أوراقإصداراتالدولليبيا

ليبيا: قراءة جيوسياسية في التشكيلات العسكرية لطرفي الصراع من مع من ولماذا؟!

أعده وكتبه : أكرم مختار

مراجعة وتحرير : خليل العربي, محمد عمران

CodePen - Menu Hover Fill Text

مقدمة :

رغم أن ثورة فبراير تقترب من الذكرى العاشرة إلا أن ليبيا مازالت تعاني من الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية وذلك عقب تحول مسار الثورة إلى صراع مُسلح نتيجة ما قام به نظام القذافي الديكتاتوري من قصف للمتظاهرين السلميين بأسلحة متوسطة وثقيلة. ثم فتح مخازن السلاح ليُصبح بعدها الصراع المسلح هو المسار الحتمي للثورة الليبية، بعد قيام الديكتاتور القذافي بدحض التحركات والتظاهرات الاحتجاجية السلمية. ومنذ ذلك الوقت أخذت خارطة التشكيلات المسلحة في ليبيا والتي تشكلت إبان الثورة الليبية وما بعدها في التغير بشكل مستمر سواء على المستوى المكاني أو من حيث الصعود أو الهبوط في ميزان القوة بين الميليشيات الأخرى، أو على مستوى التحالفات فيما بينها، والتي اختلفت كلما استجدت وقائع هامة ومؤثرة في مسار الاحداث. اصبحت هذه التشكيلات هي المحرك الرئيسي للعملية السياسية المتشنجة في ليبيا بل والأهم انها أصبحت المحركة لحياة المواطنين واستقرار المجتمع من عدمه.

تتجلى الصعوبة في المحاولات الساعية لوصف شكل المشهد العسكري في ليبيا من دون الانحياز لطرف دون الآخر وإضفاء صبغة الشرعية على تشكيلات دون اخرى، خاصة في معضلة (المصطلحات)، حيث لاتزال هذه الإشكالية قائمة وخاصة أن جلَ المصطلحات لم يعد لها معنى حقيقي. إن كل مصطلح له بنيان لا يتحقق معناه إلا بتكامله وان اختل أو غاب جزء من هذا البنيان الخاص بالمعني يفقد الأخير مضمونه ويصبح مجرد حروف.

على سبيل المثال نجد أن مصطلح الجيش هو من أكثر المصطلحات استخدامًا بين طرفي الصراع اليوم في ليبيا اعتقادًا منهما ان هذا المصطلح هو ما يمثل صبغة الشرعية وبالتالي يؤدي إلى وصم الآخر بأنه غير شرعي، إلا ان الطرفين تناسيا ان هذا المصطلح له بنيان يجب أن يتوفر. والمعروف ان للجيوش معايير محددة تعتمد عليها حتى نستطيع على أساسها ان نطلق على قوة ما مصطلح (الجيش الوطني).

من هذا المنطلق، تُعتبر هذه الورقة هي وقفة تأمل في تشكيل البنيان الهيكلي لطرفي الصراع المسلح اليوم في ليبيا. والمقصود هنا، قوات حكومة الوفاق الوطني وقوات القيادة العامة تحت قيادة الجنرال خليفة حفتر.

ونركز خلال تلك الورقة في المحاولة للإجابة على التساؤلات التالية:

يتم الاجابة على هذه الأسئلة في الإطار الجغرافي للمنطقة الغربية في ليبيا باعتبارها ساحة الصراع الحالي والذي انطلق منذ أبريل/أفريل 2019 اضافة إلى كونها من أكثر المساحات الجغرافية التي تنتشر على أرضها فصائل مسلحة.

ان هذه المحاولة لا تسعى إلى إطلاق أية أحكام على أحد طرفي الصراع ولا تحاول اضفاء صبغة أو صفة الشرعية على طرف دون الآخر، بل تسعى إلى توصيف وتحليل شكل التوافق الذي حدث بين هذه التشكيلات، وأيضا الخلفيات التي جعلت هذه التشكيلات توحد مصالحها رغم اختلافها في السابق. وذلك في محاولة من مركز دعم للمساهمة المستقبلية في إيجاد آلية لفهم هذه التشكيلات والمساهمة في التفكير في عملية إدماجها في المجتمع وبناء جيش ليبي وطني قوي مطابق لمواصفات وبنيان صحيح لهذا المسمى (المصطلح) السامي والنبيل. يؤمن مركز دعم أن الفهم الجيد والعميق للمشكلة وجذورها هو مفتاح وضع التشخيص وخطة العلاج الصحيحة لحل تلك المشكلة.

المنهجية :

تم الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي في هذه الورقة اضافة إلى الاعتماد على جلسات العمل التي قمنا بها على مستوى المنطقة الغربية مع شخصيات مؤثرة داخل كل منطقة حيث اعتمدنا عليها في العديد من النقاط في المضمون، دون الإتيان على ذكر من فضلوا الاحتفاظ بسرية هويتهم نظرا لخطورة الملف والاوضاع الحالية غير الآمنة وغير المستقرة في ليبيا.

كما تم تقسيم هذه الورقة إلى ستة محاور تفصل وضع الفصائل المسلحة خلال الصراع القائم، وأيضا الأدوار التي تقوم بها التشكيلات المسلحة داخل كل إقليم، وتقديم تحليل لاختيار كل تشكيل لطرف دون آخر للتحالف معه.

ولا يخفى على القارئ ان هذا الملف يعتبر من أكثر الملفات التي تفتقد أثناء تناولها بالدراسة المصادر التقليدية مثل التقارير وورقات العمل السابقة وذلك لقلة سالكي هذا الطريق خاصة مع تشعب الوضع العسكري في ليبيا وسرعة تغيره وهذا يعتبر أكبر تحدي واجهنا أثناء اعداد هذه المحاولة.

التشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية :

تعد المنطقة الغربية خاصة في السنوات الأخيرة مكان نشاط لجل التشكيلات المسلحة في ليبيا. الأمر الذي يجعلها أكثر المناطق في ليبيا تعقيدًا في هذه المسألة، وذلك يرجع لعدة أسباب كان أبرزها أن هذا الإقليم قد شهد أكثر وأكبر عمليات ضخ للأسلحة إبان الثورة وما بعدها. كما أن نظام القذافي الديكتاتوري السابق اتخذ من طرابلس مركزًا له في ظل نظام مركزي، من أهم مؤسساته مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، التي اصبحت محل صراع بين الأطراف الليبية المتناحرة للسيطرة عليها بعد انهيار الدولة ومؤسساتها الأمنية. هو ما جعل غرب ليبيا وجهة معظم التشكيلات المسلحة بغرض السيطرة على المؤسسات المذكورة وبالتالي أصبحت سمة التسلح بالنسبة للقبائل والمدن والمناطق في الغرب واسعة الانتشار لطبيعة المرحلة، قصد الوصول إلى القوة المالية والتسليحية التي تسمح لكل طرف بالمشاركة في صناعة القرار من داخل العاصمة الليبية طرابلس.

وجب التنويه أن طرحنا لهذه العوامل هو على سبيل المثال لا الحصر لكافة الأسباب، فكما ذكرنا من قبل أن هذه المنطقة هي أكثر المناطق في ليبيا تعقيدًا في هذه المسألة.

1- الفصائل المسلحة في مدينة طرابلس :

جُل الفصائل المسلحة في طرابلس هي من وفرت الدعم لحكومة الوفاق الوطني وكانت جزء من قوتها العسكرية وقدمت لها الحماية منذ البداية، كما مكنتها من الدخول الى العاصمة بعد توقيع اتفاق الصخيرات الذي أعتبره المجتمع الدولي الأساس الذي يستند إليه النظام السياسي في ليبيا. ومن هنا تأتي حجة الشرعية الدولية التي تستغلها وتستند إليها حكومة الوفاق خلال إدارة صراعاتها داخل إطار الوضع السياسي المأزوم.

  • قوة الردع الخاصة :

اتجهت في مسارها مند تأسيسها إلى نوع من التنظيم والترابط والالتزام داخلها وذلك نابع من انها ذات رؤيا (سلفية) وتحديدًا (مدخلية) وتعتبر امتداد لسرايا (اللجنة الأمنية العليا طرابلس) هذا المسمى الذي شكل المشهد الأمني والعسكري لطرابلس تحديدًا في سنوات (2012 -2013) واتجه الفصيل بعد ذلك إلى التنظيم الذي نراه اليوم.

بالرغم أن قياداتها جُلهم من منطقة سوق الجمعة (شرق العاصمة الليبية) إلا أننا لا يمكننا وصفهم بالتشكيل القبائلي وذلك نظرا لطبيعتهم الفكرية والعقائدية والتي تأتي بأفراد هذا التنظيم من مناطق ومدن مختلفة ولكن تجمعهم الرؤيا السلفية المدخلية. كما انها تتسم بقوة الترابط الداخلي والالتزام وعدم التفرقة بين أفراد التنظيم لأية اعتبارات قبلية أو غيرها. وتركز مجهودها على مكافحة تجارة المخدرات والإرهاب وأصبح لها خبرة إلى حد ما في هذا المجال، والدليل على ذلك هو التعاون الذي حدث بين قوة الردع والجهات الأمنية في بريطانيا بخصوص المتهم (العبيدي) حيث استطاعت أن تُلقي القبض على شقيقه في طرابلس والمتورط في عملية إرهابية في بريطانيا في شهر مايو/ماي 2017.

تمتلك قوة الردع مواقفها الخاصة، منها عدم مشاركتها الفعلية في عملية (فجر ليبيا) وتأخرها نسبيًا في الالتحاق بالحرب الأخيرة على طرابلس لدرجة أن هناك من اتهمها بأنها تميل لقوات القيادة والجنرال حفتر، إلا أنها عادت وشاركت في الحرب تحت لواء حكومة الوفاق الوطني.

تمتلك هذه المجموعة المسلحة سجنًا ذو سمعة سيئة حيث وردت بخصوصه، في العديد من التقارير لمنظمات حقوقية، إنتهاكات تحدث داخله هو ما جعلها تلجأ إلى تقسيم السجن إلى قسمين جزء متعلق بالجرائم الجنائية ويخضع لإدارة الشرطة القضائية التابعة لوزارة العدل وجزء يحمل اسم (سجن القوة) والذي يتواجد فيه عدد كبير من المتهمين في قضايا إرهاب وغيرها من القضايا ذات البعد الديني أو الأخلاقي. وهو بطريقة أو بأخرى غير خاضع بشكل حقيقي لسلطات وزارة العدل، إلا في حدود معينة.

تعد قوة الردع الخاصة واحدة من أكثر وأقوى التشكيلات تأثيرا على مسار الأحداث العسكرية في غرب ليبيا.

  • قوة النواصي (الفرقة الثامنة الخاصة) : 

وهي من أقدم التشكيلات في طرابلس حيث تأسست في البداية تحت اسم (كتيبة الشهيد نشنوش) وهو شهيد لثورة فبراير في عملية نفذها هو ورفاقه في منطقة شط الهنشير بسوق الجمعة مستهدفين مجموعة تابعة لقوات الديكتاتور تحديدًا في شهر مايو/ماي 2011. وتُعدَ من أقوى التشكيلات المسلحة في مدينة طرابلس كما انها، كما هو حال قوة الردع الخاصة، تتسم بالتماسك الداخلي.

تتكون النواصي من مجموعة من العائلات في منطقة (شط الهنشير) بطرابلس، وهو ما يسِمُها بخلفية مناطقية تزيد من الترابط الداخلي. استطاعت القوة أن تُطور من إمكانياتها العسكرية عن طريق انتمائها إلى وزارة الداخلية وتأمينها لأماكن مهمة وحساسة في طرابلس مثل ميناء طرابلس البحري وشركة ليبيانا للاتصالات وقاعدة أبي سته البحرية ومجمع الأبراج في وسط مدينة طرابلس مما أعطاها وضعية خاصة وسط التشكيلات المسلحة. شاركت قوة النواصي في كل الحروب والأحداث التي وقعت في طرابلس ودائمًا ما كان يرجح في الكفة للفئة التي يقف معها، وكان آخرها حرب فجر ليبيا في سنة 2014، كما أنه لا يملك سجنا داخل مقراته ما عدى مكان صغير مخصص للتوقيف وذلك خلافًا لقوة الردع الخاصة بما جعلها بعيدة نسبيا عن الاحتكاك بالمدنيين بشكل أو بآخر ويلاحظ لها نشاط مُعين في مجال مُعين بشكل واضح خلال السنوات الخيرة والتي أعقبت حرب فجر ليبيا واكتفى بالتواجد في المواقف الكبيرة المتعلقة بطرابلس.

يُساند هذا التشكيل حكومة الوفاق ويُعرف بشراسته القتالية كما أنه يغطي مساحة كبيرة من خط القتال على تخوم العاصمة طرابلس في محاور صلاح الدين وعين زارة ومشروع الهضبة.

  • كتيبة ثوار طرابلس:

ثوار طرابلس أو (أم الكتائب) كما يحلوا لمنتسبيها تسميتها، كانت قد تأسست في مدينة نالوت الجبلية إبان الثورة الليبية. وهي تُعتبر إحدى الفصائل العسكرية التي شاركت بدور كبير في تحرير طرابلس في شهر أغسطس/أوت 2011. وكانت مسؤولة على تأمين الأماكن الحيوية في المدينة أثناء اقتحامها في التاريخ السالف الذكر وهذا ما أعطاها وضعًا مختلفًا في مستقبلها بعد ذلك. لا يوجد خلفية واضحة لهذا الفصيل العسكري إلا أنه خلال السنوات (2017-2018) وحتى بداية 2019 كان من أكثر الكتائب تسلحًا في طرابلس، يضم شريحة كبيرة من الشباب من شتى مناطق العاصمة الليبية ويملك مقرات في جميع المناطق في طرابلس وخاصة في أبوابها الأربعة، كما أنه كان يملك سجنًا داخل مطار معيتيقة الدولي.

تطور هذا الفصيل على مستوى قدراته العسكرية ومساحة انتشاره بعد مروره بالعديد من المحطات والأحداث، حيث شارك بقوة في حرب فجر ليبيا. وفي 2017، نجح في طرد كل التشكيلات المسلحة المحسوبة على مناطق خارج طرابلس مثل مصراته وغيرها إلى خارج العاصمة، كما سيطر على سجن (كلية الهضبة العسكرية) الذي كان مقرًا لقوة عسكرية محسوبة على تيار ذو مرجعية إسلامية كان مسؤولا عن حماية مجموعة من رموز النظام السابق بما أعطاه وضعية خاصة ومتفردة. وهو أكبر قوة عسكرية داخل طرابلس.

في نهاية 2018، دخل في صراع قوي مع اللواء السابع (الكانيات) وفقد في هذه الحرب العديد من قادته خاصة الصف الثاني والثالث منه. كما نشأت صراعات داخلية نتيجة هذه الحرب أدت إلى تراجع قواته وفقدانه العديد من إمكانياته ومقاره التي كانت تمثل بالنسبة له قوة الانتشار الجغرافي في العاصمة. وما تبقى اليوم من هذا التشكيل هو تحت لواء قوات حكومة الوفاق الوطني. ويُتوقَع أن إستمرار الصراع قد يُفقد هذا الفصيل قدرته على الاستمرارية في المرحلة القادمة.

  • الأمن المركزي أبو سليم :

أو ما يُعرف (بالغنيوات) وهي نسبة لمؤسسها (عبد الغني الككلي). تشكلت هذه القوة تحديدًا أواخر 2012 وبدايات 2013 داخل منطقة أبو سليم، إحدى أكبر المناطق في العاصمة طرابلس اكتظاظًا وتنوعًا من حيث السكان حيث يوجد فيها خليط كبير من كل المناطق في ليبيا. وكانت من المناطق المؤيدة لنظام القذافي، وآخر معاقل المقاومة العسكرية الموالية له في العاصمة طرابلس. وبعد اقتحامها من قبل (الثوار) أصبحت مرتعا لكل التشكيلات المسلحة التي شاركت في تحرير العاصمة، وهو ما خلق صراعا كبيرا بين التشكيلات المسلحة ضمنها.

استطاع تشكيل مسلَح يسمى (كتيبة البركي) من الاستقرار في هذه المنطقة خاصة أن قادته من داخل المنطقة نفسها. الأمر الذي أعطاها نوعًا من التميَز مقارنة بالتشكيلات الأخرى. لكنها لم تقدر على ضبط الفوضى العسكرية، وهنا جاء دور الدعم الذي قُدم من قبل التشكيلات من داخل منطقة سوق الجمعة المذكورة أعلاه (قوة الردع الخاصة-فرقة النواصي) حيث كان لهما الدور الأساسي في تشكيل هذا الفصيل واستطاعت قيادة هذا الفصيل من إستيعاب التنوع الموجود في المنطقة وعملت على تمثيله بداخلها حيث لا يستطيع أحد أن يحسب هذا الفصيل على قبيلة معينة أو تيار أيديولوجي معين إلا أنها ستكون دائمًا في ولاء تام لداعميها الأساسيين والذين تنوعت خلفياتهم ما بين سلفية مدخلية ومناطقية.

دخلت هذه القوات في مناوشات متعددة مع التشكيلات المسلحة المحسوبة على مصراته والزنتان بما سمح لها بتطوير خبرتها العسكرية، وهو ما مكنها فيما بعد من طرد (كتيبة البركي) والتي كانت تشاركه في منطقة نفوذه في أبو سليم. وأصبحت بذلك صاحبة الكلمة العليا في هذه المنطقة. شارك الأمن المركزي بفاعلية في حرب فجر ليبيا.

كما يغيب عن أي صراع مسلح متعلق بطرابلس تحديدًا. ويمتلك سجنا (سيء السمعة) زاد من شهرته وهيبته، ويدعم بشكل كامل قوات حكومة الوفاق وينشط بشكل واضح في محاور طريق المطار ومشروع الهضبة.

عبد الغني الككلي
  • الفصائل العسكرية بتاجوراء : 

تاجوراء هي ضاحية طرابلس الشرقية وإحدى أكبر أبوابها اضافة إلى كونها منطقة ذات طابع ريفي جعلها ذات خصوصية وأسلوب متفرد ومستقل إلى حد ما عن العاصمة بجانب الطابع المحافظ والمنغلق الذي لا يقبل دخول أو ادماج الغرباء والدخلاء عليه بسهولة.

هذه الخصوصية خلقت نوعا من التوازن العسكري داخلها رغم كثرة الفصائل المسلحة وتنوع خلفياتها.

ومن أكثر التشكيلات تأثيرًا داخلها هما فصيلان:

2- اللواء السابع (الكانيات) : 

لم يكن لهذه العائلة أي دور حقيقي داخل مدينة ترهونة خاصة من الناحية العسكرية إلا أن الاحداث جعلت من هذه العائلة متصدرة للمشهد. وقد كانت ابعد ما يكون عن ذلك، حيث كانت المساحة الممتدة من بوابة طرابلس الجنوبية تحديدًا ما بعد المطار العالمي مرورًا بمنطقة قصر بن غشير وصولًا إلى الحدود الادارية لمدينة ترهونة تحت قوة يرأسها شخص يسمى (صلاح المرغني) وهو ينتمي إلى قبيلة من قبائل مدينة ترهونة. وتعتبر هذه القوة امتدادا للفصائل المسلحة الموجودة في طرابلس حيث كان لها دور كبير في مساعدة المرغني على بسط نفوذه على كل هذه المنطقة ومساعدته على تكوين هذه القوة سواء عسكريًا أو بالأفراد.

في نفس الوقت كان هناك داخل مدينة ترهونة قوتان متواضعتان وذات طابع قبلي. الأولى تنتمي لقبيلة (النعاجي) كما كانت تعبر عن تيار فبراير/فيفري بشكل نسبي والثانية (للكانيات) ذات توجه يميل إلى تأييد النظام السابق. وهو ما أدى الى مواجهات بينهما من حين إلى آخر. واستمر الوضع إلى أن تم قتل أحد أبناء الكاني من قبل أفراد من قبيلة النعاجي، مما مكن الكانيات من كسب تأييد وتعاطف من معظم المكونات داخل مدينة ترهونة. وهذا ما أعطى مساحة كبيرة للأخيرة حتى تقوم يتصفية حسابها مع خصمها داخل المدينة وانهاء وجودها. فتم تهجير جًل قبيلة النعاجي خارج ترهونة والقضاء على قوتهم العسكرية واصبحت الساحة خالية لسيطرة الكانيات.

وجب على هذه القوة، التي أصبحت تزداد نفوذًا وانتشارًا في المدينة، أن توسع نطاقها الجغرافي حتى يتسنى لها أن تكون عنصرا مؤثرا على سير الأحداث من حولها بما يعطيها القدرة على الاستمرارية. في نفس الوقت دفعت حرب 2014 المعروفة (بفجر ليبيا) بفصائل مسلحة ناشئة إلى الواجهة ولا سبيل للتعامل معها من قبل الفصائل المسلحة الكبيرة إلا بطريقتين إما بالاحتواء والتوظيف أو بالصدام والنهاية. وعلى هذا الأساس قبلت (الكانيات) الدعم المقدم من بعض الفصائل المسلحة من مصراته تحديدًا وتيارات سياسية أيضًا، حيث كانت لهذه الفصائل مصلحة في احتواء هذا الفصيل الجديد المتصاعد وخاصة أنه يسيطر على مدينة تقع في المنطقة الوسطى وقريبة من مصراته اضافة إلى كونها ليس بعيدة على الطرق الساحلية المؤدية الى العاصمة. أصبح هذا الفصيل يكتسب تدريجيا حاضنة شعبية داخل مدينة ترهونة واعتمد في ذلك طريقة الترهيب حيث كان لا يساهل من يخالفه. وقد ارتكب العديد من الجرائم في حق مخالفيه. كما اعتمد أسلوبا آخر ينبني على إضفاء شعور الحماية خاصة أن مدينة ترهونة عانت من فراغ أمني في السنوات الماضية التي سبقت وجود الكانيات. الأمر الذي جعلها مرتعًا للعديد من الفصائل المسلحة المنتمية لمناطق ومدن أخرى.

سنة 2018 دخل فصيل الكانيات في صراع مسلح مع فصائل طرابلس العسكرية وذلك نتيجة سيطرة الأخيرة على مراكز صنع القرار في العاصمة الليبية طرابلس حسب قولها، وانتهت المعارك باتفاق بين الفصائل المتحاربة بتدخل من المجلس الاجتماعي لمدينة بني وليد. ولم يمضي وقت طويل حتى اصطف (الكانيات) في معسكر قوات القيادة العامة بقيادة الجنرال خليفة حفتر وأعلن عن الانضمام إليه للدخول في الحرب على طرابلس ضد قوات حكومة الوفاق. هذا القرار أرجعه العديد من المتابعين إلى التكوين الداخلي لقوة (الكانيات) المحسوبة أغلبها على النظام السابق في ليبيا التي أعطاها الجنرال خليفة حفتر مساحة مهمة داخل قواته. كما أدت الانتصارات المتتالية في هذا الوقت لقوات القيادة العامة بقيادة الجنرال حفتر الى خلق شعور بأن عودة هذه القوات للساحة العسكرية والسياسية في ليبيا أصبحت مسألة وقت لا غير. وقد روج الكثير أن هذا الاصطفاف كان متوقفا على منح الدعم المادي إلا أننا نجد ذلك مجانبا للصواب تمامًا حيث أن الدعم المادي كان متوفرًا ايضًا في التحالف مع حكومة الوفاق الوطني.

كما يجب ان نتذكر أن مدينة ترهونة وقبائلها كانت تعتبر من المدن المهزومة بعد انتصار الثورة الليبية، حيث لعبت هذه المدينة دورًا واضحًا في مساندة ودعم ومناصرة النظام السابق قبل انطلاق وأثناء الثورة الليبية في 2011. الأمر الذي جعلها تجد في عرض الجنرال حفتر عن طريق قوتها المتمثلة في الكانيات فرصة للعودة من جديد للقيادة في ليبيا.

3- الفصائل المسلحة في مدينة مصراته (المجلس العسكري مصراته) : 

لعبت مصراته دورا كبيرًا منذ انطلاق الثورة الليبية. لم يكن هذا الدور مقتصرًا فقط على مستوى المشاركة في الأحداث بل على مستوى صناعتها. كما أنها استطاعت أن تمتلك ترسانة كبيرة وقوية من السلاح. تعتبر مصراته من أكبر المدن تسليحًا في المنطقة الغربية وفي ليبيا بشكل عام. تُدار كل الفصائل المسلحة في مدينة مصراته وبجميع خلفياتها بالتنسيق من قبل (المجلس العسكري مصراته)، هذا الاسم الذي زار كل المدن الليبية ابان الثورة الليبية في 2011 والذي حافظت عليه مدينة مصراته كقيادة رئيسية تندرج تحتها كل التشكيلات المسلحة داخل المدينة. ويعد (لواء المحجوب، ولواء الحلبوص) الفصيلان الأكثر قوة ونفوذا داخل المدينة حيث يُعتبر كلاهما من أكثر الفصائل تسليحًا وعددًا، كما كانت لمشاركتهما العامل الأكبر للحسم في كل الصراعات المسلحة التي شاركت فيها مصراته. وهو ما ظهر جليًا في حرب فجر ليبيا (2014) وحرب تنظيم الدولة (داعش) في سرت تحت مسمى (قوات البنيان المرصوص). تأتي بعد ذلك تشكيلات مسلحة أقل تسليحًا وتأثيرًا مثل (لواء الصمود) بقيادة صلاح بادي و(سرايا السويحلي) و(كتيبة المرسى) و(كتيبة حطين).

رغم اختلاف حجم التسليح بين كل تلك الفصائل داخل مدينة واحدة إلا أنها لم تعرفاية صراعات بينها كما هو الحال بين التشكيلات المسلحة في المدن الليبية الأخرى على اساس البقاء للأقوى. ويرجع ذلك إلى عاملين. الأول هو الخلفية المناطقية المتماسكة والثاني هو توحيد القيادة تحت لواء (المجلس العسكري مصراته). عمليا، يقود (المجلس العسكري مصراته) قوات حكومة الوفاق ويعتبر القوة الضاربة لها وبدونها تنهار قوات الوفاق فعليا. إذ تشارك في العمليات العسكرية في ضواحي طرابلس اضافة إلى المنطقة الوسطى تحديدًا في محيط مدينة سرت التي سقطت في قبضة قوات القيادة العامة بقيادة الجنرال خليفة حفتر.

إن ربط مواقف (المجلس العسكري مصراته) بتيار الإسلام السياسي في ليبيا يحتاج في نظرنا لإعادة تحليل. ولا نستطيع ان أن نؤكد على وصفها كذلك، فكل المواقف التي اتخذها (المجلس العسكري مصراته) في حقيقة الأمر تعبر عن البعد المناطقي للمدينة حتى وان تقاطعت مع وجهة تيارات أخرى تُحسب على الإسلام السياسي.

4- الفصائل المسلحة في مدينة الزاوية:

تعتبر هذه المدينة، التي تبعد على العاصمة الليبية طرابلس 40 كيلومترا، ذات طابع مختلط من الناحية الديمغرافية. تستند مدينة الزاوية على القبيلة كجزء أصيل ومؤثر، اضافة إلى البعد العائلي والبعد العرقي مثل (الكراغلة) الذين يشكلون جزء أصيلًا من المدينة. هذا التنوع لم يكن على مستوى ديمغرافية المدينة فقط بل تجاوز ذلك الى البعد العسكري حيث ظهرت العديد من الفصائل المسلحة المنتمية لبعض القبائل مثل (أولاد صقر) وهي من أكبر القبائل داخل مدينة الزاوية ولها فصيل قوي ومؤثر، اضافة إلى فصيل آخر تحت مسمى (الخضاروة) نسبة إلى عائلة الخضراوي حيث يعتبر من أقوى الفصائل في الزاوية، بالإضافة إلى فصائل مسلحة أخرى يرتبط اسمها باسم من يقودها، وهي أقرب إلى مجموعات مسلحة من كونها فصيل أو تشكيل مقارنة بالتي تعهدها باقي المناطق والمدن الليبية.

هذه الفصائل في صراع مستمر وعمليات تصفية متبادلة لقادتها، ويحدث ذلك كلما كان هناك تضارب مصالح بينها. ولم يستطع حتى الآن أي فصيل من بسط سيطرته وإخضاع البقية له. وهي سمة لا تجدها إلا في الزاوية حيث ظلت المدينة في حالة صراع وتحارب. ورغم هذا الخليط غير المنسجم من الفصائل المسلحة إلا أنها فيما بينها تجابه أي تدخل من خارج المدينة. وظهر ذلك جليًا في حرب 2014 (فجر ليبيا) التي اصطفت فيها كل التشكيلات المسلحة في الزاوية جنبًا إلى جنب للمشاركة في هذه الحرب وكان لها دور بارزً خلالها.

اليوم، تعاود هذه الفصائل الإصطفاف معا مع حكومة الوفاق وضد قوات القيادة العامة بقيادة الجنرال خليفة حفتر. وقد كان لها تأثير جوهري في سير العمليات العسكرية، كما يعتقد العديد من المتابعين أن اختيار تلك التشكيلات للوقوف في صف حكومة الوفاق نابع من منطلق أن الأخيرة لم تتدخل في الصراعات المسلحة داخل الزاوية كما أنها لم تحاول أن تحدث فيها أي تغيير، على عكس ما يقدمه سيناريو قوات القيادة العامة بقيادة الجنرال خليفة حفتر الذي قد يحل هذه الكيانات ويجعلها تندمج داخل قوات القيادة العامة من دون الحفاظ على كيانها وقياداتها.

5- الفصائل العسكرية في مدينة ورشفانة:

أنتج السيناريو الليبي المعقد نتيجة الصراع المسلح منذ 2011 مدنا منتصرة ومدنا مهزومة. تعتبر ورشفانة نموذجا للمدن التي حسبت على صف النظام السابق مثلها مثل الزاوية. وقد تعرضت المدينة لعدد من الانتهاكات وجملة من الأعمال الانتقامية التي جعلتها تأخذ موقفًا ضد الثورة وقياداتها وانغلقت على نفسها وتحولت إلى مدينة معادية للثورة والدولة الناشئة الجديدة. ولعل هذا هو الخطأ الجوهري الذي وقعت فيه انتفاضة فبراير/فيفري حيث لم تستطع استيعاب هذه المدن والقبائل بالشكل الصحيح، وسادت حالة من الفوضى العسكرية عقب انتهاء الثورة واسقاط النظام السابق. وهو ما لم يوفر المناخ أو القدرة اللازمة لإدارة هذا الملف بطريقة صحيحة.

ولأنها من المدن التي حسبت على صف النظام السابق فكان هناك نوع من الحصار والمنع فيما يتعلق بالتسليح، والذي أصبح هو الآداة الوحيدة للتواجد على الساحة الليبية بعد 2011. وأستمر هذا الوضع حتى عام 2014 عندما اندلعت حرب (فجر ليبيا) والتي أعطت فرصة لهذه القبيلة للحصول على السلاح عندما قررت أن تصطف مع أحد طرفي الصراع وهي مدينة الزنتان. وقد تحالفا سويًا ضد تحالف فجر ليبيا بقيادة (المجلس العسكري مصراته).  وعقب اتخاذ قوات مدينة الزنتان قرار أُحادي الجانب بالانسحاب من طرابلس ومن دون التنسيق مع حليفتها الأولى ورشفانة. أدى ذلك إلى تحمل الأخيرة ضريبة هذا الانسحاب عندما وجدت نفسها فجأة تواجه تحالف فجر ليبيا منفردة. وهو الأمر الذي تسبب في تعرض المدينة لعملية تهجير كبيرة. كما دُمَرت العديد من المساكن والمباني في عملية انتقامية.

وقد أنتج كل ما سبق مشهدا عسكريا عنيفا في مدينة ورشفانة بعد ذلك، وعندما رجعت الفصائل المسلحة الى المدينة بعد الاتفاق الذي تمَ مع (المجلس العسكري مصراته).

بعد الرجوع اصبحت المدينة ساحة صراع بين التشكيلات المسلحة التي تنتمي في أغلبها لقبائل تمثل جسم ورشفانة بشكل عام وظهرت مجموعة من التشكيلات القوية وكانت على النحو الاتي:

سنة 2017، اعلنت حكومة الوفاق الوطني عملية عسكرية لبسط الأمن داخل مدينة ورشفانة. وكانت هذه العملية بقيادة قوات من مدينة الزنتان بقيادة اللواء أسامة الجويلي الذي استطاع أن يشق الاتفاق الداخلي بين كتائب ورشفانة المذكورة سلفًا وإقناع قائد (الكتيبة 155) (معمر الضاوي) من الاصطفاف إلى جانبه مقابل تسليمه المدينة بعد التخلص من باقي الفصائل الموجودة. وهو ما حدث فعلًا حيث بمساعدة الضاوي لم يكن هناك فرصة لباقي الكتائب للوقوف في وجه قوة الجويلي ومن هذا التاريخ أصبح هناك واقع عسكري جديد في مدينة ورشفانة.

يصطف معمر الضاوي مع قوات حكومة الوفاق في حربها ضد قوات القيادة العامة بقيادة الجنرال خليفة حفتر الذي ضم إلى قواته باقي كتائب ورشفانة المتبقية وهم (السبورطوات-اللفع-الحبابيط).

6- الفصائل المسلحة بمدينة الزنتان (المجلس العسكري الزنتان) : 

تُعد مدينة الزنتان ثاني أقوى ترسانة عسكرية في المنطقة الغربية، وذلك نتيجة دورها العسكري الكبير في الثورة الليبية سنة 2011. كما أنها تتشابه مع مصراتة في امتلاكها لمظلة عسكرية تجتمع تحتها كل التشكيلات المسلحة في المدينة وهي (المجلس العسكري الزنتان). بعد حرب 2014 المعروفة بـ(فجر ليبيا) وهزيمة (المجلس العسكري الزنتان) وخروجه من طرابلس ابتعدت هذه الفصائل عن المشهد العسكري لمدة ثلاث سنوات، كما تغيَر المشهد العسكري داخلها حيث أختفى فصيلان من أكبر الفصائل هما(الصواعق-والقعقاع). ويبدو أن القعقاع قد أندمجت في الصواعق بقيادة (عماد الطرابلسي) كما غيرت اسمها إلى (قوة الأمن العام الخاصة) والتي أعلنت فيما بعد انضمامها إلى قوات القيادة العامة بقيادة الجنرال حفتر في الشرق لدرجة حضور رئيس أركان قوات القيادة العامة اللواء عبد الرزاق الناظوري لحفل تخريج دفعات هذه القوة. لكن في نفس الوقت استمرت قوة اللواء اسامة الجويلي بالولاء لقوات حكومة الوفاق وأستمر الوضع على ما هو عليه حتى ابريل/فريل2019 عندما أعلن الجنرال حفتر عمليته العسكرية (طوفان الكرامة) لتحرير العاصمة (حسب وصفه). ومنذ ذلك التاريخ بدأت الخلافات تظهر داخل تشكيلات مدينة الزنتان فهناك فصائل عسكرية اعلنت انضمامها إلى حكومة الوفاق لإلى جانب قوة اللواء أسامة الجويلي كقوة النعاس (فصيل قبلي) وقوة القرج (فصيل قبلي). كما قررت قوة عماد الطرابلسي السالفة الذكر الانشقاق عن قوات حفتر والانضمام إلى قوات حكومة الوفاق وذلك بعد ان منحت حكومة الوفاق لهم فرصة العودة إلى مدينة طرابلس وتأمين المنطقة الغربية من العاصمة الليبية وتحديد منطقة حي الأندلس وما جاورها.

 بينما نجد على الجانب الآخر قوة اللواء (مادي) آمر المنطقة العسكرية الغربية لقوات القيادة العامة بقيادة الجنرال حفتر. وقوة العقيد (فرنانة) آمر الشرطة العسكرية في المنطقة الغربية اضافة إلى فصيل مسلح يسمى بكتيبة (برق النصر) وكتيبة (ابا بكر الصديق) المسؤولة عن حراسة نجل معمر القذافي (سيف الإسلام).

إن من يعلم جيدًا البعد القبلي في مدينة الزنتان يدرك جيدًا مدى التماسك التي تمتاز به هذه المدينة. لذلك نعتبر أن الوضع العسكري الجديد في مدينة الزنتان والانقسام الظاهر للمدينة هو أساسا انقسام سياسي براجماتي قائم على المصالح ولعب الأدوار. إذ يبدو ان هذه المدينة قد استفادت من درس حرب فجر ليبيا في سنة 2014. فعليا هذا الانقسام هو واجهة تنسيق حقيقي بين هذه الفصائل بحيث يكون لمدينة الزنتان دور داخل بنيان طرفي الصراع، وبذلك تضمن المدينة تواجدها بجانب المنتصر من طرفي الصراع والذي تستطيع من خلاله أولًا أن يكون لها دور واضح في تشكيل قيادة المشهد السياسي في ليبيا، وثانيا حماية الفصائل التي انضمت إلى الطرف المهزوم واخراجها من دائرة الهزيمة.

وهو ما يؤكده عدم تسجيل ولا حالة صدام واحدة طيلة أكثر من عام خلال الحرب الدائرة بالرغم من وجود تشكيلات مختلفة فيما بينها.

الخاتمة :

إن المشهد الأخير الذي مرت به الحرب في طرابلس والذي أدى إلى انسحاب قوات القيادة العامة بقيادة الجنرال خليفة حفتر إلى مدينة سرت أدى عن اعلان وضع جديد للفصائل المسلحة في المنطقة الغربية فهناك قوى جديدة أصبحت تتشكل في الوقت الذي أصبحت هناك قوى تخرج من المشهد جزئيًا أو بشكل كامل، عادت تشكيلات مدينة الزاوية بقوة إلى الساحة العسكرية في المنطقة الغربية، ويبدوا بأنها لن تسمح بأن يتم إقصائها هذه المرة كما حدث عقب انتهاء حرب فجر ليبيا 2014، ونتيجة لذلك أصبحت في حالة تشاحن مع قوات (المجلس العسكري مصراته) صاحبة القوة والنفوذ الأكبر في المنطقة الغربية والتي أصبح المشهد لها اوسع وأكبر خاصة في المنطقة الوسطى بعد هزيمة (الكانيات) وخروجهم من ترهونة مسقط رأسهم باتجاه المنطقة الغربية.

أما عن باقي الفصائل فنجد أن فصائل طرابلس تحاول أن تتموضع بشكل جديد خاصة أنها خسرت العديد من قدراتها العسكرية في هذه الحرب لهذا شرعت في انشاء ما يسمى اتحاد طرابلس الكبرى وهو جسم يقدم خطابًا أن طرابلس بأهلها وكأنه ايحاء بوجوب خروج كل التشكيلات المسلحة التي شاركت في حرب 4 أبريل|أفريل من طرابلس.

من المرجح أن تصطف باقي الفصائل مثل زوارة وباقي تشكيلات الأمازيغ وقوات غريان وغيرها بجانب قوات اللواء اسامة الجويلي (الزنتان) حيث تعتبر الزاوية أقرب بالنسبة لهم وكما أن الأخير تقبل فكرة اشراك التشكيلات الأخرى لحاجته لها على عكس مصراته التي تعتبر الوحيدة في ليبيا التي تستطيع أن تصنع حدث معين وأن تدافع عليه وعندما تنتصر غالبًا ما تغنم وتستأثر بالمكاسب لها وحدها من دون اشراك أي من حلفاؤها، وهذا يتضح من كل الحروب السابقة التي خاضتها بالشراكة والتحالف مع فصائل أخرى.

يبدوا ان الاصطفاف الثنائي بين فصائل مدينة الزاوية العسكرية من جهة وقوات مصراته من جهة الأخرى هي العنوان الكبير التي سيشكل المشهد العسكري في المنطقة الغربية خلال الفترة القادمة، وستقوم باقي الفصائل بالتموضع بناء على هذا الاعتبار حسب قدراتها وما يخدم مصالحها. وفي ظل عدم وجود رؤيا لحلحلة او ادماج تلك التشكيلات المسلحة في مؤسسات الدولة في ظل الانسام الحاصل، وهو ما يعني استمرار نفوذ تلك التشكيلات المسلحة في تشكيل المشهد السياسي والعسكري في ليبيا بشكل عام والمنطقة الغربية بشكل خاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *