إصداراتالدولتقاريرتونس

السياسات والتشريعات المتعلقة بالإنتقال الديمقراطي وحقوق الإنسان في تونس

I) تطور السياسات والتشريعات المتعلقة بالإنتقال الديمقراطي

رغم الإطار الدستوري الموجود للنظام السياسي إلا أن عناصر جديدة طرحت نفسها بإزاء مؤسسات سابقة كمجلس الأمن القومي ومدى صلاحيات رئاسة مجلس النواب واستقلاليته، ودورها في التأثير على الحياة السياسية والإنتقال الديمقراطي ككل.

كما تلعب الحياة السياسية، من حيث التنظيمات وقيمها وخطابها، دورها في التأثير على مجريات الإنتقال. تساهم هذه العناصر في تركيز قيم الديمقراطية أو تحورها، يما يجعل من أثارها أبعد من مصالحها الضيقة. وعلى مستوى متصل، كشفت الأزمة الصحية عن أن الفساد يتجاوز كونه منظومة تخرق القانون نحو ضرب قيم المواطنة والثقة ويُفسد تأسيس أخلاق المسؤولية وقيم التضامن ويضرب الوعي المواطني، إزاء الشأن العام، وخاصة إزاء الأزمات التي تهدد المجتمع والدولة.

1. الإطار الهيكلي والتشريعي : 

تواصلت خلال فترة الرصد نفس الأسئلة عن مسار تشكيل المؤسسات الدستورية، إلا أن سؤال الإستقلالية بالنسبة لمجلس نواب الشعب طُرح بأكثر شدة نظرا لازدياد اختراقه، في إجراءاته وهياكله، من قوى النفوذ الحزبي والصراع المصلحي، دون أن ننسى الخطابات الشعبوية التي تستهلك قيم الديمقراطية وتنتج عكسها. في الأثناء، برزت مؤسسات أخرى في ظل عدم وضوح الأطر القانونية-ما دون دستورية…وهو ما يأتي بيانه في الأقسام التالية، قبل استعراض الحور الخاص بالسياسية والإجتماعية وتشابكها مع جملة السياسات الأخرى…

أ‌) السلطات الثلاث والتوازن بينها : 

  • السلطة التشريعية:

لا تزال الإستقلالية المالية والإدارية لمجلس نواب الشعب تطرح إشكالا جديا لجهة الصراع بين السلط الثلاث ورؤسائها. بموازاة هذا المعطى عرف المشهد البرلماني مشاهد غير لائقة بمهمة الوظيفة التشريعية باعتبارها عنوانا للمصلحة العامة وآلية ترجمة للإرادة الشعبية. وقد عكست مواقع التواصل الاجتماعي هذا الأمر، حيث تبدأ المشادات الكلامية والسب والشتم في أروقة المجلس وجلساته وتتواصل في الفضاء الإفتراضي.

لا تلعب المؤسسة التشريعية دورا في هيكلة الحوار العام وتوجيهه، وإنما أصبحت منصة للخطابات المؤدلجة دون برامج، ومسرحا لتصفية الحسابات السياسوية دون سياسة حكم وإدارة للشأن العام. الأمر الذي جعل أجندته البرلمانية تتحرك وتتوقف تبعا لحساسيات التوازن المصلحي الحزبي وتبعا لعلاقات التصادم بين السلط الثلاث.

الصراع السياسي يُلقي بظله على تعديل النظام الداخلي

يُشار إلى أنه تم إيداع مقترح قانون أساسي عدد 2020/025 يتعلق بالاستقلالية الإدارية والمالية لمجلس نواب الشعب وبضبط قواعد سير عمله، لكنه لم يتجاوز مراحله الأولى في العملية التشريعية، ليتوقف عند مرحلة الإيداع إلى حدود نهاية فترة الرصد، خلافا للنقاش والعمل على تعديل النظام الداخلي. بسبب التوتر الشديد خلال الفترة النيابية الأولى، عملت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية على تعديل النظام قبل نهاية شهر جويلية، آخر شهر قبل العطلة البرلمانية.

وبتاريخ 20 جويلية 2020 أفاد رئيس لجنة النظام الداخلي هيثم ابراهم بأن السعي أساسا هو نحو تعديل كل فصول النظام. وهو ما يُعتبر تسرعا لجهة ضيق الوقت خاصة أن العمل عليه مر وجاء عقب أزمة الواء الصحي التي شغلت الرأي العام والمجتمع المدني والدولة في تونس. يمكن القول أن مشاريع الإصلاح، وهنا مشروع استقلالية السلطة التشريعية، ينطلق بطريقة غير صحيحة، تحت وقع الصراع السياسي وضروراته. وهو ما يمكن أن يؤثر عليه لاحقا.

تعتبر إعادة هيكلة مجلس نواب الشعب مهمة تتجاوز فكرة إصلاح المؤسسة بسبب التعطل الذي تشهده في ظل الخلافات السياسية، بل هي مهمة ترتبط برهان تكريس سلطة تشريعية مستقلة قادرة على ترجمة إرادة الناخب والشعب وبلورة تصور للإرادة والمصلحة العامة في نصوص قانونية.

رسم بياني: هيكلية مجلس نواب الشعب وفقا للنظام الداخلي الجاري به العمل حاليًا:

 

وهنا جملة من التعديلات التي تم الإشتغال عليها قبل العطلة البرلمانية:

إلى حدو آواخر شهر جويلية/يوليو أنهت اللجنة جملة من التنقيحات على عدة فصول:

صادقت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية، في جلسة يوم الأربعاء 8 جويلية/يوليو 2020 على الفصل 47 من النظام الداخلي الذي ينصّ على إعادة تشكيل مكاتب اللجان ومكتب المجلس باستثناء رئيس البرلمان ونائبيه مع بداية كل دورة نيابية. وتمت أيضًا إعادة التصويت على الفصل 13 من النظام الداخلي ليكون متطابقا مع التعديلات التي عرفها الفصل 47.

يُذكر أنه تم التخلي عن تعديل الفصل المذكور في اتجاه انتخاب رئيس المجلس ونائبيه كل دورة برلمانية رغم تنقيح لجنة النظام الداخلي له في وقت سابق. أثرت التوازنات السياسية في هذا التوجه بسبب الخلافات الدائمة داخل المجلس، حيث عرف خلال الدورة البرلمانية السابقة ومفتتح الدورة البرلمانية.

يتمّ تكوين اللّجان وفق قاعدة التمثيل النسبي بين الكتل. يسند لكل كتلة مقعد واحد باللجنة مقابل كل عشرة أعضاء بالكتلة. توزع المقاعد المتبقية على أساس أكبر البقايا.

لمكتب المجلس أن يقرر استثنائيا النزول بعدد الأعضاء دون إثنين وعشرين ويكون قراره هذا معللا وبأغلبية الثلثين من أعضائه في خصوص كل لجنة يقرر النزول بعدد أعضائها. ويراعى في هذه الحالة احترام مقتضيات الفقرتين الثانية والرابعة من هذا الفصل في حين تتعدل قاعدة الإسناد المقررة بالفقرة الثالثة تناسبا مع العدد الجديد لأعضاء اللجنة.

يُستثنى من مجال انطباق هذا الفصل لجنة مراقبة عمليات التصويت وإحصاء الأصوات موضوع الفصل 9 من هذا النظام الداخلي.

ويضبط مكتب المجلس بحضور رؤساء الكتل حصّةّ كلّ كتلة نيابية من مقاعد اللّجان.”

يتعلق الفصل المذكور بلجان مجلس نواب وعدد أعضاءها. والتوجه الحالي هو التقليص في عدد الأعضاء من 22 عضوا إلى 15 عضوا، مع الزيادة في عدد اللجان عبر تقسيم اختصاصاتها بين لجان مختلفة.

  • الفصل 66: النص الأصلي:”بعد انقضاء أجل تقديم الترشّحات، يعقد مكتب المجلس اجتماعا يدعو له رؤساء الكتل ويضبط خلاله قائمات الأعضاء المترشّحين لعضوية اللّجان في حدود الحصّة المضبوطة لكل كتلة ومع اعتبار ترشّحات الأعضاء غير المنتمين إلى أيّ كتلة.

في صورة جاوز عدد المترشحين من غير المنتمين إلى كتل عدد المقاعد المخصصة لهم يتولى مكتب المجلس تنظيم انتخابات بينهم. وإذا تساوت الأصوات بين المترشحين يرجّح الأصغر سنا فإن انتفى فارق السن يتم اللجوء إلى القرعة. يعقد المجلس جلسة عامّة للإعلان عن تركيبة اللجان. وتنشر بالموقع الإلكتروني للمجلس.”

