وبنغازي وبعض المدن الكبرى في الشرق، وهو ما ساهم في خلق نوع من المنافسة وأدى إلى تخفيضات في تكلفة الوصول إلى خدمة الإنترنت، الاّ أن العائق يبقى متعلقاً بأن الدولة تحتكر غالبية قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل مطلق.

2.ضعف الأجهزة الرقابية وغياب التعديل

لا توجد في ليبيا هيئات متخصصة في الرقابة على عمل المؤسسات المشرفة على الإنترنت في ليبيا، باستثناء المؤسسات القضائية. وفي الظل التداول الكبير للأخبار الزائفة بعيداً عن أية رقابة فعّالة أو حقيقة، تظهر الحاجة لوجود هيئات تعديلية للإعلام التقليدي أو الجديد قادرة على تنظيم المشهد الإعلامي ككل. ولم يتم تحقيق هذا الأمر أو المضي به قدماً إلى الآن.  يُفيد الناشطون في ليبيا حسب إحصائيات خاصة أن 52% من الليبيين يثقون في فضاء الإنترنت كبديل عن وسائل الإعلام التقليدية المصطفة في الصراع السياسي. وهو ما يُمثل تحدياً  حقيقيا في ظل انعدام الثقة بين المواطنين والحكومة إلى جانب غياب مبادرات رسمية أو غير رسمية لمواجهة خطاب الكراهية والأخبار المضللة وحملات التشويه التي يتعرض لها المعارضين والناشطين.

0 %
من الليبيين يثقون في فضاء الإنترنت كبديل عن وسائل الإعلام التقليدية المصطفة في الصراع السياسي.

بالإضافة إلى شيوع ممارسات الرقابة الممنهجة، فإن رقابة القضاء غير مجدية خاصة في تقدير المصلحة العامة وذلك لضعف الإطار القانوني، ويتم التدخل في عملها والضغط عليها من قبل الأجهزة الأمنية والجماعات المسلحة. حيث أشار العرض الدوري لسنة 2020عن وضعية حقوق الإنسان في ليبيا إلى واقع تدخل السلطة التنفيذية و أذرعها العسكرية والجماعات المسلحة في عمل السلطة القضائية. بل يتعرض مُمثلوها للتهديدات فيما فقد البعض الآخر حياتهم.

يعتبر النظام القضائي الليبي غير قادر على ضمان مسائلة ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان وخاصة حرية التعبير. ويبقى المعتدون على الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني بعيدين عن أية مسائلة او محاسبة، بل من السهل عليهم التأثير على مجريات التحقيق والبحث والمحاكمة. فمنذ سنة 2015، تعرضت مقرّات النيابة العامة والمحاكم في ليبيا إلى ما لا يقل عن سبع هجمات مسلحة، فيما تكررت عمليات خطف واحتجاز قضاة بسبب ملفات جنائية بين أيديهم.وحتى عام 2020، قُتل ثلاث قضاة وتعرض آخرون للتعذيب، فيما يبقى المحامون الحلقة الأضعف، كما هو الحال في قضية المحامية سهام سرقيوة والتي لايزال مصيرها مجهولا إلى اليوم رغم كل المجهودات لتحديد مصيرها. كما تعرضت المحامية حنان البرعصي والناشطة في حقوق الإنسان والمرأة إلى حادثة مشابهة أودت بحياتها نتيجة انتقاداتها الصريحة والجريئة للانتهاكات المرتكبة على يد الميليشيات المنتشرة في مدينتها، إذ تم اغتيالها مؤخراً في وضح النهار في أحد شوارع بنغازي.

2.إنقطاع الإنترنت في ليبيا:

لا يعد إنقطاع الإنترنت في ليبيا أمراً جديداً. بل على العكس، تكرر حدوثه بكثرة على مدار السنوات الأخيرة. ويعود ذلك الى عدة أسباب، منها  انتشار العنف والتخريب والسرقة، وهيمنة الجماعات المسلحة، وضعف البنية التحتية وانقطاع التيار الكهربائي.

 

0
جريمة جنائية منذ سنة 2011.

تحتل ليبيا المرتبة 19 في مؤشر الجريمة، وتشير الإحصائيات الى وقوع 80 ألف جريمة جنائية منذ سنة 2011. في ظل وضع أمني مماثل، تجد شركات تزويد خدمات الانترنت صعوبات جمة في تركيز بنيتها التحتية، حيث تتعرض للسرقة والتخريب بصورة مستمرة. وهو ما حصل في فيفري/ شباط 2017، حيث تعرضت المنطقة الجنوبية لانقطاع كامل للإنترنت بسبب عمليات سرقة استهدفت الأجهزة والمعدات في محطة أبو نجيم في. ولم تتوقف الاعتداءات على شبكة الانترنت عند هذا الحد بل بقيت مستمرة وتم تكرارها على مدار السنوات الأخيرة وحتى يومنا هذا. في نفس الإتجاه، عمد مجهول الى العبث بأجهزة الربط بين كابل الانترنت المحلي والكابل البحري الرابط بإيطاليا لاستخدامها في حرق القمامة. وهو ما أدى إلى انقطاع خدمات الانترنت وجميع انواع الاتصال الأرضي الثابت واللاسلكي. ورغم حرص السلطات على تعزيزها وحمايتها إلا أن محاولات السرقة والتخريب متواصلة. فقد استغل البعض الإشتباكات في “سرت” للاستيلاء على كابل الإنترنت أواخر نوفمبر 2019، ليتكرر الإنقطاع لاحقا خلال شهر جوان/يونيو2020 ، عندما تسبب تكديس القمامة وحرقها في تخريب الأجهزة والكوابل الموجودة في المنطقة. وهو ما أدى بالنتيجة إلى تعطل الانترنت من منطقة لملودة شرق مدينة البيضاء في الجبل الأخضر غربا إلى منطقة “امساعد” شرقا. وتغطي هذه الحوادث كامل مناطق ليبيا من الجنوب الى الشرق وصولا إلى غرب ليبيا، حيث عرفت طرابلس انقطاعات متكررة خلال معركة طرابلس عام 2011 وبعدها.

كما هو شأن المياه والمحروقات والكهرباء، مثلت الإنترنت ورقة ضغط سياسي وعسكري بين طرفي الصراع. وبناءاً على شهادات من مجموعة من الناشطين في ليبيا، تعمد المجموعات المسلحة اقتحام مقرات شركات خدمات الإنترنت وتهديد العاملين بها من أجل قطع الخدمات عن جهات معينة. وذلك في إطار محاولة كسب نقاط على حساب المواطنين الليبيين.

تهيمن المؤسسات الأمنية على إدارة المؤسسات المشرفة على قطاع الإنترنت في غرب ليبيا. ويعد هذا الأمر على درجة عالية من الخطورة نظراً  للصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها جهاز «جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب»، التي هي في الأصل مليشيات ذات سيطرة ميدانية واسعة. نصّ قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، رقم (555) لسنة 2018 الذي جاء في إطار إعادة هيكلة قوة الردع الخاصة على صلاحيات موسعة من بينها «نشر الوعي الأمني بين جميع شرائح المجتمع والتوعية بمخاطر الإرهاب بالتنسيق مع الجهات المختصة ويكون ذلك بتقديم البرامج التوعوية المسموعة والمرئية وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي وإقامة الندوات والملتقيات والمحاضرات للتعريف بخطورة الجريمة المنظمة وسبل معالجتها والقضاء عليها».

ومما يزيد الأمر سوءاً أنه لم يتم تقييم ومتابعة إعادة هيكلة الجهاز الأمني نظراً للصلاحيات الموسعة الممنوحة له بما فيها ممارسة الرقابة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي وتتبع مراقبة اتصالات الأشخاص “المشتبه بهم” حينما يتعلق الأمر بالمصلحة العامة. إذ نصت المادة 4 من القرار على أنه «في حالات الظروف الاستثنائية التي تقتضيها المصلحة العامة يكون لأعضاء الجهاز استخدام الوسائل الفنية والتقنية الحديثة في تتبع أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تتواتر بشأن مستخدميها معلومات جديدة تضمهم في دائرة الشبهة، شبهة المساس بأمن البلاد والعبث بالسلم الاجتماعي والأمن القومي وتعريضه للخطر على أن يكون ذلك بمعرفة السلطة القضائية وتحت إشرافها».

يعتبر هذا النص خطيرا لأنه جاء بعبارات فضفاضة مثل “المصلحة العامة”، “السلم الاجتماعي” و”الأمن القومي” ونتيجة لعدم وجود توجه يوحد القوى المسيطرة في ليبيا، فإنه يمكن اساءة استخدام النص ضد المعارضين والناشطين وفرض درجة عالية من الرقابة عليهم وعلى المحتوى الذي يشاركونه.

تبدأ ممارسات الرقابة من المؤسسات المشرفة وصولا الى المحتوى على مواقع التواصل الإجتماعي، الأمر الذي يُعمم الشعور بالخوف ويسمح بتهديد الحقوق والحريات.

II. قيود على ممارسة الحقوق والحريات الأساسية على الانترنت

لقد كان لسنوات من التدهور السياسي وفوضى الحكم بين أطراف الصراع والنزاع تأثير عميق أيضاً على سوء تشكيل مفاهيم الحقوق والحريات في ليبيا وعلى الممارسة شبه المعدومة لهذه الحقوق على رأسها حرية التعبير عن الرأي والحق في الخصوصية. إذ يتطلب دخول الفضاء العام القدرة على التواصل الآمن والحر، والذي يعتمد بدوره على توفير فضاء يضمن الحق في الخصوصية  بما يتيح لمستخدمي الانترنت تكوين أفكارهم وآرائهم دون قيود أو عقبات. وفق هذا المنطق، تُبنى الحرية الفردية تدريجيا انطلاقا من الفضاء الخاص وصولا إلى العام، بما يعني ذلك من ضرورة وجود إطار قانوني سليم ينظم الممارسات ويضمن الحقوق. لكن في ظل غياب إطار مماثل، تعرف ليبيا قيودا عديدة وممارسات ممنهجة لجأت إليها أطراف النزاع لتقيد حرية التعبير عن الرأي وانتهاك الحق في الخصوصية للمستخدمين. 

1.حرية التعبير عن الرأي

تعد حرية التعبير واحدة من حقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في العديد من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أنّ ممارسة هذا الحق ينطبق على حد سواء على أرض الواقع والعالم الإفتراضي أي الانترنت. ويعد الانترنت، بالنظر إلى الفرص التي يوفرها للناس للتعبير عن أنفسهم، بأنه عامل مهم لتمكين ممارسة هذا الحق خاصة في ضوء ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت في ليبيا.

 وبعد مرور أكثر من تسعة سنوات على اندلاع ثورة 2011، لا تزال ليبيا تعيش نقصاً قانونياً فادحاً في الإتجاه المتعلق بتنظيم الفضاء الإفتراضي وحرية الإنترنت. الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لممارسة انتهاكات عديدة تتخلل حياة الليبيين اليومية وتُقلَص من حقهم في التعبير، بعد ان قلصت من جميع الحقوق الأخرى. كما ساهمت هذه الانتهاكات في تقييد هذه الحقوق من خلال ممارسة الرقابة والمراقبة الممنهجة سواء على المحتوى أو على ممارسات الأفراد دون توفير أي ضمانات لحماية حرياتهم وحقوقهم الأساسية. إذ أن الحقوق والحريات مترابطة ارتباطا وثيقا وغير قابلة للتجزئة بحيث يُمثَل المسَ من أحدها تمهيدا للمس بغيرها من الحقوق.

1.1 غياب الإطار القانوني :

يمكن وصف الإطار القانوني المعمول به والمطبق حالياً بأنه متناقض وغير متوافق مع التشريعات المحلية واتفاقيات حقوق الإنسان التي صادقت عليها ليبيا وأصبحت طرفاً فيها، فهي تتضمن العديد من الأحكام التي تمنح السلطات صلاحية واسعة لتقييد وتجريم حرية التعبير عن الرأي خلافاً لأحكام المعاهدات الدولية. كما أنّ غالبية النصوص القانونية المقيدة لحرية التعبير عن الرأي تم إقرارها ما قبل ثورة 2011 لا تزال سارية ولم يتم إعطاء الأولوية لتعديلها في سبيل التأسيس لخلق مجتمع ديمقراطي ما بعد الثورة.

وعلى الرغم من صدور الإعلان الدستوري لعام 2011 عقب الثورة، والذي كان يفترض أن يضع ضوابط تحول دون المس بالحريات والحقوق الأساسية على رأسها حرية التعبير عن الرأي، الاّ أنه جاء بعبارات فضفاضة وواسعة حيث نصت المادة (14) من الإعلان على ضمان الدولة لحرية الرأي وحرية التعبير الفردي والجماعي، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر، وحرية التنقل، وحرية التجمع والتظاهر والاعتصام السلمي، بما لا يتعارض مع القانون. كما أن تنظيم حرية التعبير تُرِك للسلطة التشريعية دون التطرق بدقة إلى الشروط التي قد تبرر تقييد حرية التعبير أو الحدود الدنيا التي لا يجوز للسلطة التشريعية تجاوزها في سبيل الممارسة الفعالة لحرية الرأي والتعبير. 

ركزت في أحكامها على تقييدها ووضع المزيد من العقبات في مواجهة الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا. فغالباً ما يتم محاكمتهم وإسناد التهم لهم في قضايا تتعلق إمّا بنشر الأخبار الكاذبة أو الإشاعات والتي تصل عقوبتها حسب قانون العقوبات إلى السجن المؤبد، أو في حالة “ترويج نظريات أو مبادئ” تهدف إلى قلب النظم السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي يعاقب عليها ذات القانون بالإعدام.

ومن القوانين التي تشكل عقبة أمام حرية التعبير الرأي أيضا، قانون المطبوعات لسنة 1982 وقانون الجمعيات لسنة 2001 وقانون الإرهاب لسنة 2014. ورغم مطالبات المجتمع المدني الليبي ومنظمة الأمم المتحدة بتغييرها، إلا أن السلطات الليبية لم تعمل على ذلك. 

2.1 سياسة تكميم الأفواه :

نتيجة لانعدام سيادة القانون وغياب الأطر القانونية التي توفر مساحة آمنة للناشطين والصحفيين ومستخدمي الإنترنت للتعبير عن آرائهم ومشاركة المعلومات، لجأت الميليشيات إلى فرض السيطرة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي من خلال ممارسة الرقابة والمراقبة على نشاطهم وحساباتهم الشخصية. وبرزت هذه الممارسات بشكل واضح خلال الثلاث سنوات الأخيرة من خلال توظيف جيش الذباب الإلكتروني “troll armies” وإنشاء حسابات وهمية تعمل على نشر أسماء وحسابات الناشطين الذين ينتقدون المليشيات على نطاق واسع وتهديدهم بالقتل على خلفية منشوراتهم المعارضة للميليشيات. وغالباً ما تستهدف هذه الحملات النساء بناءاًً على  النوع الاجتماعي بسبب الصور النمطية السلبية للمرأة وما يرتبط بها من وصمة عار اجتماعية، الأمر الذي يساهم في تفشي المواقف المعادية لممارستها نشاطها وحقوقها وصولاً إلى إجبارهن على الانسحاب من الفضاء العام والفضاء الرقمي بشكل خاص. 

على سبيل المثال، في 2018 قامت مجموعة من الفتيات بتنظيم لقاء في مقهى “كافيه كازا” في بنغازي بهدف التعارف وخلق مساحة للمرأة في ليبيا لتبادل الحديث. استخدمت الفتيات “هاشتاج #تجمع_بنات_تويتر وقمن بمشاركته على صفحات التواصل الاجتماعي ودعوة المزيد من الفتيات للانضمام لهم. عقب مشاركة الهاشتاج على نطاق واسع، قامت السلطات الأمنية باقتحام المقهى واعتقال عدد من العاملين في المقهى بحجة “خدش الحياء العام”، ونشرت وزارة الداخلية في ليبيا تبعاً لذلك بياناً تدعي فيه بأن هذه اللقاء كان بمثابة “حفلة ماجنة ومختلطة” وجب التدخل لإيقافها. وتعرضت الفتيات على إثر ذلك لحملة تشويه وتشهير غير مسبوقة على منصات التواصل الاجتماعي حيث وصل الأمر إلى تهديدهم وعائلاتهم بالقتل.

ومن الأمثلة الأخرى على الأساليب المستخدمة بشكل واسع في إطار تكميم الأفواه هي حملات التشويه والدعوة لإغلاق حسابات المعارضين “Mass reporting”. حيث تركّز هذه الحملات على تكوين مجموعات مغلقة على الفيسبوك تضم عدد كبير من المستخدمين وتدعوهم فيها الإبلاغ عن حسابات ناشطين أو معارضين بشكل مكثف وضمن إطار زمني محدد، لإدارة الفيسبوك غاية إغلاق الحسابات والحد من المحتوى التي تنشره. وبالرغم من أنّ هذه الممارسات والآليات لم يتم تنظيمها بموجب إطار تشريعي للحد من الرقابة على الانترنت الاّ أنّها أصبحت مقبولة عُرفاً ويتم ممارستها من قبل أطراف النزاع بشكل دوريّ ومستمر. 

أمّا بالنسبة لحرية الصحافة والإعلام، فإن الصحفيين الليبيين يعملون تحت التهديد ويعانون صعوبات ومشاكل كثيرة ومتنوعة من قبل أطراف النزاع تتجاوز مجرد التهديد لتصل حد الاختفاء القسري والاختطاف. وهو ما تعرض له مؤخراً كل من محمد عمر بعيو، رئيس “المؤسسة الليبية للإعلام”، والإعلامية هند عمار نتيجة تكليفها من قبل بعيو بمنصب مدير الإنتاج المرئي في قناة ليبيا الوطنية. حيث قامت إحدى القوات المسلحة “الميليشيات” باختطافهم واعتقالهم تعسفاً بسبب السياسة التحريرية والتوجيهات التي يضعونها والتي تهدف للحد من خطاب الكراهية والترويج للعنف في المنابر الإعلامية التابعة للمؤسسة. وفي المقابل، تعرضت هند عمار على منصة الفيسبوك والتويتر لحملة تشويه قائمة على الأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة ووصفها بأنها “ملحدة” و”منحّلة أخلاقيا”. حيث قامت العديد من الصفحات الوهمية إلى جانب بعض القنوات التلفزية مثل قناة “ليبيا الأحرار”، بمهاجمة الإعلامية وتوجيه تهمة “الإلحاد” لها بهدف تشويه سمعتها، الأمر الذي يجعلها معرضة لخطر الاستهداف من قبل المتطرفين في ليبيا أيضاً.

وبالتالي فقد أصبح دور الإعلام يقتصر على كونه أداة دعائية لرواية الجهات السياسية والعسكرية الفاعلة في الصراع الليبي. ونتيجة لذلك،  يمكن القول أن الصحفيين والمدونين والناشطين الليبيين عبر الإنترنت مارسوا بشكل متزايد درجة من الرقابة الذاتية على أنفسهم بسبب استمرار عدم الاستقرار والتهديدات المتزايدة والعنف والاختفاء القسري على مدار السنوات الماضية.

3.1 الإنترنت كفضاء ثقافي بديل

تواجه الساحة الثقافية الليبية تضييقا شديدا منذ أحداث ثورة فبراير 2011، وتعزز ذلك أكثر بسبب الصراع الداخلي  خاصة منذ سنة 2015. فأصبحت لذلك الثقافة مهمشة لصالح السياسي، إلا أن توجّه جزء مهم من الشباب الناشطين في الحقل الثقافي نحو الفضاء الرقمي ساهم في بروز عدة مبادرات مُشجعة في ظل الركود الذي يعرفه المشهد الثقافي ككل.

تقنياً، تعذّر على البعض الحصول على اسم نطاق في ليبيا “domain name” فيما يبقى الخاص بالمنظمات (org.) الاسهل حاليا. ويتم غالبا التعويل على مجهودات ذاتية لتصميم المواقع وإطلاقها في ظل محدودية المجال الخدمي الرقمي. تعتبر مواقع التواصل الإجتماعي الفضاءات الأسهل لإطلاق المبادرات الثقافية، بالإضافة لمواقع اليوتيوب بالنسبة للمقاطع المصورة في ظل الظروف الأمنية والصحية مؤخرا، استحال تنظيم تظاهرات ثقافية من اية نوع. وبالتوازي مع ذلك زادت ازمة الكهرباء من صعوبات المبادرات الثقافية بأنواعها، حيث يؤكد البعض على أن استعمال الإنترنت لا يتعدى 10%، إذ يفضلون استخدام الكهرباء في توفير الضروريات المعيشية الأخرى.

 

بناء على شهادات من ناشطين فضل بعضهم عدم ذكر أسماءهم، قام مجموعة من الشباب في 2015بإنشاء مؤسسة ثقافية في ليبيا. وقد كان المغزى منها خلق فضاء ومتنفس ثقافي للمواطنين بشكل عام والمهتمين بالثقافة بشكل خاص. حاولت المؤسسة الاعتماد على الإنترنت في السنوات الأولى باعتبار توقف معظم النشاطات المدنية في ليبيا في تلك الفترة، خصوصا في 2015، غير أن التجربة كانت متواضعة جداً.  ويعود ذلك الى عدة أسباب من بينها ضعف الإنترنت وهشاشة البنية التحتية. في هذا الإطار يفيد الناشطون أنه إذا ما حضر الصوت غابت الصورة اذ انه كلما حاول شخص متابع للصفحة (التابعة للمؤسسة الثقافية) الاطلاع على محتوى فيديو الاّ أنهم يجدون صعوبة في فهم هذا المحتوى بوضوح جراء عدم صفاء الصورة فيه. الأمر الذي أدى الى التخلي عن فكرة تشريك مختصين لتقديم “دورات عبر الإنترنت” للشباب المشارك او المهتم في بنغازي.

 

كما أن محاولات مناقشة الكتب خلال الحصص الثقافية التي تقدمها المؤسسة بنادي الكتاب لم تكلل كليا بالنجاح. والسبب مرة أخرى هو ضعف الإنترنت الذي يمنع المشاركين من الاطلاع على المحتوى المطروح وبالتالي من التعليق عليه. أدى ذلك حسب القائمين على شؤون المؤسسة الى التواضع في نشاط النادي في فترة ما قبل 2020.

 وفي ظل أزمة الصحة العالمية وتفشي فيروس كورونا (Covid-19) سعت غالبية المؤسسات إلى إغلاق أبوابها.  وحسب الناشطين استمرت بعض الأنشطة في الفضاء الرقمي غير أنهم يصفونها بأنها أنشطة “بدائية”. فمثلا، بالنسبة للكتب والأفلام على حد السواء تمثل الإجراء في الاقتصار على تحميل الكتاب أو الفيلم ويتم النقاش وتبادل الآراء فيه بين الأعضاء عن طريق تبادل الرسائل. لكن يفيد المتحدثون باسم المؤسسة أنه حتى مع تحسن استعمال النت مع بداية سنة ٢٠٢٠ إلا أن تزامن أزمة كورونا مع أزمة الكهرباء التي تفاقمت مؤخرا بالمنطقتين الغربية والشرقية أدت إلى استمرار هذه الصعوبات.
أدى ضعف البنية التحتية وتراجع جودة الخدمات إلى الحد من دور الواقع الرقمي في تعزيز المشهد الثقافي الليبي. لم يتحول الانترنت بعد إلى فضاء بديل حقيقي للناشطين الثقافيين الليبيين والفنانين. باستثناء فناني “الراب” الشباب، لا يوجد أثر كبير للكتاب والشعراء، فيما تتواتر الصفحات الشبابية المهتمة بفن الراب. يفيد مديرو وأعضاء بعض الصفحات الفنية والثقافية على الفيسبوك الى صعوبات الوصول والنفاذ  للانترنت لكن يؤكد على الجهود الفردية للشباب في خلق المحتوى وترويجه والدعاية له عبر الهواتف، مع إنشاء العديدين لاستديوهات خاصة بهم، أو باستعمال المتاح من التقنيات. يمكن ملاحظة أن الواقع الرقمي  أصبح فضاء بديلاً بالنسبة لفئه الشباب لكن تبقى الإشكاليات المتعلقة بسوء جودة خدمة الانترنت عائقا أمام تطويره بما يتيح فضاء للتعبير والتواصل والمشاركة.

2.انتهاك الخصوصية وسرية المراسلات :

طلبوا مني كلمة السر وقاموا بفتح حسابي وقاموا بالمراقبة من خلاله

نصّ الإعلان الدستوري صراحةً في الباب المتعلق بالحقوق والحريات في المادة 12و 13على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وضمان سرية المراسلات والمحادثات الشخصية وغيرها من وسائل الاتصال واعتبر أنّ أي تعدٍ على هذا الحق، باستثناء الحصول على أمر قضائي، يمثل انتهاكاً صارخاً للدستور. على غرار هذا النص، لم يعالج أي تشريع قانوني آخر مسألة تقديم حماية فاعلة للحق في الخصوصية، وبقيت نصوص الدستور في هذا الإطار حبراً على ورق ودون أي تطبيق فعلي على أرض الواقع. 

وقد أفادت شهادات ناشطين في المجتمع المدني الليبي بتعرضهم لانتهاكات الخصوصية بشكل دائم وممنهج، والتي غالباً ما تكون صادرة عن المليشيات والجماعات المسلحة. حيث يتم إيقاف المواطنين الليبيين في نقاط العبور والتفتيش والمناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة وطلب كلمة المرور الخاصة بحساباتهم الشخصية على منصات مواقع التواصل الاجتماعي (خاصة “فيسبوك”) للإطلاع على المراسلات الخاصة بهم على تطبيق “الماسنجر”. والهدف من ذلك هو جمع المعلومات عن الأشخاص واستخدامها كدليل في تحديد الولاءات السياسية للمعني بالأمر.

كما تلجأ هذه الجماعات الى الدخول الى حسابات الأفراد رغما عنهم من أجل مراسلة آخرين يتم التقصي حولهم، مستغلين في ذلك علاقة صاحب الهاتف بالطرف الآخر. وبحسب شهادات الناشطين، فإن هذه الانتهاكات ليست حكراً على المليشيات فقط إنما لجأت عدة أطراف محسوبة على حكومة الوفاق الوطني إلى اتباع سياسات مشابهة في إطار التضييق على الناشطين والمعارضين في البلاد. يُذكر أن المصور الصحفي والناشط الليبي إسماعيل بوزريبة الزوي قد حُكم عليه بالسجن لمدة ١٥ عاماً في أوت/أغسطس ٢٠٢٠، استنادا إلى رسائل نصية وتدوينات رأي تنتقد القيادة العامة للجيش الليبي في الشرق وعملية الكرامة العسكرية. وقد تم تحريك الدعوى ضده وايقافه على خلفية مواقفه بعد حجز هاتفه الشخصي والاطلاع على محتواه عنوة. بالتوازي مع ذلك تم احتجازه تعسفيا في سجن عسكري دون السماح له بالاتصال بمحاميه أو عائلته، ليفاجأ بالحكم بعد ثلاثة أشهر من صدوره.

III. خاتمة وتوصيات للمضي قدماً

على الرغم من الآمال التي بناها المواطنون الليبيون عقب ثورة 2011والطموح بارتفاع سقف المطالب الحقوقية وبناء دولة ديمقراطية تعزز مبادئ الحقوق والحريات العامة، الاّ أن تمتع الأفراد بالحماية القانونية لممارسة حقوقهم لا يزال في وضع حرج وشبه منعدم. ففي وضع متردي وفي ظل غياب تشريعات تحمي المدونين والناشطين وحريتهم في التعبير عن آرائهم، خاصة مع تنامي النزعة السلطوية لأطراف النزاع وازدياد الرقابة والخطاب المحرض والداعي إلى الكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يجد الناشطون الحقوقيون أنفسهم  في عزلة أمام هذه العراقيل.

وخلال السنوات الأخيرة، اعتمدت أطراف النزاع في ليبيا بشكل متزايد على منصات مواقع التواصل الاجتماعي لشن الهجمات عبر الانترنت واستخدام العديد من التقنيات والممارسات لقمع الناشطين والأصوات المعارضة. نتيجة لذلك، لم يعد مستخدمي الانترنت في ليبيا قادرين على إيجاد مساحة آمنة للتعبير عن رأيهم أو الحفاظ على خصوصيتهم نظراً لازدياد الهجمات الإلكترونية والرقابة على المحتوى.

وفي هذا الإطار فإننا نوصي مايلي:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *