إصداراتالدولتقاريرتونسليبيامصر

التقرير السنوي لمركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان تراجع الحقوق أمام محاولة استعادة «هيبة الدولة»

بالرغم اختلاف السياقات بين تونس وليبيا ومصر، إلا أن هاجس الدولة واستعادتها كان مسيطرًا.  ليست هيبة الدولة في ذاتها أمرًا مرفوضًا ما بقيت دليلًا على علوية القانون وتكريس حقوق الإنسان. إلا أن واقع الحال في هذه الدول أكد أن الأنظمة السياسية قد استغلت هيبة الدولة كحجة للسيطرة والهيمنة.

ظهر مصطلح “هيبة الدولة” بعد فترات من الفراغ الأمني في المرحلة اللاحقة لثورات العالم العربي “الربيع العربي” ولكن هل هناك فعلًا هيبة للدولة فقدتها كي تحاول أن تستعيدها!، وهل المقصود هو ملئ الفراغ الأمني من خلال تمكين السلطة الأمنية بالقوة والمعدات والتدريبات اللازمة والعمل على تشريعات تحميها من المحاسبة وتدعمها بصلاحيات لمزيد من العنف والقمع وتكرس للإفلات من العقاب!، وهل ستؤدي مثل تلك السياسات إلى حفظ الأمن والنظام العام وستعيد هيبة الدولة المزعومة.

أم أن هيبة الدولة تكون من هيبة واحترام مواطنيها وحقوقهم ومتطلباتهم وتمكينهم مجتمعيًا وتشريعيًا من كافة تلك الحقوق والمتطلبات والعمل على رفع من قيمة الكرامة الآدمية بما يضمن معاملة عادلة ولائقة داخل الوطن أو خارجه لكافة المواطنين بدون تمييز بين قطاعات ومكونات الوطن.

مثلت مصر نموذجًا عن هذه الوضعية. حيث ركّز الخطاب الرسمي على هدف محدد، وهو ضمان عدم سقوط الدولة مرة ثانية، على حد عبارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. في الأثناء، تزايدت حالات إنتهاك حقوق الإنسان من اختفاء قسري وتعذيب وسجن وقتل شمل إلى اليوم ما يقارب 60 ألف سجين سياسي.

كما كانت إستعادة الدولة وتوحيد مؤسساتها شعار المرحلة في ليبيا دون جدال. وهو مطلب مشروع بالنظر إلى نتائجه الإيجابية لجهة تجنب تقسيم ليبيا. لكن القوى على الأرض من جماعات مقاتلة وداعميهم الأقليميين والدوليين تتحرك في أغلبها خارج إطار القانون، مواصلة سياسة انتهاك صارخة لحقوق الإنسان، مع سعي الجميع إلى السيطرة على مؤسسات الدولة. وهو معطى سيؤثر بالضرورة على تبلور أية مشروع سياسي مستقبلي، ووجب لذلك الإبتعاد عن الإنتهازية وغلبة منطق القوة، حتى يعود الليبيون تحت سقف القانون وحقوق الإنسان جميعًا موحدين.

كذلك امتد مسار الإنتقال الديمقراطي في تونس على فترة طويلة، هيمن فيها السياسي على غيره من الملفات الاقتصادية والإجتماعية. رغم إلحاح الملفات الأخيرة وترددها في الخطاب السياسي، إلا أن الصراع السياسي أدى إلى الحد من فعالية سياسة الدولة التي أصبحت ارتجالًا يتابع الأحداث ولا يتوقعها. لا تبدو الرؤية الإستشرافية واضحة فيما يتصاعد خطاب هيبة الدولة وقوتها، وفي الأثناء تهيمن السياسة الأمنية بدء من التعامل مع الإحتجاجات وصولًا إلى المهاجرين الأجانب.

لا تعني هيبة الدولة شيئا إذا لم تدخل تحت سقف الدولة الديمقراطية كما نص على ذلك الدستور المصري والتونسي، وسقف ثورات الشعوب التي طالبت ولا تزال تطالب بالتحرر والتنمية السياسية والإقتصادية والإجتماعية. يدخل ما سبق في أفق التقرير السنوي لمركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان سبتمبر 2018-سبتمبر 2019، بهدف الإشارة إلى المسؤولية الجماعية والمشتركة في التأسيس للدولة الديمقراطية، والتي تأتي هيبتها من إنها دولة تحترم مواطنيها في أطار القانون وحقوق الإنسان وإعلاء قيمة الفرد وكرامته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *