The policies and legislations related to the democratic transition and human rights Libya
الفهرس :
I) تطور السياسات والتشريعات المتعلقة بالإنتقال الديمقراطي :
أدى الصراع العسكري الليبي-الليبي بدعم دولي، ثم بتدخل دولي مباشر إلى عرقلة مسارات الحوار دائمًا. وهو العائق الذي يبقى دائمًا مطروحًا في الملف الليبي، حيث يُخيَم شبح العودة إلى الوراء بصورة دائمة. وهو الأمر الذي يتطلب تعلم دروس الماضي القريب من أجل ضمان تواصل المسار السياسي الجديد منذ بداية سنة 2020.
1. الملف الليبي: حوار بين انتكاسات السياسة ومواجهات السلاح
شهدت ليبيا مسارات حوارات متعددة وفي مجملها تتشابه من حيث قرب الوصول لاتفاقات قادرة على إنهاء الصراع واستئناف الإنتقال الديمقراطي، لكنها تنتهي بسرعة الى تجدد الصراعات السياسية والمسلحة.
ومن هنا ضرورة التذكير بمراحل الحوار الليبي وصولًا الى اليوم ومرورا بأهم الاتفاقات والانتكاسات:
ضمن هذا المسار الطويل والمعقد، تقاطعت العوامل الداخلية والإقليمية والدولية في تعطيل مسارات الحوار الليبي-الليبي. فكلما زاد او تراجع وزن أحد الأطراف داخليًا تحرك الطرف الدولي الداعم له، فيما يبقى دور دول الجوار محدودًا نسبيًا، رغم المساعي الدبلوماسية المشتركة من أجل توحيد الجهود.
استمرت الحرب في ليبيا حتى سنة 2020. ولم تستطع قوات القيادة العامة بقيادة الجنرال حفتر الدخول الى العاصمة وتحت ضغط دولي بدأت في الانسحاب من مواقعها، خاصة بعد تغير الموازين بسيطرة قوات الوفاق على العاصمة طرابلس يوم 06 يونيو/جوان 2020، أصبحت مدينة سرت بتغير الخريطة العسكرية النقطة الفاصلة بين القوتين. الأمر الذي أعطى فرصة لاستعادة المسار السياسي رغم حساسية وآثار الصراع المسلح الذي تسبب في انقسامات داخل المجتمع الليبي.
أصبح مؤتمر برلين المرجعية للمسار السياسي الليبي وفقًا لخطة التي تم رسمها في العاصمة الألمانية حيث استطاعت بعثة الأمم المتحدة ان تستصدر قرارًا من مجلس الأمن باعتماد مخرجات برلين كإطار أساسي لمسارات الحوار في ليبيا على الأصعدة الثلاثة (العسكري – والاقتصادي – والسياسي).
بعد تثيبت وقف إطلاق النار عن طريق مؤتمر برلين تحركت الدول الإقليمية المجاورة لليبيا في تحريك عجلة المبادرات التي تحاول من خلالها إرجاع عجلة الحوار السياسي للحركة من جديد من هذه المبادرات وأهمها (إعلان القاهرة) حيث نص على الآتي:
وطرح فيها عقيلة صالح رؤيته للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد ترتكز على الحل السياسي وتقصي الحل العسكري، وتنتهي بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.
وفي نفس السياق بعد إعلان عقيلة صالح توقف العمليات العسكرية بشكل كامل أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، الجمعة 21 أغسطس/أوت2020، تعليمات لجميع قواته العسكرية، أمر فيها بوقف فوري لإطلاق النار في كل الأراضي الليبية، فيما قال عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق بدوره إن وقف إطلاق النار يجعل من سرت مقرًا مؤقتًا للمجلس الرئاسي الجديد وتتولى قوة شرطية من مختلف المناطق تأمينها.
يعتبر هذا الإعلان بمثابة الخطوة الأولى من طرفي الصراع في ليبيا للعودة الى المسار السياسي من جديد وهذا ما حدث بشكل عملي بعد ذلك في لقاء عقيلة صالح رئيس البرلمان في طبرق وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في مدينة أبو زنيقة في المغرب بتاريخ 8 أغسطس/أوت 2020 حيث حدثت تفاهمات بين وفدي ليبيا في مدينة بوزنيقة المغربية، بشأن المسائل العالقة في الأزمة. وقد توافقت الأطراف الليبية على منصب محافظ المصرف المركزي وعلى تقسيم المناصب السيادية السبع بالتساوي، وهوما يفتح الباب لإعادة هيكلة المجلس الرئاسي. وهو ما يعتبر خطوة كبيرة جدًا تضاف الى مسار الحوار الليبي مند توقفه العام الماضي بسبب الحرب التي اندلعت في أبريل/أفريل 2020.
في خضم المساعي الحثيثة التي تقودها جهات محلية ودولية عدة لإنهاء أزمة إغلاق الموانئ وحقول النفط الليبية وسط وشرقي البلاد، فجر نائب رئيس المجلس الرئاسي، أحمد معيتيق مفاجأة بإعلانه التوصل إلى اتفاق مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر لإعادة الإنتاج. وتم الإعلان عن الاتفاق معيتيق في بيان بتاريخ 18 سبتمبر 2020، وتضمن بنودًا عدة أبرزها تشكيل لجنة لإدارة إيرادات النفط، قوبل برفض من المؤسسة الوطنية للنفط، فيما نأى “المصرف المركزي” بنفسه عن اتفاق معيتيق، نافيًا صلته بأي تفاهمات حول توزيع عائدات النفط.
في سياق متصل، عبر آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء أسامة جويلي عن رفضه للاتفاق، مطالبًا المجلس الرئاسي والنواب بموقف واضح تجاهه، في المقابل احتفى المتحدث باسم حفتر، أحمد المسماري بالاتفاق، وهو ما يؤكد تواصل ضغط التوازنات العسكرية وفوضى السلاح في ليبيا، وإمكانية تسببه في تعطيل المسار السياسي في ليبيا.
2. فوضى السلاح في ليبيا :
قبل التحول العسكري المهم بسيطرة قوات الوفاق على العاصمة طرابلس، كانت بعثة الأمم المتحدة قد عبرت عن قلقها البالغ من تواصل تدفق السلاح الى طرفي النزاع في ليبيا.
لكن رغم تغير التوازنات، لا يزال السلاح موجودًا في ظل انقسام المؤسسة العسكرية وانتشار الجماعات المسلحة. وقد أشارت التقديرات الأممية إلى أن عدد قطع السلاح في ليبيا بلغ:
تتنوع الأسلحة في ليبيا بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة، والرقم المذكور أعلاه لم يسجل في أي بلد آخر خلال الأربعين عامًا الماضية.
في هذا الاتجاه، سعت الولايات المتحدة الأمريكية، عبر حوارات مباشرة مع الطرفين منذ جوان/يونيو وجويلية/يوليو 2020، لإيجاد سبل مناسبة لدمج الجماعات المسلحة والحد من فوضى السلاح في ليبيا ونزع سلاح أخرى. وذلك بهدف ضمان عدم وجود رفض من الجماعات المسلحة لأية حل سياسي ممكن مستقبلًا.
وقد حمّل تقرير صادر عن الأمم المتحدة، قوات القيادة العامة بقيادة الجنرال خليفة حفتر مسؤولية 81% من ضحايا الحرب المدنيين في ليبيا الذين وثقتهم خلال الربع الأول من سنة 2020.
وحمّل التقرير ألأممي قوات الجيش التابع لحكومة الوفاق 5% من الضحايا، وأضاف أن 14% من الضحايا لم يكشف عن الجهة التي استهدفتهم، لافتًا إلى أن حصيلة الضحايا بالكامل تمثل زيادة إجمالية بنسبة 45% فيما تم توثيقه من الخسائر في صفوف المدنيين، مقارنة بالفترة السابقة في الربع الأخير من العام 2019.
إلا أن التغيير في طرابلس أدى الى المساهمة في الدفع بوقف إطلاق النار، رغم بعض الخروقات المتفرقة. تم ذلك بفضل بيانين منفصلين متزامنين للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني (المعترف بها دوليًا)، ومجلس نواب (طبرق) الموالي للمشير خليفة حفتر، بثتهما وكالة الأنباء الليبية (وال) .
لكن على نفس المستوى، يطرح انقسام المؤسسات وعدم وضوح هيكليتها خاصة على مستوى وزارات الدفاع والداخلية، وضعف القضاء واستهدافه المتواصل إشكاليات جدية أمام تعزيز وحدة الدولة واسترجاع هيبتها، بسبب تواصل وجود الجماعات المسلحة وشبه العسكرية.
وأوضح التقرير أن قوات القيادة العامة قد تسبّبت في :
3. الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والوبائية في ليبيا: عنصر مؤثر جديد:
تجمع المئات من الليبيين في العاصمة طرابلس مساء الأحد 24 أغسطس/أوت 2020 حيث تظاهروا احتجاجًا على تدهور الأوضاع المعيشية وانتشار الفساد وانقطاع الخدمات كالكهرباء والماء وطول الانتظار أمام محطات الوقود في البلد الذي يشهد نزاعات مسلحة منذ سنوات. كما تجمع المحتجون أمام مقر حكومة الوحدة قبل أن يتحولوا إلى ساحة الشهداء في وسط طرابلس ورددوا شعرات من قبيل “ليبيا! ليبيا!” و”لا للفساد”.
انطلقت أيضًا مظاهرات واسعة في مصراتة، والزاوية في 23 أغسطس/أوت 2020، ونظّم حراك شعبي جديد، هو “حراك الشعب 23/8” أو “حراك همة الشباب 23/8″، في 23 أغسطس/أوت 2020، احتجاجات لانتقاد السلطات في الشرق والغرب بسبب الظروف المعيشية. وتذمّر المتظاهرون من انقطاعات التيار الكهربائي التي قد تستمرّ حتى ثلاثة أيام، وطالبوا بالعدالة الاجتماعية والانتخابات. بدأت المظاهرات أيضا في 24 أغسطس/أوت 2020، في مدينتَي “زليتن والخمس” شرق طرابلس، وفي “سبها وأوباري” في الجنوب.
يُذكر ان شعارات المتظاهرين أظهرت غضبًا على الأموال وأجور المنتسبين للجماعات المسلحة في ظل الأوضاع المعيشية التي يعيشها الليبيون. الأمر الذي يعكس ازمة عميقة أصبح فيها السلاح عنصر حل اقتصادي واجتماعي بالنسبة للعديدين.
في هذا المستوى، أضحت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية عنصر حل بعد أن أكدت انفصال المسار السياسي والعسكري البطيء عن هموم الليبيين، وانغماسه في المصالح الخاصة للأطراف المتصارعة محليًا ودوليًا.
ومن بين الأبعاد السياسية للمظاهرات بيان قبيلة المغاربة من الشباب الذي أكد على رفضه للرموز السياسية في الشرق. صدر البيان يوم 20 سبتمبر 2020، وأكد البيان عن تأييدهم لمسار البعثة الأممية لحل الأزمة الليبية “الذي انطلق في جنيف للخروج بتسوية سياسية تحقق الاستقرار والسلام في ليبيا”.
وتعتبر هذه القبيلة من القبائل الوازنة في الشرق بالنظر الى حجمها ودور بعض المنتمين لها في مرحلة أولى من التحولات في ليبيا إلى حدود سنة 2013.
مثل الحراك الاجتماعي ذو الخلفية الاقتصادية والمعيشية منفذًا للضغط والتحول في المشهد الليبي. هذا ويذكر أن قبائل أخرى كقبيلة المرابطين قد أعلنت عن تأييدها لعقيلة صالح كممثل سياسي، الأمر الذي أزعج المشير خليفة حفتر.
بالنسبة للوضع الوبائي، ومع زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا حذر مسعفون ومسؤولون بالنظام الصحي في البلاد من أن الجائحة تشكل خطرًا جديًا. وقال أحمد الحاسي المتحدث باسم اللجنة الطبية الحكومية المسؤولة عن مكافحة الفيروس في شرق ليبيا، خلال شهر أغسطس/أوت 2020،، إن العامة بحاجة لاتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة، وإلا فإن الكوادر الطبية التي تعاني من نقص الموارد ستكون “غير قادرة على تغطية” الاحتياجات. من جهته قال ريك برينان، مدير الطوارئ التابع لمنظمة الصحة العالمية في الشرق الأوسط، إن الوكالة واجهت معوقات لوجستية خطيرة في ليبيا، بما في ذلك “تحديات كبرى لجلب المستلزمات الخاصة بالحماية الشخصية والفحوص”. ومع الانخفاض الحاد في مستويات المعيشة الكثيرون يواجهون صعوبة في تحمل ولو القليل من النفقات، بما في ذلك ما يلزم لشراء الكمامات.
يعرف النظام الصحة في ليبيا تقهقرًا وتدنيًا في مستوى الخدمات بسبب غياب الأمن وصراع الفرقاء على السلطة، ولم تعد المستشفيات والمرافق الطبية قادرة على توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين بسبب نقص الأجهزة والمعدات وكذلك المستلزمات الطبية. ويشتكي الليبيون من ضعف الخدمة الطبية المسداة في ظل النقص الفادح في الكادر الطبي وشبه الطبي إضافة إلى التعطل المستمر للأجهزة نتيجة غياب الصيانة وتجديد قطع الغيار، ما دفعهم إلى السفر للدول المجاورة وخاصة تونس ومصر والأردن وتركيا لتلقي العلاج والرعاية الضرورية رغم تكاليفهم المشطة.
بالإضافة إلى ما سبق، يشتكي الليبيون من الفساد المستشري في القطاع الصحي، خاصة أن الأموال التي تم تخصيصها لمواجهة أزمة كورونا تمّ التلاعب بها. ومن ذلك الحادثة المتعلقة بأعضاء جهاز الطب العسكري حيث عمد مسؤولون به إلى تمرير معاملات مالية مخالفة للقوانين واللوائح المعمول بها، فضلًا عن اعتماد وصرف أموال دون وجود ما يقابلها من أعمال على أرض الواقع بمشروعات مراكز العزل الصحي داخل بلديات نالوت والزنتان وزوارة. وهو ما أكده ديوان المحاسبة في حكومة الوفاق الوطني. وقد صدرت قرارات بمنع السفر ضد محمد الهيثم و6 آخرين من أعضاء الجهاز، وهم لواء عمر هويدي مدير عام جهاز الطب العسكري، ومحمد حسين سالم مدير إدارة المشروعات في الجهاز، وعمار منصور التائب المراقب المالي، والمهندسين في إدارة المشروعات عبد الحكيم سالم عطية وعدنان البشتي.
“هناك مليونير جديد كل يوم في ليبيا، والطبقة الوسطى تتقلص يومًا بعد آخر، والطبقة السياسية في ليبيا لديها كم كبير من الفساد يندى له الجبين، وهناك مَن يجني ثروات طائلة من المناصب يجري استثمارها خارج ليبيا، وما نراه في ليبيا أمر مؤسف. يستولون على المال العام ثم يوظفونه في الخارج”، المبعوث الأممي إلى ليبيا المستقيل غسان سلامة،
رغم الصعوبات الجمة، يبدو أن المشهد الليبي يتجه المشهد نحور تعزيز المسار السياسي. فقد أعلنت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، استضافة تونس ملتقى الحوار السياسي الليبي الموسع والشامل، مطلع نوفمبر2020. وأن الملتقى يهدف لتحقيق رؤية موحدة حول ترتيبات الحكم التي ستفضي لإجراء انتخابات في أقصر إطار زمني وأضافت أنه سيتم اختيار المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي من مختلف المكونات الرئيسية للشعب بشرط عدم توليهم أية مناصب تنفيذية لاحقًا، ولفتت إلى أن الملتقى سيعقد وفق صيغة مختلطة نظرًا لجائحة كورونا بحيث تكون هناك جلسات عبر الاتصال المرئي وأخرى مباشرة، وأعربت عن امتنانها العميق لتونس لاستضافتها الاجتماع المباشر الأول لملتقى الحوار السياسي الليبي.
يبقى السيناريو الليبي مفتوحًا بسبب الأزمات المفتوحة على كل المستويات. الأمر الذي يتطلب فعليًا إرادة ليبية واحدة في هذا الاتجاه تمنع اختراق المصلحة الليبية، ولو مرحليًا، من اختراقات التوازنات الدولية. فالملاحظ أن بانفتاح ملفات أخرى بين الدول الأوروبية وتركيا، وتحولات الدور الأمريكي في محاولة للتأثير على انتخابات رئاسية حساسة، تحركت الملفات الليبية العسكرية والسياسية. كما أن الوضع الصحي يعتبر سيفًا على رقاب الليبيين ينضاف الى البندقيات المفتوحة دائمًا.
II) تطور السياسات والتشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان
أفاد الاستعراض الدوري الشامل عن تأكيد صريح بالفشل التام في تنفيذ التوصيات بخصوص وضعية حقوق الإنسان في ليبيا منذ 2015. مثلت انتهاكات الحق في التظاهر العنصر البارز خلال فترة الرصد، خاصة بعد الاحتجاجات الاجتماعية السلمية التي شهدتها عدة مدن ليبية طيلة شهري أغسطس/أوت وسبتمبر. ومثلت الجماعات المسلحة الخارجة على القانون أو غير المنضبطة مصدر هذه الانتهاكات. كما أن درجة الإنقسام داخل السلطات في غرب ليبيا تسبب في سوء إدارة التظاهرات والإستماع لمطالب الشعب الليبي. أما في شرق ليبيا فالملف دون متابعة فعلية من قبل السلطات الموجودة.
1. الإعتداء على المتظاهرين:
يمكن الوقوف على الممارسات الأمنية، واستغلال الجماعات المسلحة لضعف السلطة المدنية، وتموضع جلها وفق التوازنات بين القيادات السياسية الداعمة لها. كذلك اتضح ان تفاعل السلطات لم يكن مجديًا بالنسبة للمتظاهرين السلميين.
انطلقت مظاهرات واسعة في طرابلس، ومصراتة، والزاوية في 23 أغسطس أوت 2020، ونظّم حراك شعبي جديد، هو “حراك الشعب 23/8” أو “حراك همة الشباب 23/8” في 23 أوت احتجاجات لانتقاد السلطات في الشرق والغرب بسبب الظروف المعيشية التي “لا تُحتمل”. بدأت المظاهرات أيضا في 24 أوت في مدينتَيْ زليتن والخمس شرق طرابلس، وفي سبها وأوباري في الجنوب.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 19 شخصًا بشأن المظاهرات والرد العنيف عليها، بمَن فيهم متظاهرون، وأقارب، وأصدقاء متظاهرين، وصحفيين، ومحامين، وناشطين. ووثّقت 24 حالة احتجاز تعسفي بين 23 و29 أغسطس/أوت 2020، وأُفرج عن العديد منهم، وانتشرت صورًا وفيديوهات للقوى الأمنية وهي تستعمل القوة المفرطة، أعلى منصات التواصل الاجتماعي.
قال شهود شاركوا في مظاهرة إنّ المظاهرات في طرابلس وأماكن أخرى كانت سلمية إلى حدّ كبير. ردت الجماعات المسلّحة الموجودة في طرابلس والمرتبطة بحكومة الوفاق الوطني، بجمع المتظاهرين بالقوة واحتجازهم في أماكن لم يُكشف عنها في البداية، ومنذ 24 أغسطس/أوت 2020، تقوم الجماعات المسلحة بإطلاق سراح المحتجزين بهدوء، وما يزال العدد الحالي للمتظاهرين المحتجزين في طرابلس غير معروف.
كما صرح أقارب وأصدقاء اثنين من المتظاهرين المفرج عنهم، الذين احتُجزوا أربعة أيام على الأقل في سجن بقاعدة معيتيقة العسكرية في طرابلس، إن الرجلين أفادا بتعرضهما للضرب المتكرر وإجبارهما على توقيع تعهدات بعدم المشاركة في مظاهرات مستقبلية. تدير السجن قوة الردع الخاصة بقيادة خالد البني.
أشار ثلاثة شهود إن “لواء النواصي”، الذي يسيطر على محيط ميدان الشهداء، كان المسؤول الأساسي عن استخدام الرشاشات والأسلحة الثقيلة لتفريق المتظاهرين واعتقال المتظاهرين تعسفًا في 23 أغطس/أوت 2020، والأيام اللاحقة.
أكد متظاهران إنّ عناصر الشرطة الموجودين في ميدان الشهداء لم يتدخّلوا لحمايتهم. ويظهر فيديو نشر على فيسبوك في 23 أغسطس/أوت 2020، استعمال الجماعات المسلّحة أسلحة ثقيلة والرشاشات لتفريق المتظاهرين في وجود سيارات شرطة مركونة في الميدان والتي لم يتحرك أي من افرادها المصاحبين لحماية المتظاهرين يأي شكل من الأشكال.
2. انعدام الاستقرار المؤسساتي: سلطة الجماعات المسلحة على الميدان
في 26 أغسطس/أوت 2020، فرض “المجلس الرئاسي” التابع لحكومة الوفاق الوطني حظر تجوّل لأربعة أيام، متذرّعًا بتفشي فيروس “كورونا”. وقام بمد حظر التجول 10 أيام في 30 أغسطس/أوت 2020، وحظر التجول في الخارج من الساعة 9 مساًء حتى 6 صباحًا، وهو ما فسره المتظاهرين انه محاولةً لمنعهم من التظاهر وقد تجاهلوه في الغالب.
رغم ما سبق، تواصلت المظاهرات الشعبية في بنغازي، وقد تم على إثرها إيقاف الناشط “ربيع العربي”، الذي أكد أصدقاءه إنهم فقدوا الاتصال به، منذ مشاركته في مظاهرة “جمعة إنقاذ ليبيا من الفساد والمفسدين” التي دعا إليها شباب من نشطاء بنغازي. وقال أحد شهود واقعة الاعتقال، أن أشخاصًا نزلوا من سيارة سوداء معتمة الزجاج ودون لوحات، واتجهوا نحو الناشط ربيع العربي، وتحدثوا معه، قبل أن يقتادوه إلى السيارة، ومنها إلى جهة غير معلومة.
وأضاف الناشطون أن وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة منحت منظمي المظاهرة تصريحًا يسمح لهم بالتظاهر، إلا أنهم فوجئوا عند وصولهم ساحة التظاهر بسيارات عسكرية وأخرى دون لوحات وعناصر عسكرية وأمنية تنتشر في المكان، وأن بعض الأشخاص المحتمين بتلك العناصر حاولوا استفزاز المتظاهرين، هاتفةً بحياة القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر.
تعتبر أجهزة أمن تابعة لقوات القيادة العامة في الشرق، من بينها جهاز مكافحة الظواهر السلبية وجهاز مكافحة الإرهاب، المؤلف من عناصر المداخلة المسلحين، المسؤول عن إطلاق حملة اعتقالات واسعة في أكثر من مدينة، على رأسها بنغازي، خلال فترة المظاهرات. فيما لواء النواصي وقوات الردع غربي ليبيا المسؤولة الأولى عن قمع المتظاهرين. فقد أفاد شهود عيان أن كتيبة النواصي قد أرسلت سيارات مسلحة الى طريق الشط بطرابلس ولاحقت المتظاهرين.
رغم أن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج قد أعلن عن تنسيقه مع مكتب النائب العام للإطلاق الفوري لسراح كل من لم يتورط في أعمال تخريب للممتلكات العامة والخاصة. كما أعلن حينها الرئاسي في بيان له اتخاذه الإجراءات القانونية اللازمة للتحقيق في أي تجاوزات وقعت ضد المتظاهرين وأي إصابات نتجت عن ذلك. ورغم إعلان المدعي العام عن توقيف متهمين بالاعتداء على المتظاهرين، إلا أنه لم يتم الإعلان عن هوياتهم أو مجريات التحقيق ومآلاتها في شأنهم. الأمر الذي يتطلب من السلط القضائية الحرص على الابتعاد عن التسييس والخضوع لضغط الجماعات المسلحة لفرض قوة القانون.
3. المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء:
قالت مفوّضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان إن خفر السواحل الليبي (التابع لفائز السراج) واصل انتهاك حقوق المهاجرين غير الشرعيين في البحر المتوسط. وأوضحت المفوضية، أن “خفر السواحل” يواصل إعادة القوارب إلى الشواطئ من حيث انطلقت، واعتقال المهاجرين الذين يتم اعتراضهم في مرافق احتجاز تعسفي حيث يواجهون ظروفًا مروّعة، بما في ذلك التعذيب، وسوء المعاملة، والعنف الجنسي، وانعدام الرعاية الصحية وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.
وأشارت المفوضية إلى أن هذه المرافق المكتظة معرّضة من دون أدنى شكّ لخطر تفشي كوفيد-19 على أوسع نطاق ممكن، داعية إلى وقف جميع عمليّات اعتراض القوارب وإعادتها إلى ليبيا، مجددة التأكيد على ضرورة امتثال الدول دوما لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين. وأعرب المتحدّث باسم المفوضية روبرت كولفيل، في إحاطة من جنيف، عن قلق شديد إزاء التقارير التي تفيد بأن السلطات المالطية طلبت من السفن التجارية دفع القوارب، التي تحمل مهاجرين منكوبين، إلى أعماق البحار.
وأعربت المفوضية أيضًا عن القلق من أن سفن البحث والإنقاذ الإنسانية، التي عادة ما تجوب منطقة وسط البحر الأبيض المتوسط، مُنِعَت من دعم المهاجرين المنكوبين، في وقت ارتفعت فيه أعداد مَن يحاولون القيام بهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، من ليبيا إلى أوروبا.
وفي 15 أبريل/أفريل 2020، قالت المفوضية إن بعثة الأمم المتّحدة للدعم في ليبيا تحقّقت من إعادة سفينة على متنها 51 مهاجرًا وطالب لجوء، بينهم 8 نساء و3 أطفال، إلى ليبيا على متن قارب مالطي خاص بعد أن انتشلتهم من المياه المالطية.
وقد أرسلت السلطات الليبية المهاجرين إلى سجن السكّة، وخلال الأيام الستة التي قضوها في البحر، لقي خمسة أشخاص مصرعهم وفُقِد سبعة آخرون ويفترض أنهم غرقوا. كما أشارت المفوضية إلى ادعاءات تفيد بأنّ مراكز تنسيق الإنقاذ البحري المعنية لم تردّ على نداءات الاستغاثة التي وصلتها أو أنّها تجاهلتها.
رغم التر اجع النسبي لعمليات الهجرة بسبب جائحة الكورونا، استأنفت عصابات التهريب نشاطها انطلاقًا من السواحل الليبية. وأوضح تقرير وكالة “بلومبيرغ” أن ما يقارب 900 مهاجر غير شرعي انطلقوا من الشواطئ الليبية في الفترة من 14 إلى 28 مايو/ماي 2020، قاصدين سواحل أوروبا وتم اعتراض 679 منهم وإعادتهم إلى ليبيا بينما استطاع الباقون الإفلات والوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
ومنذ اندلاع أزمة كورونا علّقت معظم سفن الإنقاذ الإنسانية، مثل “أوشن فايكنغ” و”سي ووتش”، أنشطة إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط. كما أدت إجراءات مكافحة الجائحة إلى إغلاق الحدود والمطارات في مختلف دول العالم، ما دفع مفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة إلى تعليق كافة رحلات إعادة التوطين. لكن بعد أشهر وخلال شهر يونيو/ جوان 2020، استأنفت هذه المنظمات نشاطها الإنساني.
جاءت فترة التراجع النسبي إلى حدود شهر أفريل بعد ارتفاع كبير مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة.
في أكبر حصيلة غرق مهاجرين قابلة السواحل الليبية، فقد 45 شخصًا، بينهم أطفال، أثناء محاولتهم الهرب من ليبيا، انطلق حوالي 82 مهاجرًا على متن قارب باتجاه السواحل الأوروبية انفجر محرك القارب فانقلب المركب، تاركًا وراءه 45 غريقًا على الأقل بينهم 5 أطفال.
قبل وقوع الكارثة، مجموعة “هاتف الإنذار” كانت قد تلقت إنذارا بإبحار قارب يوم الأحد 15 أغسطس/أوت 2020، من السواحل الليبية، وأكدت في تغريدة على تويتر أنها أعلمت “جميع السلطات” المعنية بوجود مهاجرين بحاجة للمساعدة، بعدما انفجر محرك قاربهم. لكن يبدو أن نداءات المنظمات غير الحكومية لم تجد من يستمع إليها. وأضافت المنظمة بلهجة صارمة “إيطاليا ومالطا وأوروبا، إن مسؤولية غرق الناس تقع عليكم”.
خلال مايو/ماي وأغسطس/أوت 2020:
وبتاريخ 15 سبتمبر 2020، أعلن خفر السواحل اليوناني، أنّ ثلاثة مهاجرين، هم امرأة وطفلان، لقوا حتفهم مساء الاثنين، حين غرق مركبهم قبالة السواحل الشرقية لجزيرة كريت، في حين تم إنقاذ 53 آخرين كانوا برفقتهم.
وفي سياق متصل، أفادت وسائل إعلام، بغرق أو فقدان ما لا يقل عن 24 مهاجرًا إثر انقلاب قاربهم في البحر المتوسط بالقرب من ليبيا. وتوفي في هذه الحادثة 17 مهاجرًا مصريًا، احتجزت عصابات التهريب غيرهم، ويُقدر عددهم ب15 نفرًا. واشترطت العصابات الحصول على مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم.
في المقابل، يتواصل التنسيق الأمني بين ليبيا وشمال المتوسط. فقد قررت كل من مالطا وليبيا إنشاء “مركزي تنسيق” في طرابلس وفاليتا، لتعزيز سبل مواجهة الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط، وستتم إقامة هذين المركزين في عاصمتي الدولتين، بتمويل من مالطا. وذلك “لتوفير الدعم الضروري لمواجهة الهجرة غير الشرعية في ليبيا والبحر المتوسط”.
رغم هذه الجهود، إلا أن الإشكالية تبقى متواصلة بخصوص مراكز احتجاز المهاجرين التي تمثل اختراقًا حقيقيًا للمنظومة القانونية والحقوقية والمؤسسية في ليبيا، حيث تستمر في الوجود مستغل شبكة العلاقات الإجتماعية والسياسية والعسكرية القائمة. وقد مثلت تهديدًا حقيقيًا للمهاجرين خلال فترة الوباء الصحي. الأمر الذي دعا أمين عام الأمم المتحدة إلى إغلاقها.
وتقدر كل من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية عدد مراكز الاحتجاز الرسمية في ليبيا بأكثر من 33 مركزًا، فيما تأتي المطالبات الأممية بإغلاق مراكز احتجاز المهاجرين في وقتٍ تكافح فيه ليبيا للتصدي لجائحة كورونا بإمكانيات خجولة وقطاعٍ صحي متهالك، ما يُعرض المهاجرين وطالبي اللجوء لخطر الإصابة بالوباء بالنظر لاكتظاظ مراكز الاحتجاز وحالة التسيب وانعدام الصرف الصحي والمرافق، والافتقار لأبسط الخدمات الإنسانية والرعاية الطبية.
ومن ناحية أخرى، عاش المهاجرون وطالبو اللجوء كابوسًا مرعبًا وداميًا على مدى عامٍ كامل ممتد حتى جويلية/يوليو 2020، عندما كان القصف يطال مراكز احتجازهم وسط المواجهات بين قوات حكومة الوفاق وقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر. وحينها أشارت المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى أن عدم نقل المحتجزين من المناطق القريبة من الأهداف العسكرية محتملة أو عدم نقل أهداف عسكرية كانت متموضعة جوار مركز احتجاز يعد جريمة حرب وانتهاكات لالتزامات القانون الدولي الداعي لاتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين من آثار الهجمات المحتملة. وبحسب التقارير الدولية، تعود أسباب إطالة مدة احتجاز المهاجرين في مراكز الاحتجاز إلى تفاهمات تحدث بين عصابات تهريب البشر وبعض عناصر الأمن وخفر السواحل والمجموعات المسلحة، من أجل ترتيب طُرق النقل وتحديد التاريخ والعدد المطلوب وتجهيز مراكب الصيد والطوافات المطاطية اللازمة.[1]وقد سبق للتقرير نصف السنوي السابق لمركز دعم التحول الديمقراطي، وورقاته الخاصة بهذا الملف الى تفصيل مراكز الاحتجاز التي تخرج عن الإحصاءات الرسمية، ومساهمتها في خرق حقوق الإنسان في ليبيا.
4. المقابر الجماعية: معركة من بقايا المعارك :
بعد انتهاء المواجهات في طرابلس، أعلنت محكمة الجنايات الدولية عن البدء في التحقيق في المقابر الجماعية التي تم العثور عليها في عدة مناطق، بعد مطالب حكومية ليبية واستنكار دولي واسع، لكنّ الجانب الإنساني فيها ما زال مغيبًا.
وعُثر في مدينة ترهونة وحدها، جنوب شرقي طرابلس، وحدها، على 11 مقبرة جماعية تضمّ رفات عشرات القتلى، بعضهم مدنيون، بحسب بيان لوزارة الخارجية في حكومة الوفاق في منتصف شهر أغسطس/أوت 2020.ونشرت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، وهي هيئة حكومية تابعة للوفاق الوطني، على حسابها بفيسبوك، صورًا لانتشال جثث قالت إنها كانت مدفونة في مقبرة جماعية في أحد المزارع. وأكدت الهيئة انتشال عشر جثث رغم اكتشاف “العبث” بها، متابعة أنها “تُقدّر حرقة الناس على أبنائهم المفقودين، لكن عليهم مساعدة المختصين، بدل محاولة استخراج الجثث بنفسهم”.
تحدثت عدة وسائل إعلام مقرّبة من حكومة الوفاق عن أن غالبية القتلى هم من أهالي المدينة. وألقت هذه المصادر باللوم على ميليشيا الكاني أو الكانيات، وهي ميليشيا موالية لخليفة حفتر، قُتل عدد من قادتها قبل أسابيع في العمليات العسكرية. وقد اشتهرت هذه الميليشيا عام 2017 بأعمال قتل واسعة المدينة، وكانت على صلة في بداياتها مع حكومة الوفاق، إلّا أن علاقة الطرفين ساءت قبل إعلان خليفة حفتر حملته للسيطرة على طرابلس.
5. حرية الصحافة في ليبيا:
حسب آخر إحصائية، لمنظمة مرسلون بلا حدود لهذا العام، جاءت ليبيا في المرتبة 162 في المؤشر العالمي لحرية الصحافة، وأوضحت المنظمة، أن تراجع ترتيب ليبيا، سببه حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، وما صاحبه من نزاعات مسلحة وحروب، انعكست سلبًا على حياة الصحفيين، وأدت إلى مقتل عدد منهم، إضافة إلى اعتقالهم بشكل تعسفي.
ولم تبارح مكانها المتدني في هذا المؤشر العالمي، على مدى السنوات الماضية، فقد حلت في المرتبة ال 164 عام 2019، وفي المرتبة ال162 في عام 2018، ويعمل المؤشر على قياس حالة حرية الصحافة في 180 بلدًا على مستوى العالم.
6. الإختفاء القسري:
بعد عام على اختفاء المحامية والناشطة سهام سرقيوة، لا يزال مصيرها مجهولًا. بتاريخ 17 يوليو/جويلية 2020، أصدرت بعثة الأمم المتحدة بيانًا بهذا الخصوص.
هذا وقد شهدت فترة الرصد، وخلال الأزمة الصحية في البلاد، اختفاء طبيب في بنغازي انتقد تعامل السلطات مع الوباء. فُقد الاتصال بالدكتور محمد عجرم طبيب العيون ببنغازي، في 30 مارس 2020، بعد انتقاده على قناة الحدث الموالية للجنرال خليفة حفتر لسلطات المنطقة الشرقية على سوء إدارتها وتناولها لأزمة كورونا. وتساؤل الدكتور عن الميزانية التي رصدت لوزارة الصحة والبالغ قدرها 300 مليون دينار، في حين لم توفر أبسط المستلزمات بما فيها شريط سحب عينات التحليل، والذي يمكن توفيره بمبلغ زهيد.
غير أنه بعد المداخلة، نشر على حسابه بفيسبوك “خالق الرأس قاطعه!! لِنَقُل كلمة الحق، ولا نخشى في الله لومة لائم”، ليتبعها بأخرى, كشف فيها أنه تعرض للاستجواب، وأُبلغ بأنه تم استدعائه من قبل ما يسمي “برئيس أركان” ميليشيات حفتر، عبد الرزاق الناظوري، قبل أن ينقطع الاتصال به نهائيًا، بحسب مقربين.
هذا ويؤكد تقرير الصليب الأحمر أن ليبيا تتصدر القائمة السوداء عالميًا لحالات الاختفاء القسري، حيث أوضحت اللجنة، في تقرير لها بمناسبة اليوم العالمي للاختفاء القسري، أن “الصراع والهجرة عاملان أساسيان يقفان وراء عدد حالات الاختفاء في ليبيا، وأن عدد المختفين في ليبيا بلغ أكثر من :
هذا ويتواصل النزاع في المؤسسات المشرفة على الإعلام بعد الجدل حول تعيين السراج ل”محمد بعيو” على رأس الهيئة الليبية للإعلام. وذلك طبقًا للقرار رقم (597) لرئاسة حكومة الوفاق الوطني تم إنشاء المؤسسة الليبية الإعلام والتي تكون لها الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة والتابعة لمجلس وزراء الوفاق ويكون المقر الرئيسي لها في طرابلس.
ومنح القرار للمؤسسة تنفيذ الخطط والسياسة العامة للدولة في مجال الإعلام ولها على الأخص ما يلي:
- اقتراح وتنفيذ خطط وبرامج ومشروعات التنمية والتطوير الخاصة بالمؤسسة والجهات التابعة لها وميزانيتها في اقتراح مشروعات القوانين واللوائح والأنظمة المتعلقة بالعمل الإعلامي الوطني ووضع وتطبيق المعايير والضوابط المنظمة للعمل الإعلامي بجميع وجوهه واتخاذ كل ما يلزم للرفع من مستوى كفاءته وأدائه والمساهمة في تأمين المناعة الوطنية وتحصين الدولة والمجتمع.
- إصدار التراخيص والأذونات اللازمة لمزاولة العمل الإعلامي، وتنظيم منح الترددات الإذاعية الأرضية والفضائية ووضع الضوابط الكفيلة بمنع السرقة والتعدي على الحقوق الأدبية، واقتراح لوائح وأسعار الإنتاج الإعلامي لاعتمادها من مجلس الوزراء.
- تنفيذ السياسات المتعلقة بالاستثمار الاقتصادي في المجالات الاعلامية وتنظيم الشراكة والتعاون مع القطاع الإعلامي الخاص.
لاحقا جاء قرار رئاسة حكومة الوفاق بتعيين بعيو ليكشف عن هشاشة آليات اتخاذ القرار ومؤسساتها. فقد رفضت عدة جهات متنفذة، خاصة منها ثوار طرابلس، على خلفية خلافات حول الاعتمادات المالية في وزارة الإعلام وتقاسم النفوذ بين الجماعات المسلحة والموالين لها.
7. التضييق على المجتمع المدني:
لا يزال الإطار القانوني المنظم للعمل الجمعياتي والمجتمع المدني الليبي منقوصًا. وقد تعهدت ليبيا في الاستعراض الدوري الشامل لوضعية حقوق الإنسان لسنة 2015 بجملة من الإصلاحات تتعلق أساسًا بتغيير المنظومة القانونية الموروثة من عهد القذافي. لكن واقع الحال أكد فشلًا تاما في هذا المسار وصولًا الى الاستعراض الدوري لسنة 2020 المزمع إجراءه خلال شهر نوفمبر.
أحد القوانين المعمول بها منذ ما قبل الثورة في ليبيا، هو القانون رقم 19 بشأن إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية الصادر عام 2001 ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار أمانة مؤتمر الشعب العام رقم 73 لسنة 2002 وملحقاته. كما أصدرت مفوضية المجتمع المدني الليبية لوائح خاصة بمنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية. وهي النصوص المعمول بها حاليًا، والتي أدت إلى التضييق على حرية تكوين الجمعيات.
وجاء قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني رقم (286) لسنة 2019 والصادر بتاريخ 7/3/2019 بشأن اعتماد اللائحة التنظيمية لعمل مفوضية المجتمع المدني، ليزيد من حجم التضييق على العمل المدني.
يمكن ملاحظة أن عمل المفوضية يركز على ربط المجتمع المدني بفروعه وصولًا إلى المركز. وقد أشار منشور المفوضية إلى هذا الجانب، حيث يتوجب على كل الجمعيات التعامل مع المكاتب الفرعية والإبلاغ عن جميع نشاطاتها.
يعكس هذا التعميم قواعد اللوائح المستعملة، التي تنص على شرط الإعلام المسبق للمفوضية للحصول على الترخيص للانطلاق في العمل، كما يتوجب عليها الحصول على إذن مسبق لفتح حساب بنكي. كما تتمتع المفوضية بصلاحية تجميد حساب الجمعية. وهي المخولة بحل الجمعية بناء على تقدير المفوضية وحدها.
بالإضافة إلى تركيز منظومة الترخيص المسبق في إجراءات تكوين الجمعيات، لا تنص اللوائح على دور السلطة القضائية في الرقابة على عمل المفوضية. تعتبر المفوضية اليوم بيروقراطية ذات صلاحيات واسعة قادرة على تعطيل المبادرة المواطنية للانخراط في العمل المدني، بسبب طول الإجراءات وعدم وضع آجال معقولة لردودها. وهي تعكس تخوفا من نشاط المجتمع المدني خاصة في ظل الانقسام المؤسساتي والصراع السياسي الليبي.
اشترط قرار المفوضية المذكور أعلاه، الحصول على ترخيص مسبق لطلب التمويلات، بالإضافة الى وضعه مهلة للمنظمات الدولية لتقديم تقاريرها المالية، أو أنها ستواجه الحل والمنع من العمل.
التوصيات
- ضرورة التسريع بالإصلاح الهيكلي في مؤسسات الدولة وتوحيدها خاصة مؤسسات وزارات الدفاع والداخلية، وتحديد المسؤولية الوظيفية والسلم التراتبي الكفيل بتحديد مصدر القرارات ومنفذيها، لتجنب تدخل التنظيمات والمسلحة وشبه العسكرية، التي يجب أن تُحل.
- ضرورة إنهاء تواجد السلاح خارج إطار الدولة باعتباره سببًا رئيسيًا في تعطيل المصالحة الوطنية ووقوفه وراء الجريمة المنظمة وتهريب البشر والإتجار بهم.
- التسريع في العملية السياسية للوصول إلى انتخابات وحكومة وطنية موحدة جديدة، تضمن وحدة ليبيا دولة وشعبًا.
- إجراء مصالحات شاملة بين القبائل الليبية لإنهاء حالات القتل بهدف الانتقام تحت مسميات “أولياء الدم”. والعمل على تبادل جثث القتلى والأسرى.
- إطلاق حرب فعلية على الفساد في المؤسسات الرسمية وشبكات النفوذ المالي والمسلح خاصة في وزارة الإعلام والصحة، وهي من المؤسسات الرئيسية في إدارة الأزمة السياسية والصحية في البلاد.
- تعزيز السلطة المحلية باعتبارها الأقدر على إدارة الأزمة الصحية بالقرب من المواطنين ومعاينة احتياجاتهم المباشرة.
- إصلاح المنظومة القضائية والتوقف عن ممارسات الضغط والقتل في حق العاملين في القطاع القضائي، وإنهاء سيطرة السلطة التنفيذية على النيابة العامة.
- لعل جزء مهما من الإصلاح التشريعي ينتظر وضع دستور ليبي جديد، لكن السلطات القائمة يجب عليها احترام المعاهدات الدولية ومراجعة المنظومة القانونية القائمة.
- غلق مراكز الاحتجاز وإطلاق سراح المحتجزين ووضع إطار قانوني واضح ومتكامل يحترم قواعد ومبادئ حقوق الإنسان.
- تحديد السلطات المسؤولة مباشرة في التعامل مع ملف المهاجرين بدل تعدد المتدخلين في هذا المجال.
- الإنهاء مع حالات الاختفاء القسري وكشف مصير المختفين إلى اليوم,
- ضرورة دعم توثيق حالات الاختفاء القسري السابقة وكشف المسؤولين عنها وجلبهم الى العدالة.
- العمل على وقف محاولات السيطرة على الإعلام والرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي.
- ضمان استقلالية المؤسسة الليبية للإعلام وإخراجها من تحت إشراف السلطة التنفيذية.
- إصلاح قطاع الإعلام ودعم المؤسسات الإعلامية الناشئة والمستقلة مع دعم الإعلام المحلي في منطق الداخل والجنوب الليبي.
- الكشف عن جرائم المقابر الجماعية ومحاسبة المسؤولين عنها وإخراجها من التداول السياسي عليها واستغلالها كورقات ضغط على الأطراف الليبية في المفوضات.
- ضمان حق التظاهر وردع الجماعات المسلحة وشبه العسكرية عن الاعتداء على المتظاهرين، ومحاسبة المسؤولين عن الاعتداءات التي عقبت مظاهرات شهري أغسطس/أوت وسبتمبر 2020.
- على السلطات في ليبيا الإسراع في إصلاح المنظومة القانونية الخاصة بحرية تكوين الجمعيات، وإلغاء الإجراءات المضيقة على منظمات المجتمع المدني منقبل مفوضية المجتمع المدني سواء في الشرق أو الغرب، فعلى السلطات في ليبيا تجاوز منظومة الترخيص المسبق كشرط للعمل الجمعياتي في مختلف أشكاله، نحو تعزيز حرية المبادرة والنشاط المدني مع تعزيز صلاحيات القضاء في هذا المستوى، ليصبح السلطة المخولة بالرقابة على عمل المجتمع المدني بما فيها اعمال المفوضية ذات نفسها واخراجها من عباءة السلطة التنفيذية التابعة لها سواء في الشرق أو الغرب.