يهدف تعديل هذا الفصل إلى وضع آجال مضبوطة للكتل البرلمانية لتعيين ممثليها في الجان، وفي حال تجاوز الآجال يتم إلزام الكتل بإتمام ملأ الشغورات.

  • الفصل 70: النص الأصلي:”يضبط مكتب المجلس حصّة كل كتلة نيابية من المسؤوليات في مكاتب اللّجان من نفس الصنف مع مراعاة قاعدة التمثيل النسبي، ويتم توزيعها على اللجان بالتّشاور مع رؤساء الكتل. وفي حالة الاختلاف يسند مكتب المجلس أولويّة الاختيار انطلاقا من الكتلة التي تضمّ العدد الأكبر من الأعضاء.

يروم التعديل المطروح امام اللجنة إلى اعتماد نظام الأدوار بين الكتل في اختيار رئاسة اللجان والعضوية في اللجان التي تود العمل صلبها. سابقا كانت الكتلة الأكبر تختار مرة واحدة ومنذ البداية اللجان ثم التي تليها.

  • الفصل 78: النص الأصلي:”يشرف رئيس اللجنة على أشغالها ويضبط جدول أعمالها بالتّشاور مع مكتبها ويترأّس جلساتها ويدعوها للاجتماع بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا بعد إعلام رئيس المجلس. وفي حالة غياب رئيس اللّجنة يحل محله نائبه وفي حالة غياب رئيس اللّجنة ونائبه يحل المقرّر محلّهما. وعند غياب المقرّر أو تولّيه رئاسة اللّجنة يحلّ محلّه أكبر المقرّرين المساعدين سنّا.”

يهدف التعديل الجديد إلى جعل اللجنة المعنية مخولة بضبط جدول أعمالها بدل رئيس اللجنة، كما هو الحال الآن.

  • الفصل 131: النص الأصلي: “يذكّر رئيس الجلسة بالنظام كل نائب يقوم بعرقلة النظام أو الإخلال به أو تناول الكلمة بدون إذن من رئيس الجلسة.

ويوجّه رئيس الجلسة تنبيها ضدّ كل نائب وقع تذكيره بالنظام مرتين في نفس الجلسة أو صدر منه شتم أو ثلب أو تهديد نحو عضو أو أكثر من أعضاء المجلس. ويتمّ سحب الكلمة منه وحرمانه من التدخل إلى آخر الجلسة وتسجيل التنبيه بمحضر الجلسة.

وفي صورة عدم امتثال النائب للإجراءت المتخذة في شأنه بشكل يؤدي إلى عرقلة عمل المجلس أو استخدم أيّ شكل من أشكال العنف المادّي أثناء جلسة عامة أو صدرت منه تصرفات مهينة للمجلس أو لرئيس الجلسة، يمكن لمكتب المجلس، باقتراح من رئيس الجلسة، حرمانه من أخذ الكلمة دون منعه من التصويت، على أن لا تتعدى مدة الحرمان ثلاث جلسات متتالية. ويتخذ المكتب قراره بأغلبية أعضائه.”

الإضافة: » أو خطاب تحريضي يدعو الى العنف والكراهية» للفقرة الثانية من الفصل، لتنص وفقا للتعديل على التالي: يوجّه رئيس الجلسة تنبيها ضدّ كل نائب وقع تذكيره بالنظام مرتين في نفس الجلسة أو صدر منه شتم أو ثلب أو تهديد أو خطاب تحريضي يدعو الى العنف والكراهية نحو عضو أو أكثر من أعضاء المجلس. ويتم سحب الكلمة منه وحرمانه من التدخل إلى آخر الجلسة وتسجيل التنبيه في محضر الجلسة.

المشهد البرلماني: الوظيفة التشريعية والوظيفة السياسية 

لعل لإعادة هيكلة مجلس نواب الشعب عبر تعديل النظام الداخلي أهميتها في درجة ما. لكن تعديل الهياكل والإجراءات ليس مهما في ذاته، لأن الوظيفة التشريعية على صلة بوظيفة سياسية ملازمة لها. تؤثر الأخيرة في الأولى، والعكس صحيح. لا تستقيم هذه الصلة إلا بنجاح كل منهما على أسس وشروط واضحة.

اتضح من العمل البرلماني ان العمل التشريعي مرهون بالحراك السياسي حيث تهيمن الوظيفة السياسية للنائب على دوره التشريعي. من البديهي ان تكون للسلطة التشريعية وظيفة سياسية من أهم ملامحها منح الثقة وسحبها من ممثلي السلطة التنفيذية ومراقبة أعمالهم بالإضافة إلى الوظيفة المالية عبر المصادقة على ميزانية الدولة.

مبدئيا، تتحرك وظائف السلطة التشريعية تحت سقف المصلحة العامة التي تجمع عنصري الشرعية والمشروعية. يرتبط رهان التوازن بين الوظائف المناطة بهذه السلطة بقدرة المُشرع على هيكلة وتأطير وتوجيه علاقات صحية بين السياسي والتشريعي. الأمر الذي يفترض ان النائب فيه لديه من القدرة على إدارة هذه العلاقات المتشابكة.

يمهد الإصلاح الهيكلي والإجرائي لتمكين النائب من قدرات الإطلاع على النصوص القانونية ومناقشتها داخل اللجان وفي الجلسة العامة. وهو ما يتطلب مثلا تمكين جميع النواب من النصوص القانونية التي ترد على اللجان حتى قبل التصويت، لتجنب حفلات الخطابة العامة بدل التوجه المباشر لجوهر النص. كما يقتضي ذلك أيضا توفر المجلس على مساعدين برلمانيين دائمين من أهل الإختصاص الذي يتيح للنائب فكرة ورؤية موسعة على العملية التشريعية ككل، تتجاوز مجرد نقاش نصوص القوانين.

يقدم العمل الرقابي للجنة الأمن والدفاع ولجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح (لجان خاصة) نموذجا مهما عن الدور الرقابي المتوقع لمجلس نواب الشعب. تتعلق المهام الرقابية بمجال حساس ودقيق ذو صلة مباشرة بالأمن الوطني. لكن الملاحظ أن أعضاء اللجان بعيدون غالبا عن هذا المجال ولا يمتلكون المعرفة الكافية به. بل تم السعي عبر العضوية داخل هذه اللجان للتأثير سياسيا في القيادات الأمنية والعسكرية.

يتلقى أعضاء لجنة الأمن والدفاع على سبيل المثال تدريبا لمدة أسبوع حول المجال العسكري والجيش في تونس، إلا انها تبقى غير كافية للتعامل مع مؤسسة مهمة في الدولة، في ظل غياب تصور كامل عنها علميا وتاريخيا. تحول الدور الرقابي بذلك الى مهمة مناسبتية حسب الأحداث، تنتهي بتقارير ترفع الى رئاسة البرلمان دون نتائج فعلية من الممكن ترجمتها قانونيا وإداريا.

على المستوى التشريعي، اتضح ان مهام اللجان القارة كبيرة ومشتتة بين عدة مجالات. الأمر الذي خلق جداول أعمال مكتظة. وهو ما دعا الى التفكير في توزيع الإختصاصات بين لجان أكثر. يبقى ذلك خيارا محدودا في نهاية الأمر لجهة ان العمل النيابي مقتصر على النائب نفسه دون وجود مساعدين قادرين على توفير معطيات كاملة حول مجالات مختلفة تتطلب اختصاصا معرفيا يتجاوز قدرات النائب.

بالإضافة إلى ما سبق تم استنزاف الوظيفة التشريعية للنواب لصالح الوظيفة السياسية. فقد شهد مجلس النواب أحداث صراع وخلاف مادي ومعنوي شغلت الرأي العام التونسي طويلا، وزادت من رفضه للطبقة السياسية ككل. كما مسّت من خزان ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.

اقتصرت الوظيفة السياسية على تصدير خطاب مشحون وعاطفي، مع أفعال وردود أفعال تصل حد السب والشتم والإهانات المتبادلة. ليس الخطاب السائد في مجلس نواب الشعب، وفي عموم الساحة السياسية، بعيدا عن الطابع الشعبوي. احتوت الخطابات السائدة على عناصر مشتركة،[1] بين نمط تعريف للذات/الآخر وعمليات تسمية وتصنيف بالإضافة إلى بعد سياسي متزامن.

تم استهلاك الوظيفية السياسية لجل النواب في خطابات تمييز بين من يُمثل الشعب ومن ضده، ضمن شكل من اشكال الوصاية غير المباشرة. لعل هذا المعطى من المواصفات المعهودة في الخطابات الشعبوية، إلا أن الخطير فيها، في الدورة البرلمانية الأولى، هو حجم المس من المؤسسات والإجراءات وتعطيلها بسبب الخلافات السياسية. يُبرر ذلك ضمن هذه الخطابات بالصلة المباشرة بين هذه الأحزاب والشعب، وهو مبرر يسمح لهم بتجاوز المؤسسات او العمل ضمنها دون الإيمان بها فعليا.

بينما تتصدر عبير موسي، أمينة الحزب الحر الدستوري التونسي، المشهد عبر التشكيك بالثورة وكل نتائجها، يبقى إئتلاف الكرامة بعيدا عن استيعاب قيم الدستور والديمقراطية التشاركية في معناها الشامل والمواطني، بدعوى الدفاع عن هوية “الشعب”.

يُركز كل من إئتلاف الكرامة والحزب الدستوري التونسي، على مصطلحات وصفات لوصم نفسه ووصم خصومه، في إطار تشكيل نسبة كل منهما للشعب التونسي.

أدى المشهد البرلماني في جانبه السياسي/السياسوي إلى تأزيم التعاطي مع الشأن العام، رغم ان البرلمان نفسه من حيث كتله لم يشهد تحولات كبيرة في الدورة البرلمانية الأولى. وهو ما يُفسر التأكيد المذكور أعلاه على أن الإصلاح الهيكلي وتعديل النظام الداخلي ليس هدفا في ذاته ولا كافيا لإصلاح وضعية السلطة التشريعية.

توزيع الكتل والإستقالات خلال الدورة البرلمانية الأولى:

رغم الاستقرار النسبي في توزع الكتل خلال فترة الرصد إلا أنه كمعطى لا يعكس توترات المجلس كما كان عليه سابقا. تحول المشهد البرلماني الى صراع حدي بين توجهات بعينها، على رأسها حزب حركة النهضة الإسلامية والحزب الحر الدستوري التونسي. استعاد المشهد بذلك خطابات مستهلكة لكنها قادرة على تحريك الرأي العام التونسي والشارع. وقد أدت الى زيادة حدة الإنقسام والتجاذب على أسس مؤدلجة رغم أنها في ظاهرها تخرج في خطابات تدور مدار العمل البرلماني.

قبل انطلاق الدورة البرلمانية الثانية مع بداية شهر أكتوبر وخلال العطلة البرلمانية )1 أوت إلى 30 سبتمبر 2020(، تأكدت الأنباء عن حل كتلة المستقبل. وهي كتلة تقنية تجمع متحزبين ومستقلين شهدت عددا من الإستقالات نزل بعددها عن الحد الأدنى المشروط في الفصل 34 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب. )7 أعضاء أو أكثر( وتبعا لذلك تغيرت الكتل وعدد أعضاءها في الدورة البرلمانية الثانية.

 

  •  السلطة التنفيذية:

: في ظل النظام السياسي الحالي وازدواجية السلطة التنفيذية، تحولت التوازنات السياسية حسب محاولات كل طرف لضمان تموقعه في المشهد التونسي مستغلًا صلاحياته والمؤسسات التي تتبعه. كذلك سعى كل طرف إلى الربط مع بقية عناصر الساحة السياسية من أحزاب ومنظمات وطنية، معولًا أيضًا على خطاب سياسي يجذب جزء من الرأي العام الوطني.

  • رئاسة الجمهورية: “قوة الضعيف”

سمح المشهد السياسي للرئيس بالذهاب في صلاحياته إلى أقصاها، في مواجهة، هي أقرب للصراع والتصادم منها إلى التوازن، مع بقية السلطات ومع الرأس الثاني للسلطة التنفيذية. كما ان الخطاب الصادر عنها فتح أبوابًا لجدل ونقاش حول إدارة الشأن العام. وكانت مؤسسة مجلس الأمن القومي إحدى منصات الرئيس التونسي من أجل ممارسة صلاحياته. وقد قدر العديد جزء من عمل الرئيس وخطابه تدخلًا في عمل بقية السلطات.

  • • مجلس الأمن القومي:
  • الإطار القانوني: الأمر الحكومي عدد 70 لسنة 2017 المؤرخ في 19 يناير/جانفي 2017. وقرار رئيس الجمهورية رئيس مجلس الأمن القومي المؤرخ في 30 أكتوبر 2017 يتعلق بتشكيل لجان قارة بمجلس الأمنالقومي . 
  • ترتبط صلاحيات المجلس بالسهر على حماية المصالح الحيوية للدولة في إطار تصور استراتيجي يهدف إلى صون سيادة الدولة واستقلالها وضمان وحدة ترابها وسلامة شعبها وحماية ثرواتها الطبيعية. وبناء على القرار الجمهوري المذكور يتكون المجلس من عدد من اللجان يرأسها الوزراء المؤولين عن المشمولات التي تغطيها صلاحيات المجلس. بالإضافة إلى الأمن والدفاع والدبلوماسية تتواجد مجالات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية والتكوين المهني والتشغيل وغيرها… لعله من الممكن الاستناد إلى الغطاء الواسع للفصل الأول من قانون المجلس الذي يحدد صلاحياته، وأيضًا إلى مفهوم الأمن القومي/الوطني متعدد الجوانب والمختلف في تعريفه، لتبرير التركيبة الموسعة للمجلس. وهو ما يحصل واقعًا حيث تحضر جميع الوزارات بالإضافة إلى رئيس الحكومة..

تواترت اجتماعات المجلس خلال فترة الحجر الصحي الشامل، لكنها أصبحت أقل خلال فترة الرصد. وقد مثلت اجتماعات المجلس مناسبة لخطابات رئيس الجمهورية المحملة برسائل سياسية موجهة إلى جميع الأطراف. وهي لم تستثني رئاسات السلط الأخرى. كما مثل غياب رئيس مجلس نواب الشعب عن اجتماع 17 أبريل/أفريل 2020 مناسبة لتأويل ذلك سياسيًا، خاصة أن الخلاف السياسي في حينها كان على أشُده.

يبقى المطروح في ظل غياب المحكمة الدستورية، وبناء على التركيبة الموسعة وعمومية الإطار القانوني ومفاهيمه خاصة منه مفهوم الأمن القومي، هو كيفية تحديد مجالات تدخل المجلس وآليات ذلك. وظل تقدير ذلك يبقى من صلاحيات رئيس الجمهورية نفسه. وقد طرحت نفس هذه المسألة نفسها في عهد الرئيس السابق الباجي قايد السبسي حيث اتُهم بإنشاء حكومة ثانية عبر مؤسسة مجلس الأمن القومي.

  •   رئاسة الحكومة : 

طُرحت خلال هذه الفترة إشكالية التفويض لرئاسة الحكومة من قبل مجلس نواب الشعب. وهي فرضية أتاحها الدستور كوسيلة من وسائل التعاطي مع الظروف الاستثنائية التي تتسبب في تعطل السير العادي للمؤسسات.

مع بداية الشهر الثاني لعمل حكومة إلياس الفخفاخ واجهت الأخيرة أزمة انتشار فيروس كوفيد 19. وقد طرحت جديًا مسألة التفويض لها من قبل مجلس نواب الشعب لتمكينها عمليًا من العمل بأكثر نجاعة. وباعتبار أن كل أداة قانونية-دستورية تطرح بعدًا سياسيًا متنازعًا عليه، بالرغم من حساسية الوضع الصحي في البلاد وتداعياته على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، أثار طلب رئيس الحكومة بالتفويض جدلًا لجهة تخوف الأحزاب من توسيع صلاحيات رئاسة الحكومة. وبالرغم من ان الدستور ينص على تقييد التفويض من حيث المدة وصلاحيات المفوض له، توجست أحزاب منظومة الحكم من استغلال الفخفاخ للمراسيم للتضييق على البرلمان وإعادة بناء مشهد سياسي جديد، خاصة أنه كشخصية أثارت الجدل عند توليها رئاسة الحكومة بتسمية من رئيس الجمهورية وقد صدرت تصريحات عديدة بهذا الخصوص خاصة من قيادات وأنصار حركة النهضة وائتلاف الكرامة. وقد عمل كلاهما على تقليص الصلاحيات ومدة التفويض. وهو الأمر الذي دعا رئيس الحكومة إلى التفكير في سحب مشروع القانون. صلب لجنة النظام الداخلي. أثرت الأزمة السياسية بين رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، وورائها حزب حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس، على التعاطي مع التفويض الذي اعتبر العديدون أنه قد تأخر فعليًا كاستجابة لضرورة الطارئ الصحي.

 

  • الإطار القانوني للتفويض: الفصل 70 من الدستور التونسي.
  • قانون عدد 19 لسنة 2020 مؤرخ في 12 أبريل/أفريل 2020 يتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19)

تمت المصادقة على مشروع قانون التفويض يوم 4 أبريل/أفريل 2020، وتم ختمه ونشره في الرائد الرسمي التونسي يوم 12 أفريل.

 

ب‌) السلطة المحلية: 

لا يزال مسار تركيز السلطة المحلية في تونس متأخرًا. كما يعرف عدة معوقات تظهر على المستوى العملي. وقد وفرت رئاسة الحكومة بعض الأرقام والإحصائيات التي توضح نسبيًا وضعية السلطة المحلية.

تؤكد الأرقام أن السلطة المحلية يمكن أن تساهم بصورة كبيرة في تقريب المؤسسات العمومية للمواطنين إلا أن واقع الحال يؤكد تواصل معوقات عدة لا يتم العمل على تجاوزها بصورة جدية وكافية، رغم صدور بعض الأوامر الحكومية التي يمكن ان تساهم إيجابيًا، حيث صدر بآخر عدد للرائد الرسمي المؤرخ في 19 مايو/ماي 2020، أمر حكومي عدد 315 يتعلق بالحراك الوظيفي للأعوان العموميين لفائدة الجماعات المحلية. وينظم الأمر كيفية انتداب إطارات عليا لفائدة البلديات التي تعاني من نقص حاد في نسبة التأطير فيها وذلك حصرًا عن طريق آلية الوضع على الذمة، أو الالحاق، مقابل تقديم امتيازات وحوافز مادية مغرية للموظفين والاطارات العليا الراغبة في الالتحاق للعمل بالبلديات خاصة منها الجديدة أو تلك الواقعة في المناطق الداخلية.

أزمة العلاقة بين المركز والأطراف خلال الأزمة الصحية

 خلال فترة الوباء الصحي، اتضح وجود عدم وضوح وتنسيق كافيين بين السلطة المحلية والسلطة المركزية. وضح ذلك عقب منشور حكومي طالب رؤساء البلديات بالتنسيق مع الحكومة وإعلام السلطة المركزية مسبقًا بأية إجراء في هذا الاتجاه. كما أن رئيس الجمهورية دعا إلى احترام مركزية القرارات. لعل لملاحظته أسباب مباشرة تتعلق بالحياة السياسية، إلا أنها بعيدة عن الإطار القانوني للعلاقة بين المستويين. وهو ما يدعو الى ضرورة العمل عليه وإتمامه لتجنب إشكاليات من هذا القبيل، والتي تفتح ابوابًا للتأويل غير محبذة ومضرة بالمسار.

لعل للجائحة الصحية ضروراتها إلا أن مستوى تعامل السلطة المركزية مع السلطة المحلية لا يعكس حجمها وموقعها الدستوري والقانوني.

تواصل عدم الاستقرار في المجالس البلدية يؤثر على السلطة المحلية

أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يوم 20 يونيو/جوان 2020، أنّه قد تمّ المُصادقة على روزنامة الانتخابات البلديّة الجزئيّة لسنة 2020 وقبول الترشّحات في بلديّات كسرى والمرجى وقربة وفوسانة والساحلين معتمر وزاوية قنطشو الشبيكة.[1] وقد تكرر نفس المشهد خلال فترة الرصد السابقة، حيث لا تزال المجالس البلدية تتعطل بسبب الخلافات الحزبية والسياسية، بما يؤدي الى حلها وإعادة الانتخابات.

على مستوى ذو صلة بالحياة السياسية على المستوى المحلي، تبقى حركة النهضة الحزب الأكثر حضورًا على المستوى المحلي في منافسة مع القائمات المستقلة. وقد تمكنت دون غيرها من الأحزاب من تقديم قوائمها الانتخابية. وهو ما يطرح تحديًا أمام الأحزاب الأخرى لضمان التعددية على المستوى المحلي.

 

 ت‌) تركيز الهيئات والمؤسسات الدستورية والمستقلة:

يبقى تركيز الهيئات الدستورية معطلًا بسبب التجاذبات السياسية في تونس. لم يتمكن مجلس النواب من انتخاب أي هيئة دستورية من الهيئات الخمس المنصوص عليها في الدستور، على الرغم من استكمال المصادقة على قوانينها المنظمة منذ الدورة البرلمانية الماضية.

• الهيئة العليا للانتخابات

 • هيئة التنمية المستدامة والأجيال القادمة

 • هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد 

• هيئة الاتصال السمعي البصري 

لا يختلف حال الهيئات المستقلة الأخرى عن غيرها من الهيئات الدستورية كهيئة النفاذ للمعلومة وهيئة الوقاية من التعذيب. فهي بدورها تنتظر تجديد تركيبتها. فيما لا تزال المحكمة الدستورية رهينة جدال طويل، أدى إلى الفشل في اختيار أعضاء المحكمة. فاختارت أحزاب منظومة الحكم والموالية لها التسريع في النظر في تعديلات قانون المحكمة الدستورية. وكان المبرر هو استعادة المبادرة من يد رئاسة الجمهورية. وقد أُجلت المعركة الى الدورة البرلمانية الثانية.

• هيئة مكافحة الفساد 

أحالت الهيئة في وقت سابق الى القطب القضائي والمالي ملفًا تعلق بشبهات تضارب مصالح مرتبطة برئيس الحكومة ألياس الفخفاخ. وقد أدت إلى زيادة الضغط السياسي على رئيس الحكومة في إطار الخلاف حول إقالته التي سعت حركة النهضة الى التسريع فيها، بعد إيداعها لائحة بسحب الثقة منه. في الأثناء، قدم رئيس الحكومة استقالته لتجنب اللائحة ولإبقاء مبادرة تسمية رئيس الحكومة في يد رئيس الجمهورية. إلا أنه حرص على “تصفية سياسية” لمن يُعتبرون خصومًا له، بدء بوزراء حركة النهضة وصولًا إلى رئيس الهيئة شوقي الطبيب. بحلول 24 أغسطس/أوت 2020، قرر رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ إقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد. أخذ صدى الاستقالة بعدًا سلبيًا لدى الهيئات العمومية المستقلةومنظمات المجتمع المدني. وبعيدًا عن الأسس القانونية لإقالة رئيس هيئة مستقلة من رئيس السلطة التنفيذية، أثارت الإقالة جدلًا لجهة ارتباطها بالصراع السياسي بين رئيس الحكومة والأحزاب السياسية.

وقد رفض شوقي الطبيب بقبول الإقالة وتوجه إلى القضاء الإداري وتوجه بمراسلتين لرئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان باعتبار الأول هو الضامن لمؤسسات الدولة والثاني للدور الرقابي على الحكومة والهيئات العمومية المستقلة، وقد قام السيد رئيس الجمهورية قيس سعيد بتسمية عماد بوخريص رئيسًا للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وذلك يوم 2 سبتمبر 2020 وهو نفس اليوم الذي قام فيه ألياس الفخفاخ بتنفيذ قرار استقالته، كل هذه المعطيات أدت إلى إعلان الطبيب عن التراجع عن رفض تنفيذ القرار وقد أصدر بلاغ للرأي العام في ذلك. وانتهى الأمر برفض المحكمة الإدارية للعريضة المقدمة من قبله بتاريخ 9 سبتمبر 2020.

أدّى السيد عماد بوخريص رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مساء اليوم الأربعاء 02 سبتمبر 2020 اليمين أمام رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال موكب أقيم بقصر قرطاج. 

 

مسار العدالة الانتقالية:

أدى تشابك المسار السياسي مع مسار العدالة الانتقالية إلى تعطل الأخير، لكن بنشر التقرير في الرائد الرسمي طبقًا للفصل 70 من القانون عدد 53 لسنة 2013، والمتعلق بإرساء منظومة العدالة الانتقالية وتنظيمها؛ يصبح ملزمًا للحكومة لتنفيذ التوصيات الواردة به، وإعداد خطط وبرامج عمل لتنفيذ التوصيات والمقترحات المقدّمة فيه.

في انتظار نشر قائمتي شهداء وجرحى الثورة في الرائد الرسمي بدورها وفتح صندوق التعويضات والانطلاق في جبر أضرار الضحايا، يبقى مسار المحاسبة متوقفًا بالنظر إلى أن عمل الدوائر المتخصصة بطيء بدوره، بل أثار جدلًا بسبب شبهة إفراغ دوائره من القضاة بعد الحركة القضائية لسنة 2020.

 

أشارت حركة لا رجوع إلى حصول تأخير في الجلسات إثر الحركة القضائية. ومنها تأخير جميع جلسات العدالة الانتقالية المقررة يوم 24 سبتمبر 2020 بالمحكمة الابتدائية بصفاقس إلى يوم 03 ديسمبر 2020 وذلك للتغيير الحاصل صلب الهيئة القضائية. وهو التأخير الثالث لقضايا العدالة الانتقالية منذ انتهاء العطلة القضائية بعد تأخير جلسات الدائرة الجنائية المختصة بتونس الاثنين 21 سبتمبر ويوم الخميس 24 سبتمبر 2020.

يُذكر أنه توجد 13 دائرة بكلّ من المحاكم الابتدائية في تونس، وسوسة وصفاقس، وقابس والقصرين، وسيدي بوزيد، وبنزرت، والكاف، وقفصة، والقيروان، ومدنين، والمنستير ونابل.

نظرت خلال فترة الرصد الدائرة القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس، الخميس 8 جويلية/يوليو 2020، في عدد من قضايا شهداء الثورة في العاصمة وهم الشهيد أنيس الفرحاني في أحداث الثورة بلافيات، والشهداء عبد الباسط الخضراوي وأيمن العقيلي ومحمد الحنشي في أحداث الثورة بالقصبة.

 

وهي من بين عدد محدود من القضايا المنشورة أمام القضاء. ويمكن عرض الأرقام حول العمل الذي ينظر هذه الدوائر:

 د) أزمة الإنتقال الثاني : 

تواصلت أعراض أزمة الانتقال الثاني بالظهور مع الجدل حول سحب الثقة من حكومة إلياس الفخفاخ ومفاوضات تشكيل حكومة وزير الداخلية السابق هشام المشيشي. تم التعرض هنا للعمل الحكومي ومفاوضات تشكيل الحكومات باعتبار أن النظام السياسي يُعطي أهم الصلاحيات لرئاسة الحكومة. أما القسم الثاني من أزمة الانتقال الثاني فيتعلق بمحور خاص حول السياسة الاجتماعية بين أزمة الكوفيد وما بعدها.

• سحب الثقة من رئيس الحكومة وتقديم إلياس الفخفاخ لاستقالته: 

وقد أثبتت تلك الأزمة عن استغلال رئاسات السلطات الثلاث الدستور والقانون في العملية السياسية من خلال تطويعهما وتأويلهما لخدمة مبادراتهم السياسية في ظل غياب المحكمة الدستورية والتي دائمًا ما تظهر الحاجة إلى وجودها خاصة عندما تواجه الجمهورية الثانية مفاجئات غير متوقعة مثل وفاة رئيس الجمهورية السابق الباجي قائد السبسي أو احتدام الأزمات السياسية الي تمس بالهيئات المستقلة كما حدث مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والياس الفخفاخ، وهيئة الحقيقة والكرامة ويوسف الشاهد.

قدم إلياس الفخفاخ بعد خمسة أشهر من العمل استقالته الى رئيس الجمهورية يوم 15 يوليو/جويلية 2020. وفي الاثناء، وفيما اعتبر مناورة سياسية من حزب حركة النهضة، قدمت الأخيرة لائحة بسحب الثقة من رئيس الحكومة المذكور. يعتبر هذا المعطى محاولة للاستفادة سياسيًا من خيارات يُتيحها الدستور في ظل غياب المحكمة الدستورية. بناء على قراءة رئيس الجمهورية قيس سعيد أصبحت اللائحة التي قدمتها حركة النهضة لاغية بمجرد تقديم الحكومة لاستقالتها حيث لا يمكن سحب الثقة من حكومة غير موجودة.

مثل تسريع الفخفاخ بتقديم استقالته فرصة لإعادة المبادرة بيد رئيس الجمهورية، حتى يقترح اسمًا جديدًا. فيما عملت كتل أخرى كانت ضمن الائتلاف الحاكم عن مواصلة سعيها لسحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب.

مسار زمني لبعض تفاصيل التجاذب السياسي : 

من الجلي وجود صراع بين أجنحة السلطة في تونس، إلا أن تفاصيله غير مكشوفة بالجملة خاصة فيما يتعلق بتصريحات رئاسة الجمهورية حول محاولات بعض “الأطراف” الداخلية لتفجير الدولة والزج بها في تحالفات إقليمية مع السعي لجر الجيش في الصراع السياسي. قام رئيس الجمهورية بتسمية هشام المشيشي، وزير الداخلية الذي احتجت حركة النهضة على تسميته من حيث الأصل في حكومة الفخفاخ، بما يعنيه ذلك من تواصل لصراع الأجنحة في الدولة.

طالبت حركة النهضة بتشكيل حكومة سياسية بناء على التوازن القائم حسب الكتل البرلمانية، مع ضرورة توفير حزام سياسي موسع. واجه مطلبها رأيًا عامًا وتوجهًا حاسمًا من المنظمات الوطنية وعدة أحزاب نحو حكومة كفاءات وطنية.

هل فعلا رئاسة الجمهورية هي السبب وراء ترذيل الأحزاب؟

كانت مجمل الأحزاب في الأثناء تؤكد على ضرورة عدم تجاهل الأحزاب السياسية والعودة للبرلمان، تحت عنوان رفض “حكومة الرئيس الثانية”. وهو ما صدر على لسان حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس. فيما أكد محمد عبو، الوزير في الحكومة المستقيلة وأمين حزب التيار الديمقراطي، على معطى مماثل مشيرًا إلى وجود ابتزاز سياسي يستغل ملفات الفساد. إلا أنه لم يقدم تفاصيل احترامًا لواجب التحفظ على حد قوله.

في ختام الجولة الأولى والثانية من مفاوضات تشكيل الحكومة، انتهى المشيشي الى التأكيد على رغبته في تشكيل حكومة كفاءات مستقلة. وهو ما لاقى رفضًا واسعًا لدى الأحزاب، حركة النهضة وقلب تونس وحركة الشعب والتيار الديمقراطي وتحالف ائتلاف الكرامة.

لكن المواقف الرافضة قد بدأت بالتغير بانطلاق الجولة الثالثة بتاريخ 17 أغسطس/أوت 2020. حيث أبدت حركة النهضة، الحزب الأكبر في مجلس النواب عن انه هناك امكانية لدعم الحكومة الجديدة والقبول بحكومة كفاءات على ان لا تضم أسماء من انتماءات سياسية معارضة أو معادية للحركة، وذلك قبل انتهاء الآجال الدستورية بتاريخ 25 أغسطس/أوت 2020. تجنبًا للسيناريو الأسوأ، وهو مواصلة حكومة إلياس الفخفاخ لعمله أو الالتجاء لانتخابات تشريعية مبكرة. كما أن غيرها من الأحزاب فضل حكومة مستقلة أبعد ما يمكن عن خصومه وبعيدًا عن انتخابات مبكرة. وهو حال حركة الشعب وحزب التيار الديمقراطي على سبيل المثال.

ما يمكن اعتباره ترذيلًا للأحزاب السياسية، هو فعليًا واقع مركب من طبيعة المشهد الحزبي نفسه، وغياب الهيئات الدستورية خاصة المحكمة الدستورية، وحرص رئاسة الجمهورية على لعب دورها، ضمن رؤية خاصة لرئيس الجمهورية.

2. محور خاص: السياسة الاجتماعية بين أزمة الكوفيد وما بعدها  : 

يطرح هذا القسم المتعلق بالسياسة الاجتماعية بمناسبة الأزمة الصحية في تونس أسئلة مرتبطة بإشكالية الانتقال الديمقراطي وحقوق الإنسان. وينطلق تحليلها بالجانب التجريبي/العملي الذي ظهر في جملة الإجراءات والآليات والقرارات التي اتخذتها الدولة لمواجهة تداعيات الأزمة الصحية، فيما يتعلق الجانب الثاني بالإكراهات والمقاومات التي واجها سعي الدولة لمواجهة الوباء. وهو ما يقدم صورة عن الانتقال وظرفيته. تطرح هذه العناصر نفسها لأثرها الإجتماعي الذي أكد عجز السياسات الإجتماعية في تونس، والتي تحتاج لمراجعة أكيدة، شاملة ومتعددة المستويات، تعيد الإعتبار للحقوق الإجتماعية والإقتصادية، ومساهمة القطاع العام في تعزيزها وصونها.

أ‌) الإجراءات المتخذة في مواجهة الوباء: 

اتخذت الحكومة التونسية جملة من الإجراءات لمواجهة الأزمة الصحية وتداعياتها. عمليًا، لم تطبق كل الإجراءات أو طبقت نسبيًا فيما لا يسع تقييمها إلا بعديًا بعد حصر النتائج والآثار إثر انتهاء الأزمة.

• الإجراءات الصحية:

اتخذت الدولة التونسية جملة من الإجراءات ذات الطابع والضرورة الصحية، التي أكدت تشابك المنظومة الحقوقية، وحاجتها الى سياسة رسمية متكاملة قادرة على استيعاب النقائص. لعل الطارئ الصحي ليس ظرفًا مناسبًا للإصلاح، لكنه بالتأكيد مرآة لرؤية النقائص والهنات الواجب تجاوزها.

تبعا للفصل 80 من الدستور المنظم للحالة الاستثنائية، تم إصدار الآتي من النصوص التي حدت من حق التنقل والتجمع، ونصت على عقوبات وزجر لمن يخرقها:

لكن السؤال عمليًا عن تطبيق هذه النصوص، حيث طرحت إشكاليات جمة تعرض لها خاصة المجتمع المدني التونسي الذي لاقى صعوبات في ممارسة واجبه المنوط به في ظل ظروف مماثلة. تطلب الأمر عملًا ميدانيًا مبنيًا على شبكة علاقات الناشطين أنفسهم، فيما تعددت السلطات التي وجب التوجه لها لإيجاد حلول للعقبات. وكانت الإدارة الغالبة أمنية أساسًا حيث أصبحت مراكز الأمن ووزارة الداخلية هي الأكثر وزنًا. وهو ما يحتاج للمراجعة من أجل توحيد إدارة الأزمات وتجنب المقاربة الأمنية في شأنها.

أثرت هذه الإجراءات على جل المواطنين، فيما بقي العاملون في القطاع الصحي تحت وطأة مواجهة الوباء في الخط الأمامي. وما أثر فعليًا على أداء واجبهم هو غياب البنية التحية الصحية القادرة على مواجهة أزمات مماثلة. فبعد سبعة أشهر، أكدت جمعية الأطباء الشبان على أن كل الوعود حول التجهيز والتحضير لمواجهة الكورونا لم تتحقق على أرض الواقع. فضح انتشار الوباء ملامح أزمات أخرى مزمنة وعميقة. كما أكدت أن حق الصحة ليس معزولًا عن غيره من الشروط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

 

• الإجراءات الاجتماعية:

مرسوم من رئيس الحكومة عدد 5 لسنة 2020 مؤرخ في 14 أبريل/أفريل 2020 يتعلق باقتطاع يوم عمل بعنوان شهر أبريل/أفريل لسنة 2020 لفائدة ميزانية الدولة

تم بمقتضاه إخضاع أصحاب الجرايات التونسيين للمساهمة بيوم عمل من أجرهم للميزانية. ويستثنى منهم من لا يتجاوز أجرهم 5000د في السنة.

مرسوم من رئيس الحكومة عدد 7 لسنة 2020 مؤرخ في 17 أبريل/أفريل 2020 يتعلق بضبط أحكام استثنائية تتعلق بالأعوان العموميين وبسير المؤسسات والمنشآت العمومية والمصالح الإدارية.

بالنسبة للمنح المسندة للعائلات المعوزة تم ضبطها بقرارين مشتركين بين وزيري الشؤون الاجتماعية والمالية

أولا، القرار المؤرخ في 19 ماي 2020 والمتعلق بضبط طريقة احتساب مقدار التحويلات المالية المباشرة لفائدة الفئات الفقيرة المنتفعة ببرنامج الأمان الاجتماعي

حدد هذا القرار طريقة احتساب وكذلك مقدار التحويلات للفئات المنتفعة. والإطار القانوني لهذه الامكانية هو القانون الأساسي المتعلق ببرنامج الأمان الاجتماعي.

تقسم المنحة إلى مقدار أساسي يصرف بصفة شهرية وتقدر ب 180 دينارًا. وقد يعاب على الفصل 2 من القرار المذكور الجمع في اسناد هذه المنحة بين الفرد والاسرة الواحدة. كما يضبط الفصل المذكور مقدارًا تكميليًا، أي 10د لكل أسرة لها ابن في الكفالة سنّه دون 18 سنة إلى حدود 25 شريطة ان يكون هذا الأخير مرسمًا في تعليم أو تدريب أو تكوين. وهو مقدار غير واقعي ولا يمت بصلة للحاجيات المالية للفرد في تونس 2020 وخاصة في فترة وباء تتوقف فيها كامل القطاعات وبالتالي مصادر الرزق.

تضاعف المنحة التكميلية أو الإضافية كما سماها القرار مرة واحدة أي المقدرة ب 10 د لتصبح 20د وتضاف للمقدار الأساسي فيصبح الكل 200 د للعائلة التي لها ابن حامل لبطاقة إعاقة.

ثانيًا: قرار مشترك من وزير الشؤون الاجتماعية ووزير المالية مؤرخ في 19 مايو/ماي 2020 يتعلق بضبط حالات إسناد ومقادير الدعم المادي الظرفي لفائدة الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل.

تم بمقتضى هذا القرار صرف إعانات إضافية للعائلات المعوزة. حسب نص القرار الهدف مساعدتها على مصاريف شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى وبمناسبة العودة المدرسية والجامعية وتتراوح بين 50 و120 دينار للعائلة. وهي منحة ظرفية وتشترك مع الأولى في أنها بعيدة عن الاستجابة للحاجات المعيشية للمعنيين.

مرسوم من رئيس الحكومة عدد 30 لسنة 2020 مؤرخ في 10 جوان 2020 يتعلق بإجراءات لدعم أسس التضامن الوطني ومساندة الأشخاص والمؤسسات تبعا لتداعيات انتشار فيروس كورونا “كوفيد-19”.

وهي أساسا للمتحصلين على جرايات من CNSS / CNRPS شريطة ان لا تتجاوز 180 د. دون ذكر القيمة.

وقد تم أيضًا إحداث برنامج خصوصي للإحاطة بالفئات الهشة بقيمة جمليه تقدر بـ 30 م. د. لتدعيم مؤسسات العمل الاجتماعي وبرامج النهوض بالفئات ذات الاحتياجات الخصوصية وبعث موارد الرزق لفائدة الفئات الهشة. لكن تطبيقيًا يعتبر نفس الرقم محدودًا، كما تغيب المعلومة عن طريقة صرفه وحجمها وتوقيتها وعدد المنتفعين به قصد تقييمه والوقوف على جدواه.

– في 6 أغسطس/أوت 2020: صادق مجلس الوزراء على مشروع قانون متعلق بمعالجة وضعيات التداين المفرط للأشخاص الطبيعيين:

يهدف مشروع هذا القانون لوضع إطار متكامل يشمل مجموعة من الآليات والإجراءات لمعالجة وضعيات التداين المفرط للأشخاص الطبيعيين وذلك استئناسا بالتجارب المقارنة في المجال، كما ارتكز المشروع على ما ينشره البنك المركزي التونسي من احصائيات ومعطيات حول القروض الموجهة للأسر، وعلى ما أنجزه المعهد الوطني للاستهلاك حول التداين الأسري.

بمراجعة النصوص المذكورة آنفًا، قامت سياسة الدولة على المنظومة القائمة من قبل. وهي منظومة الحماية الاجتماعية. ومن مصادرها الاقتطاع من أجور العمال، بالإضافة إلى تبرعات المواطنين للصندوق الخاص بمواجهة وباء الكوفيد، صندوق 1818.

بناء على التعامل مع الطارئ الصحي، تعتبر المنظومة الحمائية الاجتماعية قاصرة عن استيعاب التفاوت الاجتماعي والاقتصادي. فعلاوة على الصعوبات الهيكيلة والإدارية، اتضح ان قاعدة بياناتها خلت من آلاف العائلات المحتاجة. كما أن قيمة المساعدات محدودة جدًا. الأمر الذي يثبت أنها ليست الحل لمواجهة الأزمة الاجتماعية القائمة، ولا حتى حلًا ظرفيًا. من العناصر المساعدة والأساسية على مواجهة أزمات مماثلة، القطاع العام الصحي والتعليمي والخدمي عمومًا، تبين عجزه أمام صعود القطاع الخاص. أما الأخير فقد التزم بمصلحته الأساسية في ظل تغييب كامل للدور الاجتماعي التضامني والمواطني.

ب‌) الإكراهات والمقاومات وأبعادها:

مثل الظرف الاقتصادي والاجتماعي أحد عوائق تنفيذ الإجراءات، فقد زاد الحجر من الصعوبات المادية والمعيشية لشريحة واسعة من التونسيين. بل وأدى في مرحلة معينة الى التسبب في خرق الإجراءات الصحية. كما أن سوء التنظيم والإدارة تسبب في حالات فوضى واكتظاظ للمنتفعين بالمساعدات والمنح الاجتماعية أمام مكاتب البريد.

من العوائق الأساسية، ما تم عرضه سابقًا من نقائص في الإجراءات الصحية والاجتماعية. لكن مستوى مهما ظهر خلال فترة رصد التقرير، هو تشابك الفساد في الدولة مع ضعف المستوى القيمي والوعي المواطني، في زيادة الأزمة وتعقيدها.

بناء على أرقام هيئة مكافحة الفساد وبلاغاتها، يمكن تقديم الأرقام التالية الخاصة فقط بالقطاع العام. وهو ما يهمنا في هذا المستوى. تحولت حالات الفساد المشتبه بها خلال فترة الوباء الصحي الى نقطة محورية في اهتمامات الرأي العام التونسي. وقد تمت ملاحظة ربط مباشر لها مع فشل الدولة العميق في توفير الشروط الاجتماعية والاقتصادية الضامنة للمساواة والعدالة الاجتماعية.

وتعلقت الشبهات بـ:

أما الخريطة التالية، فهو استعراض ألرقام حاالت بالغات شبهات الفساد حسب الواليات:

II) السياسات والتشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان:

لا تزال سياسات حقوق الإنسان في تونس معزولة عن الواقع المؤسساتي والاجتماعي الذي يسندها. فكما تواصل الأحزاب والمؤسسات الرسمية في تعزيز مقاربات مجتزئة لحقوق الإنسان، يتواصل الحراك الحقوقي في المطالبات المعهودة والدائمة حول الحقوق والحريات الفردية، في ظل دستور 2014.

1. حرية التعبير في تونس:

أثارت قضية آمنة الشرقي الرأي العام التونسي فيما يُعرف بقضية سورة كورونا. وقد وجّهت لها تهم تتعلق بـ”الدعوة إلى الكراهية بين الأجناس أو الأديان أو السكان وذلك بالتحريض على التمييز واستعمال الوسائل العدائية”.

كما استمرت الممارسات التعسفية ضد الصحفيين والمدونين اثناء الحجر الصحي، فقد أوقفت قوات الشرطة في ولاية نابل مراسل إذاعة شمس أف ام بالولاية الصحفي منتصر ساسي واحتجزته لمدة ساعتين وطالبته بفسخ الصور ومقاطع الفيديو التي صورها بحجة أنه لم يستظهر بترخيص للتصوير في تلك المنطقة. وذلك أثناء مواكبته للعملية الأمنية من أجل تصوير عملية إعادة رجل أعمال وزوجته كانا قد غادرا الحجر الصحي الاجباري بطريقة غير قانونية.

وفي منطقة حلق الوادي أوقفت قوات الشرطة المدون الشاب والطالب محمد أمين سعدو بتهمة إثارة البلبلة والتحريض، وذلك بعد أن صور مقطع فيديو نشره على شبكة فيسبوك يتحدث فيه عن مواد التعقيم التي تستعملها بلدية حلق الوادي. حيث بقي ليومين في مركز الإيقاف ببوشوشة قبل أن يتم إطلاق سراحه مع تواصل مسار القضية.

وفي متابعة لقضية الشاب الموقوف إثر حادثة معبر رأس جدير بتهمة القيام بفعل موحش تجاه رئيس الجمهورية:

في 29 مايو 2020، تم تعطيل حوالي 60 حسابًا على Facebook مملوكة لمستخدمين مقيمين في تونس تنتمي بعض الحسابات المتأثرة إلى نشطاء، ومدونين، ومؤثرين، وصحفيين، لكن معظمهم حسابات خاصة “عادية” ليس لها متابعون كثيرون. استخدمت بعض الحسابات أسماء مستعارة لكن معظمها كان بأسماء حقيقية. أبلغ بعض المستخدمين أنه تم تعطيل حسابات Instagram الخاصة بهم أيضًا. وقد تم ذلك دون أي إشعار مسبق من المنصة. تم إبلاغ المستخدمين بأنهم “غير مؤهلين” لاستخدام Facebook وأن القرار نهائي، تمكن شركاء Facebook الموثوق بهم “أكسسناو” و “أنا يقظ” من استرداد بعض الحسابات فقد ظهر 20 حسابًا مرة أخرى، وعندما اتصلت صحيفة الغارديان بخصوص الحسابات المعطلة، قالت الشركة: “بسبب خطأ تقني، قمنا مؤخرًا بإزالة عدد صغير من الملفات الشخصية، والتي تمت استعادتها الآن. لم نكن نحاول تقييد قدرة أي شخص على النشر أو التعبير عن نفسه، ونعتذر عن أي إزعاج سببه ذلك”.

كذلك تواترت الأحكام الزجرية في حق حرية التعبير خلال فترة الرصد:

وفي سابقة خطيرة قام نقيب التونسي للمهن الموسيقية ماهر الهمامي بالاستجابة لمطلب نقيب الموسيقيين المصري هاني شاكر وأصدر قرار عن النقابة التونسية للمهن الموسيقية وذلك في 27 أغسطس/أوت 2020، بمنع الفنانين حسن شاكوش وعمر كمال من إقامة حفلاتهم المقرر في شهري أغسطس/أوت وسبتمبر 2020، بالرغم من حصولهم على تراخيص مسبقًا. وللجدير بالذكر انها ليست المرة الأولى التي يتقدم فيها هاني شاكر بمثل هذه الطلبات. ولكنها المرة الأولى التي يتم الاستجابة مثل هذه المطالب من أي جهة تونسية.

•حرية الصحافة والإعلام:

أثارت المبادرة التشريعية التي تقدمت بها كتلة إئتلاف الكرامة في مجلس النواب رفضًا واسعًا في القطاع الصحفي. رفضت الهيئة المستقلة للإتصال السمعي والبصري بدورها مقترح التعديل منذ 12 ماي 2020. هذا ويُذكر ان علاقة الصحفيين برئيس الإئتلاف ليست جيدة بعد أن قاطع الصحفيون ندوة صحفية بمجلس نواب الشعب، لكتلتي قلب تونس وائتلاف الكرامة حول إحداث لجنة تحقيق برلمانية في شبهات تضارب مصالح متعلقة برئيس الحكومة، وذلك بسبب ما اعتبروه تحريضًا من رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف على مراسلي قنوات عربية في تونس.  وهو معطى يعكس علاقة الساحة السياسية بالصحفيين، بين الإستغلال والتهجم حسب التموقعات والخلافات، في ظل غياب قطاع إعلامي مهيكل ومهني.

على مستوى متصل تم إيقاف الصحفي شاكر الجهمي من قبل أعوان الأمن بمنطقة قرمبالية على خلفية شكاية تقدم بها رئيس بلدية فندق الجديد يسري نويوة. وأكد أيوب الغدامسي محامي نقابة الصحفيين أن موكله اتهم بنشر تدوينات مسيئة لرئيس البلدية، في حين أنه مارس حقه كمواطن انتقد التقصير الحاصل من قبل المجلس البلدي وقام بنشر كاريكاتور ليبلغ صوته، لاحقًا قرر وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بقرمبالية الإفراج عن الطالب شاكر الجهمي ودعوته للمثول أمام قاضي التحقيق في حالة تقديم.

وتراقب “الهيئة العليا المستقلة للسمعي البصري” المشهد الإعلامي في تونس ولكنّها تواجه صعوبات في تطبيق قراراتها بسبب ضعف السند السياسي. كما أن العديد من السياسيين الفاعلين في البلاد يديرون مؤسسات إعلامية. ولا وجود لمؤسسات أخرى بإمكانها تنظيم القطاع الإعلامي ومراقبته بالإضافة الى عدم تركيز الهيئة الدستورية ذات العلاقة، قررت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري إيقاف برنامج ‘لكلنا تونس’ الذي تبثه قناة التاسعة بصفة نهائية، وتسليط خطية مالية على القناة قدرها خمسون ألف دينار (50.000 د.ت). كذلك سحب حلقة البرنامج التي بُثت يوم الجمعة 27 مارس 2020 من موقعها الإلكتروني الرسمي ومن جميع صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لها وعدم إعادة نشرها أو استغلال جزء منها، نظرًا لما تضمنته هذه الحلقة من عدم احترام لكرامة الإنسان والحياة الخاصة ومخالفة أخلاقيات المهنة الصحفية وقواعدها.

وفي 15 مايو 2020، دعت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إلى التصدي لخطابات الكراهية والعنف السياسي المسلط على حريّة الإعلام وذلك على خلفية إقدام رئيس كتلة إئتلاف الكرامة بمجلس نواب الشعب سيف الدين مخلوف خلال حضوره في برنامج  “ميدي شو” على التهجم على الصحفي والمعلّق السياسي هيثم المكي، ووصفه بأوصاف غير لائقة.

تعرض عدد من مراسلي بعض وسائل الاعلام العربية يوم الاحد 14 يونيو/جوان 2020 اثناء تغطيتهم للحراك السياسي الذي انتظم أمام مقر مجلس نواب الشعب الى شتى اصناف التهديد والسب والشتم ومحاولات المنع من العمل مصحوبة بتوجيه اتهامات بالعمالة ومناهضة الثورة، وكانت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين قد نبهت منذ الاستحقاقات التشريعية والرئاسية الأخيرة الى تشكل مجموعات تعمل على استهداف عدد من مراسلي وسائل الاعلام الأجنبية على خلفية الخطوط التحريرية لمؤسساتهم، يمكن ان تودي الى جرائم خطيرة في حق حرية الصحافة والصحفيين على غرار الاعتداء بالعنف والاحتجاز القسري والتهديد بالتصفية.

2. الحقوق والحريات الفردية والشخصية

بسبب توقيف الرابر التونسي علاء ALA النقاش عاد موضوع “القنب الهندي” (الزطلة) والعقوبات التي تسلط على مستهلكيه إلى واجهة الأحداث. وقال محامي الرابر الموقوف، غازي مرابط، إنه “تم تمديد الاحتفاظ بموكله في انتظار عرضه على المحكمة، لاحقًا أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس قرارًا بالإفراج عنه.

ومن الجدير بالذكر انه في العام 2017، خفف البرلمان التونسي من العقوبات ضد المستهلكين لمادة القنب الهندي، بما يُتيح للقضاة الاكتفاء بتغريم المستهلكين بدل إصدار أحكام سجنية سالبة للحرية.

في قرار غريب أصدرت بلدية بنزرت قائمة تحمل أسماء مواليد جدد ممنوعة من التسجيل، على غرار رستم وماجدولين وايلان وغيرها من الاسماء، وأوضح رئيس البلدية كمال بن عمارة أنّ الأمر يضبطه نص قانوني يمنع تسجيل أسماء غير عربية للمواليد الجدد في البلديات. وللإشارة ليس هذا الخبر في هذا المستوى الأول من نوعه، وقد طرح ويطرح الجديد عدة أسئلة جدية حول حرية المواطنين وجدوى قوانين مماثلة والتصورات المناسبة حوله، بين المركزي والمحلي.

•الأقليات الدينية:

من الملاحظ ان الجانب الديني في المقابل له أثره خلال الفترة السابقة مثال (بلدية الكرم):

الأمر الذي طرح أسئلة عديدة منها مدنية الدولة ومدى احترام السلطات المحلية لحدود صلاحياتها، وعلاقتها بوزارة الشؤون المحلية كجهة مركزية. وفي نفس الوقت تمت استثارة الرأي العام بصورة حادة بين موقف معارض وآخر مساند، دون وجود فضاءات جادة وسلمية للنقاش الحر والتفاعلي، بما فيها المؤسسات الرسمية كمجلس نواب الشعب.

•الأقليات الجنسية:

اكدت جمعية شمس في تدوينه نشرتها على صفحتها الرسمية فيسبوك انه تم ابرام عقد زواج بين فرنسي وتونسي حسب القوانين الفرنسية وتم الاعتراف بهذا الزواج في تونس وادراجه في مضمون الولادة التونسي.

في المقابل أوضح وزير الشؤون المحلية لطفي زيتون، بخصوص تسجيل زواج شخصين من نفس الجنس واحد فرنس وىلآخر تونسي، “من وجهة نظر القانون الفرنسي، لا ريب في أن إبرام هذا العقد ورد مخالفًا للصيغ والشروط المنصوص عليها بفصول المجلة المدنية وهو بالتالي يعتبر باطلًا بحكم القانون وقابل للإبطال عن طريق القضاء العدلي بطلانًا مطلقًا”. كما أشار إلى انه سيتم تلافي ثغرة قانونية تتعلق بصلاحية التثبت من عقود الزواج الدلى بها لدى المؤسسات التونسية. وهو ما يعني أن التوجه سيكون ضد هذه العقود بالنسبة للأقلية الجنسية في تونس.

في الأثناء، تواصلت الملاحقة القضائية للمثليين على أساس قواعد قانونية متعارضة مع الدستور. فقد قضت المحكمة في 06 جوان/يونيو 2020 بالسجن سنتين على رجلين بتهمة المثلية الجنسية في الكاف. إلا أن الملاحظ هو تعمد السلطات استدراج الرجلين بعد ان توجه أحدها للأمن للشكاية حول قرض مالي، وذلك بالتهديد بالفحص الشرجي للإفصاح عن انتمائهما المثلي بناء على الفصل 230 من المجلة الجزائية.

لا تزال حقوق الأقليات الجنسية بعيدة عن الاستيعاب قانونيًا رغم توفر الأطر اللازمة دستوريًا لضمان حياة كريمة لأفرادها، كما أنها مجتمعيًا تواجه عمقًا غير متصالح معها، لتجده صامتًا أمام التعامل الأمني المهين للكرامة الإنسانية. كما تواصلت اعتداءات العنف سواء من مواطنين أو أعوان أمن على المثليين مع غياب المتابعة القضائية للمعتدين.

3. حقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء:

لا تزال حقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء محل خرق سواء في تونس بالنسبة للأجانب او بالنسبة للتونسيين في الخارج. حيث وضح خلال فترة الرصد عن تعاون البعثة الديبلوماسية بمدريد مع السلطات لترحيل تونسيين جماعيًا وقسريًا والتعتيم حول ما يتعرض له التونسيون في مراكز سبتة ومليلة من انتهاكات وهرسلة وأوضاع لا انسانية، كما صرح وزير الداخلية الاسباني عن استعداد سلطات بلاده لترحيل 600 مهاجر تونسي قسريًا نحو تونس وبتعاون تام من سفارة تونس بمدريد”.

كذلك مازال التعامل الرسمي التونسي مع الأجانب لم يرقى إلى مستوى القواعد القانونية الدستورية ولمبادئ حقوق الإنسان، حيث تواصلت معاناة الأجانب من إفريقيا جنوب الصحراء، الذين بلغ عددهم 12 ألف شخص حسب المدير العام للمرصد الوطني للهجرة.لا تزال إجراءات الإقامة وضمانات الحق في العمل والصحة والتعليم محدودة في ظل القانون الساري للأجانب في تونس. وهو ما يتطلب مراجعات حقيقية.

في الأثناء، يتواصل نزيف الهجرة حتى خلال الجائحة الصحية. ويمثل التونسيون:

في المقابل، تحركت الدبلوماسية الإيطالية بزيارة وزيرة الخارجية الإيطالية ولقاءها رئيس الجمهورية التونسية. رغم حرص الأخير على ضرورة تكريس مقاربة تستند إلى حقوق الإنسان، إلا أن التطورات لاحقًا تواصلت في اتجاه تعزيز الحدود وإعادة المهاجرين قسريًا إلى تونس. وقد أدى ذلك الى تعزيز تونس إلى حدودها بإضافة تجهيزات لقوات حرس الحدود البحرية بعد زيارة الرئيس التونسي لثكنة الحرس الوطني في صفاقس.

4. حقوق المرأة:

بمناسبة عيد المرأة يوم 13 أغسطس/أوت 2020، ألقى رئيس الجمهورية قيس سعيد كلمة تعرض فيها للمساواة في الميراث بين المرأة والرجل. اختار قيس سعيد التركيز على المساواة في جانبها الاقتصادي والإجتماعي ليعزل المساواة في ميراث باعتبارها قضية منتهية بحكم النص الديني في شأنها.[1] وهو ما رفضته منظمات المجتمع المدني. في هذا الإتجاه، اعتبرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن “قيس سعيد اختار معاداة المساواة ومغازلة قواعد التيارات الظلامية بقراءة رجعية للدستور”[2].

اعتبرت الحركة النسوية في تونس أن خطاب الرئيس غير مقبول، وهو محاولة لوأد مشروع المساواة. للتذكير قدم الرئيس السابق الباجي قايد السبسي مشروع قانون للمساواة في الميراث وأذن بتشكيل لجنة الحقوق والحريات الفردية التي انتهت الى تقديم تقريرا من 233 صفحة بعد سنة كاملة من الأعمال. لكن مآل هذا المشروع واجه انغلاقا في المؤسسة التشريعية خاصة برفض حركة النهضة للمشروع والتقرير بالتأكيد بدورها على أولوية النص الديني.

•قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين: تهديد للحقوق والحريات

على الرغم من تغيُر صيغة المشروع في عدة مواطن، بقيت ردة فعل المجتمع المدني واحدة ورافضة للمشروع. عرفت مواقع التواصل الاجتماعي حملة موسعة تحت عنوان “قانون حماية المواطنين”. للحملة مبرراتها الحقيقية بالنظر إلى أن المشروع يجتزئ رؤية إصلاح المنظومة وتأسيس الأمن الجمهوري حسب الدستور وروحه. يختزل المشروع المقترح العلاقة بين السلطة الأمنية والمواطنين في علاقة ريبة وتهديد متبادل، يقع ضحيته غالبًا المواطن التونسي.

يتمتع مشروع القانون بدعم من النقابات الأمنية المختلفة التي لا يزال دورها سلبيًا إلى حد بعيد. أظهرت هذه النقابات توجها قطاعيًا سلبيًا لجهة تركيزها على العلاقة المضطربة بين أعوان الأمن والمواطنين، فيما سياستها الاتصالية، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، انتهكت حقوق المواطنين خاصة الخصوصية والمعطيات الشخصية للموقوفين.

التوصيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *